رقم ( 7 )
ج1 ب1 ف 3 (وحدة الوجود وصراع الفقهاء مع الصوفية من أتباع ابن عربي في القرنين السابع والثامن الهجريين

           

 الفصل الثالث: (وحدة الوجود وصراع الفقهاء مع الصوفية من أتباع ابن عربي في القرنين السابع والثامن الهجريين ):

صراع الفقهاء مع  تلامذة ابن عربي في القرن السابع  

مقالات متعلقة :

 ابن عربى أصبح قضية خلافية فى العصر المملوكى  

1 ـ يلفت النظر أن الشعراني أوجز في ترجمته لابن عربي ، فلم تصل في الطبقات الكبرى إلا  ثلثي صفحة ، مع أن الشعراني شغف بابن عربي إلى درجة تلخيص آرائه في كتابي ( اليواقيت والجواهر ) و ( الكبريت الأحمر ) .. ويبدو أن تحرج الشعراني من الإسهاب في سيرة ابن عربي مرجعه إلى ما عاناه ابن عربى ( الشيخ الأكبر ) من إنكار في حياته وبعد مماته .. حتى أن الترجمة القصيرة التي أوردها الشعراني لم تخل من ذكر لبعض هذا الأذى وإن كان الشعراني – على عادة الصوفية – يغلفه بالكرامات . يقول مثلا ( وقد بُني عليه قبة عظيمة وتكية شريفة .. واحتاج إلى الحضور عنده من كان ينكر عليه من القاصرين بعد أن كانوا يبولون على قبره ، وأخبرني أخي الشيخ الصالح الحاج أحمد الحلبي أنه كان له بيت يشرف على ضريح الشيخ محيي الدين ، فجاء شخص من المنكرين بعد صلاة العشاء بنار يريد أن يحرق تابوت الشيخ فخسف به دون القبر ..) [1].. ولولا هذه الأساطير لما رويت قصص الإنكار على ابن عربي.. ذلك الإنكار الذي استمر على ابن عربي حتى عصر الشعراني في القرن العاشر..

2 ـ ومعنى ذلك أن ابن عربي أصبح قضية دينية في العصر المملوكي، احتدم حولها الصراع بين مؤيدين ومعارضين ، وقد انضم إلى المعارضين بعض الصوفية .. وذلك إما عن جهل وحقد على شخصية ابن عربي الفيلسوف الذائع الصيت بين صوفية يفتقرون إلى مثل علمه وشهرته.. وإما عن مكر وخداع حفاظاً على مذهب التصوف ، وحتى لا يصل إنكار الفقهاء إلى حد يؤثر على دين التصوف وأساسه .

3 ـ وطبيعي أن يكون المنكرون الحاقدون على ابن عربي من أهل عصره ، وأبرزهم الصوفي إبراهيم بن معضاد الجعبري ( ت 687 ) الذي اجتمع بابن عربي فقال عنه ( رأيت شيخاً نجساً يكذب بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي أرسله الله ) وذكر عنه أنه ( يقول بقدم العالم – أي إلوهية العالم – ولا يحرم فرجاً ) [2]  . أى يستحل الزنا حتى بالمحارم تأسيسا على عقيدة وحدة الوجود .ومع ذلك فالجعبري سالف الذكر صوفي لم يسلم من الإنكار عليه ، فذكر الشعراني أن القضاة عقدوا له مجلساً لمنعه من الوعظ ( وقالوا إنه يلحن في القرآن وفي الحديث ) ، ويبدو من شعره وكلماته( [3] ) أنه يتمتع بجهل زائد ، وهذا يفسر لنا موقفه السابق من ابن عربي صاحب العشرات من المؤلفات ..

وحظي ابن عربي بنقمة عز الدين بن عبدالسلام ، فروى تلميذه ابن دقيق العيد أنه سأل ابن عبدالسلام عن ابن عربي فقال ( هو شيخ سوء كذاب ، يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجاً ) [4] .ويقول الشعراني ( وكان الشيخ عز الدين بن عبدالسلام شيخ الإسلام يحط كثيراً عليه ، فلما صحب الشيخ أبا الحسن الشاذلي وعرف أحوال القوم صار يترجمه بالولاية والعرفان ..) [5]، . وهذا حقيقي فقد تناقض ابن عبد السلام مع تاريخه الطويل حين وفد إلى مصر , فاعتنق التصوف على يد الشاذلي وصار له مريداً ، وسبحان الله رب العالمين . وقد عاصر العسقلاني ( ت 686 ) الصوفى ابن سبعين ، وكان ينكر عليه بمكة كثيراً من أحواله ، وقد صنف في الاتحادية كتاباً في الإنكار عليهم ، وبدأ فيه الحلاج وختم بالعفيف التلمساني ( وقد فوضت له مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة ) [6] .

4 ــ وعرف القرن السابع تلاميذ متأخرين لابن عربي ، وتطرف بعضهم في محبته مثل الشيخ التيمي ت 719.  [7]، وقدم بعضهم إلى مصر ليدرس مذهب وحدة الوجود من كتب ابن عربي وحظي باعتقاد المصريين في ولايته مثل الشيخ أبي ذر، ت ( 780 ) [8]. وحظي الشيخ أبو عبد الله الكركي ت ( 800) بميل السلطان إليه ، فاستعمل ذلك في الدعوة ( إلى مقال ابن العربي الصوفي يناضل عنها ويناظر عليها ، ووقع له مع السراج البلقيني مقامات ) [9].

تأثر ارباب الطرق الصوفية فى القرن السابع بابن عربى وابن الفارض

  وقد شهد القرن السابع تكون أشهر الطرق الصوفية في مصر وأشياخها : أحمد البدوي ت ( 675 ) وإبراهيم الدسوقي (676) وأبو الحسن الشاذلي ( 656 ) .. وتأثير ابن عربي فيهم واضح ..

1 : فالبدوي يقول معبراً عن الاتحاد [10]

وباسطني عمداً فطاب خطابه           فيا طيبها من حضرة صمدانية

  فغيبني عني فصرت بلا أنا             دهشت بمرآة ووحدت وحدتي

وينحو فيها طريقة ابن الفارض في التائية ..وفي رحلته إلى العراق زار البدوي ضريح الحلاج [11]أشهر القائلين بالحلول والاتحاد .

2 – وقد قيل في الدسوقي " أنه يذهب إلى أكثر ما ذهب إليه الحلاج ، فهو يقول أنه عين الله في حين أن الحلاج قد سمى نفسه الحق [12]" وليس في ذلك من تحامل على الدسوقي ، فهو القائل في تائيته [13]:

         تجلى لي المحبوب في كل وجهـة               فشاهدته في كل معنى وصورة

         وخاطبني منـي بكشف سرائـري              فقال أتدري من أنا قلـت منيتي

         فأنت منائي بـل أنـا أنت دائمـا              إذا كنت أنت اليوم عـين حقيقتي

         فقــال كـذلك الأمـر لكـنه إذا              تعينت الأشياء كــنت كنسختي

        فأوصـلت ذاتـي باتحـادي بذاتـه            بغير حلول بــل بتحقيق نسبتي

        فصرت فنـاء فـي بقـاء مؤيـد              لذات بديمـــومة سرمــدية

        وغيبني عنـي فأصـبحت سـائلاً              لذاتي عن ذاتي لشغـلي بغيبتي

        وأنظر في مـرآة ذاتـي مشاهـداً              لذاتي بذاتي وهـي غاية بـغيتي

        أنـا ذلك القطب المـبارك وأمـره             فإن مدار الكل من حول ذروتي

       أنا شمس إشراق العقول ولـم أفـل              ولا غبت إلا عـن قلـوب عمية

       يروني في الـمرآة وهي صـديـة             وليس يرونـي بالمـرآة الصقيلة

       وبـي قامت الأنباء في كـل أمـة              بمختلـف الآراء والكـل أمـتي

       ولا جامـع إلا ولـي فيـه منـبر              وفي حضرة المختار فُزت ببغيتي

       وما شهدت عيني سوى عين ذاتها               وإن سـواها لا يـلم بفكـرتي

       بذاتي تقوم الـذات في كل ذروة                 أجــدد فيها حلة بـعد حـلة

فالدسوقي يقرر وحدة الوجود في البيت الأول وينسب لله أنه تجلى له فرآه في كل الكائنات المعنوية والمادية .وعبر عن الحلول في البيت الثاني إذ جعل الله يحل فيه ويخاطبه من داخل ذاته .ثم أثبت الاتحاد التام بينه وبين الله في البيتين الثالث والرابع ، وساوى بينه وبين الله ( تعالى عن ذلك علواً كبيراً ) فيقول مثلا : ( بل أنا أنت دائماً – أنت اليوم عين حقيقتي – إذا تعينت الأشياء كنت كنسختي ) . ثم تطرف الدسوقي فأنكر حلول الله فيه ، فجعل نفسه هو الذي يحل بالله ويتحد به ، وإن ذلك نسبه الحقيقي كما في البيت الخامس وما بعده إلى البيت الثامن . ثم خاطب العالم بصفته الجديدة فأثبت وحدة الوجود لا لله وإنما لنفسه ، فهو مدار الكل وشمس إشراق العلوم ولا يراه المحجوبون ( ولا غبت إلا عن قلوب عمية ) ، وإن الأنبياء جاءت إلى الأمم من لدنه ( وبي قامت الأنباء في كل أمة ..) والمصلون في الحقيقة يتجهون إليه ( ولا جامع إلا ولي فيه منبر) .. ثم أنه طبقاً لوحدة الوجود يظهر في كل صورة .. وتعبر عنه كل ذات ( بذاتي تقوم الذات في كل ذروة  أجدد فيها حلة بعد حلة ) ..

 ولم يتوقف الدسوقي عن إعلان عقيدته نثراً فهو القائل ( أنا كل ولي في الأرض خلعته بيدي أليس منهم من شئت ، وأنا في السماء شاهدت ربي ، وعلى الكرسي خاطبته ، أنا بيدي أبواب النار غلقتها ، وبيدي جنة الفردوس فتحتها ، من زارني أسكنته جنة الفردوس ..) [14]

 

 تطرف الطريقة الشاذلية فى إتباع ابن عربى

1-إكتسب أبو الحسن الشاذلى والطرية الشاذلية أكتسب الشهرة بالاعتدال وأنه أقرب الطرق الصوفية إلى مذهب أهل السنة وأبعد عن مدرسة ابن عربي.. وفي ذلك يقول أبو الوفا التفتازاني وهو باحث فى التصوف ومن شيوخ الطريقة الشاذلية فى عصرنا الراهن ( كان تصوف الشاذلي والمرسي وابن عطاء – وهم أركان المدرسة الشاذلية – مبتعداً تماماً عن مدرسة ابن عربي في وحدة الوجود ، فلم يكن واحد منهم قائلاً بهذا المذهب ، ولكن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك صلات بين مدرسة ابن عربي والمدرسة الشاذلية ، فالمدرستان تفرعتا عن أستاذ مغربي واحد وهو " أبومدين الغوث التلمساني " المتوفي 594 وهو الذي يمثل مذهب الفناء في التوحيد خير تمثيل ، وتتلمذ عليه ابن عربي وكثير من شيوخ الشاذلي ، ثم هناك إلى جانب هذا اتصال بين الشاذلي وبين بعض أصحاب ابن عربي ، وقع في مصر ، وتبادل فيه الطرفان الكلام في حقائق التصوف )[15]. فالكاتب يؤكد الصلات بين ابن عربي والشاذلي ، وإن تلك الصلات بدأت بالأخذ عن أستاذ واحد ، واستمرت بين تلاميذ ابن عربي والشاذلي ، ومع ذلك أختلف التصوف لدى الفريقين ، وذلك فرض يعوزه الدليل النقلي عن الشاذلي للتأكيد على أن طريقه كان مبتعدا تماماً عن ابن عربي ، وإن تلك اللقاءات بين الفريقين لا بد أن يظهر فيها التباين في الآراء الصوفية بينهما ، وربما تسفر عن قطيعة شأن المختلفين في العقائد .. إلا أن الكاتب بدل أن يثبت ذلك أثبت العكس حين قال ( ولم يطعن الشاذلي والمرسي وابن عطاء في القائلين بالوحدة والحلول ، ولا في حكيم الإشراق السهروردي المقتول الذي كان المرسي يتمثل أحياناً ببعض شعره في الحب ولا في أبي يزيد البسطامي .. ) [16] .

2 ــ وقد يكون من الأفضل أن نتعرف على عقيدة الشاذلي والمرسي من خلال ما كتبه تلميذهما ابن عطاء في ( لطائف المنن ) لنرى إلى أي حد تأثرت الشاذلية بآراء ابن عربي وعبرت عن عقيدة الاتحاد ووحدة الوجود .. يقول الشاذلي ( في بعض كتب الله تعالى المنزلة على بعض أنبيائه : من أطاعني في كل شيء أطعته في كل شيء ) [17]. وذلك حديث مفترى يسوي بين الخالق – وطاعته واجبة – والمخلوق وهو مطالب بالطاعة ويثاب عليها بالنجاة من النار ودخول الجنة بفضل الله وتكرمه ، والمهم أن الشاذلي ( وهو يفتري هذا الحديث الذي نسبه إلى بعض الكتب المنزلة ولم يعينها – على بعض الرسل – لم يعرفنا بهم ) بعد ذلك خلص إلى غرضه الأساسي ، وهو شرح هذا القول في ضوء فهمه لعقيدة الصوفية في الاتحاد ووحدة الوجود .. ( فقال الشيخ أبو الحسن : من أطاعني في كل شيء بهجرانه لكل شيء ، أطعته في كل شيء بأن أتجلى له دون كل شيء ، حتى يراني أقرب إليه من كل شيء ، هذه طريقة أولى وهي طريقة السالكين ، وطريقة كبرى : من أطاعني في كل شئ بإقباله على كل شئ يحسن إرادة مولاه في كل شيء ، أطعته في كل شئ، بان أتجلى له في كل شيء .. حتى يراني في كل شيء ، وإذ قد عرفت هذا فأعلم أنهما ولايتان : ولي يغني عن كل شيء قلا يشهد مع الله شيء ، وولي يبقى في كل شيء فيشهد مع الله تعالى في كل شيء ، وهذا أتم ) [18] .فعبر الشاذلي عن الاتحاد أو طريقة السالكين ( بأن أتجلى له دون كل شيء حتى يراني أقرب إليه من كل شيء ) وهو صوفي (لا يشهد مع الله شيء )  أو بتعبير الغزالي ( لا يري إلا فاعلاً واحداً  ،وعن وحدة الوجود قال ( وطريقة كبرى .. أطعته في كل شئ بأن أتجلى له في كل شئ حتى يراني في كل شئ ) والصوفي حينئذ ( يشهد الله تعالى في كل شئ .. وهذا أتم ) .

3 ــ وشرح الشاذلي مقام ( القُرب ) في ضوء عقيدة الاتحاد فقال ( حقيقة القرب أن تغيب في القرب عن القرب العظيم , القرب لمن يشم رائحة المسك ، فلا يزال يدنو منها ،كلما دنا تزايد ريحها ، فإذا دخل البيت الذي هو فيه انقطعت رائحته عنه )[19]. ويقول الشاذلي (الصوفي من يرى الخلق لا موجودين ولا معدومين ..) وقال ( إنا لا نرى أحداً من الخلق ،هل في الوجود أحد سوى الملك الحق ؟ وأن كان لابد فكالهباء في الهواء إن فتشته لم تجد شيئا )[20]. وهو متأثر بقول ابن عربي (إن شئت قلت هو الخلق وإن شئت قلت هو الحق وإن شئت قلت هو الخلق الحق .. وإن شئت قلت بالحيرة في ذلك )[21] فقال الشاذلي ( إن الخلق لا موجودين ولا معدومين ) .. واعتبر وجود الخلق ( كالهباء في الهواء ).

4 ــ وقد سبق القول في أن ابن عربي ارتفع بمكانة الإنسان حتى جعله بالنسبة لله تعالى (بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر ) .. وقد تأثر به الدسوقي فجعل من نفسه الأصل الذي تصدر عنه مظاهر الأشياء ، كما عرضنا في شرح قصيدته السابقة ، ثم ألمح الشاذلي إلى هذه النقطة حين جعل نفسه يتحد مع تلميذه المرسي فقال له ( يا أبا العباس ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا وأنا أنت )[22] وتأسيسا على ذلك فقد رويت أسطورة منامية بعد موت الشاذلي جعلته يحل في شخص المرسي ، يقول ابن عطاء (وأخبرني بعض أصحابنا قال: رأى إنسان من أهل العلم والخير كأنه بالقرافة الصغرى والناس مجتمعون يتطلعون إلى السماء ، وقائل يقول : الشيخ أبوالحسن الشاذلي ينزل من السماء والشيخ أبو العباس مترقب لنزوله متأهب له ، فرأيت الشيخ أبا الحسن قد نزل من السماء وعليه ثياب بيض ، فلما رآه الشيخ أبو العباس ثبت رجليه في الأرض وتهيأ لنزوله عليه فنزل الشيخ أبوالحسن عليه ودخل من رأسه حتى غاب فيه  )[23]. أي أن الشاذلي ادعى أنه الذي يتحد بخليفته ، ثم جاء أتباعه فجعلوا من الشاذلي – بعد موته – ينزل من السماء ليحل في شخص تلميذه المرسي .. والشاذلي يرى أن شأن الولي الحقيقي - ويقصد نفسه – وهو أن يكون عين الاسم الأعظم لله تعالى [24].

5 ــ وقد كان ابن مشيش هو الشيخ المباشر للشاذلي ، ولا زالت صلاة ابن مشيش هي الورد المفضل للشاذلية حتى اليوم .. وفيها يقول ابن مشيش (وزُجّني في بحار الأحدية ،وانشلني من أوحال التوحيد ، وأغرقني في بحر عين الوحدة ، حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بك )[25]. فابن مشيش لا يكتف بادعاء الوحدة وأن يكون في عين ذات الله وإنما يعتبر ( لا اله إلا الله ) أوحالاً يترفع عن التدين بها ، ويبغي الفرار منها إلى الاتحاد بذات الله والغرق (في بحر عين الوحدة )..

 ويبدو تأثر الشاذلي بصلاة ابن مشيش، فهو يقول في دعائه ( اجعلني عندك دائما وبك قائما ..واسقط البين بيني وبينك حتى لا يكون شئ أقرب إلى منك ولا تحجبني بك عنك )[26]. ، ويقول ( اللهم هب لي من النور الذي رأى به رسولك ما كان وما يكون ،ليكون العبد بوصفي سيده لا بوصف نفسه )[27]. ويقول الشاذلي في حزبه ( اللهم صلني باسمك العظيم الذي لا يضر معه شئ في الأرض ولا في السماء وهب لي منه سراً لا تضر معه الذنوب شيئاً .. وأدرج أسمائي تحت أسمائك وصفاتي تحت صفاتك وأفعالي تحت أفعالك .. واغنني حتى تغنى بي وأحيني حتى تحيا بي )[28].

6 ــ ولم يتخلف أبو العباس المرسي عن ركب شيخه ، ويقول عن خاصة الأولياء وأحسبه يقصد نفسه ( إن لله تعالى عبادا محق أفعالهم بأفعاله وأوصافهم بأوصافه وذاتهم بذاته ، وحملهم من أسراره ما يعجز عامة الأولياء عن سماعه ، وهم الذين غرقوا في بحر الذات وتيار الصفات، فهي إذن فئات ثلاثة ؛ أن يفنيك عن أفعالك بأفعاله وعن أوصافك بأوصافه وعن ذاتك بذاته .. فإذا أفناك عنك أبقاك به ..)[29].

ويقول المرسي يصف إلوهية الولي الصوفي المتحد بالله ( لو كُشف عن حقيقة الولي لعُبد لأن أوصافه من أوصافه ونعوته من نعوته )[30]أي لو عرف المحجوبون من البشر حقيقة ألوهية الولي الصوفي لعبدوه ، لأن صفاته من صفات الله ( تعالى عن ذلك علواً كبيراً ..)

ويقول تعليقا على نظرة الصوفية لسجود الملائكة لآدم ( أطلعني الله تعالى على الملائكة ساجدة لآدم فأخذت بقسطي من ذلك فإذا أنا أقول :

            ذاب رسمي وصح صدق فنائي          وتجـلت للسر شمس سمـائـي

            وتنزلـت في العـوالم أبـدي           ما انطوى في الصفات بعد صفائي

            فصفاتي كالشمس تبدي صفاها           ووجـودي كاليل يـخفي سوائي

            أنا معنى الوجود أصلاً وفصلاً          مـن رآنـي فسـاجدُ لبـهائـي

            أي نــور لأهـله مسـتبين           أشهدونـي فقـد كشفت غطائي [31]

وفي البيتين الأخيرين عبر عن تطرف ابن عربي في تفضيل الإنسان – أو الولي الصوفي – على الله تعالى .

7 ــ ويقول التفتازاني ( ولقد لاحظنا بعد استقراء طويل لأقوال ومذاهب صوفية مصر منذ القرن الثالث إلى القرن السابع ، سواء منهم من كان مصرياً أو وافداً إلى مصر ومقيما بها ما يلي : لم يقل واحد منهم بوحدة الوجود أو الحلول أو الاتحاد .. يخلو تصوفهم من العناصر الأجنبية غير الإسلامية ، وتصوفهم في نظرنا بمثل التصوف الإسلامي الخالص ) [32] .

وهو قول مجاف للحق تماماً ، فأبن عمر بن الفارض والعفيف التلمساني وغيرهم ؟؟ وشهرتهم بالاتحاد والحلول لا ينكرها أحد من معاصريهم ، التفتازاني نفسه يقول ( على أنه منذ القرن السادس الهجري أيضاً نجد مجموعة أخرى من شيوخ التصوف الذين مزجوا تصوفهم بالفلسفة ) ، وذكر منهم ( سلطان العاشقين الشاعر الصوفي المصري عمر بن الفارض .. وواضح أنهم قد استفادوا من عديد من المصادر والآراء الأجنبية كالفلسفة اليونانية خصوصاً مذهب الأفلاطونية  الحديثة .. وقد آثار متفلسفة الصوفية فقهاء المسلمين واشتدت الحملة عليهم لما ذهبوا إليه من القول بالوحدة الوجودية ، وكان أبرز من حمل عليهم ابن تيمية ) [33]  . والمهم أن دعوة التفتازاني لتأكيد الاعتدال في الطريقة الشاذلية التي ينتمي إليها جعلته يبالغ فيسحب ذلك الاعتدال على صوفية مصر جميعاً .. وذلك ما يأباه المنطق والتاريخ معاً ..

إنكار الفقهاء على شيوخ الطرق الصوفية المشهورة فى العصر المملوكى

1 ـ ويتمتع أشياخ الطرق – خاصة البدوي والدسوقي والشاذلي – بتقديس اضطرد مع تتابع السنين ، بما كرسه الأتباع من تأليه وعبادة لهم طبقاً لعقيدة الصوفية . إلا  أن ذلك التقديس المضطرد لا يحجب حقيقة هامة تتمثل في وجود الإنكارعليهم في حياتهم مع ما كان للتصوف من دولة زاهرة في العصر المملوكي ..

2 ـ فابن دقيق العيد أنكر على أحمد البدوي وجاء في الجواهر السنية ( إن مولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد كان ينكر على الشيخ أحمد البدوي ) [34] . وتنتهي قصة الإنكار بكرامة تجعل ابن دقيق العيد يعتقد ولاية البدوي ، ويذكر الشعراني أن الخطباء في طنطا انتصروا لأحد المنكرين على البدوي وبنوا له مئذنة عظيمة ( فرفسها سيدي عبد العال برجله فغارت إلى وقتنا هذا ) [35] .

3 ــ ولا شك أن ادعاءات الدسوقي المتطرفة قد أثارت الإنكار عليه ، فكان يقول ( عليكم بتصديق القوم في كل ما يدعون ، فقد أفلح المصدقون وخاب المستهزئون ، فإن الله تعالى قذف في سر خواص عباده ما لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل ..ما أنا قلت هذا من عندي إنما هو كلام أهل العلم بالله تعالى فما للعاقل إلا التسليم وإلا حرم فوائدهم وخسر الدارين ) [36] . أي أن الدسوقي يرد الإنكار بما يستوجب الإنكار ، إذ فضل الولي الصوفي على النبي والملائكة ولا دليل له من كتاب أو منطق ، وإنما من كلام الصوفية وأحاديثهم أو على حد قوله ( إنما هو كلام أهل العلم بالله تعالى )..

والطريف أن الدسوقي قد أوسع مكاناً في النار للمنكرين عليه وأحبط أعمالهم .. وذلك في معرض استعراض إلوهيته يوم القيامة يقول ( ومن كراماتنا .. أني سددت أبواب جهنم السبع بفوطتي وفتحتها لأعدائي وأدخلتهم فيها ، ومنها أني فتحت أبواب الجنة الثمانية بيدي وأدخلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها ، ومنها أن صنج الميزان بيدي أُصيّر حسنات مريدي أثقل من سيئاته ، ومسّيت عليها بيدي فصارت سيئات المنكرين علىٌ أثقل من حسناتهم ولو كانوا مطيعين ) [37].

4 ــ وقد لعب الإنكار على الشاذلي دوراً هاماً في حياته ، مع أنه اشتهر ظاهرياً بالاعتدال ومعلوم أن الإنكار دائماً من نصيب الصوفي المتطرف في العصر المملوكي ويزداد الإنكار بازدياد تطرف الصوفي في ادعاءاته : ويقول الشعراني عن سبب مجيء الشاذلي إلى مصر ( وأخرجوا أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه من بلاد المغرب بجماعته ، ثم كاتبوا نائب الإسكندرية بأنه سيقدم عليكم مغربي زنديق وقد أخرجناه من بلادنا فالحذر من الاجتماع عليه ، فجاء الشيخ إلى الإسكندرية فوجد أهلها يسبونه ، ثم وشوا به إلى السلطان ، ولم يزل في الأذى حتى حج بالناس ) [38].

وقد فطن الشاذلي إلى نقطة الضعف في الإنكار عليه ، وهي اقتصاره على الصوفية المعاصرين مع تقدير وتقديس أوائل الصوفية ، فاتخذ الشاذلي من ذلك تكأة للهجوم عليهم يقول ( صدقوا بكرامات الأولياء الذين ليسوا في زمانهم كمعروف والسري والجنيد وأشباههم ، وكذبوا بكرامات أولياء زمانهم فهي كمال قال الشيخ أبو الحسن : والله ما هي إلا إسرائيلية  ، صدقوا بموسى وعيسى عليهما السلام وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنهم أدركوا زمنه ) [39] . وواضح أنه يطلب الإيمان والتصديق بالأولياء الصوفية وعدم التكذيب بهم كالأنبياء ، ولكن طبقا لعقيدة التصوف في تأليه الولي الصوفي والإيمان به إلاهاً .

 وكان ابن عطاء السكندري في بدايته ينكر على المرسي ويقول ( هؤلاء القوم يدعون أموراً عظيمة وظاهر الشرع يأباها ) [40] .

5 ــ والمرسي عبر عن طبيعة الإنكار على الصوفية في عصره على نسق ما قاله شيخه الشاذلي فيقول ( يكون الرجل بين أظهرهم فلا يلقون إليه بالاً ، حتى إذا مات قالوا كان فلان ، وربما دخل في طريق الرجل بعد وفاته أكثر مما دخل فيها في حياته ) [41] .وكان جد ابن عطاء من المنكرين على الشاذلي والمرسي ومن العلماء ، وقد استنسخ ابن عطاء كتاباً للمرسي ، فأعجب المرسى بصيغته وإن لم ينس حقده على جد ابن عطاء ، فقال  في معرض مدحه له ( هذا الكتاب استنسخه لي ابن عطاء الله ، والله ما أرضى له بجلسة جده ، ولكن بزيادة التصوف ) [42] ..

وتنكب ابن عطاء طريق جده ، فأصبح علماً للمدرسة الشاذلية ومؤرخاً لها ، فأصبح مثالاً يجسد انتشار التصوف والطرق الصوفية ، حتى أن الطريقة الأحمدية المنتمية للبدوي تخطت حدود مصر إلى الشام فاصطدمت هناك بزعيم الفقهاء ابن تيمية ..

 

حركة ابن تيمية الحنبلى ضد أتباع ابن عربى فى القرن الثامن

مدخل : ابن تيمية ونصر المنبجي :

فتح هذا القرن عينيه ليشهد ثورة الفقهاء الحنابلة بزعامة ابن تيمية على نفوذ أتباع ابن عربي في أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن ، ممثلا في نصر المنبجي الذي سيطر على السلطان المملوكي بيبرس الجاشنكير الذى إغتصب العرش من الناصر محمد بن قلاوون .و نصر المنبجى كان شيخ بيبرس الجاشنكير قبل توليه السلطنة وبعدها . ونصر المنبجى هو الذى كان يُدبر الدسائس ضد ابن تيمية الذى كان وقتها أبرز الفقهاء السنيين فى الشام موطنه وفى مصر مركز السلطنة المملوكية . وبلغ الصراع بين ابن تيمية ونصر المنبجى أوجه ، وانهزم فيه ابن تيمية لأن العصر كان عصر التصوف . وابن تيمية فى الواقع كان أول ضحية لدين التصوف السنى ، آمن به وانهزم به . وإثمرت حركته فى النهاية مزيدا من الانتصار لمتطرفى الصوفية ، ودفعا متزايدا لعقيدتهم فى وحدة الوجود ( أقبح أنواع الكفر ) والتى ثار عليها ابن تيمية مُنكرا لها مُتصورا أن رُوّاد التصوف الأوائل ـ الذين يقدسهم ابن تيمية ـ لم يقولوا بها . وبهذا انتهت ثورة ابن تيمية الى صفر كبير ، بل الى ما تحت الصفر ، بحيث إستلزم الأمر ثورة ثانية فى القرن التالى ( التاسع ) فى ( كائنة البقاعى ) الذى حاكى ابن تيمية ، وكان مثله فى الاعتقاد والتسليم بالتصوف السنى وحصر الانكار على الصُرحاء  كابن عربى وابن الفارض ، مع تقديس الرواد الأوائل . وانتهى البقاعى أيضا الى نفس الصفر ، بل وتحت الصفر.

وننقل وقائع ما حدث لابن تيمية من خلال مؤرخ شاهد على العصر هو الأمير بيرس الداودار فى تاريخه المخطوط ( سيرة الناصر ) أى الناصر محمد بن قلاوون .

محاكمة ابن تيمية الأولي في الشام ..

كان الشام تابعا للسلطة المملوكية . وفيها كانت بداية الثورة الحنبلية التيمية على أتباع ابن عربى .

ونتابع المؤرخ الأمير بيبرس الداوداري وهو معاصر لهذه  الفترة ، ويقول أن مجلسا ًعقد لمحاكمة ابن تيمية فى الشام في رجب 705 برعاية القضاة المناصرين للصوفية ومن أعداء ابن تيمية : ( وسألوه في مواضع خارجاً عن العقيدة ( أى خارج عقائد التصوف من الحلول والاتحاد ووحدة الوجود خشية إثارة الجدل حولها ) ، ثم رجعوا واتفقوا أن يحاققه ( القاضى )ابن الزملكاني ( عدو لابن تيمية ) من غير مسامحة ( اى بالشدة )، وانفصل الأمر بينهم ( إنتهى الأمر ) على أنه ( ابن تيمية ) أشهد  على نفسه الحاضرين أنه شافعي المذهب ( أى تنكّر ابن تيميه لمذهبه الحنبلى المتعصب ليتقرب الى قاضى القضاة الشافعى بالشام . وكانت العادة فى العصر المملوكى أن يكون قاضى القضاة الشافعى  هو الأعلى مكانة بين أقرانه . ووقتها كان قاضى القضاة الشافعى فى الشام هو نجم الدين بن صصرى ، فنجح ابن تيمية فى إجتذابه الى صفه ضد خصومه من القضاة التابعين للصوفية وشيخهم ابن نصر المنبجى المتحالف مع الأمير المملوكى المسيطر فى القاهرة وقتها وهو بيبرس الجاشنكير )  ، وابتهج أصحاب الشيخ ( ابن تيمية ) وقالوا : ظهر الحق مع شيخنا ، فعزّروا أحدهم ( أى عاقبوه بالضرب )، ثم حُبس أحد أصحاب ابن تيمية لأنه قرأ فصلاً في الرد على الجهمية من تصنيف البخاري،فظنوا ( اى خصوم ابن تيمية من شيوخ  الصوفية ) أنهم المقصودون بالتكفير ، فأخرجه ابن تيمية من الحبس ( أى قام ابن تيمية بأعوانه وأخرج هذا الفقيه التابع له من السجن تحديا للسلطة ) ، وتنازعوا ( تنازع ابن تيمية مع خصومه )، وكان نائب السلطان ( أى الوالى المملوكى حاكم الشام نائبا عن السلطان المملوكى فى القاهرة ) غائباً في الصيد ، فلما جاء أعتقل من أكثر من الكلام من الطائفتين (الفقهاء والصوفية )، وهدد من تكلم في العقائد ليخمد الفتنة "..

محاكمته الثانية في مصر :

ونتابع المؤرخ الأمير بيبرس الداوداري المعاصر لهذه  الفترة ، وهو يقول عما حدث فى الشام وقتها : (  وقد اجتمع القضاة للبحث في العقيدة وانتهى الاجتماع بين ابن الوكيل وابن الزملكاني بأن جعل القاضي نجم الدين بن صيصري قاضي القضاة يعزل نفسه رغم إلحاح الأمراء عليه ، ثم ورد من مصر بعودته للحكم ، ومضمون أحد الكتابين يقول : قد فرحنا بإجماع رأي العلماء على عقيدة الشيخ تقي الدين ( ابن تيمية ) ، فباشر القاضي نجم الدين مستهل شهر رمضان وسكنت الفتنة . )، أى عاد قاضى القضاة الشافعى لمنصبه فى الشام و إنتصر الفقهاء فى مصر لرأى ابن تيمية وإنكاره على ( إبن عربى ) لأن قاضى القضاة الشافعى الأعلى منصبا هدّد بالاستقالة واستقال برغم إلحاح الأمراء عليه . ورفضوا إستقالته ، ووافق القضاة على رأى ابن تيمية بعد هذا الضغط الذى قام به قاضى القضاء الشافعى ابن صيصرى .

ولم يرض كبار الصوفية وزعيمهم  نصر المنبجى بالهزيمة ، وبنفوذهم أرسل بيبرس الجاشنكير صاحب السلطة من القاهرة أمرا باعتقال ابن تيمية ، يقول مؤرخنا بيبرس الدادوار : ( ثم ورد مرسوم آخر في (5) رمضان بطلب نجم الدين بن صيصري وابن تيمية وابن الزملكاني ، وفيه إنكار على ابن تيمية ، ثم وصل مملوك ملك الأمراء ( يقصد بيبرس الجاشنكير المتغلب على السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، ولم يكن الجاشنكير قد تولى السلطنة رسمياً بعد ُ ) على البريد ، وأخبر إن الطلب على ابن تيمية حثيث ( يعنى الأمر بإعتقاله ) ، وإن القاضي المالكي ابن مخلوف قد قام في الأمر قياماً عظيماً، وإن بيبرس الجاشنكير معه في الأمر ، وأخبر بأشياء كثيرة وقعت في مصر في حق الحنابلة ( أتباع ابن تيمية ) وإن بعضهم أهين ، وإن القاضي المالكي ( المنحاز للصوفية ) والحنبلي ( المؤيد للفقهاء) جرى بينهما كلام كثير ( أى نزاع ) ، فأمر ملك الأمراء ( بيبرس الجاشنكير ) بتجهيزهم ( اى بتجهيز وفد لإعتقال ابن تيمية وإحضاره الى القاهرة ) فوصلوا في رمضان ، وعقد مجلس لابن تيمية في دار النيابة ( بمصر)  بحضور الأمير سلار ( المشارك لبيبرس الجاشنكير فى السلطة ) ، والعلماء والأئمة والقضاة الأربعة وبيبرس ، فادعى ابن عدلان القاضي الشافعي على ابن تيمية دعوى شرعية في عقيدته ، فأراد ابن تيمية أن يذكر عقيدته في فصل طويل ، فقالوا له : يا شيخ الذي بتقوله معلوم ولا حاجة للإطالة ، وأنت قد ادعى عليك هذا القاضي بدعوى شرعية أجب عليها ، فأعاد القول في التحميد فلم يمكنوه في تتمة تحاميده ، فقال عند من هي هذه الدعوى ؟ فقالوا : عند القاضي زين الدين المالكي ، فقال : عدوي وعدو مذهبي..وطال الأمر فحكم القاضي المالكي باعتقاله ، فاعتقل ، وسجن أخوته في برج من أبراج القلعة .. وبلغ القاضي أن جماعة من الأمراء يترددون إليه وينفذون إليه المآكل ، فطلع القاضي للأمير ركن الدين بيبرس في قضيته ، وقال : هذا يجب عليه التضييق إذا لم يقتل وإلا فقد ثبت كفره ، فنقلوه هو وإخوته ليلة عيد الفطر إلى الجب بالقلعة .. ثم كتب إلى دمشق كتاباً يتضمن حل دم ومال من اعتقد عقيدة ابن تيمية، وقرئ الكتاب بجامع دمشق وألزم به الحنابلة خصوصاً ) [43] .

     سبب محاكمة ابن تيمية فى الشام ومصر

1 ـ ويقول المؤرخ بيبرس الداودار تحت عنوان ( ذكر السبب الموجب لهذه الفتن المذكورة ) يعلل السبب الحقيقي في اعتقاله : ( أحضر بعض أصحاب ابن تيمية له ( كتاب )  فصوص الحكم لابن عربي ، فرأى فيه الشيخ مسائل تخالف اعتقاده ، فشرع في لعن ابن العربي وسب أصحابه ممن يعتقد اعتقاده ، ثم اعتكف الشيخ (ابن تيمية ) في شهر رمضان وصنف نقيضه وسماه (النصوص على الفصوص ) ، وبين فيه الخطأ الذي ذكره بن عربي .. وبلغه أن شيخ الشيوخ كريم الدين شيخ خانقاة سعيد السعداء بالقاهرة له اشتغال بمصنفات ابن عربي وأنه يعظمه تعظيماً كبيراً ، وكذلك الشيخ نصر المنبجي(ت719 )، ثم إن الشيخ صنف كتابين فيهما إنكار كثير على تأليف ابن العربي ولعنه فيهما مصرحاً ولعن من يقول بقوله ، وسير الكتاب الواحد للشيخ نصر المنبجي والشيخ كريم الدين ، فلما وقف عليه الشيخ نصر تألم ،وكانت له منزلته عند ركن الدين بيبرس (الجاشنكير المتحكم في السلطنة ) الذي لا يقوم ولا يقعد إلا به ، وكان سائر الحكام من القضاة والأمراء وأرباب المناصب يترددون عند الشيخ نصر لأجل منزلته عند بيبرس الجاشنكير ، فحضر عنده القاضي ابن مخلوف المالكي عقيب وقوف نصر على كتاب ابن تيمية ، فأوقفه على الكتاب المذكور، فقال له القاضي: أوقف الأمير ركن الدين بيبرس عليه وقرر ما أحببت وأنا معك كيف شئت ، وألزم الأمير ركن الدين بطلبه إلى الديار المصرية ونسأله عن عقيدته فقد بلغني أنه أفسد عقول جماعة كبيرة ،وهو يقول بالتجسيم ، وعندنا من اعتقد هذا الاعتقاد كفر ووجب قتله .. فلما حضر الأمير ركن الدين ( بيبرس الجاشنكير ) عند الشيخ نصر ( المنبجى ) على عادته أجرى له ذكر ابن تيمية وأمر عقيدته ، وأنه أفسد عقول جماعة كبيرة ، ومن جملتهم نائب الشام وأكبر الأمراء الشاميين ، والمصلحة تقتضي طلبه إلى الأبواب العالية ، ويطلب منه عقيدته وتقرأ على العلماء بالديار المصرية من المذاهب الأربعة ، فإن وافقوه وإلا يستتيبوه ويرجعوه ليرجع على مذهبه واعتقاده ساير من لعب بعقله من الناس ،ثم ذكر له ذنوباً آخر ، حتى حرّض بيبرس على طلبه )[44] .

2 ــ أي صار لعقيدة وحدة الوجود النفوذ والسيادة في مطلع القرن الثامن ممثلة في تسلط نصر المنبجي على كبير السلطة المملوكية (بيبرس الجاشنكير) والأمراء المماليك والقضاة السنيين غير الحنابلة الذين لا يشاركون الحنابلة رأيهم فى ( التجسيم للإله ) ،( وكان سائر الحكام من القضاة والأمراء أرباب المناصب يترددون عند الشيخ نصر لأجل منزلته عند بيبرس الجاشنكير ) وزين القاضي ابن مخلوف لنصر المنبجي استحضار ابن تيمية لمصر حيث يتمكن من قتله متهما بالكفر .. واعتبرا معاً أن دعوة ابن تيمية ضد العقيدة الصوفية بمثابة (إفساد لعقول جماعة كبيرة ) .. وأثار نصر المنبجي خوف بيبرس الجاشنكير من ابن تيمية ، منها أنه ضم إليه (نائب الشام )(وأكبر الأمراء )، بمعنى أن إبن تيمية يستطيع السيطرة على والى الشام ( نائب السلطان فى الشام فيستقل بحكم الشام . وذكر له ذنوبا آخر حتى حرص بيبرس على طلبه ..

3 ــ وكان ابن تيمية قد تعرض لمحاكمة في الشام من أعوان الصوفية اتخذ صورة الخلاف الفقهي ( وانفصل الأمر بينهم على أنه أشهد على نفسه الحاضرين أنه شافعي المذهب ) ومع أن العقائد كانت فحوى الخلاف وأساسه ، إلا أنهم تجاهلوا ذلك تحرجاً من إعلان عقيدة الصوفية ، حتى لا تتعرض لتفنيد ابن تيمية ومناقشته ، لذا ( سألوه في مواضع خارجاً عن العقيدة ) ..وكان موقف المماليك في الشام معتدلاً ، فاعتقل النائب المملوكي (من أكثر من الكلام من الطائفتين وهدد من تكلم في العقائد ليخمد الفتنة ).. ثم وردت من مصر موافقة على مذهب ابن تيمية ، ثم حدث الانقلاب وحملوا ابن تيمية إلى مصر ، وذلك بعد أن وصل لنصر المنبجي كتاب ابن تيمية في لعن ابن عربي وأتباعه .. وأخبر البريد ( أن الطلب على ابن تيمية حثيث ، وأن القاضي ابن مخلوف قد قام في الأمر قياماً عظيماً ،وأن بيبرس الجاشنكير معه في الأمر ) .

4 ــ واستمر تجاهل الصوفية في مصر لموضوع العقيدة أثناء محاكمة ابن تيمية فاشتطوا في منع ابن تيمية  من شرح عقيدته (.. فأراد ابن تيمية أن يذكر عقيدته في فصل طويل ، فقالوا له : يا شيخ الذي بتقوله معلوم ولا حاجة للإطالة )، بل منعوه في ذلك المجلس الذي عقد لمحاكمته – من مجرد تحميد الله والبدء في الكلام .. وكان التحامل واضحاً على ابن تيمية تنفيذاً للمخطط الذي وضعه ابن مخلوف وباركه نصر المنبجي ووافق عليه بيبرس الجاشنكير .. وانتهى الأمر بحكم القاضى ابن مخلوف باعتقال ابن تيمية ، ثم لم يكتف بذلك فسعى لدى بيبرس الجاشنكير  حتى منع الأمراء من الاتصال به ، وما زال به حتى حبسه في الجُب ، وهدد أتباعه من الحنابلة بالقتل إذا أنكروا على عقائد الصوفية الاتحادية ..

5 ــ وأشاع الصوفية بين الناس أن خلافهم مع ابن تيمية فقهي لا يتطرق إلى العقائد حتى أن المؤرخين اللاحقين لهذه الفترة صدقوا هذه الفرية فقال المقريزي ( حبس ابن تيمية بسبب مسألة الطلاق )[45] ، وأنه أفرج عنه ( وشرط عليه إلا يفتي بمسألة الطلاق )[46]. ونقل ذلك عن المقريزي المؤرخ ابن العماد الحنبلي في القرن الحادي عشر وردد ذلك بمعناه [47].

6 ــ واضطهد أتباع ابن تيمية وهو في المعتقل (جرت فتن للحنابلة بمدينة بلبيس ثم انتقل الحال للقاهرة وحصل لبعض الحنابلة – (أتباع ابن تيمية ) أهانة ، وأعتقل منهم جماعة ، وجرت فتن عظيمة بين الأشاعرة والحنابلة بالشام ( الأشاعرة وقتها هم السنيون المعارضون للحنابلة فى بعض المعتقدات كالتجسيم والاستواء على العرش )، وكان النائب غائباً للصيد فلما حضر أمر بإصلاح ذات البين ، وأقر كل طائفة على حالها، وجرى في القاهرة أيضاً على الحنابلة أمور شنيعة وألزموهم بالرجوع عن العقيدة ، وجرى عليهم كل مكروه ) [48] .

7 ـ  ولا ريب أن جهل القضاة – مع تسليمهم للتصوف وخضوعهم للصوفية والحكام – أدى إلى تباعد بين ابن تيمية وبقية الفقهاء في مصر ، مع أنهم جميعا من أشياخ الفقه أو يجب أن يكونوا كذلك . وقد اعترف خصمه القاضى كمال الدين الزملكاني بأن ابن تيمية ( اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها )[49]. وقال ابن الوردي عنه ( أعان أعداءه على نفسه بدخوله في مسائل كبار لا يحتملها عقول أبناء زماننا ولا علومهم )[52].

8 ـ ومن أمثال هؤلاء الفقهاء ننتظر منهم الحقد على ابن تيمية لأنه يذكرهم  بقصورهم العلمي والعقلي حتى أن الأمير سلار ( شريك بيبرس في الحكم ) جمع القضاة الأربعة وكبار الفقهاء ( وتكلم معهم في إخراج ابن تيمية فوافقوا على أن يشترط عليه أمور ويلزم بالرجوع عن العقيدة ، فأرسلوا إليه من يحضره ليتكلموا معه في ذلك ، فلم يجب إلى الحضور ، وتكرر إليه الرسول ست دفعات وهو مصمم على عدم الحضور ، وطال عليهم المجلس فانصرفوا على غير شيء ) [53]. أي أن ابن تيمية من ناحيته كان يعاملهم باحتقار ، حتى وهو في السجن .

 

التآمر على ابن تيمية في المعتقل وخارج المعتقل :

وقد مارس الصوفية الضغط على ابن تيمية وهو في المعتقل حتى يسلم لهم بعقائدهم ويكف عن الإنكار عليهم في نظير إخراجه ، فكان نصر المنبجي يدعوه للصلح ، وبعد أن يحصل على موافقته يرفض الصلح معه إلا بعد أن يتنازل عن آرائه ، يقول صاحب مخطوطة ( تكسير الأحجار ) التي فصلت حياة ابن تيمية في المعتقل :( لما كان الشيخ في قاعة الترسيم ( أى الاعتقال ) جاءه شمس الدين الدباهي للصلح بينه وبين نصر المنبجي ، فقال ابن تيمية : أنا أجيب إلى ذلك ، فذهب إلى نصر ( المنبجى ) وعنده المشايخ التدامرة ، وعرض عليه الأمر ، فقال ( المنبجى ) : يا سيدي وكم كتبنا إلى الشيخ مثل هذا وما يسمع منا .! .. فقال له : أكتب إنك أجبت إلى ذلك ، فقال : إن كتب الشيخ كتبت . فاتفقا على ذلك ، فسير ورقة الصلح إلى ابن تيمية فكتب : أجبت إلى ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وكتبه أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية ، فقال الدباهي لنصر : أكتب مع الشيخ مثل ما قلت وعاهدت الله عليه ، فقال ما بقيت أكتب ، فقال له شمس الدين ( الدباهى ) : عاديتك في الله ، وكشف رأسه ( كشف الرأس كان يعنى الاحتجاج الهائل أو الحزن الشديد ، وكان من العقوبات فى العصر المملوكى كشف الرأس ). وقال ثم نبتهل ثم نبتهل ( الابتهال كان آخر طريق فى المجادلات والخصومات ، وجاء ذكر المباهلة فى قوله جل وعلا : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) آل عمران ) ، وقام ( شمس الدين الدباهى من عنده ) من عنده ( أى من عند نصر المنبجى )  فسير الشيخ نصر لوالي المدينة ( الوالى فى العصر المملوكى كان رئيس الشرطة المسئول عن الأمن والاعتقالات )  أن يكبس ( يهاجم ) بيت ابن تيمية ومسك ( اعتقال ) أصحابه واعتقالهم ، فسير الوالي نائبه فكبس البيت وقصدوا اعتقال شرف الدين أخي الشيخ ، ولكنه هرب وأمسك أصحاب الشيخ واعتقلهم في بيته . ومنع الناس من الدخول على الشيخ ( يعنى كانت الناس تزور ابن تيمية وهو فى السجن ، وكانت له الحرية فى الكلام والكتابة وقتها ) .. وفي تلك الأيام جاءت المشايخ التدامرة إبراهيم وأبو بكر إلى الشيخ وقالوا له : قد اجتمعنا بهؤلاء القائمين عليك ( أى الصوفية بزعامة نصر المنبجى ) وقالوا : " قد بلشنا به والناس بتلعنا (أى تلعننا ) بسببه ، وقد قلنا أنا قد أخذناه بحكم الشرع في الظاهر فيصير شيء لا يكون علينا ولا عليه فيه رد ، فيكتبه لنا ونتفق نحن عليه وهو عليه "، فلما قالوا له ذلك قال لهم ( ابن تيمية ): أنا منشرح الصدر وما عندي قلق ، وهم برا الحبس فلم يقلقون ؟.. ثم أنهم بعد أيام جاءوا إلى عنده ، وقال له : قد وقفوا على الورقة ، وقالوا : " هذا الرجل محجاج خصم وماله قلب يفزع به من الملوك ، وقد اجتمع بغزان ( غازان التترى الذي غزا دمشق ) ملك التتر وكبار دولته وما خافهم ، ومتى اجتمع بالسلطان والدولة وقرأ عليهم كتاب الفصوص الذي كانت الفتنة بسببه قتلونا أو قطعونا من المناصب ، ويقال عنا أنه ما خرج من الحبس حتى دخلتم تحت ما اشترط عليكم ، ابعثوا أنتم اشرطوا عليه ما أردتم ، فإنه ما يدخل تحته فتكونوا قد عذرتم فيه. " ، فلما أخبروه بذلك المشايخ التدامرة ، قالوا يا سيدي قد حملونا كلام نقوله لك وحلفوا إلينا أنه ما يطلع عليه غيرنا : أن تتنزل لهم عن مسألة العرش ( أى قول الحنابلة فى تجسيم رب العزة فى موضوع الاستواء على العرش ، ونزول الرحمن الى السماء الدنيا ، وهى مسألة خلافية أخذها عليهم كثيرون أشهرهم الأشاعرة السنيون ) ومسألة القرآن ( أى موضوع خلق القرآن الموضوع الخلافى المتوارث من عصر ابن حنبل ) ونأخذ خطك بذلك ( أى إقرارا ) نوقف عليه السلطان ، ونقول له هذا الذي نحبس ابن تيمية عليه قد رجع عنه ، ونقطع نحن الورقة " .، فقال لهم : " بيدعوني أن أكتب خطي أن ما فوق العرش رب يعبد ولا في المصاحف قرآن ولا لله في الأرض كلام "، ودق بعمامته الأرض ، وقام واقف ورفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إني أشهدك على أنهم بيدعوني أني أكذبك وبكتابك وبرسلك وأن هذا الشيء ما بأعمله ....... وقالوا له : كل هذا بيعملوه حتى توافقهم وهم عمالين على قتلك أو نفيك أو حبسك " ، فقال لهم : " أنا إن قتلت كانت لي شهادة وإن نفوني كانت لي هجرة وإن حبسوني كان لي معبد ، أنا مثل الغنمة كيف ما تقلبت على صوف. " ، فيأسوا منه ، وانصرفوا ، فلما كان بعد صلاة المغرب جاء نايب والي المدينة بدر الدين المحسني ، عماد الدين ابن العفيف ، ومعه جماعته فقال يا سيدي  بسم الله ، قال له الشيخ إلى أين ؟ قال إلى الإسكندرية ، وقد رسم السلطان بذلك الساعة) [54] .

أى نقلوه منفيا الى سجن الاسكندرية .

وقال ابن كثير أنهم لم يستطيعوا النيل من ابن تيمية وهو في السجن فاشتوروا في أمره ، واتفقوا على نفيه للإسكندرية ، ولا نصير له هنالك حتى يقتله أحد أتباع ابن عربي فيها ( فيتخلصون منه دون مشاكل ، فانقلبت عليهم مقاصدهم الخبيثة ، وصار له أتباع فيها ) [55]  .

ثم توسط الأمير حسام الدين مهنا وكلم السلطان من أجله ، فأمر بإطلاق سراحه ، وتوجه الأمير حسام الدين بنفسه للسجن وأخرجه [56] .

 ولم يسكت الصوفية عنه ، خاصة وأنه لم يسترح بعد خروجه من المعتقل فأخذ في مباحثة الفقهاء بحضرة الأمير سلار شريك بيبرس الجاشنكير فى السلطنة ، وعقدت مجالس أخرى بالمدرسة الصالحية[57] فكان أن أثار الصوفية عليه الغوغاء فامتدت أيديهم للشيخ بالضرب والأذى ، فتجمع أهالي الحسينية ليثأروا للشيخ ، فألح عليهم ابن تيمية بالرجوع لأنه لا ينتصر لنفسه . وفي نفس هذا الشهر رجب 711 اعتدى عليه  آخر بالقول المفزع ، وأخيراً لجأ الصوفية للسلطان وتجمهروا حول القلعة . وتزعمهم في هذا ابن يعقوب البكري ( ت 724 ) الذي ( قام على ابن تيمية وأنكر ما يقوله وآذاه حين دخل مصر )  

 

    آثار حركة ابن تيمية على الفقهاء في القرن الثامن

مدرسة ابن تيمية الفقهية الحنبلية المناوئة للصوفية :

1-  أسفرت جهود ابن تيمية عن تكوين مدرسة فقهية ابتعدت عن خط القضاة وكبار الفقهاء الذين دانوا بالتصوف ودافعوا عنه .وتحمل أولئك التلاميذ الكثير من عنت الفقهاء والصوفية أثناء محنة أستاذهم ، وأبرزهم ابن قيم الجوزيه [61] وابن مري البعلبكي وابن شاس [62]، وعلى عبد الله الإسكندري [63].

2-  واستمرت مدرسة ابن تيمية بعد موته تنادي بمبادئه وتدافع عنه وعنها وتتحمل في سبيل ذلك الكثير من الأذى ، ومنهم المؤرخ ابن كثير [64]وابن البرهان المصري [65] وابن ماجد [66] وأبو بكر الهاشمي [67] . وإبراهيم الآمدي [68]  ، وابن المنصفي [69]  ، وابن عبد الله الناسخ [70] ، وابن المحب الحافظ [71] ، وابن الأعمى المصري [72]  ، وصدر الدين اليوسفي [73]  ،

3- 

والغزل [74] ، والحمصي [75] ، وابن السكري [76]..

 تكفيرهم لابن عربي .

1- وأثرت حركة ابن تيمية في النشاط الفكري لبعض فقهاء القرن الثامن فناقشوا آراء ابن عربي وحكموا بتكفيره .. ومنهم الفقيه زين الدين العراقي الذي علق على قول ابن عربى في الدفاع عن كفر قوم نوح ( إنه كلام ضلال وشرك واتحاد وإلحاد ، فجعل تركهم لعبادة الأوثان التي نهاهم نوح عن عبادتها جهلاً ) [77]. وقال عن تمجيد ابن عربي لعبادة بني إسرائيل للعجل ( هذا الكلام كفر من قائله ، من وجوه : أحدهما أنه نسب موسى عليه السلام إلى رضاه بعبادة العجل ، والثاني : استدلاله بقوله تعالى (   وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ  . . الإسراء 23 ) على أنه قدر أن لا نعبد إلا هو وأن عابد الصنم عابد له ، الثالث : أن موسى عتب على أخيه هارون إنكاره لما وقع وهذا كذب على موسى عليه السلام وتكذيب لله فيما أخبر به عن موسى ، الرابع قوله أن العارف يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء فجعل العجل عين الإله المعبود ، فليعجب السامع لمثل هذه الجرأة التي لا تصدر ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) [78].

ويقول شمس الدين بن الجزري ( وحكمه بصحة عبادة قوم نوح للأصنام كفر ، وقوله أن الحق المنزه هو الخلق المشبه كلام باطل متناقض وهو كفر ، وقوله في قوم هود : وحصلوا في عين القرب افتراء على الله ورد لقوله فيهم ، وقوله : زال البعد وصيرورة جهنم في حقهم نعيماً كذب وتكذيب للشرائع ، وأما من يصدقه فيما قال فحكمه كحكمه في التضليل والتكفير إن كان عالماً ، وإن كان ممن لا علم له فإن قال ذلك جهلاً عرف بحقيقة ذلك ويجب تعليمه وردعه عنه مهما أمكن ) [79].

وقال زين الدين الكتاني ( وقوله في قوم هود كفر ، لأن الله تعالى أخبر في القرآن العظيم عن عاد : إنهم كفروا بربهم والكفار ليسوا على صراط مستقيم ، فالقول بأنهم كانوا عليه مكذب لصريح القرآن ويأثم من سمعه ولم ينكره إذا كان مكلفاً ، وإن رضي به كفر ) [80] . ومنهج أولئك الفقهاء هو الرد على أقاويل ابن عربي في الفصوص من الدفاع عن المشركين السابقين الذين ذكرهم القصص القرآني . وقد كفّروا ابن عربي لتأييده لهم ، وقد بذل ابن عربي كل جهده في الدفاع عن أولئك المشركين .

2-وبعضهم حكم أجمالاً بتكفير ابن عربي وخروج مذهبه عن الإسلام ، ومن أولئك أبو حيان الأندلسي وهو من خلصاء ابن تيمية ، وقد قال عن الاتحادية ( هم شرُ من الفلاسفة الذين يكذبون الله ورسوله ويقولون بقدم العالم وينكرون البعث ، وقد أولع جهلة ممن ينتمي إلى التصوف بتعظيم هؤلاء وادعائهم أنهم صفوة الله ) [81]، وقال شرف الدين الزواوي عن الفصوص ( وأما ما تضمنه هذا التصنيف من الهذيان والكفر والبهتان فهو كله تلبيس وضلال وتحريف وتبديل ، فمن صدق بذلك أو اعتقد صحته كان كافراً ملحداً صاداً عن سبيل الله ..) [82].

وقال ابن عقيل البالسي في وحدة الوجود ( من صدق هذه المقالة الباطلة أو رضيها كان كافراً بالله تعالى يراق دمه ولا تنفعه التوبة عند مالك وبعض أصحاب الشافعي ، ومن سمع هذه المقالة القبيحة تعين عليه إنكارها بلسانه، بل يجب عليه منع قائلها بالضرب إن لم ينزجر باللسان ، فإن عجز عن الإنكار بلسانه أو بيده وجب عليه إنكار ذلك بقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) [83]. وهي فتوى عملية لحديث " من رأى منكم منكراً .. " الذي أشاعه الحنابلة في محنتهم السابقة عن خلق القرآن ، واستطاعوا بهذا الحديث التأثير على الخليفة المتوكل العباسي ، في القرن الثالث الهجري ، ثم دبت الحياة العملية لهذا الحديث في محنة ابن تيمية في القرن الثامن ، والعادة أن ينتشر هذا الحديث مع سيطرة الفقهاء الحنابلة .

وكتب ابن هشام النحوي على نسخة من كتاب الفصوص ( هذا كتاب فصوص الظلم ونقيض الحكم وضلال الأمم ، كتاب يعجز الذم عن وصفه قد اكتنفه الباطل من بين يديه ومن خلفه ، لقد ضل مؤلفه ضلالاً بعيداً وخسر خسراناً مبيناً لأنه مخالف لما أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه وفطر عليه خليقته ) [84]. وقال شمس الدين العيزري عن الفصوص أيضاً ( قال العلماء : جميع ما فيه كفر لأنه دائر مع عقيدة الاتحاد ) [85]. وقد سئل سراج الدين البلقيني عن أبي عربي فبادر بالجواب أنه كافر [86].

وقد قيل في ترجمة ابن الصاحب من أتباع ابن عربي أنه ( صرح بالاتحاد فوقعت له محنة مع الشيخ سراج الدين البلقيني ) [87].

تكفيرهم ابن الفارض ..

1-  وفي الناحية المقابلة عزّر شهاب الدين بن أبي حجلة بحكم القاضي الصوفي السراج الهندي ، وكان ابن أبي حجلة ( كثير الحط على الاتحادية ، وصنف كتاباً عارض به قصائد ابن الفارض ، وكان يحط عليه وعلى نحلته ويرميه ، ومن يقول بمقالته بالعظائم .. وقد أمر ابن أبي حجلة عند موته بأن يوضع الكتاب الذي عارض به ابن الفارض وحط عليه فيه في نعشه ويدفن معه في قبره ، ففعل به ذلك ) [88].

2-  وفعل آخرون  كابن أبي حجلة فصنفوا كتباً في الرد على الفصوص مثل ابن بلبان السعودي ، وبدر الدين حسين ابن الأهدل في تصنيفه المسمى ( كشف الغطاء عن حقائق التوحيد ) ، وقال عماد الدين الوسطي ( أنه علق ( أى كتب ) في ذم هذه الطائفة ثلاثة كراريس الأول سماه البيان المفيد في الفرق بين الإلحاد والتوحيد ، والثاني : لوامع الاسترشاد في الفرق بين التوحيد والإلحاد ، والثالث  : أشعة النصوص في هتك أشعار الفصوص ) [89].

3-  وتأثر بعض خصوم ابن تيمية به فلما لبثت أن عاد فقيها منكراً على ابن عربي ومن هؤلاء قاضي القضاة تقي الدين السبكي ، وقد قال أخيراً عن ابن عربي ( ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره فهم ضلال جهال خارجون عن طريقة الإسلام فضلاً عن العلماء ) [90]. ويذكر أن تقي الدين السبكي عاد يثني على ابن تيمية و يعترف بفضله [91].

 

           

 

 آثار حركة ابن تيمية على بعض خصومه من الصوفية

هجوم بعض الصوفية على ابن عربي

( علاء الدين البخارى )

بعض دهاة الصوفية بادر بالهجوم على ابن عربي وابن تيمية في نفس الوقت مخافة أن يتطرق الإنكار إلى هدم مبدأ التصوف .ومن أولئك علاء الدين البخاري ، وقد كان يبالغ في الحط على ابن تيمية وتكفيره حتى ثارت فتنة بسبب ذلك في الشام [92]..

وقد صنف علاء الدين البخاري رسالة في نقص مذهب الاتحاد سماها ( فاضحة الملحدين وناصحة الموحدين ) ، قال في آخرها ( أنهم يسمون كفرة وملاحدة وزنادقة ) ووصف ابن عربي بأنه ( كان كذاباً حشاشاً كأوغاد الأوباش ) ، وقال عن الفصوص ( أفتطمعون من مغربي يابس المزاج يأكل الحشيش شيئاً غير ذلك ) [93].. وحاول البخاري أن يخرج ابن عربي وأصحابه من دائرة التصوف والأولياء ، يقول ( إن الملاحدة عبروا عن ضلالهم بعبارات العارفين بالله يتسترون بها في زندقتهم ، فينبغي الحذر من ذلك ، فأراد بالفناء نفي حقائق الأشياء .. وذلك غير ما أراد العارفون فإنهم أرادوا بها معاني يصدقها الشرع ) [94] .وواضح خوفه من وصول الإنكار إلى ابن عربي إلى درجة اتهام التصوف نفسه ..

القاضى البساطى

والطريف أن قاضياً للقضاة متعاوناً مع الصوفية ويدين بالتصوف – وهو البساطي- قد فوجئ بموقف علاء الدين البخاري ، فقد قال في مجلس عقد في القرن التاسع – أن كلام ابن عربي يمكن تأويله – وقصد بذلك نفاق علاء الدين البخاري وكان حاضراً المجلس ومعه ابن حجر وعبد الرحمن التفهني والعيني والسيرامي وابن نصر البغدادي وأبو بكر القمني وابن الأمانة وابن تقي الدين المالكي ، فقال له البخاري على رءوس الأشهاد : كفرت .. وسلم له من في المجلس بتكفيره ، وما خلص البساطي إلا بالبراءة من اعتقاده أمامهم [95]..

ثم تشجع البساطي فاعتبر الاتحاديين وابن عربي ضمن القائلين بقدم العالم مع ابن سينا والفارابي ، وقال ( وأعلم أن هذه الضلالة المستحيلة في العقول سرت في  جماعة من المسلمين ، نشأوا في الابتداء على الزهد والخلوة والعبادة ، فلما حصلوا من ذلك على شيء صفت أرواحهم وتجردت نفوسهم وتقدست أسرارهم ، وانكشف لهم ما كانت الشواغل الشهوانية مانعة من انكشافه ) [96].

أي أنه يسلم لابن عربي بصفاء الروح وقدسية السر وقيام الكشف أو العلم اللدني ، ويجعل ذلك كله مؤدياً للقول بالاتحاد والوحدة مع أنه وصفها بالضلالة المستحيلة .. فهو يقترب بذلك من رأي العلاء البخاري وإن كان أقل منه مهارة في التلفيق ..

وقد قام البساطي سالف الذكر بشرح تائية ابن الفارض بنفس المنهج الرامي إلى التوفيق بين عقيدة ابن الفارض فيها والإسلام ، وذلك لصالح الاتحادية ، وقد تكلم على الأبيات على وجه يظهر منها حملها على موافقة الشرع فإن عجز صرح باعتذارات الصوفية [97].

والبساطي معذور ، فللبخاري نفوذ في الدولة ، وكان قد تعصب ضد البساطي في المجلس وأقسم بالله إن لم يعزل السلطان القاضي البساطي ليخرجن من مصر ، وأمر السلطان بإحضار القضاة عنده فتبرأ البساطي من مقالة ابن عربي وكفّر من يعتقدها ( وذلك حتى لا يُعزل ، واسترضى السلطان علاء الدين وسأله ألا يسافر ) [98] . وفي ذلك يقول أبو المحاسن عن البخاري ( أنه عزل قاضي القضاة المالكي محمد البساطي وتشاجر معه لأنه حاول أن يؤول كلام ابن عربي ويدافع عنه ) [99]  . وكان البخاري ينهى الناس عن مطالعة كتب ابن عربي ، ومثله في ذلك كان الصوفي الإتكاوي 834 في القرن التاسع ، مع اعتقاده بعرفان ابن عربي وكماله [100] .

ومعنى ذلك أن تأثير ابن تيمية استمر إلى نحو منتصف القرن التاسع في الصوفية الرامين لخدمة الطريق الصوفي وإنقاذه من خطر ابن تيمية ..

ومع ذلك فإن أولئك الصوفية المنكرين على ابن عربي كانوا تلاميذ لقطب الدين بن ميمون في القرن السابع ،وقد اشتهر بإنكاره على الاتحادية وكتب فيهم مبتدئاً بالحلاج ، وختم بالعفيف التلمساني ،إلا أنه يقول في شعره :

       لما رأيتك مشرقاً في ذاتي          بدلت من حالي ذميم صفاتي

وهي قصيدة طويلة علق عليها ابن الفرات المؤرخ بقوله (ما قال عفيف التلمساني في شعره إلا هذا أو ما يقاربه ، وهذا هو طريق القوم الذين أنكر عليهم [101] .أي ينكر على الصوفية الاتحادية ، ويقول مثلهم .

ولولا ابن تيمية ما وجد في القرن التاسع من ينهج منهج ابن ميمون المعاصر لابن عريي ،إذ أن المنطقي في حكم التاريخ أن يزدهر طريق التصوف باضطراد ، ويقل الإنكار عليه وتجتمع آراء الصوفية على عقيدة واحدة بلا نفاق .. إلا أن حركة ابن تيمية أجبرتهم على الهجوم على ابن عربي ، ولكن بهجوم صوفي يثبت العقائد الصوفية ولا ينفيها .

 

  أثر ابن تيمية العكسي في ازدهار عقيدة الاتحاد الصوفية :

 

إلا أن لابن تيمية أثراً غير مباشر في ازدهار عقيدة الاتحاد الصوفية ،على غير قصد منه طبعاً .. وترجع هذه المفارقة إلى أن ابن تيمية – مع تفوقه على أقرانه من الفقهاء- فقد كان ابنا لعصره الذي دان بالتصوف ، وهذا التسليم من ابن تيمية للتصوف قضى على حركته المناوئة للصوفية المتطرفين بالفشل وحكم عليه بأن يعيش بين سجن ونفي ومعاناة .

وحتى لا تتشابك عناصر هذه القضية فإننا نبسطها في النقاط التالية :-

ا ) يرى ابن تيمية في التصوف رأيا حسناً ، ويقول عن الصوفية ( إن الصوفية مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ، ففيهم السابق بحسب اجتهاده ،وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين .. وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم كالحلاج مثلاً ، فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه وأخرجوه عن الطريق مثل الجنيد سيد الطائفة وغيره ) [102] .

وواضح أن ابن تيمية مخدوع بالجنيد ومنافقي الصوفية الأوائل ، ويرى أن أصحاب الوحدة والاتحاد ليسوا من الصوفية ، وعلى ذلك تتضاءل المسافة بينه وبين خصمه الصوفي علاء الدين البخاري فكلاهما ينشد إصلاح الطريق الصوفي من شرور ( أصحاب البدع والزندقة ) .. بل إن ابن تيمية يقول في الجنيد مقالة الصوفية فيه يقول ( .. فإن الجنيد قدس الله روحه وكان من أئمة الهدى ، فسئل عن التوحيد فقال : التوحيد إفراد الحدوث عن القدم ) [103] .

ب ) ويعتقد ابن تيمية بكرامات الصوفية حتى ممن يعتبرهم أولياء للشيطان ، يقول عنهم ( وهؤلاء يأتيهم  أرواح تخاطبهم وتتمثل لهم وهي جن وشياطين فيظنونها ملائكة .. وهذه الأرواح الشيطانية هي الروح الذي يزعم صاحب الفتوحات ( يعني ابن عربي ) أنه ألقى إليه ذلك الكتاب .. وأعرف من هؤلاء عدداً ، ومنهم من كان يحمل في الهواء إلى مكان بعيد ويعود ، ومنهم من كان يؤتي بمال مسروق تسرقه الشياطين وتأتيه به ، ومنهم من كانت تدله على السرقات بجعل يحصل له من الناس ) [104] .( ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع ، ومنهم من يطير به الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيرهما ، ومنهم من يحمله عشية عرفه ثم يعيده في ليلته .. ومن هؤلاء من إذا أحضر سماع المكاء والتصدية يتنزل عليه شيطانه حتى يحمله في الهواء ..) [105] .وذلك التصديق بإدعاءات الصوفية وإمكانية حدوثها فعلاً : هو اعتقاد العصر المملوكي الذي لم يستطع ابن تيمية الخروج عنه ، وإن رده إلى فعل شيطاني يناسب رأيه فيهم باعتبارهم كفرة ..

ج) وابن تيمية حين ثار على صوفية عصره فإنما ثار على بيئته ، قد ترسبت معتقداتها في داخل نفسيته . ويتضح  ذلك في قراءتنا لهذا النص من مخطوطة ( تكسير الأحجار ) عن ابن تيمية وصحبه حين قام معهم لهدم وثن أى ضريح صوفي يقصده الناس بالعبادة والتقديس ( .. بلغه ما يفعله الناس عند العامود المخلق فشدّ عليه وقام واستخار الله في الخروج إلى كسره ) وبعد أن وصف الكاتب اجتماع الناس معهم ثم تراجعهم رويداً رويداً مخافة التعرض للغضب المزعوم للولي المدفون قال : ( وصحنا على الحجارين ( أي من يهدمون الحجارة ) دونكم وهذا الصنم ، فما جسر أحد منهم يتقدم إليه ) ثم قال ( فأخذت أنا والشيخ المعاول منهم وضربنا فيه ، وقلنا جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ، وقلنا إن أصاب أحداً منه شيء نكون نحن فداه ، وتتابعنا الناس فيه بالضرب حتى كسرناه فوجدنا خلفه صنمين حجارة مجسدة مصورة كل صنم منها نحو شبر ونصف ) [106] .

فمع أن فقه ابن تيمية حمله على القيام لكسر ذلك العمود المقدس إلا أن رواسب التصوف التي أرضعتها له البيئة الصوفية لعصره قد جعلته ( يستخير الله في الخروج ) ،وعندما تقهقر الناس خوفاً استمر هو ، إلا أن شجاعته في الإقدام لم تخل من خوف زرعته في قلبه عقائد التصوف المتحكمة في البيئة والعصر ، وأظهر له تراجع الناس من حوله ، فقال ( إن أصاب أحداً منه شيء نكون نحن فداه ) ، أي أنه يسلم بمقدرة تلك الأصنام على الأضرار ، وتشجع ليفدي الناس من ضررها بنفسه ..

د) وإخلاص ابن تيمية لعصره وما ساده من تقديس للصوفية – جعله يفقد الطريق الصحيح في حربه لصوفية عصره المغالين ، فطاشت سهامه في حروب متفرقة ضد متطرفي الصوفية من أتباع ابن عربي أو من فقراء ( أى الصوفية ) الأحمدية ( أتباع أحمد البدوى ) الذين كانوا يلعبون بالثعابين ويمارسون الشعوذة .. فصرفه ذلك كله عن الهدف الأصلي المنتظر منه باعتباره مستكملاً لأدوات الاجتهاد السّنى  كما قيل فيه .. فصاحب الاجتهاد يخرج باجتهاده عن إطار عصره ويسمو على تقليد المعاصرين .. فكان ينبغي على ابن تيمية أن يدرس باجتهاده عقائد الصوفية الأوائل بدءاً  بالجنيد وانتهاءاً بالغزالي ويحكم عليهم بالقرآن ، ويحارب مبدأ التصوف من أساسه ويبتعد قدر الإمكان عن التعرض لأشياخ الصوفية في عصره حتى لا يصطدم بنفوذهم ، ويجعل من ذلك الأساس الذي تقوم عليه مدرسته في حرب التصوف باعتباره عقيدة تناقض الاسلام ،  ثم يعرض عقائد الفقهاء وأحاديثهم المنسوبة للنبى ايضا أيضاً على القرآن ليرى ما فيها خلل . واعتقد أن ذلك لو تم لوفر ابن تيمية كثيراً من الوقت ولأراحه من كثير من الاضطهاد ولأصاب التصوف في الصميم  ، ولأنقذ عصره من كثير من المعتقدات المخالفة للإسلام .

إلا أن ابن تيمية أصر على أن يشارك بثورته في كل ميدان ، وصمم على أن تصل سهامه إلى السياسة أيضاً .. فحكم على نفسه بمزيد من العنت والاضطهاد لأن مقاييس ( السياسي ) في عصره لم تتوافر فيه ..

والأهم من هذا إن فشله السياسى أضاع ثمرة حركته الجهادية السنية ضد خصومه الصوفية ، فكسبوا الحرب ضده ، وأنتعشت عقائدهم فى وحدة الوجود بتأثير فشل ابن تيمية سياسيا و دينيا . فكيف فشل ابن تيمية سياسيا ؟

 

أثر الأرضية السياسية فى إجهاض حركة ابن تيمية

وتحليل واقع ابن تيمية لابد أن يستند على أرضية سياسية ..

1 ــ فقد شهد ابن تيمية – أو شهدت محنته عصر سلطانين من المماليك:السلطان المظفر بيبرس الجاشنكير . والناصر محمد بن قلاوون .وقد كان بيبرس الجاشنكير مغتصباً لسلطة محمد بن قلاوون السلطان الصغير الشرعي ، ويؤيده في ذلك الصوفية بزعامة نصر المنبجي داعية ابن عربي ، وأراد الجاشنكير أن يتسلطن رسمياً ويعزل محمد ابن قلاوون فوافقه علماء مصر من الصوفية والقضاة ، ولم يكن للجاشنكير أن يتجاهل وجود ابن تيمية في مصر وهو المعتقل ، وظن أنه تحت ضغطه ، فاستحضره من الحبس ليوافق على مبايعته بالسلطنة ، فأبي ابن تيمية ولم يعترف بتنازل محمد ابن قلاوون عن السلطنة ، وكذب الشهود الذين جاء بهم الجاشنكير وأعلن أن البيعة له باطلة ( فاغتاظ الملك المظفر وقال ردوه إلى الموضع الذي كان فيه ، فردوه إلى حبس الإسكندرية ) ، ولم ينقطع ابن تيمية عن مهاجمة الجاشنكير في سلطتنه ، فكان ينال منه ( ويقول : زالت أيامه ، وانتهت رياسته ، وقرب انقضاء أجله ، ويتكلم فيه ) [107] . اى يهاجمه .

2 ــ أي أن ابن تيمية أدخل نفسه في صراع الجاشنكير مع محمد بن قلاوون بحيث بات الجاشنكير يعتقد أنه من أنصار محمد ابن قلاوون ، ومن الطبيعي أن يستغل الصوفية الموقف فعقدوا لهم مجلساً بإشارة نصر المنبجي ، قام بالإدعاء فيه عليه ابن عطاء السكندري .. وفي هذا المجلس كان القضاة صوفية لحماً ودماً وليسوا مجرد قضاة يعملون لصالح التصوف ..

3 ـ ولم تستمر أيام الجاشنكير كثيراً إذ سقط وتفرق عنه أتباعه – والصوفية في المقدمة – وتم الأمر للناصر محمد بن قلاوون  فعاد الى السلطة . وكان ابن تيمية معتقلاً بينما الصوفية يعدون العدة لاستقبال السلطان الجديد الذي تخلوا عنه سابقاً . وبدأ الناصر محمد بن قلاوون عهده بالإنتقام ممّن تألب عليه من القضاة وإخراج ابن تيمية من الحبس معززاً مكرماً إلى فترة من الزمن،  زاد فيها نفوذه السياسي حتى تم تعيين الأمير الأفرم في نيابة طرابلس بإشارته ، وعزل نائب دمشق لأنه شتم بعض فقهاء المدينة [108] ، واستفحل خطر الشيعة في الشام فقام ابن تيمية بقتالهم ، وكتب إلى أطراف الشام يحث على قتالهم واستمر في حصارهم حتى أجلاهم ، وكتب بذلك للسلطان الناصر محمد فخشي السلطان الناصر محمد بن قلاوون من نفوذ إبن تيمية الحنبلى الذى يشارك طبقا لعقيدة الحنلية فى ( تغيير المنكر) مُزاحما للسلطان فى السلطة ، عكس الصوفية الذين يتنافسون فى الرقص بين يدى السلطان . وصدّق السلطان الناصر محمد همسات الوشاة القائلين له عن إبن تيمية : ( لأن الناس اجتمعوا عليه ولو طلب المُلك ما بُعد عنه ) ، أى إن أبن تيمية حظى بتأييد الناس حتى لو طمع فى السلطنة لنالها . وانتهز الصوفية الفرصة فكادوا له عند السلطان ( وأشاعوا أنه يسعى في الإمامة الكبرى وأنه كان يلهج بذكر ابن تومرت ويطريه ) [109]. أي يريد أن يقيم دولة كما فعل الفقيه ابن تومرت في شمال أفريقيا .

4 ــ وكان الناصر محمد عائداً إلى  سلطنته الثالثة وقد ذاق الأمرّين من تجارب الحكم وتحكم كبار الأمراء فيه مذ كان صبيا ، فحرص أشد الحرص على ألا يعلو رأس في مملكته وأن يقضي في الحكم مستبداً ، والصوفية من ناحيتهم خير معين للحاكم المستبد ولا يخشى منهم مناوئاً ، ثم جاءت تصرفات ابن تيمية في الشام تأكيداً لمخاوف السلطان ومساعي الصوفية .. فتم التحالف بين السلطان والصوفية ،  وأقام السلطان لهم خانقاه سرياقوس ، أعظم خانقاه فى العصر المملوكى ، وافتتحها في حفل جامع سنة 725 [110] . وفي السنة التالية 726 أمر باعتقال صديقه السابق بسبب فتوى سابقة عن زيارة القبور [111] . وهي أمور تمسّ الصوفية وتعبر عنهم ، وذكرت صريحة في دعوي الاتهام ، مما ينهض دليلاً على ازدياد النفوذ الصوفي في أقل من عام .

وحمل الاعتقال الأخير كل حقد الصوفية على ابن تيمية ، وقد كان يفرح بالاعتقال حيث يتوفر على العبادة والتأليف [112] ، إلا أنهم منعوه في حبسه الأخير من الكتابة ونشر آرائه مما أثر على نفسيته وهو في مرحلة الشيخوخة ، وقد أمضى حياته في حرب خصومه من الشيعة والصوفية والمغول ، فمات بعد عامين في الحبس .

5 ــ لقد أخطأ ابن تيمية في فهم قواعد اللعبة السياسة لعصره ولم يدرك أنها لم تعد تناسب فقيها حنبليا بنفس مواصفاته .. فقد انتهى زمن الحنابلة بل وانتهى أمر ( وُعّاظ السلاطين ) ، وعرف القرن السادس وما تلاه أصنافاً من الحكام المتغلبين من رؤساء الجند يصلون بالظلم ، وبه يحكمون ، وقد وجدوا التشجيع من تيار التصوف الآخذ في الانتشار ، وبدأت الخوانق و " بيوت التصوف " في الانتشار ، وأحتل الصوفية الصف الأول بين يدي الحاكم يبررون له الظلم ويضمنون له ولاء العامة المعتقدين فيهم .ومن شأن الحاكم حينئذ أن يضيق بالنقد وبالفقيه إذا ذكّره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقد اعتاد الخضوع إلى درجة السجود بين يديه ، يفعل ذلك الأمراء ، والقضاة والصوفية وقد كان السجود بين يدي السلطان المملوكي من الآداب المرعية حينئذ . وهذا وضع لا يناسب ابن تيمية وليس مجاله ولا من رجاله.. فكان أجدر به الابتعاد عن السياسة خصوصاً وأن مواصفاته كفقيه تستوجب خوف الحاكم منه ، فقد تمتع بقوة التأثير في الأتباع ، مع الاستقامة المفرطة ، والتنزه عن الغرض الدنيوي ، وايجابيته في المواجهة من الحجة الفقهية إلى السيف ، وشجاعته الأدبية في أحلك المواقف بما في ذلك موقفه المجيد أمام غازان المغولي الذي دمر دمشق .. هكذا .. خسر ابن تيمية في السياسة وأضاف إلى رصيد أعدائه نصراً جديداً عليه حين كان يقابل من الإيذاء في عصر صديقه السلطان الناصر محمد أضعاف ما لاقاه في عصر عدوه الجاشنكير .. وتمت للصوفية دولة بجهده وأقيمت لهم أعظم الخوانق التي أنشئت في العصر المملوكي وهي ( خانقاه سرياقوس ) على أشلاء ابن تيمية وجهاده ..

6 ـ ولا ريب أن تنعكس انتصارات الصوفية على ابن تيمية إلى ازدهار مضطرد في إعلان العقيدة الصوفية .

 أثر حركة ابن تيمية فى إنتشار عقيدة وحدة الوجود

1 ــ وتشجع كثير من الصوفية فأعلنوا بصراحة .. وأبرزهم في القرن الثامن الوفائية من الطريقة  الشاذلية ، يقول عميدها محمد وفا ( ت سنة 765 ) ( اللهم أجعلني عيناً لذات الذوات ومشرقاً لأنوارها المشرقات ومستودعاً لأسرارها المكتتمة ، ويقول : قال لي الحق أيها المخصوص : لك عند كل شيء مقدار ولا مقدار لك عندي فإنه لا يسعني غيرك وليس مثلك شيء، أنت عين حقيقتي وكل شيء مجازك وأنا موجود في الحقيقة معدوم في المجاز ، يا عين مطلعي أنت الحد الجامع المانع لمصنوعاتي ، إليك يرجع الأمر كله وإلىّ مرجعك ، لأنك منتهى كل شيء ولا تنتهي إلى شيء ، طويت لك الأراضين السبع .. الخ ) [113] .وقال ابن حجر عن محمد وفا ( أنشأ قصائد على طريق ابن الفارض وغيره من الاتحادية واجتمع عليه خلق كثير يعتقدونه وينسبون إليه ، ونشأ ابنه على طريقته ولأتباعهم فيهم غلو مفرط ) [114]. وقيل عن على بن محمد وفا ( شعره ينعق بالاتحاد المفضي إلى الإلحاد ، وكذا نظم والده ) [115] . وقال على بن محمد وفا عن والده ( سيدي ووالدي صاحب الختم الأعظم، فالشاذلي وجميع الأولياء من جنود مملكته ، فهو يحكم ولا يُحكم عليه في سائر الدوائر ،فلا يقال لنا لم لا تقررون حزب الشاذلي لأنكم من أتباعه) [116]. أي أنه سار في طريق الاتحاد إلى درجة استصغر معها الشاذلي نفسه وجميع الأولياء . بل أنه استهان بابن عربي وابن سبعين فقال عنهما ( أنهما سلكا الطريق معاً إلى فلك يقال له الفلك المحدب ورجعا منه ولم ينفذا عنه ) [117] . أي أنه وأباه فاقا ابن عربي وابن سبعين في دعوى الاتحاد ..

2 ــ ومن أتباع الشاذلية الدعاة لابن عربي كان أبو المواهب الشاذلي 882 ووصف بأنه ( شديد المناضلة عنه والانتصار له ) [118].. وقال الشاعر البشتكي أنه نسخ كثيراً من مصنفات ابن عربي للشيخ بهاء الدين الكارزوني ت 774 وهو من أتباع الشاذلية [119].

3 ــ وخارج المدرسة الشاذلية كان سراج الدين الغزنوي الهندي 773 قاضي الحنفية متعصباً للصوفية الاتحادية وعزر ابن أبي حجلة لكلامه في ابن الفارض [120]. وسلك شمس الدين شيخ الوضوء الشافعي ت 790 طريق التصوف ( ومع كونه فقيهاً شافعياً فقد كان يعتقد ابن عربي ) [121]. أي أن مذهب ابن عربي اجتذب إليه كثيراً من الفقهاء والقضاة حتى أن ابن خلدون اتهم الفقيه أكمل الدين البابرتي 786 باعتقاد مذهب وحدة الوجود [122]. وفي هذا الجو دُرست مبادئ ابن عربي لكثير من الصوفية مثل ابن نجم الصوفي ت 801 [123]. وبالغ بعضهم في إظهار عقيدته شطحاً مثل ابن الصاحب ت 788 ( وكان يتعصب لابن عربي ، وكان يكثر من الشطح ويتكلم بما لا يليق بأهل العلم من الفحش ، ويصرح بالاتحاد ) [124]. مما حدا باليافعي إلى المجيء لمصر بعد سنة 734 لأنه كان ( من جملة المعظمين لابن عربي ، وله في ذلك مبالغة ) [125].

4 ــ وانضم بعض الأمراء المماليك إلى حظيرة الاتحاديين بعد أن اعتنقوا التصوف ، ومنهم قجماس الصوفي ( ت 800 ) وكان من نقباء الدسوقية ( وداعية إلى مقال ابن العربي ) [126] . ومقبل من عبد الله الرومي ( ت 802) وهو عتيق الناصر محمد ( طلب العلم واشتغل بالفقه وتعمق في مقالة الصوفية الاتحادية )[127].

أخيرا

1 ــ وقبل أن نودع ابن تيمية وقرنه الثامن نعقد مقارنة صغيرة بين ما لاقاه الصوفية الأوائل من اضطهاد الفقهاء السنيين في القرن الثالث وما واجهه الفقيه ابن تيمية من اضطهاد الصوفية المتحكمين في القرن الثامن . كان أول من تكلم في بلدته في ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية ، ذا النون المصري ، فأنكر عليه ذلك عبدالله بن عبدالحكم ، وكان رئيس مصر وكان يذهب مذهب مالك ، وهجره لذلك علماء مصر لما شاع خبره حتى رموه بالزندقة لأنه أحدث علماً لم يتكلم فيه السلف ، وأخرج أبو سليمان الداراني من دمشق لأنه زعم تكليم الملائكة ،وشهد قوم على أحمد بن أبي الحواري أنه يفضل الأولياء على الأنبياء فهرب من دمشق إلى مكة ، وأنكر أهل بسطام على أبي يزيد البسطامي ما كان يقول فأخرجوه من بسطام ، وأخرج سهل بن عبد الله التستري إلى البصرة [128] .

ومرت السنون .. وتقرر التصوف ديناً رسمياً على يد الغزالي وزاد انتشاره ، فتحولت دائرة الاضطهاد تطحن المنكرين على التصوف الدين الجديد ، وأصبح المنكرون على الصوفية في القرن الثامن يخرجون من حبس إلى حبس ، وتعقد لهم المحاكمات ، مع أنهم يسلمون بالتصوف مبدءاً وطريقاً ، وكل ما هنالك أنهم يدعون صوفية عصرهم إلى الاعتدال وسلوك طريق المشهورين بالاعتدال من المتصوفة الأوائل .. إلا أن تاريخ الأديان الأرضية تسيطر عليه الصراعات ، ولهذا فإن  صراع ابن تيمية الحنبلى مع الصوفية والشيعة لم ينته بموت ابن تيمية ، إذ أشعلته الحركة الوهابية الحنبلية في العصر الحديث ، واستطاعت الدولة السعودية ( الثالثة ) أن تنشره في أيامنا عبر قطار النفط السريع ، فأصبحت الوهابية التيمية الحنبلية هي الممثل الشرعي للإسلام ، وهي التي تنشر تزمت العصور الوسطى وتعصبها الديني المذهبي باسم الإسلام ، والإسلام بريء من ذلك لأنه يدعو لحرية الرأى والعقيدة ويمنع الإكراه في الدين ، ويؤجل الحكم في الاختلاف بين الناس إلى الله تعالى يوم القيامة.

2 ــ وقد كان ابن تيمية من ضحايا الصوفية ولكن اضطهادهم له أورثه حدة في التكفير وفى الحكم بقتل من يخالفه ولو فى رأى بسيط فى هيئات الصلاة ، أو التبكير لصلاة الفجر، وتمتلىء رسائله بهذه الفتاوى الدامية التى لم يستطع تنفيذها فى عصره ، فجاءت الوهابية فى عصرنا تطبق فتاوى ابن تيمية على أنها هى الشريعة الاسلامية ، أى إن ابن تيمية لا يزال حيا بتشريعاته فى عصرنا بينما إختفى خصومه من سلاطين عصره ( بيبرس الجاشنكير و محمد بن قلاوون ) الى سطور التاريخ لا يسمع بهم أحد . لم يكن ابن تيمية فى محبسه يتصور أن فتاوية السامة المتطرفة فى دمويتها والتى كا يكتبها تنفيسا عن غضبه ستتحول الى شرع إسلامى بعد موته بقرون .

3 ــ ومن الغريب أن تتقدم الإنسانية إلى عصر حقوق الإنسان التي قررها القرآن ، ثم يطالب بعضنا بالرجوع الى شطحات ابن تيمية الفقهية وتطبيقها على أنها شريعة الاسلام ، أو يطبقها بالحديد والنار باسم الاسلام . وهى اللتي تخالف تشريعات الإسلام ، والأغرب أن يفعلوا ذلك تحت اسم الإسلام !!

 

 

 



[1]
الطبقات الكبرى جـ1/ 163 ط صبيح .

[2] ابن تيمية : مجموعة الرسائل والمسائل جـ4/ 76 ، تنبيه الغبي للبقاعي 178 .

[3] الطبقات الكبرى للشعراني جـ1/ 177 ط صبيح .

[4] البقاعي ، تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي 151: 152 .

[5] الطبقات الكبرى جـ1/ 163 ط صبيح .

[6] شذرات الذهب جـ5/ 397 .

[7] تحفة الأحباب 32 .

[8] أنباء الغمر جـ1/ 181 .

[9] أنباء الغمر جـ2/ 29 : 30 .

[10] عبد الصمد : الجواهر السنية :93 .

[11] عبد الصمد : الجواهر السنية : 9 الطبقات الكبرى للشعراني جـ1/ 156 .

[12] دائرة المعارف الإسلامية جـ9/ 218 .

[13] الطبقات الكبرى للشعراني جـ1/ 158 ط صبيح ونقلها عن جوهرة الدسوقي وقد طبعت " جوهرة الدسوقي " ونشرتها مكتبة الجمهورية ص 112 .

[14] الطبقات الكبرى : جـ1/ 157 وجوهرة الدسوقي 99 .

[15] التفتازاني : ابن عطاء الله وتصوفه 46 .

[16] نفس المرجع 48 .

[17] لطائف المنن 39 : 40 مكتبة القاهرة 1979 .

[18] لطائف المنن 39 : 40 مكتبة القاهرة 1979.

[19] نفس المرجع 42 .

[20] نفس المرجع 199 .

[21] الفصوص 134 .

[22] لطائف المنن المرجع السابق 96 .

[23] لطائف المنن المرجع السابق 112 .

[24] لطائف المنن المرجع السابق 88.

[25] شرح صلاة ابن مشيش 225 :226 مخطوط ..

[26] لطائف المنن 247 .

[27] لطائف المنن 247 .

[28] لطائف المنن المرجع السابق 265 : 266 .

[29] لطائف المنن 32 :33 .

[30] لطائف المنن 45 .

[31] لطائف المنن 132 .

[32] التفتازاني : ابن عطاء وتصوفه 53 ، وحوليات آداب القاهرة ص 63 مجلد 25 سنة 63 .

[33] مدخل إلى التصوف الإسلامي : 23 : 24 .

[34] الجواهر السنية 41 .

[35] الطبقات الكبرى جـ1/ 160 ،162 ،

[36] الطبقات الكبرى جـ1/ 150 .

[37] طبقات الشرنوبي 3، 4 مخطوط بجماعة القاهرة تحت رقم 21846 .

[38] الطبقات الكبرى جـ1/ 10 .

[39] ابن عطاء .. لطائف المنن 66 .

[40] ابن عطاء .. لطائف المنن 119 .

[41] ابن عطاء .. لطائف المنن 94

[42] ابن عطاء .. لطائف المنن 116 .

[43] ابن أيبك الداوداري : سيرة الناصر 133: 138 .

[44] ابن أيبك الداوداري  : سيرة الناصر143 .

[45] السلوك 2 / 1 / 185   ،  215 .

[46] السلوك 2 / 1 / 185   ،  215  .

[47]. شذرات الذهب جـ 6 / 73 .

[48] سيرة الناصر 145

[49] تاريخ ابن الوردي جـ 2 / 288   ، 289 .

[50] تاريخ ابن الوردي جـ 2 / 288   ، 289

[51] سيرة الناصر 138 .

[52] سيرة الناصر 145 .

[53] سيرة الناصر 146.

[54] تكسير الأحجار التي افتتن بها لأهل الجهل والاغترار لابن برهان الدين . مخطوط بدار الكتب رقم 404 مجاميع تيمورية .

[55] تاريخ ابن كثير جـ14/ 46 ، 50 .

[56] سيرة الناصر 150 .

[57] سيرة الناصر 151 .

[58] شذرات الذهب جـ6/ 64 تاريخ ابن كثير جـ4/ 46 : 50 .

[59] شذرات الذهب جـ6/ 19 .

[60] سيرة الناصر 151 .

[61] السلوك جـ1/ 273 .

[62] السلوك جـ2/ 1/ 263 ، الدرر الكامنة جـ2/ 323 .

[63] تاريخ الجزري . مخطوط جـ1/ 17:  18.

[64] ذيل ابن العراقي . مخطوط 146 .

[65] عقد الجمان . مخطوط وفيات 808 ، إنباء الغمر جـ3/ 332 : 333 .

[66] شذرات الذهب جـ6/ 282 .

[67] إنباء الغمر جـ2/ 526 .

[68] الدرر الكامنة جـ1/ 27 .

[69] إنباء الغمر جـ2/ 186 .

[70] إنباء الغمر جـ3/ 42 .

[71] شذرات الذهب جـ6/ 304 : 305 .

[72] إنباء الغمر جـ1/ 464 .

[73] الدرر الكامنة جـ2/ 262 .

[74] إنباء الغمر جـ1/ 187 .

[75] إنباء الغمر جـ3/ 491 .

[76] تاريخ قاضي شهبة : مخطوط جـ1/ 22 .

[77] تنبيه الغبي للبقاعي 52، 121 : 122 .

[78] تنبيه الغبي للبقاعي 52، 121 : 122 .

[79] تنبيه الغبي 155 .

[80] تنبيه الغبي 156 .

[81] تنبيه الغبي 157 .

[82] تنبيه الغبي 157 : 158 .

[83] تنبيه الغبي 161  .

[84] تنبيه الغبي 165 .

[85] تنبيه الغبي 168 .

[86] تنبيه الغبي 176 .

[87] شذرات الذهب جـ6/ 301 .

[88] شذرات الذهب جـ6/ 240 : 241 . والدرر الكامنة جـ2/ 351 .

[89] تنبيه الغبي 151 : 153 .

[90] تنبيه الغبي 157 .

[91] ترجمته في الدرر الكامنة ..

[92] إنباء الغمر جـ3/ 477 .

[93] تنبيه الغبي 182 : 183 .

[94] تنبيه الغبي 186 : 187 .

[95] إنباء الغمر جـ3/ 403 حوادث 831 .

[96] تنبيه الغبي 170 .

[97] تنبيه الغبي 174 .

[98] إنباء الغمر جـ3/ 404 .

[99] المنهل الصافي .مخطوط جـ5 / 249 .

[100] الطبقات الكبرى للمناوي مخطوط 340 .

[101] تاريخ ابن الفرات جـ 8 /60 :61 .

[102] ابن تيمية : الصوفية والفقراء 16 .

[103] الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان : 100 ط صبيح .

[104] الفرقان بين أولياء 99 .

[105] الفرقان بين أولياء 141 :142 .

[106] تكسير الأحجار مخطوط 140 : 141 .

[107] عقد الجمان : مخطوط حوادث 708 تاريخ ابن كثير جـ14/ 46 .

[108] تاريخ ابن كثير جـ14/ 53 : 62 .

[109] الدرر الكامنة جـ1/ 166 .

[110] النجوم الزاهرة جـ9/83 .

[111] تاريخ ابن كثير جـ14/ 123 .

[112] تاريخ ابن كثير  جـ14/ 123 : 124 .

[113] الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/ 20 .

[114] الدرر الكامنة جـ4/ 279 .

[115] شذرات الذهب جـ7/ 71 .

[116] الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/ 28 .

[117] مناقب الوفائية مخطوط 99 .

[118] شذرات الذهب جـ7/ 336 .

[119] إنباء الغمر جـ1/ 50 .

[120] شذرات الذهب جـ6/ 228 : 229 .

[121] شذرات الذهب جـ6/ 314 .

[122] الدرر الكامنة جـ4/ 250 .

[123] إنباء الغمر جـ2/ 83 .

[124] شذرات الذهب جـ6/ 301

[125] الشوكاني : البدر الطالع جـ1/ 378 .

[126] إنباء الغمر جـ2/ 28 .

[127] إنباء الغمر جـ2/ 129 . شذرات الذهب جـ7/ 20 .

[128] تلبيس إبليس 161: 162 .

كتاب ( التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية
يقع فى ثلاثة أجزاء تتناول بعد التمهيد أثر التصوف فى العقائد الدينية والعبادات الدينية والحياة الأخلاقية فى مصر العصر المملوكى . تعطى مقدمة الكتاب لمحة عن أصل هذا الكتاب ، وأنه كان ضمن الأجزاء المحذوفة من رسالة الدكتوراة التى قدمها المؤلف للمناقشة حين كان مدرسا مساعدا فى قسم التاريخ الاسلامى بجامعة الأزهر عام ذ977 ، ورفضوها وبعد إضطهاد دام ثلاث سنوات تم الاتفاق على حذف ثلثى الرسالة ، ونوقش ثلثها فقط ، وحصل به الباحث على درجة الدكتوراة بمرتبة الشرق الأولى فى اكتوبر 1980 . من الأجزاء المحذوفة من الرسالة ينشر المؤلف هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة ، يوضخ فيه أثر التصوف فى مصر المملوكية ويعرض فيه عقائد التصوف
more