رقم ( 5 )
ج 1 ب1 ف1 : المرحلة الأولى للعقيدة الصوفية : من بداية التصوف في القرن الثالث الهجري إلى وفاة الغزالي

 كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف

 الباب الأول :  مراحل العقيدة الصوفية وتطورها في مصر المملوكية  من خلال الصراع السنى الصوفى        

 الفصل الأول : المرحلة الأولى للعقيدة الصوفية : من بداية التصوف في القرن الثالث الهجري إلى وفاة الغزالي سنة 505                     

 مدرسة الجنيد الصوفية:

1- وفيها كان اضطهاد الصوفية على أشده خصوصا في عصر الجنيد والحلاج ، وواجه الصوفية هذا الاضطهاد بمبدأ التقية الشيعية ، أي إظهار الإسلام وإبطان التصوف ، وهو نفس ما فعله المنافقون وقد قال تعالى فيهم : ( وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ،اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ :البقرة 14، 15)

وعن هذا الطريق استقر في الأذهان أن هناك تصوفاً معتدلاً يتزعمه الجنيد وأعيان مدرسته يخالفون بذلك متطرفي الصوفية كالحلاج ومدرسته ، والواقع أنه لا خلاف هناك في العقيدة ، وإنما في صراحة الحلاج ونفاق الجنيد ، ويكفي أن الجنيد خدع الكثيرين من المنكرين على الصوفية كابن تيمية وابن الجوزي و البقاعي .

2- وقيل في ترجمة ( الجنيد) أنهم شهدوا عليه ( حين كان يقرر في علم التوحيد ( يقصد عقيدة التصوف ) ثم أنه تستر بالفقه واختفى ) [1]، أي أن محاكمة عقدت " للجنيد " فاضطر للتستر بالفقه وأخفى اجتماعاته مع الصوفية .. وفي هذه الأثناء بلغ اضطهاد الصوفية ذروته بصلب الحلاج فكان الجنيد ( يقول كثيرا للشبلي .. لا تُفش سر الله تعالى بين المحجوبين ) [2]. يعني أنه كان يأمر الشبلي – وهو أشبه بالحلاج – بألا يصرح بعقيدته بين المسلمين .  وأصدر أوامره لأتباعه بأنه ( لا ينبغي للفقير ( يقصد الصوفي ) قراءة كتب التوحيد الخاص ( يقصد التصوف ) إلا بين المصدقين لأهل الطريق أو المسلمين لهم ) [3] ، يقصد المعتقدين فيهم ..

وطبق الجنيد هذا المبدأ على نفسه فكان ( لا يتكلم قط في علم التوحيد إلا في قعر بيته بعد أن يغلق أبواب داره ويأخذ مفاتيحها تحت وركه ويقول : أتحبون أن يكذب الناس أولياء الله تعالى وخاصته ويرمونهم بالزندقة والكفر ) [4]، ومعنى ذلك أنه كانت للصوفية في هذا الوقت اجتماعات سرية متفرقة ، تؤمها خلايا من مريدين وشيخ ، وفيها كانوا يقرءون (كتب التوحيد الخاص).أي أن عقائد التصوف قد دونت منذ عهدها المبكر ، إلا أننا لم نعثر على مؤلف كامل للجنيد إذ أنه في غمرة تمسكه بالتقية أوصى حين الموت بأن (يدفن معه جميع ما هو منسوب إليه من عمله)[5] ، فلم يحفظ عن الجنيد إلا القليل من الآراء الصوفية مع أنه " سيد الطائفة "، حتى أن كل الطرق الصوفية المتأخرة تنتهي إليه بالخرقة.

3- وإذا كان للجنيد كلام خاص مع أتباعه في اجتماعاتهم السرية فإنه حرص على إعلان تمسكه بالاسلام الذى كان يعنى وقتها ( الكتاب والسنة )، وشاع عنه إعلانه التقيد بالكتاب والسنة فقال ( مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة ) ، ( ومن لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر) [6] ، أي التصوف ، وانخدع خصوم التصوف بكلام الجنيد  وأبرزهم ابن الجوزي الذي ردد كلمات الجنيد وهو يقول ( وقد كان أوائل الصوفية يقرون بأن التعويل على الكتاب والسنة ) [7].

4- ومن خلال الأقوال القليلة التي حفظت عن الجنيد في عقيدة التصوف يمكن أن نتعرف على طبيعة هذه المرحلة من مراحل العقيدة الصوفية ، يقول الجنيد عن التوحيد ( إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته ، بأنه الواحد الذي لم يلد ولم يولد ، وينفي الأضداد والأنداد والأشباه ،و ماعُبد من دونه بلا تشبيه ولا تكييف ولا تصوير ولا تمثيل ، إلها واحدا صمدا فردا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" ، وقال مرة أخرى " معنى تضمحل فيه الرسوم وتندرج فيه العلوم ، ويكون الله تعالى كما لم يزل " ، قال أبو نصر الطوسي : فالجوابان اللذان لذي النون والجنيد رحمهما الله في التوحيد ظاهران ، أجابا عن توحيد العامة ، وهذا الجواب الذي ذكرناه أشار إلى توحيد الخاصة ،وقد سئل الجنيد رحمه الله عن توحيد الخاصة ، فقال أن يكون العبد شبحا بين يدي الله عز وجل وتجري عليه تصاريف تدبيره في مجارى أحكام قدرته في لُجِّج بجار توحيده بالفناء عن نفسه وعن دعوة الخلق له وعن استجابته بحقائق وجود وحدانيته في حقيقة قربه بذهاب حسه وحركته ، لقيام الحق له فيما أراد منه ، وهو أن يرجع آخر العبد إلى أوله ، فيكون كما كان من قبل أن يكون ، وقال أيضا . التوحيد هو الخروج من ضيق رسوم الزمانية إلى سعة فناء السرمدية .) [8] 

5 ــ وهذا النص أوردته كاملا من كتاب ( اللمع ) للطوسي ، وقد عني بتحقيقه الدكتور /عبد الحليم محمود لأنهما – أي الكتاب والمؤلف – يعبران عن التصوف المعتدل .. وبالتمعن في النص تبدو لنا درجات للعقيدة الصوفية ، فقد اضطر الجنيد – خوف الاضطهاد – إلى أن يعترف بالعقيدة الإسلامية فقال عن التوحيد ( إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته .. الخ ). 

 وعلق الطوسي بأن ذلك هو توحيد العامة ، ويقصد به عقيدة الاسلام ، أما عن توحيد الخاصة الذي يتردد في الاجتماعات السرية فيقول فيه الطوسي ( وقد سئل الجنيد عن توحيد الخاصة ) أي سأله أتباعه في مجلس سري ، وقد قال فيه أكثر من تعريف وبعضها يعبر عن الاتحاد مثل قوله ( أن يكون العبد – أي الصوفي – شبحا بين يدي الله عز وجل .. الخ ) والتعمق في هذا التعريف يظهر أن غاية الاتحاد في أن يذوب الصوفي بنفسه في خالقه بحيث يصبح جسده شبحاً تتحكم فيه " روح الله وقدرته " ، وقال ( التوحيد هو الخروج من ضيق رسوم الزمانية ) يقصد أحكام البشرية وحدودها ( إلى سعة فناء السرمدية ) أي إلى الألوهية الباقية بلا نهاية .

 6 ــ  وعبًر الجنيد عن وحدة الوجود بقوله ( معنى تضمحل فيه الرسوم )، ويقصد بالرسوم مظاهر الكون المادية من إنسان وحيوان وجماد فكلها تضمحل في ذات الله ( وتندرج فيه العلوم ) أي أن كل العلوم والمعارف البشرية والكونية مظاهر إلهية ( ويكون الله تعالى كما لم يزل ) أي أن الله مع ذلك – مع وجود هذا التعدد في المظاهر المادية والعقلية – هو كما كان وسيظل – وجوداً واحداً يشمل الرسوم المادية والأفكار المعنوية ..

7 ــ واضطهد ذو النون المصري وحمل إلى بغداد معتقلاً مهدداً بالموت متهماً بالزندقة [9]  ، فأضطر إلى أن يجعل التوحيد الإسلامي درجة في العقيدة الصوفية فقال الطوسي عن التعريف الذي نقله عن ذي النون ( فالجوابان اللذان لذي النون والجنيد في التوحيد ظاهران ، أجابا عن توحيد العامة )[10]. أي جعلوا دين الله (توحيد العامة) ،أو الدرجة الدنيا من العقيدة ..

 

 

 

 

 

 

 

 

                          

مدرسة الجنيد بعد موت الجنيد

1 ـ ومهما يكن من أمر فإن مدرسة الجنيد وذي النون قد سنت طريقاً للعقيدة الصوفية سار فيه الصوفية اللاحقون حفاظاً على حياتهم وعقائدهم، بيد أن بعضهم كان مجدداً بعض الشيء في طريقة نفاقه مع احتفاظه بالعقيدة الثابتة ..

2 ــ  ومن أولئك كان رويم الصوفي البغدادي ، فكان ينكر على صعاليك الصوفية – شأن أستاذه الجنيد – مع الحفاظ في نفس الوقت على سلامة الطريق وعقيدة التصوف .                                          

يقول رويم (ما هذا الأمر – يقصد التصوف – إلا ببذل الروح فإن أمكنك الدخول فيه مع هذا  وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية )[11] ويرفع من شأن التصوف الحقيقي وأصحابه فيقول  ( إن كل الخلق قعدوا عن الرسوم، وقعدت هذه الطائفة عن الحقائق )،ومع تمسكه بعبارات الورع والصدق [12] ، فإن حقيقة عقيدته تتضح في قوله عن التوحيد بأنه ( محو آثار البشرية وتجرد الألوهية )[13]،أي أن التوحيد الصوفي ينفي وجود البشر ويجعل الوجود المجرد قاصراً على الألوهية التي انمحت فيها وفنت آثار البشر طبقا للاتحاد والفناء . ويقول رويم في موضع آخر ( للعارف مرآة إذا نظر فيها تجلى له مولاه ) [14] فالإلوهية تكمن داخل الولي الصوفي ، و بها يتحد بالله إذا شاء وحينئذ تنمحي فيه آثار البشر وتتجرد الألوهية فيه كاملة .أي أنه إذا كان رويم ينكر على عامة الصوفية ( ترهاتهم ) نفاقاً وتقية فإن هذا الإنكار يهدف لسلامة الدين الصوفي ، ومجابهة الإنكار من الآخرين مع تقرير العقيدة الصوفية .

3 ــ ورُويم عاش في بغداد ومجتمع الجنيد والصوفية الأوائل وكان يترسم طريقهم في إنكاره على الصوفية المحدثين في عهده ، إلا أن التباعد المكاني بين رواد التصوف لم يكن عائقا فقد سهلت السياحة الصوفية والمراسلات من سبل الاتصال والتفاهم بينهم . ويكفي أن نمثل ذلك بيوسف بن الحسين شيخ الري في الشرق الفارسى ، ومع ذلك فقد صحب ذا النون المصري  [15] . وكان يراسل الجنيد في بغداد [16]. . وتأثره بالاثنين واضح .. فقد اتهم يوسف بن الحسين بالزندقة من جانب مواطنيه في الري [17] ، مع أنه لم يبخل على الصوفية المعاصرين له بالإنكار فقال فيهم ( رأيت آفات الصوفية في صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد – يقصد اللواط – ورفق النسوان – يقصد الزنا )[18].

4 ــ وكان يوسف بن الحسين مخلصاً لعقيدته الدينية الصوفية متبعا لأسلوب ( الجنيد ) في وضع درجات للعقيدة تبدأ بالإسلام وتنتهي بالعقيدة الأسمى في نظره : يقول الطوسي ( ووجدت ليوسف بن الحسين في التوحيد ثلاثة أجوبة منها في توحيد العامة ) ، وانتهى إلى الجواب الثالث : توحيد الخاصة ، وهو أن يكون العبد بسره ووجده وقلبه كأنه قائم بين يدي الله عز وجل وتجري عليه تصاريف تدبيره ، وتجري عليه أحكام قدرته في بحار توحيده بالفناء عن نفسه ،وذهاب حسه بقيام الحق له في مراده منه ، فيكون كما كان قبل ، يعني في جريانه أحكام الله عليه وإنفاذ مشيئته فيه وبيان ذلك كما قال الجنيد )[19] .. وواضح تأثر يوسف بن الحسين بالجنيد ..

5 ــ وبعضهم كان يبالغ في التقية حتى تختلط عليه الأمور ويقع في التناقض في أمر واحد وسبب ذلك أنه ظل ينافق حتى نافق نفسه وخدعها . ومن هذا الصنف كان " أبو سعيد الخراز" الذي أسرف في التقية خوفا من الاتهام بالكفر حتى وصل به الأمر إلى اتهام التصوف نفسه دون أن يدري ..

يقول أبو سعيد الخراز ( كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل )[20] . أي أنه يحكم على التصوف – وكان مبدأه الكتمان والتقية – بالبطلان .. وأمتد هذا الحكم ليشمل أبا سعيد نفسه حيث يقول (لهم أي - للصوفية – لسانان ظاهر وباطن ، فلسان الظاهر يكلم أجسامهم ولسان الباطن يناجي أرواحهم )[21].

وكان الخراز (أول من تكلم في علم الفناء )[22].أو الاتحاد ، ومن أقواله ( إذا أراد الله أن يوالي عبداً من عبيده فتح له باب ذكره ، فإذا استلذ بالذكر فتح عليه باب القرب ، ثم رفعه إلى مجلس الأنس ، ثم أجلسه على كرسي التوحيد ، ثم رفع عنه الحجب فادخله دار الفردانية وكشف له عن الجلال والعظمة ، فإذا وقع بصره على الجلال والعظمة بقى لا هو ، فحينئذ صار العبد فانياً فوقع في حفظ الله وبرئ من دعاوى نفسه )[23] . يقصد إتّتحد بالله وزالت عنه البشرية – وفي ذلك النص إشارة إلى مراحل الاتحاد عند الصوفية . وقال ( أول علامة التوحيد خروج العبد عن كل شيء – يعنى لوازم البشرية ) – ( ورد الأشياء جميعا إلى متوليها حتى يكون المتولي بالمتوليَّ ناظراً بالأشياء ، قائماً بها متمكناً فيها ثم يخفيهم عن أنفسهم في أنفسهم ويظهرهم لنفسه سبحانه وتعالى )[24] . ثم إن أبا سعيد الخراز هو صاحب ( كتاب السر ) في عقيدة الصوفية .. إلا أنه استطاع أن ينجو بنفاقه من حدة الإنكار عليه رغم كثرة ما قاله في عقيدة التصوف. ويكفي أنه بنفاقه علا فوق اختلافات الصوفية – والاختلاف سمة أساسية في التصوف – وتمكن بنفاقه للصوفية من إخوانه أن يتجنب الخلاف معهم، يقول ( صحبت الصوفية ما صحبت فما وقع بيني وبينهم خلاف )[25]. ولا شك أن المغالاة في النفاق تعتبر رد فعل للضغط الذي واجه المتصوفة الأوائل.

6 – ومن مظاهر الضغط الذي تعرض له الصوفية الأوائل قلة أقوالهم في عقيدة( وحدة الوجود )، فقد اكتفوا غالبا بالإشارة للاتحاد وتجنبوا مؤقتا الإسهاب في الاتحاد المطلق أو وحدة الوجود، وقد يكون مفيداً أن نعرض بسرعة لبعض أقاويلهم في الاتحاد المطلق أو وحدة الوجود.

قالوا : ( الوحدانية بقاء الحق بفناء كل ما دون ) ، يعني أن كل ما دون الله مظاهر فانية في ذات الله الباقية ، وقالوا ( ليس في التوحيد خلق وما وحد الله غير الله ) [26]ومعناه أن الوجود الحقيقي واحد ولا خلق هناك وإنما الخالق فقط ، وكل ما يسبح الله هو الله نفسه ..

ولا شك أن عبارات ( الوحدة ) السابقة قد صيغت في أسلوب اتحادي خوف القهر والضغط وتحتمل – مع ذلك التأويل – عند المساءلة والعقاب ..

7-وغلٌف الصوفية عقائدهم بالرموز والمصطلحات والعبارات التي تستلزم التأويل والاختلاف ، إلا أن التصوف دخل في دور الانتشار واجتذب إليه طوائف من العامة مع انحطاط مستمر في مستوى الأشياخ العلمي وترديدهم لعبارات الصوفية الأوائل واختراعهم عبارات تنقصها المهارة الصوفية المعتادة في عبارات الاتحاد ، وكان أن هبٌ القشيري في القرن الخامس ينكر على عوام الصوفية أقاويلهم في الاتحاد ويؤلف رسالته المشهورة ، يقول في مقدمتها ( مضى الشيوخ الذين كان بهم اهتداء ) ويصف صوفية عصره بشنيع الصفات من الإهمال في الفرائض والمبالغة في الانحراف ( ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الفعال حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق  ) ، يعني أنهم ادعوا الاتحاد تشبهاً بمن سبقهم من الرواد وهذا ما ينكره القشيري على أجلاف عصره ، يقول فيهم ( وادعوا أنهم تحرروا عن رق الأغلال وتحققوا بحقائق الوصال وأنهم قائمون بالحق تجري عليهم أحكامه وهو محو )..( وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية واختطفوا عنهم بالكلية . وزالت عنهم أحكام البشرية ، وبقوا بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدية ) ، يعني أنهم ادعوا الاتحاد الكامل بالله .. واضطر لتأليف رسالته ليرشدهم وحتى يسلم الطريق الصوفي – بزعمه- منهم .. يقول ( ولما طال الابتلاء فيما نحن فيه من الزمان ، بما لوحت ببعضه من هذه القصة ، وما كنت لأبسط إلى هذه الغاية لسان الإنكار غيرة على هذه الطريقة – أي التصوف – أن يذكر أهلها بسوء أو يجد مخالفهم لثلبهم مساغاً ،إذ البلوى في هذه الديار بالمخالفين لهذه الطريقة والمنكرين عليها شديدة .. ولما أبى الوقت إلا استصعاباً وأكثر أهل العصر بهذه الديار إلا تمادياً فيما اعتادوه .. وأشفقت على القلوب أن تحسب أن هذا الأمر على هذه الجملة بني قواعده .. فعلقت هذه الرسالة إليكم ) [27] .

8 ــ وصار تقليداُ صوفياً أن ينكر الشيخ على معاصريه من الصوفية ويشيد بالسابقين .. فالطوسي أنكر على معاصريه وأشاد بسابقيه ، وجاء القشيري بعده فأشاد بمن أنكر عليهم الطوسي ، ثم جاء الغزالي فأشاد بمن أنكر عليهم القشيري .. وكذلك فعل الشعراني في نهاية العصر المملوكي .. وذلك كله حماية للطريق الصوفي ومحاولة الفصل بين التصوف كمبدأ – يحاولون حمايته من الإنكار- وأشخاص الصوفية وهم محل إنكار المعاصرين لهم .

9- ثم دخلت العقيدة الصوفية في ثوب جديد بفضل الغزالي ..

 

 

                          

:  الغزالي ( 450 – 505) هـ وعقيدة التصوف

أولا : الإنكار على الغزالي وكتابه ( إحياء علوم الدين )   :

1- أثر الغزالي في دين التصوف لا يُطاول ، فإذا كان الجنيد – وهو سيد الصوفية – قد استطاع بالنفاق والتقية أن يحفظ التصوف بمنأى عن الأعاصير المهلكة ، فإن الغزالي هو الذي دخل بالتصوف عصراً               جديداً حين أسبغ عليه الشرعية الإسلامية بمفهوم عصره ، اى بالكتاب والسّنة ، وقرّب بينه وبين مذهب أهل السنة ، فخلق ( التصوف السنى ) الذى إنتشر وسيطر فيما بعد . وهي خطوة جبارة لم يكن لها أن تتم إلا بشخصية الغزالي الذي تمتع في عصره بزعامة الفقهاء والمتكلمين مع تقدير الحكام والعوام .

2- وقد بدأ الغزالي فقيهاً تتلمذ على يد إمام الحرمين في المذاهب والخلاف والجدل والمنطق والحكمة والفلسفة ، وصنف في كل فن منها ، وبعد موت إمام الحرمين قصد الغزالي نظام الملك وناظر العلماء بحضرته وتفوق عليهم فولاه نظام الملك تدريس المدرسة النظامية ببغداد فازدادت شهرته ، ثم أصيب بالتصوف فاعتكف بالجامع الأموي بدمشق ، وصنف كتابه الأشهر ( الإحياء ) وقضى آخر عمره في موطنه بطوس يوزع أوقاته بين مدرسة الفقهاء وخانقاه الصوفية .

3- ويبدو أن تعاطف الغزالي مع التصوف قد بدأ في أخريات تلمذته لإمام الحرمين ، فيقال أن إمام الحرمين كان في آخره يمتعض من الغزالي في الباطن وإن كان يُظهر غير ذلك .. وربما منعت هيبة إمام الحرمين الغزالي من إعلان تصوفه ، خاصة وأن الجويني - إمام الحرمين – كان يحتقر الصوفية ، وقد قال فيهم ( ما شغل هؤلاء إلا الأكل والشرب والرقص ) [28].

وبعد موت الجويني وخلو الجو للغزالي واشتهاره في بغداد وتصدره للعلماء فيها – أعلن الغزالي تصوفه وألف كتابه " الإحياء" .

4- بيد أن ذلك كله لم يكن عاصماً له من ثورة الفقهاء عليه ، ومع أنهم كانوا دونه علماً وشهرةً ونفوذاً إلا أنهم أفتوا بتكفيره وأحرقوا كتابه " الإحياء" في مواضع شتى في البلاد الإسلامية [29]  ، حتى اضطر الغزالي إلى تصنيف مؤلفات يرد بها على منكري كتابه " الإحياء" ومنها " إشكالات الإحياء " ، وفيه يقول مستهينا بخصومه ( أدلة الطريق هم العلماء ورثة الأنبياء وقد شغر منهم الزمان ولم يبق إلا المترسمون ، وقد استحوذ على أكثرهم الشيطان )[30] .

5- وواجه الصوفية الإنكار على شيخهم الغزالي وكتابه ( الإحياء ) بأسلوبهم التقليدي وهو المنامات التي يدعون بها أن الرسول عليه السلام يؤيدهم ويهاجم خصومهم ،  ومع أن المنامات لا تُعد دليلاً علمياً أو دينياً إلا أن خطورتها الدعائية  في مجابهة الإنكار على الصوفية أمر مقرر ، خاصة وأنها تخاطب العامة وتقنعهم وتستقر في أعماقهم قروناً ، ولقد إستعمل الحنابلة أيضا أسلوب المنامات لأنها تحظى بتصديق العوام ، ومن يتمتع بعقلية العوام ..

  وفي معرض الدفاع عن الغزالي حرصت المنامات الصوفية على أن تجعل النبي صلي الله عليه وسلم يبارك الغزالي و(الإحياء) ويهين المعترضين [31] ، وقالوا في أحد المنامات أن الإمام " ابن حرزهم " الفقيه المغربي كان قد بالغ في الإنكار على كتاب الإحياء وهمٌ بإحراقه فرأى الغزالي عند الرسول عليه السلام يقول له عن ابن حرزهم : يا رسول الله هذا خصمي فخذ لي حقي منه ، وأن النبي عليه السلام تصفح كتاب الإحياء وأثنى عليه ، وأمر بجلد " ابن حرزهم " ، واستيقظ الفقيه وأثر الجلد على جسده ، وانتهت الأسطورة بتصوفه [32] .

  وابن حرزهم هذا لم يكن رأس المنكرين على الإحياء كما تصوره تلك الأسطورة فقد كان ابن رشد [33] خصم الغزالي وزعيم المنكرين عليه في المغرب ، أما ابن حرزهم هذا فمجهول جعله الصوفية بطلاً في منام يحقق غرضهم .. ويقول " العيدروس" معلقاً على إحراق كتب الإحياء في المغرب ( روى السمعاني أن بعضهم رأى فيما يرى النائم كأن الشمس طلعت من مغربها ، مع تعبير ثقات المعبرين ببدعة تحدث ، فحدثت في جميع المغرب بدعة الأمر بإحراق كتبه ) [34].

  وبعض الصوفية عوضٌ الغزالي عن العنت الذي لاقاه من المنكرين فجعله مجدد الإسلام على رأس المائة الخامسة [35].

6 – ووصف الغزالي ما فعله خصومه بكتابه ( الإحياء ) فقال ( طعنوا عليه ونهوا عن قراءته ومطالعته ، وأفتوا بإطراجه ومنابذته ، ونسبوا ممليه إلى ضلال وإضلال ، ورموا منتحليه وقراءه بزيغ عن الشريعة ) [36] . وفي المقابل بالغ الصوفية في تقديس الإحياء ، إلى درجة المقارنة بالقرآن الكريم ، فاهتموا بحفظه بلفظه وتوارثوا التوصية  به عند الموت ، وقيل فيه ( لو قلب أوراق الإحياء كافر لأسلم ، ففيه سر خفي يجذب القلوب شبه المغناطيس ) .. وقال الإمام النووي ( كاد الإحياء أن يكون قرآنا ) [37].

ثانيا : تأثير كتاب ( الإحياء ) على مسيرة التوصف

1- ويظل ( إحياء علوم الدين ) أخطر كتب الصوفية على الإطلاق .. وتكمن خطورته في أنه لم يكن كتاباً مقتصراً على التصوف وحده كما فعل الطوسي في اللمع والقشيري في الرسالة قبل الغزالي ، وكما فعل ابن عربي في الفتوحات المكية والفصوص فيما بعد . ولكن الغزالي عرض لشتى العلوم الإسلامية في عهده وأوردها في خدمة هدفه الأصلي وهو التصوف والعلم اللدني الذي يتمتع به الصوفية دون العالمين ، ثم يعرض لعقائد التصوف في نواح متفرقة في ثنايا بحثه لموضوعات شتى قد تبدو بعيدة الصلة بالتصوف .

2 ــ وأدرك الغزالي مطاعن الفقهاء في عصره [38]، وتفوق عليهم بالمنطق والفلسفة فعرض في كتابه للموضوعات الفقهية بنظرة ( روحية ) قلبية  ، أعلى فيها من شأن العوامل الباطنية في أداء العبادات كالنية والرياء والإخلاص ، وفي عرضه للفقه بهذا المنهج الجديد لم ينس التعريض بخصومه الفقهاء الذين غالوا في استقراء الحركات الظاهرية ، يقول الغزالي ( يتكلم الفقيه في الإسلام فيما يصح وما يفسد وشروطه ، ولا يلتفت إلا إلى اللسان ، أما القلب فخارج عن ولاية الفقيه .. وأما الصلاة فالفقيه يفتي بالصحة إذا أتى  بصورة الأعمال مع ظاهر الشروط وإن كان غافلا في جميع صلاته من أولها إلى آخرها )[39].

3 ــ وأتخذ الغزالي من هذا المطعن سبيلاً إلى أن العقيدة وبحوثها تخرج عن إمكانات الفقيه وليس من رجالها ، وبالتالي فليس في وسعه أن يفهم علوم المكاشفة – أو عقائد التصوف – التي انفرد بها الصوفية ( .. وإذا تكلم الفقيه في غير الدنيا – أي تكلم في صفات القلب وأحكام الآخرة – فقد تطفل )[40].

 ثم ارتدى الغزالي ثوب الفقه فهاجم المتكلمين وأعتبر هذا العلم من البدع [41] ، وعلم الكلام ألصق بالفلسفة ، ومعلوم أن الغزالى قد ألف في الفلسفة ( تهافت الفلاسفة ) ينقم فيه على " ابن رشد " اتجاهه العقلي الأرسطي مع أن العقيدة الصوفية عند الغزالي مستقاة من الفلسفات الغنوصية اليونانية التي سبقت في شرح مقالة الاتحاد بالله .. ثم أن الغزالي كان يستعير أسلوب الفلاسفة في شرحه لعقائد الصوفية ..

4 ــ واحتاج الغزالي إلى إختراع سند إسلامي وسُنّى يعزز به عقيدة الصوفية فوجد ضالته في الأحاديث الموضوعة وتأويل الآيات القرآنية .  ويمتلئ ( الإحياء) بالأحاديث الضعيفة والموضوعة ، وهو ما يتضح في تخريج الحافظ العراقي للأحاديث الواردة في الإحياء . هذا مع تعاطف العراقي مع الغزالي واستدلال الصوفية بأقواله في هذا الشأن . والواقع أن كثرة الأحاديث الباطلة في الإحياء كانت أهم المطاعن التي ووجه بها الغزالي ولم يجده نفعاً ما دافع عنه أتباعه [42].

5 ــ إلا أن الغزالي في نهاية الأمر وقع في التناقض مع نفسه كفقيه وكصوفي .. والتناقض سمة أساسية من سمات الفكر الصوفي ، وتتجلى أكثر عند أولئك الصوفية الذين يحاولون التوفيق بين الإسلام والتصوف كالغزالي والشعراني .

6 ــ وتبقى الفائدة الكبرى للإحياء للعقيدة الصوفية ، فالفقيه العادي يفاجأ بكلام جديد في الفقه يخاطب وجدانه ويناقش خطرات قلبه ووساوس الشيطان في نفسه فلا يسعه بعد ذلك إلا التصديق بمزاعم الغزالي عن العلم اللدني الذي أوتيه الأولياء الصوفية ، ثم يؤمن بأن العلم درجات والفقه درجات ، ثم ينتهي إلى الإيمان بأن العقيدة درجات، وأنّ أدناها التوحيد الإسلامي ( لا إله إلا الله ) وأعلاها وحدة الوجود ( لا موجود إلا الله ، كل الموجودات هى الله .!!) ، وهو نفس التقسيم الطبقي الذي قاله الغزالي في الإحياء متابعا " للجنيد " .

 

  

        

                           

عقيدة التصوف في(  إحياء علوم الدين ) للغزالى :

البحث فيما فصله الغزالي في عقيدة التصوف ومناقشته يستلزم مجلداً كاملاً،  إلا أننا سنقتصر على بعض النقاط التي تظهر وحدة العقيدة بينه وبين الجنيد – قبل الغزالي ، ثم ابن عربي بعد الغزالي . وفيها يظهر أسلوب الغزالي المشبع بالفلسفة القائمة على التوفيق والتلفيق .

أولاً : درجات  التوحيد عند الغزالي ..

1 ــ تابع الغزالي أستاذه " الجنيد " في تقسيم التوحيد إلى درجات ..

يقول ( التوحيد : القول فيه يطول وهو من علوم المكاشفة ) أي أن الغزالي يسد الطريق مقدماً على الفقهاء وهم محرومون من العلم بالغيب الذي يكاشف الله به أولياءه ، ثم يقول ( للتوحيد أربع مراتب وهو ينقسم إلى لب وإلى لب اللب وإلى قشر وإلى قشر القشر :

 فالمرتبة الأولى من التوحيد : هي أن يقول الإنسان بلسانه لا إله إلا الله وقلبه غافل عنه أو منكر له كتوحيد المنافقين ، والثانية : أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه ، كما صدق به عموم المسلمين وهو اعتقاد العوام ، والثالثة : أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق ، وهو نظام المقربين ، وذلك بأن يرى أشياء كثيرة ولكن يراها على كثرتها صادرة عن الواحد القهار . والرابعة أن لا يرى في الوجود إلا واحداً ، وهي مشاهدة الصديقين ، وتسميه الصوفية الفناء في التوحيد ، لأنه من حيث لا يرى إلا واحداً فلا يرى نفسه أيضاً ، وإذا لم ير نفسه لكونه مستغرقاً بالتوحيد كان فانياُ عن نفسه في توحيده بمعنى أنه فني عن رؤية نفسه والخلق ..).

2- ثم يشرح الغزالي في ضوء ما سبق أنواع الموحدين ، يقول ( فالأول : موحد بمجرد اللسان ، و يعصم ذلك صاحبه في الدنيا عن السيف .. والثاني : موحَّد بمعنى أنه معتقد بقلبه مفهوم لفظه وقلبه خال عن التكذيب بما انعقد عليه قلبه ، وهو عقدة على القلب ليس فيه انشراح وانفساح ، ولكنه يحفظ صاحبه من العذاب في الآخرة إن توفى عليه ، ولم تضعف بالمعاصي عقيدته ... والثالث : موحَّد بمعنى أنه لم يشاهد إلا فاعلاً واحداً ، إذا انكشف له الحق كما هو عليه ، ولا يرى فاعلاً بالحقيقة إلا واحداً ، وقد انكشفت له الحقيقة كما هي عليه ، لا إنه كلف قلبه أن يعقد على مفهوم لفظ الحقيقة فإن تلك رتبة العوام والمتكلمين .. والرابع : موحد بمعنى أنه لم يحضر في شهوده غير الواحد فلا يرى الكل من حيث أنه كثير بل من حيث أنه واحد ، وهذه هي الغاية القصوى في التوحيد ) [43].

ثانيا : ولنا على الغزالي ملاحظات :

1- أنه جعل للنفاق درجة في التوحيد وذلك ما لم يرد في مدرسة الجنيد ، ثم جعل التوحيد الإسلامي توحيد العوام ، ويلمح إلى نوع من المقارنة بين الفريقين ، فالأول يعصمه الإقرار بالتوحيد من الموت بالسيف أما الثاني فيعصمه اعتقاده القلبي من العذاب في الآخرة . أما الصوفية فلا يأبهون بالجنة أو بالنار ( ولذلك قال العارفون ليس خوفنا من نار جهنم ولا رجاؤنا للحور العين ، وإنما مطالبنا اللقاء ومهربنا الحجاب فقط ، وقالوا ومن يعبد الله بعوض فهو لئيم كأن يعبده لطلب جنته أو لخوف ناره ، بل العارف يعبده لذاته فلا يطلب إلا ذاته فقط ) [44].

ولسنا في مجال التعليق على ذلك النص الذي يجعل الصوفية أنداداً لله ويفضلهم على الرسل الذين كانوا يعبدون الله رغبة ورهبة ، ويكفى أن نقرر أن ترفع الصوفية عن الجنة وسخريتهم بالنار تردد في مواضع شتى في الإحياء [45] كإحدى مظاهر عقيدة الاتحاد التي تسبغ الألوهية على الصوفية ..

2 ــ ارتقى الغزالي  بعقيدته الصوفية إلى المرتبتين الثالثة والرابعة .. بينما جعل المنافقين والعصاة في المرتبة السفلى ثم جعل صالحي المسلمين وهم (العوام ) في المرتبة التالية، وحرم عليهم الصعود لمرتبة العقيدة الصوفية حتى ولو كانوا من المتكلمين والفقهاء زعماء "العامة " ، ذلك لأن أساس العقيدة الصوفية في المرتبة الثالثة قائم على الكشف أي علم الغيب ، وهو للصوفية خاصة من دون الناس : يقول الغزالي عن المرتبة الثالثة ( أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق وهو مقام المقربين ) وشرح ذلك الكشف بقوله ( وقد انكشفت له الحقيقة كما هي ، لا أنه كلف قلبه أن يعقد على مفهوم لفظ الحقيقة ، فإن تلك رتبة العوام المتكلمين )..

3 ــ لم يجد الغزالي سنداً للعقيدة الصوفية إلا الكشف أو الوحي الذي يتلقاه الصوفي من لدن ربه ، ومعنى ذلك أن هناك عقيدة جديدة نزلت من السماء تعلو فوق دين الله (الإسلام) .. ومعنى ذلك أن القرآن لم يشتمل على أسرار تلك العقيدة التي اختص بها الصوفية من دون الناس،ذلك أن القرآن والإسلام هما للعامة وزعمائهم من الفقهاء والمتكلمين ، وهما في الدرجة الدنيا في تقسيم الصوفية ..

4 ــ قرر الغزالي في المرتبة الثالثة – أو المرتبة الأولى في عقيدة الصوفية – وحدة الفاعل ، ومعنى ذلك أن كل فعل يصدر عن البشر إنما يصدر في الحقيقة عن الله تعالى ، أي يسند أفعال البشر السيئة أو الدنيئة لله ( تعالى عن ذلك علواً كبيراً ) مع أن الله تعالى يقول (  مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ .. النساء 79 ) والقول بالجبرية من أسس العقيدة الصوفية التي تجعل الله الروح المسيطر والكامن في المظاهر الحسية، وذلك يتناقض مع الإسلام والثواب العقاب والجنة والنار، وكلها في نهاية الأمر لا تهم الصوفية الذين يهتمون أساسا بالاتحاد أو التأليه.

5 ــ ثم قرر الغزالي في المرتبة الأسمى وحدة الوجود ، أي الذوات على كثرتها ليست إلا وجوداً  واحداً و ذاتاً واحدة حتى أن الصوفي يفنى فلا يرى نفسه ، وبالطبع لن يرى غيره ،لأنه  يرى الله في كل شيء .

6 ــ ورغم ما واجهه الغزالي من إنكار فإنه لم يتخل عن إيمانه بعقيدة ( وحدة الوجود ) ، بل جعلها من مقامات التصوف عنده في كتابه ( إشكالات الأحياء ) الذي رد به على المنكرين ، يقول في مقام المشاهدة : إنها ( ثلاثة : مشاهدة بالحق ، وهى رؤية الأشياء بدلائل التوحيد ، ومشاهدة للحق ، وهى رؤية الحق في الأشياء ، ومشاهدة الحق ، وهى حقيقة اليقين بلا ارتياب)[46] . فالمشاهدة الأولى : إسلامية ، والثانية : تعبر عن الاتحاد ، والأخيرة : عن وحدة الوجود المطلقة .

وهذا يحتاج بعض التفصيل

 

 

وسائل الغزالى فى تشريع وحدة الوجود  ( أقبح أنواع الكفر )                        

 استخدم الغزالي مهارته في الفلسفة والمنطق في شرح عقيدة وحدة الوجود ، ولم يتورع عن المغالطة : .

1 ــ فهو أحيانا يجعل المخلوقات أفعالا لله ويخلط بين الأفعال والصفات الإلهية ثم يخلط بينها وبين الله ،وذلك كله كي يحقق وحدة الوجود بين الخالق والمخلوقات : يقول : ( فسبحان من احتجب عن الظهور بشدة ظهوره واستتر عن الأبصار بإشراق نوره .. المتحقق بالمعرفة لا يعرف غير الله تعالى ، أو ليس في الوجود تحقيقاً إلا الله تعالى وأفعاله ، فمن عرف الأفعال من حيث أنها أفعال لم يجاوز معرفة الفاعل إلى غيره .. فكل موجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وفعله وبديع أفعاله ، فمن عرفها من حيث صنع الله تعالى فرأى من الصنع صفات الصانع كانت معرفته ومحبته مقصورة على الله تعالى غير مجاوزة سواه )[47]  . أي أنه قصر الوجود على الله تعالى وأفعاله واعتبر العالم فعلا لله تتجلى فيه ذات الله باعتبار أن الفعل صفة لله. وتناسى أن صفات الله قائمة بذاته لا تنفصل عنه . لذا قال الله تعالى ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ .الإخلاص1) أي في ذاته وصفاته ولم يقل ( قل هو الله واحد ) لأن ( أحد ) تمنع النظير في الذات والصفات معاً .

2 ـــ  وهو أحياناً يخلط بين المخلوقات المخلوقة بقدرة الله تعالى والقدرة كصفة إلهية ، ثم يخلط بين هذه الصفة وذات الله تعالى يقول ،( وجميع موجودات الدنيا أثر من أثارة قدرة الله تعالى ونور من أنوار ذاته ، بل لا ظلمة أشد من العدم ولا نور أظهر من الوجود ، ووجود الأشياء كلها نور من أنوار ذات الله تعالى [48] ) أي أن الموجودات هي قدرة الله ، وقدرة الله هي ذات الله فوجود الأشياء كلها من أنوار ذات الله تعالى ..

3 ــ ثم يخلط بين أفعال البشر وأفعال الله التي يجعلها صفات إلهية . ويرى ، أنها – أي الصفات – هي الأصل الذي تصدر عنه أفعال البشر المصلحين يقول ( والحداد يصلح آلات الحراثة والنجار يصلح آلات الحداد ، وكذا جميع أرباب الصناعات المصلحين لآلات الأطعمة ، والسلطان يصلح الصناع . والأنبياء يصلحون العلماء الذين هم ورثتهم ، والعلماء يصلحون السلاطين ، والملائكة يصلحون الأنبياء إلى أن ينتهي إلى حضرة الربوبية التي هي ينبوع كل نظام ومطلع كل حسن وجمال ومنشأ كل ترتيب وتأليف )[49] . فهنا تدرج يبدأ بالحداد والنجار وينتهي بالله – وليس ثمة فارق في النوع عنده وإنما الفارق في الترتيب ، إذ كل الموجودات صدرت عن الله وأفعالها ترجع في النهاية إليه حسب عقيدة وحدة الوجود التي تجعل الجمال الإلهي يشمل كل الكائنات ويبدو فيها وتعبر عنه ، يقول ( وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والاستنارة ، وفي غاية الاستغراق والشمول حتى لم يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السموات والأرض ، فصار ظهوره سبب خفائه ، فسبحان من احتجب بإشراق نوره واختفى عن البصائر والإبصار بظهوره )[50] .

4 ــ   أي لأن الناس من غير الصوفية لا يقولون بهذا الرأي ولا يرون في مخلوقاته الظاهرة فقد خفي عنهم بشدة ظهوره في الموجودات ، وهم لا يرونه لأنهم محجوبون ، واستشهد الغزالي على ذلك بقول الشاعر الصوفي ) [51] .

   لقد ظهرت فما تخفي على أحد           إلا على أكمه  لا يعرف  القمرا

   لكن بطنت بما أظهرت محتجباً           فكيف يعرف من بالعرف قد سترا

أما الصوفية فلا يرون في الوجود المادي والمعنوي، إلا الله ولا يرون الله إلا في هذا الوجود أو بتعبيره ( فلم يروا في الكونين شيئا سواه، إن سنحت لأبصارهم صورة عبرت إلى المصور بصائرهم ).[52]

5 ــ ولأن عقيدة وحدة الوجود لا ترى فارقا نوعيا بين الله والمخلوقات فقد مثّل الغزالي لنظريته وبرهن عليها بما في مظاهر الكون من كثرة وتعدد في الشيء الواحد ليطبق ذلك على الله باعتباره مع الكون المخلوق وجوداً واحداً ..يقول عن الإنسان ( الشيء قد يكون كثيراً بنوع مشاهدة واعتبار ، ويكون واحداً بنوع آخر من المشاهدة والاعتبار ، وهذا كما أن الإنسان كثيراً إن التفت إلى روحه وجسده وأطرافه وعروقه وعظامه وأحشائه ، وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد إذ نقول أنه إنسان واحد ، فهو بالإضافة إلى الإنسانية واحد، وكم من شخص يشاهد إنساناً لا يخطر بباله كثرة أمعائه وعروقه وأطرافه وتفصيل روّحه وجسده وأعضائه ، والفرق بينهما أنه في حالة الاستغراق والاستهتار به مستغرق بواحد ليس فيه تفريق ، وكأنه في عين الجميع والملتفت إلى الكثرة في تفرقة ،فكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة ، فهو باعتبار واحد ، وباعتبارات أخرى سواه كثير ).[53] ، فهنا مقارنة بين الله والإنسان ، فكما أن الإنسان واحد لمن ينظر نظرة سطحية إلا أنه أيضا متعدد بأعضائه وجوارحه وخلاياه .. وكذلك يكون الله واحدا باعتبار وكثيراً باعتبار آخر .. هكذا يبرهن الغزالي على وحدة الوجود متناسياً أن الله تعالى قال له ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) الشورى 11).

6 ــ ويقارن الغزالي بين أفعال الله وصفاته والشمس والماء ويقول( كما أن قوام نور الأجسام بنور الشمس المضيئة بنفسها ، ومهما انكشفت بعض الشمس فقد جرت العادة بأن يوضع طشت ماء حتى ترى الشمس فيه ، ويمكن النظر إليها ليكون الماء واسطة يغض قليلا من نور الشمس حتى يطاق النظر إليها ، فكذلك الأفعال واسطة تشاهد فيها صفات الفاعل ، ولا ننبهر بأنوار الذات بعد أن تباعدنا عنه بواسطة الأفعال )[54]

7 – ثم يتهرب الغزالي من الاستدلال على عقيدته بما جاء في كتاب الله ويعلن أن أسرار هذه العقيدة الدينية محظور أن تسجل في كتاب ، وأن من فعل ذلك فقد كفر ، ثم أنها لا تتعلق بالفقه وأحكامه الدنيوية : ( فإن قلت كيف يتصور أن لا يشاهد إلا واحداً وهو يشاهد السماء والأرض وسائر الأجسام المحسوسة وهي كثيرة، فكيف يكون الكثير واحداً ؟ فأعلم أن هذه غاية علوم المكاشفة ، وأسرار هذا العلم لا يجوز أن تسطر في كتاب ، فقد قال العارفون : إفشاء سر الربوبية كفر ، ثم هو غير متعلق بعلم المعاملة [55] ) أي الفقه  .

8 - ومن خلال ( وحدة الوجود ) نظر الغزالي إلى عقيدة الإتحاد والصوفي المتحد بالله ، فقصر تعريف الصوفي على من يؤمن بوحدة الوجود ومر بنا قوله عن الصوفية ( فلم يروا في الكونين شيئا سواه )[56] .وفي معرض حديثه عن شكر الله تعالى قال عن الصوفية (إن نظر بعين التوحيد المحض ( يعني وحدة الوجود ) ، وهذا النظر يعرفك قطعا أنه الشاكر وأنه المشكور وأنه المحب وأنه المحبوب ،وهذا نظر من عرف أنه ليس في الوجود غيره ) ( ..فإذا نظرت من هذا المقام عرفت أن الكل منه مصدره ، وإليه مرجعه ، فهو الشاكر وهو المشكور وهو المحب وهو المحبوب ومن هنا نظر " حبيب بن أبي حبيب " حيث قرأ " أنا وجدناه صابراً نعم العبد أنه أواب " فقال : واعجباه أعطى و أثنى , إشارة إلى أنه أثنى على إعطائه فعلى نفسه أثنى فهو المثني والمثنى عليه ، ومن هنا نظر الشيخ أبو سعيد المهيني حيث قرئ بين يديه ( يحبهم يحبونه ) فقال : لعمري يحبهم ودعه يحبهم فبحق حبهم لأنه إنما يحب نفسه إشارة إلى أنه المحب وهو المحبوب ، وهذه رتبة عالية لا تفهمها إلا بمثال على حد عقلك ، فلا يخفى عليك أن المصنّف إذا أحب تصنيفه فقد أحب نفسه ، والصانع إذا  أحب صنعته فقد أحب نفسه ، والوالد إذا أحب ولده من حيث أنه ولده فقد أحب نفسه ، وكل ما في الوجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وصنعته فإن أحبه فما أحب إلا نفسه )[57].

  ومعنى ذلك أن الكافرين – وهم أيضاً صنعة الله – يتمتعون بحب الله باعتبارهم جزءا منه .. وهو خطأ ،لأن الله تعالى يقول لهم – مثلاً -  (.. لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ .. غافر10) ، ولكن الغزالي – كما أسلفنا – لإيمانه بوحدة الوجود فلا يرى بأساً في تمثيل الله تعالى بالبشر ، ثم يقول الغزالي ليربط بين الاتحاد الصوفي ووحدة الوجود والإيمان بها (.. وهذا كله نظر بعين التوحيد ، وتعبر الصوفية عن هذه الحالة بفناء النفس ، أي فني عن نفسه ، وعن غير الله  فلم ير إلا الله تعالى ، فمن لم يفهم هذا ينكر عليهم ) [58] .

9 ــ ووحدة الوجود هي الأصل في عقيدة الحلول ،والحلول هو اتحاد ( الله ) بالصوفي ، والاتحاد هو استغراق الصوفي في الله ، أي أن الحلول هو الصورة السالبة للاتحاد .. يقول الغزالي عن وحدة الوجود ( وهذه المشاهدة التي لا يظهر فيها إلا الواحد الحق تارة تدوم ، وتارة تطرأ ، كالبرق الخاطف ، وهو الأكثر ، والدوام نادر عزيز [59]. ) ، وذلك المعنى قريب من شعور الصوفي بحلول الله فيه .. والحلول على قدر درجة الصوفي وتحمله ، وقد اصطنع الغزالي أسلوب القصص في شرح الحلول .. يقول مثلا : ( كان إبراهيم بن أدهم في سياحته فسمع قائلا يقول :

                                    كل شيء منك مغفور سوى الإعراض عنّا.

                                      قد وهبنا لك ما فات  فهب  ما  فات  منّا .

فاضطرب و غشي عليه فلم يفق يوماً وليلة وطرأت عليه أحوال ، ثم قال :ثم سمعت النداء من الجبل : يا إبراهيم كن عبداً . فكنت عبداً واسترحت ) .[60] . فإبراهيم بن أدهم سمع بزعمه شعراً اتحادياً فغاب عن طبيعته البشرية ( وطرأت عليه أحوال ) ثم ناداه ربه وأرجعه إلى بشريته فاستراح .. فهنا حلول استمر يوماً وليلة ...

 ويقول ( حكي أبو تراب النخشبي أنه كان معجبا ببعض المريدين فكان يدنيه ويقوم بمصالحه .. فقال له أبو تراب مرة : لو رأيت أبا يزيد ؟ ( البسطامي ) فقل : إني عنه مشغول ، فلما أكثر عليه أبو تراب من قوله : لو رأيت أبا يزيد هاج وجد المريد ، فقال : ويحك ، ما أصنع بأبي يزيد ؟ قد رأيت الله تعالى فأغناني عن أبي يزيد ، قال : أبو تراب : فهاج طبعي ولم أملك نفسي ، فقلت :  ويلك تغتر بالله عز وجل ، لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة ، قال فبهت الفتى من قوله وأنكره فقال : وكيف ذلك ؟ قال له : ويلك أما ترى الله  تعالى عندك فيظهر لك على مقدارك ، وترى أبا يزيد عند الله قد ظهر له على مقداره ، فعرف ما قلت فقال : أحملني إليه ) وتمضي الأسطورة فيموت المريد صعقاً عندما يرى أبا يزيد البسطامي ، ويفسر أبو يزيد موت المريد بقوله ( كان صاحبكم صادقاً واستكن في قلبه سر لم ينكشف له بوصفه ، لما رآنا انكشف له سر قلبه فضاق عن حمله لأنه في مقام الضعفاء المريدين ، فقتله ذلك )[61] .

أي أن حلول الله في المريد يختلف عنه في الشيخ ، فالحلول درجات ، والصوفي إذا تحمل حلولاً فوق طاقته فقد يهلك أو يفقد عقله كما حدث في رواية أخرى سبكها الغزالي ( روي أن بعض الصديقين سأله بعض الأبدال أن يسال الله تعالى أن يرزقه ذرة من معرفته (أي عقيدة الصوفية في الاتحاد والحلول) ، ففعل ذلك ، فهام في الجبال وحار عقله ووله قلبه وبقى شاخصاً سبعة أيام لا ينتفع بشيء ولا ينتفع به شيء ، فسأل له الصديق ربه تعالى فقال : يا رب أنقصه من الذرة بعضها ، فأوحى الله إليه : إنما أعطيناه جزءاً من مائة ألف جزء من ذرة المعرفة ، وذلك أن مائة ألف عبد سألوني شيئاً من المحبة في الوقت الذي سألني فيه هذا ، فأخرت إجابتهم إلى أن شفعت أنت لهذا ، فلما أجبتك فيما سألت أعطيتهم كما أعطيته ، فقسمت ذرة من المعرفة بين مائة ألف عبد فهذا ما أصابه عن ذلك ، فقال : سبحانك يا أحكم الحاكمين ، أنقصه مما أعطيته ، فأذهب الله عنه جملة الجزء وبقى معه عشر معشاره .. فاعتدل خوفه وحبه وسكن وصار كسائر العارفين )[62] .

وبهذه الطريقة الملتوية يحاول الغزالي أن يجد سنداً لعقيدة الحلول فيما حاكاه عن ربه من وحي الله الذي اختص به الصوفية ،فيما يزعمون ،والله تعالى يقول .. ({وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ... الأنعام 93 ) .

 

 

 

 تعقيب على الغزالي ووحدة الوجود

أ ) بالغت بعض الفلسفات في وثنيتها إلى درجة إنكار وجود الله تعالى ، وتطرفت ( وحدة الوجود ) في الاتجاه المقابل فادعت أن الله موجود في كل شيء أو أنه مصدر الوجود وأن الأعيان صور للموجود الأكبر يتراءى فيها . وهذا إنكار للألوهية بطريقة مختلفة .

ب ) وكانت مصر والشام والعراق مراكز للفلسفات اليونانية والشرقية بمذاهبها المتعددة من وثنية وإلهية ، وقد سبق للفلسفة أن عمقت الخلاف بين المسيحيين حول طبيعة المسيح ، وأصبحت الفلسفة جزءاً من المسيحية ،وعند الفتح خفت صوت الفلسفة ثم استيقظ في صورة جدال احتدم بين المسلمين والمسيحيين في عصر المأمون ، وأضطر المسلمون لتعلم الفلسفة كي يردوا بها على المسيحيين الذين حذقوا أساليب الفلاسفة في الجدل والسوفسطائية . وكان يمكن لهم الاستغناء بالقرآن الكريم ،وقد حوى كثيراً من الحوار مع أهل الكتاب ، إلا أنهم وقد تعلموا الفلسفة فقد وقعوا في هواها . وعملت الفلسفة على بعث المذاهب الدينية القديمة وأهمها وحدة الوجود ..

  وقد تعلم  الغزالي الجدل والمنطق والحكمة والفلسفة وبرع فيها وصنف .. وأُشرب حب الفلسفة ووجد صداها في التصوف ، فآمن به وعلا به إلى ذروة الإسلام محاولاً التوفيق بين الحق والباطل متعللاً بشتى الحجج مستفيداً بالفلسفة وما أشاعته من أفكار خاطئة حظيت مع الأسف بالتسليم ، ومنها  أن الإسلام دين وسط بين الكفر وهو إنكار وجود الله ، والشرك وهو الإيمان بتعدد الآلهة ..

يقول الغزالي ( التوحيد مسلك حق بين مسلكين باطلين ، أحدهما الشرك والثاني الإلباس ، وكلا الطرفين وسط ، والوسط إيمان محض وهو أحد من السيف وأضيق من خط الظل ، ولذا قال أكثر المتكلمين بتماثل إيمان جميع المؤمنين .. الخ ) [63]. وعجيب أن يشيد الغزالي برأي المتكلمين وهم أكثر الطوائف تعرضاً لنقمته وكراهيته في الإحياء.. ولكنه التأثر بالفلسفة وقد جمع بينهما ..

ج) ونرد على الغزالي ووحدة الوجود بتقرير الحقائق التالية :

1 ــ عقيدة الإسلام – لا يمكن أن تكون فيها توسط فهي شهادة بأسلوب قصر – أي قصر الألوهية على الله تعالى وحده . وما عدا الله الحق من آلهة فهو باطل ({فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ...  يونس32) . فقضية ( لا إله إلا الله ) لا تحتمل الرأى الوسط بأي حال .. فإما إيمان كامل بالله المسيطر على كل شيء الذي لا شريك له من ولي أو رسول .. وإما شرك أو كفر ، وقليل الشرك يحول الإيمان كله إلى شرك ، فإما إيمان كامل بالله وحده إلاهاً وإما لا . فالمشركون كانوا يؤمنون بالله ولكنهم أشركوا فعبدوا معه الأولياء والوسائط فخرجوا عن عقيدة الاسلام ، ويؤنبهم الله تعالى في الآخرة بقوله ( ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا...  غافر12) . فهم لم يؤمنوا بالله إلا مع الآلهة والأولياء كوسائط فأصبحوا كفاراً .الشرك لا يختلف عن الكفر في المفهوم ودليلنا بالإضافة للآية السابقة قوله تعالى (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ... التوبة 17) . فاقترن اللفظان في أكثر من موضع بعبادة الله وعبادة الأولياء والأصنام و( الكفر) ومعناه التغطية والستر أي أنهم ستروا بشركهم عقيدة التوحيد التي فطر الله الناس عليها ..هذا هو الكفر القلبى العقيدى والشرك القلبى العقيدى .

2 ــ الإنسان في حقيقة أمره لا يمكن أن ينكر وجود الله ، قد يتمسك بالشرك ولكنه إذا صدق مع نفسه لحظة لأيقن عبث وجوده بمعزل عن قدرة الخالق ، فالله الخالق هو الأساس في عقيدة البشر ، وكل ما هنالك أنهم نسوا عهد الله الأزلي فأشركوا وعبدوا معه الوسائط ، قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ...  الأعراف 172 ). فالبشر فُطروا على الإسلام ( لا إله إلا الله ) مذ كانوا أنفساَ قبل الوجود الحسي ، أو بمعنى آخر فطرهم على الحنيفية ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ... الروم 30) . وكل إنسان يولد على الفطرة مسلماَ ثم يأتي أبواه والمجتمع فيتعرف على الشرك .

3 ــ وعند الشدة كالمرض والغرق يتذكر الانسان فطرته فتستيقظ فيه فيدعو ربه مستجيرا به ثم إذا أنجاه ربه عاد الى كفره ، يقول جل وعلا : ( وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)  ) (فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49)  الزمر ).ورب العزة يتخذ من هذا حُجّة على البشر إذا فوجئوا بعاصفة أشرفوا معها على الغرق ، وعندها فمهما بلغ كفرهم سيستغيثون بالله جل وعلا وحده : (وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً (67) أَفَأَمِنتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (68) أَمْ أَمِنتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِنْ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً (69)  ) الاسراء )، وحتى فرعون بكل كفره وطغيانه حين أدركه الغرق صرخ مستجيرا بالايمان : (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) ) يونس ).

4 ـ  وكل إنسان تستيقظ فيه الفطرة عند الاحتضار فيصرخ ـ دون فائدة ــ مثل فرعون يرجو فرصة أخرى يعود بها للحياة ليعمل صالحا يسرى هذا على العصاة ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)   ) المؤمنون ). ويسرى هذا على المؤمنين ، لهذا يوصى رب العزة المؤمنين بالانفاق فى سبيل الله قبل أن يأتى الأجل الحتمى ويندم الانسان يرجو بلا فائدة فرصة أخرى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون  )

5 ــ . أى لا محل لإنكار وجود الله الذي أشاعته الفلسفة اليونانية جدلاً بغير حق . فلم يحاول القرآن مطلقاً أن يدلل على وجود الله، وإنما برهن على وحدانيته وعبث الإشراك به..يقول جل وعلا يؤكد أنه لا إله معه بأدلة عقلية : ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (64) النمل )، يقول جل وعلا فى دليل عقلى آخر ينفى وجود إله معه : (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) المؤمنون  )

6 ــ ومن نافلة القول أن ننكر عقيدة وحدة الفاعل التى تجعل الله جل وعلا هو الفاعل للمعاصى وليس الانسان العاصى ، فهذا يعنى أن رب العزة ظالم ، فكيف يكون هو الفاعل ثم يعاقب الانسان إذا فعل معصية . ونقرر هنا أن العرب فى الجاهلية رددوا ما يقترب من هذه الأكذوبة حين زعموا أن الله جل وعلا أمرهم بالفاحشة ، وأنهم تعودوا عليها ، وردّ الله جل وعلا عليهم : ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)) الأعراف ).

7 ـ ولكن عقيدة الصوفية فى ( وحدة الوجود ) تطرف فى الكفر القلبى لا نظير له .

إن معظم العقائد المشركة قالت بثنائية الوجود أو الوجود الإلهي والوجود المخلوق ، غير أنها أضافت بشرا ومخلوقات أخرى جعلتها آلهة مع الله بمزاعم كالتناسخ والاتحاد والحلول، أو أن لله جل وعلا إبنا وولدا . إلا أن الصوفية تطرفوا فألغوا الألوهية ، وجعلوا المخلوقات أو الوجود كله واحدا ، وأزالوا الفوارق بين الخالق والمخلوق ، وجعلوارب العزة موجودا فقط فى كل ما تقع عليه العيون حتى القاذورات وجيف الحيوانات الميتة ، وأن الفارق سطحى بين الخالق والمخلوق مثل الفارق بين البحر وأمواجه ، طبقا لمقولة ( الفيض ) التى تعبر عن وحدة الوجود ، أى إن الخلق هم ( فيض ) ويتجلى فيه الخالق . سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا . لقد خلطوا بين الوجودين وجعلوهما وجوداً واحداً أي وحدة الوجود ، وهذا غاية في الشرك والكفر إذا جعلوا الآلهة تتعدد بتعدد الموجودات من بشر وحجر وحيوان وجماد . ومشركوا قريش أهون حالاً ، فقد كانوا يعبدون الأولياء لتقربهم الى زلفى ، وعبدوا الملائكة على أنها جزءا من الله جل وعلا ، أى قالوا بالاتحاد فقط ، وقصروه على الملائكة حين اعتبروها بنات الله ، ونعى عليهم القرآن ذلك (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ ) الزخرف 15، 16 ) .

أما الصوفية فقد قصروا الاتحاد على أنفسهم ثم تكرموا مع الكون فأشركوه في الألوهية ، وجاء الغزالي ليقنعنا بأن ذلك هو التوحيد المحض الذي لم يرد في كتاب ومحظور أن تفشى أسراره ، وأن الاسلام ما هو إلا الدرجة السُفلى الذي لا يليق إلا بالعوام .

8 ــ وانتصر الغزالى فأصبح ( حُجّة الاسلام ) ، كما لو أن الاسلام ظل بلا حُجّة حتى ظهر هذا المخلوق المسمى بأبى حامد الغزالى .

9 ــ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .!!

 

 

 



[1]
الطبقات الكبرى للشعراني بالترتيب جـ 1 ، 13 ، 14 ، 10 طبعة صبيح .

[2] الطبقات الكبرى للشعراني بالترتيب جـ 1 ، 13 ، 14 ، 10 طبعة صبيح.

[3] الطبقات الكبرى للشعراني بالترتيب جـ 1/ 140 ، 10 طبعة صبيح .

[4] الطبقات الكبرى للشعراني بالترتيب جـ 1/ 140 ، 10 طبعة صبيح .

[5] الطبقات الكبرى للشعراني  1/ 73   طبعة صبيح .

[6] الرسالة القشيرية 32 ط صبيح .

[7] تلبيس إبليس 162 ط . المنيرية.

[8] اللمع لأبي نصر الطوسي 49 .

[9]  الشعراني : المرجع السابق 13

[10] المرجع السابق اللمع 49

[11] الرسالة القشيرية 35

[12] الرسالة القشيرية 35 .

[13] اللمع: 51

[14] الطبقات الكبرى للشعراني جـ 1 / 75 .

[15] الطبقات الكبرى للشعراني جـ 1 / 77

[16] الرسالة القشيرية 37 .

[17] الطبقات الكبرى نفس المرجع جـ 1 /78 .

[18] الرسالة القشيرية 37 .

[19] اللمع 50  : 51

[20]  الرسالة 38 .

[21] الطبقات الكبرى جـ 1 / 78 .

[22] الطبقات الكبرى جـ 1 / 79.

[23] الطبقات الكبرى جـ 1 /  79

[24] نفس المرجع جـ 1 /79 .

[25] الرسالة القشيرية 38.

[26] اللمع 52.

[27] الرسالة القشيرية 4, 5 .

[28] اليافعي روض الرياحين 14 .

[29] الشعراني : الطبقات الكبرى جـ 1 / 10 .

[30] إشكالات الإحياء 68 على هامش الإحياء.

[31] العيدروس : التعريف بالإحياء 12 ، 13 على هامش الإحياء .

[32] العيدروس نفس المرجع 9 : 12 .

[33] الشعراني: المرجع السابق جـ 1/ 10.

[34] التعريف بالإحياء 29 .

[35] نفس المرجع 34 .

[36] نفس المرجع 49 ، 15 إلى 22 .

[37] نفس المرجع 49 ، 15 إلى 22.

[38] قال ابن الجوزي ( كان الفقهاء في قديم الزمان هم أهل القرآن والحديث فما زال الأمر يتناقص حتى قال المتأخرون يكفينا أن نعرف آيات الأحكام من القرآن وأن نعتمد على الكتب المشهورة في الحديث .. ثم استهانوا بهذا الأمر أيضا ًوصار أحدهم يحتج بآية لا يعرف معناها  وبحديث لا يدري أصحيح هو أم لا ، وربما أعتمد على قياس يعارضه حديث صحيح ولا يعلم .. تلبيس إبليس 115 ) .

[39] الإحياء جـ 1/ 19 .

[40] الإحياء جـ 1 / 19 .

[41] الإحياء جـ 1/ 20 .

[42] التعريف بالإحياء 27 : 29 .

[43] الإحياء ، جـ 1/ 211: 212 .

[44] إحياء جـ4/ 22.

[45] إحياء جـ 4/ 227 : 228 ، 254، 266، 299، 305 ، 308 ، 309 ، 326 مجرد أمثلة .

[46] إشكالات الأحياء64

[47]  إحياء جـ 2 / 247 : 248 .

[48] إحياء جـ 4 / 370 .

[49] إحياء جـ4 / 104 .

[50] إحياء جـ 4 / 276 .

[51]  إحياء جـ 4 / 277 .

[52] إحياء جـ 2 / 236 .

[53] إحياء جـ 2/ 212 : 213.

[54] إحياء جـ 4 / 370 .

[55]  إحياء جـ 4 212 : 213 .

[56]  إحياء جـ 2 / 236 .

[57]  إحياء جـ 4 / 74 .

[58] إحياء جـ 4 / 74 .

[59] إحياء جـ 4 / 213 .

[60] إحياء . جـ 4 / 74 .

[61]  إحياء جـ 4 / 305

[62] إحياء جـ4 / 288

[63] إشكالات الإحياء : 77 .

كتاب ( التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية
يقع فى ثلاثة أجزاء تتناول بعد التمهيد أثر التصوف فى العقائد الدينية والعبادات الدينية والحياة الأخلاقية فى مصر العصر المملوكى . تعطى مقدمة الكتاب لمحة عن أصل هذا الكتاب ، وأنه كان ضمن الأجزاء المحذوفة من رسالة الدكتوراة التى قدمها المؤلف للمناقشة حين كان مدرسا مساعدا فى قسم التاريخ الاسلامى بجامعة الأزهر عام ذ977 ، ورفضوها وبعد إضطهاد دام ثلاث سنوات تم الاتفاق على حذف ثلثى الرسالة ، ونوقش ثلثها فقط ، وحصل به الباحث على درجة الدكتوراة بمرتبة الشرق الأولى فى اكتوبر 1980 . من الأجزاء المحذوفة من الرسالة ينشر المؤلف هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة ، يوضخ فيه أثر التصوف فى مصر المملوكية ويعرض فيه عقائد التصوف
more