رقم ( 9 )
ج1 ب1 ف 5 الفصل الخامس :المرحلة الثالثة للعقيدة الصوفية : رفض الإسلام صراحة .

         

 الفصل الخامس :المرحلة الثالثة للعقيدة الصوفية : رفض الإسلام صراحة.  

مدخل  عن المرحلة الثالثة للعقيدة الصوفية : رفض الإسلام صراحة

1 -أسهبنا القول في خصائص المرحلتين (الأولى والثانية) في تاريخ العقيدة الصوفية .. وقلنا أن العقيدة الصوفية بدأت (بنفاق الجنيد ) الذي حافظ على عقيدة التصوف من ضغط الفقهاء الذي كان في أبان قوته ، وانتهت تلك المرحلة – وقد ضعف الفقهاء – بعقد صلح أضحى به التصوف (سُنيا  ) على يد ( الغزالي ) وتحول الإنكار على التصوف إلى إنكار على أشخاص الصوفية المعاصرين ، وأسهم في هذا الإنكار الغزالي نفسه لحماية الطريق الصوفي ..

2 – ثم جاءت المرحلة الثانية قبيل العصر المملوكي على يد (ابن عربي ) الذي أعلن صراحة ما كان الغزالي يرمز به ، فأعلن عقيدة ( وحدة الوجود ) أو الوحدة الكاملة بين الله والعالم ، أو أنه ( لا موجود إلا الله ) أى نفى الألوهية تماما وحصرها فى المخلوقات .

3 – ثم عرضنا للعقيدة الدينية للعصر المملوكي وكيف أنها تبعت ابن عربي وسيطر عليها أتباعه ، ومع ذلك فالصراع بينهم وبين الفقهاء لم يهدأ ، بل ثار الفقهاء ثورتين في القرن الثامن بزعامة ابن تيمية ، وفي القرن التاسع بزعامة البقاعي .. وكل ما هدف إليه الفقهاء هو مجرد التمسك بما كان يعلنه الجنيد قبلاً وهو الالتزام بالكتاب والسنة ..( مع أن الجنيد كان يقول ذلك تقية وخوفاً من القتل ) ، ووضحنا كيف أجهض التصوف المسيطر على العصر حركتي الفقيهين .. ثم استسلم العصر المملوكي في نهايته للشعراني الذي سار على طريق الغزالي في توثيق أواصر القربى بين التصوف والسنة ، وبذلك خف الإنكار عليه بل عرف عصره منافقين من الفقهاء داهنوا التصوف لأنه الغالب ، بمثل ما فعل الجنيد سابقاً حين أبطن التصوف وأظهر الإسلام ..

4 – والمرحلة الثالثة بدأ بها بعض الصوفية بقصد التحلل الكامل من الإسلام شكلاً وموضوعاً واسما. وقد ظهرت هذه الحركة – أو المرحلة – في العصر المملوكي – العصر الذهبي للتصوف، إلا أنها – وقد حصرت همها في رفض الإسلام علناً  واستهزءوا به وبالأنبياء والقرآن ، وادعى بعضهم النبوة صراحة ، وادعى آخرون الألوهية ، ومارس بعضهم شرع التصوف علنا فى الزنا بالمحارم و الانحلال الخلقي ..

5- إلا أن هذه المرحلة لم يكتب لها الاستمرار ، كانت (هبّة ) تظهر وتختفى تزدهر ثم تندثر، وليست فترة زمنية محددة. صحيح أنها تطبيق لما أعلنه ابن عربى صراحة ، ولكن لا نجعلها مرحلة مستقلة بزمنها ووقتها ، وذلك لأكثر من سبب :

أ) ففي التاريخ العقائدي للتصوف لا تبدأ مرحلة بالإجهاز التام على سابقتها .. وإنما تبقى بعض ملامح الفترة السابقة وتكون الملامح الجديدة أوضح وأصرح، وذلك لأن العقيدة الصوفية قاسم مشترك في المراحل الثلاث . فالجنيد قال بوحدة الوجود وتابعه الغزالي ثم أعلنها ابن عربي فالذي اختلف بينهم هو الأسلوب ، والفارق هو في نفاق الجنيد والغزالي وصراحة ابن عربي .. وقد يأتي في المرحلة التالية ( مرحلة ابن عربي ) من يتمسك بأسلوب الجنيد والغزالي، ثم جاء الشعراني متأخرا فكرر مسيرة الغزالى والقشيرى وقال ( بوحدة الوجود ) مع تنزيهه  لابن عربي ودفاعه عن الطريق الصوفي. إلا أنه مع ذلك يبقى الصوت العالي لابن عربي وتلاميذه في مرحلته وبنفوذهم أخمدت حركات الفقهاء ..

ب) عايشت هذه المرحلة المؤقتة ( رفض الإسلام صراحة ) العصر المملوكي وهو عصر التصوف الاتحادي وأتباع ابن عربي .ومع أن أتباع المرحلة المؤقتة الجديدة كانوا صوفية تابعين لابن عربى واستفادوا بسيطرة التصوف وعقيدته إلا أنهم وجدوا الإنكار ليس من الفقهاء فقط ولكن من الصوفية العاديين أيضاً وبعض الحكام .ويرجع السبب في ذلك إلى الإنكار على أسلوبهم الذي يهدف إلى التحلل المطلق من الإسلام شكلاً وموضوعاً .. وذلك الأسلوب لا يقول به ابن عربي ورغم التعارض التام بين وحدة الوجود والإسلام .. فابن عربي حرص على الشكل الإسلامي وحاول أن يجد لعقيدته مسوّغا إسلاميا بتأويل آيات القرآن الكريم ، كما قال جل وعلا ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ  ) (7) آل عمران )( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصلت ) بل إن ابن عربى  قام بتأويل أو ( تفسير ) القرآن ليوافق عقيدته ، وأكثر من الاستشهاد بالأحاديث الموضوعة لأنه رأى أن الأسلوب الأمثل لا يكون بإعلان رفض الإسلام صراحة ، وإنما باستخدام اسم الإسلام وهيكله لحماية العقيدة الصوفية وإلباسها الثوب الإسلامي ، وتذويب الفوارق بينهما بتأويل القرآن ووضع الأحاديث الباطلة، وليس غريباً بعد هذا أن يكون العصر المملوكي عصر الأحاديث الزائفة الذائعة الصيت والمتداولة حتى الآن .وهكذا رأى الصوفية في العصر المملوكي الخطر كله في أصحاب الحركة الصوفية الجديدة ، فاضطهدوهم مع الفقهاء كما فعل الشعراني حين طالب برءوس الاتحادية المعاصرين له حماية للطريق الصوفي ...

ج) إن المجتمع المملوكي ورث التصوف السنى الذى أرساه الغزالى ثم الناصر صلاح الدين الأيوبى ، وورث المماليك مُلك أسيادهم الأيوبيين وساروا على ( سُنّتهم ) فى تقرير ( التصوف السنى ) واستراح لفكرة المواءمة الشكلية السطحية بين التصوف والإسلام والتي قال بها الغزالي واستمرت بعده ليحافظ عليها ابن عربي مع صراحته في إعلان عقيدته . ومع دخول العصر المملوكي في مرحلة التقديس للأشياخ الصوفية وسيطرة التصوف على الحياة العلمية ضعف المستوى العلمي والعقلي وآمن الناس بإشارات الصوفية في ( التفسير ) وتخريجاتهم للأحاديث الموضوعة ، وصار معلوماً لديهم من الدين بالضرورة أن مبدأ التصوف قرين للإسلام أو هو ذروة الاسلام ، وأن السّنة هى الشريعة وأن التصوف هو الحقيقة ، وبثنائية ( العقيدة والشريعة ) سار العصر المملوكى ثم العثمانى ، كما سادت من قبل فى العصر العباسى الثانى ثنائية ( الكتاب والسُّنّة ) أما دين الاسلام الذى كان يعنى فى عصر النبوة ( القرآن ) فقط فقد إنتهى . وفى النهاية تسيدت عقيدة وحدة الوجود التى تنفى الالوهية عن رب العزة وتجعله ــ جل وعلا ــ هو المخلوقات فحسب ، ويستبيح بعضهم الخروج العلنى عن الاسلام ، وتلك خطوة لم يسمح بها العصر الذى أصبح يعتبر الخروج على ( إسم ) الإسلام خروجا على التصوف ، فلاقى أصحابنا اضطهاد الفريقين ( الصوفية والفقهاء ) حين حاولوا نبذ الإسلام صراحة ..

د) ثم إن ثورات الفقهاء وإنكارهم على أتباع ابن عربي ونحلته لم تنقطع ، رغم أنه لم يرفض الإسلام شكلاً واسماً ، حتى ظهر الشعراني في أواخر العصر يعيد سيرة الغزالي في اصطناع الاعتدال والهجوم على أوباش الصوفية . وطبيعي أن يتحرج الصوفية من ظهور الدعاة الجدد الرامين لنبذ الإسلام مطلقاً خوفاً من أن يتعرض التصوف من أساسه لإنكار الفقهاء المتحمسين ، ذلك أن الدعاة الجدد صوفية اتحاديون استفادوا بالحرية الدينية التي كفلها لهم المجتمع المملوكي الصوفي ، وقالوا بالشطحات مثلهم في ذلك مثل الصوفية الآخرين،  فبادر الصوفية للإنكار عليهم وإعلان البراءة منهم ليسحبوا البساط من تحت أقدام الفقهاء ..

6- وهكذا، بدأت هذه المرحلة الأخيرة للعقيدة الصوفية ( رفض الاسلام صراحة ) وانتهت في العصر المملوكي ، لا كمرحلة زمنية وإنما كمرحلة موضوعية منطقية في تاريخ العقيدة الصوفية لم يكتب لها الاستمرار، لأن الظروف التاريخية لم تكن صالحة لاستمرارها .وعلى ذلك يمكننا أن نعتبر العصر المملوكي – وهو العصر الذهبي للتصوف – قد حفل بجميع التيارات الصوفية المعبرة عن العقيدة الصوفية في مراحلها الثلاث : - (فالجنيد ) الذي نافق لينجو من الاضطهاد تابعه في العصر المملوكي أحمد الزاهد ولقبه ( جنيد القوم ..) و( الغزالي ) الذي وفق بين الإسلام والتصوف نهج طريقة ( الشعراني ) ..و (ابن عربي ) الذي صرح وأعلن عقيدته سار على طريقة كثيرون ( كالتلمساني والمنبجي واليافعي وزكريا الأنصاري ومحمد الصوفي ) ثم أشياخ الطرق الصوفية ( البدوي الشاذلي الدسوقي.. ) والمتحللون من الإسلام في العصر المملوكي أبرزهم الباجريقي والبققي وابن اللبان وآخرون. وكلهم قال بالشطح الصوفي رمزا كالجنيد والغزالى والشعرانى أو علنا كالحلاج والشبلى والبسطامى وابن عربى والتلمسانى والباجربقى والبققى . وفى العصر المملوكى استغلوا الحرية التي يقرها المجتمع للصوفي كي يتطاول من شاء على الله تعالى ودينه ورسله وأنبيائه ..لذا أصبح ( الشطح ) من طقوس التصوف لدى شيوخ التصوف العاديين ، وكان الوسيلة المُتاحة لمن يريد إعلان كفره أن يسبّ رب العزة كما يشاء ، وأن يهذى بما يريد ، وربما يجد من يدافع عنه ويؤول كلامه .

ونعطى بعض التفصيل :                

إعلان الشطح الصوفي في العصر المملوكي  طريقا لنبذ الإسلام

1 ـ أتاح الشطح الفرصة الكاملة لكل الصوفية – على اختلاف طرائقهم – في أن يقولوا ما شاءوا بكل حرية . وتاريخ الشطح هو تاريخ التصوف . إذ بدأ التصوف بإعلان عقيدته فيما اعتبر شطحاً. وقد أودى الشطح بحياة بعض الصوفية الأوائل وأشهرهم الحلاج ، وبه اضطهد الآخرون بسبب (كلمات) لهم قيلت فتعرضوا للنفي والطرد والمحاكمات ..

2 – وبتقرير دين التصوف في العصر المملوكي لم يعد الشكل الإسلامي حائلاً للصوفية عن قول الشطحات المنافية للإسلام والمُسيئة لرب العزة جل وعلا ، بل على العكس أصبح الشطح من سمات العقيدة الصوفية حتى لدى شيوخ التوفيق بين الإسلام والتصوف كالشعراني ، الذى يقول عن ( العارفين ) أى ( الأولياء الصوفية ) :( منهم من تهب على قلبه نفحات إلهية لو نطقوا بها كفّرهم المؤمن )[1]. فالشطح أصبح عند الشعراني ( نفحة إلهية ) . وازدهرت طوائف المجاذيب في العصر المملوكي ولهم مطلق الحرية في القول والفعل ،  فالمجذوب على حد قول الشعرانى : ( لا يطالب بأدب من الآداب .. مع وجود الكشف - ( علم الغيب  ) – وبقائه عليه )[2]. أي أن المجذوب لا يسأل عما يفعل ومهما قال وفعل فهو متمتع بعلم الغيب مع أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى .

3- وأصبح الشطح من لوازم الولي الصوفي يحفظ عنه ويكتب في ترجمته ، وإذا حدث وشذّ صوفي عن هذه القاعدة قيل عنه ( لم يحفظ عنه شطح ) كما في ترجمة المرشدي ت737 [3]..ويزداد التقدير والتقديس للصوفي المجذوب إذا بالغ في شطحه كما قال أبو المحاسن في ترجمة السطوحي 865 المجذوب ( إذا بدأ في الشطح يتغير كلامه كله بالسفه والإساءة المفرطة بغير سبب ، رحمه الله ونفعنا ببركة أوليائه )[4].أى مع مبالغته فى الإساءة المفرطة فى حق الله جل وعلا يقول المؤرخ أبو المحاسن عن ذلك المجذوب (رحمه الله ونفعنا ببركة أوليائه ).!!

4- وتوصف الشطحات بالكثرة ، كما ورد في ترجمة الشعراني لعبد القادر السبكي إذ قال عنه ( كان رضي الله عنه .. كثير الشطح )[5].أى كثير التلفظ بالكفر وسوء الأدب فى حق الله جل وعلا ، ومع ذلك يقول الشعرانى عنه ( رضى الله عنه). وأحمد الكعكي يقول عنه الشعراني ( وكان كثير الشطح تبعاً لشيخه سيدي الشيخ محمد الكعكي .. حتى كان لا يقدر على  صحبته كل أحد )[6]. أى كان الناس لا يتحملون شطحاته .! . وقد قال الشعرانى عن الشيخ أبي السعود الجارحي ( وكان رضي الله عنه له شطحات عظيمة.. )[7]. فوصف شطحه بالعظمة . وقد كان أولئك معاصرين للشعراني .وهنا يصف الشعرانى سوء الأدب المفرط من أبى السعود الجارحى بالعظمة ، وأنه ( رضى الله عنه ).ويقول المناوي في ترجمة الشيخ عبيد ( كانت له خوارق مدهشة ، وشطحات موحشة ،وكان مثقوب اللسان لكثرة ما ينطق به من الشطح الذي لا يمكن تأويله )[8]. فلم يمنع وصفه للشطحات بهذا الشكل من وصف صاحبها بالخوارق والكرامات ، أى أصبح سبُّ رب العزة من سمات الولاية والألوهية لشيوخ الصوفية.!!..

5- وفي إطار الشطحات انعدم الفارق بين الصوفي الاتحادي وأخيه الذي يعلن رفض الإسلام ، طالما أن الاتحادي يدعي أنه في حالة (وَجْد ) أي ( قوى عليه حاله ) وحينئذ يباح له أن يقول ما يقول. وقد أورد الشعراني طائفة من الشطحات في معرض فخره بأشياخه الصوفية لا تختلف عن أقاويل الرافضين للإسلام ..

أ) منها ما أستهدف الاستهزاء ببيوت الله بالقول والفعل ، كما قال في ترجمة الشيخ إبراهيم العريان ( كان رضي الله عنه يطلع المنبر ويخطب عرياناً فيقول : " السلطان ودمياط وباب اللوق وبين القصرين وجامع طيلون الحمد لله رب العالمين " فيحصل للناس بسط عظيم ) ( وكان رضي الله إذا صحا يتكلم بكلام حلو )[9].. فصاحبنا المجذوب يتمتع بتأييد الناس حتى أنه ( يحصل للناس بسط عظيم ).

ب) وبعضهم كان يجد مجال الاستهزاء في القرآن الكريم كشعبان المجذوب ، يقول فيه الشعراني ( كان يقرأ سوراً غير السور التي في القرآن على كراسي المساجد يوم الجمعة وغيرها فلا ينكر عليه أحد ، وكان العامي يظنها من القرآن الكريم لشبهها بالآيات في الفواصل وقد سمعته مرة على باب دار ( على طريقة الفقهاء الذين يقرأون في البيوت ) فصغيت إلى ما يقول فسمعته يقول : " وما أنتم في تصديق هود بصادقين ".. ولقد أرسل الله لنا قوماً  بالمؤتفكات يضربوننا ويأخذون أموالنا وما لنا من ناصرين " ثم قال اللهم أجعل ثواب ما قرأناه من الكلام العزيز في صحائف فلان وفلان إلى آخر ما قال ..وكانت الخلائق تعتقده اعتقاداً زائداً ، لم أسمع قط أحداً ينكر عليه شيئاً من حاله ، بل يعدون رؤيته عيداً عندهم )[10]. أي تنزه بجذبته عن الإنكار عليه وحظى بتقديس الناس فجعلوا رؤيته عيدا ، حتى أن الشعراني يقول عن تخريفاته أنه (كان يقرأ سوراً غير السور التي في القرآن ) فجعل تخريفاته ( سوراً قرآنية )..

ج- وبعضهم كان يسب الأنبياء كالشيخ محمد الخضري ، وقد ترجم له الشعراني فقال ( كان يتكلم بالغرائب والعجائب من دقائق العلوم والمعارف ما دام صاحياً ، فإذا قوي عليه الحال تكلم بألفاظ لا يطيق أحد سماعها في حق الأنبياء وغيرهم .. ) ( وأخبرني الشيخ أبو الفضل السرسي أنه جاءهم يوم الجمعة فسألوه الخطبة فقال بسم الله . فطلع المنبر فحمد الله واثني عليه ومجده ثم قال ( وأشهد أن لا إله لكم إلا إبليس عليه الصلاة والسلام ) فقال الناس : كفر .. فسلّ السيف ونزل فهرب الناس كلهم من الجامع فجلس عند المنبر إلى آذان العصر وما تجرأ أحد أن يدخل )[11]. ويحس القارئ نبرة الفخر في حديث الشعراني عن ذلك الخضري عندما هدد المنكرين عليه بالسيف فهربوا .. ويعنينا أن نذكر أن الخضري المتوفي 897 كان من أصحاب الاتحاد العارفين بدقائق العلوم والمعارف ولم يجد لعقيدته مجالا إلا في ادعاء الجذب الوقتي أو بتعبير الشعراني (  فإذا قوي عليه الحال تكلم بألفاظ لا يطيق أحد سماعها في حق الأنبياء وغيرهم .. )

6- ويذكر أن بداية العصر المملوكي ووسطه شهد عقد المحاكمات لأصحاب الدعوات المتطرفة الذين وقعوا في سب الأنبياء تبعاً لغرضهم في التحلل من الإسلام والشرائع الإلهية .ففي عام 813 ( رفع القاضي الشافعي أن شخصاً يقال له أبو بكر المغزو يدعي المشيخة ويتكلم على الناس ويقول : الأنبياء عرايا عن العلم لقوله تعالى (  سبحانك لا علم لنا ) ونحو ذلك من الأشياء الشنيعة ، فمنعه القاضي عن الكلام بعد أن عزره بالقول )[12].أى شتمه القاضى عقوبة تعزير له . مع ملاحظة أن الملائكة هى التى قالت ذلك وليس الأنبياء:( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) البقرة ). وفي عام 844 ( عُقد مجلس حكم بإراقة دم علي بن أخي قطلوخجا لأنه يثبت عليه أنه سب الأنبياء وأفحش وذلك بالتركية والعربية )[13].  أى كان يسبّ الأنبياء باللغتين العربية والتركية .وتأثر بعض الفقهاء بهذا الجو ففي نفس العام 844 ( طُلب قاضي دمشق الحنفي بالقاهرة ) أى تم إستدعاؤه من دمشق للقاهرة ( بسبب ما نقل عنه أنه سئل عن الحكمة في طواف النبي (ص) على النساء في ليلة واحدة ، فأجاب فعل ذلك ليعفهن عن الزنا ، فأغرمه السلطان مائتي دينار )[14].هنا السلطان المملوكى هو الذى يعاقب القاضى ـ قاضى الشرع الشريف ـ وعقوبته غرامة 200 دينار أخذها السلطان طبعا .!

وفي القرن التاسع ازداد التصوف وتكاثرت طبقة المجاذيب الصوفية ، والمجذوب( لا يطالب بأدب من الآداب ) فلم يطالبوا بالآداب طالما هم في حالة جذب، بينما تعقد المحاكمات لغيرهم. وهكذا أصبح ادعاء الجذب غطاءأ ومبررا لأصحاب الدعوات المتطرفة يتخلصون به من المحاكمات . ويلفت النظر أنه في القرن العاشر – عصر المجاذيب الذين ذكرهم الشعراني وترجم لهم فى الطبقات الكبرى على أنهم من أعيان العصر– عقدت محاكمة سنة 913 لعمر بن علاء الدين الحنفي وكان خطيباً بأحد الجوامع لأنه ( وقع في حق سيدنا إبراهيم ، فاستتابه أحد القضاة وحكم بحقن دمه ، فتعصب السلطان الغوري للخليل إبراهيم ، وصمم على ضرب عنق الخطيب ، وجمع القضاة والعلماء وتباحثوا وبعد تشاجر انفصّل المجلس على سجنه حتى يتوب ، والسلطان مصمم على قتله ، فسٌجن. )، والغوري الذي صمم على قتل ذلك الفقيه المتأثر بالتصوف – هو نفسه الغوري الذي يعتقد في الصوفية إلى درجة تقبيل أيديهم كما فعل بالصوفي المجذوب ابن عنان على مرأى من الشعراني [15]. ، فالفارق بين المجذوب الصوفي والمتطرف أن الأول يدعي الجذب في قوله للشطح ويتمتع بالتقديس لأنه عندهم غائب العقل ، أو مجذوب العقل ، أى عقله فى ( الحضرة الالهية ) ولا يدرى ما يقول ، فهو فى حصانة مهما قال ومهما فعل ، أما الآخر فيقوله بصراحة وبلا ادعاء ، ويتعرض للمحاكمة أحياناً .

7 – وهناك عامل آخر يذيب من الفوارق بين الصوفية العاديين وأصحاب الدعوات المتطرفة الرامين للتحلل من الإسلام ، وذلك فيما قاله أساطين الاتحاد من عبارات شطحية مقصودة تعبر عن عقيدة ( وحدة الوجود ) بكل وضوح وصراحة مستغلين جو الحرية الذي يتيح للصوفي أن يقول ما يشاء طبقاً لمبدأ الشطح ..فقد قيل في ترجمة عفيف الدين التلمساني (690 ) تلميذ ابن عربي أنه ( نُسبت إليه عظائم في الأقوال والأفعال والاعتقاد في الحلول والاتحاد والزندقة والكفر المحض ، هذا مع أنه عمل أربعين خلوة كل خلوة أربعين يوماً متتالية) [16]. وأنه ( لا يحرم فرجاً ) أى يبيح الزنا بأى أنثى حتى من المحرمات والمحارم (  وإن عنده ما ثم ( أي ليس هناك ) غير ولا سوى ( أي لا يوجد غير الله ولا سواه فالله هو كل شئ ) بوجه من الوجوه ، وإن العبد إنما يشهد السوي ( أي غير الله من العالم ) إذا كان محجوباً ، فإذا انكشف حجابه ورأى أن ما ثم غيره ( أي غير الله ) تبين له الأمر ، ولهذا كان يقول " نكاح الأم والبنت والأجنبية واحد " وإنما هؤلاء المحجوبون قالوا : حرام علينا فقلنا حرام عليكم ") [17].   وقال عنه ابن تيمية ( هو من حُذّاق القائلين بالاتحاد علماً ومعرفة ، وكان يظهر المذهب بالفعل فيشرب الخمر ويأتي المحرمات ، وحدثني الثقة أنه قرئ عليه فصوص الحكم لابن عربي وكان يظنه من كلام أولياء الله العارفين فلما رآه يخالف القرآن قال : فقلت له : هذا الكلام يخالف القرآن فقال : القرآن كله شرك وإنما التوحيد في كلامنا ، وكان يقول : ثبت عندنا في الكشف ما يخالف صريح المعقول ، وحدثني عن من كان معه ومع آخر نظير له فمر على كلب أجرب ميت بالطريق عند دار الطعم فقال له رفيقه : هذا أيضاً هو ذات الله ؟ فقال : وهل ثم ( هناك ) شئ خارج عنها ؟ نعم الجميع في ذاته ) [18].. فالتلمساني حلقة وصل ضرورية بين ابن عربي والصوفية الرافضين للإسلام . ولم يعدم العصر المملوكي من وجود تلامذة للتلمساني ( قال أحدهم لرفيقه – وكان يمشي في الإسكندرية – إن الله تعالى هو عين كل شئ ، فمر بهما حمار فقال : وهذا الحمار ؟ فقال : وهذا الحمار !! فروّث الحمار من دبره فقال له : وهذا الروث ؟ فقال : وهذا الروث !! ) . وهذه قصة حقيقية وقعت في القرن التاسع [19]..

أخيرا

 جدير بالذكر أن بعض عتاة الجاهلين استهزأ بيوم القيامة وأعلن أنه سيُعطي في الآخرة أجرا كما أعطى في الدنيا المال والولد ، واعتبر القرآن مقالته إثما بالغاً يستحق مزيد العذاب ، مع أن ما قاله لا يقاس بأي حال بشطح أي صوفي مهما بلغ اعتداله . واقرأ قوله تعالى ( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً{77} أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً{78} كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً{79} وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً{80} مريم   ).والمشركون السابقون لم يقولوا كالصوفية ( وأشهد أن لا إله لكم إلا إبليس عليه الصلاة والسلام – أو أن النجاسة والكلاب الميتة والحمير والروث هي عين الله ) .. وكل ما هنالك أنهم قالوا بأن الله اتخذ ولداً . واعتبر رب العزة هذا القول كفراً هائلا ، تكاد السماوات يتفطرن منه:( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً{88} لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً{89} تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً{90} أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً {91} مريم ) وقال جل وعلا : (  وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (5) الكهف ). فأين هذا من ذلك القائل ( طاعتك لي يا رب أعظم من طاعتي لك – بطشي أشد من بطشك- لأن تراني مرة خير لك من أن ترى الله ألف مرة ... )؟؟..!!

 

 

          

شيوخ الصوفية رافضو الإسلام في القرن الثامن :

 شهد القرن الثامن حركة ابن تيمية الداعية لتمسك الصوفية بطريق الجنيد المعتدل، الذي ظن ابن تيمية أنه ملتزم بالكتاب والسنة،وقد أحدثت حركة ابن تيمية رد فعل مضاد على الجانب الصوفي المتطرف التوّاق للتحرر من الشكل الرسمي الإسلامي،فظهرت حركات متفرقة تزعم الشيخ الباجربقي الصوفي أهمها في القرن الثامن . الباجربقى

استحوذ الباجريقي ( محمد بن جمال الدين ) (ت 724 ) على اهتمام المصادر التاريخية . وقد كان في الأصل فقيهاً بالمدارس ثم تصوف وصحب الفقراء وصار له أتباع ، غير أنه كان يتفوه بالعظائم مثل أن ( الأنبياء والرسل طولت على الأمم الطريق إلى الله ، وأنه بإمكانه أن يوصلهم إلى الله بأسرع من الرسل). ( وقد حكم القاضي المالكي بضرب عنقه مرة بعد أخرى لثبوت أمور فظيعة وكلمات شنيعة، فتغيب عن دمشق ، وأقام بمصر بالجامع الأزهر ، وتردد إليه جماعة ، وكان الشيخ صدر الدين يتردد إليه ويبهت في وجهه ويجلس بين يديه .. وكان له قوة تأثير ، وشُهد عليه أيضاً بما أبيح دمه، منهم الشيخ مجد الدين التونسي ، فسافر إلى العراق ثم سعى أخوه بحماة حتى حكم الحنبلي بعصمة دمه، فغضب المالكي وحدد الحكم بقتله )[20].

أتباع الباجربقي والباجربقية

وقد نشر الباجربقي دعوته في مصر والشام والعراق ، واجتمع عليه الأشياع ، وكان نصيبهم مثله المحاكمات والاضطهاد ، يقول ابن الوردي وأبو الفدا في حوادث سنة 741 . ( وفيها ضربت عنق عثمان الزنديق بدمشق على الإلحاد والباجربقية ، سمع منه من الزندقة ما لم يسمع من غيره )[21]ومعنى ذلك أن  (الباجربقية ) أصبحت طريقة صوفية تعني التحلل الصريح من الإسلام وإعلان الزندقة بأقذع الألفاظ .ومن أتباعه كان ابن المرحل ( ت716 ) يقول فيه المقريزي أنه درس في الزاوية بجامع عمرو وكان ممن أتهم في دينه كالباجربقي والطوفي، وقد تعارضت آراؤه مع ابن تيمية [22]. وقيل في ترجمة ناصر الدين بن أبي الفضل المقتول سنة 726 أنه ( أجتمع بمحلولي العقيدة مثل ابن المعمار والباجربقي والنجم بن خلكان وغيرهم ، فانحلت عقيدته ، وتزندق من غير علم ، فشُهد عليه فهرب إلى بلاد الروم ، ثم قدم حلب وأجتمع بابن الزملكاني فأكرمه واستتابه ، ثم ظهر منه زندقة عظيمة فسيره إلى دمشق فضربت عنقه )[23].  والنجم بن خلكان سالف الذكر كان قاضيا وهو ( ابن أخي قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان ، وقد ولي القضاء ببعض البلاد الشامية ، ونسب إلى انحلال في العقيدة فانقطع رزقه ومُقت ، فسافر للديار المصرية ، وقعد مع الشهود حتى مات 762 ) . ومعنى ذلك أن مصر كانت ملجأ لمتطرفي الصوفية، فقد وفد إليها الباجربقي، ثم ابن خلكان بعد طردهما من الشام . ويذكر أن ابن خلكان خدع السلطان أوهمه بمقدرته على عمل الطلسمات والسحر فلما طولب بالبرهان عجز ، ومع ذلك ظل مصراً على دعواه [24].

وفي سنة 715 قتل أحمد الرويس الأقباعي ( لاستحلاله المحارم وتعرضه للنبوة ، وكان له كشف وأخبار عن المغيبات، فضلّ به الجهلة ، وكان يقول : أتاني النبي صلى الله عليه وسلم وحدثني ، وكان يأكل الحشيشة ويترك الصلاة )[25]. ( إستحلال المحرمات كان يعنى استحلال الزنا بالمحارم طبقا للشريعة الصوفية ) وصاحبنا كان يستحل المحرمات ويهاجم الأنبياء، ويترك الصلاو ويدمن الحشيش ، ومع ذلك يعتقدون ولايته وعلمه بالغيب أو ( الكشف ) . 

ابن البققي ( أحمد بن محمد البققي المصري )

قيل في ترجمته في الدرر الكامنة : ( ادعى عليه عند ابن مخلوف المالكي بما يقتضي الانحلال واستحلال المحرمات والاستهزاء بالدين ، وقامت عليه البينة فحُبس ، وأعيدت عليه الدعوة، فاعترف، وصار يتلفظ بالشهادتين فلم يلتفت إليه ، وحٌكم بقتله ، وقد استجار بابن دقيق العيد فلم يلتفت إليه) واخترع الصوفية كرامة تقول إن بعض الشيوخ الصوفية أنكر عليه وتنبأ بقتله :( ويقال أن الشيخ المحندار سمع كلامه فقال له : " كأني بك وقد ضربت عنقك  بين القصرين وبقى رأسك معلقاً بجلده " فكان كذلك . وكان يشطح ويتفوه بعظائم عن النبوة والتنزيل وتحليل المحرمات ، ولابن دانيال فيه أشعار :   يقول   :

            يظـن فتى البققي  أنـه                سيخلص من قبضة المالكي

            نعم سوف يسلمه المالكي               قريبـاً  ولـكن  إلى  مالك

  وقال :

            لا تلم البقي  فـي  فعله              إن زاغ تضليلاً عن الحق

           لو هذب الناموس أخلاقه               ما كان منسوباً إلى الـبق

ومما ينسب لابن البققي قوله عن نفسه ( لو كان لصاحب المقامات حظ  لكانت مقالاته تتلى في المحاريب ) وأنه كان يفطر في نهار رمضان بغير عذر ، وأنه كان يضع  الربعة ( المصحف ) تحت رجليه ويصعد فوقها يتناول حاجة له من الرف ، ويقال أنه كان يستخف بقاضى القضاة المالكي ويسبُّه ويطعن فيه فكان ذلك يبلغ قاضى القضاة ، فيهتاج ويكتم غيظه ( إلى أن ظفر بالمحضر المكتتب عليه، فطلبه طلباً عنيفاً وادعى عليه عنده فأنكر ، فقامت البينة فأمر به فسجن ليبدي الدافع ــ  أي المحامي ــ في الشهود ، وحكم المالكي بزندقته وأراقة دمه ، ونقل المحضر للقاضي الشافعى ابن دقيق العيد،  فرفض ابن دقيق العيد قتل من ينطق بالشهادتين ، فبلغ ذلك والي القاهرة ناصر الدين بن الشجي وكان يميل إلى ابن البققي فانتصر له، وسعى في نقله من المالكي إلى الشافعي ، فأشير عليه بأن يكتب محضراً بأنه مجنون ، فكتب فيه جماعة ، وأحضره لابن دقيق العيد فقال : معاذ الله ما أعرفه إلا عاقلاً .. فدس بعض من يبغض البققي إلى الشهاب العزازي الشاعر أن ينظم فيه شيئاً فكتب شعراً للمالكي :

                قل للأمام المالكي المرتضى          وكاشف  المشكل  والمبهم

               لا تهمل الكافر وأعمل  بما            قد جاء في الكافر في مسلم

فلما وقف عليهما قال : " شاعر ومكاشف قد عزمت على ذلك " ثم نهض من وقته إلى السلطان فاستأذنه في قتله فأشار عليه أن يتمسك في الأمر ، فقال المالكي : قد ثبت عندي كفره وزندقته فحكمت بإراقة دمه ووجب علي ذلك .. فلما رأي السلطان انزعاجه قال : إن كان ولابد فليكن بمحضر الحكام . فأرسل إلى الوالي والحاجب وحضر القضاة الأربعة فتكلم المالكي بما حكم فوافقه الحنفي وقال: اقتلوه ودمه في عنقي ، فقتل ) [26].أي أن قتل البققي يرجع إلى خصومه مع القاضي المالكي . ولولا ذلك ما قتل . كما حدث لابن اللبان..

ابن اللبان ( شمس الدين بن أحمد عبد بن المؤمن ) ( ت749) ..

كان صوفياً من أصحاب ياقوت العرش الشاذلي ت 737 قال فيه المقريزي ( نسبت إليه عظائم ، منها أنه قال في ميعاده بجامع مصر: أن السجود للصنم غير محرم ، وأنه يفضل الشيخ ياقوت العرشي شيخه على بعض الصحابة ، واستؤذن السلطان فمكّن منه ، فترامى على الأمير جنكلي بن البابا والأمير الحاج آل ملك والأمير ايدمر الخطير حتى حكم بتوبته ، ومُنع من الوعظ وهو والشيخ زكي الدين بن معضاد الجعبري وجماعة من الوعاظ )[27]. وكان القاضي الذي يحاكمه هو جلال الدين القزويني ..[28]ويذكر ابن كثير أن كبار الصوفية حضروا مع ابن اللبان للدفاع عنه ، وهم شيخ الشيوخ مجد الدين الإقصرائي ، وشهاب الدين الأصفهاني ، وأنه قد ادعى عليه ( بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد والغلو في القرمطة وغير ذلك ، فأقر بعضها فحكم عليه بحقن دمه )[29].وكان المدعي عليه ابن المغربي .. ومنع أهم أصحابه من الوعظ كابن الجعبري والزركشي وجماعة آخرين [30]. ونعرف مما سبق أن إبن اللبان كان له أتباع بين الوعّاظ

  * إدعاء النبوة :

1 ــ وعرف في القرن الثامن أيضاً صوفية ادعوا النبوة . وقد إعتبر العصر المملوكى هذا الادعاء بالنبوة تهمة تماثل القول بالاتحاد.  

2 ــ ويرى ابن خلدون أن الخروج عن الصراط أدى بأصحاب نظريات( الحلول )(والاتحاد )( والامتزاج ) (والاتصال) ( ووحدة الوجود ) ( والقطبية )( والإنسان الكامل ) – أدى بهم إلى القول بأن النبوة ذاتها يمكن للإنسان اكتسابها والوصول إليها عن طريق الرياضة وصفاء القلب [31]..

3 ــ وتأسيساً على ذلك حدث في عام 781 أن ادعى صوفي أنه محمد بن عبد الله النبي الأمي ، وأن حروف القرآن تنطق له ، وأن الذي يأتيه بالوحي جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ورضوان ومالك ودردائيل .. وأنه أرسل بقتل الكفرة ، وقد قبض عليه وسجن بالمارستان متهماً بالجنون . وأفرج عنه بعد أن رجع عن مقالته [32].

وقيل في ترجمة وضاح الخياط أنه كان يصاحب الصوفية ويحترف الخياطة فأزله الشيطان فادعى النبوة ،  فسجن أياماً ثم استتيب ، وعزر في ذلك ، وأطلق سنة 753 ..[33]

واستمر ادعاء النبوة إلى القرن التاسع فقد ادعى سنة 824 ( شخص من عرب الصعيد يقال له عرام النبوة ، وزعم أنه رأى فاطمة الزهراء في اليقظة فأخبرته عن أبيها ، وأنه سيبعث بعده ، فأطاعه ناس وخرج في ناحيته ، فقام عليه نجم الدين البكري وسعى إلى أن قبض عليه ، فضربه تعزيراً وحبسه وأهانه فرجع عن دعواه وتاب ..) [34]

4 ــ ووصل طوفان الإلحاد إلى المماليك ، فقالوا عن طوغان الشمسي 741 بأنه ( ينسب له استهتار زائد وكلمات مؤذنة بالزندقة والانحلال .. [35]

الصعود للسماء :

وعرف القرن الثامن بوادر لادعاء بعض الصوفية الصعود للسماء وتكليم الباري تعالى ، يقول ابن إياس ( ظهر بالقاهرة سنة 717 شخص يدعى أنه يصعد للسماء ويكلم الباري جل شأنه في كل يوم مرة ،فاعتقده جماعة كثيرة من عوام مصر ، فلما شاع أمره بين الناس رسم السلطان بأن يعقدوا له مجلساً بالصالحية . فاجتمع هناك القضاة الأربعة ، فأراد القاضي المالكي أن يثبت عليه الكفر فشهد جماعة من أهل الطب بأن في عقله خللاً فسجنوه ، ولم يثبت عليه الكفر ...) [36].

خلافا لعصرنا البائس الذى تقهره الوهابية الحنبلية بالاكراه فى الدين فإنّ العصر المملوكي كان يسمح بحرية دينية نحسده عليها ، وكان العصر المملوكى بما نشره التصوف من إنحلال عقيدى وجهل دينى وتخلف عقلى يحتفظ لأصحاب الكرامات الصوفية ولأولئك المدعين الصعود للسماء والالوهية ببعض التصديق بدليل وجود أتباع لهم يؤمنون بهم واستجوابهم وقيام البعض بنصرتهم وادعاء الجنون للتخلص من القتل . أما العامة فهم أسرع للاستجابة والنصرة .  

           

طوائف الصوفية رافضو الإسلام في القرن التاسع

  طوائف الأعاجم :   

توافد على مصر طوائف من زنادقة ملأوا طرقات القاهرة، وقد وصفهم المقريزي بأنهم ( ينتحلون مذاهب الإلحاد، ويصرحون بتعطيل الصانع تعالى، وينكرون شرائع الأنبياء،ويجهرون بإباحة المحرمات )[37]، أى إستحلال الزنا بالمحارم . وقد قتل السلطان أحدهم بدافع سياسي لا ديني قال فيه المقريزي أنه ( من سُقاط العجم قد ثبتت عليه ـ بشهادة جماعة ـ قوادح وعظائم أوجبت إراقة دمه شرعاً ، وكان من جملة أشياع الأمير قرقماس المقتول ، وتكلم في السلطان وفي الأنبياء وغيرهم بما تعجّل العقوبة )[38]

طائفة الحروفية أو النسيمية  

وكان أولئك الصوفية الأعاجم الأرضية التي نبتت فيها حركات الزندقة الصوفية المعلنة في القرن التاسع ، وأهمها طائفة (الحروفية)  أو ( النسيمية ) . وترجع هذه الطائفة إلى الشيخ فضل الله التبريزي يقول فيه ابن حجر:( إنه كان أحد المتقشفين من المبتدعة ، وكان من الاتحادية ثم ابتدع النحلة التي عرفت بالحروفية ، فزعم أن الحروف هي عين الآدميين إلى خرافات كثيرة لا أصل لها ، ودعا اللنك ( تيمور لنك ) إلى بدعته فأراد قتله ، فبلغ ذلك ولده أمير زاده لأنه فر مستجيراً به فضرب عنقه بيده ، فبلغ اللنك فاستدعى برأسه وبجثته فأحرقهما في هذه السنة. ونشأ من أتباعه واحد يلقب " نسيم الدين " فقتل بعد ذلك وسلخ جلده في الدولة المؤيدية سنة821 )[39]. وكان قتل التبريزي سنة 804 يقول ابن إياس سنة 804 جاءت الأخبار بأن  تيمور قتل التبريزي الذي كان قاضيه ، وكان على مذهب النسيمي )[40]وقد أخطأ ابن إياس حين اعتبر الأستاذ على مذهب تابعه .. والسبب في ذلك الخلط  هو الشهرة التي حققها النسيمي بعد أستاذه التبريزي حتى سميت طريقته باسمه فأصبحت (النسيمية ) بعد أن كانت ( الحروفية ) .ويقول ابن إياس في النسيمي ( نزيل حلب صاحب الأشعار التركية ، أفسد عقائد الأتراك بعث المؤيد شيخ بضرب عنقه وسلخه وصلبه على أحد أبواب حلب )[41].. وقد عرض ابن حجر لترجمته بالتفصيل فهو معاصر له ، يقول في حوادث 820 ( قتل الشيخ نسيم الدين التبريزي نزيل حلب وهو شيخ الحروفية .. بعد شيخه فضل (ت804 ) . وقد قرر نسيم الدين أن الشرائع أباطيل لا حقائق ، وأنه لا إله ، وقد وصل في ضلاله فى استحلال المحارم إلى أن وطأ أبنته واتخذها كالزوجات إلى أن أولدها ولدا . وقد سكن حلب وكثر أتباعه وشاعت بدعته ، فأمر السلطان بقتله فقتل وسلخ جلده وصلب )[42].

ولعل السبب في مقتله سياسي ، يرجع إلى التخوف من كثرة أتباعه واحتمال أن يؤسس له دولة في حلب ــــ وهى بعيدة عن مركز السلطة – تتخذ قاعدة لنشر دينه الجديد .فقد كان له أتباع كثيرون إستمرت بهم دعوته بعد مقتله. يقول ابن حجر معقبا على مقتل النسيمي ( وقد وقع لبعض أتباعه كائنة في سلطنة الأشرف (برسباي ) وأحرقت كتبا كان معه فيه هذا الاعتقاد ،وأردت تأديبه ، فحلف أنه لا يعرف ما فيه ، وأنه وجده مع شخص ، فظن أن فيه شيئاً من الرقائق ، فأطلق بعد ان تبرأ من الكتاب المذكور ، وتشهد ( نطق الشهادتين ) ، والتزم أحكام الإسلام ، وكان سبب الوقوع في ذلك أن شريفا قدم من الشام ، وذكر أنه لم يزل يسعى في الإنكار على هؤلاء إلى أن عثر على هذا ، وكتب له مرسوم بالقيام عليهم في بلاد الشام ، ثم قدم علينا شخص من أهل أنطاكية فذكر لنا عنهم أمور كثيرة ، وكتب لهم مراسيم بالقيام عليهم في سنة 841 )[43]  . وابن حجر كان قاضيا للقضاة وقتها ، وقد شهد الواقعة بنفسه وقام بمحاكمة الرجل الذي ضبطت معه كتب الدعوة النسيمية. وسياق كلامه يدل على ما كانت عليه الحركة النسيمية من نشاط في الشام بدليل ما أثارته من فزع لدى الفقهاء فالتجأوا إلى مصر مركز الحكم المملوكي ، ثم إن كتب النسيمي كانت ترد إلى القاهرة لأتباعه وضبط بعضها وحوكم من وجدت لديه .

وقد فصل ابن حجر القول في حوادث سنة 838 عن هذه الواقعة فقال (حضر للسلطان شريف من الشام بأوراق فيما يتعلق بالنسيمي وشيخه فضل الله ، وأن بالشام ومصر جماعة على عقيدته ، وأنه تصدى لتتبعهم ، وأنه وجد بالقاهرة شخصا منهم فأحضره للسلطان وكتبه ، وهذه هي الحروفية ، وعقد السلطان مجلسا أحضرت فيه الكتب ، وهى بالفارسي فإذا هي مقالة مركبة من قول المشبهة والاتحادية وفيه ( إن شعر الإنسان في رأسه ووجهه سبعة شعور ، وشعر أجفانه الأربعة وحاجبه ورأسه سبعة ، وإن عقد أصابع اليدين أربعة عشر فلذلك عدد حروف المعجم ) ونحو هذا . وفيه أن الإلهية انتقلت من الله لآدم ومن آدم لآخر إلى أن انتقلت لفضل الله ) " التبريزي " وكلام من هذا حاصله " أن الله هو الحروف "   وأنكر الرجل اعتقاده وكفّر من يعتقد بهذا ، وأمتثل لأمر الشافعي " القاضي الشافعي" وأحرق الكتب بيده ، ونودي : من عرف من أهل هذه المذاهب النسيمي ووجد عنده شئ من كتبه واحضره للسلطان كان له مائة دينار ، ثم أمر فنودي بأن يخرج جميع العجم من القاهرة والقلعة بأسرهم ولا يتخلف منهم أحد إلى ثلاثة أيام ، ثم لم يتم ذلك )[44].

والواقع أن طوائف العجم الصوفية كانت بيئة انحلال عقيدية ، وتوافدوا الى مصر بانحلالهم الدينى والأخلاقى ، فكان ينادى عليهم دائماً بالخروج من القاهرة ثم لا يتم من ذلك شئ .. وفي نهاية القرن التاسع – في عصر قايتباي – وجدت طائفة النموسية – وكانوا يربون أولاد النموس – جمع نمس – يقول فيهم المناوي الصوفي ( كانوا أصحاب حسين أبي علي .. وضرب قايتباي رقاب بعضهم لما شطحوا ونطقوا بما يخالف الشريعة )[45]

وتابع بعضهم – من أعاجم الصوفية   – ادعاء العروج للسماء .

 دعوات متطرفة فى القرن التاسع

ادعاء الصعود للسماء :

1 ــ يقول ابن إياس في حوادث 819 ( ظهر في القاهرة شخص أعجمي يدعي أنه يصعد إلى السماء ويكلم الباري عز وجل  في كل يوم مرة ، وأنه صرفه في الكون ، فاعتقده جماعة كثيرة من أهل مصر ، فلما شاع أمره بين الناس رسم السلطان " شيخ " أن يعقد له مجلس بالمدرسة الصالحية ، فاجتمع بها القضاة الأربعة ، فأراد المالكي أن يضرب عنقه.. فشهد جماعة من الأطباء بأن في عقله خللا فسجنوه ، ولم يثبت عليه الكفر،وصار مع المجانين ...) [46]. وتمتع ذلك المدعي  - كسابقه – بتصديق العامة حتى أهتم السلطان بأمره وتطلب الأمر عقد جلسة للتحقيق في صدق دعواه وانتهت قصته النهاية المعروفة وهي تخليصه من القتل بحجة الجنون .. فكان الادعاء سهلا في بدايته وعاقبته .

وقد حضر ابن حجر محاكمة ذلك الصوفي الأعجمي ، يقول أنه في مجلس سماع الحديث بالقلعة مع السلطان سئل عن الحكم في شخص بزعم أنه يصعد إلى السماء ويشاهد الله تعالى ويتكلم معه، فاستعظموا ذلك ، فأمر السلطان بإحضاره – ووصف ابن حجر الرجل – وقال أن السلطان (سأله عن أمره فأعاد ذلك ، وزاد بأنه كان في اليقظة ، وأن الذي رآه على هيئة السلطان في الجلوس ،وأن رؤيته تتكرر مراراً كثيرة ، فاستفسره عن أمور تتعلق بالأحكام الشرعية فظهر أنه جاهل بأمور الديانة  ، ثم سئل عنه فقيل أنه يسكن خارج باب القرافة في تربة خربة ، وأن لبعض الناس فيه اعتقاد كدأبهم في أمثاله ) فاستفتى السلطان العلماء ( فاتفق رأيهم على أنه إن كان عاقلاً يستتاب فإن تاب وإلا قتل فاستتيب فامتنع ، فعلق المالكي الحكم بقتله على شاهدين يشهدان أن عقله حاضر ، فشهد جماعة من أهل الطب بأنه مختل العقل ، فأمر السلطان به بأن يقيد في المارستان فاستمر به ، ثم أطلق بعد موت السلطان )[47]. وحدث أن كان السلطان في عام 821 يتفقد أحوال المجانين في المارستان المنصوري ، فقام إليه ذلك المدعي فكلم السلطان أن يفرج عنه فلم يجبه [48]. ونستعيد قول المؤرخ ابن حجر العسقلانى : (وأن لبعض الناس فيه اعتقاد كدأبهم في أمثاله ) أى من السهل وجود أتباع يؤمنون بهذه المزاعم وأصحابها . 

2 ــ وسهولة الادعاء بهذه المزاعم والتهاون في العقاب شجعت البعض على إعلان التحلل من التكاليف الشرعية بدعوى المنامات ، كما حدث من الشيخ شمس الدين الميموني حين قال "  قد أباح لي سيدي اللواط والخمر والحشيش والفطر في رمضان". وشهد عليه جماعة وثبت ذلك عليه ، فاعتقل وأحضر إلى مجلس السلطان وفيه ابن حجر فأفتى بأن في عقله خللاً ، وأعلن الميموني توبته من رؤيا المنامات [49].

3 ــ وامتد الأمر للماليك فقيل في أزدمر الطويل أنه ( كان يخوض فيما لا يعنيه من سوء عقيدة ، واستخفاف بأمور الدين ، ويميل للمتصوفة )[50].

 في الريف

 وإذا كان هذا الحال في القاهرة – حيث السلطان والقضاة والعلماء وإهتمام المؤرخين ـــ فالحال في الريف أشد ، ومع الأسف فإن جل اهتمام المؤرخين انصب على تتبع أخبار القاهرة دون غيرها من المدن الهامة ، ولا نقول الأرياف حيث الجهل أشد إظلاماً وسيطرة التصوف أعتى استحكاماً .

على أن بعض حوادث الزندقة –  حين زادت وفاضت – وصل أمرها إلى علم المسئولين بالقاهرة ، يقول أبو المحاسن في حوادث سنة 866 ( ورد الخبر من كاشف الغربية وغيره ، بأن في قرية ططية بالوجه الغربي من أعمال القاهرة جماعة زنادقة ، وفيهم من ادعى الألوهية ، ومنهم من ادعى النبوة ، وانضم عليهم جماعة كثيرة من أوباش الناس ، ومالوا إلى معتقدهم ، ووقعت منهم أمور شنيعة ، وإن الكاشف أمسك منهم نحو أربعة عشر نفراً ، فأرسل السلطان إليهم القاضي ابن الوارث أحد نواب الحكم المالكية والناصر محمد الخازندار لينظروا في حقيقة أمرهم ويفعل فيهم مقتضى الشرع .. وأحضر الزنادقة فأنكروا أمام السلطان فحكم القاضي بتعزيرهم .. )[51]. فأولئك كثرة ادعى بعضهم الألوهية وآخرون النبوة .. وبعث بأمرهم (كاشف الغربية وغيره ) . وذلك لأن أتباعهم كثروا هنا وهناك ، ولنهم صاروا كثرة ولهم قوة  فقد :( وقعت منهم أمور شنيعة ) ووصل أمرهم للكاشف ، أى الأمير المملوكى ( كاشف التراب ) اى ( المحافظ ) بتعبير عصرنا . ولعل مصادمات حدثت بينهم وبين الكاشف إذ أنه( أمسك منهم نحو أربعة عشر نفراً ) فقط .. أي لولا تجاوز حركة أولئك الزنادقة دور الدعوة القولية إلى الدور الحركي ومناوأة السلطة الحاكمة ـــ  لولا ذلك لما عرفت القاهرة بأمرهم ولما سجلت ذلك حوليات التاريخ . ومعنى ذلك أن مدعي الألوهية والنبوة في الريف في مأمن من السلطان ومن الرصد التاريخي طالما اقتصروا على الدعوة  لأنفسهم ( بالحكمة والموعظة الحسنة .. ) .ثم إن الزندقة تحولت بعد القرن التاسع إلى شطحات يقولها المجذوب  كيفما شاء في أي وقت بدعوى غيابه عن الوعي فتكاثر المجاذيب في ذلك الوقت .. وأرخ لهم الشعراني [52].

إلى ذلك الحد بلغ اضطراب العقيدة الدينية في العصر المملوكي بأثر التصوف ، ولنضرب لها مثلا :-

يا رب سلم الحيطة بتتكلم سنة 781:

ففي هذا الجو المقفر من عقيدة صحيحة حيث الناس على استعداد للاعتقاد في أي شئ ولو كان- حجراً صلداً – أُتيح لبعض الصوفية أن يعبث بعقول الناس ومعتقداتهم ويتجلى ذلك في واقعة (الحائط الذي يتكلم )، وبطلها شيخ صوفي كان يتمتع بتقديس برقوق هو الشيخ عمر ركن الدين ( وقد كان الناس يتبركون به ويزورونه لمدة ثلاثين عاماً ) ..وموجز الحكاية أن امرأة اشتكت لذلك الصوفي سوء معاملة زوجها لها ، فكان الصوفي يعظه ويوصيه بزوجته من خلف الحائط بحيث لا يدري من المتكلم، واشتهرت الإشاعة بأن حائطاً يتكلم ، وسار الصوفي في الطريق إلى نهايته ، فافتتن الناس بالحائط الذي يتكلم وتوافدوا عليه يسمعونه، يقول ابن حجر ( افتتن الناس به شهرين واعتقدوا أن المتكلم من الجن أو الملائكة ،وقال قائلهم ( يا رب سلم الحيطة بتتكلم ) وقال الشاعر ابن العطار :     يا ناطقا من جدار وهو ليس يُرى           اظهر وإلا فهذا الفعل فتان .

ويقول ابن إياس ( اشتدت فتنة الناس بالحائط حتى كادوا أن يعبدوه من عظم ما افتتنوا به ويتخذوه معبداً لهم ..) وكانوا يقدمون للحائط النذور والقرابين .. ثم اظهر المحتسب الحيلة وعوقب الفاعلون [53]..

إعلان الكفر وشيوع التكفير

أولا : بين الفقهاء

وتأثر بعضهم بهذا الجو المنحل عقيديا فاعتاد التلفظ بالكفر مع وصفه بالعلم والفضل ، ولكن وقف لهم الصوفية بالمرصاد وكأن عز عليهم أن ينافسهم أعدائهم في ميدان الزندقة والشطحات .. فقد ذكر العيني في حوادث 720 مقتل إسماعيل الزنديق .. وقد اشتهر بين الفقهاء بالعلم والفضيلة والأدب مع كثرة الهزل والتلفظ بالكفر حتى لقب بالزنديق ، فوقع في بعض الأيام في حق النبي لوط عليه السلام ، فشهد عليه جماعة وعقد له مجلس عند ابن الأخنائي المالكي فادعى اختلال عقله ... وهى الحيلة المأثورة في هذا المجال ـ فتوقف المالكي في أمره .. ولكن لم يسمح له الصوفية بالجنون والإفلات من القتل . فادعى صوفي أنه رأى النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المنام يأمره أن يقول ( قل للإخنائي يضرب عنقه فإنه سب أخي لوطاً ) فحكم القاضي بضرب عنقه ، وفي صبيحة مقتله رأى صوفي آخر النبي ومعه لوط عليهما السلام في منام يؤكد الدعوة لمقتل إسماعيل الزنديق فتم تنفيذ الحكم في ذلك الفقيه بين القصرين [54]. أي أن ذلك الفقيه تأثر بالصوفية وحاول مجاراتهم في الشطح والزندقة إلا أنهم جعلوا منها امتيازاً خاصاً لهم فعاقبوه بالقتل .. بينما نعم جهلة الصوفية بقول الشطح تأكيداً للولاية والعلم اللدني وتقليداً للأشياخ الكبار ..يقول فيهم الشاعر المملوكى الظريف  البهاء زهير [55].

              وجاهل يدعي في العلم فلسفة           قد راح يكفر بالرحمن تقليداً .

              من أين أنت وهذا الشئ تذكره          أراك تقرع باباً عنك مسدوداً

             فقال إن كلامي لست تفهمه             فقلت لست سليمان بن داودا

ثانيا : حوادث الردة  بين العامة والمماليك :

كان بعض المسيحيين يدخل الإسلام طمعا في منصب أو تخلصا من ورطة وقع فيها ، ثم اعتاد بعضهم الرجوع والارتداد إلى دينه ، بل وكان يقرن ردته بالسب في الإسلام والنيل من مقدساته [56]. بل ارتد بعض العامة عن الإسلام ولم يوافقوا على العودة إليه [57]. وفي تجريدة حربية إلى جزيرة رودس ارتدت طائفة من المماليك ورجعت إلى النصرانية [58]  .

 إلا أن أهم أثر للاضطراب العقيدي الذي أحدثه التصوف في العصر المملوكي يتجلى في شيوع التكفير أو سهولة الاتهام بالكفر ، على خطورة ذلك الاتهام الذي يستوجب الحكم بالقتل عندهم .

ثالثا : شيوع التكفير :

1 ـ شاع القول بالكفر بين الصوفية وغيرهم .. وتولى القضاة عقد المحاكمات لقائلي الكفريات .كان هذا فى مناخ يعُمُّه الجهل والتعصب وحدة العاطفة وكثرة الدسائس والحروب بين الصوفية والفقهاء وتدخلات السلطة المملوكية والنزاع المستمر بين القضاة، مع انعدام التقوى لدى  القضاة وتأثرهم بالتصوف وانحلاله   وحرص الصوفية على النيل من أعدائهم الفقهاء .. في هذه الظروف ، انتشر الاتهام بالكفر ، وكثر عقد مجالس الحكم وكانت تصدر أحكام القتل أو التعزير حسب الظروف السياسية أو مقتضيات الأحوال العادية من الميل أو النفور بين القاضي والمتهم وتدخلات الأطراف الخارجية من الصوفية والأمراء المملوكية ، كما ظهر في حوادث سابقة عرضنا لها ، ونعرض الآن  لشيوع التكفير في العصر المملوكي بين العامة وفي مجتمع الفقهاء . 

2- وقد كان أحدهم يقرأ في رياض الصالحين ، فشك في البعث وكيفياته فشُهد عليه وعُقد له مجلس فجدد إسلامه وحقن دمه [59]. وقال البرهان بن جماعة في مجلس :قال الله في كتابه العزيز : ضعيفان يغلبان قوياً .. فعقد له مجلس ، ولم يصبه بضرر [60]. وقال آخران أن التوراة والإنجيل بحالهما لم يبدلا ، فعزر [61]. واعتبر الشريف المكراني الزاهد من قال أن الرؤيا خيال باطل فهو كافر [62].وكفر بعضهم الصوفي يار علي المحتسب لأنه كتب في عقد الآية الشريفة " وانظر إلى حمارك ) وصور الحمار [63]. وكُفر ابن القاياتي لأنه وجد في مجمع لهو [64]  . وكُفر صوفي آخر لمعاضدته النصارى مع تهاونه في الدين [65].

3 ـ وكان التنابذ بالكفر والتكفير شيئا عاديا بين علية القوم من الفقهاء والصوفية والقضاة في الأحاديث العادية والاجتماعات والمناقشات والميعاد أى ( مجالس تلاوة البخارى ) . وقد قال ابن الكركي بأن لبس الطيلسان سنة اليهود، فقال السيوطي : بل هو يكفر لكونه ردّ سنة عن النبي [66].وعن مناقشات الصوفية والقراء أثناء قراءة ميعاد البخاري قيل ( وربما كفر بعضهم بعضاً ) [67]. وكان الأمير بيبغا مغرماً بتعظيم جنسه من التتر فمزح احدهم معه وقال ( إيش هو جنكيز خان ) فبادره بيبغا وقال له كفرت [68]. ومزح المعصراني وقال عن الخضيري لما قال أن اللحم على عجين لا يحتاج إلا سيرج : هذا كفر وتدارك وقال : هذا كفر في مذهب الأكالين فقيل له هذا الكلام أيضاً يقتضي الكفر فقال أنا ما قلت كفراً بالله [69].

4 ــ ولكثرة الكفير وشيوعه كتب بعضهم رسالة ( الألفاظ المكفرة )  يقول : ( وكنت أسمع من الخواص المتسمين بالعلم والمنخرطين في السلك .. والمكرمين بالمناصب والموصوفين بالدرس والإفتاء ما لا يليق بالأراذل الجهلة وبالعوام السفلة أن يتلفظ به من الألفاظ ، وأظن أنها توجب كفراً )، ( وقد جمعت الألفاظ المكفرات ليعلم كل مسلم ومسلمة ويعلم غيره ويحفظ لسانه ولا يحبط أعماله ، وهذه لا تخرج عن الأشياء الثلاثة ، إما الاستهزاء أو بالاستخفاف أو بالاستحلال ). وذلك المؤلف في رسالته يمثل الفقيه الحنبلى المتزمت المتعصب إزاء عصر منحل بالتصوف عقائدياً وسلوكياً ، فهو يكفّر من قال (بسم الله الرحمن الرحيم ) عند أكل الحرام أو عند الوقوع فى الزنا، أو من أخذ أجرة  على مصحف  أو من ضاق بالصلاة ، أو مجلس العلم ، أو ضاق بأوامر العلماء ( ومن قال أن مؤمن إن شاء الله أو أنا مسلم إن شاء الله من غير تأويل كفر ) إلخ .. وهكذا كانت طريقة المؤلف في الحصر بحيث أن من يقرأ يخيل إليه أن الناس يتنافسون وقتها كفرا  [70]  .

5 ــ ومع أن البقاعي يرى أن التكفير أمر عظيم لا ينبغي الإقدام عليه إلا بنص صريح [71]. فإنه أسرف في تكفير الاتحادية من الصوفية [72]. بل أنه يرى أنه لا شئ على من يكفر ابن الفارض [73]

ومع ذلك فإن خصوم البقاعي رموه بالكفر ، يقول السخاوي عن البقاعي : (ولما عُلٍم مقت الناس لهم وإسماعهم إياه كل مكروه من تكفير فما دونه )[74].

6  ــ ـواحتاط زعماء الصوفية لأنفسهم من التكفير وهم أقوى بواعثه ، فمن مقامات الشريعة : حفظ اللسان من عموم الألفاظ المكفرة [75]. يقول الشعراني : من حق الأخ على الأخ ألا يكفره بذنب ولو لاث الناس به ، إذ لا يخفى قلة ورع الناس في الكلام وعسر معرفة جميع الألفاظ التي يكفر بها الإنسان [76]  .وفي الأمثال الشعبية ما يعبر عن سهولة وكثرة الوقوع في الكفر ( أهل الميت سكتوا والمعازين كفروا ) ( أول القصيدة كفر ) [77]  .

7- والقضاة – كممثلي التصوف بين الفقهاء وكحكام في قضايا التكفير – كانوا من أكثر الطوائف وقوعاً في التكفير .. فبعض القضاة كان يكفّر زملاءه في الأحاديث والمجادلات العلمية (في عصر التقليد العلمي ) فقد عُزل قاضي القضاة تاج الدين السبكي وادُعي عليه بالكفر بسبب قوله في غضون كلامه ( فبطل دين الإسلام )[78]. والبساطي كان صوفياً يميل إلى ابن عربي حتى أنه قال بتأويل كلامه فقال له علاء الدين البخاري : كفرت ووافقه من بالمجلس [79]. وفي مجادلة علمية قال السبكي للإخنائي : لو كان الأمام مالك حياً لناظرته في هذه المسألة فعد ذلك الأخنائي خروجاً على الدين وقال :ايش أنت حتى تناظر الإمام مالك في هذه المسألة ، والله لو كان غيرك لفعلت به كذا يعني ضربت عنقه [80]. وتجادل السراج البلقيني مع ابن الصاحب إلى أن كفر البلقيني ابن الصاحب . وعقد بينهما مجلس حضره القضاة الأربعة ، حكم بعدم كفر ابن الصاحب ، وبقائه على دين الإسلام [81]. ويذكر أن السلطان برقوق قال بالتركية لمن حوله : إن القضاة ليسوا بمسلمين [82].

وبعض القضاة استخدم سلاح التفكير لقتل خصم له . فقد كانت هناك خصومة بين قاضي القضاة الحنبلى وأحد الفقهاء ، فعقد له القاضى مجلساً وحكم بقتله ، فأعلن الفقيه أن بينه وبين القاضي خصومة وطعن في الشهود ، وطلب عقد مجلس عند السلطان ، فلما رأى القاضي ذلك خشي أن أصبح دافع عن نفسه فطلبه في الحال وقتله بيده ، ثم جعله في تابوت ونادي عليه بالكفر [83].

وقد استفتى على شخص بدعوى أنه أنكر البعث ، واتضح الأمر بأنه كان يسعى للقضاء بمال فلفقت له هذه القضية [84]ونظير ذلك ما وقع  للشيخ مصطفى الفرماني من كائنة عظيمة وتعصب عليه بعض الفقهاء ونسب إليه كفر حتى حكم بإسلامه ثانياً [85]." وعزل الوزير ابن السلعوس قاضي القضاة ابن بنت الأعز وعمل محاضرة بكفره ، وأخذ خط الجماعة إلا خط ابن دقيق العيد " الذي رفض التوقيع عليها لأن إمضاءه ستكون السبب الأقوى في قتله [86]. وأراد علاء الدين الرومي السعي في مشيخة الخانقاه الشيخونية عوضاً عن الشيخ باكير فأمتنع السلطان رغم الإلحاح عليه ، فشرع علاء الين في الحط على الشيخ باكير ،وفي مجلس علم بحضرة السلطان جادله باكير وكفره ، وطلب باكير من السلطان الإذن للشافعي أن يأخذ حقه من علاء الدين فأذن له ، وعقد المجلس وادعى على الرومي أنه كفره بحضرة السلطان فأنكر الرومي ، واستمرت المنازعات إلى أن أصلح بينهما السلطان [87].وكان التفهني صاحب حدة ، وقد حكم بتكفير الميموني وإراقة دمه في الملأ فقال ابن حجر : " قاضي القضاة متغاظ حتى يسكن خلقه ، وانفض المجلس وتلاشى حكم التفهني بعد أن أوسعه الميموني إساءة في المجلس ،والتفهني يكرر حكمه بإراقة دمه [88].

                                               

 

 

 

 

                                                                



[1]
الجواهر والدرر : 275 .

[2] اليواقيت والجواهر 154 .

[3] أعيان العصر مخطوط 6، 8، 47 .

[4] حوادث الدهور 565 .

[5] الطبقات الكبرى للشعراني جـ2 / 166 ، 167 ،117على الترتيب .

[6] الطبقات الكبرى للشعراني جـ2 / 166 ، 167 ،117.على الترتيب .

[7] الطبقات الكبرى للشعراني جـ2 / 166 ، 167 ،117 على الترتيب.

[8] الطبقات الكبرى للمناوي مخطوط ورقة 355 (ب) .

[9]  الطبقات الكبرى جـ 2 / 129 .

[10] الطبقات الكبرى للشعراني جـ2 / 167: 168 .

[11] الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/ 97 : 98 ، ونقل ذلك في أخبار القرن العاشر مخطوط : 57 .

[12] إنباء الغمر لابن حجر جـ3 / 226 .

[13] إنباء الغمر مخطوط 1128 : 1131 ، 1139 بالترتيب .

[14] إنباء الغمر مخطوط 1128 : 1131 ، 1139 بالترتيب

[15] قواعد الصوفية جـ 1 / 19 تحقيق طه سرور ط 1 .

[16] تاريخ ابن كثير جـ 12 / 326 .

[17] شذرات الذهب جـ 5 / 412 .

[18] مجموعة الرسائل والمسائل جـ 1 / 145 .

[19] تاريخ البقاعي مخطوط : 123 .

[20] النويري نهاية الأرب مخطوط جـ 30 / 26 . فتوح النصر مخطوط جـ 2 /209 . أعيان العصر مخطوط جـ 106 .  24 : 37 دول الإسلام للذهبي جـ 2 /177 ، السلوك جـ 2 /1/4 . الدرر الكامنة جـ 4 / 12 : 14 ، 130 : 132 ، شذرات الذهب جـ 6 / 64 : 65 .

[21] تاريخ أبو الفدا جـ 4 / 137 ، تاريخ ابن الوردي جـ 2 / 330 .

[22] السلوك جـ 2 / 1 / 167  ، حاشية 167 : 168 .

[23] شذرات الذهب جـ 6 / 74 : 75 .

[24] الوافي بالوفيات جـ 3 / 249 : 250 ، الفلاكة والمفلوكون للدلجي 71 .

[25] شذرات الذهب جـ 6 / 35 ، اليافعي : مرآة الجنان جـ 4 / 254 .

[26]  الدرر الكامنة جـ 9 / 329 . تاريخ مصر المملوكية نشر زيثرستين : 104 : 105 .

[27] السلوك جـ2 /2 / 408

[28] شذرات الذهب جـ 6 / 164 .

[29] تاريخ ابن كثير جـ 14 / 177 .

[30] فتوح النصر مخطوط جـ 2 / 271 .

[31] شفاء السائل 84 : 86 .

[32] السلوك جـ 3 / 1 / 368 : 369 . تاريخ ابن إياس جـ 1 / 2 / 249 .

[33] الدرر الكامنة جـ 4 / 407 .

[34] إنباء الغمر جـ3 / 243 .

[35] الدرر الكامنة جـ 2 /329 .

[36] تاريخ ابن إياس جـ 2 / 4

[37] السلوك جـ 4 /  3 ، 126.

[38] السلوك جـ 4 / 3 ، 126 .

 

[39] إنباء الغمر جـ2 /219 وفيات 804

[40] تاريخ ابن إياس جـ1 /2  ، 658 .

[41] تاريخ ابن إياس جـ 2 / 36 تحقيق محمد مصطفى .

[42] إنباء الغمر جـ 3 /136 .

[43] إنباء الغمر جـ 3 / 136 : 137 .

[44] إنباء الغمر جـ 3 / 548 : 549 .

[45]  الطبقات الكبرى للمناوي : مخطوط 349 أ ، ب .

[46] تاريخ ابن إياس جـ 2 / 28 : 29   . 2 – جـ 2 / 4 .

 

[47] إنباء الغمر جـ 3 / 99 .

[48] إنباء الغمر جـ 3 / 163 .

[49] إنباء الغمر جـ 3 /249 .

[50] الضوء اللامع جـ2 / 273 : 274 .

[51] حوادث الدهور جـ3/ 419 : 420 .

[52]  ترجم الشعراني للأكثرية منهم في الطبقات الكبرى في نهاية الجزء الثاني ، وهى (ظاهرة ) أن يكون أكثر الصوفية المعتقدين المقدسين في القرن العاشر من المجاذيب .

[53] إنباء الغمر جـ 1 / 198 : 199 ، السلوك جـ 3 / 1 / 361 : 364 . النجوم الزاهرة جـ 11 / 172 : 173 ، ابن إياس جـ / 1 / 2 / 246 : 247 .

[54] عقد الحمان مخطوط حوادث 720 لوحات 239 : 241 . نهاية الأرب مخطوط جـ 30 / 135 .

[55] ديوان البهاء زهير 30 .

[56] تاريخ ابن إياس جـ 1 /2 / 331 .

[57] تاريخ ابن إياس جـ 1 /2 / 324 .

[58] تاريخ ابن إياس جـ 2/ 238 تحقيق محمد مصطفى .

[59] حوادث الدهور 31 .

[60] تاريخ البقاعي 37 مخطوط .

[61] تاريخ الجزري جـ1 /17

[62] التبر المسبوك 370 .

[63] حوادث الدهور جـ 2 / 383 .

[64] حوادث الدهور جـ 3 / 424 .

[65] تاريخ البقاعي 152 .

[66] الطبقات الصغرى 33 .

[67] السلوك جـ 4 /2 / 1031 : 1032 .

[68] النجوم 14  ، 320 .

[69] تاريخ ابن طولون جـ 1 / 127 .

[70]  الألفاظ المكفرة 102 : 121 .

[71] الضوء اللامع جـ 1 / 108 .

[72] تاريخ البقاعي مخطوط 8 أ، 9 0

[73] تحذير العباد للبقاعي 251

[74].الضوء اللامع جـ 1 / 106 .

[75] النفحات الأحمدية 172.

 

[76] صحبة الأخبار  61           

[77] الأمثال الشعبية تيمور 123 ، 124 .

[78] ذيل ابن العراقي  769

[79] البقاعي تكفير ابن عربي 139 .

[80] تاريخ ابن إياس جـ 1 /1 / 107 .

[81] تاريخ ابن إياس جـ 1 /2 / 324 ، نزهة النفوس جـ 1 / 52 .

[82] تاريخ ابن إياس جـ 1 /2 ،291 .

[83] حوادث الدهور جـ2/ 203 ، والنجوم الزاهرة جـ16 / 172 .

[84] تاريخ البقاعي 12 ب .

[85] تاريخ ابن إياس جـ 1 /2 / 473 .

[86] أعيان العصر مخطوط جـ 6 /1، 91 . .

[87] إنباء الغمر مخطوط حوادث 840 ورقة 980 ، 981 .

[88] النجوم الزاهرة 15 ، 175 : 176.

كتاب ( التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية
يقع فى ثلاثة أجزاء تتناول بعد التمهيد أثر التصوف فى العقائد الدينية والعبادات الدينية والحياة الأخلاقية فى مصر العصر المملوكى . تعطى مقدمة الكتاب لمحة عن أصل هذا الكتاب ، وأنه كان ضمن الأجزاء المحذوفة من رسالة الدكتوراة التى قدمها المؤلف للمناقشة حين كان مدرسا مساعدا فى قسم التاريخ الاسلامى بجامعة الأزهر عام ذ977 ، ورفضوها وبعد إضطهاد دام ثلاث سنوات تم الاتفاق على حذف ثلثى الرسالة ، ونوقش ثلثها فقط ، وحصل به الباحث على درجة الدكتوراة بمرتبة الشرق الأولى فى اكتوبر 1980 . من الأجزاء المحذوفة من الرسالة ينشر المؤلف هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة ، يوضخ فيه أثر التصوف فى مصر المملوكية ويعرض فيه عقائد التصوف
more