رقم ( 6 )
الباب الرابع : علمانية الدولة الاسلامية

 الباب الرابع : علمانية الدولة الاسلامية

أولا : مقارنات :

  الفصل الأول  : الاسلام السلوكى هو جوهر العلمانية الاسلامية   الفصل الثانى : قضية السيادة فى العلمانية الاسلامية وما يترتب عليها . الفصل الثالث  : بين ( ضنك ) العلمانية  الدنيوية و( سعادة ) العلمانية الاسلامية .  الفصل الرابع :  العلاقات الخارجية للدولة الاسلامية العلمانية . الفصل الخامس: التناقض بين الدولتين: الإسلامية والدينية .

ثانيا : الدولة الاسلامية وحقوق المواطن  

  الفصل الأول : الثروة بين المجتمع والفرد فى الدولة الاسلامية .  الفصل الثانى : الحق المطلق للمجتمع فى الحكم وفق الشورى فى الدولة الاسلامية  . الفصل الثالث : الحق فى القسط والحرية بين الجتمع والفرد . الفصل الرابع :  الحق فى الأمن بين المجتمع والفرد .

 أولا : مقارنات

  الفصل الأول  : الاسلام السلوكى هو جوهر العلمانية الاسلامية  

مقدمة

1 ـ  الاشكالية الكبرى هنا أن الدولة الاسلامية الحقيقية تجدها فى النظم السياسية الغربية التى تتصور الاسلام عدوا لها، وأن الذى يناقض الاسلام ودولته المدنية هو نظم المحمديين السياسية الدينية كما فى ايران والحركات الساعية للحكم  كالاخوان المسلمين.

2 ـ  لذا لا بد من تحديد المفاهيم أولا ، فنحن نتحدث عن الاسلام وليس عن المحمديين . والاسلام عندنا هو القرآن الكريم فقط ، وليس المصادرالبشرية  المزورة التى نسبها أئمة المحمديين لله سبحانه و تعالى ورسوله محمد باسم الحديث النبوى أو الحديث القدسى . الاسلام ليس له علاقة بأديان المحمديين ( السنة أو النتشيع أو التصوف ) ومذاهبها وطوائفها وطُرُقها  التى انتشرت ونسبت أقوالها بالتزوير لله سبحانه وتعالى ورسوله عبر منامات وأحلام وعنعنات واسنادات لا تصمد للمنهج العلمى.

3 ـ اذا نحن هنا نتحدث عن الاسلام كما جاء فى القرآن ، ومنهجنا فى فهم القرآن هو المنهج الموضوعى فى فهم أى كتاب بشرى؛ فنحن لا ندخل على القرآن الكريم بأفكار مسبقة نريد اثباتها أو نفيها بالقرآن عن طريق انتقاء ما يوافق هوانا من الآيات ، بل نقرأ كل الآيات المتصلة بالموضوع ونستخلص منها حقائق القرآن ونقبلها سواء اتفقت أو اختلفت مع السائد فى أفكارنا ومعتقداتنا ، بل نضحى بهذه الأفكار انحيازا منا للاسلام العظيم والقرآن الكريم .

 كما أننا لا ندخل على القرآن ونفهمه بمصطلحات التراث المختلفة فيما بينها والمختلفة عن مصطلحات القرآن. ان للقرآن الكريم مصطلحاته الخاصة التى يمكن معرفتها بمراجعة تلك المصطلحات خلال سياقها القرآنى. باختصار هذا هو منهجنا فى فهم حقائق الاسلام ، وتناقض تلك الحقائق مع مفتريات المحمديين .

 4 ـ وقد درج المحمديون على  تكفير العلمانية لمجرد أنها منتج غربى.  وبالرجوع للقرآن الكريم تبين لنا ان الاسلام السلوكى هو جوهر العلمانية ، وقد تحتلف علمانية الاسلام عن العلمانيات الغربية .

5 ـ على ان العلمانية الغربية ليست مذهبا واحدا بل هى مذاهب واتجاهات مختلفة ، ولا يزال فيها متسع للاجتهاد والاختلاف والتجديد مع وجود حراك فكرى مستمر فى الغرب الذى يرفع شعار حرية الفكر والمعتقد ، ويمارس من خلالها كل صور النقد والنقاش للثواب حتى ما كان منها متصلا بالعلمانية أو بالكنيسة.

6 ـ حسنا . لسنا هنا فى معرض المقارنة بين علمانية الاسلام وعلمانية ـ أو علمانيات ـ  الغرب . انما هدفنا هو توضيح عاجل للعلمانية الاسلامية كما جاءت فى القرآن الكريم . تلك العلمانية الاسلامية الى نزلت وحيا قرآنيا منذ أربعة عشر قرنا فى العصور الوسطى المظلمة  ، فى عصر الاستبداد السياسى والدينى والسيطرة الكنسية فى أوربا المسيحية.

أولا :

عموما : الاسلام السلوكى هو جوهر العلمانية الاسلامية

1 ـ دعنا نعتبر ( العلمانية ) مشتقة من هذا العالم المادى الميتافيريقى وليس لها صلة بما وراء الطبيعة ( الميتافريقى ). وبالتالى فهى مهمومة ومهتمة بالبشر الآن فى هذه الحياة الدنيا ، ولا شأن لها بهم فى اليوم الآخر .

2 ـ هذه العلمانية هى بالضبط ( الاسلام السلوكى ) وشريعته التى تنحصر فى الانسان المُسالم الذى يأمنه غيره ، وله تمام الحرية فى معتقداته ، لأن الهداية للحق مسئولية شخصية ، من إهتدى فلنفسه ومن ضل فعلى نفسه ، والمسئولية الشخصية تعنى ألّا تزر وازرة وزر أخرى . والاسلام القلبى العقيدى بعباداته له اليوم الآخر ، وليس هذا اليوم ، وهو يوم الدين حيث يحكم الرحمن جل وعلا بين البشر فيما هم فيه مختلفون ، يشمل هذا جميع الأنبياء على قدم المساواة مع البشر .  

3 ـ لذا تجد مستويين من الخطاب : خطاب تشريعى حسب السلوك الظاهرى الذى يستطيع البشر الحكم عليه ، ومستوى غيبى لا يستطيع الحكم عليه إلا علّام الغيوب ، والذى مرجعيته له جل وعلا وحده يوم الدين . القاضى بين الناس لا يعلم سرائرهم وليس له أن يحكم على نواياهم ، هو يحكم على الظواهر ويطلب أدلة مادية مثبتة .

4 ـ الدولة الاسلامية كانت جزيرة مُحاطة بأعداء يتربصون بها من كل جانب ، وكانت مفتوحة لكل قادم بشرط أن يكون مسالما مأمون الجانب . بعض النساء هاجرن ، وكان هناك إحتمال وارد أن تكون هجرتهن للتجسس ، كان المطلوب هو إختبار ( أمنى ) لهن ، وليس اختبارا بإيمانها القلبى الذى لا يعلمه إلا الله جل وعلا . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) (10)  الممتحنة ) . نلاحظ هنا :

4 / 1 : أن الايمان القلبى ليس واردا فى هذا الامتحان لأنه لا يعلمه إلا الرحمن . المطلوب هو الايمان السلوكى بمعنى الأمن والأمان .

4 / 2 ـ الدخول فى الاسلام لا يعنى مطلقا الدخول القلبى خضوعا للخالق جل وعلا وتسليما له وإنقيادا لطاعته ، فهذا لا يعلمه إلا الذى يعلم الغيب والشهادة . و إنما هو الدخول فى السلام دين الله جل وعلا فى تعامل البشر فيما بينهم .

5 ـ عاش العرب فى غارات متبادلة وكانت لهم ( أيام العرب ) وأشعارهم فيها . ثم فى النهاية تركوا هذا الى السلام ودخلوا دين الدولة الاسلامية ورآهم النبى محمد عليه السلام يدخلون فيه أفواجا ، فقال له ربه جل وعلا : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) النصر ). محمد عليه السلام لم ير مافى قلوبهم من الاسلام القلبى من اخلاص الدين لرب العالمين ، لأنه عليه السلام لم يكن يعلم الغيب عموما ولم يكن سرائر القلوب خصوصا ، ويكفى أن المنافقين الذين مردوا على النفاق كانوا الأقرب اليه ولم يعرفهم ، إنهم الخلايا الجاسوسية النائمة التى أرسلتها قريش ، على أن تكتم نفاقها ، فإذا نجح محمد فى دعوته أسرعوا بقطف ثمار نجاحه بعد موته ، وهذا ما حدث فعلا بالخلفاء الفاسقين وصحابة الفتوحات ، وهو الذى أثّر فى تاريخ العالم بعد موت النبى محمد وتدمير دولته الاسلامية ، ولقد أخبر الله جل وعلا عنهم فقال : (  وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)  التوبة ). لم يكن النبى يعلمهم وهم الأقرب اليه ، وأخبر رب العزة جل وعلا بعذاب دنيوى مستقبلى لهم ثم ينتظرهم عذاب عظيم يوم القيامة . وقع هذا فى طاعون عمواس ومجاعة الرمادة عام 18 هجرية فى خلافة عمر بن الخطاب .  

6 ـ شريعة الدولة الاسلامية العلمانية تتطلب دليلا مثبتا فى إيقاع العقوبات سواء باعتراف صريح بلا أكراه ، أو بأدلة جازمة ( مثبتة ) ( مُبينة ) فىيما يمكن مشاهدته ، أو ( عالم الشهادة ) .

7 ـ شريعة الدولة الاسلامية العلمانية تتعرف على عدوها الخارجى بالسلوك الظاهرى ، بأنه الذى يهاجمها حربيا وعليها أن تدافع عن نفسها ، قال جل وعلا : (  وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)  البقرة ). فإذا انتهوا عن الاعتداء توقف الدفاع. ،  قال جل وعلا : ( فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) البقرة ).

8 ـ الدولة الاسلامية تتعرف على الفارق بين عدو يعتدى وآخر لا يؤمن مخلصا بالله جل وعلا لكنه سلوكيا لا يعتدى ، وبالتالى فطبقا للاسلام السلوكى يختلف التعامل ، قال جل وعلا : ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة ).

ثانيا :

إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بين الاسلام القلبى العقيدى والاسلام السلوكى بمعنى السلام

 1 :  المحمديون أفسدوا معنى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة .

الخلفاء الفاسقون مثل أسلافهم الجاهليين كانوا ( يؤدون ) الصلاة وبقية معالم ملة ابراهيم المتوارثة من حج وصيام ولكن مع تقديس البشر والحجر  وإقامة للقبور المقدسة فى المساجد . اضاف الخلفاء الفاسقون فسقأ أفظع ، هو إستخدام الصلوات الخمس فى أفظع الموبقات ، وهى الفتوحات وحروبهم الأهلية . لم ينقطعوا عن تأدية الصلوات الخمس أثناء حروبهم وسلبهم ونهبهم وسفكهم الدماء ، أى جعلوا تأدية الصلوات الخمس وسيلة لأفظع الآثام ، بل جعلوا الوالى على البلاد المفتوحة هو ( والى الصلاة ) ، وكان بناء المساجد أول ما يفعلون . وحتى الآن تجد الأكثر تدينا من المحمديين هو الأكثر فسادا فى أخلاقه وتعاملاته . وحتى الآن تجد أكابر المجرمين فى كوكب المحمديين يتنافسون فى إقامة المساجد بأموال السُّحت ، ويحتلون الصفوف الأولى فى صلاة الجمعة أمام الكاميرات . يتناسون أن :

1 / 1 : العبادات فى الاسلام هى مجرد وسائل للتقوى ، قال جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) البقرة ) .

1 / 2 : الصلاة وسيلة لاجتناب الفحشاء والمنكر ، قال جل وعلا عن إقامة الصلاة : ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت ).

  2 ـ قرآنيا : تختلف ( إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ) بين الاسلام القلبى العقيدى والاسلام السلوكى بمعنى السلام .

  2 / 1 : إقامة الصلاة والمحافظة عليها فى الاسلام القلبى العقيدى جاءت فى قوله جل وعلا : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) المؤمنون ) .

2 / 1 / 1 : المفهوم هو أنه ليس كل المؤمنين مفلحين يستحقون جنة الفردوس يوم الدين . المؤمنون المفلحون هم فقط الخاشعة قلوبهم أثناء صلواتهم ، والفاعلون فى زكاة أو تطهير قلوبهم ، الذين يجتنبون الفواحش ، والذين يراعون العهود . بهذا هم على صلاتهم يحافظون . وبهذا هم الوارثون للفردوس الخالدون فيها .

2 / 1 / 2 : المؤمنون سلوكيا فقط ليسوا مقيمين للصلاة وليسوا ممّن يؤتون الزكاة وطهارة القلوب .

2 / 1 / 3 : الذى يحكم على هذا هو عالم الغيب والشهادة ، وسيكون هذا يوم الحساب .

  2 / 2 : إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة يختلف معناها فى الاسلام السلوكى . إنها ببساطة تعنى التوبة عن الاعتداء الحربى دخولا فى السلام .

 بعد أن دخلت قبائل العرب فى الاسلام السلوكى أفواجا أصبحت قريش منعزلة ، فاضطرت الى الدخول فى الاسلام السلوكى بمعنى السلام والأمن والأمان . عقدوا عهدا مع النبى محمد عليه السلام ، ثم نقضوا العهد وإعتدوا ، وهمُّوا بإخراج النبى من مكة . نزلت سورة ( التوبة ) بالبراءة منهم ، ومنحهم الأشهر الحُرُم مهلة لهم ليتوبوا . ومعنى توبتهم هو الكفُّ عن العدوان ، وهذا هو ما يمكن مشاهدته والحكم عليه . قال جل وعلا : ( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ )( 5) التوبة )، ( لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) التوبة ).

أخيرا

الاسلام السلوكى بمعنى السلام هو جوهر علمانية الاسلام وجوهر شريعته. 

 

الفصل الثانى : قضية السيادة فىالعلمانية الاسلامية وما يترتب عليها

أولا :

  الانسان هو سيد هذا العالم الدنيوى.

1 ـ الله سبحانه وتعالى قد خلق كل هذا العالم للانسان، ليكون ذلك اختبارا لنا فى الحياة الآخرة. قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً   (7) هود   ) .

2 ـ العالم هنا يشمل السماوات والأرض وما بينهما أى الأرض بما فيها من نبات وجماد وحيوان ومن مادة وطاقة. ومابين السماوات والأرض يعنى كل الكون المادى من كواكب ونجوم و مجرات وسدوم، تبلغ المسافات بينها بلايين السنين الضوئية. وفى نفس الوقت فان تلك النجوم والمجرات ليست الا زينة للسماوات .إقرأ قوله جل وعلا عمّا بين السماوات والأرض :

2 / 1 : (  وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا )( 18 )(17) المائدة ).   

2 / 2  : (   رَبُّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) (5) إالصافات ).

2 / 3 : وعن الإحكام فى الدقة والتقدير إقرأ قوله جل وعلا :

 2 / 3 / 1 : (  تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك ).

2 / 3 / 2 : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2)  الفرقان )

2 / 3 / 3 : (  إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)   القمر )

3 ـ يرتعب العقل البشرى حاليا وهو يكتشف الدّقة والأبعاد الهائلة بين بلايين المجرات والثقوب السوداء والبيضاء ، وما أصبح يقال عنه العوالم الموازية ( 13 )، أو ما سبق القرآن الكريم بتسميته بالبرزخ ( برازخ ستة لأرضنا المادية يتخلل بعضها بعضا ثم تتخللها على التوالى برازخ السماوات السبع ) .

4 ـ وهذه كلها فى هذه الدنيا ، وهى ( اليوم الأول ) ،وسيتم تدميرها بقيام الساعة ليأتى اليوم الآخر بأرض بديلة وسماوات بديلة خالدة ، حيث سيكون لقاء  البشر بالرحمن جل وعلا : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ). وبيوم القيامة تنتهى سيادة الانسان فى هذا اليوم الأول ( الحياة الدنيا )، ويتعين عليه أن يلقى الله جل وعلا فى ( اليوم الآخر )  ليحاسبه عن حريته فى ذلك ( العالم / اليوم الأول ) الذى كان فيه سيدا ، وأخضع وسخّر له فيه كل وجميع ما فى السماوات والأرض ، قال جل وعلا : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) الجاثية ) .

5 ـ نعيد التأكيد بأن الله جل وعلا خلق كل هذا الكون الحالى المرئى منه وغير المرئى لمجرد اختبار الانسان فى هذه الحياة الدنيا. وحين ينتهى الوقت المعين لهذا العالم ويأتى موعد حساب الانسان ( القيامة ) يقوم الله تعالى بتدمير هذا الكون بالأرض والسماوات وما بينهما، ويخلق الله تعالى بدلا منها أرضا جديدة وسماوات جديدة خالدة لا تفنى بما فيها من جنة للفائزين ونار للخاسرين، وأن كل هذا الكون قد سخره الله جل وعلا للانسان بمعنى أن يكون الانسان سيد هذا العالم ، فالتسخير يعنى ان الله سبحانه وتعالى أخضع هذا الكون للانسان ليستغله كيف شاء، وهو مسئول عن ادارته لهذا الكون المسخر له. وموعد المساءلة هو يوم القيامة.

6 ـ ونضيف :

6 / 1 : إن حريةالانسان فى هذا الكون ومسئوليته عما يفعل تعنى "الأمانة "فى مصطلحات القرآن الكريم . قال جل وعلا : ( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) الأحزاب  ) .

6 / 2 : نفهم بهذا معنى الأمر الالهى للملائكة بالسجود لآدم . فبهم يدبر الله جل وعلا هذا الكون المادى والمرئى  خلال اليوم الأول ( يوم الدنيا ) وتصعد الملائكة بهذا الكون كله خلال ( اليوم الأول ) الى الله جل وعلا فى زمن متحرك ، طوله 50 ألف سنة بالتقدير الالهى ، قال جل وعلا : ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)المعارج ). أما تدبيره جل وعلا الأمور فى هذا اليوم الأول فبسرعة ألف عام بتقديرنا . قال جل وعلا : (  يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة )

7 ـ ونؤكد مجددا :  الانسان سيد هذا العالم خلال هذا اليوم الأول ، وفى زمن متحرك . ثم بقيام الساعة يأتى زمن الخلود ( اليوم الآخر ) وحساب هذا الانسان الذى ( كان ) سيدا فى اليوم الأول . فهل يفهم الانسان هذا ؟ وهل يفهم وحريته المطلقة فى هذا اليوم الأول ومسئوليته عنها فى اليوم الآخر ؟  

ثانيا :

لا سيد للانسان الا الله سبحانه وتعالى وحده :

1 ـ فى الوقت الذى يشاء معظم البشر أن يمتطيهم بشر مثلهم فى دول إستبداد علمانى أو دينى فإن مبنى العلمانية الاسلامية على أنه ليس فى الاسلام اله الا الله سبحانه وتعالى وحده، وليست هناك واسطة بين الانسان وربه جل وعلا، فهو قريب منهم إذا دعوه :( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي ) (186) البقرة )، هو الأقرب لهم : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) ق ). وحيث لا واسطة بين الناس ورب الناس فلا تقديس لبشر أو حجر . وبالتالى فليس فى الاسلام كهنوت ولا مؤسسة دينية أو دولة دينية .  فى الاسلام نرى الباب مفتوحا للتدبر فى القرآن الكريم ، لمن يكون راسخا فى العلم ، وليست لهم قداسة ، وآراؤهم بشرية تقبل الخطأ والصواب والنقاش  والرفض والقبول.

ثالثا :

بالتالى يترتب على ذلك :

   1 : كل البشر متساوون من حيث الانسانية ، فمعنى أن يكون الانسان عبدا للخالق وحده ان يتساوى البشر جميعا باعتبارهم عبيد الله سبحانه وتعالى وحده ، لذا فقد أكّد الله سبحانه وتعالى على المساواة التامة بين البشر فى النشأة والانتماء، فقد خلق البشر جميعا من أب واحد وأمّ واحدة ، أى هم اخوة ينتمون لنفس الأب ولنفس الأم، وقد جعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا لا لكى يتقاتلوا ، والتعارف يعنى المعرفة والصداقة ؛ معرفةالتنوع البشرى فى الجنس والعنصر واللغة والثقافة واللسان والاستفادة منه فى اثراء الحضارة الانسانية .

وهذا التعارف بمعنى الصداقة لا يكون الا بالاتصال السلمى والعلاقات السلمية.

وبعد المساواة بين البشر فى الأصل والانتماء أكّد الله تعالى على أن أفضل البشر عنده ليس بالثروة أوالجاه أو الجمال أو الشباب أو القوة والصحة أو الذكورة أو الأبيض أو الأسود أو الأعلم او الأذكى ، بل الأفضل عند الله تعالى هو الأكثر تقوى لله سبحانه وتعالى وهو يخاطب الناس جميعا فيقول : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)  الحجرات ) .

والتقوى تأتى نتيجة عمل الصالحات والايمان الخالص الذى يدفع ابن آدم للتمسك بالقيم الانسانية العليا.

2  : كل البشر السكان فى الدولة الاسلامية متساوون فى المواطنة باعتبارهم سكانا لها ، يملكونها على قدم المساواة . والوطن هنا ليس مجرد الأرض والنظام الحاكم بل إن الوطن أساسا هو الانسان المواطن ، والذى بدونه لا تكون الأرض شيئا مذكورا . يتقسّم الوطن على كل المواطنين بالتساوى ، بغض النظر عن الذكورة والأنوثة ، اللون والعرق والجنس ، الدين والملل والنحل ، المستوى الإقتصادى ، لا فضل لأحد على أحد . الأفضلية سيكون الحكم فيها لله جل وعلا ، ليس فى هذه الدنيا ، ولكن للخالق جل وعلا يوم الدين ، وهذا بعلم الله جل وعلا الذى هو الأعلم بمن إتقى: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)  الحجرات )  

3 ـ كل نظم الحكم المستبدة عدوة للاسلام العلمانى ، ليس فقط لأنها تقهر الانسان لصالح فرعون مستبد وقومه ،لكن أيضا لأنها تستعبد هذا الانسان وتجعله رعية مملوكة لمن يحكمه ويمتطى ظهره . ولا يتم لها هذا إلا بالتعذيب والارهاب والقمع ، أى بظلم مهما إشتدّ فهو أقل من ظلم أكبر هو إستعباد الانسان الذى إستخلفه الله جل وعلا فى هذه الأرض ، وسخر له ما فى السماوات والأرض ، أى جعل له السيادة ، ولم يجعل له ربا سواه جل وعلا.

المستبد العلمانى يزعم الألوهية لنفسه صراحة أو ضمنا . الأسوأ منه هو المستبد السياسى الكهنوتى فى الدولة الدينية الفرعونية ، والتى أرساها الخلفاء الفاسقون من أبى بكر ( الزنديق ) وإستمرت فى خلفاء بعده . هؤلاء الملاعين هم الذين جعلوا ظلمهم دينا  ، وأسموه ( الاسلام )، وبسببهم ضاعت حقيقة الاسلام العلمانية طيلة هذه القرون ، وتوارث المحمديون بكل ما يملكون من جهل لعن العلمانية وعداءها ، لا يعلمون انها هى الاسلام السلوكى فى التعامل بين الناس .

4 ـ حواجب الدهشة ترتفع حين نقول علمانية الاسلام . هذا أكبر دليل على ما نقول .

 

 التعليقات

بن ليفانت 

وجهة نظر
أولًا : مرة أخرى عن الإسلام السلوكي الذي جاء في المقال السابق. انتهز هنا الفرصة (ولست انتهازي) لأكرر رأيي في الموضوع، طبعًا مع التعرض لبعض ماجاء في المقال: "المؤمنون سلوكيا فقط ليسوا مقيمين للصلاة وليسوا ممّن يؤتون الزكاة وطهارة القلوب"، "إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة يختلف معناها فى الاسلام السلوكى . إنها ببساطة تعنى التوبة عن الاعتداء الحربى دخولا فى السلام" .

لو كانت هنا إقامة الصلاة وايتاء الزكاة تعني التوبة فقط، فعندي سؤال: كلمة التوبة جاءت مباشرة في الآية فلماذا إذًا "إقامة الصلاة وايتاء الزكاة"؟ وتكرار كلمة التوبة – ربما كيف تكون التوبة (بالصلاة وايتاء الزكاة).
 ثم هناك شي آخر مهم: بالنسبة للمشركين جاءت الآية 11 من سورة التوبة مع ذكر إقامة الصلاة وايتاء الزكاة ( فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) بينما لم تأتي العبارة في الآية 29 التي تخص أهل الكتاب، بل جاء عوضًا عنها عبارة "يعطوا الجزية" ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ‎﴿٢٩﴾. لماذا لم تأتي هنا عبارة "الصلاة وايتاء الزكاة"، فيصبحون تبعًا لريأيكم "مسلمون سلوكيًا" بمعنى مسالمون. أنا أعتقد أن طلب الصلاة وايتاء الزكاة من مشركي مكة، الذين نكثو بعهودهم، هو طلب استثنائي لأنهم كانوا يدَّعون الاسلام، أو ربما لسبب آخر، لكني لست مقتنعًا بأنها تعني التوبة ولو طفت حول كعبة المنطق سبعة أشواط.
كلمة أخيرة مختصرة: بودي لو كان معكم حق ولو كنت مقتنعًا بذلك.

أحمد صبحى منصور

شكرا استاذ بن ليفانت وأقول :

1 ـ نحن نكتب وجهات نظر تقبل المناقشة والتصحيح ، ولا نزعم الحق المطلق ، إنما هو ما نفهمه من تدبرنا فى القرآن الكريم .

2 ـ واضحت وجهة نظرى وهو أن الاسلام السلوكى بمعنى السلام والأمن هو ما يمكن للبشر الحكم عليه فى حياتهم الدنيا. الاسلام القلبى غيب والذى يحكم عليه هو علام الغيوب يوم القيامة . ومن الاسلام السلوكى توبة المعتدين عن العدوان ، وهى إقامتهم الصلاة وإيتاؤهم الزكاة . أما عن إقامة الصلاة وايتاء الزكاة وتزكية النفس بالتقوى بالمحافظة على الصلاة التى تنهى عن الفحشاء والمنكر فجزاؤها الخلود فى الفردوس كما جاء فى أوائل سورة المؤمنون .

3ـ أهل الكتاب المعتدون جاء توصيفم فى أوائل الآية 29 من سورة التوبة . توبتهم بترك هذه الصفات والتوبة   رجوعا للسلام .  .

 

 

الفصل الثالث :  بين ( ضنك ) العلمانية  الدنيوية و( سعادة ) العلمانية الاسلامية

أولا :

( ضنك ) العلمانية  الدنيوية

الدولة الدينية ضنك لا حدود له . نتوقف مع نوعى الدولة العلمانية : العلمانية المؤمنة للدولة الاسلامية ، والعلمانية الدنيوية السائدة فى العالم اليوم ، ونرى موقع كليهما من السعادة أو الضنك .

  1 ـ العلمانية الشيوعية:

1 / 1 :  تسحق الفرد لمصلحة المجموع ، ويتكشف الأمر على أن المجموع ليس سوى القائد الأعلى الذى احتكر السلطة والثروة والمجتمع ، أما بقية المجتمع فأغلبهم يعيش على الكفاف ، وممنوع عليه التعبير . فى النهاية فشل الاتحاد السوفيتى وسقط بدون طلقة رصاص ، بسبب فشله فى تنافسه مع أمريكا .

1 / 2 : علمانية بلا أيدلوجية . ورث الاتحاد السوفيتى فى آسيا الوسطى شيوعيون كانوا فى السلطة فغيروا رداءهم ، واستمروا فى الحكم الاستبدادى الفاسد بلا أيدلوجية ، مستخدمين نفس أدوات القهر .

1 / 3 :  ينافسهم فى الفساد والاستبداد فراعنة المحمديين العلمانيين . يشتركون جميعا فى النفاق السياسى ، يرفعون شعارات مختلفة ( الوطن / الأمة / القومية  )، والفرعون الفرد هو الوطن والقوم  والأمة . أمّا الشعب فهو مملوك للفرعون الذى يملك الأرض ومن عليها .  

2 ـ العلمانية الغربية الديمقراطية النيابية التمثيلية الرأسمالية ( الولايات المتحدة الأمريكية ):

2 / 1 : على مستوى القمة :

تتركز الثروة فى عدد من الأشخاص ، وهم الذين يديرون المشهد السياسى . المنافسات الانتخابية عالية التكاليف ، ولا بد للطامح سياسيا من متبرعين له ، ويكون عليه ردّ الجميل ،   . الذى ينجح ويخرج عن السياق تتم إزاحته بالاغتيال ( لينكولون ، جون كيندى ) أو بالهزيمة ( كارتر ، ترامب ) . الذى يسير على الخط المرسوم يبقى مدتين حتى لو كان من الملونين ( أوباما )

2 / 2 : الطبقة المتوسطة :

المفترض أنها دعامة النظام الرأسمالى من أصحاب المشروعات الصغيرة من مزارع ومصانع ومتاجر ..الخ . هؤلاء فى سباق محموم وتنافس فيما بينهم بين توسيع ( البيزينيس ) والخوف من الخسارة . فى خضم هذا التنافس الذى لا يرحم يظل يجرى لا يلتفت خلفه ، كالذى يلهث خلف أتوبيس مسرع يريد أن يقفز اليه ولا يستطيع ، وفى نفس الوقت لا يستطيع التوقف خوف أن يدهسه الأتوبيس القادم خلفه .

2 / 3 : الطبقة العاملة :

يستنزفها صاحب العمل الساعى للربح بكل المُستطاع . يستخدم صاحب العمل العامل  ويستغنى عنه حسب مصلحته دون أى إعتبارات إنسانية .

2 / 4 : الفرد عموما :

2 / 4 / 1 : يتربى الفرد على أساس الاستقلالية والأنانية ، سرعان ما يترك أسرته ويبحث عن أسرة بديلة مصطنعة فى النوادى والتجمعات ،ممّا يوهن من الترابط الأُسرى . الحصول على عمل له الأولوية ، والاحتفاط به هو كل المسئولية . فى مجتمع إستهلاكى يدمن الفرد فيه على الشراء ـ حتى بدون حاجة ـ يكون التقسيط هو الحل . يعيش فى بيت بالتقسيط ويركب سيارة بالتقسيط ويشترى الأساسيات بالتقسيط معتمدا على راتبه الشهرى ، ويظل طيلة حياته يدفع أقساط البيت وغير البيت . إذا أدمن المخدرات ( وهذا شى معتاد ) أو خسر عمله ( وهذا شىء وارد ) خسر بيته ، وأصبح فى الشارع بلا مأوى . وتمتلىء المدن الكبرى بناطحات السحاب وبملايين المشردين المتسولين ، من الجنسين ؛ منهم الشباب ومنهم كبار السّن . طبعا هناك بعض الرعاية الاجتماعية ، ولكنها لا تكفى .

2 / 4 / 2 : فى التنافس على الرزق فى المستوى الأدنى والتنافس على الثروة والسلطة فى المستوى الأعلى ومع توارى الوازع الأخلاقى يصبح الوصول للهدف مشروعا بأى طريقة. المهم أن تصل وأن تنجح ، وليس مهما كيف ، وليس مهما مصلحة المجتمع أو المجموع ، وليس مهما عدد الضحايا . الدين العملى هو البراجماتية ( فنّ الحصول على المنفعة ) ، والقاعدة الذهبية أن الغاية تبرر الوسيلة بغض النظر عن مطابقتها أو مخالفتها للقانون . والقانون لا يعنى العدل ، وهناك محترفون فى التحايل عليه بطرق قانونية ، وفى النهاية فالفجوة موجودة بين نصوص القانون وإنفاذه وتطبيقه .  والخاسر لا يجد مجتمعا يحنو عليه أو ينتشله .

3 ـ تشترك كل المجتمعات العلمانية فى ( الضّنك ) . حتى على مستوى أهل القمة وأكابر المجرمين . فكلما إرتفع أحدهم زادت همومه وعايش القلق ، وما يرتبط به من آلام جسدية ونفسية . ربما ينام بمنوم ويصحو على مهدّىء . السبب فى المنافسة والمكايد والتآمر . برغم الرفاهية المظهرية والحشود والأتباع والجنود فإن الفرعون يعيش المعادلة الصفرية ، إما أن يبقى فى السلطة أو يهوى فى الحضيض . لا يأمن أحدا ، ولا يثق فى أحد . يتآمر ويتوهم الجميع يتآمرون عليه . فى حياة كهذه يصطنع الابتسام ويخفى المرض والقلق ويدارى ويوارى ويناور وينافق .

4 ـ ( الضنك ) هو العنوان المناسب للعلمانية الدنيوية .  نتذكر قوله جل وعلا عمّن تشغله هذه الدنيا عن ربه جل وعلا : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) طه ).

ثانيا :

راحة البال والإطمئنان فى العلمانية الاسلامية التى ينبغى أن تتحصّن بالايمان

1 ـ العلمانية الاسلامية تجعل الأسرة هى اللبنة الأولى للمجتمع ولذلك فان التفصيلات القرآنية لم تأت إلا فيما يخص الأسرة حتى تتأسس فى جو صحى.وحتى ينشأ فى ظلها أفراد أصحّاء.

2 ـ ومع ذلك :

2 / 1 : فإن القرآن الكريم يوازن بين الفرد والمجتمع ، فالانسان يولد فردا ويموت فردا ويأتى يوم القيامة للقاء ربه فردا ، ولا ينفعه ولا يضره يوم الحساب الا عمله ان كان صالحا أو فاسدا ، وفى كل الأحوال فان عمل صالحا فلنفسه وإن أساء فعلى نفسه ، ولن ينفع الآخرين يوم القيامة ، كما أنه ليس مسئولا عن أوزار غيره ، فليس له إلا ما سعى أثناء حياته : ( الانعام 94 ) ( مريم  80 ) ( فصلت 46 ) ( الاسراء 15 ) ( فاطر 18 ) (   النجم   39 ـ )

2 / 2 ـ هذا الانسان الفرد مطالب فى الاسلام بالعمل الصالح النافع للمجتمع ، وأن يكون متقيا لله سبحانه و تعالى بمعنى أن يكون مخلصا فى عقيدته لله تعالى وأن يكون فاعلا بالخير للناس ، وأن يكون آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر ليس بمعنى التسلط ولكن بالنصيحة .

2 / 3 ،  وبالتالى :

2 / 3 / 1 : لا بد أن يكون هو قدوة للآخرين ، وإلا كان من الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ( البقرة  44) و كان من الذين يقولون ما لا يفعلون وتلك خطيئة تستوجب مقت الله تعالى (  الصف  2 ـ3 ) .

2 / 3 / 2 : فالفرد مع مسئوليته الشخصية أمام الله تعالى فان من ضمن مسئوليته أن يكون عنصر خير فى المحيط الذى يعيش فيه بدءا من أسرته وزوجته واولاده ووالديه وأقاربه وجيرانه و محيط عمله الى المستوى الأعم الذى يشمل كل المجتمع والانسانية.

3 ـ التنافس هو سبب الشقاء والضنك فى العلمانيات الدنيوية ، لأنه على حُطام الدنيا الزائل . هذا التنافس هو فى الخيرات فى العلمانية الاسلامية .

3 / 1 : وجاء التعبير عنه :

بالمسارعة الى رضا الله جل وعلا فى الدنيا ليفوز بالجنة فى الآخرة . قال جل وعلا : (  وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران )

3 / 2 : بالتسابق للحصول على رضى رب العزة جل وعلا فى الدنيا ليفوز بالجنة فى الآخرة ، قال جل وعلا :

3 / 2 / 1 :(  سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)  الحديد )

3 / 2 / 2 : (  وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)  البقرة ) أى التسابق فى الخير

3 / 2 / 3 : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)   المائدة ). أى إنه مع إختلاف العقائد فالواجب التنافس فى الخير .

3 / 2 / 4 : الأمربالتعاون على البرّ والتقوى .  قال جل وعلا : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)  المائدة ). لاحظ التهديد بالعقاب الالهى إن لم يتعاونوا على البر والتقوى .

3 / 3 : كل ما سبق هو فيما يفعله الإنسان بإرادته الحرة ، وسيكون مسئولا عن حريته وعمله يوم الحساب . هناك حتميات مقدرة سلفا ومكتوبة ولا فرار ولا مهرب منها . هذه الحتميات ( القضاء والقدر ) لا حساب عليها ، وعلى الانسان أن يتقبلها برضى ، لا يفرح بها ّ ولا يحزن ، بل يقف منها موقفا متوازنا . قال جل وعلا : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد ).

3 / 4 : هنا تكون راحة البال فى الدنيا . قال جل وعلا : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) محمد ).

3 / 5 : هذا لأن العلمانية هنا فيها ذكر الله جل وعلا والايمان بالآخرة .

قارن بين قوله جل وعلا عن الاطمئنان القلبى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)  الرعد )وقوله جل وعلا عن ( الضنك ) : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) طه ).

التعليقات

يحيى فوزى نشاشبى 

قال جل وعلا : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد ). رائع  ودمتم  موفقين- والسؤال: إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ، الضمير ( نبرأها)  يرجع  إلى ؟  وشكرا.

أحمد صبحى منصور

شكرا استاذ يحيى ، وأكرمك الله جل وعلا

الله جل وعلا هو البارىء . والبارىء يعنى الخالق ، وهو جل وعلا خالق الموت والحياة ، فالموت مخلوق فينا ، وبيده جل وعلا حتميات الولادة والموت والرزق والمصائب . وهى مكتوبة مقدرة قبل أن تنزل باصحابها . وفى ليلة القدر ينزل الروح جبريل بالأقدار للعام التالى . و ( بالتالى ) فالمؤمن يجب أن يتخذ موقفا محايدا لما يحلُ به من حتميات ، لا يغتر بها إذا كانت خيرا ولا يحزن إذا كانت شرا.    

 

 الفصل الرابع :

العلاقات الخارجية للدولة الاسلامية العلمانية

أولا :

من الناحية النظرية :

الأساس هنا أن الدولة الاسلامية لا بد أن تجمع بين صفتين : أن تكون قوية عسكريا ، وأن تكون مسالمة . بقوتها تحمى نفسها وتردع من يطمع فى الاعتداء عليها . وهذا الردع يأتى بمعنى الارهاب فى قوله جل وعلا : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)  الأنفال ).

من الناحية الواقعية فى عهد النبى محمد عليه السلام :

1 ـ قبل أن تستعد دولة النبى محمد عليه السلام حربيا كما جاء فى الآية 60 من سورة الأنفال ، إلتزم المؤمنون بكفّ اليد وتحمُّل الغارات القرشية عليهم . إذ إعتادت قريش الاغارة عليهم فى المدينة ليردوهم عن دينهم . نفهم هذا من قوله جل وعلا : ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا ) (217)  البقرة )، فلمّا إستكملوا الاستعداد العسكرى نزل فرض القتال ، قال جل وعلا :

1 / 1 : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ )(40) الحج ).

1 / 2 : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)  البقرة ).

2 ـ  المسلمون بالاسلام السلوكى والذين يخشون الحرب كرهوا الأمر بالقتال ، قال جل وعلا : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216)  البقرة ) ، وبعضهم طلب مُهلة ، قال جل وعلا عنهم : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) النساء ).

من الناحية الواقعية فى عصرنا :

1 ـ الشعب الذى يقع تحت إحتلال ظالم لا يستطيع مقاومته حربيا عليه المقاومة السلمية ، فللضعف قوة تؤثر فى القوى ، وبقوة الضعف يحصل على إستقلاله وحقوقه . حدث هذا مع غاندى فى الهند ، ومع مارتن لوثر كنج وحقوق الأمريكيين الأفارقة ، ومع نيلسون مانديلا فى جنوب أفريقيا . كلهم كفّ اليد عن العنف ، وجاهد سلميا مستعملا قوة الضعف ، ونجح ، ودون أن يدرى طبّق الأمر الاسلامى .

2 ـ المحمديون المتطرفون ـ وهم الأكثر غباءا وكفرا ـ لم يطبقوا هذا . لجأوا للعنف فى مواجهة قوة أكبر وأعتى . عجزا منهم عن مواجهة الجيوش لجأوا الى قتل المدنيين عشوائيا ، أو ما يسمى حاليا بالارهاب .

2 / 2 : الفلسطينيون أشهر من ارتكب ذلك بخطف الطائرات والعمليات الانتحارية بزعم ان الحور العين تنتظر المجرم الذى يفجّر نفسه . وتطوّر الأمر ب ( حماس ) التى يتركز جهادها فى جعل المدنيين ينتحرون رغم أنوفهم ، إذ تتخذهم دروعا بشرية تضرب وتختفى بينهم وتجعلهم عرضة للقصف الاسرائيلى ، تجهز لها الأنفاق وتجعل مداخلها تحت المستشفيات والمساجد ، تحريضا لاسرائيل على قتل من يلجأ لها . فى نفس الوقت ترفض حماس أن تنشىء ملاجىء لأهالى غزة يحتمون فيها من القتل . والنتيجة عشرات الألوف من القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ فى بضعة أسابيع ( حتى الآن ) ، وهو أضعاف أضعاف القتلى من الأطفال فى أوكرانيا ، والتى يواصل بوتين تدمير مدنها خلال سنوات ، ولكن دولة أوكرانيا جهزت ملاجىء للأهالى .

2 / 3 : ومن المضحك أن الهند التى حررها غاندى بطريقته السلمية إنفصل عنها المحمديون ، وتكونت بهم باكستان ، بجزء شرقى وجزء غربى ، وبينهما بُعدُّ ساحق ، وكانت السيطرة لباكستان الغربية ، والتى يغلب عليها الدين السنى الوهابى ، بينما تدين باكستان الشرقية بالتصوف الذى يعتبره الوهابيون كفرا . أقام الجنرال محمد أيوب خان مذبحة فى باكستان الشرقية وصل ضحاياها الى نحو 3 مليون شخص من المدنيين ، سارعت أنديرا غاندى رئيسة الهند بنجدتهم ودخلت فى حرب مع باكستان الغربية إنتهت بهزيمة باكستان الغربية وإستقلال باكستان الشرقية تحت إسم بتجلاديش . إحتكرت باكستان الغربية إسم باكستان لنفسها ، وحملت فى داخلها الدين الوهابى ، وحتى الآن لا تزال التفجيرات فيها خبرا عاديا ، وتنال المساجد والمستشفيات ، وفى منطقة بيشاور بين باكستان وافغانستان تعلم الطلبة الجهاد الباكستانى فأصبحوا ( طالبان ) ، وما أدراك ما طالبان .!

ثانيا :

عن التعامل مع الدول الأخرى :

1 ـ هو وفق الاسلام السلوكى بمعنى السلام ، وهو أيضا أساس التعامل داخل الدولة الاسلامية ، واساس المواطنة فيها ، فكل السكان فى الدولة الاسلامية هم المُسالمون فيها ، وهم مالكو الدولة . أما ما يخض العقائد والعلاقة بالخالق جل وعلا فمرجعه لرب العزة جل وعلا ( يوم الدين ).

2 ـ هناك دولة مخالفة فى الدين ولكن مُسالمة . وهنا يجب التعامل معها بالبرّ والقسط . قال جل وعلا : ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) الممتحنة ).

3 ـ هناك دول كافرة سلوكيا بالاعتداء والتعدى . يكون تحاشى إعتدائهم بعقد معاهدات معهم لحقن الدماء . وبينما يتوجب على الدولة الاسلامية الوفاء بالتعهدات فإن نقضها يأتى من الطرف الآخر . وتعرض القرآن الكريم لهذا فى سياقات شتى . قال جل وعلا :

3 / 1 : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) الانفال ). أدمنوا على نفض العهود والاعتداء . لذا يجب مواجهتهم بحزم ليكونوا عبرة لأمثالهم .

3 / 2 : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) الانفال ). هنا دولة تضطهد داخلها المؤمنين فى الدين ، يستغيثون بالدولة الاسلامية ، فإن كان هناك معاهدة عدم إعتداء فلا يجوز للدولة الاسلامية أن تنتصر للمؤمنين المضطهدين داخل هذه الدولة الكافرة . بالتالى فعلى المؤمنين فيها أن يبذلوا جهدهم فى الهجرة للدولة الاسلامية لتحميهم .

3 / 3 : ( إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90) النساء ). جاء هذا فى سياق التعامل مع الأعراب المنافقين وتقلباتهم ( النساء 88 : 91 ). منهم من إعتزل القتال الهجومى   وكانت له علاقة سلمية بمن عقدت الدولة الاسلامية معهم معاهدة سلام ، وسالموا ـ أيضا ـ الدولة الاسلامية . هؤلاء يحرم على المسلمين قتالهم .

3 / 4 : ( كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12) التوبة ). المشركون المعتدون إذا عقدوا معاهدة سلام فيجب على المسلمين الالتزام بها طالما هم ملتزمون بها. إن نكثوا العهد وطعنوا فى دين السلام بالاعتداء فيجب قتالهم دفاعيا .

ثالثا :

 على المستوى الواقعى فى عصرنا :  

1 ـ الأخبار السيئة تأتى من الدول المعتدية ، ورؤساؤها بسبب هذا هم المشاهير . وهناك دول مسالمة تعيش فى سلام داخلى ، وتعيش فى سلام مع جيرانها وغير جيرانها . تجد هذا فى دول استونيا ولاتفيا ولتوانيا والسويد والنرويج والدانمارك وهولندة وبلجيكا وسويسرا  ولوكسمبرج وكندا .. قلّما يعرف أحد حُكام هذه الدول . هذه هى الدول المسلمة فى عصرنا .

2 ـ هل مستحيل أن تتحارب هذه الدول ؟

فى الحرب العالمية فُرضت الحرب على بعضها فحاربت دفاعيا . وهذا نفس ما حدث مع دولة النبى محمد عليه السلام .

3 ـ هل مستحيل أن تتحارب دولتان مسالمتان ؟ وإذا تحاربتا فما هو الحل ؟

ممكن أن تقع نزاعات بسبب الحدود أو غيرها . وقرار الحرب صعب فى دولة ديمقراطية ، ولكن قد يوافق البرلمان على حرب إذا كان هناك إعتداء أو ظُلم واضح بيّن لا يوقفه إلا الحرب . ووصل نُضج البشر الى تكوين عُصبة الأمم لحل الخلافات سلميا ، وكان هذا نتيجة لمعاهدة فرساى بعد الحرب العالمية الأولى . وانتهت عصبة الأمم عام 1946 بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية ، وتكونت ( الأمم المتحدة ) أكثر نضجا من سابقتها ، ولكن لا بد من أن تساير العصر بنضج أكثر وعدل أكثر يوقف هيمنة القوى الكبرى المعتدية ، ويجعل للأمم المتحدة وأجهزتها سُلطة أكبر فى عقاب الدول المعتدية مهما كانت قوتها .  

4 ـ المواثيق الدولية لحقوق الانسان هى أقرب كتابة بشرية للاسلام وشريعته . وحتى فى القتال بين دولتين مسالمتين جاء التشريع الخاص به فى القرآن الكريم ، قال جل وعلا : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) الحجرات ) فى حالة إقتتال بين دولتين مسلمتين فلا بد من تدخل دولة ثالثة بالاصلاح . إذا تبين بغى إحداهما فيجب قتال الدولة الباغية حتى ترجع عن بغيها ، ويتم الصلح بينهما ليعودوا أُخوة . هذه الدولة الثالثة يمثّلها فى عصرنا الأمم المتحدة ، ليس بحالتها الآن ولكن بتعديل يجعلها أكثر قوة وحزما ، بحيث تمثّل الضمير العالمى للانسانية . 

   

 

 

 

 

   

الفصل الخامس :  التناقض بين الدولتين: الإسلامية والدينية      

 

مقدمة :

1 ـ نضطر لهذا لأن الدول الدينية فى كوكب المحمديين تتمسح بالاسلام ، بل قد تجعل هذا فى إسم دولتها مثل ( الجمهورية الاسلامية ) فى إيران ، ويضع الساعون للحكم الاسلام لافتة وعنوانا ، يزعمون أنهم ( الاخوان المسلمون ) ( حركة المقاومة الاسلامية ) ( داعش : الدولة الاسلامية للعراق والشام )  ( حزب الله ) ( أنصار الله )..الشريعة التى يحكمون بتطبيقها أولئك أو التى يطبقونها فعلا تناقض الاسلام ، ولكن يتم تطبيقها بسفك الدماء لضحايا معظمهم من الأبرياء . لا يقتصر الأمر على هذا ، بل تجد المستبد العسكرى ( كما فى مصر ) أو الحزبى ( كما فى سوريا والعراق وليبيا ) لا يتردد فى إستخدام إسم الاسلام . هذا جعل الخلط شائعا بين دولة الاسلام والدولة الدينية .

2 ـ هنا نناقش سريعاً التناقض بين الدولة الإسلامية فى عصر النبى والدولة الدينية فى العصر العباسى وما تلاه.

أساس التناقض بين الدولتين: الإسلامية والدينية:

1 ـ سبق ابن خلدون فى الإشارة إلى الاختلاف بين الدولة الدينية والدول التى نعرفها الآن بالعلمانية، ففى فصل فى المقدمة بعنوان "معنى الخلافة والأمامة" يقسم النظام الملكى إلى نوعين وهما الملك الطبيعى وهو الذى يحكم بالهوى والشهوة، ويراه فجوراً وعدواناً، والملك السياسى وهو الحكم بالعقل فى جلب المصالح ودفع المضار. ويراه أيضاً مذموماً لأنه على حد قوله : ( ينظر بغير نور الله ) . أى يحكم بغير الشريعة .! وفى النهاية يرى ابن خلدون أن نظام الخلافة هو الأفضل، لأنه إرغام الكافة بالشرع للنظر فى مصالحهم الدنيوية والأخروية "أى هى خلافة عن صاحب الشرع فى حراسة الدين وسياسة الدنيا به".

باختصار يرى ابن خلدون أن أساس الدولة الدينية هو إكراه الناس فى الدين وإلزامهم بإقامة الشرع، ليس شرع الله سبحانه وتعالى الحقيقى ولكن الشرع الذى يكتبه فقهاء السلطة الاستبدادية. ومع انه يعترف بأن هدف الدولة غير الدينية العاقلة ( أى الدولة العلمانية بتعبيرنا ) هو جلب المصالح للناس ودفع الضرر عنهم إلا إنه باعتباره قاضياً شرعياً ينحاز للدولة الدينية التى يعيش فى كنفها ويسيطر عليه تراثها، ويرى الدولة العلمانية شيئا مذموما لا تنظر بنور الله سبحانه وتعالى  .

2 ـ ونحن هنا نختلف معه ومع الآخرين. فليس إدخال الناس الجنة وهدايتهم إلى الحق هو الأساس فى إقامة الدولة الإسلامية أو من مهامها ومسئوليتها. لأن الهداية مسئولية شخصية لكل إنسان . قال جل وعلا : ﴿مّنِ اهْتَدَىَ فَإِنّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلّ فَإِنّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ﴾ (الإسراء 15) بل إن الهداية ليست وظيفة النبى حتى حين كان حاكماً، يقول سبحانه وتعالى له : ﴿لّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾ (البقرة 272) ويقول له:  ﴿إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ (القصص 56) ويقول له يؤكد عدم الإكراه فى الدين : ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ﴾ (البقرة 256) ﴿أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّىَ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس 99).

3 ـ الحرية والعدل هما أساس الدولة الاسلامية . والدولة الدينية التى كان ابن خلدون أسيرا لها لم تعرف العدل ، ولم تكن فيها حرية . الفرعون المستبد ـ خليفة كان أو سلطانا ـ كان أعتى وأشرس أكابر المجرمين ، كان الأظلم للناس ، والأظلم لرب العالمين ، حيث كان يقتل الآلاف باسم الاسلام ، وهو أعدى عداء الاسلام . وينتشر هذا الإفك على أنه الاسلام ، وأن الدولة الدينية هى الدولة التى تحكم بنور الله ـ تعالى عن ذلك علوا كبيرا . هذا الإفك وقع ضحية له عالم فريد هو ( عبد الرحمن بن خلدون ) فى مقدمته . فإذا كان هذا حال العبقرى إبن خلدون فماذا عن الأميين محترفى الكتابة فى عصرنا الردىء ؟!

4 ـ إن القسط بين الناس هو اٍلأساس فى إقامة الدولة الإسلامية . القسط هو العدل .وهذا متعلق بالحقوق .

4 / 1 : هناك حق الله جل وعلا وحقوق الانسان .  حق الله سبحانه وتعالى هو الإيمان به جل وعلا وحده وعبادته وحده والتمسك بكتابه وحده . والناس هنا أحرار ، وصاحب الحق جل وعلا هو الذى سيحاسبهم علي هذا الحق يوم الحساب ، وفى النهاية فهى مسئولية فردية شخصية ، وكل فرد سيؤتى به للحساب . قال جل وعلا : ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95)  مريم ) .

4 / 2 : حقوق الأفراد والمواطنين فى هذه الحياة الدنيا هى مسئولية الدولة فى هذه الدنيا. قد تكون الدولة مملوكة لفرعون والملأ التابع له ، أو أن تكون الدولة مملوكة للشعب بالعدل والقسط بين الناس / المواطنين .

5 ـ والله سبحانه  تعالى يقول : ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ (الحديد 25) أى أن الهدف الأساس من إنزال الكتب السماوية وإرسال الأنبياء والرسل هو أن يقيم الناس القسط في التعامل فيما بينهم.

والقسط نوعان :

 4 / 1  ـ  القسط أو العدل فى التعامل مع الله تعالى بحيث لا نشرك به أحدا، والله تعالى يقول ﴿إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (لقمان 13). والحكم فى هذا الموضوع مرجعه لله تعالى يوم القيامة فى كل ما يخص تصورات البشر عن ربهم جل وعلا، يقول سبحانه وتعالى :

4 / 1 / 1 :  ﴿قُلِ اللّهُمّ فَاطِرَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ (الزمر 46) .

 4 / 1 / 2 : (  هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)  الحج )

4 / 2  ـ أما النوع الثانى : فهو القسط أو العدل فى التعامل مع البشر، وذلك يستلزم تأسيس الناس نظام حكم سياسى دنيوى ، ويقدر نجاح ذلك النظام فى إقامة العدل تكون إسلاميته، وذلك معنى قوله تعالى ﴿لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ ، أى ليقوم الناس جميعا من الرجال والنساء بالتعاون والترابط بينهم فى تحقيق هدف واحد هو العدل والقسط . البديل هو ( الحديد ) أى السلاح . يقول جل وعلا : (  وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ، أى إن الله جل وعلا  ( أنزل ) الميزان كتابا إلاهيا نزل على كل الرسل ليقوم الناس بالقسط ، وأيضا ( انزل ) الحديد ، وهو المادة الأساس فى صناعة السلاح . وعلميا فإن الحديد نزل لتتكون منه الأرض . إن أقام الناس القسط كما أمر الرحمن جل وعلا ففى الدولة سلام ورخاء . يحدث الفساد والظلم وسفك الدماء إن قامت فئة أو مجموعة لتأسيس دولة ما أو إقامة نظام حكم ونجحت بالقوة وسفك الدماء فى فرض هذا على البقية من الناس ، فهى دولتهم الظالمة التى يملكونها ، وحظُّ بقية الناس أن يكونوا ( رعية ) مملوكة للأقلية الحاكمة . وهذا الظلم قد يدفع للثورة ، ولو قام بهذه الثورة مجموعة أخرى فسيتكرر نفس الطغيان ، وستسيل أنهار أخرى من الدماء . ليس هناك حل سوى أن يقوم الناس جميعا وباخلاص شديد لتأسيس دولة العدل والقسط . هذا التلاحم بين الشعب كله فى سبيل العدل مستحيل تحقيقه إلا بتوعية تشمل الجميع ، وإحساس عام بأن الظلم يؤدى الى سفك الدماء ، وأنه طالما لا يوجد عدل فلا يوجد سلام .  هذا الوعى الجمعى بأهمية العدل لا يتحقق بين عشية أو ضحاها ، بل يلزمه نضال أو جهاد إسلامى بالكلمة والدعوة يقوم به أفراد ضد إرادة المستبد وقومه ، بل ضد إرادة الأغلبية من الشعب التى قام المستبد بتغييب وعيها وغسيل مُخّها، لذا يتعرض دعاة العدل والاصلاح للاضطهاد من المستبد ويتمتعون بسخط الأغلبية المقهورة المغيبة . إنهم المقصودون بقوله جل وعلا : ( وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ  ). بإصرارهم تنتشر دعوتهم ، ويحدث تحوُّل تدريجى ، بطىء ولكن متحرك . وبزيادة الدعاة وانتشار الدعوة يصل المجموع الى أنه لا سبيل للسلام والتقدم إلا بالتوافق على إقامة دولة القسط والعدل ، وفيها يعيش الحاكم السابق بعد قضاء مهمته آمنا مطمئنا فى شيخوخته .

 5 ـ فى دولة القسط الاسلامية تهدف العقوبات أساساً لحقوق العباد أو حقوق الإنسان فى الحياة والمال والعرض والشرف. ومن إقامة القسط تتفرع كل حقوق الفرد وحقوق المجتمع والتوازن بين العدل والحرية فى منظومة رائعة نتعرض لها لاحقا .

6 ـ أما فى الدولة الدينية فالأمر مختلف.

بعيدا عن رذيلة التمسح بالاسلام فكل دولة دينية تتبنى ديناً أرضيا أو أحد المذاهب المتفرعة من ذلك الدين الأرضى كالوهابية المتفرعة من الدين السنى و الاثناعشرية الحاكمة فى ايران وهى متفرعة من الدين الشيعى . وكل دولة دينية ترغم الناس على قبول  دينها الأرضى أو مذهبها الرسمى وتستخدمه فى تدعيم سلطتها، وفيها يتمتع الحاكم وحده بالسلطة والثروة ويعاونه رجال الدين فى اخضاع الشعب لاستبداده ، بحيث يصير انتقاده خروجاً على الدين. وبطبيعة الحال تعاونه قوة عسكرية يستخدمها لارهاب الناس ، وبالكهنوت الدينى والعسكر يصير الحاكم المستبد المتأله فى اعتقاد الناس متحكماً فى الدين والدنيا والآخرة . وبينما يكتفى الاستبداد العادى بقتل المعارضين فإن الاستبداد فى الدولة الدينية يصادر حق الخصوم فى الدنيا وفى الآخرة أيضاً ، اذ يقتلهم باسم الشرع متهما اياهم بالكفر وحد الردة، ويزعم انهم أيضا من أهل النار منتزعا سلطة الله سبحانه وتعالى فى الآخرة بعد أن انتزع سلطة الشعب فى الدنيا. وكل ذلك تحت لافتة الشرع وإقامة الدين. وفى ذلك ظلم عظيم لله سبحانه وتعالى ورسوله ودينه.

7 ـ وهذه هى خلاصة التاريخ الواقعى للدول الدينية فى الشرق والغرب فى كل العصور القديمة والوسطى والحديثة والمعاصرة فى تاريخ المسيحية والاسلام ـ كلها استغلت دين الله سبحانه وتعالى فى ظلم الناس وارهابهم وأكل أموالهم بالباطل . وهذا ينافى إقامة القسط، وهو الهدف الأساس للدين الالهى الحقيقى.

 

التعليقات

حمد حمد

إقامة العدل والقسط في المحاكم
دكتورنا المحترم حفظكم الله جل وعلا وبارك بعلمك وعمرك ، وددت أن أعرف عن إقامة العدل والقسط بالمحاكم او كقانون بالدستور للدول الإسلاميه هل سوف يكون هناك باب لشرح هذا الجانب خاصة إذا كانت الدولة تضم أديان متعدده وشرائع ومذاهب مختلفة ام يكتفي فقط في تطبيق الأحكام الشرعية حسب ما أنزل بالقرآن العظيم مع خالص التقدير لكم. 

 

أحمد صبحى منصور

جزاك الله جل وعلا خيرا أستاذ حمد ، واقول :

1 ـ قلنا ان الاسلام السلوكى هو أساس المواطنة بمعنى السلام ، والايمان السلوكى هو أساس المواطنة بمعنى الأمن والأمان ، ولا شأن للدولة الاسلامية بمعتقدات المواطنين وعباداتهم لأنه ليس مهمتها إدخال الناس للجنة أو هدايتهم ، فهذه مسئولية شخصية ، والمرجع للحكم فيها لمالك يوم الدين فى يوم الدين. . بالتالى فالمواطنون سواء . ومن يخرج عن الأمن ويعتدى فجزاؤه بالشريعة الاسلامية ، وسيأتى فصل عن الشريعة الاسلامية العلمانية وتطبيقها.

2 ـ هذا الكتاب سبق تأليفه فى أوائل التسعينيات فى عصر مبارك ، ويعاد نشره مقالات بعد التنقيح . والله جل وعلا هو المستعان. 

 

 

 

 

 

ثانيا :

العلمانية الاسلامية وحقوق المواطن

  الفصل الأول :

الثروة بين المجتمع والفرد فى الدولة الاسلامية

مقدمة

1 ـ فى دول الديمقراطية التمثيلية النيابية :

فى الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دليل على تحالف السلطة مع الثروة فى إطار القانون ، حيث مسموح لجماعات الضغط التأثير فى السياسة الداخلية والخارجية . بل هناك ( لوبيات ) قانونية تعمل بتصريح قانونى فى خدمة دول خارجية . ومن يريد الترشح للكونجرس ومجلس الشيوخ لا بد أن يجد من يتبرّع لحملته الانتخابية ، وهذا تحت مراقبة القانون ، وعلى مستوى المجالس النيابية للحكومة الفيدرالية والولايات . نفس الحال فى التنافس على حكم ولاية أو حكم الولايات المتحدة الأمريكية . وبالتالى :

1 ـ فمن يتبرع من أصحاب الثروة يكون له نصيب فى النفوذ والسلطة .

2 ـ هناك ثوابت أمريكية من يخرج عنها ـ حتى لو كان ساكن البيت الأبيض ـ يتم عزله والتخلص منه . الأمثلة : ( لينكولن ، جون كيندى ، نيكسون ، ترامب )

3 ـ تختلف شعارات الترشيح المرفوعة عمّا يتم تنفيذه فعلا . أوباما نسى شعاراته وإلتزم بثوابت السياسة الأمريكية ، وإعترف لاحقا عن مسئوليته والآخرين فى موضوع غزة وفلسطين .

2 ـ فى دول الإستبداد : لا حاجة لكل هذا العناء ، فالمستبد يملك الأرض ومواردها ومن عليها من بشر ( الرعية ) والأنعام ، لا فارق بينهما فهم ممتلكاته . هنا تعانق الثروة والسلطة . وفرعون موسى هو المثال الواضح ، قال عنه جل وعلا : ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54) الزخرف )، أى عقد مؤتمرا لقومه ليتندر على موسى ، وهتف له قومه الذين يستخفّ بعقولهم . وهذا ما يحدث فى مؤتمرات الحكام العسكر فى مصر حتى الآن .

أولا :

عنهم قرآنيا

  وصف أصحاب الثروة والسلطة هو :

 1 : أكابر المجرمين ، وهم دائما يعارضون الاصلاح ، ودائما أعداء الرسل  ومن يدعو دعوتهم للإصلاح . قال جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) الأنعام ). ولنا كتب منشورة هنا عن أكابر المجرمين قرآنيا ، وعن تطبيق شريعتهم فى عصر السلطان برسباى والسلطان قايتباى . وهذا ردا على المواشى التى ترفع لواء تطبيق الشريعة دون علم بمفهومها القرآنى أو التراثى أو تطبيقها التاريخى .

  2 : المترفون :

نتتبع هذا المصطلح فى آيات قرآنية نرجو تدبرها :

  هم معارضو الرسل :

تكبرا :

الملأ المترفون من قوم عاد قالوا عن النبى هود عليه السلام :  ( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ (34) المؤمنون ).

تمسكا بالسلفية وما وجدوا عليه آباءهم

فالسلفية هى التى تكونت بها مكانتهم وثرواتهم .

قالتها قريش لخاتم النبيين : ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) الزخرف ) وجعلها رب العزة جل وعلا قاعدة عامة تنطبق حتى على عصرنا ، فقال جل وعلا فى الآية التالية  ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف ). لاحظ مقالتهم ( أجمعت الأمة ) و ( ثوابت الأمة )، و ( المعلوم من الدين بالضرورة ) .

وإفتخارا بأموالهم وأولادهم .

قال جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) سبأ )

ظلمهم هو السبب فى هلاكهم وأتباعهم :

1 ـ عن ساعة إهلاكهم قال جل وعلا : ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ (15) الأنبياء )

2 ـ كان يأمرهم المنذرون المُصلحون بالعدل فيردون بالرفض والفسق . قال جل وعلا :

(  وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) الشعراء )

3 ـ لو أطاعوا المنذرين لنجوا من الهلاك . قال جل وعلا : ( فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) هود )

4 ـ وجعلها رب العزة جل وعلا قانونا ساريا قبل القرآن الكريم وبعده ، قال جل وعلا : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) الاسراء ).

 

هلاكهم فى الدنيا لا يعفيهم من عذاب الآخرة .

5 ـ قال جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66)المؤمنون )

ثانيا :

منع وجود طبقة مترفة فى الدولة الاسلامية

  تتكون الطبقة المترفة حين تتركز الثروة فى الأثرياء فيتحولون الى مترفين بينما تتضاءل الطبقة الوسطى ، ويزداد الفقراء فقرا وعددا ، ويعم الفساد ويتغوّل وينتشر وتتأهل البلاد لحرب أهلية أو على الأقل إنتفاضات عشوائية للجوعى والمحرومين . وحتى لا يحد ث هذا فللقرآن الكريم قواعده ، وهى كالآتى :

1 ـ الموارد الاقتصادية مملوكة لله جل وعلا الذى خلقها ، وهى من حق من يسعى اليها مجتهدا فى إستغلالها وفق تكافؤ الفرص . قال جل وعلا عن خلق الأرض : ( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) فصلت )

أقوات الأرض أو مواردها هى سواء ( مساواة ) أى مُتاحة لمن يسعى فى إستخراجها وإستثمارها ( سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ) . بالتالى فالدولة الاسلامية تفتح سُبل الإستثمار للمؤهلين له من المواطنين ، ويدفعون مقابل هذا للدولة. وهذا الاستثمار يستلزم تشغيلا للأيدى العاملة ، وتوزيعا للسلع ، وتدويرا للمال . وكل هذا يمنع تكون طبقة مترفة وينعش الطبقة المتوسطة من الخبراء والموظفين .

2 ـ المال مال الله الخالق جل وعلا ، والبشر ( مُستخلفون فيه ) ، قال جل وعلا :

2 / 1 :( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ) (7) الحديد )

2 / 2 : ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) (33) النور )

2 / 3 : ( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ )(7) الطلاق ).

3 ـ  حق المجتمع المطلق فى الثروة:

قلنا إن الثروة فى الأصل ملك لله تعالى، وقد جعلها حقاً مطلقاً للمجتمع، وهى حق نسبى للأفراد بحسب العمل وحسن الاستغلال والاستثمار، وهى حق للورثة طالما أحسنوا الاستغلال والاستثمار، فإذا تصرفوا بسفاهة قام المجتمع بالحجر عليهم والالتزام بالإنفاق عليهم وحسن معاملتهم. نستفيد هذا من قوله سبحانه وتعالى : ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مّعْرُوفاً.) ( وَابْتَلُواْ الْيَتَامَىَ حَتّىَ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ (النساء 5: 6)

3 / 1 : فالمال حق مطلق للمجتمع ولهذا كان الخطاب للمجتمع فى الإشراف على الثروة ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ والمجتمع هو القائم على تنمية الثروة ﴿الّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً﴾

3 / 2 : فإذا أحسن الفرد القيام على تنمية ثروته كانت حقاً له ﴿فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ ويتجلى هذا فى الفرق بين كلمتى "أموالكم" و"أموالهم" فى الآية.

3 / 3 : من أسف ففى كوكب المحمديين يتحكم السفهاء فى مال الدولة .!

4 ـ حتى لا يتحول الأغنياء الى مترفين :

4 / 1 : لا حق لهم فى أموال الفىء الذى يفىء الى بيت مال الدولة . توزيعه قاصر على الجهاد فى سبيل الله ( الله ورسوله ) وذوى القربى للمقاتلين دفاعيا فى سبيل الله جل وعلا واليتامى والمساكين وابن السبيل . قال جل وعلا : ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ) (7) الحشر ). رائع تعبير ( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ).

4 / 2 : وبالنسبة لمن يعجز عن الكسب فإن له حقاً فى ثروة الأمة، والله جل وعلا يؤكد على "حق" السائل والمحروم وحق المسكين واليتيم وابن السبيل فى الصدقات الفرية والصدقات الرسمية كقوله سبحانه وتعالى ﴿وَالّذِينَ فِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ مّعْلُومٌ. لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (المعارج 24: 25)، ﴿وَفِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (الذاريات 19) ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىَ حَقّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ﴾ (الإسراء 26) ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَىَ حَقّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ﴾ (الروم 38) ﴿وَآتُواْ حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ (الأنعام 141).

4 / 3 : ويلاحظ هنا ان حقوق الفقراء والمساكين واليتامى وأبناء السبيل لا شأن لها بالعنصر والدين والايمان والكفر والملة والطائفة والذكورة والأنوثة. يكفى أن يكون أحدهم فقيرا أو مسكينا أو ابن سبيل أو يتيما ليأخذ حقه . ونعيد التذكير بأن الاسلام السلوكى هو أساس المواطنة .

4 / 4 : المهم هنا أن من يأخذ الصدقات هم المستهلكون . يعطيهم القادرون أصحاب المصانع والمزارع الصدقة فينفقونها فى شراء الطعام واللباس وبقية المنتجات ، أى تعود الأموال الى أصحاب المشروعات ، وتتسع الأعمال والتوظيف وتشغيل القوة العاملة ، ويدور المال سريعا ينشر الرخاء ، وتنتعش الطبقة المتوسطة ، وهى صمام الأمن للمجتمع .

5 ـ وهذا يستلزم :

5 / 1 : ضبط السوق : فى الكيل والميزان . وتكرر الأمر بذلك فى قوله جل وعلا : (  وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ) ( 152) الأنعام ) (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35)  الاسراء ) (أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)  الرحمن ).

5 / 2 : العمل الاقتصادى هو دور الأفراد ، وبالتالى حصر دور الدولة فى تسهيل الحركة الاقتصادية بقوانين تسرى على الجميع وفق القسط وحرية السوق .  الموظف فى الدولة لا يصلح للعمل الاقتصادى .  لهذا سقط الاتحاد السوفيتى ذاتيا بدون طلقة رصاص واحدة .

 

التعليقات

حمد حمد

جزاك الله خير الجزاء بالدنيا والآخرة
بارك الله جل وعلا بعمرك وعلمك دكتور أحمد فصل رائع في تفصيل موضوع الثروة بين المجتمع والفرد في الدولة الإسلامية. لدي ملاحظة دكتور حسب تجربتي فترة معينة وغيري كثير  بالعمل بالقطاع الخاص فيه نوع من الظلم خاصه إذا كان صاحب الشركة او المصنع هو المتحكم بكل شيء هناك حلات كثيرة تعرضت للظلم وأغلب التوضيف فيها يكون للمقربين وذو علاقة بصاحب المصنع او الشركة وغيرها الكثير أما التوظيف الذي يكون تحت الإشراف الحكومي  يكون أكثر عدالة نوعا ما وسهل الحصول عليه إذا كانت الرواتب مناسبة للفرد وفيها نوع من العدالة وهذا ماجربناه، أنا ابنائي يعملون بالقطاع الحكومي ورفضوا أغلب مؤسسات القطاع الخاص  كالبنوك والشركات وإن كانت مدعومه من الدوله بجزء من الراتب تحت بند دعم العمالة نظرا لسمعتها السيئه. 

احمد صبحى منصور

جزاك الله جل وعلا خيرا استاذ حمد ، وأقول                    :

الدولة الاسلامية تتأسّس على قيم أخلاقية عرضنا لها من قبل ، فهى دولة العدل والاحسان وحقوق المواطنة والأخلاق الحميدة فى التعامل . هناك تفصيلات من الدولة الاسلامية يمكن وجودها فى غيرها . ولكن الدولة الاسلامية هى بناء متكامل قابل للتطبيق ، بالوعى الجمعى والتمسك بالقيم الأساس . ولا يعنى ذلك أن تكون يوتوبيا ملائكية ، ولذا فإن شريعتها العلمانية فيها عقوبات وضوابط ، وسنعرض لها لاحقا . حيث يوجد البشر يوجد الفساد وغواية الشيطان ، ولكن المهم هو نسبة الفساد ، هل هو هامشى يمكن إصلاحه أم هو الأصل الحالكم المتحكم فى الدولة الشعب . فى المجتمعات المتحضرة توجد درجة من الرشاد تجعلهم رابحين على المدى الطويل ، وهذا سرُّ متاجر عريقة فى انجلترة وغيرها . الفساد يبحث عن المكسب السريع والخداع . وهذا شائع فى كوكب المحمديين ، والناس على دين ملوكم. 

 

الفصل الثانى :

  الحق المطلق للمجتمع فىالحكم وفق الشورى فى الدولة الاسلامية 

مقدمة:

1 ـ الاختبار الأكبر للانسان هو ( ملكية الأرض وما عليها من موارد تدرُالأموال ) . بهذا كانت خديعة الشيطان لأدم . قال جل وعلا : ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى (120) طه ). بنو آدم يتقاتلون بسبب المال الناتج عن هذه الأرض ، تهون عليهم الحياة ويموتون فى سبيل هذا المال ، وكل منهم يعتقد أنه سيظل خالدا لا يموت ، يموت حوله الناس وهو لايتعظ . بالضبط هى نفس الخدعة الشيطانية لآدم : ( شجرة الخُلد ومُلك لا يبلى ) . كل الإمبراطوريات قامت وسقطت بسبب المال ، لا فارق بين امبراطوريات  الفراعنة واليونان والرومان والفرس والعرب والعثمانيين والكشوف الجغرافية والاستعمار وحتى قيام إسرائيل . وكل الحرب المحلية والاقليمية والعالمية كانت ـ ولا تزال ـ بسبب المال . من أجل المال أزهق ابناء آدم البلايين من أنفسهم ، عدا أصناف من المعاناة .

2 ـ ولهذا :

2 / 1 : فإذا كان المال هو معبود معظم أبناء آدم فإن الاسلام يجعل المؤمن يضحى بالمال فى الصدقة ويدعو المؤمنين للجهاد فى سبيل الله جل وعلا بأموالهم وأنفسهم . والأموال مقدمة على الأنفس .

2 / 2 ـ  كما قلنا ، فالمال فى الأصل ملك للخالق جل وعلا مالك السماوات والأرض ، وهو الذى إستخلفنا فى ماله ، وبتعبير آخر هو جل وعلا الذى ( خوّلنا ) فيه . ويوم القيامة سيقول لنا جل وعلا :( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ) (94) الأنعام ). كل ما خوّله الله جل وعلا لنا من أراض وأموال وعقارات وأسهم وسندات سنتركها بالموت ، يعنى لا وجود لشجرة الخلد والمُلك الذى لا يبلى .! وسيؤتى بنا يوم القيامة أفرادا ليس معنا سوى كتاب أعمالنا . وسيتحقق قوله جل وعلا : ( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) مريم ).

2 / 3 : نفهم موضوع المال فى الدولة الاسلامية كما أوضحنا فى الفصل السابق . ونفهم أن حلّ مشكلة المال له أهميته ، خصوصا فى موضوع الشورى الاسلامية أو الديمقراطية المباشرة . ندخل بهذا على ( حق المجتمع المطلق فى السلطة السياسية: أو الشورى ) .  

أولا :

لمجرد التذكير:

لا نتحرّج من التكرار  للتأكيد على حقائق إسلامية غائبة فى موضوع الشورى :

1 ـ إن الله جل وعلا وحده هو الذى لا يُسأل عما يفعل، وما عداه يتعرض للمساءلة (الأنبياء 23) وعليه فإن المستبد بالسلطة والذى يتعالى عن المساءلة من الشعب إنما يجعل نفسه مدعياً للألوهية، ولذلك فإن الاستبداد يقترن بادعاء الألوهية صراحة أو ضمنا، وهذا ما يؤكد التناقض بين الاستبداد والاسلام فى مجال العقيدة، وفى نفس الوقت يوثق الصلة بين الشورى ـ أو الديمقراطية الاسلامية المباشرة وعقيدة أنه لا اله الا الله تعالى. وإن الله جل وعلا قد جعل من فرعون موسى مثلا للمستبد الذى أوصله استبداده لادعاء الالوهية، وتكررت قصته فى القرآن للتأكيد على هذا المعنى للأجيال القادمة بعد نزول القرآن الكريم.. ويعزز ذلك أنه إذا كان النبى محمدعليه السلام مأموراً بالشورى فى قوله تعالى ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾ (آل عمران 159) فإن أى حاكم يستنكف من الشورى يكون قد رفع نفسه فوق مستوى النبى، أى يكون مدعياً للألوهية.    

2 ـ  قوله جل وعلا : ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾ يؤسس حق المجتمع المطلق فى السلطة، أو أن الأمة مصدر السلطات، وهذا يشمل كل الأمة من رجال ونساء وأغنياء وفقراء على قاعدة المساواة. تقول الآية الكريمة فى خطاب النبى محمد عليه السلام : ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ﴾. أى بسبب رحمة من الله جعلك ليناً معهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، وإذا انفضوا من حولك فلن تكون لك دولة ولن تكون لك سلطة، لأنك تستمد سلطتك من اجتماعهم حولك، وإذن فهم مصدر السلطة والقوة لك، وبهم تكونت لك دولة وانتهت قصة اضطهادك فى مكة، ولأنهم مصدر السلطة فاعف عنهم إذا أساءوا إليك واستغفر لهم إذا أذنبوا فى حقك وشاورهم فى الأمر لأنهم أصحاب الأمر، فإذا عزمت على التنفيذ فتوكل على الله. أى إن النبى محمدا عليه السلام حين كان قائدا فلم يستمد سلطته من الله كما يدعى أصحاب الدولة الدينية، وإنما يؤكد رب العزة جل وعلا على أنه كان يستمد سلطته من الأمة ومن اجتماعها حوله، ولذلك جعله الله تعالى برحمته ليناً هيناً معهم، ولو كان فظاً غليظ القلب لتركوه وانفضوا عنه وانهارت دولته. وهذا هو النبى وتلك دولته الإسلامية..!!

 3 ـ الخطاب السياسى والتشريعى فى القرآن لا يتوجه إلى حاكم مسلم أو سلطة حاكمة مميزة تختص بالحكم والتشريع والتطبيق. وإنما يتوجه إلى الأمة التى تحكم فعلاً نفسها بنفسها وفق ما يسمى بالديمقراطية المباشرة. وقلنا إن أولى الأمر هم أصحاب الخبرة أو الاختصاص فى ( الأمر ) المعروض للنقاش ، وأمرهم مُطاع فى حدود التشريع القرآنى ، وهم مُساءلون أمام الجمعية العمومية التى تمثل شعبها فى كل منطقة ، من المحليات الى الحكومة الكبرى ( الفيدرالية ) .

4 ـ : أنه لكى تمارس الأمة هذا الحق المطلق لها فى السلطة فإن الله جل وعلا جعل الشورى حقا وفريضة ملزمة واجبة وقرنها بالصلاة والزكاة، وذلك فى سورة "الشورى" قبل أن يقيم المسلمون لهم دولة، وسورة الشورى مكية، وفيها يقول تعالى يصف المجتمع المسلم المدنى فيقول من ضمن ملامحه ﴿وَالّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ (الشورى 38) فجاءت الشورى بين الصلاة والزكاة لتؤكد أنها فريضة كالصلاة تماماً، فإذا كانت الصلاة فرض عين فالشورى كذلك، وإذا كانت الصلاة لا تصح فيها الاستنابة والتمثيل النيابى فالشورى أيضاً كذلك. كما أن الحديث عن الشورى جاء وصفاً للمجتمع القوى الذى يمسك زمام أموره بنفسه، فقال تعالى ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ﴾.وكون أمرهم شورى بينهم يؤكد على اشتراكهم جميعا فى مسئولية القيام بالأمر على قاعدة المساواة، بلا فرق بين غنى أو فقير ، رجل أو امرأة.

5 ـ : وهنا يتأكد نفس الخطاب القرآنى فى التوجه للمجتمع بأسره دون حاكم. فى التشريع الإسلامى فى الدولة الإسلامية يأتى الخطاب دائماً للمجتمع وعن المجتمع عندما يكون التشريع عاماً وغير مختص بعصر النبى وحده، واقرأ مثلاً ﴿وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ﴾ (الأنفال 60) ﴿يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾ (البقرة 178) ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَآ﴾ (النساء 35) ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَىَ﴾ (النساء 5،6).

  6 ـ  : وعندما انتقل المسلمون إلى المدينة وأقاموا لهم دولة "مدنية" كانت مجالس الشورى تعقد ليحضرها الجميع ( جمعية عمومية ) وفى بداية الأمر تثاقل بعض الأنصار عن حضور مجالس الشورى، وبعضهم كان يعتذر للنبى قبل الحضور، وبعضهم كان يعتذر بعد الحضور وبعضهم كان يتسلل لواذاً بعد الحضور دون استئذان. وذلك التثاقل يعنى أن ينفرد بالأمر قلة لا تلبث أن تحتكر السلطة، وتتعطل فريضة الشورى ويضيع حق الأمة بسبب تهاون أبنائها وتحولهم إلى "أغلبية صامتة"، من أجل ذلك نزلت الآيات الثلاث الأخيرة من سورة النور، وهى من أوائل السور المدنية، نزلت الآيات تجعل حضور مجالس الشورى فريضة إيمانية تعبدية وتهدد وتحذر من يتهاون فى الحضور، والتزم المسلمون بعدها فى حضور مجالس الشورى.

  7 : ـ ولأنه ليس فى الدولة الاسلامية حاكم فرد، ولأن المسلمين كانوا يحكمون أنفسهم بأنفسهم بالشورى الاسلامية فإن النبى محمدا عليه السلام حين مات لم يرشح بعده حاكماً بل ترك الأمة تحكم نفسها بنفسها وفق ما تعودوا عليه فى عصره . وأول خروج عن تعاليم الاسلام حدث حين أقام المهاجرون أبا بكر حاكما بالغلبة والقهر ، وبدأ أبوبكر بحرب الممتنعين عن دفع الاتاوة لقريش ، ثم الفتوحات ، والتى إستمرت بعده ، بقتل مئات الالوف وسبى للنساء والأطفال وسلب للأموال وإحتلال وظلم هائل تحت إسم الاسلام . فى مناخ كهذا أصبح الاستبداد دينا .

ثانيا :

بين الدولة الإسلامية والدولة العلمانية

عرضنا للتناقض بين الدولة الاسلامية العلمانية والدولة الدينية التى لا تزال راسخة الأركان فى كوكب المحمديين . نتوقف فى لمحة سريعة عن الفارق بين الدولة الاسلامية والدولة العلمانية الغربية . تتفق الدولتان فى أن الأمة أو المجتمع هو مصدر السلطات. وتختلف الدولتان (الإسلامية والعلمانية) فى :

1 ـ المرجعية :  

الديمقراطية الغربية : مرجعيتها نظرية العقد الاجتماعى، وهو أن الأمة تتنازل عن جزء من ( سيادتها ) لمجموعة من الناس لكى يكونوا ( سادة ) بحجة أنهم يحكمون بالنيابة عنهم ، وتنتخب الأمة مجموعة تمثلها فى البرلمان وتنوب عنها فى التشريع ومساءلة الحاكم، باختصار فالأمة فى الدولة العلمانية لا تحكم وإنما تنيب عنها من يحكمها وتنيب عنها من يمثلها ويتحدث باسمها.

 الدولة الاسلامية :

 هو عقد وعهد وميثاق وبيعة لله جل وعلا ، على أساس المساوة الحقيقية وأن تكون عبودية الناس لرب الناس وحده جل وعلا ـ . قال جل وعلا :

 1 ـ ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)  الممتحنة ). هذا فى بيعة النساء للنبى محمد عليه السلام فى أوائل ما نزل فى المدينة .

2 ـ (  وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)  الحديد ). هذا فى أواسط ما نزل وعظ وتذكير للجميع .

3 ـ وفى أواخر ما نزل قال جل وعلا :

3 / 1 : (  وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) المائدة )

3 / 2 :( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)  التوبة )

  فى موضوع الثروة  :

1 ـ خلافا للدولة الاسلامية فإن الديمقراطية الغربية بدأت بالبرجوازية والتى تحولت الى رأسمالية عالمية إرتبطت بالاستعمار وإستعباد الشعوب وإستنزاف مواردها ، ثم الآن الشركات الكبرى متعددة الجنسيات ، والتى لا تسيطر فقط على مجتمعاتها  بل على العالم كله . الأخطر أنها تسيطر على صناعة وتجارة السلاح ، وهذه صناعة تحتاج الى أسواق ، أى الى حروب محلية وإقليمية ، يتم فيها تصريف الراكد من السلاح ، وتجربة الجديد منه . وكوكب المحمديين هو المشترى الأكبرى . المستبد الشرقى يشترى السلاح ليرهب به شعبه ، ولا يجرؤ أن يفكر ــ مجرد تفكير ـ فى إستخدامه ضد إسرائيل . المسموح فقط هو إستخدامه فى الحروب بينهم وفى قتل شعوبهم . بالتالى فإيرادات كوكب المحمديين ـ من نفط وغيره ـ  تذهب الى الديموقراطيات الغربية .

2 ـ ديمقراطية الغرب تجعل العالم ساحة لأنهار من الدماء وتقيم جبالا من الأشلاء . أما الشورى الاسلامية فهى تؤسس دولة مُسالمة قوية لا تبدأ حربا ، بل تقاتل فقط للدفاع .

3 ـ الشورى الاسلامية هى الحل لأنها الشورى التى يملكها المجتمع بأسره ، وليس نخبة من المترفين أكابر المجرمين .  

 

 

التعليقات

حمد حمد

شرع مميز ووافي ومتكامل
بارك الله هذه الجهود الجبارة وهذا الكتاب المميز عن (ماهية الدولة الإسلامية ) ويبقي شيء بسيط إن أمكن دكتورنا الغالي في نهاية او ختام الكتاب صفحة بها يبين هيكل الدولة الإسلاميه بشكل مبسط مع خالص

أحمد صبحى منصور

إقتراح هام ومفيد أستاذ حمد ، وسأعمل به بعون الرحمن جل وعلا ، واقول:نحن نكتب فى موضوعات لم يسبقنا فيهأ أحد ، وبمنهج فريد فى التدبر القرآنى ، ولنا كتب مثل هذا كثيرة جدا مصدرها الوحيد هو القرآن الكريم . الكتابات الرائدة تحتاج الى توجيهات وأسئلة كاشفة ، وتحتاج الى أبحاث لاحقة تبنى عليها . وبهذا يتطور العلم ، وهذا ما أرجوه من أحبتى أهل القرآن ، أن يكون منهم جيل ــ لا يكرر ما كتبت ـ بل يضيف ويبنى . ولنعلم أننا جميعا لا زلنا على ساحل المعرفة بالقرآن الكريم ، ولا زلنا تلاميذ يتعلم بعضنا من بعض ، لا فارق بين عجوز مثلى وشاب مثل حمد حمد.

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث : الحق فى القسط والحرية بين الجتمع والفرد 

مقدمة

1 ـ المستبد يملك الوطن ومن يعيش فيه ، وهو أيضا المتحكم فى أفكار الناس ومعتقداتهم ، ومن يخرج عن رأيه يراه تهديدا لفرعونيته وحاكميته ، ومأواه السجن أو القتل . وفى دولة المستبد لا وجود للقسط ولا وجود للحرية الدينية وغيرها ، والدولة الدينية أشدُّ ظلما من الدولة المستبدة العادية .

فى دول الديمقراطية الغربية يتحكم فى الثروة المجلس التشريعى . الكونجرس الأمريكى هو الذى يوزع المستحقات المالية ، وهو الذى يراقب صرفها ، ويناقش المسئولين . بل إختيار المسئولين فى السلطتين التنفيذية والقضائية تكون بموافقته . هذا فى الوقت الذى لا يملك مخلوق فى مصر أن يناقش ميزانية الجيش أو شركاته أو أن يقول لأى مسئول : من أين لك هذا ؟!.

2 ـ  الشورى بإيجاز هى ( فنُّ ) القوة .

2 / 1 : المستبد يتحكم فى الشورى . الملأ التابع له يفكر له فيما يرضيه . لأنه الذى يحتكر القوة . نرى هذا فى التناغم بين فرعون موسى والملأ التابع له ، وبين ملكة سبأ والملأ التابع لها . أما الشعب فهو صفر على الشمال ، أو ملايين الأصفار على الشمال. لا تقل إن عدد البشر فى كوكب المحمديين بليون ونصف . العدد الفعلى هو عدد الفراعنة .

إذا ناضل الشعب وحصل على بعض مكاسب يقتطعها من المستبد فإن نصيبه من الشورى أو الحكم والقوة هو بقدر مكاسبه. قد يقيّد الملكية لتكون ملكية دستورية تتقاسم الحكم مع ممثلى الشعب ، ويتأرجح الأمر بمن يحصل بالنضال على المزيد . والأمثلة كثيرة ـ ودامية ـ فى الصراع من أجل الديمقراطية فى أوربا ، والذى استمر قرونا . وفرنسا خير مثال على ذلك ، منذ ثورتها ( 1790 : 1792 )، والتقلبات التى حدثت الى عودة الملكية البوربونية ثم الجمهوريات المتلاحقة .

2 /  2 : فى الديمقراطية الغربية التمثيلية تجد لُعبة الانتخاب ومموليها فى إعلاء أتباع البليونيرات ، ضمن ثوابت الدولة العميقة . ولكن الذى يخفّف الوضع هو الحرية للصحافة والاعلام وحرية التعبير فى نقد المسئولين مهما كانوا ، فهم ( خدم الشعب ) وفق التعبير الأمريكى الشائع  ( Public services) ، مع عدم المساس بالمواطن العادى ( المواطن الخاص ) ، أى الشخص العادى . لو هاجمته بالقول يمكن أن يرفع عليك قضية تشهير. أما لو هاجمت الرئيس الأمريكى فلا يملك لك شيئا. ( قارن هذا بما يحدث فى كوكب المحمديين ).

2 / 3 : الوضع فريد فى الشورى الاسلامية وديمقراطيتها المباشرة . فالثروة ملكية مطلقة للمواطنين ، وللافراد حسبما شرحنا من قبل ، والشورة هنا تعنى أن لهم الحكم المطلق ، ولهم أن يستخدموا أولى الأمر أصحاب الاختصاص تحت المساءلة . وأساس الحكم هنا هو القسط والعدل بين المواطنين بلا أدنى تفرقة ، ومع الحرية الدينية المطلقة للأفراد والجماعات . أما حرية الكلمة فهى مقيدة فيما يخص حقوق الأفراد .

ونعطى تفصيلا .

أولا :

 حق الفرد المطلق فى القسط:

1 ـ لن نتوقف بالتفصيل مع الآيات القرآنية التى توجب إقامة العدل والقسط فى التعامل مع العدو أو الصديق مثل قوله جل وعلا :  ﴿إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ﴾ (النحل 90) ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾ (النساء 58) ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىَ﴾ (الأنعام 152) ﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَىَ بِهِمَا فَلاَ تَتّبِعُواْ الْهَوَىَ﴾ (النساء 135)

﴿يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَىَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (المائدة 8).

2 ـ لن نتوقف مع هذه الآيات الكريمة إلا فى تقرير حقيقة قرآنية واحدة، وهى أن الحكم المقصود فى الآيات هو الحكم القضائى، أو الحكم بين الناس، وإقامة ذلك الحكم بالقسط يعنى أن الوظيفة الأساس للدولة الإسلامية هى إقامة العدل والقسط، أو الحكم بين الناس بالعدل، وليس حكم الناس أو التحكم فيهم. والمعنى المقصود أن يكون واجب الدولة الأساس هو  إقامة القسط بين الناس .

3 ـ ولكن إلى أى حد؟

 نقول إلى حد القسط المطلق بحسب إمكانية القاضى . وتتعرف على ذلك من التفرقة الدقيقة بين كلمتين قرآنيتين وهما "المقسطين"، و"القاسطون" والمقسط هو تعبير مبالغة يفيد تحرى القسط دائماً، بقدر المستطاع . ويتكرر فى القرآن قوله سبحانه وتعالى ﴿إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (المائدة 42، الحجرات 9، الممتحنة 8) فهذا المسقط يحبه الله جل وعلا .

أما القاسط فهو الذى يتحكم فى القسط حسب الهوى ، أى الذى لا يراعى العدل ، ومصيره جهنم، يقول جل وعلا : ﴿وَأَمّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنّمَ حَطَباً﴾ (الجن 15).

4 ـ على أن القاضى ــ مهما كان مخلصا فى تحرّى العدل ـ فهو بشر لا يعلم الغيب ، ومن الممكن خداعه ، بالتالى فإن تحقيق العدل المطلق يستحيل فى هذه الدنيا . هو فقط فى الآخرة أمام الله جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور . قال جل وعلا :

4 / 1 : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) الأنبياء  ).

4 / 2 : ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)  غافر ).

يكفى القاضى المسلم تحرّى العدل فى أحكامه عالما أنه سيؤاخذ يوم القيامة لو أهمل أو ظلم . ونتذكر أن الله جل وعلا لا يؤاخذنا إذا نسينا أو أخطأنا بلا قصد ، ولا يكلفنا إلا وسعنا . قال جل وعلا : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة ).

ثانيا :

  حق الفرد المطلق فى الدين ( عقيدة وعبادة ودعوة ) :

1 ـ قلنا إن فى القرآن الكريم أكثر من ألف آية قرآنية تؤكد حرية العقيدة وحرية التعبير عنها وحرية الفعل العقيدى إيماناً وكفراً وإرجاع الحكم فى العقائد لله تعالى يوم القيامة، وأن ذلك يسرى على النبى نفسه. ونكتفى من مئات الآيات القرآنية التى تؤكد حرية العقيدة ببضع آيات قلما يستشهد بها الناس.

1 / 1 : فالله سبحانه وتعالى يقول للبشر : ﴿إِن تَكْفُرُواْ فَإِنّ اللّهَ غَنِيّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىَ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ ثُمّ إِلَىَ رَبّكُمْ مّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ﴾ (الزمر 7) إذن هى حرية مطلقة فى الإيمان والكفر، ومسئولية شخصية والحساب عليها أمام الله تعالى يوم القيامة.

1 / 2 : والله جل وعلا يقرر أيضاً حرية الفعل الإلحادى مع آيات الله، ويجعل العقوبة عليه يوم القيامة، ويؤكد حفظ كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يقول سبحانه وتعالى : ﴿إِنّ الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيَ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىَ فِي النّارِ خَيْرٌ أَم مّن يَأْتِيَ آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.) ( إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِالذّكْرِ لَمّا جَآءَهُمْ وَإِنّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لاّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصلت 40: 42).

1 / 3 : يوم القيامة يكون البشر قسمين حسب تصوراتهم عن الله جل وعلا وعقائدهم فيه ، كل منهما خصم للآخر، وأحدهما فى النار والآخر فى الجنة، والله سبحانه وتعالى يقول : ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبّهِمْ ﴾ (الحج 19) والملفت للنظر أن القرآن الكريم ساوى بينهما فى وصف الخصومة، ولم يجعل أحد الخصمين حكماً على الآخر، إذ كيف يكون الشخص خصماً وحكماً فى نفس الوقت، هذا مع أن أحد الخصمين سيكون ناجحا وفائزا يوم القيامة، بل أن النبى محمدا نفسه عليه السلام سيكون يوم القيامة خصماً لأعدائه الذين اضطهدوه فى مكة وماتوا على كفرهم وبغيهم دون توبة ، والله سبحانه وتعالى يقول للنبى محمد وخصومه ﴿إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مّيّتُونَ. ثُمّ إِنّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾ (الزمر 30: 31) فالنبى محمد عليه السلام سيختصم معهم أمام الله تعالى، والآية تساوى بين النبى وبينهم فى الخصومة واستحقاق الموت.

2 ـ حرية الفرد الدينية تشمل الاعتقاد والعبادة والدعوة . وليس مألوفا أو مسموحا فى كوكب المحمديين أن تدعو أقلية دينية الى دينها خارج محيطها ، ليس على مستوى الاختلاف الدينى ( محمديين ومسيحيين ) بل على المستوى المذهبى ( سنة وشيعة ) . القوانين فى كوكب المحمديين تحرّم وتجرّم الدعوة لغير الدين المسيطر ، ولأتباعه تكفير غيرهم وإضطهادهم بل والاعتداء المادى عليهم وعلى بيوت عبادتهم . لا تجد هذا فى أمريكا حيث يمكن أن تشترى كنيسة وتحولها الى مسجد . حرية الدعوة الدينية والتبشير به بين الآخرين هى قمة الحرية الدينية ، وهى فى الدولة الاسلامية حق متاح للأشخاص والجماعات على قدم المساواة . حساسية هذا فى أن الدعوة لدين أو مذهب تعنى تكفير ما عداه ، ولا بأس بهذا إسلاميا . بل هو لصالح الاسلام . ففى ظل الحرية الدينية وإحترام حق الاختلاف الدينى تكون النتيجة :

2 / 1 : تآكل سلطة الكهنوت الدينى إذ لا يستطيع أن يصمد فى أى نقاش عقلى ، لذا لا بد له من سُلطة تحمله على كاهلها تقيه شرّ النقاش ، ولهذا لا وجود لنفوذ الكهنوت فى الدولة الاسلامية ، لم يكن النبى محمد عليه السلام كهنوتا ، فقد كان لا يملك لنفسه ـ فضلا عن غيره ـ نفعا ولا ضرا . وحتى فى الحرية الدينية فى الديمقراطية الغربية لا وجود للنفوذ السياسى للكنيسة ، مجرد خدمات إجتماعية تطوعية .

2 / 2 : الفائز فى أى حوار عقلى هو الاسلام ، والقرآن هو حجة الله البالغة . قال جل وعلا : (  قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (149) الأنعام ).والكثير من الآيات القرآنية تدعو للتعقل والتفكر والتفقه وتطرح أسئلة وتجيب على أسئلة ببراهين عقلية . أما الكهنوت فليس إلا خُرافات تتطلب الإيمان الأعمى .

3 ـ وهناك حق مصون للأفراد ومن ينتهكه فعليه عقوبة القذف . ونستشهد بقوله جل وعلا : (  وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) ، (  إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) النور ) .

مع تعلقها بالنساء العفيفات فالذكور لهم فيها نصيب ، لأنّ من يسُبُّ أم شخص أو إخته أو زوجته يكون من حقه الشكوى وإحالة القاذف للمحكمة .

التعليقات

حمد حمد

أهم باب في الكتاب المميز.

جزاك الله جل وعلا خير الجزاء بالدنيا والآخرة وبارك بعلمك وعمرك دكتورنا المحترم ، لا شك وأنا أقرأ هذا الباب وجدت إنه أهم باب بل أهم مادة في دستورها وهو الحق بالقسط والحرية المطلقة بالإعتقاد، وقد تذكرت في أحد مقالاتك كيف أن النبي محمد عليه السلام عندما حكم وعاقب إنسان بريء بعد أن تم خداعه لولا أن الله جل وعلا أنزل آية لتبرأته

الظلم في عالم المحمديين يحتاج إلى جهاد مضن والله المستعان. 

أحمد صبحى منصور 

جزاك الله جل وعلا استاذ حمد ، واقول : 

ما تفضلت بذكره يؤكد ما قلناه من أن القاضى من البشر لا يعلم الغيب ويمكن خداعه . المهم أن يتحرى العدل ما أمكنه ، ولا يكلف الله جل وعلا نفسا إلا وسعها. 

 

 

 

الفصل الرابع :  الحق فى الأمن بين المجتمع والفرد

أولا :القاعدة الأساس : ( الأمن المطلق يعنى الخوف المطلق )

  تجربة شخصية :

1 ـ فى أوائل نوفمبر 1987 وقبيل الفجر جاء جيش من الأمن المركزى توقف فى أول شارع المعاهدة بالمطرية بالقاهرة وحتى آخر الشارع عند كوبرى مسطرد . والغرض هو عمارة قرب كوبرى مسطرد ، يسكن فى الشقة الأرضية بها كاتب مسالم لا يملك سوى قلمه ، فى حياته لم يلمس بيده مسدسا أو رصاصة . إحتل الجنود العمارة ، ووقف أمام كل شقة مجموعة يحذرون سكانها من الخروج . إقتحم بعضهم شقتى ومدافعهم الرشاشة فى وجهى ، ووجهوها الى أولادى الصغار النائمين ، عبثوا بمكتبتى وأوراقى وأخذوا منها عشوائيا ما أرادوا . واصطحبونى الى المجهول . كانت سيارة الأمن المركزى التى أركبها تسبقها سيارات وبعدها سيارات . كان الفرعون حسنى مبارك يحكم بمنطق الأمن المطلق . يملك الجيش وأجهزة المخابرات والشرطة ويحتكر السلاح وإستعماله . أورثه هذا الأمن المطلق الخوف المطلق ، بحيث إنه إرتعب من كاتب مثلى مسالم قليل الحيلة يدعو بكل أدب الى الاصلاح . رأى حسنى مبارك دعوة الاصلاح خطرا محققا على أمنه المطلق . لأن الخوف المطلق قرين إحتكار الأمن مطلقا . وأنا فى سيارة الترحيل للسجن كنت أستعين ضد الخوف بقوله جل وعلا : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) الأنعام ) .

2 ـ خرجت من السجن لأجد حملة صحفية تدعو لقتلى ، بدأت قبل السجن وإستمرت ضارية بعده . هربت بحياتى الى أمريكا ، ولبثت فيها تائها عشرة أشهر ، ثم عدت عارفا بأنهم سيقبضون علىّ فى المطار . لم يخيبوا ظنى . ورأيت نفسى فى سيارة الترحيلات للسجن الأسوا فى ( أمن الدولة ) ، موكب من السيارات قبل وخلف السيارة التى أركبها . قلت لنفسى ضاحكا : نفس ( التشريفة ) . مثل موكب حسنى مبارك وحراسته . أنا سجين وهو أيضا سجين . إحتكاره للأمن المطلق جعله سجين الخوف المطلق . ولأنى كنت أتوقع السجن فكنت    وأنا فى سيارة الترحيل أستعين ضد الخوف بقوله جل وعلا : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) الأنعام ) .

فرعون موسى إمام المستبدين

1 ـ هو النموذج الكلاسيكى للمستبد الذى يحتكر الأمن المطلق لنفسه والملأ التابع له ، وأورثه هذا خوفا مطلقا . أجبر بنى إسرائيل على عبادته ( الشعراء 22 )، ومع ذلك لم يثق فيهم ، وخافهم وهم عبيد سلطانه وتحت قهره ، أو كما قال له الملأ ( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) الأعراف ). قبلها ووقت مولد موسى كان هذا الفرعون يذبح الأطفال الذكور من بنى إسرائيل ، جواسيسه يرقبون أى مولود ، وزبانيته يذبحونه . إمتلاكه الأمن المطلق جعله فى خوف مطلق على سلطانه وخوف مطلق من طرده من البلد الذى يملكه ، وعندما رأى وقومه معجزة موسى كان تفسيرهم أنه : ( يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) الاعراف ) (  قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمْ الْمُثْلَى (63) طه ). وقالها له فرعون : (  أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57)  طه ). هنا التناغم بين فرعون والملأ .

وحين آمن السحرة إعتبر فرعون هذا تآمرا ، وعاقبهم أفظع عقوبة : ( قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) الأعراف ).

أوصله خوفه المطلق الى أنه رفض السماح لهم بمغادرة مصر ، وطاردهم وهم يهربون . وغرق وقومه نتيجة الخوف المطلق الذى جاء نتيجة إحتكاره الأمن المطلق .

2 ـ كوكب المحمديين ملىء بفراعنة لا شك أنهم يعرفون ما جاء فى القرآن عن فرعون موسى ، ولكنهم يكفرون بالقرآن ، ولا عذر لهم . هناك مستبدون لا علم لهم بالقرآن فى كوريا الشمالية والصين وروسيا .. ولكن ماذا عمّن يزعم الاسلام والايمان بالقرآن ؟

فى الديمقراطية الرأسمالية

لأنها ديمقراطية نسبية فليس فيها أمن مطلق للحكام ، بل أمن نسبى ، لهذا فالعدالة نسبية وكذا الأمن والسلام . والشعار الأمريكى للمتظاهرين المحتجين هو (   No justice , no peace). أى حيث لا توجد عدالة فلا وجود للسلام . وهى حكمة بليغة لو كنتم تفقهون .!

فى الديمقراطية الاجتماعية

1 ـ هذه توجد فى شمال أوربا وشمالها الغربى ( إسكندنافيا ). حيث :

1 / 1ـ الجمع بين الديموقراطية وأكبر قدر من العدالة الاجتماعية فى مجتمعات متماسكة من عرق وإثنية واحدة .

1 / 2 ـ لا تعرف إسم الحاكم ، لأن الحاكم هو الشعب . والمسئول يسير آمنا فى الشارع ، يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ، ويركب المواصلات العامة بلا حراسة .

1 / 3  ـ قلة السجون والمساجين مع ضخامة الانتاج بالنسبة لعدد الأفراد .  

2 ـ إختلف الحال فيها بعد كثرة هجرة المحمديين الى هذه البلاد ، وهم يحملون أوزار أديانهم الأرضية . ومع ذلك تبقى هذه الدول الأقرب الى الدولة الاسلامية .

ثانيا : فى الدولة الاسلامية :

   1 ـ الوظيفة الأساس للدولة الإسلامية نحو أفرادها هى إقامة القسط وضمان حرية العقيدة وحمايتهم داخليا وخارجيا بتوفير الأمن الداخلى والخارجى. الأمن ضد الخطر الخارجى يعنى أن يكون للمجتمع جيش قوى يرهب الأعداء من الاعتداء عليه . نتذكر قوله جل وعلا : ﴿وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ﴾ (الأنفال 60) وهذا الاستعداد لإرهاب العدو يعنى ردعه عن التفكير فى الاعتداء وبالتالى حقن الدماء ـ دماء العدو ودماء أبناء الدولة الاسلامية ـ وهذا يقع ضمن مشروعية القتال فى الدولة الإسلامية. انها دولة تعتنق السلام كفريضة دينية فى تعاملها الدولى، اذ لا مجال فى شريعة الاسلام للاعتداء على أحد بل مجرد رد العدوان بمثله. وشان الدولة المسالمة أن يتشجع المعتدون على الاعتداء عليها اذا اقترن السلام عندها بالضعف، ولذا كان لا بد من أن يقترن السلام بالقوة الحربية لتخويف المعتدين وردعهم. وبذلك فان القرآن الكريم فى تشريعاته قد سبق سياسة الردع النووى التى استعملها المعسكران الغربى والشيوعى فى النصف الثانى من القرن السابق. و العدل والقسط هما أساس التعامل مع العدو الخارجى ويكون بتكوين دولة قوية بجيشها وأهلها، لتؤكد حق المجتمع المطلق فى الأمن.

2 ـ كما أن من حق الأفراد أن يعيش كل منهم آمناً وعلى أساس التساوى وبحيث لا يستأثر فرد واحد بالحماية دون الآخر، حتى لو كان ذلك الفرد هو رئيس الدولة، وفى الدولة الدينية والدولة المستبدة العلمانية والعسكرية ، وحتى فى الدولة الديمقراطية التمثيلية نرى نصيب الحاكم فى الأمن يفوق ما للفرد العادى من الحماية. بل ان الدول المستبدة ـ علمانية أو دينية ـ تنفق على الأمن السياسى الذى يعنى أمن الفرد الحاكم وزمرته أضعاف ما تنفق على الأمن الجنائى الذى يحمى المجتمع كله.

3 ـ ان الأمن هو مقياس لمدى ما يتمتع به الحاكم من سلطات. فى دول الديمقراطية المباشرة يكون الحاكم أجيرا حقيقيا للمجتمع لا يتميز عن الشخص العادى بشىء ، وهكذا كان النبى محمد عليه السلام فى حياته فى مكة والمدينة ، يأكل الطعام ويمشى فى الاسواق بدون حراسة، شأن كل شخص عادى. وكانت بيوته مفتوحة للضيوف بدون حراسة ، يأتون يأكلون بلا إستئذان ويتكلمون مع زوجاته بلا تكلف ، وكان يستحى من منعهم فنزل قوله جل وعلا لهم : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53)  الأحزاب ) . وكان الأعراب من خارج المدينة يأتون الى بيوته يدقون الأبواب وينادونه لا ينتظرون خروجه لهم ، فقال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) الحجرات ).

ثالثا :

بإيجاز :

1 ـ عندما يزداد نفوذ الحاكم فى الديمقراطية التمثيلية  يكون ذلك على حساب الشعب الذى تنازل عن جزء من سلطته للحاكم وأعوانه، وبالتالى يحتاج الى حماية أمنية وحراسة بوليسية ظاهرة ومستترة تتساوى وما أخذه من حقوق الناس بالرضا أو بالظلم.

2 ـ اذا وصلنا الى الحاكم المستبد الذى يسرق حقوق شعبه الاقتصادية والسياسية والانسانية نجده فى حالة رعب من الناس اعترافا منه بما ارتكبه فى حقهم . لا بد له من ارهابهم وتعذيبهم ليسكتوا عن المطالبة بحقوقهم خوفا من هيبة الدولة التى هى هيبة الحاكم الفرد نفسه. وبزيادة الظلم والتعذيب يزداد خوف الحاكم أكثر من انتقام قادم لا محالة وتطارده صرخات ضحاياه ، فيحاول التخلص من تلك الكوابيس بالمزيد من اجراءات الأمن فيزداد الارهاب على المواطنين ويزداد بالتالى هلع الحاكم من انتقام أفظع على أعتاب بابه ، وهكذا يدور المستبد فى حلقة مفرغة متزايدة من الظلم والارهاب والخوف من الانتقام القادم أو احتمال الثورة بحيث لا تكفى قوى الجيش والبوليس وأجهزة الأمن المختلفة فى أن تجعل المستبد المذعور الملعون يحس بالأمن.

ولو أنصف لأعطى الناس حقوقهم بالعدل والمساواة وتمتع معهم بالأمن والحرية ، وعاش حياته  بين الناس متنمتعا بالحب والاحترام أثناء فترة عمله رئيسا وبعد تركه العمل يعيش آمنا بين الناس متمتعا بحبهم وإحترامهم ، شأن كل خادم للشعب أو حاكم فى نظام الديمقراطية المباشرة حيث لا يمتاز عن غيره من المواطنين فى الحراسة والأمن.

أخيرا :

نرجو تدبر قوله جل وعلا :

1 ـ ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)  آل عمران )

2 ـ ( إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) آل عمران ).

ودائما : صدق الله العظيم .!

 

 التعليقات

حمد حمد

أكرمك الله جل وعلا وبارك بعمرك وعلمك دكتورنا المحترم.

 كالعادة دكتورنا الغالي تتحفنا بهذا الموضوع باب حقوق المواطن في الأمن بين المجتمع والفرد , خاصة عندما تطرقت في موضوع ماتعرضت له من إضطهاد أنت وأسرتكم الكريمه والمعانات النفسية التي تضاهي الجسديه وخاصه الأبناء ومن تهجير قسري مع سلب جميع الحقوق الاجتماعيه والماديه بلا رحمه من حكم قائم على الاستبداد ولازالت أسرتكم هناك تعاني الاضطهاد تحت حكم العسكر الذي يعيش كما تفضلت مرتعبا من شعبة لأنه يعلم إنه ظالم ومستبد، الشعوب دكتور أحمد هي السبب الضعف والخوف من المستبد سمة هذه الشعوب التي تعلي الحاكم إلى مرتبة الإلوهيه في دستور دولتي( الذات الأميرية مصانة ) وأعتقد هذه المادة موجوده في أغلب دساتير كوكب المحمديين. ما أعظم هذه الآية الكريمة(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) الأنعام ) حفظكم الله جل وعلا من كل سوء. 

أحمد صبحى منصور

اكرمك الله جل وعلا استاذ حمد وجزاك خيرا ..وأقول:

 مع  هذا فإنى فى أحيان كثيرة أتعاطف مع المستبد لأنه يعيش فى رعب وذعر فى حياته تطارده أشباح ضحايه ، ويتوقع الغدر من أقرب الناس اليه ، ثم يوم القيامة سيكون خالدا فى النار ، حيث لا وقت لديه فى حياته الدنيا ليكفر عن جرائمه ويتوب توبة مقبولة. يعنى هو خاسر للدنيا والآخرة برغم المواكب والثروات والسلطة . كل نعيم الدنيا لا يساوى لحظة نعيم فى الجنة الخالد ، وكل عذابات الدنيا لا تعدل لحظة عذاب فى جهنم وهو خالد 
اللهم جل وعلا لك الحمد على نعمة الهداية.

بن ليفانت

وجهة نظر  
معالجة المشاكل تبدأ دائمًا بحلول نظرية، ثم يجري اختبارها ضمن الواقع، ويتم تعديلها حتى تتناسب معه ويكتب لها النجاح. الإصرار على العلاج طبقًا للنظريات مكتوب له الفشل، ولتجنب الفشل تجري تعديلات وتغييرات اضطرارية غير مدروسة، فقط لتهدئة الوضع وليس لعلاج المشكلة.
ماذا يمكن أن نفهم تحت مصطلح "الواقع"؟ من أهم العوامل التي تفرض الواقع هو طبيعة الإنسان بشكل عام – الإنسان يعني هنا النفس البشرية. الآيات من 7 إلى 10 من سورة الشمس تقول: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ‎﴿٧﴾‏ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ‎﴿٨﴾‏ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ‎﴿٩﴾‏ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ‎﴿١٠﴾‏. هذا يعني أن كل شخص وبلا استثناء يمتلك الفجور والتقوى. هذا يعني أيضًا عدم وجود أشخاص فاجرين فقط أو أتقياء فقط. النتيجة عند الفرد تتعلق بمدى تعامله مع هذه القوى الموجودة في نفسه. نتيجة التعامل مع النفس ليست دائمًا ثابتة، فهي تتعلق بكل ما يدور حول الفرد. هذه المقدمة تبين لنا أن البشر ليسوا شياطين وليسوا ملائكة ولهذا فقراراتهم لا يمكن اعتبارها دائمًا صحيحة، وأن النفوس يمكن أن تتأثر بوضع ما وتصريحات ما لتتشكل إغليبة يمكن أن تفضي إلى كارثة، لو كان لها القرار النهائي والمباشر.
لقد فكر الغرب، أو بالأحرى فرضت عليه ملايين القتلى أن يفكر في هذا الأمر ويصل إلى ما وصل إليه الآن. برأيي ليست الديموقراطية بكل ماتحتويه هو الحاسم في الأنظمة الغربية، وإنما تعدد القوى التي لها كلمة في اتخاذ القرار، وكل منها يقف بالمرصاد للقوى الأخرى التي تناقضها. في ألمانيا على سبيل المثال هناك الحكومة (السلطة التنفيذية)، البرلمان (السلطة التشريعية)، السلطة القضائية، الإعلام بتعدداته، الأحزاب (ليس فقط حزبان كما في أمريكا)، الجمعيات التي تشتهر ألمانيا بكثرتها وقوتها، النقابات القوية التي تقوم دائمًا بالتفاوض مع أرباب العمل، الكنيسة ووو. هذه الجهات تستمد وزنها وقوتها من عدد المنتسبين لها ومن الإمكانات المعرفية لديها، وهذه القوة متواجدة دائمًا، بينما يكون تأثير الفرد محدودًا بشخصه. هذه القوى تستطيع أن تجند طاقاتها (العددية والمعرفية) لكي تؤثر فى السياسة لخدمة أفرادها وبطبيعة الحال بشكل غير مباشر، إذ يفوض أعضاؤها من ينوب عنهم في اتخاذ القرار – هذه الإمكانية وبهذه الكثافة ليست موجودة عند الفرد كفرد. المهم  في الأمر وجود توازن بين هذه القوى وأن لا تستفرد إحداها بالرأي. عند حدوث ذلك تستنفر القوى الاخرى طاقاتها.

كل هذا يبين لنا أن الديموقراطية بما تفترضه من عدل ومساوات وحرية إلخ تبقى نسبية، ولا يوجد شيء من هذا مطلق لأن تركيبة البشر لا تسمح بذلك، وبرأيي، من يريد أن يجعل من البشر ملائكة لن يصل إلى مأربه، بل ربما يجعل منهم شياطين الإنس .

أحمد صبحى منصور 

جزاك الله جل وعلا خيرا اخى بن ليفانت . واقول : 

  1ـ فعلا . النفس البشرية ألهمها خالقها جل وعلا الفجور والتقوى . وللانسان أن يسمو بنفسه الى التقوى أو يهبط بها الفجور . ولهذا كتبنا بأن تخاطب فى عدوك جانب الخير فيه ليكون مثل ولى حميم . ولكن موضوع التوبة المقبولة له شروط حتى يأتى الغفران يوم القيامة . وهذه الشروط لا تتأتى لمستبد قتل وعذّب خلال حكمه آلافا وملايين ، وسرق البلايين ، كيف له من وقت يحياه ليرد المظالم ـ على فرض أنه يريد التوبة فعلا.
2 ـ  الديمقراطية نضال ومعاناة . ليست الحل السحرى ، ولكنها الحل الممكن . العداء بين أبناء آدم هبط مع أبيهم آدم لهذه الأرض ، والشيطان لهم بالمرصاد ، والتنافس والصراع بينهم على حطام الدنيا مستقر ومستمر ، خصوصا مع عدم الايمان بالآخرة التى هى خير وأبقى. فى هذا المناخ تكون الديمقراطية الحل الأنجح . وبها يتحقق الأمن حتى جزئيا .   

كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية )
يتناول قرآنيا ماهية الدولة الاسلامية وعلمانيتها .
يتناول الكتاب القيم الأساس للدولة الاسلامية ، وحرية الدين والديمقراط ية المباشرة بين التنظير والتطبيق ، ومظاهر العلمانية فى الدولة الاسلامية وشريعتها ، كيف نقيم دولة اسلامية علمانية . ثم الخاتمة عن شهادة العصر عن مصر
more