رقم ( 5 )
الباب الثالث : الشورى ( الديمقراطية المباشرة )

الباب الثالث :الشورى ( الديمقراطية المباشرة )

مقدمة /  الشورى فريضة إسلامية  / الشورى الاسلامية هى حُكم الشعب وليس حكم الفرد  /  أولو الأمر   فى  الشورى الاسلامية  / القرار للأغلبية فى الشورى الاسلامية  /  ثقافة الشورى الاسلامية )

مقدمة :

  عدم استغلال الدين فى السياسة والمطامع الدنيوية

1 ـ المتقون هم أفضل الخلق عند الله سبحانه وتعالى ، ولكن لا يصح للمؤمن أن يصف نفسه بالتقوى ، لأن تزكية النفس بالتقوى معصية لله تعالى . قال جل وعلا :

1 / 1 : عن بعض صفات المجتمع المسلم : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى (32) النجم 32 ). هنا نهى عن تزكية النفس بالتقوى

1 / 2 : فى التنديد ببعض أهل الكتاب الذين زكُّوا أنفسهم قال جل وعلا يعتبرهم قد إفتروا على الله جل وعلا كذبا وارتكبوا إثما مبينا  : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50)  النساء )

2 ـ لن يدخل الجنة إلا المتقون ، قال جل وعلا : (  تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً (63)  مريم ) .ومعرفة من هو المتقى لن تكون الا لله سبحانه وتعالى يوم القيامة والحساب، حين يساق الذين كفروا الى جهنم زمرا ، ويساق الذين اتقوا الى الجنة زمرا ، قال جل وعلا ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً )  (71) الزمر )  ، ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ) (73)  الزمر).

3 ـ وفى هذه الحياة الدنيا ـ فلا مجال لأحد أن يزايد على الناس بالتقوى ، أو ان يتظاهر بالتقوى ليخدع الناس متخذا عهدا الله تعالى أى الاسلام وسيلة للوصول لأى نفع دنيوى زائل . الذى يرتكب ذلك يكون خصما للخالق جل وعلا . قال جل وعلا :

3 / 1 : ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) النحل ) ، ( وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95)  النحل)

3 / 2 : ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) آل عمران ).

 

الحرية الدينية المطلقة فى الاسلام :

1 ـ ليس فى الاسلام كهنوت أو مؤسسة دينية او دولة دينية او حزب دينى أو رجال دين.بل هى حرية البشر المطلقة فى العقيدة والايمان والكفر، وحسابهم على حريتهم فى الدين ستكون يوم الدين . والقرآن الكريم كله كتاب فى الهداية ، وفيه حوالى الف آية تؤكد بطريق مباشر أو غير مباشر على حرية الانسان المطلقة فى عقيدته ومسئوليته أمام الله تعالى فقط يوم الدين على ما اختاره من عقيدة وسلوك. ويلفت النظر تركيز آيات القرآن على العذاب ونعيم الجنة تأسيسا على تقرير مسئولية الانسان بعد اعطائه الحرية الكاملة فى الرفض والقبول.

2 ـ ليست فى الاسلام عقوبة جنائية فيما يخص حقوق الله تعالى، وهى الايمان به وحده وتقديسه وحده وعبادته وحده. انما العقوبة ــ فقط  ــ فيما يخص حقوق البشر والمجتمع، فمثلا فان من انتهك حقوق الآخر فانه يعاقب عما ارتكبه . الا انه اذا سبّ الله سبحانه وتعالى فليست عليه مؤاخذة عقابية فى الدنيا ، ويكفى ما سيصير اليه حاله فى الآخرة اذا لم يتب.

 الدين لله جل وعلا يحكم فيه يوم الدين ، أما الوطن فلجميع المواطنين

 1 ـ لأنها دولة الديمقراطية المباشرة التى تقوم على رعاية حقوق الانسان والموازنة بين الحرية والعدل ، والموازنة بين الفردية والتفاعل مع المجتمع، وتكفل للمواطن حقوق المواطنة بالعدل المطلق بغض النظر عن عقيدته ودينه.

2 ـ هى دولة الدين لله والوطن للجميع : بمعنى حرية التدين المطلقة بدون تدخل من أحد ليكون كل فرد مسئولا عن اختياره أمام الله تعالى وحده يوم الدين ، وحتى لا يجد حجة بالاضطهاد أو مصادرة الحرية. وهى دولة الوطن فيها للجميع على حد سواء وفق عدل الله تعالى المطلق.

3 ـ وهى دولة: (الآخر) فيها ليس المختلف فى الجنس أو العقيدة أو المذهب أو اللغة أو الفقير، بل الآخر فيها هو المجرم الارهابى الخارج عن القانون الى أن يتوب ويعطى حق المجتمع.

4 ـ وهى دولة لا تكره ذلك الآخر المجرم المعتدى ، وانما تسعى لاصلاحه وتهذيبه، تكره فعله واجرامه دون أن تبغضه هو. بل ان عملها على اصلاحه يعنى حرصا عليه وحبا فيه باعتباره انسانا قبل كل شىء, ولذلك فانها تعطيه فرصة أخرى ليتوب وبالتوبة ترتفع عنه العقوبة. والعقوبات فى الشريعة الاسلامية الحقيقية ليست للإنتقام بل للإصلاح ، لذا تسقط بالتوبة . وأى عقوبة دنيوية ليست بشىء مقارنة بالخلود فى الجحيم .

5 ـ نتذكر قوله جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) الشعراء ). إن عصوه فلا يتبرأ من أشخاصهم بل فقط من عصيانهم .

 

 

 

الفصل الأول :

   الشورى فريضة إسلامية ( الديموقراطية المباشرة )

1 ـ هناك فرائض اسلامية غائبة صادرها المسلمون عمدا حين أقاموا لهم امبراطوريات تقلد الحكم البيزنطى والفارسى بقدر ما تناقض الاسلام وتشريعاته وقيمه الأخلاقية. الشورى الاسلامية –أو الديمقراطية المباشرة – هى احدى تلك الفروض الاسلامية الغائبة أو المغيبة عمدا. ديمقراطية الاسلام تحولت الى طغيان فى تاريخ الخلفاء الفاسقين ، فتم تثبيت معنى الشورى بمفهوم الراعى والرعية لتسويغ تسلط الخليفة على الناس بحجة أنه يستمد سلطته السياسية من الله تعالى ،وأنه مسئول امامه فقط عن الرعية يوم القيامة ، وأنه يملك الأرض وماعليها ومن عليها ، ومن حقه أن يقتل ثلث الرعية لاصلاح حال الثلثين . 

 2- الشورى – أو الديمقراطية الاسلامية – لها جذور فى عقيدة التوحيد الاسلامية: لا اله الا الله جل وعلا الذى لا شريك له فى حكمه . 

2 / 1 : فالله الخالق جل وعلا وحده : هو الذى لا يسأل عما يفعل ، وليس مسئولا أمام أحد من خلقه، وما عداه من مخلوقات هى تتعرض للمساءلة . قال جل وعلا :  ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)الأنبياء  ). وعليه فالحاكم الذى يستنكف ان يسائله شعبه يكون مدعيا للألوهية كافرا بعقيدة الاسلام حيث رفع نفسه الى مستوى الله تعالى الذى لا يسأل عما يفعل.

2 / 2 : خاتم النبيين عليه وعليهم السلام قد أمره ربه جل وعلا  بأن يشاور الناس ، انه  نبى يأتيه الوحى الالهى ومع ذلك فالوحى الالهى نفسه يأمره بالشورى ، وعليه فان أى حاكم مسلم يستنكف من ممارسة الشورى انما يرفع نفسه فوق مستوى خاتم النبيين ، أى يدعى الألوهية ، وهو بذلك يخرج عن الاسلام ويكفر به.

2 / 3 : القرآن الكريم ردد قصة فرعون موسى وجعله نموذجا لعقلية الحاكم المستبد الذى يصل به استبداده الى ادعاء الألوهية ويصل به فساده الى اهلاك نفسه ومملكته وجنده وقومه . حين تتدبر القصص القرآنى عن ذلك الفرعون تجد كل ملامح العقلية الاستبدادية وانعكاسها على الملأ المحيط بالفرعون وترديدهم لما يحب أن يسمعه ، واكثر من ذلك تجد مستبدى عصرنا يرددون نفس التعبيرات ويعيشون نفس العقلية. كل ذلك يؤكد على ان الاستبداد قرين الكفر والظلم .

2 / 4 : كما إنّ الديمقراطية الاسلامية لها جذور فى عقيدة الاسلام فإنّ القسط هو سبب انزال الكتب الإلهية وارسال الرسل عليهم جميعا السلام . قال جل وعلا : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ  ) (25)  الحديد ). وعليه فان الظلم هو خصم لدين الله تعالى وشرعه ، والديمقراطية الاسلامية أو الشورى هى العدل السياسى فى الاسلام بينما يكون الظلم هو أساس الاستبداد المناقض للاسلام حين ينفرد شخص واحد أو أسرة أو حزب او قبيلة باحتكار السلطة والثروة دون بقية الشعب.

3- فى ديمقراطية الاسلام تجد الأمة هى مصدر السلطات وليس الحاكم .

لقد جاء النبى محمد هاربا بحياته ودينه من اضطهاد قريش فأقام له سكان المدينة له  دولة ، هى أول وآخر دولة اسلامية حقيقية . قال له ربه جل وعلا يخاطبه مباشرة وهو الحاكم لتلك الدولة : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران  ) .  

3 / 1 : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ) : أى بسبب رحمة من الله سبحانه وتعالى جعلك لينا معهم ورحيما فى التعامل معهم.

3 / 2 : فماذا اذا لم يكن لينا هينا معهم ؟ : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )   فماذا اذا انفضوا من حوله ؟ سيفقد قوته، وسيفقد الحماية، وسيعانى الاضطهاد الذى كان فيه وربما يتشرّد بين القبائل .!. اذن هو يستمد السلطة والقوة والنفوذ والمنعة والدولة من اجتماعهم حوله ، أى أنهم مصدر السلطة له فى الدولة التى أقاموها له ، أى أنه لا يستمد سلطته من الله تعالى وأنما يستمدها من الشعب .

3 / 3 : ، ولأنها سلطة الشعب فلا بد أن يستميل اصحاب السلطة اليه- أى الشعب - كى لا ينفضوا عنه . فماذا يفعل ؟ يقول له ربه جل وعلا فى التشريع السياسى للنبى الحاكم وبالتالى لكل حاكم للدولة الاسلامية : ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) ، أى يعفو عنهم اذا أساءوا اليه ، ويستغفر لهم اذا أذنبوا فى حقه، ويشاورهم فى الأمر – كل أمر – لأنهم أصحاب الأمر.

3 / 4 : الأمر بالشورى جاء هنا يأمر النبى بأن يشاورهم ( جميعا ) فى ( أى أمر ) يهمهم ( جميعا ) ، أى يشاوركل المواطنين رجالا ونساء ، أغنياء وفقراء دون تفرقة من أى نوع أو استثناء لأى نوع - وفق الديمقراطية المباشرة التى لا مجال فيها للتمثيل النيابى أو الديمقراطية غير المباشرة.

4 ـ المعتاد أن المستبد يستمد سلطته بالتعذيب الذى يقهر به الشعب ، وهو المعروف بهيبة الدولة، وهو ( الدولة ) وهو صاحب السيادة وصاحب الهيبة .   

5- ومن العجب ان الشورى الاسلامية كفريضة اسلامية جاء الأمر بها - فى سورة مكية قبل قيام الدولة الاسلامية فى المدينة ، هى (سورة الشورى ) . يقول الله جل وعلا فى بعض أوصاف المجتمع المسلم : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38).  

5 / 1 : أى جاء الأمر بالشورى مقترنا بالصلاة وايتاء الصدقة ، لتؤكد أن فريضة الشورى مثل فريضة الصلاة ، فكما لا يصح الاستنابة فى الصلاة – اى لا يصح أن يصلى أحد عنك – فلا يصح أيضا أن ينوب عنك غيرك فى حضور مجالس الشورى ، وكما لايصح أن يدفع عنك أحد الصدقة فلا يصح أن ينوب عنك أحد فى حضور فريضة الشورى . وهى جمعية عمومية فى كل قرية وفى كل حى ومنطقة سكنية تضم كل المواطنين بغض النظر عن عقائدهم وأى وضع اجتماعى آخر . وبالتالى فالشورى الاسلامية هى الديمقراطية المباشرة وليست الديمقراطية النيابية والتمثيل النيابى ، أى أن الشورى الاسلامية او الديمقراطية الاسلامية تتفوق على أغلب الديمقراطيات الغربية النيابية .

5 / 2 : واذا كانت الصلاة فرضا عينيا على كل مسلم فى الصحة والمرض وفى الاقامة والسفر وحتى وقت الحرب  فان فريضة الشورى كذلك يمارسها المسلم  فى جماعة المسلمين أو المواطنين ، كما يمارسها فى بيته وعمله .

5 / 3 : من المهم هنا التأكيد على أن مصطلح المسلم هو كل مواطن مسالم بغض النظر عن عقيدته وايمانه . 

 

التعليقات

بن ليفانت

وجهة نظر 

 وجهة نظر حول ما جاء في المقالين الأخيرين :

قبل كل شيء: لا يوجد شيء معين يمكن تعريفه بأنه "سعادة" وإنما يوجد شعور بالارتياح والفرح والسكينة و و وبما نطلق عليه اسم سعادة. هذا الشعور بالسعادة ليس له مسبب ثابت وإنما يتوقف على شخصية ونفسية الإنسان، وكثيرا ما يكون مستقلًا عن المحيط.. من وجهة نظري هناك عاملان أساسيان يؤثران على شكل الاديولوجيات والأنظمة في المجتمعات واستمراريتها: العامل الأول هو الفكر المتًبنّى في  المجتمع، وفعليًا ليس هو الفكر بحد ذاته وإنما ما يفهمه الناس تحت هذا الفكر، فالشيوعية في عهد ستالين مثلًا لا تتطابق مع الشيوعية كما يفهمها ماركس، وهناك أمثلة عديدة أخرى.

ثانيًا: النظرة إلى طبيعة الإنسان (الفرد) في المجتمع، فنظرة الشيوعية إلى الفرد هي أنه يخدم المجتمع ويتساوى مع غيره وأن دخله يتناسب مع حاجته وحالته الإجتماعية في الدرجة الاولى (فرد، عائلة، أولاد) مع مراعاة إمكاناته في الدرجة الثانية. الشعور "بالسعادة" يأتي حسب الفكر الشيوعي من خلال سعادة المجتمع ككل ومن أن الفرد هو جزء من هذا المجتمع. في النظام الرأسمالي يتساوى الأفراد تجاه القانون، أما دخل الفرد ومركزه الاجتماعي فيتوقف بالدرجة الاولى على أمكاناته، مع مراعاة حالته الاجتماعية – يعني العملية عكسية. الشعور بالسعادة هنا هي مسألة فردية، كل حسب إمكاناته وإنجازاته، وأحيانًا على حساب غيره .

 يتبين لنا من خلال هذه المقدمة أن البشر يصيغون الأنظمة حسب تصورهم وفهمهم ويفترضون طبيعة للإنسان، ومن الطبيعي أيضًا أن لا تسير الامور حسب القواعد النظرية دائمًا. لأن الأمر يرجع لطبيعة وتفكير هذا الإنسان. هذا يعني أنه لو وجد نظام مثالي (إلاهي)، فلن ترى منه سوى ما يطبقه البشر من خلال تفسيرهم وتأويلهم وتصرفاتهم. حتى دولة المدينة كان فيها مشاكل كثيرة ذكرت في سورة التوبة.ما نستطيع فعله هو تتبع شعور الناس الذين يعيشون تحت نظام ما ومقارنة ذلك مع الأنظمة الأخرى.

الديموقراطية المباشرة في العلمانية الاسلامية

أتفق مع ما جاء في المقال مع الإختلاف النسبي في تطبيق الديموقراطية: صحيح أن الشورى وابداء الرأي يجب أن يقوم بها كل فرد كما هو الحال في أداء الصلاة: وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ‎﴿الشورى ٣٨﴾. من الواضح أن الصلاة لا يمكن إقامتها دون أن يركع الشخص نفسه ويسجد، بينما يمكن الإنفاق (ومعناه إعطاء المحتاج) عن طريق منظمة – المهم في الأمر أن يصل مالك إلى الشخص المحتاج وأنت هنا المانح وليس المنظمة. كذلك أفهم الشورى أو إبداء الرأي، فالمهم في ذلك أن يصل صوتك مباشرة أو عبر شخص آخر وأن يمثلك هذا الشخص كما كنت ترغب. هناك أمور معقدة لا يستطيع الفرد العادي فهمها، حتى لو شرحت له، وفيها وجهات نظر مختلفة، ومن العبث أن يصوت الفرد على شيء لم يفهمه، وإن صوت فهو يأخذ برأي الشخص أو الجهة أو الحزب الذي يثق به .

 أحمد صبحى منصور

جزاك الله جل وعلا خيرا اخى بن ليفانت . واقول:

1 ـ ـ ورد مصطلح السعادة مقابل الشقاء ( فى القرآن الكريم ) عن أصحاب الجنة وأصحاب النار فى سورة ( هود )  التعبير المناسب عن سعادة الدنيا هو ( راحة البال ) كما جاء فى سورة ( محمد ) أو الاطمئنان القلبى كما جاء فى سورة ( الرعد ). 
2 ـ  قلت باختلاف مفاهيم الديمقراطية والعلمانية والشيوعية نظريا وتطبيقيا . هناك إختلاف دائم بين النظرية ( حتى لو كانت موحدة ) وتطبيقاتها . فى هذا البحث عن ماهية الدولة الاسلامية العلمانية أحاول إستخلاص معالم الدولة الاسلامية من القرآن الكريم وحده ، ليس فقط من ناحية الأسس النظرية بل وما جاء من إشارات عن تطبيقها وعوائقها ، مع إشارات الى تبدّل مفاهيمها بحيث تحولت الى إستبداد تحت مسمى الشورى وأولى الأمر والحكم بم أنزل الله. البحث لم يكتمل نشره ، وهو أول بحث فى هذا الموضوع ، وليس هو الكلمة الأخيرة فيه. نحن روّاد علينا أن نطرق الأبواب ، ومن يأتى بعدنا يضيف ويصحح .  . 

 

الفصل الثانى

الشورى الاسلامية هى حُكم الشعب وليس حكم الفرد 

لا وجود لحاكم فرد فى الشورى الاسلامية

مقدمة

من الأعاجيب السياسية أن بعض الدول الديكتاتورية تسمى نفسها بالشعبية والديمقراطية أو الجماهيرية ،  هذا مع إن الذى يديرها ويملكها فرد واحد ، يعاونة ملأ من كلاب حراسته يقهر بهم الشعب ، أى إنه هو الشعب وهو الدولة وهو الوطن . الدولة الاسلامية على النقيض تماما . هى دولة يحكمها شعبها ، والشعب فيها هو مصدر السُّلُطات طبقا لقوله جل وعلا للنبى محمد القائد : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَ لِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران ). ونتوقف مع آيات نرجو التدبر فيها ، عن أن الشورى الاسلامية هى حُكم الشعب .

أولا :

1 ـ لم يأت لفظ ( الحكام ) فى القرآن الكريم إلا مرّة وحيدة فى موضوع سلبى يدُلُّ على الفساد ، فى قوله جل وعلا : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) البقرة ). بمعنى أنه لو كنتم محكومين بحُكّام فاسدين فلا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدفعوا رشوة الى حكامكم الفاسدين . 

ثانيا :

  مصطلح ( حكم ) فى القرآن الكريم فيما يخصُّ موضوعنا ، وهو كالآتى :

الحكم الدينى التشريعى لله جل وعلا ، ومجال الحرية مفتوح فيه للمشيئة البشرية طاعة أو عصيانا :

فى ( لا إله إلا الله ) .

قال يوسف عليه السلام لصاحبيه فى السجن : ( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40) يوسف )

فى الاحتكام الى شرع الله جل وعلا فى القرآن الكريم :

1 ـ هذا فرض دينى . قال جل وعلا للمؤمنين عند الوقوع فى خلاف أو نزاع أن يرجعوا الى كتاب الله :

1 / 1 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) النساء )

1 / 2 : ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) الشورى )

2 ـ كان بعض أهل الكتاب يُدعون الى ذلك ، فيرفضون ، ولم تقع عليهم عقوبة من السلطة . قال جل وعلا :

  ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) آل عمران )

3 : نفس الحال مع المنافقين ، ولم تقع عليهم عقوبة من السلطة . قال جل وعلا :

3 / 1  : ( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (50) النور) وإختلف الوضع مع المؤمنين : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (51) النور )

3/  2 : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) النساء )

الحكم لله جل وعلا على الناس فى إختلافاتهم الدينية يوم الفصل

قال جل وعلا :

عموما :

1 ـ ( وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) الرعد ). وهذا ما يكفر به من يؤمن بشفاعة البشر يوم الدين .

2 ـ ( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) الزمر )

عن بنى إسرائيل وخلافاتهم : ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل )

عن النصارى فى طبيعة المسيح : ( ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) آل عمران )

عن الخلاف بين النصارى واليهود وغيرهم : ( وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة )

عن الخلاف بين النبى محمد والكافرين : ( وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) الحج ).

فى كل ما سبق فإن مصطلح ( حكم ) لا يعنى الحكم السياسى ، بل الحكم ( بين ) خصمين .

الحكم القضائى بين الناس فى الدولة الاسلامية

هنا يتجلّى بوضوع الحكم القضائى ( بين ) الخصوم

1 ـ ونبدأ بالنبى داود وقد قال له ربه جل وعلا : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) ص ).

2 ـ وهو نفس الأمر الذى أمرنا به : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) النساء ).

3 ـ وخدع بعضهم النبى محمدا فحكم ظلما ، فنزل قوله جل وعلا فى خطاب مباشر له : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً (105) وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (106) النساء ).

4 ـ الاخوان المسلمون وأشباههم يزعمون جهلا وكفرا أن ( حكم ب ) تعنى الحكم السياسى ، ولا يعلمون أنها تعنى الحكم القضائى . ويحلو لهم الاستشهاد بقوله جل وعلا فى سورة المائدة : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44)، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (45) ، (  وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (47)) .

الخطأ هنا فى شيئين :

4 / 1 : هم يقتطعون هذا من السياق الذى نزل عن أهل الكتاب فى إحتكامهم .

نقرأ الآيات كاملة : ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (47) المائدة ).

4 / 2 : الآيات تتحدث عن الاحتكام الى كتاب الله جل وعلا ( القرآن الكريم ) . والوهابيون ومن على شاكلتهم يريدون الحكم بشريعتهم السنيّة ، وهى فقط لا تتناقض مع القرآن الكريم ، بل هم أيضا لا يحددون أى مذهب منها ، وكل مذهب فيه خلافات ، بل تجد الخلافات فى الكتاب الواحد ، بل فى الصفحة الواحدة ، على مستوى كتب الفقه والأحاديث . وأثبتنا هذا كثيرا الى درجة الملل . 

 باختصارفان فعل " حكم"  لم يأت فى القرآن الكريم متعديا أى بمعنى الحكم السياسى أى " يحكم الناس أو يحكم الشعب "، ولكن جاء لازما يحتاج الى ظرف أو جار ومجروربمعنى " يحكم بين الناس" ويكون هنا بمعنى القضاء والتقاضى أى يقضى بين الناس،  أو " يحكم ب " أى يحكم فى القضاء  بشرع الله تعالى أو شرع غيره .  

ثالثا :

1ـ الخطاب التشريعى فى القرآن الكريم لم يأت يخاطب حاكما فردا على الاطلاق وانما جاء يخاطب عموم المؤمنين بأوامر تشريعية عقيدية وأخلاقية وسياسية وحربية، على اعتبار انهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم.

يقول لهم مثلا فى سورة البقرة : (   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)  البقرة  )

(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ (254) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِوَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ...(282 ).  

 

الفصل الثالث :

( أولو الأمر ) فى  الشورى الاسلامية   

أولا :

1 ـ يأتي معنى (الأمر) في القرآن بمعنى الشأن أو الموضوع المفهوم من السياق، وبمعنى الخلق والحتميات ، وبمعنى الأمر التشريعي.

2 ـ ونستدل بآيات قرآنية نرجو التدبر فيها:  

الأمر الحتمي :

مرتبط بالخلق والحتميات التي يخضع لها البشر، وليسوا مساءلين عنها يوم القيامة. وفي هذا يقول رب العزّة : ( وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)( البقرة 117 ) ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ( يس 82 ).

 الأمر التشريعي :

1 ـ وهو يشمل الامر والنهي معاً، ويأتي هذا بلا لفظ الأمر والنهي مثل ( إتبعوا ولا تتبعوا) في قوله جل وعلا ( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ )( الأعراف 3 ).

2 ـ  وقد يأتي الأمر والنهي معاً بلفظهما كقوله جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ) ( النحل 90 ).

3 ـ وقد يأتي الأمر التشريعي للنبي بلا إستعمال للفظ الأمر كقوله جل وعلا :( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )( محمد 19).

4 ـ وقد يأتي للمؤمنين بلا إستعمال للفظ الأمر كقوله جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) ( الأحزاب 40 : 43 ) .

5 ـ وقد تأتي أوامر مباشرة للناس باستعمال لفظ الأمر كقوله جل وعلا :(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )( النساء 58)( ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ )( الطلاق 5 ).

6 ـ وقد تأتي أوامر مباشرة للرسول باستعمال لفظ الأمر ويعلنها الرسول مثل :  ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (الزمر 11)  

7 ـ ويأتي الأمر والنهي للرسول وقومه معاً: ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا) (هود112). ويأتي الأمر للرسول وقومه معاً: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه 132)  .

 8 ـ وطاعة أوامر الله جل وعلا وإجتناب نواهيه متروك للبشر إختباراً لهم في هذه الحياة الدنيا. وعلى أساس حريتهم في الطاعة أو المعصية في هذه الدنيا سيلقون يوم الحساب جزاءهم، ولكن فى الدين الأرضى ترى المستبد هو الآمر ، ومنه ( أمير المؤمنين ) أى الذى يأمر فتجب طاعته ، وبهذا جاءت أحاديث بطاعة ( ولى الأمر ). ويحلو لهم الاستشهاد بطاعة ( أولى الأمر ) ، مع ان ( الأمر ) هنا يعنى الشأن والموضوع .

( الأمر ) بمعنى الشأن الخاص بالموضع المراد في السياق:

  وهنا تنوع  :

  بعض الآيات يأتى فيها الأمر بالمعنيين

  1 / 1: ( التشريعى ) و ( الشأن الخاص الموضوعى ) ، مثل :

( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36) الاحزاب ). ( أمرا ) بمعنى التشريع . ( أمرهم ) بمعنى الموضوع أو الشأن الخاص فى سياق الآيات .

 1 / 2 : ( الحتميات والشأن الخاص الموضوعى) فى موقعة أُحُد : (  ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) (154)) ‎﴿آل عمران ﴾‏. ( هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ) ( لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ) أى الشأن الخاص بموضوع القتال فى غزوة أُحُد ، ومن قّتل فيها . ( قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ). الأمر هنا عن حتمية الموت ، بدليل ما جاء بعدها : (  قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ  ).

2 ـ بمعنى الشأن ، وبمعنى الأمر واجب النفاذ : فى قصة سليمان وملكة سبأ : ( قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) النمل ) ( فِي أَمْرِي ) أى الموضوع المطروح للاستفتاء . (  وَالأَمْرُ إِلَيْكِ  ) أى الأمر أو الشأن اليك . (مَاذَا تَأْمُرِينَ ) أى ينتظرون أوامرها .

 آيات فيها ( الأمر ) مفردا بمعنى الشأن ، و (الأمور) جمعا  :

1 ـ ( وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (44) الانفال )  

2 ـ ( وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ) (48) التوبة )

( الأمر ) بمعنى الشأن ( مفردا )و ( الأمور ) جمع تكسير.

آيات فيها ( الأمر ) مفردا فقط :

عن إهلاك الأمم السابقة :

(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ ) (15) الحشر )

( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5)  التغابن )

(  فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً (9) الطلاق )  

أما عن المتقين : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4) الطلاق )

عن الأمم التى تفرقت فى الدين : ( وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ) (93) الانبياء ) ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) المؤمنون )

 عن المحمديين المتفرقين فى الدين :  ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ )(159)الانعام ).

فى قصة نوح عليه السلام . قال لقومه : ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً)(71) يونس ).

عن يوسف وأبيه وإخوته : ( فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (15))( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً ) (83) ) ( وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)) يوسف ).

فى قصة موسى : ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) طه )   ( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) طه ) (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ) (62) طه ) ( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ )  (44) غافر)

عن الأنبياء السابقين المقاتلين وأتباعهم : ( وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ) ‎﴿آل عمران: ١٤٧﴾‏

عن أهل الكهف ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21) الكهف ).

عن النبى محمد عليه السلام :

عن علاقته بكفار قريش فى مكة : ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) الكهف )

موقعة بدر :( إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ )(43) الانفال ).   

 موقعة أُحُد : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ)(آل عمران 152).  

فى موضوع الغفران أو العقاب (  لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ )  ‎﴿آل عمران: ١٢٨﴾‏.

عن المنافقين: ( إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ )(50) التوبة ). ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ ) (26) محمد )

عن النبى والمؤمنين :( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ) (7) الحجرات )

 عن موضوع الربا : (  فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ) ‎﴿٢٧٥﴾ البقرة ).

عن مكائد الكفار : ( أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) الزخرف )

ثانيا :

الأمر بمعنى الشأن فى موضوع أو ( أمر الشورى )

1 ـ ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) (38) الشورى )، أى ( جميع ) أمورهم العامة شورى بينهم ( جميعا ). هذا يشمل الرجال والنساء البالغين . أى جمعية عمومية .

2 ـ (  فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ‎﴿آل عمران: ١٥٩﴾‏. أمر للنبى محمد أن يشاورهم جميعا ، هذا يشمل الرجال والنساء البالغين . أى جمعية عمومية .

3 ـ ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ) (62) النور ). ( الأمر الجامع ) أى أمر ذو شأن عام .

ثالثا :

ندخل على مفهوم (أولي الأمر)

  أي أصحاب الشأن المتخصصين في الموضوع المراد.

وقد جاء مرتين في سورة النساء :

1  / 1  : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء 59). هنا عن طاعة أولى الأمر الخبراء فى الشأن المطروح للنقاش . وطاعتهم مرتبطة بطاعة الله جل وعلا ورسوله . والرسول هنا يعنى القرآن الكريم ، أى الرسالة بعد موت الرسول محمد عليه السلام . وإذا حدث تنازع فى موضوع أو شأن فالاحتكام الى كتاب الله ، هذا إذا كانوا فعلا مؤمنين بالله جل وعلا ويخشون اليوم الآخر .

1 /  2 :  (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)(النساء 83) .  ).هنا فى سياق الحديث عن المنافقين ، وقيامهم بنشر الشائعات الخبيثة دون الرجوع الى أولى الأمر المتخصصين فى الشئون الأمنية .

رابعا :

ومن خلال بعض ألايات القرآنية نجد إشارة ضمنية لدور الخبراء أصحاب التخصص فى الأمر المعروض للبحث وللتنفيذ .

1 ـ  فى الموضوعات الأمنية

فى سورة الممتحنة ـ وهى من أوائل السور المدنية ـ قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) (10) الممتحنة  ). توافدت  نساء مهاجرات ، وهناك إحتمال وارد أن تكون من بينهن جاسوسات ، لذا كان لا بد من عقد إختبار أمنى لهن ، فى إسلامهن السلوكى ، وليس القلبى . فإن ثبت أنهن مأمونات الجانب مسالمات فلا سبيل لارجاعهن الى الكفار . إذا ثبت غير ذلك فيجب إرجاعهن . من الطبيعى أن الذى يقوم بهذه المهمة لا بد أن يكون خبيرا أمنيا .

فى تطبيق الشريعة الاسلامية :

فى قتل الصيد فى الحرم :  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (95)المائدة )

فى محكمة الأسرة :

( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ) (35) النساء ).

فى الطلاق والرضاعة ولوازمها :

( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) (233) البقرة )

(   فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ )(2) الطلاق )

 ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ )  (7) الطلاق )

 أخيرا :

 أولو الأمر فى الاسلام هم الخبراء فى الأمر المطروح مناقشته حيث يتعذر على جمهور المسلمين أن يتخصصوا فى كل شىء ، لذا فان طاعتهم واجبة فى حدود تخصصهم وفى اطار طاعة المولى جل وعلا والرسول اى القرآن أو الرسالة. ويتعرضون للمساءلة من الجمعية العمومية .  

 

الفصل الرابع :

  القرار للأغلبية فى الشورى الاسلامية

 

  أولا :  الأغلبية بين الاسلام القلبى والاسلام السلوكى :

1 ـ فى الايمان القلبى والاسلام القلبى تجد الأكثرية كافرة لا تعقل ولا تفقه ولا تؤمن بالله جل وعلا إلا وهى مشركة .  ومصطلح ( الأكثرية ) يؤكد هذا ، وهو يرد ( كثيرا ) فى القرآن الكريم ، ونكتفى منه قوله جل وعلا للنبى محمد نفسه : (  وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) الأنعام )، أى أكثرية البشر ليسوا فقط ضالين ، بل هم مُضلُّون ، يستطيعون إضلال النبى محمد نفسه لو أطاعهم .

فى المقابل فإن أقلية البشر هم أصحاب الجنة من السابقين وأصحاب اليمين : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ (14) ) ( لأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ (40) الواقعة ).

وهذه التقوى القلبية أو عدمها مرجع الحكم لرب العزة جل وعلا مالك يوم الدين .

2 ـ التعامل بالاسلام السلوكى ( السلام ، والأمن ) هو أساس المواطنة ولا علاقة له بالاسلام القلبى والتقوى . وبهذا يكون إتخاذ قرارات مجالس الشورى بأغلبية الحاضرين ، على أساس المساواة المطلقة بين الناس . والناس هنا هم كل المؤمنين سلوكيا بمعنى الأمن والأمان ، وهذا يشمل كل بلغ التكليف والرُّشد من الذكور والاناث . لكل فرد منهم صوته ، والأغلبية التى تُصوّت لقرار هو الذى يتم ، وعلى الأقلية الانصياع لرأى الأغلبية .

3 ـ هنا يكون معيار الأغلبية والأقلية فى الاسلام السلوكى فى قرارات مجالس الشورى مختلفة عن الأغلبية والأقلية فى معيار الاسلام القلبى .

ثانيا : أمثلة فى قرار الأغلبية فى الشورى الاسلامية

1 ـ  فى موقعة بدر :

طردت قريش المؤمنين وصادرت ممتلكاتهم وبيوتهم وأسهمهم التجارية فى رحلتى الشتاء والصيف ، ثم تابعت الهجوم عليهم ، وكانوا مأمورين بكفّ اليد عن رد العدوان الى أن يتم إستعدادهم القتالى ، وبعده نزل الإذن بالقتال . وكانت القافلة التى تتاجر بأموالهم تمر قريبا ، فكانت موقعة بدر . كان المؤمنون يأملون فى الاستيلاء على القافلة التى تحمل أموالهم ، ويخشون أن يتورطوا فى قتال مع قريش التى كانت أعتى وأقوى قبيلة . هرب أبو سفيان بالقافلة ، وفوجىء النبى والمؤمنون بجيش أقوى وأكثر عددا منهم يتحتم عليهم مواجهته . عقد النبى محمد عليه السلام مجلس شورى ، وفيه إعترض بعض أهل بدر، ولكن الأغلبية كانت مع المواجهة لأن الفرار مقدما يعنى أن يطاردهم عدوهم ، وتكون لهم هزيمة فعلوها بأنفسهم . كان قرار المواجهة للأكثرية هو الذى إنتصر ، وهو الذى تمّ تنفيذه ، وانخرط الجميع فى القتال وهم يستغيثوب بربهم فاستجاب لهم ونصره . نقرأ قوله جل وعلا : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) الانفال ).

2 ـ فى موقعة أُحُد

كانت هزيمة بدر صفعة مؤلمة لقريش ومكانتها فكان لا بد أن تثأر لكرامتها ، جهزّت جيشا قويا زحف نحو المدينة . جاءت الأخبار مقدما للنبى محمد عليه السلام ، فعقد مجلسا للشورى . كان هناك رأيان : رأى المنافقين أنه يجب أن ننتظرهم الى أن يصلوا المدينة ، ورأى الأكثرية من الشباب المتحمس أن يبادروا سريعا بمقابلتهم فى الطريق ، وأن يجهزوا مسرح المعركة لهزيمة عدوهم . إنتصر رأى الأغلبية ، غضب المنافقون وامتنعوا عن الخروج للقتال . كان واضحا أن المتحمسين للخروج للقتال هم الشباب الذين لم يحضروا موقعة بدر ، وظنوا أن النصر فى هذه الموقعة سهل ميسور كما حدث فى بدر ، وكانت الغنائم دافعا إضافيا لهم    . كانت أوامر النبى للرماة أن يظلوا فى أماكنهم سواء إنتصر جيشهم أم انهزم . خالفوا أمر النبى وتركوا موقعهم الحصين ، وهبطوا الى ساحة المعركة حين رأوا إخوانهم يهزمون الجيش القرشى ، ويطاردونه ، أرادوا الحصول على غنائم . إنكشف ظهر جيش المؤمنين ، وإستدار الجيش القرشى وقام بهجوم مضاد ، وحصل على نصر سريع ، بعده غادرسريعا حتى لا يفقد النصر السريع ، وحاول بعض المؤمنين ( الجرحى ) اللحاق بهم فلم يدركوهم . قال جل وعلا فى ذلك :

2 / 1 : ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ ) ( 154 )  آل عمران ) . نلاحظ قوله تعالى لهم : (  مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ  ) وكان هذا سبب الفشل والتنازع والهزيمة بعد أن كانوا منتصرين يطاردون الجيش القرشى . وعن الفوضى وقتها : (  إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ  ). من المهم أن نذكر أن المؤمنين تعلموا درسين : طاعة القائد الحربى ، وأن يكون القتال الدفاعى فى سبيل الله جل وعلا وليس فى سبيل الغنائم .

2 / 2 : ( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ  عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)  آل عمران ). هذا عن شجعان المؤمنين الجرحى الذين صمموا على مطاردة جيش قريش .

3 ـ بعدها كان عقد مجلس الشورى لتقييم ما حدث ، وحضره الجميع ومنهم المنافقون الذين تخلفوا عن القتال ، والذين قال فيهم رب العزة جل وعلا : ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) آل عمران ) . فى مجلس الشورى وجدها المنافقون فرصة للهجوم بزعم أن الهزيمة سببها أنه لم تعد لهم مكانة ، وأنه ليس لهم من الأمرشىء ، وأنهم لو أطاعوا رأيهم ما خسروا أولئك القتلى . كانوا فئة قليلة مستكبرة يرون أنفسهم أصحاب الأمر . نفهم هذا من إيراد قولهم وردّ رب العزة عليهم ، فى قوله جل وعلا : (  وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) ال عمران ) . نلاحظ الوصف الالهى لهم ( ظنّ الجاهلية )، والمعنى إن المؤمن بالله جل وعلا وقضائه وقدره و ( الحتميات ) يعلم أن موعد ومكان موته أو قتله محدد سلفا ، وبالتالى لا يخشى الموت أو القتل . وبالتالى أيضا يستبسل فى القتال فى سبيل الله جل وعلا لا يخشى غيره.

ثالثا : تفعيل وتنشيط الأغلبية الصامتة من المؤمنين

1 ـ نفهم من نزول فريضة الشورى  فى مكة أنه طبقها المسلمون فيما بينهم سرّا وقت أن كانوا أقلية مستضعفة فيها ، ثم بعدها فى المدينة كانت تؤدى علانية كفريضة اسلامية فى المسجد الذى يتحول الى مجلس عام أو جمعية عمومية تشمل كل افراد المسلمين رجالا ونساءا . ولأنها فريضة جديدة لم يكن لأهل المدينة من الأنصار عهد بها من قبل  فقد حدث أن تخلف بعضهم  بعذر أو بدون عذر ، فقال لهم رب العزة جل وعلا :

( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)النور ) .

2 ـ الواضح هنا أن الخطاب الالهى هو عن المؤمنين الحقيقيين الذين إذا دعاهم الرسول الى مجلس الشورى الذى هو ( أمر جامع ) فعليهم المبادرة بالحضور ، إّذ إن من الملامح الأساس للإيمان الحقيقى ألا يتخلفوا عن حضور مجالس الشورى لأنها فريضة إسلامية ، لا يكون التخلف فيها إلا بعذر قهرى يقبله الرسول محمد عليه السلام . والله جل وعلا يهدّد من يتسلّل من المؤمنين بالعذاب والمحن .

3 ـ الأرضية التاريخية هنا أن أمور ( يثرب ) قبل الهجرة كانت فى يد الأثرياء أصحاب الجاه ، بينما إنصرف أكثرية السكان الى شئونهم الخاصة ، كانوا أغلبية صامتة ، أصفارا على الشمال . بتأسيس دولة النبى الاسلامية فى المدينة أصبح معظم أصحاب الجاه الأثرياء منافقين ، يريدون الإحتفاظ بجاههم فى الوضع الجديد . وهذا يناقض المساواة بين الجميع فى إستحقاق المواطنة ، وبالتالى كان لا بد من تنفعيل وتنشيط الأغلبية الصامتة ، وكانت فريضة الشورى وحضورها هى الطريق الأمثل . ولهذا نزلت هذه الآيات فى أواخر سورة النور ـ وهى من أوائل ما نزل فى المدينة وحفلت بتشريعات جديدة إجتماعية وعقابية وسياسية .

4 ـ وبمرور الوقت نجحت الأغلبية الصامتة فى أن تحضر وتجهر بصوتها وتصوّت بأغلبيتها تؤكد أن الدولة ملكية للجميع ، وهم أغلبية الجميع . لم يكن هذا سهلا ، واجهته عقبات ، ولكن ثقافة الشورى التى تعلموها بالقرآن أنجحتهم .

5 ـ ومن أسف أن مجالس الشورى لم يتم تسجيلها فى العصر العباسى ، ظلت الايات الخاصة بها بلا تأريخ . وهذا لأن التاريخ ينام فى أحضان المستبدين من الخلفاء والسلاطين . 

  

 

الفصل الخامس

   ثقافة الشورى الاسلامية  

 مقدمة

1 ـ كتبنا كثيرا أن تأسيس الديمقراطية لا بد له من تعليم وممارسة وتجذير ثقافة الديمقراطية ، وهذا يحتاج وقتا ، ربما يحتاج الى جيلين . القفز على هذا وعمل هياكل ديمقراطية فى شعب يعتنق ثقافة العبيد لا ينتج سوى الفساد والخراب والمزيد من الاستعباد تحت قشرة ديمقراطية أو ديكور ديمقراطى يكون أسوا من الاستبداد الصريح . تعليم ثقافة الديمقراطية يستلزم وعيا تقوم به نُخبة إصلاحية ، إن تطوعت بالدعوة بدون سماح المستبد فالويل لها ، وهذا ما عانيناه فى مصر ، ولا يزال المصلحون من أهل القرآن وغيرهم يعانون الاضطهاد .

دعنا نتخيل وجود حاكم مستنير مصلح ـ أو على الأقل ـ لا يعادى المصلحين ، هنا تبدأ عمليات إصلاح تشريعى بتغيير القوانين التى تعوق حرية الفكر والرأى والدين والابداع ، واصلاح تعليمى للمناهج وفى كيفية التدريس لتنتقل من عملية التلقين الى عملية التفكير والنقاش وعصف الذهن بين المدرس والطلبة ، ثم إنهاء سيطرة الدولة على الاعلام ليكون حُرّا فى إنتقاد أى مسئول بلا أى مساءلة ، ثم توزيع السلطة بين التنفيذية والتشريعية والقضائية ، تتقاسم السلطة وتراقب بعضها ، وهذا تحت رقابة الاعلام الحُرّ . ويكون مفهوما أن الدولة يملكها الشعب ، وأن من يعمل فى السُّلطة ليس سوى خادم لهذا الشعب .

2 ـ لم يكن سهلا أن تصل أوربا الى هذا بديمقراطيتها الحالية . إستلزم الأمر قرونا وحروبا وأنهارا من الدماء وجبالا من الجماجم والأشلاء . ومع هذا فإن ما وصلت اليه معظم أوربا والولايات المتحدة الأمريكية ليس إلا الديمقراطية النيابية التمثيلية ، أى إنتخاب ممثلين ينوبون عن الشعب . الديمقراطية المباشرة قليلة ونادرة . الشورى الاسلامية هى الديمقراطية المباشرة . ونعطى لمحة هنا عن ثقافتها والتى جعلتها ممكنة فى هذا الوقت من العصور الوسطى فكانت جزيرة وسط محيط من الاستبداد .

أولا :

فى مكة

1 ـ مع كون المسلمين أقلية مضطهدة إلا إن فرضية الشورى نزلت ضمن صفات المجتمع المسلم المأمول تأسيسه ـ بالطبع خارج مكة وبعيدا عن الملأ القرشى المتحكم الفاسد . ونقرأ السياق القرآنى الذى جاء فيه ( أمر ) أو ( موضوع ) الشورى ، قال جل وعلا : ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (43) الشورى ).

2 ـ فى ضوء الثقافة ( الشورية ) نلاحظ :

2 / 1 : اسلوب الآيات الذى يجعل المسلمين المضطهدين يحلمون بهذا المجتمع القوى : (  وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ) .

2 / 2 : الخيارات المتاحة بين العدل ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا  ) ( وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ  ) والاحسان (  فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) والعفو عند المقدرة (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ) (  وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُور  )

2 / 3 : التحذير من الظلم : ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) (  إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  ) ومن كبائر الإثم والفواحش : ( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ   ).

2 / 4 : ثم تأتى الشورى ليس بصيغة الفعل : ( إفعلوا ) ولكن بالجملة الاسمية ، وهى أشد دلالة على الأمر من الصيغة الفعلية ، فلم يقل جل وعلا : أقيموا الشورى بينكم ، وإنما قال : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ). الجملة الفعلية محصورة بزمنها حين تقول ( نجح فلان ) فهذا يعنى أنه نجح فى الماضى فقط . وقولك ( ينجح فلان ) أى نجاحه فى الحاضر فقط ، و ( سينجح فلان ) أى نجاحه فى المستقبل وحسب . أما عندما تقول : ( فلان ناجح ) فهذه الجملة الاسمية تجعل النجاح لازما ثابتا بلا تقييد فى الزمن . وبهذا نفهم الروعة فى الجملة الاسمية ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ). ليس هذا فقط ، بل عمومية الموضوع فى كلمتى ( أمرهم ) التى تشمل كل الأمور الخاصة بالمجموع ، و( شورى بينهم ) أى كل أفراد المجتمع البالغين الراشدين على قدم المساواة . وهذا يعنى أيضا أن تكون الشورى فريضة على جميع المستويات ، من الأسرة الى الحىّ والبلدة والمدينة وحتى فى أماكن العمل .

2 / 5 : بهذه الممارسة العملية تتجذّر ثقافة الشورى .

3 ـ تركّز التنزيل المكى على تربية المؤمنين على ( لا إله إلا الله ) وعلى الأخلاق العليا ، وهذه هى ثقافة الديقراطية المباشرة( الشورى الاسلامية ). وتكرر هذا فى سور ( المؤمنون  1 : 11 ) ( النحل 90 : 97 ) ( الاسراء 22 : 39 ) ( الأنعام 151 : 153 ) (  الفرقان 63 : ـ ).

ثانيا :

فى المدينة :

1 ـ نتصور أن المهاجرين الذين عايشوا التنزيل المكى يحلمون بدولة لهم لم يكونوا من أولئك الذين كانوا يتخلفون عن حضور مجالس الشورى ، وجاء ذكرهم فى سورة النور من أوائل ما نزل فى المدينة مع الجلسات الأولى للشورى الاسلامية .

نذكّر بقوله جل وعلا :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)). فى الايات الكريمة ربط الايمان الحقيقى بحضور فريضة الشورى وجعل التسلل منها أو عدم حضورها عصيانا يستلزم التهديد بالعذاب ، بل ويجعل إستئذان بعضهم الرسول مستوجبا أن يستغفر لهم الرسول .

2 ـ كانت هناك تكرار للنواهى ، ولكن هذا لم يحدث فى موضوع الشورى ، إذ إلتزمت الأغلبية الصامتة بالحضور ، وبرزوا فى النقاش ، وفى التصويت . واصبحوا قوة تتصدّر المشهد فى المدينة على حساب المنافقين الذين تراجعت مكانتهم  .

وهنا نرى رد الفعل عند المنافقين كالآتى :

2 / 1 : الهجوم على النبى وإتهامه بأنه ( أّذُن ) أى يعطى أُذُنه لكل من هبّ ودبّ . وتحمل النبى بكل نُبل وصبر ، ونزل قوله جل وعلا يدافع عنه  ويهددهم بعذاب أليم : ( وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) التوبة ).

2 / 2 : حاولوا الكيد لمجالس الشورى بأن أقاموا مجالس للثرثرة يتناجون فيها ضد النبى والمؤمنين . ونزل فى هذا آيات نرجو تدبرها . قال جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ  أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ  إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (10) المجادلة )

 2 / 3 : بينما شاركت الأغلبية المؤمنة فى القتال الدفاعى تخلّف عنه المنافقون ، زاد هذا من إنحسار نفوذهم وشعورهم بالخوف الشديد بعد أن كانوا الملأ المسيطر من قبل . الآيات كثيرة فى سورة التوبة . نكتفى منها بما جاء عن عادتهم فى الحلف كذبا ليرضوا المؤمنين (  وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) (  يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)) .

3 ـ وسط هذه الممارسة للشورى لم تنقطع التوجيهات فى تدعيم ثقافة الشورى . ونأخذ أمثلة قرآنية مما نزل فى المدينة :

3 / 1 : فى نظام الجلوس فى مجالس الشورى ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)   المجادلة )

3 / 2 : فى آداب الكلام ومنع المزايدات ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ  امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) الحجرات )

3 / 3 : فى التحذير من الاندفاع ، بل الهدوء وانتظار رأى الخبراء ، قال جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)  الحجرات ).

3 / 4 : فى السّمُوّ الأخلاقى ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)الحجرات )

 أخيرا

كم هو عظيم الاسلام .. وكم هو وضيع كوكب المحمديين .! 

كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية )
يتناول قرآنيا ماهية الدولة الاسلامية وعلمانيتها .
يتناول الكتاب القيم الأساس للدولة الاسلامية ، وحرية الدين والديمقراط ية المباشرة بين التنظير والتطبيق ، ومظاهر العلمانية فى الدولة الاسلامية وشريعتها ، كيف نقيم دولة اسلامية علمانية . ثم الخاتمة عن شهادة العصر عن مصر
more