رقم ( 8 )
الباب السادس : كيف نقيم دولة اسلامية علمانية

   الباب السادس : كيف نقيم دولة اسلامية علمانية  

الفصل الأول : فى إقامة القسط  أساسا للاسلام والدولة الاسلامية

الفصل الثانى : الثقافة الاسلامية للتغيير الاصلاحى : حتى يغيّروا ما بأنفسهم

مقالات متعلقة :

الفصل الثالث : الثقافة الاسلامية للتغيير الاصلاحى : قهر الخوف بالتقوى

الفصل الرابع :   إقتلاع الخوف فى تجربة شخصية  ( 1 ) ( 2 )

 

الفصل الأول : فى إقامة القسط  أساسا للاسلام والدولة الاسلامية

أولا :

1 ـ كان التغيير فى كوكب المحمديين يأتى من بريطانيا التى كانت لا تغيب عن أملاكها الشمس . هى التى قضت على الامبراطورية العثمانية وكانت الوريث الأكبر لها ، وهى التى أعادت تشكيل كوكب المحمديين . بعد الحرب العالمية الثانية تراجعت بريطانيا وحلّت محلها أمريكا. وتسلمت مفتاح السيطرة على كوكب المحمديين . مثلا : أمريكا ( جهزت) صدام حسين لحكم العراق ، وأوصلته الى حكم العراق ثم هى التى ( أجهزت ) عليه . ونفس الحال مع القذافى وصولا للحكم ثم قتلا .

2 ـ الاستعمار الحديث لم يعد يحتل الشعوب الأخرى بجنوده ينتشرون فيها يواجهون الشعوب المحتلة ، بل أصبح له مفهوم مختلف ، يكتفى بالقواعد العسكرية ، وتعيين مستبد من نفس الشعب ، ينهب الشعب ويقهره ، ويقوم بتهريب ثروة الشعب الى خزائن الغرب ، وبعد مقتل المستبد تضيع ثروة الشعب المنهوبة ، وبهذا تستولى أمريكا وحلفاؤها على ثروات المحمديين بسهولة . غير هذا تنهب بترولهم لتبيع لهم أسلحة يتقاتلون بها ، ومنها أسلحة انتهى عصرها ، وأسلحة فى طور التجريب والتدريب ، وكلها تحتاج الى حروب تشتعل فوق أجساد المحمديين وبأموالهم . هل هناك خيبة أقسى من هذه ؟

3 ـ أمريكا مطمئنة ، لأن الشعوب مجرد أصفار على الشمال لا وزن لها . تتجرّع الذّل والهوان راضية مستكينة ، والذى يعيش محنى الظهر لا بد أن يركبه راكب ، وهذا الراكب من نفس الشعب ، ولكن يستعين بقوة خارجية ، وبعد ركوبه وإستوائه على ظهر المركوب يستمر فى الاستقواء بمن أركبه ، يستورد منه السلاح وألات التعذيب والتنصت .

4 ـ وقد يصل الشعب الى خطر الجوع فتشتعل ثورة شعبية عاطفية ، وقد ينتج عنها إنفلات أمنى . هنا تسارع القوة الخارجية للتدخل عن طريق الجيش الذى تسيطر علي قادته ، فيقوم الجيش ( الوطنى الذى حتل ويحكم الوطن ) بتغيير رأس السلطة ، وربما يسمح لمعارضة المستبد لأن تحكم ، مدركا أنها لن تنجح لأسباب كثيرة ، منها الجهل والغباء وعدم الخبرة وأن الدولة العميقة ضدها ، فتفشل وتأخذ طريقها الى السجن ، ويعود الجيش للحكم أكثر إنصياعا لأمريكا ، وهذه خُلاصة التجربة المصرية فى الثورة على مبارك ، ووصول الاخوان المسلمين للحكم ، ثم إسقاطهم ليتولى مكانهم السيسى .

5 ـ بعد الحرب العالمية الثانية وبعد إستقلال مزعوم فى بلاد المحمديين إشتعلت المنطقة بانقلابات عسكرية تقوم بها جماعات حزبية أو تنظيمات سرية أو تشكيلات عسكرية. هذه الانقلابات هى الأسوأ ، فهى تحكم بالحديد والنار لأنها تتوقع تآمرا وتتحسّب له ، وتتسع سجونها لكل مشتبه فى ولائه ، ولا بد للمواطن المقهور أن يتفانى فى إعلان ولائه للمستبد ليأمن السجن والتعذيب والقتل . وحتى إذا هرب بحياته فأجهزة المستبد خلفه ، وتتخذ أهله رهائن . والأمثلة كثيرة ومن المعلوم فى تاريخهم وفى دينهم بالضرورة .

5 ـ الذى نتمناه فى أحلام اليقظة أن يقوم الشعب كله عن بكرة أبيه ـ من رجال ونساء ـ بوقفة تطلب القسط للجميع بلا إستثناء ، وتكون لهذا الشعب الواعى رؤية لدولة ديمقراطية حقوقية حُرّة تؤكد حرية الدين والرأى والتعبير ، وتعبر عن كل المواطنين ، تحميهم وتخدمهم . بإيجاز ( دولة إسلامية ) تطبق الاسلام السلوكى ، بما أسلفنا شرحه . هذا يستلزم تغييرا فى عقلية الناس ، يصل الى الجميع ويؤثّر فيهم بما يجعلهم يقومون وينهضون الى تحقيقه مهما إستلزم من تضحيات . هذا هو معنى أن يقوم الناس بالقسط .

ثانيا :   

 1 ـ إن الله جل وعلا أرسل كل الأنبياء وأنزل كل الرسالات الالهية ليقوم الناس بالقسط ، أى إن العدل أو القسط هو فرض الاهى يجب على الناس الجهاد لإقامته بينهم بالسلم أو بالقتال .  إن لم تنجح الرسالة الالهية فى جعل الناس يقيمون القسط ، وإن تحكّم الظلم وأضاع القسط  فإن الله جل وعلا انزل شيئا آخر من السماء هو الحديد ذو البأس الشديد ، وهو رمز السلاح والقتال . أى أنزل الله تعالى من السماء شيئين: الرسالات الالهية والحديد. الحديد لا ينتمى لكوكب الارض وانما هبط اليها وتركز فيها ليكون العنصر الأساس فى السلاح والقوة.  الرسالات الالهية نزلت أيضا من السماء لاصلاح أهل الارض باقامة العدل أو القسط بينهم . وبالقتال بالحديد يكون الجهاد ونصرة العدل والقسط ،أى نصرة الرسالات الالهية ، أى نصرة الله جل وعلا ، وهو جل وعلا الأعلم بأولئك المجاهدين الأبطال الذين ينصرونه بالغيب . هذا هو معنى قوله جل وعلا (  لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ( الحديد 25 ). هذا هو التنظير الاسلامى لاقامة القسط ، فالرسالات الالهية للبشر جميعا هدفها أن يقوم الناس بالقسط والعدل .فان لم يتحقق العدل والقسط بالطرق السلمية فلا مفر من اللجوء للحديد أى القوة لنصرة الرسالات الالهية وإقامة العدل والقسط.  

2 ـ لا يتعارض هذا مع القتال الدفاعى فى الاسلام . إن الله جل وعلا القوى العزيز شرع القتال ليس للاعتداء ولكن لدفع الظلم . ورد الاعتداء يكون بعد استنفاد كل الوسائل السلمية والممكنة لحقن الدماء ، فإذا ظل المعتدى الظالم سادرا فى القتل والتعذيب والسلب والنهب  متحديا رب العزة فقد تحتمت مواجهته بالحديد والنار بقدر المستطاع .  وعندما يموت المناضلون قتلا يكون ذلك فى سبيل الله جل وعلا.

3 ـ إن ( إقامة القسط ) تمر بمرحلتين :

3 / 1 : المرحلة الأولى :  الدعوة السلمية للظالم المستبد لكى يعتدل أو يعتزل ، ولا يستطيع الظالم العريق فى الظلم أن يتراجع عن ظلمه لأنه فى العادة يكون قد تعود على طاعة الناس وخضوعهم له وإستمرأ سفك دمائهم ، وأدمن ترويعهم وتعذيبهم .  ثم هو مغرور بقوته ولا يتصور نفسه يعود شخصا عاديا مثل الناس الذين يحتقرهم ويستعبدهم . ولا يستطيع المستبد المفسد أن يقيم إصلاحا فالله جل وعلا لا يصلح عمل المفسدين . والمستبد الفاسد حتى النُّخاع حتى لو أعلن عزمه على الاصلاح فلن يكون سوى التخلص من بعض المغضوب عليهم من حاشيته ، ويبقى هو رأس الفساد ، والذى يجتمع حوله أعوانه المفسدون . الاصلاح الحقيقى يعنى محاصرة وقطع دابر المفسدين ومحاسبتهم ومعاقبتهم ، فكيف يعاقب المفسد نفسه . لذلك فإن الدعوة السلمية لاقامة القسط لا بد أن يقابلها المستبد الظالم بالعنف والقتل والسجن والتعذيب . وهذا يعنى تعرض المسالمين العزّل الى حرب وقتل وقتال ليسوا مؤهلين لمواجهته ، ولو واجهوه فالنتيجة فى كل حال هو القتل .

3 / 2 :

المرحلة التالية : هى الدفاع الشرعى عن النفس لارغام المستبد على الرحيل ، والنتيجة أيضا على كل حال هى القتل من الجانبين ، والقتلى من جانب دعاة الحق والقسط هم فى سبيل الله جل وعلا .

4 ـ نحن هنا نحكم على الظاهر طبقا للاسلام السلوكى ، وهو من يقف داعيا للقسط وإقامة القسط ومواجهة الظلم والاستبداد ، ثم يلقى حتفه بسبب دعوته السلمية أو بسبب وقوفه سلميا فى مظاهرات تدعو للقسط ومواجهة الظلم ، أو أن يقاتل فى سبيل إقامة القسط . أما عقيدته فمرجعها الى الله جل وعلا . ومن الطبيعى ان يظن كل انسان ان عقيدته هى الحق المطلق . ولكن المهم لدينا هنا اننا نتحدث عن داعية او ناشط او مقاتل لا يفرض رأيه على أحد ، بل هو يؤمن بالحرية المطلقة فى الدين للجميع ، أى لا إكراه فى الدين ولا اضطهاد فى الدين. وهو يعتبر الحرية الدينية ضمن العدل والقسط ، لأننا خصوم فى العقائد،ومن الظلم أن يكون الخصم حكما على خصمه ، بل إن العدل أن يؤجل الحكم فى الاختلافات العقيدية بين البشر الى صاحب الشأن ، وهو الله جل وعلا الذى خصّص للدين يوما هو يوم الدين أو يوم الحساب ليحكم فيه وحده بين البشر فيما كانوا فيه يخنلفون فى الدنيا . قال جل وعلا : (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ( الزمر 46 ). هذا الداعية او الناشط او المقاتل يؤمن بأن العدل ودفع الظلم هو أساس الدين الحق ، وبالتالى لا يبيح لنفسه أن يظلم أحدا أو أن يعتدى ظالما على أحد ، ولا أن يسعى لكى يصل الى السلطة أو أن يعلو فى الأرض ظلما وفسادا واستبدادا . هو يريد العدل لنفسه وللجميع والحرية السياسية والدينية لنفسه وللجميع . يعلن هذا ويتمسك به . ولومات قتيلا بسبب هذا فقد مات قتلا فى سبيل الله حسب الظاهر لدينا.

5 ـ هذا لا يسرى على من يقاتل أو من يسعى للوصول الى السلطة لكى يحلّ محل المستبد الظالم ، أو من يخدع الناس بالشعارات الدينية يستغل إسم الله جل وعلا ودينه يتلاعب بالشعارات البراقة من العدل وتطبيق الشريعة وعينه على العرش والكرسى . أولئك لا يقلون ظلما وحقارة عن المستبد القائم فى السلطة . أولئك إن دخلوا فى الحركة المطالبة بالعدل أفسدوها وجرّوها الى خلافات سياسية وجدالات مذهبية تفسد الحركة وتفشلها، ولو نجحت الحركة المطالبة بالعدل فسرعان ما يركبون موجتها ويصلون بها الى الحكم ، فتستمر بهم مسيرة الاستبداد والفساد أشدّ وأقسى . وبسبب هذا الصنف من البشر يتم إفساد البشر ، وتنتهى الحركات المطالبة بالعدل الى نظم استبدادية ويسكن الثوار الجدد مساكن الذين ظلموا ويحتلون قصور السلاطين ويتشبهون بهم فى الظلم والقهر بحيث يتحسر الناس المظلومون على العهود السابقة ، ويحتاج المظاليم الى ثورة جديدة ..وتتكرر المأساة . والأمثلة كثيرة ، بل هى تشكّل معظم التاريخ (الثورى ) فى العالم شرقا وغربا .

أخيرا

1ـ هى دعوة للفرد المصرى والعربى أن يهب مخلصا لله جل وعلا مطالبا بالعدل والحرية موقنا أنه لو مات قتلا فهو فى سبيل الله جل وعلا. هى أيضا دعوة للاصلاح السلمى قبل ان يغرق العرب والمسلمون فى حمامات دم .

2 ـ نعيش الآن عصر القرية الكونية وثورة الاتصالات والمعلومات حيث يعلم الناس الأخبار العالمية وقت حدوثها ، بهذا ينبغى أن يبدأ عهد الحرية والديمقراطية والعدل وحقوق الانسان ، ويبدأ الفرد العربى يغيّر من نفسه ويطالب بحقه وينزع الخوف من قلبه .  

3 ـ ولكن هذا يستلزم تغييرا ثقافيا متعمقا ينبع من الاسلام نفسه . 

 

 التعليقات

حمد حمد

 جزاك الله جل وعلا خيرا بالدنيا والآخرة دكتورنا المحترم.

كلام كبير ورائع ومن تدبر القرآن العظيم . لدي سؤال دكتور هل الإستعانة بدولة  خارجية في دفع الظلم ومساندة ثورة تدعوا إلى الإصلاح وإقامة العدل خاصة عندما تكون هناك ثوره شعبية على مستوى البلد وتستقطب جميع الفئات من المجتمع طالبة العون والنصره،لأن البعض يرى هذه خيانة  مع خالص التقدير لكم.

أحمد صبحى منصور

 جزاك الله جل وعلا خيرا استاذ حمد ، واقول:

نحن نتكلم عن شعب متنور يريد حريته وتحرره من قبضة مستبد ، وهذا الشعب مستعد لتحمل المسئولية والتضحية ، له حق أن يطلب العون من أى جهة خارجية ، وهو متيقّظ لأن هذه المساعدة لن تكون على حساب إستقلاله وحريته . فى هذه الحالة يمكن أن تكون هى الأمم المتحدة ـ حتى فى وضعها الحالى المحتاج الى إصلاح. 

 

 

    

الفصل الثانى : الثقافة الاسلامية للتغيير الاصلاحى : حتى يغيّروا ما بأنفسهم

   

أولا  : نوعا الصبر

1 ـ هناك نوعان من الصبر :

1 / 1 : الصبر السلبى المرتبط بالخضوع والخنوع على أنه قدر محتوم لا فكاك منه ، وهذا الصبر راسخ فى الثقافة المصرية ، وتعبّر عنه الأمثال الشعبية والأغانى ، وهم مغرمون بصبر أيوب ، وجعلوه فولكلورا . هذا الصبر السلبى يشجّع الظالم المستبد على مضاعفة الظلم والتطرّف فى الطغيان ، ويجعل المظلوم ظالما لنفسه ، ويجعل صاحبه المظلوم يخسر الدنيا ويخسر الآخر . منهم المستضعفون رافضو الهجرة مع قدرتهم عليها ، هم يموتون كافرين ، لأنهم ظلموا أنفسهم . قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) النساء )

 1 / 2  ـ الصبر الايجابى المرتبط بالنضال بإقتناع حُرّ ، يدرك إن حياتنا تنتهى بموت حتمى ، وأن   الكرة الأرضية واسعة لأنها كروية ، أما العُمر فهو قصير ، إنها مثل نملة تسير فوق بطيخة ، مهما سارت النملة فلن تصل الى نهايتها ، ولكن عمرها محدود ومحدد . قال جل وعلا : (  يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)  العنكبوت ). أصحاب الصبر الايجابى لا يضيعون حياتهم القصيرة فى مكان يقهرهم فيه طاغية مستبد ، إمّا أن يقاوموه ويموتون بشرف ـ وهم ميتون على أى حال ـ وإما إن يهاجروا ويهجروا وطنا ليس لهم بل يملكه المستبد .

وفى الحالتين يكون الصبر الايجابى :

1 / 2 / 1 : فى الهجرة ، . قال جل وعلا :

1 / 2 / 1 / 1 :( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) النحل) .

1 / 2 / 1 / 2 : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)  النحل ) .

1 / 2 / 2 : فى النضال والقتال . قال جل وعلا :

1 / 2 / 2 / 1 :(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) آل عمران ).

1 / 2 / 2 / 2 : وضمن صفات المتقين الصادقين : (  وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة ).

1 / 2 / 3 :  ولأصحاب الصبر الايجابى أجر هائل ومنزلة عظيمة فى القرآن الكريم ، يكفى   أن الله جل وعلا يحب الصابرين ( آل عمران  (146)،وأنه جل وعلا مع الصابرين :( البقرة 249 ) ( الأنفال 46 ، 66)، وقوله جل وعلا عن جزاء الصابرين وأرضه الواسعة : ( وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)  الزمر ).  

1 / 3  ـ التحرُّر من الصبر السلبى وتغييره الى صبر إيجابى مرتبط بمشيئة بشرية مثل الهداية  

ثانيا :

 مشيئة الإنسان هي الأصل في الهداية أو العدل مع الله جل وعلا

1 ـ  الدرجة العليا من العدل : العدل مع الخالق جل وعلا : بمعنى الا نظلم الله سبحانه وتعالى في اتخاذ شريك له لأن الشرك ظلم عظيم . قال جل وعلا : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) لقمان ) فهو وحده الخالق المسيطر الذي لا يشرك في حكمه احدا. قال جل وعلا :

1 / 1 : ( مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) الكهف )

1 / 2 :(  الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) الفرقان ) .

2 ـ وهذا العدل يستلزم هداية تبدأ باختيار الإنسان ، وبهذا الاختيار الانساني للهداية يرشده الله سبحانه تعالي الي الهداية ،أي تأتي مشيئة الله للهداية تالية ومؤكدة لمشيئة الانسان واختياره طريق الهداية ،وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى :

2 / 1 : ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ):مريم 76)

2 / 2 : (والذين اهتدوا زادهم هدي وآتاهم تقواهم :محمد 17).

3 ـ والذي يختار الضلال تأتي مشيئة الله جل وعلا تؤكد علي الذي اختاره من ضلال . قال جل وعلا :

3 / 1 : (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا : مريم 75)

3 / 2 : (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا :البقرة 10).

4 ـ وفي الحالتين فان من يشاء  الهداية يشاء الله هدايته ، ومن يشاء الضلالة يشاء الله ضلالته ،يقول الله جل وعلا :

4 / 1 : (فان الله يضل من يشاء، ويهدي من يشاء ) فاطر 8)

4 / 1 : (قل ان الله يضل من يشاء ويهدي اليه من اناب :الرعد 27 ).

5 ـ الحساب على الهداية والضلال فى الدين مؤجل ليوم الدين . أما إقامة القسط فى هذه الدنيا فيحوطها الخوف ، وتستلزم تغييرا حقيقيا فى النفس لقهر هذا الخوف .

ثالثا :

 مشيئة الإنسان هي الأصل أيضا فى ارادة التغيير أو إقامة العدل بين الناس:

1 ـ  كيف يقوم الناس بالقسط دون ارادة ؟ بل لابد للإرادة ان تكون جماعية ،وبقدر تكاتف الجماهير خلف الارادة الجماعية لتحقيق العدل يمكن النجاح في تحقيق العدل بأقل قدر ممكن من الخسائر.

2 ـ ولكن السؤال الهام هنا كيف ينجح الناس علي حمل انفسهم علي المبادرة بالنهوض لتحقيق العدل ضد الظلم السائد ؟ كيف يترك الناس القيم الاجتماعية الهابطة مثل الخنوع والسلبية والتواكل ليستبدلوها بقيم إسلامية سامية هي الايجابية والحرية والشجاعة والحرية والتضحية والفداء وحب الحق والدفاع عن العدل؟

3 ـ ان الاجابة هنا تكمن في تغيير النفسية ،وهذا التغيير يستلزم مشيئة حازمة قادرة فاعلة ، فان شاء الناس تغيير ما بأنفسهم من خنوع وخمول وتواكل وسلبية وقرنوا المشيئة بالعمل نجحوا . وهنا تأتي مشيئة الله تالية لمشيئة الناس وهذا معني قوله سبحانه وتعالى : (ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم :الرعد 11)أي هي نفس القاعدة ان اقامة العدل مع الله جل وعلا تستلزم اختيار الانسان للهداية ثم تأتي ارادة الله لتؤكد هذا الاختيار الانساني ، واقامة العدل بين الناس جميعا تستلزم تغييرا في الذهنية يقوم علي اختيار انساني  حازم ، وتأتي مشيئة الله مؤكدة وتالية لهذا الاختيار البشرى ..

وعليه فأن حركة الانسان نحو تحقيق العدل هي اختيار بشري يؤكده اختيار الله تعالي ومشيئته.

رابعا :

  شرعية الحاكم أو شرعية الثورة عليه مرتبطة بإرادة الناس:

1 ـ طالما ارتضى الناس الخضوع لحاكم ظالم فهذا هو اختيارهم وتأتي مشيئة الله لتؤكد علي هذا الاختيار الذي لا يرضاه الله سبحانه وتعالي .

2 ـ ان الله سبحانه وتعالي لا يرضي ان يكفر به عباده . قال جل وعلا : (ان تكفروا فان الله غني عنكم ولا يرضي لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم  ):الزمر 7) ، ولكن يشاء للكافرين ضلالهم طالما ارتضوا لانفسهم الضلال . قال جل وعلا : (كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء:المدثر 31).

والله سبحانه وتعالي لا يريد الظلم في الارض . قال جل وعلا : (وما الله يريد ظلما للعالمين ):آل عمران 108)(وما الله يريد ظلما للعباد ):غافر31). ولكن طالما ارتضي الناس تحمل الظلم واعترفوا بشرعية الحاكم الظالم ملكا عليهم فان الله تعالي يعترف به حاكما عليهم .

ومن هنا ارسل الله سبحانه وتعالي موسي وهارون رسولين الي فرعون ، وأوصاهما بأن يقولا له : ( قولا لينا لعله يتذكر او يخشي ) (طه 44) ، ووصف الله سبحانه وتعالي بعض الحكام بأنهم ملوك ، ومنهم ذلك الملك الذي ادعي الالوهية ودخل ابراهيم عليه السلام في جدال معه . قال جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) البقرة ).   .هنا  مدع للالوهية يصفه الله سبحانه وتعالي بالكفر والظلم .ولكنه يصفه ايضا أنه اتاه الملك.   وقد اعطاه الله الملك لأن الشعب رضي به واختاره ،فجاءت مشيئة الله تالية لاختيار الناس.

3 ـ ان هذه الحياة الدنيا قائمة علي اساس الاختيار بين الايمان او الكفر وبين الرضي بالقهر او الثورة عليه . وتأتي مشيئة الله لتؤكد علي ما يختاره الانسان والناس ،وهنا يكمن الاختبار في ذلك الاختيار .ثم يأتي يوم الحساب ليلقي كل إنسان نتيجة عمله حسب الشريعة الدينية الالهية ،وحيث يتحقق فعلا ما ينبغي ان يكون .

أخيرا :

  الأديان الأرضية تعقد المشكلة وهذا يؤكد على اهمية الوعى والعلم

1 ـ  الرسالات الألهية هدفها جميعا أن يقوم الناس بالقسط والعدل .فان لم يتحقق العدل والقسط بالطرق السلمية فلا مفر من اللجوء للحديد أى القوة لنصرة الرسالات السماوية وإقامة العدل والقسط.

2 ـ المشكلة هى الاستخدام السىء للرسالات الإلهية والحديد.

2 / 1 : الحديد فى حد ذاته معدن محايد ، لا تقول انه حرام أوحلال ، انما يحرم استعماله فى الظلم ويجوز استعماله فى المباح وقد يجب استعماله فى الفرض. السكين والبندقية قد تستعملها فى الصيد المباح ويكون استعمالها واجبا وضروريا عندما تدافع بها عن نفسك حين يهاجمك مجرم سفاك، ويكون حراما استعمالها فى الاعتداء على المسالمين .

2 / 2 : الرسالات الإلهية تتحول بالافتراء الى أديان أرضية شيطانية يستعبد أربابها البشر . وترى التحالف الشيطانى بين الاستبداد والكهنوت ، أو أن يحكم الكهنوت الدينى بنفسه . ويقنعون الناس بأنه صحيح الدين ، ووجوب طاعتهم . وبهذا يركبون ظهور الشعوب باسم الدين الالهى وهم أعدى اعدائه. وهنا لا بد من مواجهتهم أساسا بالوعى الدينى الصحيح ، أى من خلال الاسلام نفسه. ثم بعدها تتطور الأمور كالعادة الى الدفاع عن النفس ضد أعتداء المستبد الظالم.

3 ـ بالتالى فلا بد من :

3 / 1 : مواجهة الأديان الأرضية للمسلمين بالتوعية بالاسلام نفسه ، وبدولته الاسلامية الحقوقية القائمة على القسط ، وأن الجهاد فى سبيله جل وعلا يكون سلميا ودعويا لتعبئة الناس لكى يقوموا باختيارهم البشرى بالوقوف مع حقوقهم المسلوبة ، عارفين بأن الموت فى سبيلها هو أفضل من الموت البطىء قهرا وذُلّا .  

3 / 2  ـ تحديد هدف الجهاد الاسلامى وإنه السعى لاقامة دولة اسلامية حقيقية ، أى بالمفهوم المعاصر دولة مدنية علمانية ديمقراطية تحقق العدل والحرية ، ليس مهمتها ادخال الناس الجنة ، ولكن حماية كل حقوقهم فى هذه الدنيا على أساس المساواة والعدل المطلق بين كل المواطنين. وليس من شعارات الدعاة لهذه الدولة رفع لافتات دينية منعا للخلط بين الدين والسياسة ولكن رفع قيمة العدل والحرية التى لا جدال حولها . وإذا تحقق العدل وتحققت الحرية وتمت سيادة القانون الشرعى العادل على الجميع فان المسلم يرى فى هذه الدولة العادلة دولته الاسلامية ويراها المسيحى دولته المسيحية المثالية ويراها العلمانى الملحد دولته التى يحلم بها. لا بأس من اختلاف التفسيرات ، المهم أقامة القسط بين الناس.  

التعليقات

حمد حمد

الهجرة القسرية.

جزاك الله جل وعلا خير الجزاء بالدنيا والآخره دكتور أحمد المحترم شرح وافي وبيان وتدبر (حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ، كما نشاهد شبه يومي دكتور أحمد إن أغلب الثورات نتج عنها الكثير من الويلات من قتل وتهجير قسري، رأينا كيف تغرق الأسر بأكملها في البحر طلبا للحرية وكيف يتم إغراق بعضهم عمدا حتى لو كان طفلا ساعات أقول ماذنب هذه الأطفال والأسر أليس هذه الطريقه بالهجرة القسرية فيها إثم لا أعرف ولكن أحتار في إيجاد الإجابة أصبحت الهجرة صعبة جدا في عالم مليء بالشر ونظام عالمي مقيت كأنه يتعمد هذه الجرائم بحق البشرية المستضعفة ، أضف إلى ذلك ضعف المعارضة في ترتيب صفوفها حتى الطبقة المثقفه من الأكاديميين ليس لها دور سوي مصالحهم الشخصيه الشعوب أصبحت لا تثق بأحد شيء غريب ومؤلم. 

أحمد صبحى منصور

جزاك الله جل وعلا خيرا استاذ حمد ، واقول :

  1ـ أتفق معك ، كوكب المحمديين يعيش أسوأ أيامه ، أصبحت الهجرة للنجاة بالحياة أملا صعب المنال ، فالغرب يغلق أبوابه ، وفى أحيان كثيرة يكون له بعض الحق ، فمن المهاجرين المحمديين من هاجر اليه وهو يحمل أوزار ثقافته كارها للمجتمع الذى إستضافه ، ويريد فرض دينه السنى عليه. وشهدت هذا بنفسى فى أمريكا.

2 ـ  هذه المرحلة السيئة فى تاريخ المحمديين المعاصر تستلزم دعوة إصلاحية قوية التأثير ، ونحن نحاول الوصول الى آفاق المحمديين بإمكانات شبه معدومة ، نبحر فى محيط هائج بأذرع عارية وسط غيوم عاتية . أنا وصلت الى نهاية المطاف تقريبا ، وأترك المهمة فى أيديكم . يا ليت جيلكم يحقق الأمل .

3 ـ والله جل وعلا هو المستعان.

 

 

   

 

 

 

 

 

الفصل الثالث : الثقافة الاسلامية للتغيير الاصلاحى : قهر الخوف بالتقوى

مقدمة

1 ـ مرحلة الدعوة للتغيير السلمى يجب أن يقودها مجموعة تتقى الله جل وعلا ، لا تخشى غيره ، تعمل على تغيير ما بالأنفس من خضوع وخنوع الى شجاعة وعزة يعنى قهر الخوف .

2 ـ من خلال تجاربنا فى الجهاد السلمى الدعوى بالقرآن فإن الأعداء هم ( أكابر المجرمين ) من المستبدين ورجال الدين الأرضى . المستبد لا بد أن يستند الى الكهنوت ، فالفرعون المصرى يركب شيخ الأزهر والبابا . وهناك من يرفعون شعارات دينية يزايدون بها على الفرعون المتألّه ، ينازعونه سلطانه . وهو الصراع بين العسكر والاخوان من عام 1954 . ومع هذا الصراع فهم سرعان ما يتحدون ضدنا ، الاخوان وتنظيماتهم السرية والعلنية والأزهر يصدرون ضدنا فتاوى التكفير ، والمستبد يسارع بإضطهادنا لارضاء أعوانه وتهدئة خصومه ، ثم هو ضدنا لأننا ضد الاستبداد والفساد وحقوق الانسان . هذا مع إننا لا ننازعهم سلطانهم ، ولا نطلب منهم أجرا . إلا إن وجودنا هو الخطر الأكبر عليهم . وفى تحقيق فى أمن الدولة معى سألت ضابط الأمن : لماذا هذا الاضطهاد وأنا مُسالم وضد الاخوان ؟ فقال ـ وكان صادقا ـ : أنت أخطر علينا من الاخوان .".

3 ـ الفرعون يتهم خصومه بالارهاب ، وهو أكثر من يرهب الناس . إذا كانت التنظيمات السرية الدينية تقتل الآلاف فإن الفرعون يقهر الشعب كله بالسجن والتعذيب والحبس الاحتياطى والاختفاء القسرى والتشريد والقتل ، وإذا كانت إمكانات الجماعات الارهابية بسيطة فالمستبد يحتكر القوة العسكرية والأمنية ما ظهر منها وما بطن ، ومعه القضاء والنيابة وميليشيات البلطجية ، وميليشيات إعلامية ودينية .

4 ـ ومع هذا فهو لا يشعر بالأمن . هنا قضية الخوف الذى يصل به الى الرعب . هو ينتظر القصاص ، ويتحسب له بالخوف والشّكّ من كل الناس ، حتى أقربهم اليه ، وعليه أن يدافع عن وجوده فوق الكرسى ، وهو يعرف أن الطامعين فى الكرسى حوله أكثر من الطامعين فيه البعيدين عنه . من رُعبه لا بد أن يتمادى فى البطش ويتطرف فى الظلم ليخيف الناس جميعا ، وكلما إزداد ظلما إزداد رُعبا . وفى النهاية ينتهى موتا أو قتلا بعد معاناة من الخوف زرعها فى نفسه وفى شعبه .

5 ـ هذا بينما يتصدى للدعوة يتعامل بواقعية مع الخوف . لا ينكره فى داخله ، ولكن يتغلب عليه بالتقوى .

6 ـ ونعطى تفصيلا قرآنيا :

أولا : فى القصص القرآنى

قصص الماضين :  

 1 ـ لا بد أن تتأكّد أن المستبد و جنوده وقومه هم الأشدّ خوفا ، وهم يعتمدون على تخويف الناس بقوتهم ليداروا خوفهم ، وإنهم يعرفون أنه لو أظهروا شيئا من الرأفة والرحمة ستكون علامة ضعف تشجع الناس على إنتقادهم ، وهذه بداية السقوط . لذا لا بد من الحرص بكل حزم على النظام الاستبدادى القائم ، فهو دين يتزعمه الفرعون المتألّه .

2 ـ فرعون موسى هو المثل الكلاسيكى :

2 / 1: وصل جبروته الى ذبح الأطفال المواليد من بنى إسرائيل ، وتطرّف فى أضطهادهم بعد مجىء موسى الى درجة أرعبت بنى إسرائيل حول موسى فأصبحوا يخافون الاقتراب منه ، قال جل وعلا : ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83) يونس )

2 / 2 : وأراد فرعون أن يقتل موسى ، وكان هذا سهلا عليه أن يقتله ولكن منعه الخوف المتأصّل فى قلبه ، فطلب من قومه أن يدعوه ليقتل موسى ، وهو كلام مضحك ، ولكنه يعبر عن خوفه ، فهو يخاف أن تؤدى دعوة موسى للخروج بقومه من مصر الى تبديل دين فرعون وملء مصر بالفساد ، وهذا دليل على أن المستبد يقلب الحقائق ، كان ـ ولا يزال . قال جل وعلا : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26) غافر )

2 / 3 : ومع ذلك إشتد فى إضطهاد بنى إسرائيل الى درجة أن إستعان عليه موسى وهارون وقومهما بالصلاة والدعاء على فرعون وقوم ، فجاءت الاستجابة من الرحمن جل وعلا ثم كان غرق فرعون ونظام حكمه : ( يونس 84 :  (92).

2 / 4 : تأثير الارهاب الفرعونى يظهر فى الحديث القرآنى عن موسى ، فيتكرر فيه خوف موسى ، وأندفاعه غضبا وردأ للفعل وتوقّعا للشّر لأنه تربى على الخوف .

2 / 5 ـ ظلّ تأثير الارهاب الفرعونى فى قلوب بنى إسرائيل بعد غرق فرعون وجنده ودولته . الله جل وعلا وهو الذى أنجاهم من فرعون ، وأكرمهم بالسقيا والغمام والمنّ والسلوى ، فساروا من مصر الى الأرض التى كتبها الله جل وعلا لهم ، وكان المطلوب منهم فقط أن يدخلوها فرفضوا خوفا ، إلا بعد ان يخرج منها أهلها الجبارون ، وطلبوا من موسى أن يذهب وربه ليقاتلا ( الجبارين ). خوف متطرف يساوى الارهاب الفرعونى المتطرّف الذى عاشوه فى مصر . لذا حكم الله جل وعلا عليهم بالتيه فى الأرض أربعين عاما حتى ينقرض هذا الجيل المرعوب الذى لا خير فيه ( المائدة 20 : 26 ).

2 / 6 : مات موسى عليه السلام وانتهت فترة التيه ، ورجع بنواسرائيل مع نبى لهم الى جنوب الشام فإعتدى عليهم جالوت وطردهم من مساكنهم فطلبوا من النبى أن يعين عليهم ملكا يقودهم ، وكان طالوت ، وبعد رفض رضوا به ، وقادهم طالوت للحرب ، وكان الخوف لا يزال فى قلوب الأغلبية الى درجة ان طالوت عقد لهم إختبارا رسب فيه الأغلبية ، وصمدت أقلية نزعت الخوف واستعانت بالله جل وعلا فانتصرت . ( البقرة 246 : 251 )

 فى القصص المعاصر : فى حياة النبى محمد

1 ـ بعض من أسلم فى مكة كان صادق الايمان ، وبعضهم أسلم بالاسلام السلوكى بمعنى السلام ، إذ رأى فى القيم الاسلامية ما يخالف الثقافة القرشية المتعدية الظالمة . ولأنهم يؤثرون السلام سلوكا فقد كانوا يخافون الحرب ويكرهون القتال . تعرض المؤمنون فى أول عهدهم فى المدينة الى غارات هجومية : ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا)(217) البقرة )

، ولم يكونوا قد إستعدوا للحرب ، فكان التشريع هو ( كفُّ اليد ) .  أمرهم الله جل وعلا بالاستعداد الحربى (الأنفال 60 )، ثم جاءهم الإذن بالقتال ردا للعدوان وما حدث من قبل ( الحج 39 : 40 ). كرهوا القتال مع إنه الخير لهم ( البقرة 216 ) وطلبوا مُهلة خوف الموت ، وجاءهم الرفض الالهى ( النساء 77 )

2 ـ كان لا بد من كسر حاجز الخوف فى نفوسهم ، ولذلك كانت موقعة الأنفال التى سماها رب العزة جل وعلا : ( يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) (41) الأنفال ). كانوا يتوقعون الهجوم على قافلة ، وكان إستعدادهم مناسبا لهذا ، ففوجئوا بقدوم جيش من قريش يفوقهم عددا ، فانفجر الخوف فى قلوب طائفة منهم ، أخذوا يجادلون النبى محمدا فى الحق الذى تبين ، وأنه لا مفرّ من المواجهة ، فكانت المواجهة وكان النصر ( الأنفال 5 : 8 ) 

3 ـ إختلف الوضع بعد يوم الفرقان . قبله وفى أول ما نزل فى المدينة جاءهم الوعد الالهى المشروط بأن يبدلهم بعد خوفهم أمنا : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55) النور ). كانوا فى أول عهدهم فى المدينة فى خوف دائم ، كان أصدق تعبير عنه قوله جل وعلا بعد إنتصار بدر : ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) الأنفال ).

ثانيا : بين خوف المؤمنين وخوف الكافرين :

1 ـ قوم نوح أخافوه من غضب آلهتهم وشركاءهم ، فتحدّاهم ، قال جل وعلا : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71)  يونس ).

2 ـ وتكرر نفس الموقف مع خاتم النبيين عليهم السلام ، خوّفوه من آلهتهم وأوليائهم المقدسة ، فقال له ربه جل وعلا : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) (36) الزمر ).

وأمره ربه جل وعلا أن يتحدى أولياءهم المقبورين : (  إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195) الأعراف ) تهمنا الآية التالية : ( إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) الأعراف ). فالله جل وعلا وحده هو الولى الذى يتولى ويحمى من يواليه ، أو كما قال جل وعلا : ( ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) ؟

3 ـ حدث جدال بين أبراهيم عليه السلام وقومه ، أخافوه من غضب آلهتهم ، فردّ عليهم بأنه لا يخاف إلا الله جل وعلا ، وتعجب إذ إنهم لا يخافون الله جل وعلا ، وأن الأحق بالأمن هم المؤمنون الصادقون . قال جل وعلا :  ( وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الأنعام ) يهمنا الآية التالية :( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) الانعام ). المؤمن التقىّ الذى لا يظلم أحدا ( ولا يظلم نفسه ) هو المستحق للأمن .

4 ـ أحرز الكفار نصرا سريعا فى موقعة ( أُحُد ) بسبب عصيان الرُّماة ، خافوا أن يفقدوا هذا النصر فأسرعوا تاركين موقع الموقعة . طائفة من شجعان المسلمين الجرحى صمّموا على ملاحقتهم ، خوّفهم الآخرون فلم يخافوا معتمدين على الله جل وعلا ، طاردوهم ولم يلحقوا بهم ، فرجعوا وقد قهروا خوفهم ، وهذا إنتصارـ لو تعلمون ـ عظيم . إستحقوا أن يقول عنهم الله جل وعلا : ( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) آل عمران ). يهمنا ما جاء فى الآية التالية : (  إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) آل عمران ).

إنها قاعدة ذهبية :

إذا خفت الله جل وعلا وإتقيته فلا يمكن أن تخاف من مخلوق ، لأنك فى حماية ربك جل وعلا ، وكل المطلوب منه أن تستعين بالصبر والصلاة ، وأن تذكره جل وعلا ، فبذكره تطمئن القلوب .

إذا لم تخف الله جل وعلا أخافك الشيطان من كل شىء ومن لاشىء . بل يصل بك الخوف الى درجة الرعب . قال جل وعلا : (  سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) آل عمران ).

5 ـ خاتم النبيين عليهم جميعا السلام أمره ربه جل وعلا أن يعلن خوفه من ربه إن عصى ربه : ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) الأنعام )( إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) يونس ) ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)  الزمر ).

أصحاب الجنة موصوفون بأنهم كانوا يخافون عذاب الجحيم : ( وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) الانسان ). والذين يجاهدون سلميا فى الاصلاح وصفهم رب العزة جل وعلا فقال : ( يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) (54) المائدة  ).

أخيرا

إنتزاع الخوف من القلب لا يكون إلا بالتقوى ، أو خوف الرحمن جل وعلا . قال جل وعلا : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) الطلاق )  ، ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5)  الطلاق ).

ودائما : صدق الله العظيم .!

التعليقات

د عثمان محمد على

ما بين تفويض فرعون الماضى والحاضر لقتل الشعب.

ربنا يبارك فى عُمرك وعلمك أستاذى دكتور منصور ويُثيبك خير الجزاء عن جهادك ونضالك السلمى فى إصلاح المسلمين سلميا بالقرءان ..ما أشبه الفراعين وشياطينهم ففرعون موسى رغم تظاهره بالقوة وتركيع الناس لعبادته إلا انه طلب تفويض لقتل موسى عليه السلام ، وفرعون الحاضر رغم تظاهره بإمتلاكه قوة الجيش والشرطة والقضاء والإعلام ،,انه يتباهى بقدرته على إحتلال مصر بالجيش فى 4 ساعات لهدم بيوت الفقراء على رؤسهم إلا انه كثيرا ما يطلب تفويض الشعب لقتل الشعب بحجة محاربة الإرهاب !!فهل يتعلم المصريون ويؤمنوا بأن  الحاكم أضعف من جناج بعوضة ،وأن قهر الخوف منه لن يكون إلا بتقوى الله وخوفهم من الله جل جلاله وحده لا شريك له ؟؟؟

أحمد صبحى منصور

شكرا د عثمان ، أكرمك الله جل وعلا ، واقول:

1ـ حسب علمى بالتاريخ المصرى ـ وأحسبه عميقا وشاملا ـ فلا أعرف مثيلا للفرعون الحالى فى وضاعته وحقارته وخيانته وكراهيته لمصر والمصريين . وحسب علمى باللسان العربى ـ وهو عميق وشامل ـ فلا أجد وصفا عربيا لوصفه . عجزت لدى المفردات العربية.!!
2 ـ أدعو الله جل وعلا وأتمنى أن تنتهى حياته بما يستحق.!


التعليقات

حمد حمد 

الحاكم المستبد يخاف المصلحين

 جزاك الله جل وعلا خير الجزاء بالدنيا والآخره دكتور أحمد المحترم ، لاشك إن خوف المستبد من المصلحين وخاصة القرآنيين أشد خوفا من الحركات والجماعات الأخرى وهذا ما ردده عليك ضابط التحقيق لأنه يعلم إن هدفك الدعوة إلى الإصلاح والعدل والحرية المطلقه في الدين وغيرها من المثل العليا التي يدعوا لها القرآن العظيم ،الخوف أصبح سمة أغلب الشعوب العربية الأغلبية ضعيفي الإيمان بالله واليوم الآخر أصبح تدينهم شكلي هذا صنيعة الديانات الأرضية عقول خاوية والكل يقول نفسي نفسي ، أنا أنظر من جانب آخر إنه لابد من حمل السلاح ضد هؤلاء الحكام المستبدين ومواجهتهم حتى لو كلف ذلك الكثير من الأنفس لأنه الأمر أصبح خارج السيطرة ونحن نرى الموت اليومي للمستضعفين شيء مهول ان استمرّ الأمر على ماهو عليه سيكون مصيرهم جميعا مثل مايحدث حاليا في عزة وسوريا بل وأكثر من ذلك. والله المستعان. 

أحمد صبحى منصور

جزاك الله جل وعلا خيرا استاذ حمد ، واقول:

أنا متفق معك تماما . وقد سبق أن قلت قبيل الثورة الشعبية على ( حسنى مبارك ) : ( لا مفرّ من الدم ) . وهو مقال ضمن مقالات أخرى فى التحريض على مبارك بعد أن إستشرى فساده ، وكتبت فيه ( وعظ السلاطين من الخلفاء الفاسقين الى مبارك اللعين ) . ولكن خاب ظنى فى قادة الثورة الشعبية ، إذا إستطاع الاخوان والعسكر خداعهم . وانتهى الأمر بوصول أحقر مستبد ليحكم مصر.
لا زلنا فى نشر مقالات هذا الكتاب وأشرفنا على النهاية.
والله جل وعلا هو المستعان.

 

 

 

 

 

الفصل الرابع :   إقتلاع الخوف فى تجربة شخصية  ( 1 )

مقدمة

1 ـ هناك إتّهام جاهز لمن يعارض السيسى خارج مصر . إنكم فى مأمن وفى رفاهية وتعارضون من بُرج عاجى تسترزقون من هذه المعارضة .  لا يمكن توجيه هذا الاتهام لى ، ولذا أضطر للتوضيح لتسجيل تجربة شخصية فى إقتلاع الخوف . هى تجربة ممكنة وناجحة ، وأتمنى لو تمسك بها المصريون ليتخلصوا من ذُلّ حكم العسكر الخائن الذى يحتل مصر من عام 1952 ، وهبط بها  الى أسفل السافلين .

2 ـ أستعرض حياتى بإيجاز قدر الإمكان .

أولا :

موجز المعاناة

1 ـ عشتّ مراهقة بائسة . والدى الشيخ ( منصور محمد على ) شقيقه الذى يكبره ب 19 عاما أخرجه من الأزهر ، وأرغمه أن يكون فلاحا . مرض والدى ولم يستطع الاستمرار، فعمل ماذونا شرعيا ، ومعلما للقرآن الكريم ، وتزوج وأنجب ، وكنت أكبر أبنائه . وأنا فى الرابعة عشر من العمر مات والدى ، وأحسّ شقيقه ببعض المسئولية فتعهّد بأن ينفق علىّ ، وعشت سنوات من الذُّل ، ومع ذلك كان ترتيبى الثانى على الجمهورية فى الاعدادية الأزهرية ، وقبض عمى المكافأة ، ثم مات عمى قبيل إمتحان الثانوية الأزهرية بشهرين ، عشتهما فى قلق ، ومع ذلك حصلت على المركز الرابع على مستوى الجمهورية ، وكانت لى مكافأة شهرية ، ممكن أن تستمر لو حافظت على ( جيد جدا ). بهذا تحقق لى إستقلال مالى ، وإلتفتّ الى رعاية إخوتى ، وعملت وأنا طالب مدرسا فى مدرسة خاصة ثم ناظرا فى أول معهد إبتدائى فى بلدنا وقمت بإعطاء دروس خصوصية لعشرات التلاميذ .

2 ـ وتخرجت فى قسم التاريخ بمرتبة الشرف ، وتم تعيينى معيدا ، فانتقلت للعيش فى القاهرة ، لا أعرف أحدا من الأساتذة ولا يعرفوننى . وبدأت المشاكل عند تقديم رسالتى للدكتوراه عن أثر التصوف، إستمر منعها ثلاث سنوات من المناقشة . كنت أتمنى مناقشتها قبل الزواج ، فلما طال الأمر تزوجت وأنجبت محمدا ثم الشريف عام 1979 ، وحضرا مناقشة الرسالة فى اكتوبر عام 1980 . وأنا مدرس فى قسم التاريخ أصدرت مؤلفات أقلقت الشيوخ ، ثم كانت القاصمة عام 1985 بإحالتى الى مجلس التأديب بسبب خمسة كتب أهمها ( الأنبياء فى القرآن الكريم ) . تم وقفى عن العمل ومصادرة حقوقى المالية ومنعى من الترقية ومن السفر إلا إذا تراجعت عمّا كتبت . رفضت ، واستمر هذا العقاب عامين الى أن أدخلونى السجن فى أواخر عام 1987 . خرجت من السجن لأجد حملة صحفية تستهدف حياتى .

3 ـ كان رشاد خليفة الأمريكى يزورنى ، وعندما علم بما حدث دعانى للقدوم اليه . سافرت اليه فى توسان ولاية أريزونا . وعشت فى مسجده ، وفوجئت به يعلن نفسه رسولا من رب العالمين . رفضت هذا . كان يحتفظ بجواز سفرى وأوراقى ومؤلفاتى ، وكان قد أرسل باسمى خطابات يلعن فيها الأزهر ، ليقطع علىّ خط الرجوع لمصر. عن طريق بعض أعوانه الطيبين نجحت فى الحصول على حقيبتى وأوراقى وتسللت من المسجد وسكنت فى مكان بعيد . وإنقطع الاتصال الاسبوعى بينى وبين زوجتى ، ولم يعرف أحد مكانى ، إذ عشت معزولا خوفا من رشاد خليفة وعصابته . فرغت أموالى القليلة وجاءنى إنذار من البنك بأنى صرفت أكثر من الرصيد . كالعادة صليت وتضرعت وبكيت فى محنتى وعزلتى . وجاءت مفاجأة لم أحتسبها . فى مصر كان يتردد على بيتى الأستاذ محمد صادق المقيم فى كندا . وكان فى مصر عندما كنت فى السجن . ثم عرف إننى هربت الى رشاد خليفة . وكان محمد صادق ومجموعة فى كندا وأمريكا ممّن يعرف رشاد خليفة ثم إختلفوا معه . أخبر محمد صادق صديقه محمد أحمد ، ثم عرفا إن رشاد خليفة سيعقد مؤتمرا فى توسان لتكريس زعمه بأنه الرسول . هو كان يجهز لهذا المؤتمر قبل وصولى اليه ، وكان وجودى معه يدعّم زعمه . سأل محمد أحمد عنّى ، هل سأحضر هذا المؤتمر ، وعرف أننى هربت من مسجده . تساءل عن مكانى وظروفى ، وتوصّل الى مكانى وأرسل لى بأموال ، وصلتنى وأنا فى حالة كرب هائل . طلبت المجموعة التى فى سان فرانسيسكو أن أنتقل لأكون معهم ، رفضت حتى أكتب بالانجليزية بحثا أفضح فيه زعم رشاد خليفة ، وتحريفاته فى ترجمته للقرآن الكريم . وصل البحث الى المشاركين فى المؤتمر وفشل المؤتمر ، وانتقلت الى سان فرانسيسكو ، عشت فيها شهورا من الضياع ، لا أجد عملا ، وتأتى أخبار مقلقة عن أولادى ، وكانوا وقتها خمسة .

4 ـ قررت العودة لمصر ، عالما بأن السجن ينتظرنى ، وفعلا وأمام زوجتى وأولادى إعتقلونى ونقلونى الى حجرة مظلمة تمتلى بالجثث الآدمية الحية فى مبنى أمن الدولة ، قضيت ليلتها واقفا على قدم واحدة أسمع تأوّهات الجرحى والمعذّبين . كانت أقسى ليلة فى حياتى ، فى منتصف الليلة التالية أفرجوا عنى . طلب منى ضابط أمن الدولة أن لا أنكر السنة ولا أهاجم الأزهر فقلت إن هاجمونى سأهاجمهم . بعد عودتى عشت أعواما على حافة الجوع كنت أتمنى فيها لو رجعت للسجن بسبب الفقر. هذا مع أننى كنت أنشر المقالات ، وكنت نشطا حقوقيا فى المؤتمرات . معظم ذلك كان تطوعا . إنتهت هذه الفترة بعملى فى جريدة العالم اليوم ، ثم بعملى مع د سعد الدين ابراهيم فى مركز ابن خلدون ، ومديرا للندوة الاسبوعية فيه ( رواق ابن خلدون ). ضاق مبارك بنا فأغلق مركز ابن خلدون وإعتقل د سعد الدين وآخرين ، وتأجل إعتقالى نحو العام ، كانت ترابط وقتها قوة من الأمن أمام باب العمارة تنتظر أمر القبض علىّ . كان معى تأشيرة لأمريكا غافلتهم وسافرت، فى اكتوبر 2001 .  لم أرجع لمصر ، ولا أظن أننى سأراها .!

ثانيا :

التغلب على الخوف بالصبر والصلاة

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة )

الصلاة :

1 ـ لا بد أن تقهر الخوف فى داخلك إذا قررت أن تقف ضد أكابر المجرمين ( العسكر والاخوان والأزهر ). هم خائفون على مكانتهم فإذا خفت أنت فلن تأخذهم بك شفقة، فهم لا يرقبون فى مؤمن إلّا ولا ذمّة .

2 ـ يبدو أن والدى ( الشيخ منصور ) ـ الذى عاش أواخر حياته يعانى من سرطان المثانة ـ  كان قد قرّر أن يعدنى لرعاية أشقائى بعده . علّمنى الصلاة منذ الطفولة ، وكان يلزمنى بها ، وإقتنعت وحافظت عليها مذ كنت دون السابعة . وقام بتحفيظى القرآن فأتممت حفظه وأنا فى الثامنة . ولكن لم أقترب بقلبى من القرآن ولم أعرف أهيمة الصلاة إلا عند المحن . اليتيم البائس فى مثل حالتى يلجأ الى ربه جل وعلا شاكيا متضرعا ، لا معين له غيره جل وعلا ، خصوصا عندما يأتيه الظلم من أقرب الناس اليه .

3 ـ عندما تجمعوا ضدى فى موضوع رسالة الدكتوراة رجعت للقرآن الكريم أتدبره علميا لأول مرة فتأكّدت إنى على الحق . قلت إن ربى لن يضعينى . وسأصبر كما قالت الرسل لأقوامهم الكفرة: ( وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) ابراهيم ).

4 ـ كانت ـ ولا تزال ـ الصلاة هى الحصن الأكبر . عند إشتداد الأزمات أتحصّن بها ، أتضرع فى السجود لربى جل وعلا . جربت هذا ولا زلت . فى بعض الأحيان كان التضرع فى السجود يكون بكاءا مسموعا لا أستطيع منعه . بعده أشعر بالراحة والسكينة ، ويطمئن القلب . قال جل وعلا : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) الرعد ).

5 ـ هل جرّبت عند الشّدّة أن تدعو ربك جل وعلا متضرعا باكيا تقول :

( رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  ( 5 ) ،  ( رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86))

، ( رَبِّ نَجِّنِى مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )، ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ )، ( أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )، ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ).

6 ـ حتى الآن أفقد التركيز فى الصلاة ، ولا تكون صلاتى خشوعا مستمرا ، وأعترف بهذا التقصير ، ولكن   لا يفارقنى الخشوع والتركيز عندما أصلى متضرعا فى وقت محنة أو أزمة .

7 ـ معظم الناس فى الأزمات يدعو ربه جل وعلا إذا مسّه الضُّرُّ ، فإذا كشف الله جل وعلا عنه الضُّرّ عاد لعصيانه ( الزمر 8 ، 49 ). ولكن الذى يحتاج الى رحمة ربه فى كل وقت يعلم أن الأمر ليس ( تأدية الصلوات ) الخمس ، ولكنها إقامة هذه الصلوات تقوى وإبتعادا عما يُغضب ربه جل وعلا . إذ كيف يستغيث بربه وهو عاص لربه ؟ :كيف يدعو ربه قائلا : ( إهدنا الصراط المستقيم ) ثم يقع بعدها فى معصية ؟ بهذا عرفت مبكرا الفارق بين تأدية الصلاة وإقامة الصلاة والمحافظة عليها بالتقوى فيما بين أوقات الصلاة .

8 ـ هنا يكون خوفك من الله جل وعلا أكبر من خوفك من البشر . طالما أنت فى طاعة الله جل وعلا وتقواه فأنت أقوى شخص فى العالم ، ليس فقط لأنك صابر والله جل وعلا مع الصابرين ، ولكن أيضا لأنك تجاهد مخلصا فى سبيله جل وعلا ، وهو جل وعلا وعد بنصرة من يجاهدون فى سبيله محتسبين صابرين . قال جل وعلا :(  وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)  الحج )، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)   محمد )، ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)  غافر ).

الصبر

1 ـ كم أثقل الصبر ، خصوصا مع معايشة للإضطهاد من أكابر المجرمين . النبى محمد عليه السلام  أمره ربه جل وعلا بالصبر مرات عديدة . فماذا عن شخص عادى مثلى ؟

2 ـ ومن الصبر ما يكون مُرّا ، إذ كيف تتحمّل الاتهامات الظالمة دون أن تدافع عن نفسك ؟ قيل لى لماذا تسكت على هذه الاتهامات ؟ من حقك أن ترفع قضية وستكسبها . قلت له : أخشى أن أذهب اليهم فأجد نفسى فى السجن . !

3 ـ أسهل طريقة هى أن تتجاهل الظلم الذى تتعرض له ، وتنشغل عنه بشىء نافع . وقد وجدته فى التركيز فى التدبر القرآنى وفى البحث التاريخى وفى التراث ، قضيت سنوات فى كتابة مؤلفات من مقالات وأبحاث وكتب ، تم نشر معظمها بعد . وفى كتابة السيناريوهات وجدت مجالا لأن أعايش الأبطال الذين أخترعهم ، ومنها مشروع تحويل التراث الى دراما ، على هامش البحث التاريخى . والنتيجة أنه بهذا الانكباب على التأليف كنت أنظر الى أزماتى فأجدها مثل من ينظر من ناطحة سحاب الى السيارات فى الشارع .

4 ـ حين كنت أتوقع القبض على فيما بين عامى 2000 : 2001 ، وكان أمن الدولة يتصل بى ليتأكد أننى لم أفارق بيتى ، تغلبت على القلق والخوف بأن ألزمت نفسى بكتابة بحث ضخم عن ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ). وهو الآن منشور مقالاته هنا .

4 ـ بهذا تهزم الخوف ، وبهذا يتحول الصبر الى نصر .

المقال القادم : تجربتى الشخصية مع الحتميات ..

التعليقات 

حمد حمد

هذا هو طريق الجهاد المبارك


أدعوا الله تبارك وتعالى أن يبارك بعمرك وعلمك ، لاشك إن مسيرة حياتك الجهادية في مواجهة الطغاة  والظلمة وأعداء الدين من أجل الإصلاح  والتنوير فيها الكثير من العبر وخاصة منذ بداية مرحلة المراهقة وما واكبها من مأساة وفاة والدك رحمة الله عليه وصعوبة تكاليف الحياة والدراسة حتى مواجهة الطغاة والظلمة والهجرة القسرية ومآسيها لكن إيمانك بالله جل وعلا وجهادك بقرآنه العظيم لهو أكبر سند في شحذ الهمم والثقة بالنفس  والمواجهة دون خوف ، سامحني دكتور أحمد أطلب هذا الطلب أن يكون ما كتبته عن سيرتك يجب أن يكون بكتاب خاص ليستفيد منه الجميع ويكون باكورة لجميع ماكتبته عن مسيرتك الجهادية في موقع أهل القرآن حفظكم الله من كل سوء ونصركم على من يعاديكم.

عثمان محمد على

جزاكم الله خيرا أستاذى دكتور  

طبعا بكل تأكيد مسيرة وتاريخ حافل بالشرف والفخر ونسأل الله أن يُجزيكم عنه خير الجزاء فى الدنيا والآخرة .. وحُضن (سليم شريف منصور وأخواته -بارك الله لكم فيهم ) يُزيل كل هموم الماضى والحاضر . انا سأتوقف عند نقطة واحدة وإن كانت مؤلمة لى على المستوى العائلى وهى (كيف قبل جدى ..... أن يأكل أموال أخيه جدى منصور -وميراثه ،ثم أموالكم وميراثكم  منه بالباطل وهو ثلاثة أفدنة كاملة مثل ميراث إخوته ومنهم جدى -على -ولا يُعطيكم منهم ولا سهم واحد؟؟؟؟) . فكل واحد من جدودى ال3 الأخرين ورث 3 افدنة وبالتأكيد ورث جدى منصور 3 افدنة مثلهم ،فكيف لجدى  أخاهم الأكبرأن يأكلهم عليه ثم عليكم  وهو ميراثكم الشرعى من جدى منصور يرحمه الله بالباطل ؟؟؟

ال3 افدنة كانوا وقتها ثروة وريعها وإنتاجها يكفى مصروفات العائلة كلها لمدة سنة ،وكانوا يزوجون الأولاد والبنات من إيراد الأرض .فحتى لو كان يُعاملكم بالمزارعة بالنص مثل كل الناس وقتها كان عائد الأرض وريعها وإنتاجها خفف معاناتكم المالية كثيرا.......

وأين كان جدودى الآخرين ولماذا صمتوا وسكتوا على هذا الظلم الذى وقع عليكم ،وما الذى منعهم من المُطالبة بحقوقكم بعد وفاة جدى منصور يرحمه الله ؟؟؟؟

سعيد على

أسهل طريقة هى أن تتجاهل الظلم الذى تتعرض له ، وتنشغل عنه بشىء نافع.

   حفظكم الله جل و علا و جزاكم الخير و بعد الخير جنات النعيم .. دروس مجانية في آلية التغلب على القلق .. القلق مرض العصر و مقدمة للاكتئاب.. و الاكتئاب مرض نفسي قلما يتخلص منه من أصيب به .. عندما تبتعد عن التفكير في أمور تتوهم أنها ستقضي عليك ستتصاغر هذه الأمور و تراها كالسيارات الصغيرة و أنت تنظر اليها من مكان شاهق .. دروس الدكتور أحمد فيها من الحكمة و العبرة ما يجعلك تتخذ منها علاجا للاكتئاب و بلسما للمرض النفسي .. يكفي أن تتدبر قوله جل و علا ( إن الله مع الصابرين ) ، ( إن الله يحب الصابرين ) .. لقد صبرت و تعلمنا منك الصبر .. أنت مدرسة في الصبر.

أحمد صبحى منصور

جزاك الله جل وعلا خيرا استاذ حمد ، واقول  

1 ـ من حق كل انسان أن يكتب سيرته الذاتية . كل انسان يرى نفسه مركز الكون ، ولكن العبرة بما قدمه من خير.
2 ـ التاريخ ينام فى أحضان الطُّغاة ، وأفاضل الناس معظمهم ضحايا القهر والتجاهل والنسيان. بل لو تكرم بعض المؤرخين وذكرهم فبالتحقير والاتهامات الباطلة والمتناقضة ، وأحسب أن باحثا فى الاجيال القادمة يؤرخ لعصرنا ويستقى معلوماته من الاعلام الحكومى والصحف الحكومية سيجد الكثير من إفتراءات عصرنا عنى . لهذا السبب أعرض لمواقف من معاناتى ومواقف خصومى أكابر المجرمين . وكل هذا فى سياق الدعوة الاصلاحية.
3 ـ وهنا مثلا : كيف أتكلم عن القدرة على تغيير النفس دون ذكر تجربة شخصية معظم شهودها أحياء ، وأولهم رفيقة العمر وأبنائى والذين تحملوا معى أثقالا ؟
4ـ  إن الحياة قصيرة ، وما بينى وبين آدم كلهم ماتوا ، وسأموت . ويبقى بعدى الفعل ( كان ) . كان كذا أو كان كذا . مصيرنا ( كان ). وهذا لا يقارن بيوم الحساب حيث سنجد ما عملنا حاضرا ـ ولا يظلم ربك أحدا.
5 ـ أكرمك الله جل وعلا استاذ حمد.

أحمد صبحى منصور

شكرا د عثمان ، أكرمك الله جل وعلا ، واقول :

 1 ـ قصة حياة جدى ( محمد على ) درامية ، كان الخليفة فى الطريقة الرفاعية الصوفية فى البلد ، وتآمر عليه الصوفية اصحاب النفوذ ، وفى النهاية اضاعوا عليه معظم أطيانه الزراعية ، ومات كمدا . كان قد تزوج أربعة نساء : الكبرى جدتى والتى أنجب منها ابنه الأكبر ثم ست بنات ثم أبى منصور ، وتزوج أرملة شقيقه وأنجب منها جدك ( الحاج على ) وبنتا .  وتزوج بنت عمه التى أنجب منها بنتا وابنه ( الشيخ محمد ) أول من تخرج فى كلية اللغةا العربية دفعة الشيخ الباقوى ، وتفوق عليه . وتآمرت عليه نفس العائلة الصوفية ومات شابا مسموما . ثم تزوج الرابعة وأنجب منها التوأم ( رزق وكامل ) وبنتين . تم توزيع التركة على اساس أن الأشقاء مع بعضهم . جدك الحاج على استقل مع شقيقته ، وهكذا الباقون . واصبح أبى مع شقيقه الأكبر الذى هو خليفة البلد ، وكبير العائلة . كنت اسمع أن أبى كان لا يجرؤ أن ينظر لوجه شقيقه مباشرة . كانت ـ ولا تزال ـ عادة سيئة أن يأكل الأخ الأكبر حقوق إخوته خصوصا البنات ، خصوصا فى ميراث الأرض الزراعية. 
2 ـ ترك والدى ذكرى عطرة . وأولاده الأيتام منهم استاذ الجامعة والطبيب.  
3 ـ تعلمت أن المحن هى أعظم المنن . لمن إقترب بها من ربه متضرعا ، وهو جل وعلا الذى يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء. 
4 ـ يعلم الله جل وعلا كم أحبك يا عثمان . أعتبرك أبنى الذى لم أنجبه ، وأنت شاهد على جزء من هذا التاريخ.

أحمد صبحى منصور 

شكرا ابنى الحبيب استاذ سعيد على ، واقول:

1 ـ اشكرك على إشارتك لموضوع الاكتئاب . جاءنى سؤال طويل عنه . أنا لا أعترف بالاكتئاب . ما قاسيته كان يؤهلنى لاكتئاب لا شفاء منه ، لو كان هناك فعلا مرض الإكتئاب . كنت قد أجّلت الاجابة على هذا السؤال ، سأجيب عليه لاحقا.
2 ـ أدعو الله جل وعلا ابنى الحبيب سعيد أن تكون سعيد الدنيا والآخرة.
3 ـ بكم احبتى تحلو الحياة مهما بلغ مُرُها. 

 

إقتلاع الخوف فى تجربة شخصية :

( 2 ): الايمان بحتميات القضاء والقدر

أولا 

 1 ـ تأهبت للحصول على درجة استاذ مساعد عام 1985 بتأليف خمسة كتب : ( الأنبياء فى القرآن الكريم / حركات إنفصالية فى تاريخ المسلمين / العالم الاسلامى بين عصرى الخلفاء الراشدين والخلفاء العباسيين / غارات المغول والصليبين / تاريخ التربية والفكر فى الحضارة الاسلامية ) ، قررتها على طلبة جامعة الأزهر ، حيث كنت أدرّس فى 11 كلية فى القاهرة والأقاليم ، ولم يكن يبقى لى سوى يوم واحد فى الاسبوع أتابع فيه طبع الكتب الخمسة.

2 ـ فى مارس 1985 كانت الكتب مع الطلاب . وفيها إنكار شفاعة النبى وإنكار عصمته ورفض تفضيله على الأنبياء . إنتشر هذا داخل محيط الطلبة فى الجامعة ، ووصلت أصداؤه الى شيوخ السنيين والصوفية فى القاهرة . كان اشهرهم الشيخ محمد زكى ابراهيم ( قائد العشيرة المحمدية ) الذى أرسل بلاغات الى شيخ الأزهر ورئيس الجامعة يطالبهم بفصلى من الجامعة ، وأرسل الى رئيس الوزراء وقتها كمال حسن على ( تولى الوزارة فى 16 يولية 1984 ) ، يهدد فيها بتسيير مظاهرات عارمة فى القاهرة ، كان كمال حسن على يعانى صعوبات فلم يكن محتاجا للمزيد ، لذا أرسل رسالة حازمة لرئيس الجامعة محمد السعدى فرهود مفادها لماذا تسكتون على هذا الرجل ؟ إن كان ما يقوله صحيحا إعلنوه ، وإن كان باطلا عاقبوه . ( وقد تم عزل كمال حسن على سريعا فى 4 سبتمبر 1985، وعاش مغمورا نسيا منسيا الى أن مات فى 27 مارس 1993 !. )

3 ـ فوجئت فى ليلة 5 مايو 1985 بوفد من أساتذة قسم التاريخ الذى أعمل فيه يطرقون باب شقتى المتواضعة فى حىّ المطرية ، واخبرونى بأن قرار رئيس الجامعة قد صدر باحالتى للتحقيق ووقفى عن العمل ومصادرة مسحقاتى المالية ومنعى من السفر والترقية لأستاذ مساعد . وإن موعد محاكمتى صباح الغد . ولكى أنجو فلا بد أن أعترف بالخطأ وأعتذر عنه ، وينتهى الأمر . رفضت ، قالوا إنك ( صاحب عيال فلا تعرضهم للفقر ، وإنا لم نصل الى هذه المكانة بسهولة ) ، قلت لهم : لو كان رزقى ورزق أولادى فى الأزهر لاتخذته إلاها من دون الله ؟

4 ـ بعدها بدأت المحاكمة ، وأخبرت زوجتى فأيدتنى فى موقفى مستعدة للتضحية . كنا وقتها فى شهر رمضان ، ولم أكن مستعدا لقطع المرتب . كان عندى أربعة أطفال ، وعلىّ إلتزامات عائلية .

5 ـ أيقنت أننى دخلت فى صراع تعدّى الأزهر الى نظام الحكم نفسه ، وتدخلت فيه السعودية خصوصا بعد عودة العلاقات معها ، وقبلها كانت (رابطة العالم الاسلامى ) تؤازر الأزهر ضدى ، وأسّسوا مركز السيرة والسُنّة بميزانية هائلة ، وعقدوا مؤتمرات تدعو لقتلى بتهمة الردة ، منها مؤتمر فى اسلام أباد تحت رعاية الرئيس ضياء الحق ، وقد لقى مصرعه فى 17 أغسطس عام 1988 ، ثم مؤتمر أخر فى جدة بالسعودية . أثناء ذلك كنت أتحدّاهم بالخطب فى المساجد وإذاعة ما جاء فى كتبى ، ثم كان إصدارى كتاب ( المسلم العاصى : هل يخرج من النار ليدخل الجنة ) فأصدر مبارك قرارا بسجنى مع أول مجموعة من أهل القرآن فى نوفمبر 1987 .

6 ـ دخلت فى جدال مع النفس إستمر من وقتها حتى تركت مصر 2001 . كان هذا الجدل يتكرر مع كل إستدعاء لأمن الدولة ، وكل خطبة جمعة فى المساجد السنية المحيطة بالعمارة التى أسكن فيها ، ومع كل تهديد من المتطرفين من حولى . تركز الجدل مع الحتميات والقضاء والقدر، فهم يخيفوننى بالفقر وبالموت وبالسجن والتعذيب وبتضييع أولادى تبعا لذلك . فهل هذا فى يدهم ؟ أم هى أقدار مكتوبة سلفا وحتميات لا مهرب منها ؟ معايشة القرآن الكريم تدبرا وذكرا أراحت القلب ، وأزالت الخوف .

7 ـ ما أذكره هنا هو وعظ لمن يتصدى للتغيير الى الأفضل مقتلعا الخوف فى نفسه .

ثانيا :

الحتميات :

الموت

  يتصرف الانسان كأنه لن يموت . فى جنازة الآخرين يبدو متأثرا ، ثم  ينسى ، وقد يخطط للزواج بأرملة المتوفى أو أكل ميراثه . عرفت من القرآن الكريم الإيمان أن :

1 ـ لا مهرب من الموت ، فهو يطاردنا . قال جل وعلا : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ )(78) النساء )، وهو يواجهنا . قال جل وعلا : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ) (8) الجمعة ). وأن موعد الموت مكتوب محدد فى أجله ووقته ، وكله بإذن الرحمن جل وعلا . قال جل وعلا : ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً ) (145) آل عمران ). ولو كان مقدرا لى القتل فى مكان محدد لذهبت اليه فى نفس الموعد . قال جل وعلا : ( قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) (154) آل عمران ).

2 ـ بالتالى :

2 / 1 : لا يمكن لأى بشر أن يميتنى قبل موعد موتى ، ولا أن يؤجّل موعد موتى .

2 / 2 : يسرى هذا علىّ وعلى خصومى . تكرّر قوله جل وعلا : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) آل عمران 185 ) ( الأنبياء 35 ) ( العنكبوت 57 ) .

2 / 3 : أمتاز عن خصومى :

2 / 3 / 1 : بأننى أدافع عن الاسلام والقرآن الكريم متمسكا بقوله جل وعلا : ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)(الاعراف  185)( المرسلات 50) ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) الجاثية ).

2 / 3 / 2 : لو قتلونى سيحققون لى أعظم أمنية ، أكون بفضل الرحمن جل وعلا ممّن قال عنهم رب العزة جل وعلا :

2 / 3 / 2 / 1 : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) البقرة ) 

2 / 3 / 2 / 2 : (  وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)آل عمران )

المصائب المؤلمة

التعذيب :

لم أتعرض للتعذيب البدنى فى مصر. ولكنه كان إحتمالا قائما فإتّخذت عهدا على نفسى ألّا أستسلم للتعذيب ، سأقاوم حتى الموت ، وإذا قتلونى فقد فُزت . بالاضافة لذلك :

1 ـ هناك حدُّ أقصى من الألم يتحمله الانسان ، بعده يدخل فى الإغماء . 

2 ـ كل آلام الدنيا لكل البشر لو إجتمعت على فرد واحد فلن تساوى شيئا فى لحظة عذاب فى جهنم. فكيف بالخلود فيها ؟

المصائب عموما :

1 ـ هى بإذن الله جل وعلا ، ومن يؤمن بهذا يستريح نفسيا . قال جل وعلا : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) (11) التغابن ).

2 ـ هى إبتلاء وإختبار يبدو شرا أو خيرا . قال جل وعلا : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ) (35) الانبياء ). الخير أو الشّر فيه حسب موقف الفرد ، إذا صبر وشكر فاز ، وإذا كفر وطغى خسر .

3 ـ الايمان مرتبط بهذا الابتلاء ليتبين صدقّ الايمان أو كذبه . قال جل وعلا : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت ).

4 ـ فى النهاية فكلها أقدار مكتوبة سلفا ولا مهرب منها. قال جل وعلا :( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) (23) الحديد ). بهذا تستريح قلب المؤمن ، إذا يتخذ موقفا وسطا من حتميات المصائب .

الرزق :

أنواع الرزق

  الرزق الحقيقى المضمون ، ضمنه الله جل وعلا لكل كائن حىّ ، . قال جل وعلا :( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ) (6 ) هود ) ،  ( وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ) ( 60 ) العنكبوت ) .أنه ما يدخل فى جسدك من هواء وطعام وشراب ـ وما يغطى جسدك من ثياب . والمكان الذى يحتله جسدك . هو يقوم على الاحتياج و الضرورة ، ومن رحمة الله جل وعلا أن جعل أشد الضروريات مجانا بلا ثمن ، ثم يوجد ثمن ضئيل لكل نوعية من الضروريات على حسب درجة الضرورة فيها ، ويرتفع الثمن  كلما قلّ حتياج لها ، فاذا لم تكن ضمن الاحتياجات أصلا أصبحت باهظة الثمن. أنت لا تستغنى بضع دقائق عن الهواء ( ألاكسجين ) لذا جعله الله تعالى مجانيا و باعد بينه و بين سيطرة الناس عليه. وتخيل مستبدا   يتحكم فى الهواء و تنفس الناس .. تخيل هذا وقل : الحمد لله تعالى رب العالمين .!!

 بعد الهواء المجانى لا يستطيع الانسان العيش بدون ماء أكثر من يوم أو يومين. ولهذا فالماء ـ تقريبا ، مجانى.  وإذا كان عزيز الوجود ـ كالصحراء ـ فان التكلفة فى الحصول عليه قد توازى القدرة على احتمال العطش. ثم يأتى الطعام ثالث الضروريات فتجد أرخصه هو أشده ضروره ؛ ملح الطعام مثلا هو أرخص مواد الطعام لأنه لا يستغنى عنه الجسد البشرى..أغلى أنواع الطعام هى الكماليات الضارة غالبا و التى يستحسن الابتعاد عنها. وهكذا فى اللباس ـ الى أن تصل الى الكماليات الحقيقية كالجواهر والأحجار الكريمة.. هى باهظة الثمن ، ومع ذلك تستطيع العيش بدونها ، بل ربما كنت الحياة أفضل بدونها.

المؤمن بالقرآن الكريم وحده يستريح لقول ربه جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)  يونس ).

الأولاد

1 ـ لستّ أنا الذى أرزق أولادى . أنا سبب فى رزقهم كما إنهم سبب فى رزقى . قال جل وعلا : (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ  (31 ) الاسراء ) (  نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) (151)  الأنعام ).

2 ـ وجود الأب فى حياة بنيه لا يعنى فلاحا لهم ، كما أن موته وتركهم أيتاما لا يستلزم ضياعا لهم . هناك أيتام كبروا وسط المحن وصنعوا لأنفسهم مجدا ، وهناك إبناء عاشوا عالة على ذويهم فإزدادوا بهم خمولا . المؤمن بالقرآن الكريم وحده حديثا يدعو ربه : ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74) الفرقان )، ويتمنى أن يكونوا معا فى الجنة . قال جل وعلا : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ )  (23) الرعد )( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)  الطور )

أخيرا

هى وصفة قرآنية . قال جل وعلا : (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82) الاسراء ).

ودائما : صدق الله العظيم ، ولو كره الكافرون .!

كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية )
يتناول قرآنيا ماهية الدولة الاسلامية وعلمانيتها .
يتناول الكتاب القيم الأساس للدولة الاسلامية ، وحرية الدين والديمقراط ية المباشرة بين التنظير والتطبيق ، ومظاهر العلمانية فى الدولة الاسلامية وشريعتها ، كيف نقيم دولة اسلامية علمانية . ثم الخاتمة عن شهادة العصر عن مصر
more