رقم ( 7 )
الباب الخامس : علمانية الشريعة فى الدولة الاسلامية

 الباب الخامس : علمانية الشريعة فى الدولة الاسلامية

الفصل الأول :  التوازن بين الفرد والمجتمع فى الشريعة الاسلامية

الفصل الثانى : مقدمة عن محدودية الإلزام للفرد فى الشريعة الاسلامية

 الفصل الثالث : ثلاث مقالات عن الإلتزام الفردي فى تطبيق التشريع الاسلامى        

 الفصل الرابع : محدودية تدخل الدولة الاسلامية فى بيوت العبادة

  الفصل الخامس : مدى تدخل الدولة الاسلامية فى عبادة الصلاة    

 الفصل السادس : لا تدخل مطلقا للدولة الاسلامية فى عبادة الصيام

  الفصل السابع : حدود تدخل الدولة الاسلامية فى الزكاة المالية

الفصل الثامن : حدود تدخل الدولة الاسلامية فى فريضة الحج  

 

   

الفصل الأول :  التوازن بين الفرد والمجتمعفى الشريعة الاسلامية

أولا : عن المواطن الفرد

1 ـ الوطن ليس مجرد قطعة أرض ومكان ، بل هو فى الأساس المواطن الانسان ، أى هو جميع المواطنين بلا إستثناء ، وبالمساواة المطلقة يتقسّم عليهم . فإذا كان عدد المصريين مائة مليون فكل فرد مصرى هو واحد على مليون من الوطن ، هذا بغض النظر عن الطفولة والكهولة والشباب والشيخوخة والذكورة والأنوثة والدين والمذهب والعرق واللون والغنى والفقر . لا أحد يعلو على أحد ، لأن العلو هو للخالق سبحانه و ( تعالى ) وحده ، جل و ( علا وحده )، وكل البشر سواء فى عبوديتهم لمن خلقهم ، جل وعلا .

2 ـ ولأن الوطن في الشريعة الاسلامية هو المواطن الفرد فاذا صودرت حقوق المواطن الانسانية والثقافية والدينية فى وطنه ولم يستطع المقاومة تحتم عليه الهجرة الى بلد آخر اذا استطاع. إن لم يهاجر من دولته الظالمة مع قدرته على الهجرة ومات فى وطن يقهره بشرته ملائكة الموت بالجحيم لأنهم ( ظلموا أنفسهم ) بالرضى بالذُّل فى وطن يملكه غيرهم . قال جل وعلا ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) النساء ) .

3 ـ لهذا أساس فى العقيدة الاسلامية بالإيمان باليوم الآخر. إذ يعنى أنه مهما عشت فستموت . عمرك محدد سلفا ، وهو يتناقص مع كل دقيقة تمر من عمرك . فى مقابل ( الزمان المقدر لك ) أو هذا العمر المحدد الذى يتآكل ويتسرب منك فإن الكرة الأرضية ( المكان ) واسع لا نهاية له .  تخيل نملة تسير فوق بطيخة هل تصل الى نهايتها ؟ أى أمام الانسان حياة قصيرة وحيدة فى هذه الدنيا بعدها موت يقترب منه بسرعة 60 دقيقة فى الساعة، وتحت قدميه أرض واسعة . لماذا يضيّع عمره القصير فى وطن لا يعطيه حقه ؟ لا بد أن يهجره ـ ما إستطاع ــ الى غيره قبل أن يدركه الموت . نتدبر قوله جل وعلا : ( يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) العنكبوت ) . لماذا تعيش مقهورا لفرد مثلك يمتلك دونك الوطن ، بل يجعل نفسه الوطن والقوم والمجتمع والدولة ؟

3 ـ الفرد في الشريعة الاسلامية يولد فردا، ويتم تكليفه بمسئوليته الفردية الشخصية :

3 / 1 : ، فلا تزر وازرة وزر أخرى ، قال جل وعلا :

(  وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) 18 ) فاطر ) ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) الزمر )( أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) النجم ) (  وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (15) الاسراء  ) ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)  الأنعام )

3 / 2 : ومن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها ، ومن اهتدى فانما يهتدى لنفسه ومن ضل فانما يضل على نفسه. قال جل وعلا :

3 / 2 / 1 : ( مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا )ً (15) الاسراء ) ( وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ ) (18) فاطر )

3 / 2 / 2 :( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ) (46) فصلت )( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ) (15)  الجاثية )

3 / 2 / 3 : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)  المدثر ) (  كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) الطور ) ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى (41) النجم   )

3 / 2 / 4 : (  وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ )(22)  الجاثية ) ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (286) البقرة )( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ) 164 ) الأنعام )

4 ـ وليس النبى نفسه وكيلا عن أحد ولا مسئولا عن أحد . قال له ربه جل وعلا : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)  يونس )(  وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ (92) النمل )( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)  الأنعام ) (  إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) الزمر ).

5 ـ وكل منا سيؤتى به يوم القيامة فردا . قال جل وعلا : ( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) النحل ) ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95)  مريم )(  وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )  (94)  الأنعام )

6 ـ كل فرد يعيش وسط مجتمع . ويتم تسجيل أعماله بأقواله وأفعاله وما فى قلبه ، سواء مع نفسه أو مع تعامله مع غيره . ولكل جماعة عاشت مع بعضها كتاب أعمال جماعى ، ولكل فرد منها نسخة بكتاب أعماله الفردى .

6 / 1 : عن كتاب الأعمال الفردى قال جل وعلا : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء ). ( يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً (8) وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً (11) وَيَصْلَى سَعِيراً (12) الانشقاق )(  فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21))( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) الحاقة)

6 / 2 : وعن كتاب الأعمال الجماعى قال جل وعلا : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) الكهف )

6 / 3 : وعن العلاقة بين كتاب الأعمال الفردى وكتاب الأعمال الجماعى قال جل وعلا : ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8)  الزلزلة )(  يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) الاسراء ) ( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية )

6 / 4 : وعن عموم التسجيل للمجتمعات والأفراد  ، قال جل وعلا : ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً (29) النبأ )( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يس )

ثانيا :

عن الفرد المواطن فى مجتمعه

  الفردية الشخصية ترتبط بالتفاعل الايجابى بالمجتمع وفق :

1 ـ التعاون على الخير . قال جل وعلا : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) المائدة )

2 ـ التنافس فى الخيرات :

2 / 1 :يقول جل وعلا للمؤمنين :( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) الحديد ) ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران )

2 / 2 : حتى مع الاختلاف الدينى فى الدولة الاسلامية التى تسع الجميع، قال جل وعلا : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)  المائدة )( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) البقرة )

3 ـ فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهى وظيفة مفروضة على الجميع من رجال ونساء وليست مرتبطة بطائفة واحدة أو طبقة معينة أو مجالا للتوظيف . وفى نفس الوقت لا تعنى الاكراه والاجبار والتدخل الرسمى أو الشخصى فى حياة الآخرين ، بل هى هى مجرد نصح قولى وتوجيه يقوله كل شخص للآخر اذا وجده مستحقا للنصح والارشاد. والمعروف هو كل القيم العليا المتفق عليها ، والمنكر هو كل الشرور والرذائل المنهى عنها.

نقرأ قوله جل وعلا :

3 / 1 : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104آل عمران ـ 104 ). هذا خطاب للأمة كلها بدليل ما قبل الآية وما بعدها .  

3 / 2 : (  وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216)الشعراء) . لا إرغام فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . ولم يكن للنبى محمد عليه السلام أن يتبرأ ممّن يعصيه ، بل يتبرأ من عصيانه فقط .

3 / 3 : ( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر ).الجميع يتواصون بالحق وبالصبر .

3 / 4 : وفى نفس الوقت فان حرية الفكر فى الشريعة الاسلامية تسمح بوجود حرية مطلقة للجماعات التى تسير فى الطريق المضاد للاسلام ؛ تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، وكان فى دولة المدينة مؤمنون ومؤمنات يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وكان فيها أيضا منافقون ومنافقات يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ، ولا تدخُّل من الدولة فحساب هؤلاء وهؤلاء عند ربهم جل وعلا . قال جل وعلا :

3 / 4 / 1  ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) التوبة )

3 / 4 / 2 : (  وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) التوبة ) .

أخيرا

الوطن فى الدولة الاسلامية يملكه كل الأفراد على السواء فى حياتهم القصيرة . وهم فى إختبار الايمان والعمل الصالح ، ويجب أن يتمتعوا بحرية الاختيار فى هذا الاختبار . وبعد هذه الحياة الدنيوية القصيرة الفانية الزائلة سيأتى اليوم الآخر بحساب وخلود فى الجنة أو فى النار . وبهذا فإن عقيدة الاسلام هى التى تغلّف مسئولية الفرد المواطن ، سواء آمن أم كفر . المهم هو الاسلام السلوكى ، أو السلام أساسا للمواطنة .

التعليقات

حمد حمد 

جزاك الله خير الجزاء بالدنيا والآخره دكتور أحمد المحترم.


وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ  " الأنفال  73 " هذه الآية دكتور أحمد إضافه لماذكرته من آيات المنافقين بعضهم من بعض ، والمؤمنين بعضهم أولياء بعض. هذه الآيات تكشف الحالات النفسيه والإنفعاليه وكذلك الإجتماعيه في حال إذا كانت هناك حرية مطلقه بالمجتمع الذي يحكم بالديمقراطية المباشره وبالتالي تستطيع أن تعرف مؤامراتهم وخيانتهم اي تعرف نواياهم العدائيه لإتقاء شرهم. أما إذا كانت الدولة تحكم بالحديد والظلم والقهر فسيكون الأمر أشبه بكابوس على الجميع ويحدث إنهيار لقيم المجتمع وفوضى قد تقضي على الجميع والله أعلم. 

أحمد صبحى منصور

 جزاك الله جل وعلا خيرا استاذ حمد ، واقول :

صدقت استاذ حمد .!
. حكم المستبد ينتج ثقافة الاستبداد والاستعباد وثقافة العبيد، يُظهر أسوأ ما فى الانسان، يجعل الناس يتظالمون ، الأقوى يظلم من دونه ، والضعيف يستأسد على من هو أضعف منه. بهذا يصبح المجتمع أسوأ من الغابة، لأن الحيوانات المفترسة غريزتها أن تفترس لتعيش ، وهى لا تعذب ضحيتها ، والضحية لا تشعر بالألم . أما الانسان فى غابة المستبد فهو يقهر ويقتل ويعذب ويظلم ..وفى كل هذا شقاء وبؤس لا يسعد به سوى ابليس .!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثانى : مقدمة عن محدودية الإلزام للفرد فى الشريعة الاسلامية

 

أولا :

محدودية التشريعات القرآنية وإعتماد تطبيقها على الفرد وليس الدولة

تشريعات القرآن الكريم محدودة لا تتجاوز مائتى آية، بكل تنوعها من أوامر ونواهى ثم قواعد تشريعية ثم مقاصد تشريعية ، وايضا بالتفصيلات والتكرار فيها . ثم فى تطبيقات معظمها تكون المرجعية للفرد ومسئوليته أمام ربه جل وعلا الذى يملك عقابه وثوابه فى الدنيا والآخرة .

ونأخذ مثالا فى تشريع المحرمات فى الطعام :

1 ـ جاء إباحة الأكل من الطيبات مع ذكر المحرمات والاستثناء عند الاضطرار فى قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)  البقرة )

2 ـ جاء شرح المحرمات فى قوله جل وعلا :

2 / 1 : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)   الأنعام )، هنا تعريف الدم المحرم وهو المسفوح من حيوان حى .

2 / 2 : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ) (  فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)  المائدة ). هنا تفصيل الميتة المحرمة : ( وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ). 

3 ـ جاء النهى عن تحريم الحلال فى قوله جل وعلا : (  قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60)  يونس )

4 ـ جاء الأمر بأكل الطيبات وتحديد المحرمات مع النهى عن تحريم الحلال فى قوله جل وعلا : ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) النحل ).

5 ـ هذا مع التفرقة بين صيد البرّ وصيد البحر وتحريم صيد البر فى الاحرام والحرم فى قوله جل وعلا:

5 / 1 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) المائدة )

5 / 2 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) المائدة )

فى كل ما سبق من تشريعات ليس للدولة الاسلامية ان تُلزم الفرد أو أن توقع عليه عقوبة ( أو غرامة ) إذا عصى . هناك حالة وحيدة عند قتل الصيد فى الاحرام ، وفيها يحكم إثنان من العدول بأن يقدم من قتل الصيد حيوانا مماثلا هديا لمن فى البيت الحرام . هذا مع ملاحظة أن الفرد نفسه هو الذى يبادر بهذا ، فالأمر هنا على ( التعمد ) ، أى يرجع للفرد نفسه . والعقوبة تأتى من الرحمن جل وعلا.  

ثانيا :

  فى التطبيق يكون الاحتكام الى المعروف ، أى المتعارف على أنه عدل . ونعطى أمثلة ، قال جل وعلا :

1 ـ فى الدية بديلا عن القصاص : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) البقرة  )

2 ـ فى الوصية : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة )

3 ـ فى عدة المطلّقة : (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)  البقرة  )

4 ـ عدم منع من تطلقت من الزواج : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232) البقرة )

5 ـ فى الرضاعة :( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) البقرة )

6 ـ فى زواج الأرملة بعد عدتها : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) البقرة )

7 ـ فى خطبة النساء : ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) البقرة )

8 ـ فى متعة المطلقة قبل الدخول بها : ( لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) البقرة )

9 ـ فى زواج الأرملة بعد تركها بيت زوجها : (  وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) البقرة )

10 ـ فى متعة المطلقة : ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) البقرة )

11 ـ فى أجر الوصى على اليتيم : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) النساء )

12 ـ فى معاشرة الزوجة بالمعروف حتى لو كرهها زوجها : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء )

13 ـ فى الصداق ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) (25)  النساء ) .

ثالثا :

ونلاحظ مما سبق :

1 ـ إختتام أو تذييل الآيات بالتقوى وأنه جل وعلا الرقيب الحسيب . وهذا يعنى المسئولية الفردية الشخصية فى التطبيق، وأن الانسان مسئول أمام الله سبحانه وتعالى. وهذا هو معنى التقوى الذى يجعل المسلم ـ الحق ـ يخشى الله قبل أن يخشى الناس ، ويجعله يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه ربه ، ويجعله حتى فى سريرته قبل علانيته يتحسب لما يفعل . وبهذه العقيدة الحية فى اليوم الآخر الذى لا مكان فيه لشفاعة بشر فان تطبيق الشريعة الاسلامية الحقة يخضع أولا وأخيرا لضمير المسلم المؤمن لأنه حريص على رضى الله تعالى ويخشى إغضابه جل وعلا. وبينما تؤمن العلمانية الغربية بالضبطية القضائية ويكون فيها المتهم بريئا الى أن تثبت إدانته فان المسلم الذى يتقى ربه ويعمل لليوم الآخر يهتم بضبط نفسه وكبح جماحها فى السر والعلن. ناهيك عن دول  المحمديين الاستبدادية حيث يكون فيها البرىء متهما الى أن تثبت بالتلفيق إدانته.

2 ـ فى تطبيق الأحوال المشار اليها يحتاج المعروف الى قوانين تفصيلية ، والى قاض يحكم بها .  ومثلا يقول جل وعلا : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (البقرة )، لم يقل جل وعلا مقدار الرزق أو الكسوة كذا دينارا أو كذا درهما ، مع أن الدينار والدرهم من مصطلحات القرآن الكريم ( آل عمران  75 ، يوسف  20)، ولكن صيغة المعروف تحمل فى طياتها العموم والخصوصية معا . ففى كل زمان ومكان يكون المتعارف عليه على أنه عدل ، ثم فى خصوصية الوضع ، وإختلافه ليس فقط حسب الزمان والمكان ، بل أيضا فى نفس المكان والزمان ، إذ يختلف الناس من حيث الثروة . يختلف الوضع فى تقدير تكلفة الرضاعة والكسوة بين مترف يعيش فى قصره مع خدم له . ويحتاج الأمر الى قاض يحكم حسب هذا المعروف ، وهم يحكم بقانون فى تفصيل هذا المعروف .

3 ـ وكل قانون يراعى القيم العليا فهو قانون اسلامى فى أى زمان ومكان لأن غاية التشريع الاسلامى ومقاصده هى التيسير والتخفيف ورفع الحرج وحفظ حقوق العباد أو حقوق الانسان.وبهذا تستمر الشريعة الاسلامية صالحة للتطبيق مع إختلاف الزمان والمكان والأجيال .

أخيرا :

الشريعة الاسلامية العلمانية مجالها محدود فى الزام الفرد وفى عقابه، وتطبيق الشريعة الاسلامية تقوم به الدولة الاسلامية ذات الحكم الديمقراطى المباشرفان الأفراد هم الذين يحكمون أنفسهم بأنفسهم ، وما يسمى بالحاكم ليس سوى خادم للمجتمع بعقد معين ، وهو مسئول أمام المجتمع الذى يملك عزله ومحاكمته ومكافأته. ومن هنا فان الفرد شريك فى السلطة وفيما يصدر عنها من تشريعات ، وهو أولى الناس بالالتزام بما يشارك فى اصداره من قوانين تحمى حقوق الأفراد وتحفظ حق المجتمع. ومع ذلك فان الدولة لا سلطة لها فى علاقة المواطن بربه فيما يخص العبادات والعقائد ، وليس لها سلطة الالزام فى شىء سوى الجانب العقابى الذى يحفظ حقوق الفرد فى الحياة وفى السمعة والعرض والمال والكرامة.

وحتى فى الجانب العقابى فان العقوبات  ـ أو الحدود ـ تسقط بالتوبة التى تعنى الاعتراف بالذنب والتعهد بالكف عنه ، ورد الحقوق لأصحابها.  

التعليقات

حمد حمد

جزاك الله خير الجزاء بالدنيا والآخره دكتور أحمد المحترم

مقدمة رائعة عن محدودية الإلزام للفرد في الشريعة الإسلامية والتي تجعل التقوي هي الفيصل والضمير الحي للمسلم في حساب نفسه وتحييدها وعقابها (لاأقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة) آية عظيمة في تهذيب النفس الانسانية ، ويبقى دكتورنا المحترم مثال بسيط حول كما تفضلت إن بالدول العلمانيه المتهم بريء حتى تثبت إدانته والفرق فيها بالدولة الإسلاميه ، وبارك الله بعمرك وعلمك. 

أحمد صبحى منصور

جزاك الله جل وعلا خيرا استاذ حمد ، واقول                     |                     

1 ـ عشت تجربة حية مع القضاء الأمريكى حين كنت شاهدا خبيرا فى قضية فيدرالية . وأنبهرت حقيقة بما شاهدت ، وكان حاضرا فى ذهنى دور القضاء المصرى ( الشامخ ) فى ترسيخ الظلم إن وصلت لأعتابه قضية ، والأغلب أن يتم السجن والتعذيب والقتل بلا قضية أصلا.
2 ـ أفخر بدينى الاسلام وهو يعلو على القضاء الأمريكى ـ الذى مع هذا ـ لا يخلو من تجاوزات . دين الله يعلو لأنه دين العلى العظيم . ولكن أين له بمسلمين حقيقيين لا يخشون إلا الخالق جل وعلا.
3 ـ ليس فى إمكاننا إلا أن نبشّر بالاسلام الذى ظل قرونا مجهولا منكورا من المنتسبين اليه . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.!

 

  

 

 

الفصل الثالث : عن حدود الإلتزام الفردي فى تطبيق التشريع الاسلامى    

المقال الأول : مقدمة :    

  1 ـ للدين جانب قلبى باطنى هو الايمان . وهو نوعان :

1 / 1 : إسلامى : الايمان بالله جل وعلا وحده إلاها وربّا ووليا وشفيعا ونصيرا .

1 / 2 : الكفر والشرك ، وهما بمعنى واحد: الايمان بغير الله مع الله جل وعلا .

2 ـ للدين جانب عملى منظور ، هو التطبيق العلمى للإيمان القلبى الباطنى . وله ثلاثة مظاهر : الدعوة والعبادة وإقامة بيوت العبادة .

3 ـ الدولة الاسلامية طبقا لشريعتها :

3 / 1 : لا تتدخل مطلقا فى الجانب القلبى الباطنى ( الايمان ) ، وتكرّر الاستشهاد بالآيات القرآنية فى هذا الخصوص .

3 / 2 : لا تتدخل مطلقا فى العبادات ، سواء ما إتفق منها مع الاسلام أو إختلف .

3 / 3 : تدخلها محدود جدا فى الدعوة والتبشير الدينى .  وهذا هو موضوعنا :

أولا : مشكلة التكفير  

1 ـ التكفير أساس فى الاسلام وفى الأديان الأرضية الشيطانية . مع إختلاف بينهما .

2 ـ فى الاسلام : نرى أكثر المصطلحات شيوعا فى القرآن الكريم هو ( كفر ، شرك ، فسق ، ظلم ..) وما يلحق بها من ثواب وعقاب وجنة ونار ، وهو ما سيحدث يوم الدين .

3 ـ فى الأديان الأرضية : ترى تفرقها الى مذاهب وطوائف كما فى أديان المسيحيين والمحمديين ، والتكفير بين هذه الأديان على مستوى :

3 / 1 : اُفُقى :  فاليهود يكفّرون النصارى ، والنصارى يكفرون اليهود ، وهى عادة سيئة سارية ، كما قال جل وعلا : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)  البقرة ).

3 / 2 : رأسى فى داخل كل دين ، ومثلا فإن طوائف النصارى ( كاثوليك / بوتستانت / ارثوذكس ..الخ ) يتبادلون تكفير بعضهم بعضا بكل سخاء ، وطوائف المحمديين  ( من سنّة وشيعة وصوفية )لا يتوانون عن تكفير بعضهم البعض بكل أريحية . وعلى هامش التكفير تُقام محاكم التفتيش وعقوبة الهرطقة و ( حدّ الردة ) وقتل الزنديق حتى لو تاب ، كما شرحنا فى كتابنا عن حد الردة ، والأخطر من ذلك الحروب الدينية أو الفتوحات التى ترفع لواء الدين ، مثل فتوحات الخلفاء الفاسقين ، والحروب الصليبية .

4 ـ الكهنوت يحتاج الى التكفير لأنه قائم على الاحتراف والتكسب ، هو صراع على حُطام الدنيا ، وهم يزعمون ملكيتهم للآخرة بأكاذيب الشفاعات ، ويبيعون الأوهام وصكوك الغفران ، وفى موالدهم وأعيادهم وبيوت عبادتهم تمتلى خزائنهم من النذور والقرابين .

ثانيا :

طبيعة التكفير فى الدعوة الاسلامية :

1 ـ التكفير ليس للأشخاص بل لما يقولون ويفعلون . والدليل إن باب التوبة مفتوح ، لمن يتوب  .

2 ـ التكفير هو للوعظ والهداية لينجو الناس من عذاب يوم القيامة .

3 ـ الداعية المسلم لا يطلب أجرا ممّن يدعوه الى الاسلام . وتكرر هذا فى قصص الأنبياء  ، وقال الرجل المؤمن لقومه الكافرين : ( اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)  يس )

4 ـ هناك حدود للدعوة ، وهى عدم الإكراه فى الدين والاعراض عن المخالف المعاند وتقرير حريته الدينية . نرجو تدبر الآيات الكريمة التالية ، قال جل وعلا :

4 / 1: (  قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) الانعام )

4 / 2 : (  وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود  )

4 / 3 : ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) الزمر )  .

ثالثا :

التكفير يأتى فى القرآن الكريم بصيغة التبشير والانذار

نضع عناوين للآيات الكريمة ، والتى نرجو تدبرها :

1 ـ القرآن الكريم نفسه هو النذير والبشير ، وجاء هذا وصفا له فى قوله جل وعلا :

1 / 1 : ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) هود )

1 / 2 : ( تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً ) (4) فصلت )

2 ـ الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم بشيرا ونذيرا للعالمين من عصر النبى محمد وبعد موته والى قيام الساعة . قال جل وعلا :

2 / 1 : ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1) الفرقان )

2 / 2 : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ) (28) سبأ )

2 / 3 : ( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) الاسراء)

2 / 4 : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) الفرقان ).

3 : وظيفة النبى فى حياته مختصرة فى التبشير والانذار . قال جل وعلا :

3 / 1 : ( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)الاحقاف )

3 / 2 : ( إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) ص ) .

4 ـ الدعاة بعد النبى محمد يواصلون الدعوة ، ومعهم القرآن الكريم الى آخر الزمان ، قال جل وعلا :

4 / 1 :   ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ (24) فاطر ) 

4/ 2  : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس)

5 ـ التبشير يأتى إنذارا . . قال جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (138) النساء )،

6 ـ ويأتى الانذار والتبشير بالجنة أو بالنار . قال جل وعلا :

6 / 1 : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا (1) قَيِّماً لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) الكهف)

6 / 2 : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51) الحج )

6 / 3 : ( فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25) الانشقاق )

6 / 4 :( وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)الاحقاف )

7 ـ ويأتى الأمر بالتبشير بالعذاب فقط لأصناف محددة للبشر :

7 / 1 : الذين يقتلون المُصلحين السائرين على هدى الأنبياء . قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) آل عمران )

7 / 2 : أئمة الأديان الأرضية والذين يكتنزون الأموال السُّحت . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) التوبة )

7 / 3 : الذين ينشرون ويذيعون الأحاديث الضّالة ( لهو الحديث ) لإلهاء الناس عن القرآن الكريم . وهم موجودون فى كل مجتمع أو ( ناس ) . قال جل وعلا : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) لقمان )

7 / 4 : الذين يؤمنون بحديث آخر غير حديث الله جل وعلا فى القرآن الكريم . (  تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) الجاثية )

8 ـ  كل هذا فى الدنيا إنقاذا لهم من عذاب الجحيم .  قال جل وعلا :

8 / 1 : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) فاطر )

8 / 2 : ( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) الملك ) .

8 / 3 : ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)   الزخرف )

8 / 4 : ( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)  المؤمنون ).

أخيرا

فى ضوء ما سبق فدور الدولة الاسلامية هو حماية حرية الدعوة . وفى نفس الوقت تمنع وصول التكفير الى إستحلال دم المخالف فى الدين . لا بد من سنّ قانون بعقاب من يقع فى هذا ، وإذا ترتب على دعوته قتل فيكون شريكا فى جريمة القتل .

التعليقات

سعيد على

الدين لله عز و جلا و الوطن للجميع.

حفظكم الله جل و علا.. كما أشرتم في كتابات سابقة فالدولة الإسلامية هي دولة علمانية مؤمنة.. و مبدأ الدين لله عز و جلا و الوطن للجميع من أساس هذه الدولة.. متى نرى هذه الدولة؟  من المضحك حقا أن يقال أن للدولة ديانة و مذهب!! و هذا بند غريب في دساتير الدول العربية تحديدا فالدولة كيان يضم شعب تحت مسمى مواطن و الدولة لن يحاسبها الله جل و علا و كلنا سنأتيه فردا.. حفظكم الله جل وعلا .

أحمد صبحى منصور

جملة رائعة ابنى الحبيب سعيد على .
(  الدولة لن يحاسبها الله جل و علا و كلنا سنأتيه فردا.. )
أكرمك الله جل وعلا .

 

د عثمان محمد على

 الإسلام العظيم سبق الجميع في الحرية الدينية.
الإسلام منذ 1450 سنة قرر الحُرية الدينية وحافظ عليها وحماها ودافع عنها بالرغم من أن المُسلمين الأوائل تعرضوا لألوان وصنوف من الإيذاءلإثنائهم عن دينهم ،أقلها طردهم من بلدتهم لأنهم يؤمنون بالله وحده جل جلاله ووصلت للإعتداء الحربى العسكرى عليهم وعلى مدينتهم ،ورغم ذلك جاء القرءان العظيم ينهاهم عن التعرض لأحد بسبب دينه ويأمرهم بالإعراض عنه وترك حسابه على المولى جل جلاله .....ولقد فهمت هذا أوروبا بعد حروب طاحنة بينها وبعد سيطرة الكنيسة على شعوبها قرون وقرون ،فتخلصت من سيطرة أديانها الأرضية المسيحية ومنعت الكنيسة من العمل السياسى والسيطرة على المجتمع .فانطلقت اوربا فى مجال التقدم والتحضر والقوة . وكانت مصرعلى وشك اللحاق باوربا لولا حكم العساكروسيطرة الوهابية . لأن العسكر يحتاج إلى كهنوت دينى يُمهد له الطريق بتخديرالشعوب بروايات تحريم الخروج على الحاكم الفاسد والصبر عليه حتى لو قتل ثلث الرعية . .
فشكرا لك أستاذنا دكتور منصور- على هذا الكتاب والكنز المعرفى الذى يُنصف الإسلام ويدعو المسلمين لمعرفة الحرية الدينية في الإسلام وحمايتها من دواعش العصر الحديث وتراثهم الشيطانى الخبيث .  فكتابكم (ماهية الدولة الإسلامية) يثبت أن الاسلام سبق الجميع فى تقدمه وحقوق الانسان والمواطن والدفاع عنها .

أحمد صبحى منصور

جزاك الله جل وعلا خيرا د عثمان ، واقول

 هذا أكبر دليل على أن المحمديين شرّ أمّة أُخرجت للناس . ويكفى ما نلقاه منهم فى دعوتهم الى القرآن الكريم الذى إتخذوه مهجورا ، ويزعمون الايمان به خداعا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون . نحمد الله جل وعلا على نعمة الهداية.

المقال الثانى :

  حدود الإلتزام الفردي فى تطبيق التشريع الاسلامى

أولا :

فى الزام الفرد المؤمن لنفسه:

1 ـ المؤمن بالله جل وعلا وحده هو الذي يقوم بإلزام نفسه في تأدية الفرائض والعبادات وسائر الحقوق والالتزامات، وذلك بدافع ذاتي ولا رقيب عليه إلا الله جل وعلا الذي يعلم السر وأخفى، وهو يعلم أن الله جل وعلا قريب منه برحمته في الدنيا والآخرة ، وإنه إذا عصى وتكاسل فلن يجيره أحد من عذاب الله في الدنيا والآخرة. وقد يقوم العذاب الدنيوي بتقويم بعض الناس فيرجعون للصواب ، قال جل وعلا متوعّدا : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )( السجدة 21 ).   

2 ـ ولأن الطاعة والإيمان موقف اختياري في الأساس لا شأن لسلطة بشر فيهما.  فقد يختار المؤمن الفقير التركيز على الصلاة في ركعاتها وخشوعها وأن يحافظ عل قيام الليل، لأن ظروفه لا تساعده على الصدقة، قد يتمنى أن يتصدق وأن يكون قادراً على الاحسان المالي ولكن لا يملك إلّا نيته الطيبة. هذا الفقير في المال الغني بالرغبة في العطاء يعتبره رب العزة محسناً حسب نيتّه، طالما ينصح بالخير ويأمر بالمعروف. وفى الدولة الاسلامية فى عهد النبى محمد عليه السلام حدث في غزوة ذات العسرة أن جاء فقراء للخروج للجهاد ولكن ليس لديهم دواب يركبونها ويأملون في أن يجد النبي لهم ما يركبونه، ولم يتحقق طلبهم فرجعوا باكين حزناً على فقرهم، فاعتبرهم رب العزة محسنين حسب نيتهم وإخلاصهم. قال جل وعلا : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ  وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ) (التوبة 91 : 92)،  فالمؤمن يقدر ظروفه ويتحرك على أساسها وهو يعلم أن الله مطلع على سريرته.

3 ـ وهذا في الطاعات، أما في المعاصي فهو يتقي الله الذي يعلم خائنة الأعين ما تخفي الصدور، وهو يخشى الله في سريرته وفي خلوته حيث لا تدركه سلطة حاكم من البشر. قال جل وعلا : (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنْ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (يس 11)، (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى )( النازعات 40 : 41).

3 ـ هذا المؤمن يجعله رب العزّة حكماً على نفسه:

3 / 1 : إذا أقسم ثم لم يف باليمين الذي أقسم به، وعندها يجب عليه دفع الكفارة، و هو الذي يوجب على نفسه الكفّارة ويدفعها . قال جل وعلا : ( لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(المائدة 89)، قوله جل وعلا: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ) يرجع تحديدها للمؤمن نفسه وليس لسلطة المجتمع، ويقول جل وعلا في نفس الموضوع (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) (البقرة 225). فالمؤمن هنا هو الذي يعلم ويقدّر قوله جلّ وعلا (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ)، فهو يعلم سريرة نفسه وما يدور في قلبه، وهو الذي يحاسب سريرته ونيته إذا كان يمينه لغواً أو غير لغو، وهو أدرى بإمكاناته في أداء كفارة اليمين وهو في كل ذلك يعلم أن الله مطلع على خبايا نفسه وإنه إذا خدع الناس فلن يستطيع أن يخدع رب الناس وإلا كان من المنافقين الذين يخادعون الله وهو خادعهم. هنا لا تتدخل سلطة المجتمع في تلك العلاقة الخاصة بين المؤمن وربه ، ولا تستطيع .!

3 / 2 : وعلى نفس النسق تأتي الغرامة عقوبة لمن يقتل الصيد ـ متعمداً ـ في الحرم وهو يحج إلى البيت الحرام . قال جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ)(المائدة 95). هل يستطيع حاكم أن يقرر ما إذا كان فلان من الناس قد قتل الصيد في الحرم عمداً أم خطأ؟ لا يعرف خبايا القلوب إلا الله. والله تعالى أوكل الحكم في تحديد العمد من عدمه إلى نفس الجاني وإذا كان قد قتل الصيد عمداً فعليه أن يدفع الفدية إذا كان يخشى الله وإلا فالله عزيز ذو انتقام وهو الذي ينتقم لحرمة بيته الحرام  والأشهر الحرم.

4 ـ وهكذا تنتقل سلطة الإلزام في تأدية الفرائض من الحاكم إلى شخص المؤمن نفسه هو الذي يلزم نفسه ، وهو الذي يقدم الإيمان الخالص والطاعة الخاشعة لله رجاء الثواب في الدنيا والآخرة، وهذا يذكرنا بالمقصد الأسمى للتشريع القرآني وهو إيجاد المؤمن التقي وتعليم المؤمنين أن يعيشوا متقين.

5 ـ ولذلك فإن آيات التشريع غالباً ما يتم تزييلها بالتقوى، أي دعوة المؤمن لكي يتقي الله ويطبق التشريع خوفاً من الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

5 / 1 : يقول جل وعلا : (وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (البقرة  231). الآية الكريمة تنقسم إلى : الأمر التشريعي والمقصد التشريعي الذي لا بد من توافره لتطبيق الأمر التشريعي بكل دقة واخلاص ودون تدخل من سلطة المجتمع.

5 / 1 : الأمر التشريعي هو قوله جل وعلا (وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا) أي إذا طلقت زوجتك وانتهت عدتها وهي في بيتك فلك الخيار إما أن تبقيها بالمعروف وتعود زوجة لك وتصبح عليكما طلقة، وإمّا أن تخرج من بيتك وتنتهي علاقتك بها ويتم الانفصال التام بينكما بحيث لو أردت استرجاعها فلا بد أن يكون ذلك بزواج جديد، وبحيث يمكن أن تتزوج بعد خروجها مباشرة من تشاء. هنا أمر تشريعي بالأمر والنهي (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا). وقد يحدث أن يرفض الزوج الانفصال النهائي ويقرر أن تظل زوجة له كي يضطهدها، أي يمسكها وفي نيته وفي قلبه الاضرار بها. هذه نيّة و سريرة لا تعلمها السلطة الاجتماعية، ولكن يعلمها رب العزة الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

5 / 2 :  لذلك، فإنه بعد الأمر التشريعي يأتي المقصد التشريعي في التحذير والوعظ من رب العزة إلى قلب الزوج مباشرة يقول جل وعلا له في خطاب مباشر للمؤمن : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). كل هذا لحثّ المؤمن على تنفيذ الشرع باخلاص، وحتى تكون تقوى الله هي المقصد الأعلى في التشريع. وحيث توجد تقوى الله فلا خوف من بشر ولا مراعاة لبشر. ويتكرر هذا في قوله جل وعلا في نفس الموضوع : (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) ( الطلاق  2 : 3).

6 ـ  في العهود والمواثيق والنذور مع الله جل وعلا . وهى تقوم على المبادرة الفردية الحرة ولكن يلتزم الفرد المؤمن بالوفاء بها. من نذر لله سبحانه وتعالى نذراً على شكل صدقة أو صلاة أو صيام لا بد من الوفاء به ، وإلّا كان ظالما . قال جل وعلا : (وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) (البقرة 270)، لذا كان من صفات أهل الجنة : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (الانسان 7)، ومن عاهد عهداً أو عقد ميثاقاً فلا بد من الوفاء به، وتلك إحدى الوصايا العشر في القرآن الكريم . قال جل وعلا : (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الانعام  152). وتكرر الأمر بالوفاء بالعهد والميثاق ضمن صفات المؤمنين الأبرار المفلحين . قال جل وعلا : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ )(الرعد 20) (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)(المؤمنون8)،(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) (الاسراء 34).

ثانيا :

تدخل الدولة بإلزامها الفرد فيما يخص حقوق الآخرين

1 ـ قد يعقد المؤمن عقداً في معاملات مالية أو اقتصادية فلا بد للدولة الاسلامية من إلزامه بالوفاء بالشروط والنصوص المكتوبة في العقد، فى خطاب إلاهى مباشر قال جل وعلا للمؤمنين ودولتهم الاسلامية : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) (المائدة 1) وهذا يشمل سائر العقود بين الأفراد أو بين الدولة والفرد أو بين المؤسسات وبعضها أو بينها وبين الأفراد. ومن يرفض يتعرض لعقوبات مالية يفرضها القاضى الذى يحكم بين الناس بالعدل .

2 ـ ليس فى الدولة الاسلامية تجنيد إجبارى ، بل هو تطوعى . وحين رفص المنافقون الخروج للقتال الدفاعى كان عقابهم سلبيا بمنعهم من شرف القتال الدفاعى مستقبلا . قال جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) التوبة ). لم يأت قرآنيا فرض التجنيد إجباريا ، ولم يرد أيضا تحريم أن يكون الانخراط فى الجيش بعقد وأجر . بالتالى للدولة الاسلامية أن تجعله احترافاً و مقابل أجر وبعقد. وعندها يتعين على الفرد المتعاقد مع الدولة أن يلتزم بالشروط  التي وقّع عليها. إن أخلّ بالشروط فعليه مؤاخذة وعقاب .

3 ـ ويدخل في ذلك عقد الدولة الاسلامية مع من يخدم الناس من الموظفين وأصحاب الخبرة ـ أي أولو الأمر ـ بالمفهوم القرآني. كل منهم يخدم الناس بعقد محدد لا بد من الالتزام به وبشروطه وعلى أساسه يستمر أو يتعرض للفصل أو للشروط الجزائية وفقا لبنود العقد.

4 ـ نفس الحال فى حقوق المطلقة والأرملة واليتيم . تتدخل الدولة الاسلامية لإعطائهم حقوقهم إذا تعرضت للضياع أو الاهمال .

أخيرا

1 ـ المواطن في دولته الاسلامية هو كامل الأهلية ومسئولاعما التزم به من عقد أو عهد من واقع حريته في القبول والرفض. والحرية أساسها المسئولية وليس الفوضى.

2 ـ وإذا كان الفرد هو اللبنة الأولى للمجتمع والدولة فإن الفرد الحرّ المسئول الناشط الفعّال ذا الضمير اليقظ هو تعبير عن أمة ودولة حرّة مسئولة نشطة قائمة بالخير والعدل والقسط وحرية الأفراد والشعوب. وليس هذا حديث وعظ و(ينبغيات): أي (ما ينبغى أن يكون)، بل حقائق كانت موجودة في دولة النبي محمد عليه السلام في المدينة، وتوجد ما يقاربها في دول العالم المتحضر في الغرب وأمريكا واليابان، ويتم هذا بدون علمهم بالقرآن، ولكن باتباعهم الفطرة داخل ضمير الانسان ..

3 ـ ويمكن تحقيقها بكل سهولة في كوكب المحمديين في أحلام  اليقظة... وفقط .!!

 

  التعليقات

حمد حمد 

حفظكم الله جل وعلا دكتور أحمد المحترم
بارك الله جل وعلا بعمرك وعلمك دكتورنا المحترم هل الإلتحاق بالخدمة الإلزامية العسكرية  وأنا أعرف إنها ليست من ضمن قوانين الدولة الإسلامية فهم يعتبر تلبية هذا النداء له إثم على الملتحق بالخدمة.هل الدفاع عن الأرض في حال نشوب حرب التي يحكمها المستبد الظالم بالعالم العربي هو دفاع عن الباطل أليس هذا كفر لأنه حماية لباق هذا النظام الجاثم على هذه الشعوب المغلوبة على أمرها .

أحمد صبحى منصور

شكرا جزيلا استاذ حمد ، وجزاك الله جل وعلا خيرا، وأقول  :
1 ـ ليس هناك إثم على المجبر على الخدمة العسكرية طالما لا يستطيع الافلات منها .
2 ـ المستبد يملك الأرض ، وله جيشه وقواته الأمنية التى تضمن له الاستمرار فى ظلمه وإستبداده . هو يدفع أجرا لجنوده وأتباعه ، وهم يدافعون عنه دفاعا عن أنفسهم لأن بقاءهم من بقائه . المواطن المستضعف المقهور لا يملك شيئا فى وطن يملكه المستبد ، فلا عذر له إن دافع عن وطن المستبد . حين يدخل المستبد فى حرب فهى حربه دفاعا عن شىء يملكه ضد طامع آخر فيما يملكه المستبد . المواطن المقهور لا ناقة له ولا جمل فى هذه الحرب . هو يدافع عن نفسه وبيته إذا هوجم فى عُقر داره فقط . 

المقال الثالث

أولا :

 لمجرد التذكير

1 ـ الشورى الاسلامية / الديمقراطية المباشرة هى أساس هيكل الدولة وشكلها ، إذ تعنى وجود جمعية عمومية تجتمع ضمن نظام متكامل للادارة المحلية أو الحكم المحلى اللامركزى الذي يصل الى كل قرية وضاحية وحى فى المدن الكبرى ، فكل مجتمع صغير يدير ويباشر شئونه بنفسه ، فى جمعية عمومية تتكون من كل افراده البالغين من الذكور والاناث ، لهم سجل حضور وغياب ، وتوقيع بالحضور ، وتسجيل للمناقشات ، وحفظ لها لتكون مستندا . وهناك من يقوم على هذا ، وهناك من تعينهم الجمعية العمومية فى الوظائف الادارية والأمنية ، وفى الوظائف التى تستلزم خبرة وتخصصا ، أو ( أولو الأمر ) ولا بد من شخص مسئول يدير المشهد ، ليس حاكما بالمنصب المعروف المألوف ، ولكن يدير ويشرف ، وهو تحت رقابة الجمعية العمومية تملك محاسبته وعزله ، شأن باقى الموظفين . أما الشئون العامة للدولة من العلاقات الخارجية والدفاع عن الدولة فهو مقسوم بين أهل التخصص " أهل الذكر أولو الأمر " وبين المشاركة الشعبية بالرأى ، أى ترسل قرية او كل ( حى ) بالرأى الذي ترتضيه في الأمور المطروحة للمشورة الجماعية فيما يخص الوطن كله .

2 ـ ولا ريب ان التقدم التكنولوجى في وسائل الاتصال والاعلام المرئى والمسموع والمقروء قد الغى المسافات بين الدول وليس فقط بين بلاد الوطن الواحد ، وعليه فان عصرنا الراهن هو انسب العصور للمشاركة الشعبية الكاملة ، حيث أصبح من الصعب اخفاء الحقائق عن الشعب ، وحيث اصبح من السهولة بمكان معرفة اتجاهات الرأى العام في اسرع وقت ، واذا تدخلت وسائل الاتصال الحديثة في اجراءات الشورى الكاملة لكل ابناء الوطن فسيكون ذلك سهلا وميسورا ومتاحا في نفس الوقت لكل بلد . اذن فالشورى الاسلامية التى لا تقبل التمثيل النيابي هى التى توافق عصرنا الراهن المفتوح ، عصر الفرد العادى وحقوق الانسان الذي لم يعد فيه مقبولا أن يفكر أو يتحدث شخص او جماعة بالنيابة عن الشعب.

3 ـ مع هذا فإن تدخل الدولة الاسلامية محدد ، ويتيح مشاركة فعّالة للأفراد والجمعيات الأهلية . خصوصا مع محدودية إلزام الدولة للافراد . وهذا هو موضوعنا .

 ثانيا :

مدى إلزام السلطة الاجتماعية للمواطنين

 

1 ـ السلطة الاجتماعية هى التى تقوم بإدارة شئون الدولة الاسلامية ، وليس الحكم، لأن الحاكم هو الشعب الذي يعين موظفين ينفذون ما يريده الناس.   

2 ـ نظام الحكم في الدولة الاسلامية حقوقي، يضمن تحقيق :

2 / 1 : العدل بأعلى مستوى بشري ممكن بين الأفراد، لذا فإن منصب القاضى هو الأهم ، لأنه الذى يقيم القسط ، وهو الأساس فى الشرائع الالهية كلها .

2 / 2 : الحرية المطلقة في الدين لجميع الأفراد: (عقيدة وعبادة ودعوة).

2 / 3 : العدل السياسي بالديمقراطية المباشرة بدءاً من القرى إلى المدن الكبرى.

2 / 4 : أمن المواطنين وأمن الوطن . والوطن هنا ليس مجرد الأرض بل كل المواطنين على قاعدة المساواة الكاملة والتامة.

3 ـ والدولة الاسلامية ـ في نظام الحكم والشعب ـ هي التي تملك الأرض ومواردها الاقتصادية وما فيها من ثروات ، ولكنها لا تقوم بالانتاج، فالانتاج هو مهمة الأفراد، فلكل فرد حق السعي في الارض والتملك والانتاج طبقاً لتكافؤ الفرص، ويدفع ضرائب للدولة . وللورثة حق طالما يحسن الوريث إستغلال حقه، فلو تبين سفهه وعجزه تعود ثروتهم للسلطة لتديرها له وتعطيه ما يكفيه. وعلى الدولة ممثلة في نظام الحكم تيسير الاستثمار وسبل التملك وضمان الحقوق الاقتصادية وضبط المكاييل والموازين ومنع كل وسائل الفساد، ولها أن تسنّ القوانين التي تؤكد الشفافية وتطارد الفساد، وتضمن بالضرائب كفالة العدل الاجتماعي بإعطاء حقوق الفقراء والمساكين وابناء السبيل واليتامى والارامل والسائلين والمحتاجين. وجهاز الدولة الإداري ضئيل، ومسئوليته في الاشراف والتيسير والأمن والعدل ومكافحة الفساد، وسلطته في الالزام هي فيما يخص حماية الناس وحقوقهم ويخدم مصالحهم الشرعية. ويقوم بهذه السلطة مسئولو الأمن والقضاء والهيئات التنفيذية ..وغيرها . ومن المستحسن الاستفادة من التشريعات الغربية التى لا تتناقض مع القرآن الكريم وشريعته القائمة على التيسير والتخفيف ومنع الضرر .

4 ـ تتشكل السلطة الاجتماعية من هيئات يختارها المواطنون ــ وفق  نظام الشورى ـ من أهل الاختصاص، قاضياً أو ناظراً أو مديراً أو مفتشاً في الاسواق أو جندياً أو قائداً ، كل في مجال تخصصه ، سواء بتقدير الأمر أو بإصداره، أو بتنفيذه، وهو مساءل أمام الشعب في الجمعية العمومية التي تم أفراد القرية أو المدينة أو الحي. هذا بالاضافة إلى المسئولين على مستوى الأمّة والمجتمع كله في الدفاع والأمن العام والعلاقات الخارجية والاجراءات المالية والاقتصادبة العامة والقومية والوطنية مثل سك العملة والتعليم ومواجهة الأخطار والري والصرف على مستوى الوطن.

ثالثا :

إلزام السلطة الاجتماعية

1 ـ  بالإجراءات العقابية الايجابية :

 وهذه تشمل عقوبة الزنا وقذف المحصنات وعقوبة قتل النفس وقطع الطريق والسرقة والشذوذ الجنسي. وتشديد التحريم فى الزنا يوجب  منع المواخير وبيوت الدعارة .

وتسقط العقوبة بتوبة الجاني، وبالاضافة إلى التوبة تستلزم جريمة القتل تقديم الدية بديلا عن القصاص. ومن لوازم التوبة إرجاع المظالم والاعتذار للمظلوم ودفع الغرامات المترتبة على جريمته. وذلك ما يدخل في إطار التقدير البشري، أما صدق التوبة والعزم على عدم العودة للمعصية وتصحيح الإيمان فهي أمور قلبية تخرج عن تقدير البشر، ويترتب عليها الغفران يوم القيامة أو الخلود في النار.

2 ـ بالعقاب السلبي بالمنع والتفريق:

2 / 1 : قد يشاع عن امراة بأنها سيئة السلوك ولكن يتعذر ضبطها متلبسة، ولكن القرائن والشواهد تؤكد احترافها أو إدمانها للفاحشة، وتصل بشأنها عريضة للقاضى المختص ، فيكون له أن يطلب شهادة أربعة شهود على سوء سلوكها فإذا شهدوا أمامه يأمر بالتحفظ عليها مخصص لمنعها من إشاعة الفاحشة وتظل كذلك إلى أن تتوب و تتزوج أو تموت . (النساء 15).

2 / 2 : وقد يرمي الزوج زوجته بالزنا ولم يكن معه شهود يثبتون عليها التهمة، وحينئذٍ يكون التلاعن بين الزوجين أمام القاضى ، وبعده يتم التفريق بينهما وتسقط عقوبة القذف عن الزوج وعقوبة الزنا عن الزوجة.  (النور6: 9).

3 ـ إلزامها بالإجراءات الاقتصادية:

3 / 1 : اليتيم :

3 / 1 / 1 : تلتزم برعاية اليتيم عموما تنفيذا لأوامر قرآنية كثيرة : منها: (البقرة  220)، وتلتزم برعاية مال اليتيم  ( الأنعام  ( 152 )( الاسراء 34 )( النساء ( 2 )،( 10 )   

3 / 1 / 2 :  الحجر على مال اليتيم إذا ظهر أنه سفيه ،لأن المال حينئذٍ يكون حقاً للمجتمع. فى البداية فعلى السلطة الاجتماعية مراقبة موضوعات الميراث ، وفى حالة وجود يتيم وارث يعين القاضى المختص لجنة لحفظ ورث اليتيم وتعيين وصى لتنميتها ، تحت الاشراف والمتابعة . فإذا بلغ اليتيم الحُلُم يعقد له لجنة لاختباره راشدا أو سفيها ، فإذا تبين رشده تسلم إرثه ، وإذا ظهرت سفاهته عيّن القاضى وصياً على مال السفيه ، ويكون للسفيه حق الربح من تشغيل المال ، ويقرر القاضى المختص محاسبة الوصي وتقدير أجره عن الوصاية إذا كان محتاجاً للأجر، وإذا تم تسليم اليتيم ماله كان ذلك على يد شهود : ( النساء 5 : 6).

 3 / 2 ـ وتلتزم بإقامة المكاييل والموازين بالقسط ، تنفيذا لأوامر الله جل وعلا :   (الانعام 152). ( الاسراء35)، (المطففين :1 : 3 )، (الرحمن 8: 9).

3 / 3 : إلزامها بالتدخل في الحالات الزوجية الشخصية:

3 / 3 / 1 : إذا خيف حدوث شقاق بين الزوجين تدخل القاضى لمنع ذلك الشقاق بإختيار حكم من أهل الزوج وحكم آخر من أهل الزوجة ليتعاونا في تقريب وجهات النظر والصلح بين الزوجين : (النساء 35).

3 / 3 / 2 : والمطلقة في فترة العدة يتدخل القاضى في تقدير حقها في النفقة والسكن بالمعروف ، (الطلاق6: 7).

3 / 3 / 3 : يشمل هذا منع القاضى للعضل أو منع الأرملة أو المطلقة البائن من الزواج ( البقرة 232 ) ( النساء  19 )، كما يشمل سائر حقوق المرأة . وهذا موضوع شرحه يطول .

رابعا :

هل للسلطة الاجتماعية أن تُلزم الناس باجتناب الخمر:

1 ـ مالم يصدر قانون يعبر عن رأي الأغلبية ويكون تنفيذه ملزماً للجميع فليس من حقها إلزام الناس باجتناب الخمر. ولكن يبقى العلاج القرآني هو الأمثل.

ليس في القرآن عقوبة دنيوية على تناول الخمر وإن كان تحريمها جاء في صورة التغليظ والأمر بالاجتناب: ( المائدة 90: 91.) والأمر بالاجتناب والنهي عن الاقتراب هما أشد أنواع التحريم. لقد قرن تشريع القرآن الخمر والميسر بلوازم الشرك من الأنصاب والأزلام واعتبر الجميع رجساً من عمل الشيطان وأمر المؤمنين باجتنابه والابتعاد عنه إذا أرادوا الفلاح، وأوضح أن هدف الشيطان من نشر إدمان الخمر والميسر هو إيقاع العداوة بين المؤمنين وصدهم عن ذكر الله والصلاة. ومن  المتوقع أن يكون علاج القرآن لإدمان الخمر والميسر بنفس المنطلق العقلي الذي أرساه في موضوع اتخاذ القبور المقدسة، ليس بإلزام السلطة وعقابها ولكن بتوضيح خطورتها لينأى الإنسان عنها بدافع ذاتي.

2 ـ والواقع ان التربية السليمة هي الأسلوب الأمثل في إبعاد النشء عن هذا الرجس، أما العقاب فلا يُسهم الا في انتشاره خلسة بين الناس ، فالممنوع محبوب . وطالما تتعلق الخمر والميسر بصناعة الشيطان فهو الذي يزين للناس تناولها في غيبة القوانين التي تعاقب عليها، ولكن إذا تربي المؤمن على تقوى الله وطاعته في السر والعلن كان في مأمن من غواية الشيطان وصناعته، وهكذا فمهما تكاثرت  قوانين العقوبات في موضوع الخمر وملحقاتها فلن تزيدها إلا انتشاراً طالما غفل الناس عن حكمة القرآن في ترك قضية التحريم في إطار علاقة الإنسان بربه  وإذا كان يخشى الله حقاً فيكفيه أن الخمر والميسر من عمل الشيطان شأنهما شأن الأنصاب والأزلام، وإن فلاح المؤمن في الدنيا والآخرة مرتبط  باجتنابه هذه الصناعة الشيطانية . والاجتناب من أشد تعبيرات التحريم إذ يعني الابتعاد عن كل ما له صلة بالخمر والميسر لقطع الطريق بينها وبين حواس المؤمن، ويبدأ اجتناب الخمر والميسر بقطع الطريق على الشيطان  حين يوسوس للإنسان أن يذوق التجربة الأولى أو أن يحضر مجالس الأنس، وغالباً ما يبدأ الإدمان بهذه الخطوة البسيطة ويظل الإنسان يدفع الثمن من صحته وكرامته وأمواله وسعادة أسرته طيلة حياته. إن الخمر والميسر والأنصب والأزلام من أشد أعداء العقل. وكل منها يحاول تغييب العقل وتدميره بطريقة مختلفة وبنفس القدر يحاول القرآن حماية العقل ويوجه المؤمن لاحترامه.. ومن هذا المنطلق كان تحريم الخمر والميسر بتلك الصورة التي تحترم الإنسان وعقله، إذ نجعله حارساً على عقله دون إلزام من حاكم قد يكون هو نفسه من السكارى في غير أوقات العمل الرسمية.

أخيرا

1 ـ في إطار مقاصد التشريع في حفظ الحقوق والتيسير والتسهيل يمكن للهيئة التشريعية أن تسنّ القوانين، مثل منع التدخين في بعض المناطق ومنع المخدرات، وتنظيم تعاطيها للعلاج مثلا .. كما يمكن أن تنشىء وتستحدث وظائف لتتمكن من خدمة الفرد والأفراد .

2 ـ ولا شك أن مجتمعا حيويا متفاعلا بالتعاون على البر والتقوى والتواصى بالحق والصبر جدير بتحقيق هذا .

التعليقات

حمد حمد

جزاك الله خير الجزاء على هذا الشرح الوافي في حدود تدخل الدولة في حياة المواطنين
بارك الله فيك دكتور أحمد المحترم اتمنى فقط أن تبين مدى تدخل الدولة في حرية اللباس مثل حرية لبس المايوه او البكيني او شاطيء خاص وحمامات سباحه خاصة بهم فهل يسمح بذلك بالدولة الإسلاميه. ماذا عن مصانع الخمور والمتاجرة بها هل هناك قوانين تسمح او تمنع إقامتها.ما اسم من يمثل الدولة في المؤتمرات العالميه وتوقيع المعاهدات وغيرها. أليس له مسمى معين لمثل الدولة الإسلاميه دوليا. 

احمد صبحى منصور 

جزاك الله جل وعلا خيرا استاذ حمد ، أسئلة هامة ، واقول                     |                     

1 ـ فى صناعة الخمور وفى تناولها : بعض الدول التى تنتشر فيها الخمور تضع قيودا ، بل تم منعها فى فترة فى أمريكا . هذا مع إن الخمر جزء من الثقافة المسيحية . المقصود إن ضرر الخمر والميسر معروف مع وجود منافع تجارية ولكن إثمهما أكبر من نفعهما كما قال رب العزة جل وعلا فى سورة البقرة. بالتالى فمهما كان النفع فالأولى هو المنع التام ، مع التوعية اللازمة اسلاميا وصحيا واجتماعيا.   
2 ـ العُرى الجزئى للمرأة حرام ، وهو ضمن اللمم وليس من الكبائر. والأكثر حُرمة هو النقاب الذى يعتبرونه دينا . عُرى المرأة إنتقاص من آدميتها وتحويلها الى سلعة . لا بد من ان يكون الوجه سافرا وكذلك شعر المرأة للتعرف عليها . والأمر بالحشمة للنساء جاء فى سورة الأحزاب . هو ضمن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فيه التواصى بالحق والصبر والتعاون على البر والتقوى . وليس فيه إلزام ، وليس فيه عقوبة. 
3 ـ الدولة الاسلامية متفاعلة مع العالم ولها علاقات ومعاهدات ، وقد تعرضنا لهذا فى بعض الفتاوى . هناك أصحاب الاختصاص ( أولو الأمر ) ، ولهم مسمى تختاره الدولة لهم . وهم يتصرفون ضمن الأُسُس الموضوعة لهم ، من السلطة الاجتماعية. 

 

 

 

 

الفصل الرابع :  

محدودية تدخل الدولة الاسلامية فى بيوت العبادة

أولا :

1 ـ نوعان فقط لدور العبادة :

1 / 1 ـ  بيوت عبادة إسلامية ، الدعوة والأذان والصلاة للخالق جل وعلا وحده . لا يُذكر فيها سوى إسمه جل وعلا وحده ، ولا دعاء فيها لغيره ، قال جل وعلا :

1 / 1 / 1 :(  وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) الجن )

1 /1 / 2 : (  فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) النور )

1 / 1 / 3 : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18)التوبة ).

1 / 2  ـ بيوت عبادة شيطانية : وهى نوعان :

1 / 2 / 1 :  شيطانية صريحة تتم فيها عبادة الشيطان ، وقد تُقدّمُ فيها الضحايا البشرية . وعبادة الشيطان موجودة علنا أو سرّا ، ولا يمكن إنكار وجودها .

1 / 2 / 2 : شيطانية ضمنية : وهى التى تنتسب لأصحاب الديانات الأرضية ، حيث تقديس البشر الأحياء والموتى ، وحيث تنتشر فيها أحاديث شيطانية . وجاءت الإشارة اليها فى قوله جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) الانعام ).

وتلك البيوت تؤسس بوحى الشيطان ، أو هى من ( عمل الشيطان ). قال جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92)المائدة ).  الشيطان لا يقوم بنفسه ببناء  الأنصاب أو ما يعرف الآن باسم الأضرحة، ولكنه هو الذي يوهم الناس بأن مواد البناء في الضريح مقدسة وتختلف عن أي مواد أخرى تبنى بها البيوت والمساكن والمصانع، وهو الذي يوهم الناس بأن المقبور تحت الرماد لا يزال حياً ولكنه معتقل تحت الأرض يرى ويحس بمن يطوفون بالضريح من فوقه، وطبعاً فلا يشكو من طول فترة اعتقاله في زنزانة انفرادية تحت الأرض ولا يتضرر من آلاف الأقدام التي تسير دائماً فق رأسه. الشيطان يحجب العقل عن التفكير السليم ويجعل الناس يؤمنون بأن هناك إلاها محبوسا تحت الرماد يستجيب لهم ويرفع عنهم الضرر. والشيطان هو الذي يقنع الناس بأن مملكة الأموات هي التي تتحكم في مملكة الأحياء.  

2 ـ ليس للدولة الاسلامية أن تتدخل فى إقامة أو منع إقامة بيوت العبادة ، سواء كانت إسلامية أو شيطانية . حتى بيوت عبادة الشيطان . التدخل الوحيد هو منع ذبح القرابين البشرية فى طقوس عبادة الشيطان . ولنتذكر:

2 / 1 : أن الآيات السالفة من سورة المائدة ــ وهى من أواخر ما نزل فى المدينة ـ تعظ بعض المؤمنين بعدم تقديس الأنصاب ، وهى القبور المقدسة ، أى هو مجرد وعظ ، لعلهم ينتهون ، وإن لم ينتهوا فما على الرسول ــ وهو القائد ــ سوى البلاغ المبين .

2 / 2 : مسجد الضرار الذي أقامه المنافقون في المدينة للتآمر على الاسلام والنبي محمد عليه السلام والمسلمين. وكشف الله تعالى في الوحي القرآني دور هذا المسجد ونهى النبي عن الاقامة فيه : (لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ). لم يأمره بتدميره أو حرقه أو اعتقال المتآمرين أصحابه والدليل ضدهم ثابت لاجدال فيه وهو كلام رب العزة جل وعلا. فقط أمر النبى والمسلمين بعدم الذهاب اليه. وظل هذا المسجد مقاماً بدليل كلام الله تعالى عنه (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(التوبة 107: 110).

ثانيا :

ليس من حق الحاكم المسلم هدم الأوثان:

1 ـ قال ابراهيم عليه السلام لقومه: (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)(الصافات95: 96) وأنها أساطير وإفك مصنوع : (أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) (الصافات 86)، (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا)(العنكبوت17). وينطبق ذلك على الأصنام كما ينطبق على الأنصاب وهي القبور المقدسة. وحين كسّر ابراهيم عليه السلام الأصنام عدا واحدا ـ فقد كان القصد هو الإثبات لهم أنها مجرد أحجار ، وقد إعترفوا فى المحاكمة التى عقدوها له بذلك : (  قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67)  الأنبياء )

2 ـ رب العزة جل وعلا فى كتابه العزيز:

2 / 1 :  ناقش أُولئك الذين يعبدون الأولياء الموتى فأكد انهم مجرد موتى لا تشعر بما حولها ولم تخلق شيئاً بل هي مخلوقة ولا تشعر متى ستبعث يوم القيامة (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)(النحل 20: 21).

2 / 2 : وفي مواجهة الأساطير التي تزعم خوارق لتلك الالهة المعبودة الميتة فقد أمر رسوله ً أن يتحدى تلك الآلهة والأولياء الميتة في قبورها مؤكداً أنها لا تنفع ولا تضر، وأن الولي الوحيد للمؤمن لا يكون سوى الله سبحانه وتعالى وحده:  (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ( أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ ) ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ)(الاعراف 194: 197 ).

2 / 3 : وأن الولي المقصود بالعبادة والتقديس لا يكون إلا الله سبحانه وتعالى . قال جل وعلا. 

2 / 3 / 1 . (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(الشورى9)،

2  / 3 / 2 : (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام 14)

2 / 4 : وأن أحداً من المخلوقات لا يشاركه تعالى في الحكم في الدنيا وفي الآخرة . قال جل وعلا : (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) (الكهف 26) .

2 / 5 : وأنه وحده جل وعلا الخالق والآمر (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(الاعراف : 54).

3 ـ وعلى هذا الأساس العقلي حاور الله سبحانه وتعالى ـ فى خطاب مباشر ـ المشركين ممن يعبد الأولياء والآلهة :

3 / 1 : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ) (فاطر  40)،

3 / 2 :  (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ) ( وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) (الاحقاف4: 6)،

3 / 3 : (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) ( إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر  13: 14).

4 ـ واستخدم  إيمانهم بالله الخالق حجة عليهم، فكيف يتركون رب السماوات والأرض ويطلبون المدد من غيره الذي لم يخلق شيئاً والذي لا يملك شيئاً : (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)(الرعد 16) وكل هذه الآيات موجهة للمحمديين وغيرهم ممن يقدسون القبور في عصرنا. بهذا تتبين حقيقة الأصنام والأنصاب والقبور المقدسة في موضعها الحقيقي،  وأنها خرافة لا تستقيم مع العقل السليم، وأنها مجرد أحجار لا تختلف عن أية أحجار أخرى وإن ما يدور حولها أساطير تستحق السخرية لا التقديس..

5 ـ بعدها أمر المؤمنين باجتنابها والابتعاد عنها ، قال جل وعلا : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج 30) والأوثان كل ما هو مقدس من بشر وحجر ومواد طبيعية، والزور هو كل الأكاذيب وأقطعها ما كان منسوباً لله افتراءً على الله جل وعلا . أمر رب العزّة جلّ وعلا باجتناب الأوثان والأضرحة ولم يأمر بهدمها أو تدميرها ، ولكن أمر فقط بالابتعاد عنها و اجتنابها وأن تتطهر منها بيوت الله والمساجد لكي تكون العبادة لله خالصة (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)(  الجن 18).

6 ـ أى أمر جل وعلا بهدم الأوثان في عقول الناس واعتقادهم واكتفى بذلك، وهي نظرية صائبة. فالضريح مثلاً يتكون من مواد بناء معروفة: أسمنت وطوب وأخشاب ومسامير وزجاج ورخام وأجهزة كهربائية وستائر وأقمشة وهذه المواد توجد في كل مكان ولا تختلف أحجار الضريح عن أي أحجار أخرى، وكلها تأتي من نفس المصدر، والذي جعل لأحجار الضريح قدسية إنما هو الاعتقاد فيها الذي أوهم الشيطان به جموع الناس. فإذا تهدم ذلك الاعتقاد الخرافي من قلوب الناس تصبح هذه الأضرحة مجرد أبنية وتتحول الأصنام إلى مجرد تماثيل صخرية، يتندر بها الناس على قلة عقولهم حين قدسوها. أما إذا بادر حاكم مسلم بتدمير أحجار الأضرحة وتسويتها بالأرض فإن من يعبد الأضرحة ويعتقد فيها سيقيم في قلبه ألف ضريح وضريح، ولا تلبث أن تعود أضرحة أخرى وتتكاثر الأساطير والكرامات الخرافية التي تدّعي أن الأولياء قد انتقموا من ذلك الذي هدم قبورهم، وكل ما يمكن أن يحدث له من أمور عادية سيتحول تفسيرها إلى أنه غضب الآلهة المزعومة عليه !!

7 ـ يتسق هذا مع أنه ليس للدولة الاسلامية أن تتدخل في الحرية الدينية إلا فى فيما يخص حقوق الأفراد،  وظيفتها اقامة العدل بين الناس وتوفير الأمن لهم وتوفير أقصى قدر متاح لهم في حرية العقيدة والعبادة حتى يكون كل فرد مسئولا مسئولية مباشرة أمام الله تعالى يوم الدين عن اختياره العقيدي.  

 

التعليقات

حمد حمد

مسيرات الطقوس الدينيه

جزاك الله خير الجزاء بالدنيا والآخرة معلمنا المحترم وبارك بعمرك وعلمك , إضافة لما تفضلت به دكتور أحمد هل تكفل الدولة الإسلامية لمظاهر الطقوس الدينيه مثل المسيرات الحسينية واللطم وإراقة دمائهم وشج رؤوس أطفالهم كتعبير عن الحزن وحصول الأجر وهذا نراه حاليا بشكل واضح تقريبا بجميع الدول العربيه او الاسلاميه بل حتى الغربيه. وغيرها من إحتفالات ومسيرات الأديان الأخرى. التي تعرقل حتى الأعمال اليوميه مع خالص التقدير لكم. 

احمد صبحى منصور

جميل هذه الإضافة استاذ حمد حمد

أى أذى وأى مساس بجسد الانسان ممنوع ، وتمنعه الدولة الاسلامية وشريعتها .

التطبير بالضرب وإسالة الدم نوع من العبادة الشيطانية الصريحة . هذا جنون جعلوه دينا . سحقا لهم. 

 

 

   

 

الفصل الخامس : مدى تدخل الدولة الاسلامية فى عبادة الصلاة  

أولا :

لا تدخل للدولة الاسلامية فى تأدية الصلاة :

1 ـ قال جل وعلا : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)  الحج ). هنا حيثيات أول تشريع بالقتال الدفاعى فى الاسلام للدولة ، وهو ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ). يهمنا هنا : 

1 / 1 ـ المقصد التشريعى ، وهو حصانة بيوت العبادة للجميع : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً ).

1 / 2  ـ ذكر المساجد التى يُذكر فيها إسم الله جل وعلا ( كثيرا ) ولم يقل يذكر فيها إسم الله ( وحده )، لتشمل كل المساجد حتى للمشركين .

1 / 3  ـ قوله جل وعلا : (  وَصَلَوَاتٌ ) ، وتعنى أى بيوت للصلاة ، سواء كانت لعبادة الله جل وعلا أو حتى لعبادة الشيطان صراحة أو ضمنا. فى التأكيد على الحرية الدينية المطلقة لا بد من حصانة بيوت العبادة كلها ، حتى يكون البشر أحرارا فى الدين ومسئولين أمام مالك يوم الدين فى يوم الدين . ولنتذكر أن تطبيق الشريعة الاسلامية تكون بالاسلام السلوكى أى السلام ، وليس بالاسلام القلبى الذى مرجعيته للواحد القهّار جل وعلا . 

 2 ـ وعموما :

2 / 1 : فإنّ حقوق الله جل وعلا التعبدية على عباده لا مجال فيها لأحد من الناس التدخل فيها وإلا كان مدعياً للالوهية وجاعلا نفسه واسطة بين الناس ورب الناس، وهذا يناقض عقيدة الاسلام في أنه ليس لله تعالى شريك أو معين أو واسطة. ليس من حق الحاكم أن يلزم أحداً بالصلاة والزكاة والصدقات والصيام والحج وقيام الليل وذكر الله وتلاوة القرآن الكريم، أو أن يعاقب أحداً على التهاون فيها أو تركها، فهذه الفرائض تعامل خاص ومباشر بين العبد المسلم وربه، ولا مجال فيها لأحد الناس أن يتدخل بين الله وعباده أو أن يغتصب لنفسه حق الله في مراقبة عباده في تأدية فرائضه وفي حسابهم عليها .

2 / 2  ـ  جوهر العبادة الاسلامية هو الإخلاص ، وبدونه تكون تأدية العبادة مجرد حركات بدنية ساخرة. والله سبحانه وتعالى يأمر عباده بالإخلاص في عبادته. قال جل وعلا : (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ) ( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)، ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ)، (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي)(الزمر2، 3، 11، 14). ومنه اجتناب الرياء . قال جل وعلا : ( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ) ( الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ) ( الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون 4: 7) . وقد كان المنافقون يؤدون الصلاة بدون إخلاص بل لمجرد المراءاة والنفاق فاعتبرها رب العزة خداعاً لله سبحانه وتعالى . قال جل وعلا : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء142) . والله وحده هو الذي يعلم حقيقة الإخلاص أو الرياء في القلوب. والله جل وعلا وحده هو الذي يجازي على الإخلاص أو الرياء وذلك يوم القيامة الذي يختبر فيه رب العزة سرائر الناس: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) (الطارق 9) وليس في إمكان البشر العلم بغيب السرائر وخطرات القلوب.

ثانيا :

مدى التدخل فى ( إقامة الصلاة ) و ( المحافظة عليها )

 1 ـ إقامة الصلاة تعني :

1 / 1 : الخشوع والاخلاص أثناء أداء الصلاة في القيام والركوع والسجود والقنوت والتسبيح وقراءة القرآن. وهذا الخشوع وذلك الاخلاص في الصلاة تعامل خاص بين المؤمن وربّه لا دخل لبشر فيه.

1 / 2 : فى غير أوقات الصلاة تكون إقامتها سلوكاً سامياً في التعامل اليومي مع الناس طيلة النهار واليقظة، يقول جل وعلا في إقامة الصلاة:

1 / 2 / 1 :  (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود 114)، فالحسنات بالمدوامة عليها تشغل الانسان عن الوقوع في السيئات، وبذلك تكون إقامة الصلاة، وفي ذلك ذكرى للذاكرين كما قال رب العالمين.

1 / 2 / 2 : ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)(العنكبوت 45). إن عدم إقامة الصلاة تعنى : أن ترتكب المعاصى مع صلاتك .

2 ـ هذا الجانب السلوكى يشهده الناس ، ويحكمون عليه ، وإذا إقترف فرد جريمة فى حق غيره فلا بد من عقابه.

3 ـ حدث هذا من السابقين :

 3 / 1 ـ قريش:

3 / 1 / 1 : كانت تصلي وتفسق فوصف رب العزة صلاتهم بالمكاء والتصدية والكفر . قال جل وعلا : (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُون) (الأنفال  35).

3 / 1 / 2 : توارثوا الصلاة والصيام والحج والزكاة من ملة ابراهيم، وكانوا يؤدون الصلاة بنفس ما نعرفه اليوم من مواقيت وركعات، ولكنهم عبدوا الأولياء وأقاموا لهم القبور المقدسة في المساجد ورفعوا لهم الأذان فيها تعظيما لأوليائهم . قال جل وعلا عنهم وعن موقفهم من النبى محمد عليه السلام : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) الجن  ).

3 / 2  ـ السلف من أهل الكتاب. قال جل وعلا عنهم : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ) (مريم 59 ). لم يحافظوا على صلاتهم ولم يقيموها تقوى فى سلوكهم ، فأضاعوا ثمرتها.  وتأتى إمكانية التوبة فى الآية التالية : ( إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً ) ( مريم  : 60). أي يستطيع أن ينجو لو تاب وآمن وعمل عملا صالحاً يعوّض به سيئاته السابقة .

4 ـ وجاء التقرير الالهى العام للمفلحين من المؤمنين الذين سيكونون أصحاب الجنة فى قوله جل وعلا : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ )( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) ( وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ) ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ) ( إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) ( فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ )( وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) ( أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ ) ( الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنون 1 : 11). أي ليس كل المؤمنين مفلحين. لا يفلح ذلك المؤمن الذي لا يقيم الصلاة بالخشوع أثنائها وبالتقوى والخلق الرائع فيما بين أوقاتها . وجزاؤهم الفردوس .

5 ـ إعتبروا تأدية العبادات هى كل المراد ، لم يؤمنوا بأنها مجرد وسيلة للتقوى . قال جل وعلا للناس جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)  البقرة ). والتقوى هى المقصد فى الصيام وفى الحج وتقديم الصدقات . هم إعتبروا العبادات هدفا ، فإذا قاموا بتأديتها ظاهريا وسطحيا فلهم أن يعصوا الله جل وعلا ما شاء لهم الشيطان الذى إتخذوه وليا من دون الخالق جل وعلا ، أى يقترفون الفحشاء ويجعلونها دينا يعتادون عليه وينسبونه الى شرع الرحمن جل وعلا . وجاء الردُّ الالهى عليهم مقدما فى قوله جل وعلا : ( إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلالَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)  الأعراف ). بدأ الخلفاء الفاسقون بجعل العصيان عبادة بالفتوحات الظالمة التى زعموها جهادا ، ولا يزال هذا دينا أرضيا ، مرتبطا بتقديس الخلفاء الفاسقين وصحابة الفتوحات . ولا يزال المحمديون هم الأكثر ضلالا ، تمتلىء بهم المساجد ، وتمتلىء حياتهم نفاقا وفسادا وفجورا وعصيانا . 

ثالثا :

 التوبة فى موضوع إقامة الصلاة :

1 ـ لها جانبان :

1 / 1 ـ جانب الاخلاص والصدق القلبي في التوبة، وهذا يحكم عليه فقط رب العزّة يوم القيامة، فيقبل توبته ويدخله الجنة. هذا يتبع الاسلام القلبى .

1 / 2 ـ جانب سلوكي مظهري ( يتبع الاسلام السلوكى ) ، وهذا يحكم به المجتمع ظاهرياً على صدق توبة التائب، هو تأدية الحقوق لمن أذنب في حقهم وردّ المظالم والاعتذار لمن ظلمهم والتعهد بالاستقامة وعدم الرجوع للجريمة التي وقع فيها. هنا يكون المجتمع شاهداً على قبول توبته. ولو تاب مجرم وقع في جريمة تستحق عقوبة كالزنا والسرقة وقطع الطريق وقذف المحصنات فإن توبته السلوكية هذه تسقط عنه العقوبة (النور 2: 5)،(المائدة 33 : 34 ، 38 : 39) (البقرة  178)،(النساء 15 : 16).  والمجتمع يكون شاهداً على هذه التوبة مراقباً لعمل ذلك التائب، يقول جلّ وعلا للعصاة التائبين في المدينة : (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة  105).

2 ـ  دخل العرب فى الاسلام السلوكى بمعنى السلام ، وهذا ما رآه النبى محمد عليه السلام : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) النصر). لم ير الاسلام القلبى لأنه غيب وهو عليه السلام لم يكن يعلم الغيب . الذى رآه كان الاسلام السلوكى بمعنى السلام ، والذى صاروا به أُخوة فى الاسلام ( السلوكى ) فى هذه الدنيا . أما ( الأخوة ) الحقيقية فستكون لأصحاب الجنة الذين جمعوا بين الاسلام السلوكى والاسلام القلبى فى حياتهم الدنيا. قال جل وعلا عنهم : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) الحجر ).

3 ـ وبعد دخول مكة  سلمياً في الاسلام ( السلوكى ) وأصبحوا أُخوة فيه تمرّد فريق ونقضوا  العهد وإعتدوا وهمُّوا بإخراج الرسول حين كان هناك . وقد أعطاهم الله جل وعلا مهلة أربعة أشهر للتوبة الظاهرية، أى بالعودة للسلام أو الاسلام السلوكى ، وهى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، هذه توبتهم السلوكية طبقا للاسلام السلوكى ، وبها يصبحون إخواناً للمسلمين ، قال جل وعلا : (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)،(لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)( التوبة 5، 10: 11).   

4 ـ وهذا من الصفات التي تدخل في السلوك الذي يمكن للبشر الحكم عليه. وفي حالة أولئك المعتدين تعني أن يتركوا العدوان ويستبدلوه بالسلم وكف اليد عن الأذى. هنا دليل على طاعة أولئك الثائرين ودخولهم في إطار الدولة. أما إذا تركوا الخشوع في الصلاة أو تكاسلوا فيها أو سهوا عنها أو أهملوها تماماً فلا يملك المجتمع عقابهم، فذلك مرجعه لله جل وعلا يوم الحساب . فليس في القرآن آية واحدة تبيح للحاكم أن يعاقب تارك العبادات، وإن كان من واجب الأفراد أن يأمر بعضهم بعضاً بالمعروف وبالصلاة والزكاة أمراً قولياً وبالنصح : (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلالٌ) (ابراهيم 31) كما أن واجب كل إنسان أن يأمر أهله بالصلاة : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (  طه 132). 

 

 

 

 

الفصل السادس : لا تدخل مطلقا للدولة الاسلامية فى عبادة الصيام

أولا :

1 ـ قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).183 ) البقرة ).

2 ـ التقوى هنا هى ضمير الصائم الذى يمتنع عن الطعام والشراب والعلاقة الجنسية مع الزوجة ابتغاء مرضاة الله تعالى . هو بذلك يتعامل مباشرة مع ربه فيخشى الله جل وعلا بالغيب ،أى حين يكون وحيدا منفردا يتمسك بصومه حيث لا رقيب ولا حسيب عليه سوى مولاه عز وجلّ. ولذلك كانت عبادة الصيام وسيلة لتعلم التقوى. أى إن الصيام  فى رمضان والصيام الطوعى تتمثل فيه التقوى تعاملا بين الصائم وربه جل وعلا ، وبالتالى لا دخل للبشر فيها ، ولا دور للدولة الاسلامية مطلقا فى التدخل فيها . قد يكون هناك دور لبعض المؤسسات الأهلية غير الحكومية فى إعلان بداية رمضان ، وعموما ، هناك فضاء متسع فى الدولة الاسلامية للجمعيات الأهلية والمنظمات الحكومية فى شتى مناحى الحياة سياسيا ودينيا وإجتماعيا ، خصوصا وعملها يقوم على تقديم خدمات دون إلزام لأحد .

ثانيا : 

1  ـ  تحول الصيام الى طقس إجتماعى لمجرد التجويع والانفلات الخلقى وقضاء النهار فى كسل وغضب ، وقضاء الليل فى مجون و سهر  ، فأضحى رمضان شهر الامتلاء والمسلسلات والفوازير والوعظ السلفى بالتكفير والنكير والجهاد السلفى بالتفجير والتدمير ، وإنقطعت صلته بالتقوى . كما أصبح شهر مناسبة يتسلط  فيه المتطرفون على الناس ، يعاقبون من يُفطر ، بغض النظر إذا كان يمارس رُخصة تشريعية مذكورة فى القرآن ، أم يمارس حريته الدينية التى منحها الله جل وعلا للبشر ، وهو وحده جل وعلا الذى سيحاسبهم على إيمانهم وعلى عبادتهم وعلى عملهم يوم الدين .

2 ـ  إن حق الله جل وعلا فى الايمان به وحده لا شريك له وفى عبادته وحده ــ هذا الحق مرجعه الى الله جل وعلا وحده  يوم الدين ليحكم فيه بين الناس فيما هم فيه مختلفون . أما حقوق البشر ( حق العباد ) فقد نزلت فيه تشريعات الاسلام لتحفظ حقوقهم وتمنع من الظلم والبغى والعدوان . ولذا ، فليس فى الاسلام ــ على الاطلاق ـ إكراه فى الدين ، فى الايمان أو الكفر ، فى إقامة العبادة أو تركها ، فى الدخول فى الاسلام أو فى الخروج منه . وليس فى فضيلة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الاسلامية تسلط على الناس . إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو التواصى بين أفراد المجتمع كلهم بالحق والخير والصبر، وليس لفئة أن تتخصص فى هذا تأمر الناس بالبر وينسون أنفسهم ، كما أن حدود الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا تتعدى النصيحة القولية ، وإذا أصرّ الفرد على ما هو عليه فرب العزة يقول (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)  المائدة ) . وإصراره على المنكر لا يعنى التبرؤ منه بل من عمله السىء فقط ، يقول جل وعلا لخاتم المرسلين : (  وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) ) الشعراء ) لم يقل له أن يتبرا منهم بل من عملهم ، ولم يقل إضربهم بل مجرد البراءة من عملهم ليتحملوا هم وزره يوم الدين . وبالتالى فإن من يتدخل فى إرغام الناس على الصيام وتأدية العبادات ، ويعاقب بالقتل تارك الصلاة ويعاقب بالضرب و( التعزير ) من يفطر علنا فى نهار رمضان إنما يعتدى على حقّ رب العزة جل وعلا فى التشريع ، وهو جل وعلا الذى خلق البشر أحرار فى الطاعة أو العصيان وجعل للدين يوما هو يوم الدين . أما هذا المتسلط على الناس فقد نصب نفسه إلاها على الناس ، يقيم لهم يوما للحساب والعقاب قبل مجىء اليوم الآخر ، ويمارس سلطة دينية ودنيوية عليهم باسم الخالق جل وعلا إفتراءا على الخالق جل وعلا . هم أعداء لله جل وعلا الذين يرفعون أنفسهم فوق منزلة خاتم المرسلين ـ عليهم السلام . تدبر ما قاله رب العزة جل وعلا  للنبى محمد عليه السلام : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) الغاشية ) وقال له جل وعلا : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100) يونس  ) وقال له جل وعلا : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص )

3 ــ والعادة السيئة فى أى دين أرضى أنه يملكه أربابه ورجال كهنوته، وهم يتخذون من هذا الدين الأرضى وسيلة للاستعلاء على الناس وأكل أموالهم بالباطل والتحكم فيهم . ويحتاج المستبد الى رجال الدين الأرضى يركبهم ويركب بهم الناس . وإذا كان هذا الدين الأرضى مؤسسا على العنف فالويل للناس من عسفه ، وهذا ما نراه فى شعوب يسيطر عليها الكهنوت الوهابى ، ويقوم بإكراه الناس فى الدين ، وتتخصص طوائف من كهنوتهم تطارد الناس فى الشوارع والأسواق بالإثم والبغى والعدوان المنهى عنه فى دين الله جل وعلا . ومن الطبيعى أن ينال المفطر فى هذه البلاد عقابا من أولئك الظالمين المفترين .  الله جل وعلا أنزل دينه على أساس التخفيف والتيسير ورفع الحرج وتشريع الرخص وقبول الأعذار كما يتجلى فى آيات التشريع فى الصيام . ولكن من يملكون الدين السنى أسسوا دينهم على التزمت والتعنت والغلو والتطرف والتعصب والتسلط .  وفى عصرنا البائس سيطرت الوهابية بالنفوذ الأمريكى البترودولارى ، وبالنفوذ الوهابى ظهر فقهاء يمتلكون الدين الأرضى الجديد ، ويزايدون على من سبقهم من أئمتهم فى العصرين العباسى والمملوكى فأفتوا بضرب من يفطر فى رمضان .

4 ـ قال هذا الشيخ  محمد متولى الشعراوى فى كتابه الفتاوى،( الجزء الثالث ص 45 ) إذ أفتى بتعزير من يفطر جهرا فى رمضان ، وفسّر التعزير طبقا للدين السنى ـ هو التأديب بالضرب أو الشتم أو المقاطعة أو النفى .  مع ملاحظة ان مصطلح التعزير فى الدين الاسلامى طبقا للقرآن الكريم هو : التكريم والإعزاز والمناصرة ، يقول جل وعلا : (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ (12) المائدة )( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (157) الاعراف) (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9) الفتح  ) هذا ( التعزير ) فى دين الاسلام تحول معناه الى النقيض فى الدين السُّنّى دليلا على التناقض بينهما ليس فقط فى أُسُس التشريع بل أيضا فى ألفاظه ومصطلحاته ، ولمن يريد المزيد عليه بالرجوع لمقالنا عن ( التأويل )، وهو منشور هنا.  .
5 ــ  وسار فقهاء آخرون فى عصرنا البائس على طريقة ابن تيمية فى تحقير وتكفير من يفطر علنا ، فقالوا : ( ومن جاهر بالفطر في نهار رمضان، قاصداً أو مستهزئاً فيخشى أن يكفر بذلك، لأنه يستهزئ بركن من أركان الإسلام، ويجب على ولي الأمر منع المجاهر بالفطر، ويستحق عقوبة تعزيرية من القاضي، والعقوبة التعزيرية أية عقوبة يقدرها القاضي، وينبغي أن يكون هناك نص على حكم من أفطر في نهار رمضان بغير عذر وجاهر بالأكل أو الشرب أمام الناس.) أى تحريض للحاكم المستبد بإصدار عقوبات جديدة يكون فى يد الفقهاء الحكم بها وتنفيذها ليتسلطوا بهذا على الناس، ويشاركوا سيدهم المستبد فى سلطانه  .

 6 ـ  ولقد سارت على الدين الوهابى السعودى دول أخرى ، فالكويت أصدرت  القانون رقم 24 لعام 1986م بشأن المجاهرة بالإفطار في شهر رمضان الفضيل». وينص القانون في مادته الأولى على أن يعاقب بالغرامة التي لا تتجاوز مائة دينار «حوالي 350 دولارا» وبالحبس لمدة لا تتجاوز شهرا أو إحدى هاتين العقوبتين كل من جاهر بالإفطار في مكان عام في نهار رمضان، وكذلك كل من أجبر أو حرض أو ساعد على تلك المجاهرة، مع جواز إضافة عقوبة غلق المحل العام الذي استخدمه لهذا الغرض لمدة لا تتجاوز الشهرين. ولوزير الداخلية سلطة إصدار قرار بإغلاق ما يرى ضرورة إغلاقه من المحال في نهار رمضان؛ تحقيقا لأغراض هذا القانون ومعاقبة المسؤول عن إدارة المحل . ويتعرض المفطر فى رمضان للضرب المبرح فى افغانستان بدون الحاجة لقانون . وفي جزر القمر يتعرض المجاهر بالفطر لعقوبة السجن، وقررت الصومال، معاقبة المجاهرين بإفطارهم، حيث حذر اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال عام 2006م من المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان، واتخذ إجراءات لمعاقبة المخالفين.

7 ـ  وفي مصر هناك مشروع قانون طرح على مجلس الشعب منذ عدة سنوات لمعاقبة المجاهرين بالإفطار،ينص على عقاب كل من يجاهر بالإفطار في نهار رمضان بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أيام، وغرامة لا تقل عن مائة جنيه، مع الحبس شهرا لمن يفتح مطعما، أو يسهل تناول الطعام جهارا في نهار هذا الشهر.  ولكن مشروع القانون لم يشاهد النور حتى اليوم. مع تأييد الشيوخ له .

وقامت حملة أمنية باعتقال المجاهرين بالإفطار في رمضان لأول مرة بمصر محاكاة للسعودية ، حدث هذا يوم الإثنين 17 رمضان 1430هـ - 07 سبتمبر 2009م. وفى محافظة أسوان ألقت الشرطة المصرية القبض على 150 مصرياً وأودعتهم السجن وحررت لهم محاضر جنحة الجهر بالافطار في نهار رمضان. وفي مدينة الغردقة على ساحل البحر الأحمر ألقت الشرطة المصرية القبض على العديد من المصريين خلال إفطارهم في نهار رمضان، وأغلق محافظ البحر الأحمر المقاهي والمطاعم في نهار رمضان علماً بأن هذه المحافظة من المحافظات السياحية. وألقت كذلك مباحث طلخا بمحافظة الدقهلية بدلتا مصر القبض على سبعة شباب يجاهرون بالافطار في نهار رمضان ويدخنون السجائر في الشارع العام، وحرّر لهم رئيس مباحث طلخا محضراً بالواقعة وتم عرضهم على النيابة التي أمرت بالافراج عنهم بكفالة 500 جنيه . كما لو أنه قد تم حلُّ كل مشاكل وأزمات مصر ، ولم يعد فى مصر سلب ولا نهب ولا فساد ولا قهر ولا تعذيب ولا فقراء جوعى يأكلون من القمامة والنفايات . أصبحت مصر فى نقاء سويسرا ، ولم يبق فى مصر  سوى أزمة بعض المفطرين فى رمضان ، والذين يٌسبب إفطارهم خطرا داهما على النظام وتكديرا للأمن العام وتهديدا للسلم الاجتماعى والوحدة الوطنية ..والوحدة العربية  .

8 ــ ولم تتخلف الإفتاء المصرية عن هذا التخلف. اصدرت بيانا تم نشره فى  19 رمضـان 1433 هـ 7 اغسطس 2012  يتهم  المجاهر بالإفطار في نهار رمضان بأنه  (  مستهتر وعابث بشعيرة عامة من شعائر المسلمين»، وطالبت «الإفتاء» ولي الأمر في مصر باتخاذ ما يلزم لمنع المجاهرين من الإفطار في الأماكن العامة والشوارع، وتبارى شيوخ أزهريون فى تحريض العسكر على إصدار قوانين تعاقب من يفطر فى رمضان بغير عذر ، أى تتفرغ الحكومة المصرية ـ المثقلة بالمشاكل والعاجزة عن حلها أصلا ـ للقبض على المفطرين والتحقيق معهم هل إفطارهم بعذر أم لا ، وإثبات هذا العذر بالطب أو بالقرائن ، وبالتفتيش على مكنون الصدور ..  

التعليقات

حمد حمد 

بارك الله جل وعلا بعلمك وعمرك دكتور أحمد المحترم.

من سن تلك القوانين بالدولة ووضع لها عقوبات وأسندها لأحاديث شيطانيه وإنها من شرع الله جل وعلا فإنه بلا شك الهدف منها تشويه دين الإسلام الحنيف والإفتراء على الله جل وعلا وعلى نبيه محمد عليه السلام زورا وبهتانا وتنفير الناس من الإسلام لدرجة أن المريض يداري نفسة أمام أسرته حتى يراعى مشاعرهم بشكل مبالغ لكي يأكل أويشرب حتى من لديه رخصه للإفطار يحسب لها الف حساب هذا وهو مسلم فما بالك بمن ليس مسلما في أحد الدول العربيه شاهدت جلد رجل من شرق آسيا وجدوه يشرب ماء وكان بشكل عابر وكانوا فرحين متشمتين بهذا المسكين .

أحمد صبحى منصور 

شكرا استاذ حمد ، جزاك الله جل وعلا خيرا ، واقول :
أحزننى ما ذكرته عن عقاب الرجل الآسيوى لأنه أفطر فى رمضان . ليس حزنى عليه فقط ، ولكن أيضا على جهل من أوقع به العقوبة . الله جل وعلا فرض الصيام على الذين آمنوا . فهل هذا الآسيوى منهم ؟ يعنى إذا كانت هناك عقوبة فعلي على الذين آمنوا إذا أفطروا فى رمضان.    

حمد حمد
نعم دكتورنا المحترم  بالسعودية تطبق هذه العقوبةعلى من يجهر بالإفطار بنهار رمضان  بالجلد والسجن سواء مسلم او غير مسلم .

أحمد صبحى منصور :

شكرا مجددا استاذ حمد ، واقول  :
هناك محاولات للخروج من نفق الوهابية وتخلفها فى السعودية . ولكنها بطيئة وإنتقائية وتخضع لهوى الحاكم . الاصلاحات تتركز فى لجم دعاة الوهابيين أصحاب التاثير ، ليكون التأثير للحاكم وحده ، ثم إنها لا تصل أبدا الى حقوق الانسان ومن أبرزها حرية التعبير وحرية الدين . لا تصل الى المساس بالعقوبات وإصلاح القضاء ، ليظل هذا إرهابا للناس . ولكن عموما تغيير هائل يحدث فى الترفيه نرجو أن يليه اصلاح فى الأمور الجدية ، ونرجو أن ينتقل التخلص من الوهابية وسيطرة الدين الأرضى من السعودية الى مصر وغيرها . تنحسر الوهابية عن موطنها الأصلى ، ولكن لا تزال راسخة فى مصر وغيرها الذين إبتلتهم السعودية سابقا بالوهابية.

 

 

الفصل السابع :  حدود تدخل الدولة الاسلامية فى الزكاة المالية

مقدمة  :

1 ـ المال هو المعبود الأكبر لأغلب البشر ، بسببه يتصارعون ويتقاتلون ، وتتأسّس أديانهم الأرضية وإحترافها الدينى وخلط دينها الأرضى بالسياسة والحُكم . للاسلام تعامل مختلف مع المال ، فهو وسيلة للخير ، والحصول عليه بالحلال ، وإنفاقه فيما يُرضى الخالق جل وعلا ، وليس المال هدفا ، بل الهدف هو الفوز فى الآخرة .

2 ـ وسبق تقرير أن الديمقراطية المباشرة فى الدولة الاسلامية مرتبطة بالنظرة للثروة ، فالموارد الطبيعية هى فى الأصل مملوكة للخالق ، وهى فى المجتمع مملوكة للناس ، وإستثمارها متاح لمن يستطيع دون إحتكار . وبهذا تفترق الديمقراطية الاسلامية المباشرة ( الشورى ) عن الديمقراطية الغربية الجُزئية حيث يتحكم فى الانتخابات أكابر الأثرياء فى الدولة ويوجهون السياسة الخارجية لمصلحتهم ، ويقع التناقض بين المبادىء المعلنة وبين التطبيق خصوصا فى العلاقات الخارجية ، فتجد أمريكا ـ مثلا ـ تغزو وتحتل فيتنام وأفغانستان والعراق وتساند إسرائيل ، وتضيع أموال دافعى الضرائب وحياة البشر فى سبيل مصلحة البليونيرات . والأصل أن مصلحتهم تأتى من إنتاج السلاح وتجارته ، وهذا يحتاج الى خلق حروب مستمرة ، لبيع ما انتهى عصره وتجريب الجديد . ولذا فلا بد للغرب من عملاء يحكمون الدول الأخرى لصالحه . وهذه قصة معروفة ومألوفة .

3 ـ من نظرة الاسلام للثروة تتأسس حدود تدخل الدولة الاسلامية فى الزكاة المالية  ، ونعرض لها كالآتى :

أولا :  موارد الدولة الاسلامية :

1 ـ الفىء :

الفىء الذى يفىء الى بيت مال الدولة من الخارج أى يأتى اليه بلا قتال . وتوزيعه قاصر على الجهاد فى سبيل الله ( الله ورسوله ) وذوى القربى للمقاتلين دفاعيا فى سبيل الله جل وعلا واليتامى والمساكين وابن السبيل . قال جل وعلا : ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ) (7) الحشر ). رائع تعبير ( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ). 

2 ـ جمع الصدقات التطوعية العامة ، وتوزيعها : قال جل وعلا :

( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة ).

ونلاحظ أن :

2 / 1 :  التوزيع هنا على المواطنين المستحقين بحسب الوصف ( الفقر ، المسكنة .زالخ ) بغض النظر عن النوع والجنس والدين والمذهب . يأخذ الموظفون العاملون منها مرتباتهم حسب ما تحدده الدولة ، ثم الفقراء المحتاجون للعلاج والرعاية ، والمساكين أفقر الفقراء الذين يجدون مشكلة فى الحصول على الطعام ، ومن ترى الدولة إستمالتهم ، وفى الجهاد الحربى دفاعيا وفى الدعوة للقيم الاسلامية سلميا ، وفى تعويض الغارمين ( الذين ضمنوا مدينا ثم تعين عليهم السداد عنه ) وفى إستضافة الأغراب ، وفى عصرنا إقامة مساكن للمحتاجين . وفى كل حىّ أو قرية أو مدينة يكون جمع الصدقات وتوزيعها .

2 / 2 : التوزيع هنا على طوائف ، ولكن هناك صدقات يتطوع بها الأفراد على الأقارب والقريبين منهم ، قال جل وعلا : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )(البقرة 215). بهذا تتم تغطية المحتاجين فى الدولة أُفُقيا ورأسيا .

3 ـ جمع الضرائب :

طالما أن الدولة الاسلامية هى المالكة لموارد الأرض التابعة لها فلها حق الإشراف على إستغلالها وحق تحصيل ضرائب على أرباح هذا الاستغلال . والحصيلة تعود الى بيت المال ،   وتنفق منه على العاملين فى أجهزتها الأمنية والديوانية .

ثانيا :

من ناحية الإلزام

1 ـ الدولة الاسلامية مُلزمة بمنع الفساد فى التعاملات المالية لأن هذا الفساد يتأسس عليه تكون طبقة تستأثر بالثروة والسلطة وتدمر الدولة والمجتمع من أساسه .  أى عليها الاشراف والرقابة فقط فيما يخص حقوق الناس والمجتمع والأفراد ، مثل الحجر على اليتيم الذى تثبت سفاهته ومراقبة الوصى على أمواله والرقابة على الأسواق والأسعار والوفاء بالعهود .

قال جل وعلا :

1 / 1 : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (6)  النساء ). المال من حقه إذا تبين أنه راشد ، إذا ثبت بالامتحان أنه سفيه لا يكون المال ماله ، بل له فيه ما يكفى متطلباته . الدولة هى التى ـ عن طريق موظفيها المختصين ـ تختبر اليتيم الذى بلغ الحُلُم ، وهى التى تراقب الوصى عليه ، وهى التى تعين من يشهد . طبعا كل أولئك الموظفين لهم مرتبات من إيراد الدولة .  ونفس الحال مع الموظفين الذين يراقبون الأسواق ، ويشهدون على العقود أو يكتبونها ، ومنه كتابة الديون فى :.( البقرة 282 )

1 / 2 : (  وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) الأنعام )

1 / 3 : (  وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) الاسراء )

1 / 4 :( أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)الرحمن ).

1 / 5 : ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) المطففين ) .

2 ـ الدولة الاسلامية :

2 / 1 : دولة لا مركزية لأن الشورى فيها أو الديمقراطية المباشرة تفرض حكما محليا ذاتيا ، يقوم كل حى بإدارة أموره ، والإشراف ، ويترك الأمور العامة لسلطة إتحادية بعد التشاور مع القواعد الشعبية . 

2 / 2 : ليس من مهمتها الانتاج أو التوزيع ، هذه مهمة الأفراد والشركات والمؤسسات ، ولكن تحت الرقابة والمحاسبة .

2 / 3 : بهذا يوجد فراغ هائل يملؤه الأفراد والجمعيات والمنظمات غير الحكومية ، وأيضا يكون تحت الرقابة والمحاسبة .

2 / 4 : قلة تدخل الدولة يعنى عدم كثرة القوانين والروتين والتعقيدات وما ينتج عن ذلك من تعطيل ورشاوى وفساد كما يحدث فى كوكب المحمديين .

ثالثا :

من ناحية التطوع إبتغاء مرضاة الله جل وعلا ، ويتضح هذا من :

1 ـ   معانى المصطلحات القرآنية عن الزكاة والصدقة والانفاق 

 1 / 1 :  أصل معني الزكاة : التطهر والسمو والتقوى ،  والتزكية بمعني التقوى تبدأ بالنفس فمن أخذ نفسه بالتقوى فقد سما بها وطهرها  : (الشمس 7 : 10)،  وهذا الذي أفلح في تزكية نفسه فى الدنيا يكون مصيره فى الآخرة إلى الجنة  (النازعات 40 ـ )   وهناك وسائل للتقوى أو التزكية أشار إليها القرآن منها الزكاة المالية أو إنفاق المال في سبيل الله جل وعلا لتزكية النفس ، قال جل وعلا : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) ( التوبة 103) ، (وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ) ( الليل 17 : 18 ) 

1 / 2 : معنى الصدقة: من ( الصدق ) فى التعامل مع الناس ومع رب الناس جل وعلا ، وبهذه الصفة العامة فإن ( الصدقة ) المالية جزء من صدق التعامل مع الله جل وعلا ، مثل التوبة  ، قال جل وعلا : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) ( التوبة 102 ـ ).

1 / 3 : معنى الإنفاق:منه إنفاق المال  ، وهو على نوعين :

1 / 3 / 1 : فى سبيل الله جل وعلا ، قال جل وعلا : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) (الأنفال 60).

1 / 3 / 2 : الإنفاق على المحتاجين فى الصدقة الفردية ولها مستحقوها ، يقول تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )(البقرة 215).  نلاحظ فى الآيتين الحثّ على الانفاق فى سبيله جل وعلا . وهذا يستحق بعض التفصيل :

2 ـ التحذير الالهى من البخل والمثوبة على الإنفاق .

قال جل وعلا :

 2 / 1 : ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)  البقرة )

2 / 2 : (هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ )( محمد 38 ).

2 / 3 : (  وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) آل عمران )

2 / 4 : ( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (37) وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً (38) النساء ).

2 / 5 :  ( وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) (الأنفال 60).

2 / 6 :  (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )( البقرة 261 ـ ) .

2 / 7 ـ   (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)( البقرة 272 )

2 / 8 : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )(سبأ 39) 

2 / 9 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون ) .

أخيرا

 لا ننسى أن الإيمان باليوم الآخر وما فيه من خلود فى الجنة أو فى النار هو الأصل . 

التعليقات

حمد حمد

جزاك الله جل وعلا خيرا دكتور أحمد المحترم

 دكتور أحمد لدي سؤال في بلدي تفرض الزكاة من أموال القصر سنويا وبنسبة٢،٥% وهي تأخذ حتى لو كان المبلغ زهيدا دون الرجوع للوصي بإعتبار أنها من ضمن قوانين الدوله ثم تجمع تلك المبالغ لتوزيعها للمحتاجين من أسرالقصر الفقيره وهي متنوعه فهل في ذلك إشكال شرعي في اتخاذ مثل هذه الإجراءات مع خالص التقدير لكم. 

أحمد صبحى منصور

شكرا جزيلا استاذ حمد ، وجزاك الله جل وعلا خيرا، وأقول:
لا علاقة بين نظام الضرائب فى الدولة الاسلامية ونظام الضرائب فى الدول الاستبدادية فالدولتان نقيضتان . الاسلامية دولة يملكها المواطنون والأخرى يملكها المستبد . يسرى هذا على الضرائب ، فالمستبد لا يدفع ضرائب بل هو الذى يجبى لنفسه الضرائب ، ومنها إنه يفرض ضريبة على مال اليتيم ، وهذا ظلم أليم . وأعتقد أنه من المحمود التهرب من دفع ضرائب للمستبد ، وتوجيهها للفقراء والمحتاجين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

     

الفصل الثامن :  حدود تدخل الدولة الاسلامية فى فريضة الحج  

أولا :    

الحج للبيت الحرام والحج لغيره

1 ـ طبقا للحرية الدينية المطلقة فى الدولة الاسلامية فالمواطنون أحرار فى الحج أو عدم الحج الى البيت الحرام ، وأن يحجوا الى القبور المقدسة ( زيارة ما يسمونه بقبر النبى ) وقبور الأئمة والأولياء أو ما يسمونهم بآل البيت ، والاحتفالات الدينية المسماة بالموالد ، والحج للكنائس والأديرة ..الخ .

2 ـ التدخل الوحيد هو فى حفظ الأمن والأخذ على من يعتدى ، وعقوبته بالعقوبة الشرعية ، هذا فى كل بيوت العبادة سواء كانت إسلامية أو لتقديس البشر.

3 ـ وإذا كان البيت الحرام فى الدولة الاسلامية فيحرم على الكفار المعتدين دخوله لإنه مثابة للناس وأمنا ، ومن دخله كان آمنا ، هذا هو المفروض .

ثانيا :

الحج الاسلامى للبيت الحرام والتقوى .

التقوى تلازم فريضة الحج للبيت الحرام ، وهى أكبر دليل على أن الحج تعامل خاص للمؤمن برب العزة جل وعلا ، لا دخل ولا تدخل للبشر فيه . وقد فصلنا صلة الحج بالتقوى فى كتابنا المنشور هنا عن الحج ، ونعطى بعض الملامح   :

التقوى أساس فى الدعوة للحج :

  نتدبّر قول الله سبحانه وتعالى:( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ(96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ(97)آل عمران).   قوله جل وعلا :(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )  وفيها معنى الأمر اللازم لأي مؤمن يحرص فى قلبه على تقوى الله تعالى، لأنها تؤكد أن ( على ) البشر فريضة يؤدونها لله جل وعلا ، وأنها ( عليهم ) أى أنها ( دين ) عليهم ، وأنهم (مدينون ) لله جل وعلا بهذا ( الدّين ).  

 (مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) :المؤمن غير المستطيع ليس مطالبا بهذا الأمر ، وتقديرالاستطاعة متروك لقلب المؤمن وحده ، هو الذى يقدّر وهو الذى يقرّر مدى إستطاعته المالية وظروفه الاجتماعية والجسدية ، وإذا كان متقيا فهو يعلم أن الله جلّ وعلا يعلم  سريرته وعلانيته ومدى إستطاعته. ولو خدع الناس جميعا فليس بأستطاعته أن يخفى عن رب العالمين سرّه. بعدها يقول جل وعلا فى صيغة إسمية أيضا ولكن صاعقة للقلب المؤمن :( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ )،أى إنّ الذى يستطيع ولا يحج يكون كافرا،فيأتي التهديد صاعقا للمستطيع الرافض للحج بعد هذه الصيغة الاسمية بالغة الدلالة .    

  الحج مدرسة نتزود فيها بالتقوى

قال جل وعلا : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ) (البقرة 197 ) ، الحج هو معسكر للتزوّد بالتقوى فى رحلة الحياة هذه. والمؤمن هو الذى يتزوّد فى هذه الرحلة بالتقوى فهى رصيده لليوم الآخر ليفوز بالجنّة . والحج مناسبة فى العمر بمثابة معسكر يتدرب فيه ويتزود فيه بالتقوى .  

 ومن يفكر مجرد تفكير بالعصيان فان الله تعالى يتولى الانتقام منه لأنه حوّل التقوى فى الحج الى عكس المراد منها .( وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) ( الحج 25 ). أى إنّ مجرد ( الإرادة القلبية ) بالإلحاد والظلم عقوبتها العذاب الأليم .  

  دور التقوى فى إتمام فريضة الحج

1 ــ للقرآن الكريم أيضا أسلوب فريد في الحثّ على إتمام فريضة الحج بمراعاة التقوى الى النهاية ، وتصحيح الخطأ الذى يقع فيه الحاج بدفع الفدية ، حتى يرجع من الحج فائزا بالثواب المراد. فقد( يؤدى ) الإنسان مناسك الحج بطريقة سطحية خالية من التقوى ، وقد يقع فى المحرمات المنهى عنها ، ويعود من فريضة الحج وقد إزداد من الله بُعداّ ، بعد ما تكلّفه من مشاق وأموال.!.  

2 ــ إنّ الحج فريضة لها موسم سنوى يتكرر كل عام ، هو يشبه معسكرا للتقوى مثل المعسكرات التى تقام لتدريب الرياضيين ونقوية وتحصين أجسادهم . الحج هنا دورة تدريبية للنفس لتتعلم التطهر والسمو والتقوى ، وذلك بأن يعيش الحاج جواً مختلفاً في الزمان والمكان والمشاعر والحلال والحرام . ما يكون حلالاً في الأوقات العادية وفي الأماكن الأخرى ـ مثل الصيد والحلق والرفث مع الزوجة  ـ يكون حراماً وقت الاحرام ، وما يكون فيه ذنبا هيّنا مثل نيّة الالحاد والظلم يكون إثما عظيما مستوجبا للعقاب فى الحج .  لذا يستلزم الحج استعداداً نفسياً لتقبل مشاق التجربة من بدايتها إلى نهايتها ، ومن فشل فيها لم يتم الحج في ميزان رب العزة .  

3 ـ الحج ففيه أوامر ونواهى ، وبينهما حلال مباح، والتقوى تغلّف كل هذا وتصاحب المؤمن فى تأديته المناسك . ونعطى التفاصيل هنا.

أولا : التقوى فى الأوامر والنواهى

1 ــ  فى سورة البقرة يقول جلّ وعلا:( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197). أى فالذى فرض على نفسه تأدية فريضة الحج عليه أن يجتنب الرفث ، وهو مجرد الكلام الجنسى مع الزوجة ، وما يوصّل اليه ، والفسوق أى عموم المعاصى ، والجدال . الرفث مع الزوجة مباح فى غير وقت الحج ، والجدال  مباح بشروطه خارج وقت الحج ، ولكنهما حرام فى الحج . والفسوق حرام فى كل وقت ، وفى وقت الحج يحرم مجرد النية وإرادة الظلم والإلحاد والفسوق : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج ).

وبسبب هذا التشريع الخاص المشدّد يأتى التذكير بالتقوى صراحة فى إعتبار الحج وسيلة للتقوى ، وأنّ التقوى هى خير زاد يتزوّد به المؤمن فى رحلته فى هذه الدنيا قبل أن يموت : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ).

وتأتى الاشارة ضمنيا بالتقوى فى قوله جلّ وعلا :( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) فهنا هى المرة الوحيدة فى القرآن التى يأتى فيها لفظ ( الفرض) منسوبا للبشر وليس للخالق جل وعلا فيما يخص العبادات والتعامل مع رب العزّة  ، أى من أوجب على نفسه فريضة الحج إبتغاء مرضاة الله جل وعلا فعليه أن يتقى ربه فلا يرفث ولا يجادل ولا يعصى ولا يفسق . وهنا تعامل قلبى بين المؤمن الذى فرض على نفسه فريضة الحج وربّ العزّة . وهذا التعبير بالفرضية الذاتية أو الإلتزام الذاتى من أبلغ الدلالات الضمنية فى موضوع التقوى . وتتأكّد هذه الإشارة الضمنية بالتقوى فى أن هذا المؤمن التقى الذى فرض على نفسه فريضة الحج لا بد أن يبدأ بالتأكيد على نفسه بأن الله جل وعلا يعلم سريرته ومطلع على أعماله وتصرفاته ، وبالتالى عليه أن يتقى الله ، وهذا هو معنى قوله جل وعلا فى نفس الآية :  (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ).

3 ــ ويقول جلّ وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ . أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ . جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )( المائدة 94 : 98 ).

النواهى هنا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )(  وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ) والفرض الواجب هو بالفدية الواجبة على من يقتل الصيد فى حالة الإحرام (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً ) . والمباح الحلال هو صيد البحر (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ) ومفهوم من قوله جل وعلا (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ) أنه مباح وحلال صيد البر فى غير الاحرام .

والتقوى تغلّف هذا التشريع ، تأتى صراحة فى قوله جل وعلا:(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ )، وتأتى  ضمنا فى صور مختلفة : الاختبار لمدى خشية المؤمن فى الحج بأن يجعل الله حيوانات الصيد تقترب من الحجاج ليتبيّن المتقى من غيره :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ). أن يكون الحاج المؤمن رقيبا على نفسه وحكما على نفسه فى تطبيق التشريع ، فى قوله جلّ وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ  )، فموضوع التعمّد يرجع تقديره للشخص نفسه ، فالمؤمن الذى تعمّد قتل الصيد وهو فى حالة الإحرام هو الذى يبادر بنفسه بدفع الفدية خشية من ربه جل وعلا . ليس هنا ضبطية قضائية بشرية ، ولا تستطيع إمكانات السلطة البشرية تحديد هل هو متعمّد أم لا . هذا يرجع للمؤمن ومدى ما فى قلبه من تقوى ، أو بتعبير عصرنا يرجع الى ضمير المؤمن ، ونحن هنا فى تجربة وإختبار للتقوى فى ضمير المؤمن فى فريضة الحج. وتأنى التقوى ضمنا فى أسلوب الترهيب فى قوله جل وعلا :  ( فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).( عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) .(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).  

 التقوى وعمومية فريضة الحج على كل البشر

  كما إن الأمر بالتقوى يأتى عاما لكل البشر فإن عبادة الحج تأتى أيضا عامة لكل البشر .  

  يقول جل وعلا :

1 ـ (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97) آل عمران). الفاظ : (العالمين) تفيد الشمول العمومية،والقرينة في:(أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) و(وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )،(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) تفيد شمول الأمر كأنه جلّ وعلا قال:(يا أيها الناس).  ب ـ يقول تعالى:(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة). فالبيت مثابة للناس ـ كل الناس ـ وأمناً لهم.وما احوج البشر في هذه الغابة إلى مكان يكون لهم جميعاً مثابة وامناً. وأمر الله جلّ وعلا إبراهيم واسماعيل عليهما السلام أن يطهرا بيته لجميع الطائفين والعاكفين والركع السجود لكل الناس

2  ـ  ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ)  (97)المائدة )، فالبيت الحرام جعله الله جلّ وعلا قياماً للناس جميعاً ، وكذلك الشهر الحرام للناس جميعاً ، والزمن عام للناس جميعاً والشهر الحرام يمر على الناس جميعاً وليس على طائفة دون أخرى ، فالحرم الزماني عام ومثله الحرم المكاني .

3 ـ   (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) (25) الحج ). فالله تعالى جعل المسجد الحرام لجميع الناس سواءاً، لا فرق بين من يقيم فى مكة أو من يقطع البوادي سفراً إليه .. والذى يصدّ الناس عن القدوم لبيت الله الحرام فقد وقع في جريمة الصّد عن سبيل الله ومسجد الله الحرام .  

أخيرا

المحمديون جعلوا فريضة الحج شركا وكفرا وعصيانا . وهذا شرحه يطول . 

التعليقات

حمد حمد

أكرمك الله جل وعلا وبارك بعلمك وعمرك دكتور أحمد المحترم.

جزاك الله جل وعلا خير الجزاء دكتور أحمد ، سؤال إن أمكن هل يمنع تقديم القرابين عند الكعبة مثل وضع أصنام ومجسمات  تحمل مع الحجيج وهي أحد الطقوس التعبدية لبعض الديانات والفرق.

أحمد صبحى منصور

شكرا جزيلا استاذ حمد ، وجزاك الله جل وعلا خيرا، وأقول:

المرة الوحيدة التى كان البيت الحرام فى حوزة الدولة الاسلامية هى فى عهد النبى محمد قبيل موته حين دخلت مكة فى دولته الاسلامية . فيها تم منع الكافرين المعتدين من الاقتراب من المسجد الحرام ، وتم تنفيذ الأمر بتطهير البيت الحرام من أرجاس الوثنية طبقا لملة ابراهيم . بموت النبى محمد عليه السلام بدأ ابو بكر بالخروج عن الاسلام بحربه الممتنعين عن دفع الاتاوة له كما شرحنا فى كتابنا عن حرب الردة ، ثم تطور الأمر الى شن الحروب العدوانية فى الأشهر الحرم فيما يعرف بالفتوحات وهى أفظع عدوان إذا فعلوا هذا باسم الاسلام ، وتطور الأمر الى حروب أهلية ، ووصل الأمر الى إنتهاك حرمة البيت الحرام وحرق الكعبة فى الصراع بين ابن الزبير والأمويين . ثم بدأ فى العصر العباسى إعتداء الأعراب على قوافل الحج مما إستلزم حصره فى بداية موسم الحج فقط ( الأسبوع الأول من ذى الحجة ) لحماية الحجاج . ثم احتل القرامطة البيت الحرام وسلبوا الحجر الأسود . كل هذا تحت راية الاسلام ومع وجود القرآن . إسمح لى بسؤال : هل هناك أكفر من أولئك الناس ؟ وهل هناك أكفر ممّن يقدس أولئك الأوغاد ؟

كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية )
يتناول قرآنيا ماهية الدولة الاسلامية وعلمانيتها .
يتناول الكتاب القيم الأساس للدولة الاسلامية ، وحرية الدين والديمقراط ية المباشرة بين التنظير والتطبيق ، ومظاهر العلمانية فى الدولة الاسلامية وشريعتها ، كيف نقيم دولة اسلامية علمانية . ثم الخاتمة عن شهادة العصر عن مصر
more