رقم ( 3 )
الباب الأول : القيم الأساس للدولة الاسلامية

الباب الأول : القيم الأساس للدولة الاسلامية

الفصل الأول :

 الاسلام والسلام : ( الدولة الاسلامية دولة مسالمة قوية ـ  عالمية الاسلام ضد إنقسام العالم الى معسكرين ـ الإخاء الانسانى أساس الاسلام السلوكى بمعنى السلام  )

 الفصل الثانى :

العدل ( القسط ) والاحسان ( التسامح )

 

الفصل الأول :

الاسلام و السلام : الدولة الاسلامية دولة مسالمة قوية

مقدمة

1 ـ جاء  فى العهد  القديم

  جاء  فى سفر التثنية فى الأصحاح العشرين من عدد 10 وما بعده:

" حين تأتى من مدينة لكى تحاربها استدعها إلى الصلح ، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك بالتسخير ، ويستعبد لك ، وإن لم تسالمك ، بل عملت معك حربا ، فحاصرها ، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك ، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف ، وأما النساء ، والأطفال ، والبهائم ، وكل ما فى المدينة وكل غنيمتها فتغنمها لنفسك ، وتأكل غنيمة أعدائك التى أعطاك الرب ألهك ، وهكذا تفعل بجميع المدن  البعيدة منك جدا ، التى ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا ، وأما مدن هؤلاء الشعوب التى يعطيك الرب ألهك نصيبا فلا تبقى منها نسمة ما ، بل تحرمها تحريما ، الحيثين ، والأموريين ، والكنعانيين والرزيين والحويين واليوسيين كما أمرك الرب ألهك ".

2 ـ وجاء فى أنجيل متى ، فى الأصحاح العاشر عدد 34  ــ :

" لا تظنوا أنى جئت لألقى سلاما على الأرض ، ما جئت لألقى سلاما ، بل سيفا ، فأنى جئت لأفرق الأنسان ضد أبية والأبنة ضد أمها والكنة عن حماتها وأعداء الأنسان أهل بيته ، من أحب أبا أو أما أكثر منى ، فلا يستحقنى ، ومن أحب أبنا أو أبنة أكثر منى فلا يستحقنى ومن لا يأخذ صليبة ويتبعنى فلا يستحقنى ومن وجد حياته يضيعها ، ومن أضاع حياته من أجلى يجدها " .

3 ـ لو أتيح للمحمديين العبث بالقرآن الكريم وتحريف نصوصه لكتبوا فيه ما يجعل فتوحات الخلفاء الفاسقين دينا. عجزوا عن ذلك فافتروا أحاديث جهادهم الشيطانى .  

4 ـ ونعطى تفصيلا :

أولا :

1 ـ على خلاف ما يفهم الجميع فان الجهاد فى الاسلام هو لتأكيد السلام،  والسلام هو  معنى الاسلام فى التعامل مع الناس فى داخل الدولة الاسلامية ، وفى التعامل مع الدول الأخرى خارجها . ولا بد أن تكون الدولة الاسلامية المُسالمة قوية ، لأنها لو كانت ضعيفة فإن ضعفها سيشجع من لديه رغبة توسعية وعتدية فى الاعتداء عليها .

2 ـ الدين السُنّى بالذات هو دين السيطرة والعُنف والهيمنة ، فهو نتاج حكم الخلفاء الفاسقين المستبدين أصحاب الفتوحات والامبراطوريات ، وفى هذا الدين تم ربط الجهاد الاسلامى بالاعتداء والفتوحات . وصنعوا أحاديث شيطانية ، وزعموا اكذوبة النسخ تتلاعب بآيات الله جل وعلا القرآنية لكى يتم لهم ادخال تشريعاتهم المناقضة للاسلام داخل الاسلام فى موضوع الجهاد وغيره.

3 ـ إلا إن أبرز ما فعلوه هنا هو ذلك الحديث الذى زعموا فيه أن النبى محمدا  عليه السلام قال ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله)

 هذا الحديث يناقض القرآن فى  أكثر من ألف آية قرآنية تؤكد أنه لا اكراه فى الدين وأن الحرية مطلقة فى الايمان والكفر. بل إنه يناقض حقائق التاريخ وحقائق الواقع حيث لم يتم تطبيق هذا الحديث الكاذب طوال تاريخ المسلمين وإلا كانوا قد أكرهوا جميع غير المسلمين على دخول الاسلام ، وهذا لم يحدث بدليل وجود أقليات من أهل الكتاب حتى الان ووجود تشريعات فى الأديان الأرضية نفسها عن ( أهل الذمة ) .

4 ـ ومع كل الأدلة القرآنية والتاريخية والواقعية التى تقطع بكذب هذا الحديث إلا أنه لا يزال دستور الارهاب فى عصرنا لدى متطرفى الدين السنى . فهو لا يزال موجودا فى البخارى وبقية كتب السنة ، ولا يزالون يرددونه  فى المساجد والتعليم الدينى.. ولا يزال يستشهد به أسامة بن لادن وغيره ، لأنه دستورهم فى تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين : معسكرهم الذى يجعلونه معسكر الاسلام والايمان ، ومعسكر الكفر الذى يجعلونه دار الحرب. ومع أن الاشارة الى تشريع الجهاد فى الاسلام قد تكررت من قبل فى سياق الفصول السابقة فاننا  لمجرد التذكير نكر  بعض ما سبق ونأتى بتفصيلات أخرى تؤكد على تناقض الجهاد الاسلامى الذى يستهدف حقن الدماء مع  الارهاب الذى يقتل المدنيين طبقا لتشريعات العصور الوسطى والتى ينفذها حاليا الارهابيون الوهابيون.

تشريعات الجهاد و القتال في الاسلام : لتدعيم السلام والحرية

1 ـ سبق التاكيد على ان الاسلام فى التعامل مع الناس هو السلام ، وأن الايمان فى التعامل مع الناس هو الأمن والأمان. وأن كل انسان مسالم ويأمنه الناس فهو مؤمن مسلم بغض النظر عن دينه. وأن كل إنسان ظالم قاتل فهو كافر مشرك بسلوكه. وفي الاطار السابق نفهم تشريعات الجهاد في الاسلام .

2 ـ والجهاد في مصطلح القرآن الكريم يعني بمفهوم عصرنا ( النضال ) وبذل الجهد والطاقة ، ولكن ليس طلبا للدنيا ، بل ابتغاء مرضاة الله جل وعلا بالنفس والمال .

2 / 1 : وقد يكون ذلك بالدعوة السلمية بمجرد قراءة القرآن كقوله سبحانه وتعالي ( فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52) الفرقان ) .

2 / 2 : وقد يكون الجهاد دفاعا حربيا ضد عدو مهاجم ، بدأ بالعدوان .

3 : هنا تتوالي تشريعات القرآن الكريم لتضع احكامه وقواعده واهدافه .

3 / 1 : وعموما فالاحكام في التشريعات القرآنية هي (أوامر ) تدور في اطار ( قواعد تشريعية) ،وهذه القواعد التشريعية لها ( مقاصد) أو اهداف ،أو غايات عامة ،. فالامر بالقتال له قاعدة تشريعية وهوان يكون للدفاع فقط ، ورد الاعتداء بمثله او بتعبير القرآن (في سبيل الله )،ثم يكون الهدف النهائي للقتال هو تقرير الحرية الدينية ومنع الاضطهاد في الدين ،كي يختار كل انسان ما يشاء من عقيدة وهو يعيش في سلام وامان حتي يكون مسئولا عن اختياره امام الله تعالي يوم القيامة .

4 ـ  ونضرب بعض الامثلة :

4 / 1 : يقول سبحانه وتعالي ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة )، فالامر هنا (قاتلوا) ، والقاعدة التشريعية هي ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) .

4 / 2 : وتتكرر القاعدة التشريعية في قوله تعالي (  فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) ( البقرة ). أى إن ردّ الاعتداء يكون بالمثل ، وهذا ما ينبغى على المتقين . 

4 / 3 : اما المقصد او الغاية التشريعية فهي في قوله سبحانه وتعالي : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة )  أي ان منع الفتنة هي الهدف الاساس من التشريع بالقتال . والفتنة في المصطلح القرآني هي الاكراه في الدين والاضطهاد في الدين  فيما يخص التعامل بين الناس حين يضطهد القوى الباغى الضعيف فى دينه ليرغمه على تغييره، أى يفتنه فى الدين ، وهذا ماكان يفعله المشركون في مكة ضد المسلمين يقول سبحانه وتعالي : ( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) البقرة ) إعتادوا الغارة على المؤمنين فى المدينة ليفتنوهم ويردوهم عن دينهم . والله جل وعلا وصف الفتنة بأنها أكبر من القتل . ووصفها أيضا بأنها ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ )(191) البقرة ). 

4 / 4 : ويلاحظ فى نفس التشريع أن إستمرارية القتال الدفاعى مرهونة باستمرارية الهجوم الحربى ، فإن توقف المعتدون توقف الدفاع ، قال جل وعلا :

4 / 4 / 1 : (  فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) البقرة ).

4 / 4 / 2 : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة )  .

5 ـ وبتقرير الحرية الدينية ومنع الفتنة او الاضطهاد الديني يكون البشر قد تحملوا مسئوليتهم عن حريتهم الدينية أمام مالك يوم الدين سبحانه وتعالي ، فلا يعتذر أحدهم بأنه وقع عليه إكراه فى الدين . وهذا ما ينبغى أن يكون ، لذا كان للقتال الدفاعى فى الاسلام مقصد أو غاية هى تقرير الحرية الدينية ومنع الاضطهاد والإكراه فى الدين ، لأن الله جل وعلا هو مالك الدين ( وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)  النحل ) وهو جل وعلا مالك يوم الدين ، وهو الذى سيحكم بين البشر جميعا فى الدين يوم الدين ، وهو جل وعلا القائل : ( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) الزمر ). الذى يصادر الحرية الدينية ويقيم للناس محاكم تفتيش وقوانين لازدراء الدين إنّما يجعل يوما للدين فى الدنيا قبل يوم الدين ، ويغتصب سُلطة الله جل وعلا ، أى يزعم ـ صراحة أو ضمنا ــ الالوهية    ، وذلك معني قوله سبحانه وتعالي ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ) (193) البقرة ) ، وتكرر هذا فى سورة ( الأنفال ) : (  وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ) . ويلاحط أيضا أن الآية تنتهى بنفس التنبيه : ( فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الانفال ) أى ينتهى الدفاع بانتهاء الهجوم .

 6 ـ تشريعات القتال في الاسلام تتفق مع مفهوم الاسلام والايمان والمسلم المؤمن ،او بمعني اخر هي تشريعات تؤكد علي السلام وتحميه من دعاة العدوان ،وتؤكد علي حرية العقيدة وتفويض الامر فيها له سبحانه وتعالي يوم القيامة وتحميها من دعاة التعصب والتطرف واكراه الاخرين في عقائدهم واختياراتهم.

7 ـ   تشريعات القرآن جاءت بتأكيدات اخرى فى الصلة بين القتال فى الاسلام وبين الاسلام السلوكى ( السلام والأمن والأمان ) . ونعطي لذلك أمثلة من القرآن الكريم :

7 / 1 : في سورة النساء وهي تتحدث عن حرمة قتل انسان مسالم مؤمن مأمون الجانب ،يقول جل وعلا : (  وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92)النساء ) أي لايمكن ان يقتل مؤمن مسالم مؤمنا مسالما الا علي سبيل الخطأ، او بمعني اخر لا يمكن ان يتعمد المؤمن المسالم قتل المؤمن المسالم الاخر، ثم تتحدث الاية عن الدية المفروضة واحكامها . وفى الآية التالية يقول جل وعلا  : عن عقوبة قتل المؤمن المسالم : (  وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) النساء ) فالذي يقتل مؤمنا مسالما جزاؤه الخلود في جهنم مع العذاب العظيم ولعنة الله وغضبه ،وهي عقوبات فريدة قلما تجتمع فوق رأس احد من الناس يوم القيامة . ثم يقول جل وعلا :  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94)  النساء   )، وهنا يأتى الحديث عن ذلك المؤمن المسالم الذي تحرص تشريعات القرآن علي حقه في الحياة أنه في ساعة المعركة بين جيش كافر مهاجم معتدى وجيش مسلم مدافع ـ يجب حقن دم جندى بمجرد نطقه بالسلام ، دليلا على إسلامه السلوكى . أى يعطى رب العزة جل وعلا مسوغا للنجاة لكل مقاتل في الجهة المعادية فيكفي ان يقول (السلام عليكم ) ، فاذا القاها حقن دمه ، لإاى إنسان يقول (السلام) فهو مسلم له حق الحياة ، حتي في ساعة الحرب ، واذاتعرض للقتل فان قاتله يستحق الخلود في النار والعذاب العظيم ولعنة الله وغضبه .

7 / 2 : فى سورة التوبة ، والتى بدأت بالبراءة من الكافرين ناقضى العهد . ومع ذلك فقد وضعت تشريعا للمحارب فى جيش العدو المعتدى وهو يقاتل المسلمين ثم بدا له أن يراجع نفسه فما عليه الا ان يعلن الاستجارة ،وحينئذ تؤمن حياته او يُعطي الامان، ويسمعونه القرآن حتي يكون سماعه للقرآن حجة عليه يوم القيامة ،ثم علي المسلمين ايصاله الي بيته في امن وسلام، قال جل وعلا : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6).

7 / 3 ـ أما إذا وقع فى الأسر فى ميدان المعركة فالاسلام يحفظ حياته ويطلق سراحه بالافتداء أو بالعفو عنه . قال جل وعلا : ( فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) (4) محمد ) وإذا تم العفو عنه تحول الى ضيف أو ابن سبيل له على المسلمين حق الرعاية وحقوق مالية وعينيية فى الصدقة وغيرها الى أن يصل الى وطنه.

دولة إسلامية قوية

الدولة الاسلامية لا بد أن يرتبط التمسك بالسلام لديها بالاعداد العسكرى حتى لا يطمع العدو المعتدى فى الهجوم عليها. وبذك الاستعداد العسكرى يفكر المعتدى أكثر من مرة قبل أن يبادر بالهجوم. إذن فضعف الدولة الاسلامية المسالمة هو الذى يشجع هلى الاعتداء بينما قوتها هى التى تردع الدولة ذات الطبيعة العدوانية من الاعتداء. ولذلك فان الاستعداد العسكرى فى الدولة الاسلامية ـ المسالمة بطبعها والتى لا تبدأ حربا ولا تعتدى على الآخرين  ـ هو الذى يرسّخ السلم وهو الذى يحقن دماء المعتدين والمسالمين على السواء, وفى نفس الوقت فإذا جنح المعتدى للسلم فلا بد من الاستجابة له حتى لو كان مخادعا. لأن الله سبحانه وتعالى هو الذى يتكفل بحماية طالب السلم والساعى له. قال جل وعلا : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) الأنفال ).

أخيرا :

1 ـ هذا هو الجهاد فى الاسلام .

2 ـ أما الخلفاء الفاسقون وصحابة الفتوحات فقد اعتدوا على من لم يعتد عليهم وسلبوا الأموال وقتلوا الأسرى وسبوا الأطفال والنساء وفق ما كان سائدا فى عصرهم . أى اتبعوا شريعة العصور الوسطى و تجاهلوا شريعة الاسلام ، ثم بعدها صاغ اللاحقون من شريعة العصور الوسطى وعقائدها أديانا أرضية ونسبوها للاسلام. وجاءت الوهابية فى عصرنا الراهن تبعث من جديد أشرس الأديان ألأرضية للمسلمين وهو الدين السنى الحنبلى.

3 ـ أعادوا العمل بما جاء فى العهد القديم والعهد الجديد المُشار اليه فى البداية . 

التعليقات

بن ليفانت 

انجيل متي

ماذكر في المقال عما جاء فى أنجيل متى ، فى الأصحاح العاشر عدد 24 ليس صحيحًا على ما أعتقد. النص كالتالي:
إنجيل متى الفصل / الأصحاح العاشر
12 وحين تدخلون البيت سلموا عليه .
13 فإن كان البيت مستحقا فليأت سلامكم عليه، ولكن إن لم يكن مستحقا فليرجع سلامكم إليكم .
14 ومن لا يقبلكم ولا يسمع كلامكم فاخرجوا خارجا من ذلك البيت أو من تلك المدينة، وانفضوا غبار أرجلكم.
15 الحق أقول لكم: ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدين حالة أكثر احتمالا مما لتلك المدينة.
16 ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام .
17 ولكن احذروا من الناس، لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس، وفي مجامعهم يجلدونكم.
18 وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم وللأمم .
19 فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون، لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به.
20 لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم .
21 وسيسلم الأخ أخاه إلى الموت، والأب ولده، ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم.
22 وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي. ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص .
23 ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى. فإني الحق أقول لكم: لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان .

24 ليس التلميذ أفضل من المعلم، ولا العبد أفضل من سيده .
25 يكفي التلميذ أن يكون كمعلمه، والعبد كسيده. إن كانوا قد لقبوا رب البيت بعلزبول ، فكم بالحري أهل بيته.
26 فلا تخافوهم. لأن ليس مكتوم لن يستعلن، ولا خفي لن يعرف.
27 الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور، والذي تسمعونه في الأذن نادوا به على السطوح .

أحمد صبحى منصور 

جزاك الله جل وعلا خيرا اخى بن ليفانت . واقول:
الخطأ هو فى الأرقام . وتم تصحيح الأرقام . أنقله مصححا :
العهد الجديد / إنجيل متى :
الفصل / الأصحاح العاشر:
34 لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا.
35 فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها.
36 وأعداء الإنسان أهل بيته.
 37 من أحب أبا أو أما أكثر مني فلا يستحقني، ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني. 38 ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني .  

39 من وجد حياته يضيعها ، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها .

40 من يقبلكم يقبلني، ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني .

41 من يقبل نبيا باسم نبي فأجر نبي يأخذ، ومن يقبل بارا باسم بار فأجر بار يأخذ .

42 ومن سقى أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ، فالحق أقول لكم: إنه لا يضيع أجره.

 

 

  عالمية الاسلامضد إنقسام العالم الى معسكرين      

أولا :

إسلاميا من وجهة نظر قرآنية

  نزل القرآن الكريم للإنس والجن كما جاء فى سورتى الأحقاف والجن . ويكفى :

  1 :  قوله جل وعلا  للبشر جميعا  : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)  الحجرات ) أى انه برغم أختلافاتهم العرقية واللسانية والاجتماعية والاقتصادية فقد خلقهم جميعا من أب واحد وأم واحدة ، أى هم أخوة ينتمون لنفس الأب والأم ، وقد جعلهم أجناسا مختلفة وشعوبا مختلفة لا ليتنازعوا ويتقاتلوا ولكن ليتعارفوا ، والتعارف لا يكون الا بالعلاقات السلمية والتلاقى الحضارى وقبول الآخر والاستفادة من تجربته الانسانية وتراثه الحضارى ، والانفتاح على ثقافته والتسامح فى الاختلاف معه ايمانا بأن التنوع مطلوب لازدهار الحضارة العالمية الانسانية، اما من ناحية التدين فان أكرم الناس عند الله تعالى هو الأكثر تقوى ، وليس الاكثر ثروة او جاها او ذكاءا أو علما او حسبا ونسبا اوجمالا أو صحة او شبابا. وهذه التقوى سيكون مرجع الحكم عليها لله تعالى وحده يوم القيامة ، ومن يزعم تزكية نفسه الآن فقد عصى الله تعالى الذى قال (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) النجم 32 ).

  2 ـ مع أنه نزل بلسان عربى فلم ترد فيه كلمة عربى تدلُّ على العرب . بل جاءت صفات عامة عن المؤمنين والكافرين وما يتفرع عنها . أى هى صفات تنطبق على من يستحقها فى جميع البشر من وقت نزول القرآن الكريم الى قيام الساعة . إنه حديث يتوجه للناس قائلا ( يأ أيها الناس ) ( يا بنى آدم ) ( يا أيها الانسان ) . وحتى حين يتحدث الى طائفة أو مجموعة فانه يخلصها من محلية الزمان والمكان ليصبح الخطاب عاما لكل من يتصف بهذه الصفة فى كل زمان ومكان قيقول مثلا ( يا أيها الذين ) كذا ..وهذا منطقى فى دين الله تعالى ، فالله تعالى هو رب الجميع ، وهو خالق الجميع ، واليه وحده المرجع يوم القيامة حيث سيحاسب الجميع ، وسيبدأ الحساب بحساب الرسل جميعا وهم حملة "أمة الاسلام ": أو القيم العظمى للاسلام (يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) المائدة  109 ) (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) الزمر69 ).

ثانيا :

تقسيم العالم فى الدين السنى الى معسكرين والردعليها قرآنيا

1 ـ طبقا للحديث الكاذب الذى يقول ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله و.. ) فان من مسوغات الجهاد فى عقيدة الدين السنى تقسيم العالم الى معسكرين: معسكرالاسلام والايمان ومعسكر العدو ، وهو دار الحرب الت يجب الجهاد ضده الى يوم القيامة. هذا هو السائد فى الفقه التراثى ولدى المتطرفين الوهابيين اليوم حيث يجعلون أنفسهم معسكر الايمان والسلام والاسلام ، ويجعلون الغرب معسكر الكفر ويسمونه دار الحرب. وفى هذا التقسيم يوضع غير المسلمين من الأقليات الدينية موضع الشبهة والاضطهاد ، وينظر اليهم باعتبارهم  خونة ينتمون للعدو الخارجى فى معسكر الاعداء أو (دار الحرب ) .

2 ـ للانصاف فان ذلك التقسيم لم يكن قاصرا على المحمديين وحدهم بل كان فى أوروبا العصور الوسطى ، وهى ثقافة تأسّست على أديان أرضية هنا وهناك تقوم على التعصب الدينى المذهبى فى الداخل والحروب الدينية مع المعسكر الآخر فى الخارج. ويدفع الثمن الأقليات الدينية فى المعسكرين هنا وهناك ، كما يدفعها الطرف المهزوم . الواقع انه كلما تحمس أحدهم لدينه وفق هذه الثقافة العصرأوسطية ازداد كراهية للآخر ورغبة فى استئصاله. وكان الأسبان هم الأكثر تعصبا فى العصور الوسطى .

2 ـ أمة محمد فى مقابل أمة المسيح

 2 / 1 : المسيحيون يعتقدون ان المسيح عليه السلام هو المخلّص الذى يؤلهونه ،   وفى غمار الحروب الصليبية والاكتشافات الجغرافية والابادة الجماعية للسكان الأصليين كان الأسبان يرتكبون تلك الفظائع باسم المسيح ، وعموما تم الاستعمار فى العصر الحديث لمعظم العالم الاسلامى وبقية العالم تحت سفن تحمل الصليب، وتتغنى بالمسيحية. هذا بينما المسيحية فى اخلاقياتها تقوم على الحب والتسامح. والتسامح المسيحى المقترن بالصبر والتضحية نراه تاريخا ناصعا فى حياة أجدادنا المصريين الأقباط. وفى هذا تختلف المسيحية المصرية عن المسيحية الغربية الأوربية ، وخصوصا الأسبانية.

  2 / 2 : المحمديون فى أديانهم الأرضية يؤلهون محمدا ، يعتقدون بحياته الأزلية فى قبره ، ويحجون اليه ، ويصلون له " السنن" ويعتقدون أنه سيشفع فيهم ويدخلهم الجنة ، ومع أن شهادة الاسلام واحدة ، هى " لا اله الا الله "، يقول سبحانه وتعالى  لخاتم النبيين محمد عليه السلام : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) محمد 19 ) ، الا أن المحمديين أدخلوا ( محمدا ) فى شهادة الاسلام الواحدة ، وجعلوها شهادتين ،لا تتم الأولى بدون الثانية ، فيقولون ايضا " ومحمد رسول الله "، وبذلك يعصون الله تعالى الذى أمرهم أربع مرات فى القرآن الكريم بألا يفرقوا بين الرسل : ( البقرة 136 ، 285 ) ( آل عمران 84 ) ( النساء 150 : 152) . والمفهوم انك حين تشهد أنه لا اله الا الله فقد آمنت بكل الرسالات السماوية التى نزلت لتؤكد هذه الحقيقة :أنه لا اله الا الله ، وتكون قد آمنت بكل رسل الله تعالى وأنبيائه بدون تفريق بين أحد منهم لأن كل واحد منهم جاهد وناضل وأوذى فى سبيل هذه الحقيقة . بل ان الله سبحانه وتعالى أمر خاتم النبيين أن يعلن أنه ليس بدعا من الرسل وليس مميزا عن أحد منهم ، بل لا يعلم الغيب الذى كان يعلم بعضه بعض الرسل السابقين وانه مجرد متبع للوحى ومجرد نذير مبين( الأحقاف 9 )، ولكن المحمديين يرفعونه الى مستوى الله سبحانه وتعالى ، ففى المساجد تجد اسمه مساويا ومناظرا لاسم الله تعالى ، ويذكرونه فى الأذان مع الله جل وعلا ، وهو الغالب على قلوبهم فالصلاة عليه وحده ، واذا قلت النبى فليس فى الذاكرة والقلب غير( محمد ) وحده ، واذا قلت الرسول فهو وحده الرسول مع تجاهل تام لبقية الانبياء والرسل ، اللهم الا فى معرض تفضيل محمد عليهم فهو " سيد المرسلين " أى الاههم ، وهو"أشرف المرسلين" ، وهو "خير ولد آدم ولا فخر" ، وقد تم تفضيله "على الأنبياء بسبع" ، وان الله تعالى قد خلقه من نوره جل وعلا، وأنه أول خلق الله ، وانه مخلوق قبل آدم ، وكان "نبيا وآدم بين الماء والطين" ، أو و" آدم لا ماء ولا طين " كما تقول الأحاديث و الأساطير الصوفية فيما يسمى بالحقيقة المحمدية .  و فى الصلاة يقولون التحيات تعظيما لمحمد ، ويجعلون هذه التحيات مكان التشهد المذكور فى قوله سبحانه وتعالى : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران ).النهاية أنهم يعتقدون أنهم " أمة محمد " أى بطريق غير مباشر يجعلونه الاها لهم ويعتبرون أنفسهم الأفضل حظا بهذا قائلين " يا بختنا بالنبى ".

كل ذلك التفضيل لمحمد على من سبقه من الأنبياء والمرسلين مخالف للاسلام وللعقيدة التى ناضل محمد طيلة حياته من أجلها . كل هذا التأليه لمحمد وتمييزه عمن سبقه من الأنبياء والمرسلين انما هو خيانة لدعوة محمد ودينه ، وعصيان للاسلام العظيم الذى لا مجال فيه لتقديس بشر أو حجر. ولكن هذا التقديس لمحمد هو الأساس لجعل المحمديين  (أمة محمد )  تواجه ( أمة المسيح) ، وكل منهما تكفّر الأخرى .

ثالثا :

   مصطلح " أمة محمد " يناقض الاسلام  

1 ـ ( أمة محمد ) جاءت به أحاديث افتراها المحمديون ، خصوصا أحاديث الشفاعة ، وفى بعضها يزعمون أن النبى محمدا ينادى ربه يوم القيامة قائلا ( أمتى أمتى ) فيرد عليه رب العزة قائلا ( بنفس النغمة والوزن ) : ( رحمتى رحمتى ) ، وبالطبع يتحيز رب العزة ـ بزعمهم ـ الى أمة محمد وفق هذا الافتراء المناقض للاسلام.

2 ـ مصطلح " أمة محمد " يناقض الاسلام ويجعله دينا لبعض الناس أو لمعسكر ضد معسكر آخرن كما يناقض ( لااله الا الله ) حين يجعل محمدا الاها مع الله . ويناقض القرآن الكريم الذى تحدث عن الأنبياء السابقين أكثر مما تحدث عن محمد، بل وامره باتباع هدى السابقين من الأنبياء ، بل جعله تابعا لملة ابراهيم عليه السلام ، وأكّد ان تشريعاته فى العبادة من صلاة وصيام وصدقة وحج انما هى امتداد لملة ابراهيم ، وقد جاء محمد رسولا لاصلاح التحريف الذى لحق بهذه الملة.

3 ـ مصطلح " أمة " :

3 / 1 : يأتى فى القرآن الكريم بمعانى شتى كلها تدل على مجموعة أشياء : فقد يدل مصطلح أمة على مجموعة سنوات ( هود 8 يوسف 45) أو مجموعة خصال حميدة ( النحل 120) أو مجموعة من العادات والتقاليد والثوابت الشركية ( الزخرف 22 ، 23 ) أو مجموعة من البشر فى زمان محدد ومكان محدد  ( البقرة 128 ، 134 ).

3 / 2 :  إستعمل القرآن الكريم كلمة أمة لتدل على دعوة كل الأنبياء فى كل عصر، يقول سبحانه وتعالى مخبرا عن وحيه لكل الأنبياء فى كل زمان (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ( 52 ) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ( 53 ) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ( 53 ) المؤمنون ). فكل الأنبياء أمة واحدة لهم رب واحد يجب أن نتقيه وحده . هذا هو ما يجب أن يكون ، ولكن الذى يحدث هو تدخل السياسة والصراع على حطام الدنيا فيتفرق الأتباع الى أحزاب وملل ونحل وطوائف ، أى الى أديان أرضية متنازعة متحاربة متحزبة كل حزب بما لديهم فرحون. وهذا هو مجمل التاريخ الدينى بعد كل نبى قبل القرآن الكريم وبعده.

 3 / 3  ـ ويقول سبحانه وتعالى (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ( 92 ) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ) ( 93 ) الأنبياء  ) هذه الآيات جاءت فى سورة الأنبياء بعد ان قًصّ الله تعالى قصص الكثيرين منهم ثم قال معقبا ان أولئك الأنبياء أمة واحدة لهم رب واحد يجب عبادته وحده ، ولكن الذى حدث هو الشقاق ، ومرجع الحكم على هذا الشقاق والاختلاف العقيدى هو يوم القيامة عندما يرجع الجميع الى الله سبحانه وتعالى.

4 ـ إن الدين الحقيقى لكل الأنبياء هو الاسلام ـ بمعنى السلام فى التعامل مع البشر والانقياد والطاعة لله سبحانه وتعالى وتأليهه وحده ، وكل نبى أرسله الله تعالى بلسان قومه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) ابراهيم 4 ) ، اى ان كل نبى كان يعبر عن الاسلام بلغة قومه .وكل نبى كان يؤكد انه لا اله الا الله : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)  الأنبياء 25 ) واذن فأمة الاسلام. ليس الا مجموعة من المبادىء والمثل العليا تتركز فى التقوى فى العقيدة بالتمسك  بلا اله الا الله والتقوى فى السلوك بالتزام العمل الصالح واجتناب الشرور والآثام والظلم والبغى والمعاصى ، وهذه المبادىء تبدأ بنوح وتنتهى بمحمد عليهما وعلى جميع الأنبياء السلام.

5 ـ يعزز ذلك ان مصطلح ( أمة ) جاء بمعنى مجموعة من الأخلاق الحميدة تركزت فى أبى الأنبياء ابراهيم عليه السلام ، الذى مدحه رب العزة بما لم يمدح به نبيا من الأنبياء ،وضمن سياق مدحه قال عنه رب العزة (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) النحل 120 ) أى كان أمة من الأخلاق الحميدة السامية. وابراهيم عليه السلام من أعلام الأنبياء فى الاسلام ( اقرأ الآيات من 127 الى 137 من سورة البقرة). وعليه فان ابراهيم  ـ وما يتمسك به من قيم وسلوكيات وعقيدة دينية حنيفية مخلصة لله تعالى ـ يقع فى واسطة العقد فى أمة الاسلام التى لا تعنى مجرد بشر ولكن تعنى نفس القيم والسلوكيات التى تمسك بها كل الأنبياء عليهم جميعا السلام .

6 ـ وفى المقابل فان ثوابت الشرك وتقديس الأسلاف وما وجدنا عليه آباءنا " وما أجمعت عليه الأمة " يعتبر فى مصطلح القرآن ( أمة). فالأمة هنا هى مجموعة من التقاليد المتوارثة التى يدافع عنها المترفون المتحكمون فى المجتمع مع أعوانهم من رجال الدين والمثقفين المستفيدين من بقاء الحال الظالم على ما هو عليه. اقرأ فى ذلك قوله سبحانه وتعالى يؤكد حقيقة اجتماعية انسانية : (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ( 22 )  وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ( 23 ) الزخرف ). اذن " أمة الاسلام " هى قيم الاسلام فى العقيدة والسلوك. وهى قيم مطروحة أمام البشر جميعا للتمسك بها مهما اختلفت الزمان والمكان واللغة والثقافة والعنصر والسلالة والذكورة والأنوثة والوضع الاجتماعى والاقتصادى. باختصار: هى قيم عالمية انسانية انزلها الله تعالى لكل البشر فى كل الرسالات السماوية ، وقالها كل الأنبياء ، وتمناها كل المصلحين الحقيقيين ، ويتبعها كل الأبرار من البشر فى كل زمان ومكان ، مع وجود الأغلبية التى تختلف و تتنازع فى الدين وتجعله شيعا وأحزابا.  

التعليقات

يحيى فوزى نشاشنى : 

ومع ذلك فهناك تساؤل كبير هو الآخر يتلخص في هذا السؤال : كيف حدث للمسلمين جميع وبدون استثناء ، كيف حدث أنهم لم يهتموا كثيرا بالاية القرآنية التحذيرية ؟ تلك التي يحذرنا فيها سبحانه وتعالى عن مغبة أن نقع في زمرة المشركين ؟ نعم لقد صنفهم بما يلي ( ....... لا تكونوا من المشركين من الذين فرقوادينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) . ألسناجميعا وبدون استثناء تحت هذه الصفة السيئة ؟ ولماذا سكتنا جميعا ؟ ولماذا فضلنا جميعا أن نبقى قابعين في خندقنا ولا نريد عنه حولا ؟ كل منا ماكث في خندق مذهبه أو شيعته أو ملته ؟ يبقى هذا السؤال سيدا إلى ما شاء الله أو إلى ما شئنا أن يشاء الله.....

أحمد صبحى منصور

شكرا استاذ يحيى ، وأكرمك الله جل وعلا

كنت سنيا ضمن فرقة من المحمديين ، وكنت أؤمن بانقسام العالم الى معسكرين . وكنت أحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب ، ولكن بينه وبين قلبى حجاب . طلبت الهداية وتوجهت للقرآن الكريم مخلصا فوجدت فيه الهداية ، واصبح إمامى ومحور حياتى ، وتغيرت به حياتى . أرجو أن أظل متمسكا به الى آخر لحظة فى حياتى. 

 الفصل الثالث :

   الإخاء الانسانى أساس الاسلام السلوكى بمعنى السلام 

أولا :

 تفصيلات ميثاق الأمم المتحدة جاءت فى إيجاز وإعجاز فى النصف الأول من هذه الآية الكريمة فى قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) ( الحجرات 13 ) والنصف الآخر عن الاسلام القلبى أو التقوى والذى مرجعه الى الله جل وعلا يوم الدين . قال جل وعلا : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات ). ونعطى تدبرا سريعا فى النصف الأول  الخاص بالاسلام السلوكى :

1 ـ يتوجه الخطاب الالهى للبشر جميعا من جيلهم الأول الى نهاية العالم ، ب ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) . هم جميعا ( الناس ) بلا أى تفرقة .

2 ـ يقول الخالق جل وعلا فى خطاب مباشر لهم جميعا ( إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ ). والتعبير هنا ب( إنّا ) المؤكدة ، لم يقل ( لقد خلقناكم ) .

3 ـ ثم هم جميعا أخوة من أب واحد وأم واحدة . والذى خلقهم هو جل وعلا الذى جعلهم شعوبا وقبائل لكى يتعارفوا سلميا لا لكى يتقاتلوا ، سواء كانوا شعوبا مستقرة أو قبائل متجوّلة .

4 : هنا الأخُوّة الانسانية فى أعلى مستوياتها والتى يتغنى بها الحالمون من البشر ، والتى قامت بتفصيلاتها المواثيق الدولية بعد نزول القرآن الكريم بأربعة عشر قرنا .

وهذه هى الأخوة على مستويات ثلاثة :

4 / 1 : مستوى النسب الأعلى لآدم أب البشر ، وهنا نفهم الخطاب الالهى لهم جميعا  ب ( يا بنى آدم )  بقوله جل وعلا وعظا ونُصحا فى الدنيا والآخرة :

4 / 1 / 1 : (  يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) الأعراف )

4 / 1 / 2 : (  يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) الأعراف ).

4 / 1 /  3 : (  يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) الأعراف ).

 4 / 1 /  4 :  وسيقول جل وعلا لهم تأنيبا فى الآخرة : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)  يس ).

4 / 2 : مستوى التكريم لبنى آدم جميعا على قدم المساواة بلا أى تفرقة على أساس اللون والعرق والنسب والغنى والفقر أو النوع ( ذكرا أو أُنثى ) .  قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) الاسراء ).

4 / 3 : الأخوة فى دين الاسلام السلوكى .

4 / 3 / 1 : كانت القبائل العربية تتكسب من الإغارات على بعضها ، والثارات بينها مستمرة فيما يُعرف ب ( أيام العرب ) . ثم فى النهاية دخلوا أفواجا متتابعين فى السلام أو الاسلام السلوكى . قال جل وعلا لخاتم النبيين فى أواخر ما نزل من القرآن الكريم : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2)   النصر ). الكلام هنا عن الاسلام السلوكى بمعنى السلام الذى دخلوا فيه أفواجا . وهذا هو الذى رآه النبى محمد عليه السلام . لم يكن عليه السلام يعلم غيب القلوب ، وكان من المؤمنين فى المدينة ( الصحابة ) من كان مؤمنا بالاسلام السلوكى فقط ، ومدمنا على الخمر والميسر ولعب الأزلام والعكوف على الأنصاب أو القبور المقدسة ، يعنى كان كافرا بالاسلام القلبى العقيدى ، وقد قال لهم رب العزة جل وعلا يعظهم فى أواخر ما نزل : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92)  المائدة ). نرجو تدبر هذه الآيات الكريمة من فضلكم .!

4 / 3 / 2 : نزلت الدعوة للكفار المعتدين ناقضى العهود والمواثيق بأن يعودوا الى الاسلام السلوكى بمعنى السلام ، وهذه هى التوبة الظاهرية ، وتعنى هنا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بمجرد عودتهم للسلام . وبها يكونون أخوة فى دين الاسلام السلوكى . قال جل وعلا : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) التوبة ) .

ثانيا :

1 ـ تغيّر هذا بما فعله أبو بكر الزنديق بحرب من رفض دفع الاتاوة له ، فيما يعرف بحرب الردّة ، هاجمهم وقاتلهم وسبى نساءهم وحرّقهم ، إعتبرهم ( الآخر ) . فلما أذعنوا له ، اشركهم فى الفتوحات ، والتى إعتبر الأمم الأخرى التى لم تعتد عليه هم ( الآخر) الذى يستحل قتله وقتاله وسلب أمواله وسبى نسائه وأطفاله وإحتلال أرضه . وارتبط وصف هذا الآخر بالكفر . وهذا ما يتردد فى وصف تلك الشعوب المقهورة إذا ثارت طلبا لحريتها . من يومها ـ ودائما ـ  يتجه الجهاد عندهم  نحو هذا ( الآخر) .  

2 ـ  الآخر فى الاسلام هو كل خارج عن الاسلام السلوكى . فى الداخل أو فى الخارج .

2 / 1 : فى الداخل : داخل الدولة الاسلامية يتمتع الناس بالمواطنة على أساس السلام فقط . يتمتعون بكل حقوقهم من حرية الدين المطلقة وحرية المعارضة السلمية المطلقة ، ويتأكد هذا مما جاء فى القرآن الكريم عن المنافقين ومُعظم الصحابة المؤمنين . بالتالى فإن من يخرج على هذه الدولة من الداخل إنما يكون محاربا لله جل وعلا ورسوله ساعيا فى الأرض بالفساد. وعقوبته هائلة إن لم يتب مقدما . قال جل وعلا : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)  المائدة ) .

2 / 2 : فى الخارج : الدولة التى تعتدى على الدولةالاسلامية المُسالمة . هنا نتذكر قوله جل وعلا : (  لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة ). فالدولة المخالفة فى الدين ولكن مسالمة يجب التعامل معها بالبرّ والقسط . أما الدولةالمعتدية فيحرم موالاتها وتأييدها فى سياستها العدوانية .

أخيرا

لمجرد التذكير

1 ـ الاخوان المسلمون أصدروا قرارا بأنهم وحدهم المسلمون ، وأنهم ( إخوان ) ، والآخر هو غيرهم ، سواء من المحمديين أو من المسيحيين . واتجهوا بالجهاد السلفى الى هذا الآخر ، وقام حسن البنا بتكوين جهازه السرى للإغتيال ، فاغتال بعض المشاهير وإغتال الكثيرين من غير المشاهير . وإعتاد أن يتبرأ علنا من أتباعه حين يتم ضبطهم متلبسين ، فيقول ( ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ) .

2 ـ الاخوان المسلمون زرعهم عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة الراهنة . أسسّها بسواعد أتباعه الأعراب الذين أسماهم ( الاخوان ). فلما بدأ التناحر بينهم وبينه قام عملاؤه بنشر الوهابية فى مصر عبر تحويل الجمعية الشرعية الى جمعية وهابية ، ثم تكوين جماعة الشبان المسلمين وجماعة أنصار السُنّة ، وأخيرا جماعة الاخوان المسلمين .  وتحالف الاخوان مع ( الضباط الأحرار ) فى انقلاب 1952 ، ثم تآمروا على ( عبد الناصر ) فعصف بهم ، فهرب معظمهم الى السعودية ، ثم تآمروا على السعودية فكان الانشقاق بينهم وبين السعودية ، مع إنتمائهم الى نفس الدين الوهابى .

3 ـ كانت مصر ـ رائدة كوكب المحمديين ـ تتأهّل للدولة العلمانية المدنية ، فجاء حكم العسكر وتأسيس الدولة السعودية ردّة حضارية كبرى . إذ من سوء الحظ ظهور البترول فيها وقيام أمريكا بضمان سلامتها ، فنشرت السعودية فى عهد الملك فيصل دين الوهابية فى العالم على أنه الاسلام . وانتشر الارهاب باسم الاسلام ، وبينما يحدث التحول الديمقراطى فى العالم فإن أمواجه تتكسّر وتنحسر على شواطى كوكب المحمديين . وصار الأمر صراعا بين المستبد والجماعات السلفية الوهابية الطامحة فى الحلول مكانه ، أو صراعا بين الشيعة والسنة ، وانتشر الخراب والحروب الأهلية فى كوكب المحمديين ، كل فريق يعتبر عدوّه هو ( الآخر ) الذى يتوجّب إستئصاله .

4 ـ لم يكفر زعماء ( الصحوة الوهابية ) بالاسلام فقط ، بل إمتد هجومهم على الأمم المتحدة ومواثيقها فى حقوق الانسان ، كم فعل المسعرى فى رسائله . والتفاصيل فى كتابنا عن المعارضة السعودية الوهابية فى القرن العشرين .

5 ـ وظهر أهل القرآن ردّ فعل إيجابيا يوضحون حقائق الاسلام القرآنية التى تم تغييبها منذ الفتوحات الكافرة الظالمة فى عهد الخلفاء الفاسقين . إرتبط توضيحنا لحقائق الاسلام بفضح ما يناقضه من تراث المحمديين وتاريخهم وشرائعهم وأديانهم الأرضية . وبسبب هذا هبٌوا يدافعون عن آلهتهم باضطهادنا ، يصُدُّون عن سبيل الله يبغونها عوجا .  فى النهاية هم يريدون الدنيا وجاهها وأموالها ، ونحن نرجو أن نكون ممّن يريد الآخرة ويعمل لها عملها وهو مؤمن .  

التعليقات

يحيى فوزى نشاشبى 

حسبنا القرآن ونعم الحديث (هو).

بارك الله  فيكم   لهذا  المسح  وهذا التوضيح  الذي  لا  يُمل  تكراره  نظرا  للغفلة الضاربة  أطنابها  في  العقول .  ولا يسعنا  في  الأخير إلا  أن  ننسج  جملة  على منوال ( حسبنا الله  ونعم الوكيل)  لنقول  ونردد :  (حسبنا  القرآن  ونعم  الحديث ) -  هو - .  ودمتم  موفقين.

 

 

الفصل الثانى :

العدل ( القسط ) والاحسان ( التسامح )

 ( العدل والقسط )

مقدمة :

القسط هو تمام العدل، والقسط هو الهدف من إرسال الرسل والأنبياء وإنزال الكتب السماوية، يقول تعالى ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد 25) فإقامة الناس فى أى مجتمع للقسط والعدل هى إقامة لشريعة الله التى جاءت بها الرسالات الإلهية لكل عصر. والدولة الاسلامية تتبنّى القسط قيمة أساسا .

ونعطى تفصيلا :

 أولا :

القسط والعدل مع الله جل وعلا :

1 ـ فالقسط فى التعامل مع الله يكون بالإيمان به جل وعلا إلهاً واحداً لا شريك له ولا نظير، ولم يلد ولم يولد. ومن هنا فإن الإشراك بالله تعالى ظلم عظيم للمولى جل وعلا ﴿إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (لقمان 13). وهذه قضية يختلف فيها البشر، ومرجعها إلى الله تعالى يوم القيامة.

2 ـ و( العدل ) فى التعامل مع الله جل وعلا يعنى الكفر به ، لأنه يعدل بالله جل وعلا غيره ، ويجعله عدلا له أو نظيرا له جل وعلا . عن المشركين الكافرين قال جل وعلا :

2 / 1  ـ ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) الانعام   )

2 / 2 ـ ( وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) الانعام  )

2 / 3  ـ (  أإله مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)  النمل ).

3 ـ العدل المطلوب هو فى تعامل البشر مع بعضهم البعض. قال رب العزة جل وعلا عن بعض قوم موسى عليه السلام فقال : ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) الأعراف ).

ثانيا :

القسط فى التعامل مع البشر:  

 جاءت الأوامر بالعدل والقسط :

1 ـ داخل البيت، مع الزوجات أو الاكتفاء بزوجة واحدة . قال جل وعلا : ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً﴾ (النساء 3).

2 ـ فى التعامل مع الأقارب حتى لا تؤثر القرابة على القيام بالقسط فتقع المحاباة والظلم.  يقول سبحانه وتعالى :

2 / 1 : ضمن الوصايا العشر:  ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىَ﴾ (الأنعام 152).

2 / 2 : ﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَىَ بِهِمَا فَلاَ تَتّبِعُواْ الْهَوَىَ أَن تَعْدِلُواْ﴾ (النساء 135) فالأمر الإلهى هنا للمؤمنين بأن يقوموا بالعدل والقسط، وأن يكونوا بذلك شهداء لله تعالى حتى على أنفسهم وأقاربهم إحقاقاً للعدل وابتعاد عن الهوى.  

3 ـ مع الأعداء داخل الدولة الاسلامية : حتى لا يتأثر العدل والقسط بكراهية الأعداء فتحكم عليهم ظلماً، يقول سبحانه وتعالى ﴿يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَىَ﴾ (المائدة 8) أى أن يقوموا ابتغاء مرضاة الله تعالى بالقسط فلا يؤثر فيه كراهيتهم لقوم فيحكموا عليهم ظلماً..

4 ـ مع المخالفين فى الدين داخل الجولة الاسلامية : المواطنة فى الدولة الاسلامية هى بالاسلام السلوكى بمعنى السلام . فكل إنسان مُسالم هو مواطن بغض النظر عن إنتمائه الدينى وعلا قته بربه جل وعلا . المصريون الأقباط هم أولى الناس بالاسلام السلوكى الذى يعنى السلام ، فهم مسالمون امتلأ تاريخهم بالصبر على الاضطهاد وإيثار الاستشهاد على المقاومة للظلم . لذا فهم أولى الناس بالبرّ والعدل فى الدولة الاسلامية ، والذى يظلمهم مستحق لنقمة المولى عز وجل الذى لا يريد ظلما للعباد .  ولكن تعرضوا للإضطهاد بعد الفتح العربى ، وحتى الآن مع علو النفوذ السلفى السُّنّى .

5 ـ مع الدول : إذا كان المختلفون فى العقيدة قوماً مسالمين لم يضطهدوا المؤمنين ولم يطردوهم من ديارهم ولم يساعدوا العدو فى اضطهادهم، فإن من حقهم على الدولة الاسلامية أن يُعاملوا ليس بالقسط فقط ولكن بالبر والإحسان. يقول  سبحانه وتعالى : ﴿لاّ يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوَاْ إِلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة 8) .

6 ـ  فى التعامل التجارى وفى الأسواق وفى كتابة الديون ومع اليتيم والتقاضى والشهادة . يقول  سبحانه وتعالى :

6 / 1 : ﴿وَلْيَكْتُب بّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾..

6 / 2 : ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيّهُ بِالْعَدْلِ﴾ (البقرة 282) .

6 / 3 : ﴿وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾ (الأنعام 152)

6 / 4 : ﴿وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَىَ بِالْقِسْطِ﴾ (النساء 127) .

6 / 5 : والقسط فى التقاضى بين الناس ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾ (النساء 58) .

6 / 6 : وفى الحكم بين القوم الآخرين : ﴿وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ (الشورى 15) .

6 / 7 : والقسط فى الشهادة : ﴿وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مّنكُمْ﴾ (الطلاق 2) .

6 / 8 : والقسط فى الحكم بين دولتين متصارعتين : ﴿فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوَاْ﴾ (الحجرات 9).

ثالثا :

( الميزان  التوازن / القسط ) فى خلق السماوات والأرض :

  الكلمة القرآنية ( الميزان ) تعنى فى عصرنا التوازن . والميزان / التوازن أو القسط هو أساس خلق الكون واستمراره :

  1 ـ عن خلق السماوات والأرض وفق ميزان دقيق يقول سبحانه وتعالى ﴿وَالسّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ( 7 ) أَلاّ تَطْغَوْاْ فِي الْمِيزَانِ ( 8 ) وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ﴾ ( 9 )(الرحمن ) . السماء وهى كل ما يعلونا تقوم على أساس دقيق من التوازن، وعلينا ألا نطغى على ذلك التوازن فى العالم الكونى من الغلاف الجوى أو فى ذرات الأرض وهندسة الجينات وعناصر التربة ومعادنها، وإلا فإن الطغيان على ذلك التوازن الطبيعى يفتح الباب للفساد، ويحدث هذا بين الناس إذا ضاع القسط فى التعامل فيما بينهم، لذا يقول تعالى يربط التوازن الطبيعى بالتوازن العادل فى التعامل بين البشر ﴿أَلاّ تَطْغَوْاْ فِي الْمِيزَانِ ( 8 )  وَأَقِيمُواْ الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ﴾ ( 9 ) الرحمن ).

2 ـ إن الميزان الإلهى فى خلق المادة تجده فى أوزان العناصر والذرات والمعادلات الكيماوية بنفس ما نجده فى حسابات الفلك والنجوم والكواكب، وعن طريق الحسابات الرياضية توصل أينشتين إلى نظريته فى النسبية قبل أن تتحقق بتفجير القنبلة الذرية، وعن طريق الحسابات الرياضية توصل علماء الفلك إلى اكتشاف بعض الأقمار والمجرات قبل أن يتعرفوا عليها بالمراصد. والله سبحانه وتعالى يقول عن منازل القمر : ﴿وَقَدّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ (يونس 5) ويقول عن التقويم القمرى والشمسى : ﴿وَجَعَلَ الْلّيْلَ سَكَناً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً﴾ (الأنعام 96) . ونفس الميزان المحسوب فى المواد أشار إليه الخالق جل وعلا :  ﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ شَيْءٍ مّوْزُونٍ﴾.. ﴿وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مّعْلُومٍ﴾ (الحجر 19،21).  وهذا الميزان الدقيق فى المخلوقات الحية وغير الحية يستلزم عدم المساس به حتى لا يفسد النظام فى الذرة والعناصر والخلايا والغلاف الجوى.

رابعا :

( الميزان  التوازن / القسط ) فى الكتب الالهية :

1 ـ الله سبحانه وتعالى خالق هذا الكون المتوازن أنزل كتاباً إلاهيا  فيه الميزان الذى يهتدى به الناس فى تعاملهم مع الكون والبيئة وفى تعاملهم مع بعضهم البعض.

2 ـ وهو  ( كتاب واحد ) لكل نبى . بل هو كتاب واحد لأكثر من نبى ، مثل موسى وهارون عليهما السلام : ( وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117)   الصافات ) ، وهو كتاب واحد لثلاثة من الرسل : (  وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)  يس ). هو ( كتاب واحد ) لأنه ميزان واحد ( ليس كتاب وسُنّة كما تقول بعض المواشى البشرية التى تسير بقدمين فقط .!) . الميزان لا يتعدد ، هو فرد وليس مثنى . بل إن كل الكتب الالهية يأتى وصفها جميعا بالمفرد ( الكتاب ) ، والله سبحانه وتعالى يأمر خاتم النبيين أن يقول ﴿وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ (الشورى 15) . هنا ( كتاب ) إلاهى ، وهو أيضا أمر بالعدل .

3 ـ ويقول سبحانه وتعالى عن ذلك الكتاب الألهى الواحد : ( الميزان ) الذى نزلت به الرسالات الإلهية :  ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد 25) أى عن طريق الكتاب الالهى ( الذى هو الميزان ) يعتمد الناس القسط فى تعاملهم مع الله تعالى وفى تعاملهم مع أنفسهم وفى تعاملهم مع البيئة.

4 : ونزل القرآن الكريم خاتم الرسالات السماوية قبل قيام الساعة، يقول سبحانه وتعالى عن القرآن الكريم الذى جاء ميزاناً محفوظاً إلى قيام الساعة ﴿اللّهُ الّذِيَ أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّ السّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ (الشورى 17).  

خامسا :

الميزان ( القسط ) يوم الحساب

1 ـ فيه سيتم وزن الأعمال بالقسط وعلى أساس الذرة، يقول سبحانه وتعالى ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىَ بِنَا حَاسِبِينَ﴾ (الأنبياء 47).

2 ـ وفيه توزن الأعمال فى كفّة مقابل الكتاب السماوى الذى كان الميزان الذى ينبغى أن يحتكم إليه الإنسان فى الدنيا ، يقول سبحانه وتعالى :  ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ﴾ (الأعراف 8: 9) . لم يقل ( بآياتنا والسُنّة ) كما تعتقد بعض المواشى البشرية التى تسير بقدمين فقط .!

سادسا :

الفساد ضد القسط

1 ـ إذا تحكم الفساد فى علاقات البشر فلابد أن يفسد البيئة، وإشتهر قوم شعيب بالفساد .   قال جل وعلا :

1 / 1 : ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ َأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) الأعراف) .

1 / 2 :( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)هود  ) .

1 / 3 : ( أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ(183)الشعراء ).

1 / 4 :  (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36)  العنكبوت  ) .

2 ـ  الله سبحانه وتعالى يجعل حدوث الفساد المادى فى الأرض فى البرّ والبحر والغلاف الجوّى ــ ناشئاً عن فساد العلاقات بين الناس، يقول سبحانه وتعالى : ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُواْ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم 41) . أى هو عقوبة إلاهية لهم لعلهم يرجعون ويكُفُّون عن الفساد . ومن المعروف أن موسم الجرد يرتبط فيه إحراق المخازن والمنشئات للتغطية على السرقات.. أى تدمير البيئة بعد جرائم السرقة.

سابعا :

القسط أساس الاسلام وشهادة الاسلام

1 ـ شهادة الاسلام واحدة ( لا إله إلا الله ) ، وتكررت هذه الشهادة الواحدة مرتين فى آية التشهد والتى ابدلها المحمديون بعبارات كوميدية سمُّها التحيات . التشهد جاء فى قوله جل وعلا : ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (آل عمران 18) . والمستفاد هنا أن القيام بالقسط يشهد به الله سبحانه تعالى والملائكة وأولو العلم،( وليست المواشى البشرية التى تسير بقدمين فقط ).! .

2 ـ الظلم ضد القسط . ومن الظلم عدم المساواة بين المواطنين بسبب اللون أو الدين أو المذهب . أو أن يكون غير المسلم (أهل ذمة). فذلك من تشريعات الأديان الأرضية  للمسلمين، ولم يعرفه عصر النبى محمد عليه السلام، ولم يأت ( أهل الذمة ) فى القرآن الكريم ، مع مجىء كلمة ( ذمّة ) فى سياق آخر وصفا للمشركين المعتدين ناقضى العهود والمواثيق ( التوبة 8 ، 10 )، ولكن أوجدته دولة الخلفاء الفاسقين.

أخيرا :

حساسية القسط :

1 ـ الله جل وعلا يجعل ميزان القسط متناهى الحساسية، فالقسط المطلوب هو بنسبة مائة فى المائة فإن تراجعت النسبة إلى 99% أصبح الحكم ظلماً، طالما دخلت فيه نسبة الواحد فى المائة من الظلم. نفهم هذا من التفرقة القرآنية بين كلمتين "قاسط" و"مقسط"؛ فالقاسط هو الذى يحول الحكم لهواه أو لصالحه ولو بنسبة 1%، والله سبحانه وتعالى يقول عن القاسطين : ﴿وَأَمّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنّمَ حَطَباً﴾ (الجن 15) ، أما المقسط فهو صيغة مبالغة من القسط أى الذى يراعى القسط دائماً وأبداً. وذلك المقسط يستحق حب الله سبحانه وتعالى،فتكرّر قوله جل وعلا : ﴿إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ﴾  ثلاث مرات (المائدة 45، الحجرات 9، الممتحنة 8) .

2 ـ الدولة الاسلامية شعارها : ﴿وَأَقْسِطُوَاْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ﴾. أما دول المحمديين فهى دول القاسطين : ( وَأَمّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنّمَ حَطَباً﴾.  

 

 

( الاحسان / التسامح )

مقدمة :

1 ـ التسامح ليس من مصطلحات القرآن الكريم ، ولكن معناه يوجد فى ( الاحسان ) ، وهو تعبير شائع فى القرآن الكريم باشتقاقات متنوعة ، وأكثر دلالة من مفهوم التسامح .

2 ـ وفى التنزيل المكى وقبل تكوين الدولة الاسلامية كان الحرص على غرس قيمة الاحسان قيمة أخلاقية عند المؤمن ، ثم جاءت تفصيلات مؤكدة فى التنزيل المدنى .

3 ـ ونعرض للإحسان فى لمحة سريعة :  

أولا :

بين الاحسان والعدل

1 ـ يأتى إرتباطهما فى قوله جل وعلا آمرا ناهيا : (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿٩٠﴾ النحل 90 ) .

2 ـ ولكن الاحسان درجة تعلو العدل . العدل هو الردّ بالمثل قصاصا، أما الاحسان فهوردّ السيئة ليس بمثلها ولكن بالعفو عن المسىء . قال جل وعلا : (  وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴿٤٠﴾ الشورى ).

ثانيا :

درجات الاحسان :

 1 : الدرجة الدنيا ، وهو مجرد الغفران مع الصبر على الأذى ، وهذا لغير القادر على دفع السيئة إلا بالسكوت والصبر والغفران تسامحا وأملا فى الأجر من رب العزة الذى لا يكلف نفسا إلا وسعها . (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴿٤٣﴾ الشورى ). الصبر هنا إيجابى لأن المظلوم لديه وعى بما يحل به من ظلم ، ووجوب مقاومته ولكن لا يستطيع إلا الصبر والعفو.

  2 : الدرجة العليا : أن ترد السيئة بالحسنة ، وليس مجرد العفو. كأن يشتمك شخص فترد عليه بالدعاء له . قال جل وعلا  فى صفات عباد الرحمن أنهم يردون على جهل الجاهلين بالسلام ، قال جل وعلا : (  وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴿٦٣﴾ الفرقان )

3   : الدرجة الأعلى :  أن ترد السيئة بالتى هى أحسن . قال جل وعلا : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) ﴿٩٦﴾ المؤمنون ). أى أن يسبك شخص فتدعو له وتمدحه وتعطيه مالا . هذه درجة عليا تستلزم صبرا عظيما ، لا يقوم بها إلا أحسن المؤمنين إيمانا وصبرا. قال جل وعلا :( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿٣٤﴾ فصلت ) أنت بهذا تخاطب الخير فى داخله فلا يملك إلا أن يستجيب لك بالخير ويتصرف ( كأنه ) ولى حميم ، وما هو ب ( ولى حميم ). فى الآية التالية قال جل عن هذه الدرجة من الصبر الايجابى والاحسان والتسامح :  ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿٣٥﴾ فصلت ).  

ثالثا :

 بين الاحسان والصبر الايجابى

1 ـ هناك صبر مذموم ، هو الصبر السلبى الذى يعنى الخنوع والرضى بالذل مع القدرة على المقاومة ولو بالدعاء على الظلم . الصبر فى الاسلام هو الصبر الايجابى الرافض للظلم والاهانة بدءا من الدعاء على الظالم الى الهجرة ، والوقوف ضد الظلم دفاعا عن العدل والقسط . والصبر الايجابى مصاحب لكل ذلك .

2 ـ ونتذكر آيات : ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمّن دَعَآ إِلَى اللّهِ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾   ﴿وَمَا يُلَقّاهَا إِلاّ الّذِينَ صَبَرُواْ﴾ ، وآيات أخرى تقرن الصبر بالإحسان مثل ﴿وَاصْبِرْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (هود 115) ﴿إِنّهُ مَن يَتّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف 90).

2 ـ وكما يقترن الإحسان بالغفران كذلك يقترن الصبر بالغفران، يقول سبحانه وتعالى ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاُمُورِ﴾ (الشورى 43) وتكرر الأمر للنبى بالصبر على الأذى الذى كان يلقاه من المشركين وقال له ربه جل وعلا ﴿اصْبِر عَلَىَ مَا يَقُولُونَ﴾ (طه 130، ص 17، ق 39) وقال له جل وعلا :  ﴿وَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً﴾ (المزمل 10).

3 ـ وكما أن الله تعالى يحب المحسنين فإنه جل وعلا مع الصابرين، وتكرر هذا كثيراً فى القرآن (البقرة 153، الأنفال 46، البقرة 149، الأنفال 66) ولذلك أصبح من الأمثال السائرة: أن يقال "إن الله مع الصابرين" والمجتمع المؤمن يستعين على المصائب بالصبر والصلاة (البقرة 45) كما يتواصى أفراده بالصبر وبالرحمة والحق (البلد 17، العصر 3) وفى النهاية فإن الجنة هى جزاء الصابرين حيث تتلقاهم الملائكة تقول لهم ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىَ الدّارِ﴾ (الرعد 24) وفى الجنة يتلقون أجرهم بدون حد أقصى أى بدون حساب يقول تعالى ﴿إِنّمَا يُوَفّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (الزمر 10).

رابعا :

أنواع الاحسان

  الاحسان العملى :

  1 : كلمة ( حسنة ) تأتى وصفا للعمل الصالح ،وتكرر هذا فى القرآن الكريم كثيرا لكى يستغرق الإنسان حياته فى الخير والعمل الصالح بحيث لا يبقى فى وقته متسع للشرور بحيث تتحول حياته إلى حسنة مطلقة يأتى بها إلى الخالق جل وعلا يوم القيامة فيتضاعف له الجزاء بعشر أمثالها : ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا )(160) الأنعام ) . فالإحسان من الله سبحانه وتعالى سيكون جزاءاً لمن أحسن عملا . قال جل وعلا : ﴿هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاّ الإِحْسَانُ﴾ (الرحمن 60).

  2 : والأمر بإحسان العمل تردد فى القرآن الكريم كثيراً ومنه : ﴿وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ﴾ (القصص 77) والإحسان هنا لا يعنى مجرد التصدق وإعطاء الصدقة ولكنه إحسان العمل كله.

  3 : ومنه الإحسان للوالدين وذوى القربى واليتامى والمساكين والجيران والأصحاب وابن السبيل، ولا يشترط فى أولئك جميعاً سوى الاسلام السلوكى بمعنى السلام سلوكا ظاهريا ، بغض النظر عن دينه القلبى وعقيدته ومذهبه. فالإحسان للمسيحى إذا كان قريباً أو جاراً أو صاحباً أو مسكيناً أو زائراً أو سائحاً. مع ملاحظة أن ابن السبيل هو الغريب المسافر القادم لبلادنا، وهذا ينطبق على الأجانب. ولابن السبيل حقوق ؛ منها حقه فى الصدقة التطوعية والصدقة الرسمية والفئ والغنائم وحقه فى حسن التعامل معه مثلما نتعامل مع آبائنا وأمهاتنا وأقاربنا وجيراننا.. وابن السبيل فى عصرنا هو كل غريب يمر ببلادنا، ينطبق ذلك على السياح والأجانب، بغض النظر عن اللون والجنس واللغة والدين والعقيدة .

4 ـ  2 : يأتى فى موقف ، توسطاً فى الخير أو شفاعة فى مظلوم، وهذا مأمور به، وقد يكون العكس وهو التوسط فى الشر أو أن الشفاعة فى الشر، وذلك منهى عنه، وفى كل الأحوال فالجزاء عند الله تعالى من جنس العمل إن خيراً وإن شراً، وذلك معنى قوله سبحانه وتعالى ﴿مّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيّئَةً يَكُنْ لّهُ كِفْلٌ مّنْهَا﴾ (النساء 85).

  الاحسان القولى :

  1 : قال جل وعلا آمرا : ﴿وَقُل لّعِبَادِي يَقُولُواْ الّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (الإسراء 53) أى بدلاً من أن يقول كلمة سيئة نضع مكانها كلمة خير حسنى، أو أحسن منها.

2  : فى رد التحية، بالمثل أو بالأحسن منها، يقول سبحانه وتعالى ﴿وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ حَسِيباً﴾ (النساء 86) ويلاحظ أن الله سبحانه وتعالى يقول ﴿وَإِذَا حُيّيتُم﴾ وهذه عبارة مطلقة، تعنى إذا حيّانا أى إنسان بأى لسان  وبأى كيفية فعلينا أن نرد عليه بالمثل أو بما هو أحسن من تحيته، وليس شرطاً أن يكون مسلماً مثلنا أو أن ينطق بتحية الإسلام، المهم أن تكون تحية، ولو بالاشارة  . لا بد أن نرد عليه بالمثل أو بالأحسن. وجدير بالذكر أن الوهابية تحرم تحية ( المشرك ) أو رد تحيته لأنها تستوجب إظهار العداء له. والمشرك فى الوهابية هو كل من ليس منهم.

3 :  فى العفو وكظم الغيظ . يقول سبحانه وتعالى عن بعض صفات المتقين ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران 134) فالذى يتحكم فى غضبه وغيظه ويعفو عن الناس يكون من المحسنين الذين يحبهم الله تعالى، وهذا يتعلق بالتعامل العادى مع الناس الذى قد يستجلب الغضب والغيظ، ويستوجب عند المحسنين الحلم والعفو.

الاحسان فى الجدال مع المخالف فى العقيدة :

  1 : لا جدال مع المعاندين أو الذين ظلموا، وإذا صمموا على الجدال فالمجال الوحيد المتاح هو المباهلة بأن نبتهل نحن وهم بأن يجعل الله تعالى لعنته على الكاذبين بدون تحديد. قال جل وعلا : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) آل عمران).

  2 : والجدال مع غير المعاندين بالتى هى أحسن، يقول سبحانه وتعالى:  ﴿ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل 125).

3 ـ ومنه مع أهل الكتاب: ﴿ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (46) العنكبوت ).

3  : وعن اسلوب الجدال مع المشرك :

3 / 1 : نلتزم بما أمر الله جل وعلا به رسوله:  ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مّنَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللّهُ وَإِنّآ أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلَىَ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ. قُل لاّ تُسْأَلُونَ عَمّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمّا تَعْمَلُونَ. قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبّنَا ثُمّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقّ وَهُوَ الْفَتّاحُ الْعَلِيمُ﴾ (سبأ 24: 26) .

لم يقل للمشركين إنا على هدى وأنتم على ضلال، وإنما أمره الله تعالى أن يقول بأن أحد الفريقين على هدى والآخر على ضلال، ولم يقل للمشركين لا تسألون عن إجرامنا ولا نسأل عن إجرامكم، بل نسب الجرم إلى نفسه فقط، وهو خاتم النبيين، وفى النهاية أرجأ الحكم إلى الله تعالى ليحكم بينه وبينهم بالحق يوم القيامة.

3 / 2 : ومنه تقرير حريتهم الدينية ، وهذا تكرر فى القرآن الكريم ،  كقوله تعالى ﴿وَقُل لّلّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَىَ مَكَانَتِكُمْ إِنّا عَامِلُونَ. وَانْتَظِرُوَاْ إِنّا مُنتَظِرُونَ﴾ (هود 121،122) أى يعمل كل فريق بما يعتقده صواباً وينتظر الجميع حكم الله تعالى يوم القيامة.

3 / 3 : وهذا الخلق العالى من الإحسان يستدعى أن يقول المسلم كلمة الإسلام السلوكى  "السلام" فمن صفات عباد الرحمن أنهم إذا خاطبه الجاهلون بالسىء من القول ﴿قَالُواْ سَلاَماً﴾ (الفرقان 63) وإذا أسمعهم الجاهلون اللغو فى الدين وهو مما يسىء إلى عقيدة المسلم أعرضوا عنهم ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ اللّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ (القصص 55) أى أيضاً قالوا لهم: سلام عليكم.

 3  / 4  ـ ومنه ( الصفح الجميل ) إنتظارا لحكم الله سبحانه وتعالى يوم القيامة. يقول سبحانه وتعالى : ﴿وَإِنّ السّاعَةَ لاَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ (الحجر 85) أى أن الساعة آتية وهى يوم الفصل وبالعذاب للمعاندين وهم يستحقون الشفقة، فلا أقل من أن تصفح عنهم صفحاً جميلاً. وتكرر هذا المعنى فى قوله جل وعلا :  ﴿وَقِيلِهِ يَرَبّ إِنّ هَـَؤُلاَءِ قَوْمٌ لاّ يُؤْمِنُونَ. فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ (الزخرف 88،89) أى فاصفح عن هؤلاء الذين لا يؤمنون وقل لهم سلام عليكم، وسوف يعلمون يوم القيامة موقعهم بالضبط.

3 / 5 : الغفران : ويتكرر أمراً مباشراً للمؤمنين : ﴿قُل لّلّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ. مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمّ إِلَىَ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ (الجاثية 14،15) فالله سبحانه وتعالى يأمر المؤمنين بأن يغفروا للمخالفين فى الدين ، حيث سيلقى كل إنسان جزاء ما كسبه من صالح أو من سىء. وحيث مرجع الناس جميعاً إلى الله تعالى يوم القيامة. وبهذا يصل الإحسان فى الدعوة إلى ذروته بالمغفرة والصفح والسلام .

 الاحسان القلبى :

  ومن الطبيعى أن هذا الأدب الراقى فى الإحسان لا يشمل فقط اللسان والجوارح بل يبدأ أساساً بالقلب والضمير حيث التعامل مع الله سبحانه وتعالى الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، ولذلك فقد ترى إنساناً عاجزاً عن تقديم الإحسان ولكنه عند الله سبحانه وتعالى من المحسنين، والسبب أنه يتمنى فى قلبه لو كانت لديه المقدرة على الإحسان. والله سبحانه وتعالى يعلم صدق نيته فلم يكلفه إلا حسب مقدرته ، ولذلك جعله من المحسنين اعتماداً على نيته وسريرته. يقول سبحانه وتعالى يتحدث عن غزوة ذات العسرة : ﴿لّيْسَ عَلَى الضّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىَ الْمَرْضَىَ وَلاَ عَلَى الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ. وَلاَ عَلَى الّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلّوْا وّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ﴾ (التوبة91،92) ففى الاستعداد لغزوة ذات العسرة كان بين المؤمنين ضعفاء ومرضى وفقراء لم يستطيعوا الإسهام فى المجهود الحربى، ومع ذلك اعتبرهم الله تعالى محسنين ولم يوجه إليهم اللوم ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ﴾ وألحق بهم مؤمنين أقوياء ولكن فقراء ليست لديهم دواب يركبونها للغزو، وليس للنبى دواب تحملهم، لذلك رجعوا باكين بسبب الفقر الذى منعهم من الإسهام فى الخير.

كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية )
يتناول قرآنيا ماهية الدولة الاسلامية وعلمانيتها .
يتناول الكتاب القيم الأساس للدولة الاسلامية ، وحرية الدين والديمقراط ية المباشرة بين التنظير والتطبيق ، ومظاهر العلمانية فى الدولة الاسلامية وشريعتها ، كيف نقيم دولة اسلامية علمانية . ثم الخاتمة عن شهادة العصر عن مصر
more