رقم ( 10 )
10

الملاحق

الملحق الأول :

 حق الأقباط فى القتال الدفاعى طبقا للشريعة الاسلامية

 مقدمة

1 ـ فى مقال ( الاسلام و السلام : الدولة الاسلامية دولة مسالمة قوية ) نقلت من انجيل متى ( الأصحاح العاشر عدد 34  ــ ) قوله : ( لا تظنوا أنى جئت لألقى سلاما على الأرض ، ما جئت لألقى سلاما ، بل سيفا ، فأنى جئت لأفرق الأنسان ضد أبية والأبنة ضد أمها والكنة عن حماتها وأعداء الأنسان أهل بيته ، من أحب أبا أو أما أكثر منى ، فلا يستحقنى ، ومن أحب أبنا أو أبنة أكثر منى فلا يستحقنى ومن لا يأخذ صليبة ويتبعنى فلا يستحقنى ومن وجد حياته يضيعها ، ومن أضاع حياته من أجلى يجدها . ) ، ورد متعصب قبطى يقول لى ( أنت مُدلّس ). مع بذاءات أخرى . هذا مع أننى :

1 / 1 : إكتفيت بنقل النّصّ كما هو دون تعليق . وهو لا يستطيع أن ينكر وجوده .

1 / 1 : كان الاستشهاد بهذا النّصّ وما قبله من العهد القديم ضروريا لربط مقدمة المقال بنهايته .

1 / 3 : إنّ دفاعى عن الأقباط  لم يقم به شيخ أزهرى من قبل . بدأ فى رسالتى للدكتوراة عام 1977 ، ثم فى أول كتاب لى ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) عام 1982 ، وفيما بعد فى مقالات منها ( بناء الكنائس والدفاع عنها حق مقرر فى الاسلام   ) وكتب منها : ( إضطهاد الأقباط فى مصر بعد الفتح ..) ( المقريزى وثقافة الفتوحات فى عصرنا ). هذا عدا : المشاركة فى تأسيس ( الحركة الشعبية لمواجهة الارهاب ) فى أوائل التسعينيات ضد الارهاب ضد الأقباط والكنائس وقتها ، وفى تأسيس مشروع إصلاح التعليم المصرى ليكون أكثر تسامحا مع الأقباط . وهو المشروع الذى تسبب فى قفل مركز ابن خلدون بعدها . ثم مؤتمرات ومظاهرات فى واشنطن وغيرها تضامنا مع الأقباط . وفى إنغماسى فى الدفاع عن الأقباط كنت أنسى أننا نتعرض لاضطهاد أشدّ دون ان يدافع عنا الأقباط  ، بل إنّ بعضهم يهاجمنا ظلما وعدوانا .

1 / 4 : أومن بالحرية الدينية المطلقة للجميع على قدم المساواة ، ومنها حرية إنتقاد أى دين ،  فمن حق غيرى أن ينتقد دينى كما أنتقد دينه . والأغلبية الساحقة من كتاباتى هى ضد ( المحمديين ) ، وفى النهاية فللدين يوم هو ( يوم الدين ) يحكم فيه مالك يوم الدين فيما نحن فيه مختلفون .!

2 ـ جاء سؤال آخر : هل للأقباط حق مشروع فى الشريعة الاسلامية بالقتال الدفاعى ؟ أبهجنى هذا السؤال ، وأرسل تحية لصاحبه على جرأته ، ويسعدنى أن أجيب عليه بهذا المقال :

أولا : قرآنيا :

1 ـ مدار التطبيق للشريعة الاسلامية هو سلوك البشر الظاهرى ، وليس مجالها على الاطلاق العلاقة بالرحمن جل وعلا وما فى القلوب . وايضا فالكافر المشرك ليس فى علاقته بالله جل وعلا ـ فمرجع ذلك له جل وعلا يوم الدين . الكافر المشرك هو الذى يعتدى على المُسالمين ، ويقاتلهم ويقوم بإكراههم فى الدين . وهناك تشريعات فى مواجهته بالصبر والهجرة والقتال عند تمام الاستعداد ، وكل ذلك حسب حالة من يقع عليه الاعتداء .

2 ـ آيات القتال الدفاعى فى القرآن الكريم تتحدث عن ( الذين ) لتنطبق على كل ( الذين ) يشملهم هذا الوصف وقت نزول القرآن وبعده . ليست خاصة بالنبى محمد وأصحابه . يقول جل وعلا : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الحج ) ، فالذين يقع عليهم القتال ظلما مأذون لهم بالقتال الدفاعى ، لا فارق بين الصحابة والأقباط .

3 ـ بالتالى فإن الأقباط حين رفعوا السلاح ضد ظلم العرب بعد الفتح كانوا يقومون بفريضة إسلامية . وحين رضوا بالذل والاستكانة مع قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم كانوا عُصاة لله جل وعلا . لا ننسى أن الأقباط حين حكم الخلفاء كانوا الأكثر عددا والأقوى وقت أن كانت الأسلحة فردية والغلبة للكثرة العددية .

ثانيا :

الأقباط أطاعوا الله جل وعلا حين قاتلوا العرب فى ثوراتهم ، وننقل بعضها من (الخطط ) للمقريزى :

1 ـ  عام 107 فى شرق الدلتا بسبب جشع الوالى عبد الله بن الحبحاب..

2 ـ عام 121 هجرية، فى الصعيد ، ثم انتقلت الثورة إلى سمنود سنة 132 بزعامة البطل المصرى بجنس الذى قُتل فى الحرب ومعه كثيرون ، ومع ذلك انتقلت الثورة إلى رشيد فى نفس العام .

3 ـ شهد عام 132 سقوط الدولة الأموية بعد هزيمة الخليفة مروان بن محمد فى موقعة الزاب ، وقد هرب الى مصر بما تبقى من جيشه ، وطارده الجيش العباسى . وجد الخليفة الهارب ثورات مصريةفقضى عليها . وحين لقى حتفه  فى أبو صير كان يحتجز عنده البطرك القبطى ومجموعة من كبار الرهبان وزعماء الأقباط ، فأفرج عنهم الجيش العباسى . يقول المقريزى : ( ثم خالفت القبط ( أى ثار المصريون) برشيد فبعث إليهم مروان بن محمد لما قدم مصر وهزمهم ..  وأحرق مصر وغلاتها .. وأسر عدّة من النساء المترهبات ببعض الديارات وراود واحدة منهنّ عن نفسها ، فاحتالت عليه ودفعته عنها ، بأن رغّبته في دهن معها إذا ادّهن به الإنسان لا يعمل فيه السلاح، وأوثقته بأن مكنته من التجربة في نفسها فتمت حيلتها عليه، وأخرجت زيتًا ادهنت به ثم مدّت عنقها فضربها بسيفه فأطار رأسها ، فعلم أنها اختارت الموت على الزنا ).!!.

4 ـ  ( خرج القبط بناحية سخا وأخرجوا العمال في سنة خمسين ومائة ، وصاروا في جمع ، فبعث إليهم يزيد بن حاتم بن قبيصة أمير مصر عسكرًا ...وهزموا باقيهم فاشتد البلاء على النصارى واحتاجوا إلى أكل الجيف ).

5 ـ  ( وفي أيامه خرج القبط ببلهيت سنة ست وخمسين فبعث إليهم موسى بن علي أمير مصر وهزمهم )‏.‏

4 ـ ثورة البشمويين فى عصر المأمون سنة 210 . عجز الجند العباسيون عن إخمادها فأرسل لهم المأمون قائده الافشين بجيش جرّار إستطاع هزيمة الثوار، ومن وقع منهم فى الأسر أمر المأمون بقتله وسبى نسائه وأولاده وبيعهم رقيقا.  يقوله المقريزى  :( انتقض القبط في سنة ست عشرة ومائتين ، فأوقع بهم الإفشين حتى نزلوا على حكم أمير المؤمنين عبد اللّه المأمون ، فحكم فيهم بقتل الرجال وبيع النساء والذرية ، فبيعوا،وسبى أكثرهم.).   

ثالثا :

الأقباط عصوا الله جل وعلا حين سكتوا عن ظلم العرب ، ومنها :

1 ـ ساعدوا عمرو بن العاص فهزم بهم البيزنطيين بجيشه القليل . وغدر بهم عمرو بن العاص ففرض عليهم الجزية وسبى نساءهم وسلب كنوزهم . وفصّلنا القول فى هذا . لم يثوروا عليه .!

2 ـ فى ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر صودر البطرك مرتين، وأمر الوالى بإحصاء الرهبان وأخذ منهم الجزية، وهى أول جزية أخذت من الرهبان.

3 ـ الوالى عبد الله ابن الخليفة عبد الملك بن مروان ـ إشتد على النصارى، واقتدى به الوالى التالى قرة بن شريك فأنزل بالنصارى شدائد لم يبتلوا بمثلها من قبل على حد قول المقريزى.

4 ـ فى خلافة يزيد بن عبد الملك تطرف الوالى أسامة بن زيد التنوخى فى اضطهاد الأقباط، فصادر أموالهم ووسم أيدى الرهبان بحلقة من حديد، وكل من وجده منهم بغير وسم قطع يده، وفرض غرامات على الأقباط، وصادر الأموال من الأديرة، ومن وجده من الرهبان فى تلك الأديرة بلا وسم ضرب عنقه أو عذبه، وهدم الكنائس وكسر الصلبان.

5 ـ وفى خلافة هشام بن عبد الملك تشدد الوالى حنطلة بن صفوان فى زيادة الخراج، وأحصى الأقباط وجعل على كل نصرانى وشماً فيه صورة أسد ومن وجده بلا وشم على يده قطع يده.

6 ـ   ويقول المقريزى :( وقبض عبد الملك بن موسى بن نصير أمير مصر على البطرك ميخائيل ، فاعتقله ، وألزمه بمال ، فسار بأساقفته في أعمال مصر يسأل أهلها ، فوجدهم في شدائد ، فعاد إلى الفسطاط ، ودفع إلى عبد الملك ما حصل له ، فأفرج عنه ).!  

 7 ـ ويقول :( وفي الفتنة بين الأمين والمأمون فانتُهبت النصارى بالإسكندرية وأحرقت لهم مواضع عديدة وأحرقت ديارات وادي هبيب ونهبت فلم يبق بها من رهبانها إلاّ نفر قليل‏.‏).  

8 ـ فى عصر الخليفة الفاطمى ( الحاكم ) :

8 / 1 : عام ( خمس وتسعين وثلثمائة)  : ( قدم اليعاقبة زخريس بطركًا ، فأقام ثماني وعشرين سنة، منها في البلايا مع الحاكم بأمر الله...تسع سنين اعتقله فيها ثلاثة أشهر، وأمر به فألقي للسباع ، هو وسوسنة النوبي ).

8 / 2 :( نزل بالنصارى شدائد لم يعهدوا مثلها .. فقبض على عيسى بن نسطورس النصرانيّ وهو إذ ذاك في رتبة تضاهي رتب الوزراء وضرب عنقه،  ثم قبض على فهد بن إبراهيم النصرانيّ كاتب الأستاذ برجوان وضرب عنقه ، وتشدد على النصارى وألزمهم بلبس ثياب الغيار وشدّ الزنار في أوساطهم ، ومنعهم من عمل الشعانين وعيد الصليب والتظاهر بما كانت عادتهم فعله في أعيادهم من الاجتماع واللهو، وقبض على جميع ما هو محبس على الكنائس والديارات ( أى أوقاف الكنائس والأديرة ) وأدخله في الديوان وكتب إلى أعماله كلها بذلك ، وأحرق عدّة صلبان كثيرة ، ومنع النصارى من شراء العبيد والإماء ، وهدم الكنائس التي بخط راشدة ظاهر مدينة مصر ، وأخرب كنائس المقس خارج القاهرة ، وأباح ما فيها للناس فانتهبوا منها ما يجلّ وصفه ، وهدم دير القصير وانهب العامة ما فيه ، ومنع النصارى من عمل الغطاس على شاطئ النيل بمصر، وأبطل ما كان يُعمل فيه من الاجتماع للهو ، وألزم رجال النصارى بتعليق الصلبان الخشب التي زنة كل صليب منها خمسة أرطال في أعناقهم،  ومنعهم من ركوب الخيل ، وجعل لهم أن يركبوا البغال والحمير بسروج ولجم غير محلاة بالذهب والفضة، بل تكون من جلود سود ، وضرب بالحرس في القاهرة ومصر أن لا يركب أحد من المكارية ذمّيًا ولا يحمل نوتيّ مسلم أحدًا من أهل الذمة ، وأن تكون ثياب النصارى وعمائمهم شديدة السواد ، وركب سروجهم من خشب الجميز ، وأن يُعلق اليهود في أعناقهم خشبًا مدوّرًا زنة الخشبة منها خمسة أرطال وهي ظاهرة فوق ثيابهم . وأخذ في هدم الكنائس كلها ، وأباح ما فيها وما هو محبس عليها للناس نهبًا وإقطاعًا ، فهُدمت بأسرها، ونهب جميع أمتعتها ، وأقطع أحباسها ( أى أوقافها )، وبني في مواضعها المساجد ، وأذّن بالصلاة في كنيسة شنودة بمصر، وأحيط بكنيسة المعلقة في قصر الشمع ، وكثر الناس من رفع القصص ( أى الشكاوى ) بطلب كنائس أعمال مصر ودياراتها ، فلم يردّ قصة منها إلاّ وقد وقع عليها بإجابة رافعها لما سأل، فأخذوا أمتعة الكنائس والديارات وباعوا بأسواق مصر ما وجدوا من أواني الذهب والفضة وغير ذلك ، وتصرفوا في أحباسها . ووجد بكنيسة شنودة مال جليل ، ووجد في ( الكنيسة ) المعلقة من المصاغ وثياب الديباج أمر كثير جدًّا إلى الغاية . وكتب إلى ولاة الأعمال بتمكين المسلمين منهدم الكنائس والديارات ، فعمّ الهدم فيها من سنة ثلاث وأربعمائة ، حتَى ذكر من يوثق بهفي ذلك أن الذي هدم إلى آخر سنة خمس وأربعمائة بمصر والشام وأعمالهما من الهياكل التي بناها الروم نيف وثلاثون ألف بيعة . ونهب ما فيها من آلات الذهب والفضة وقبض على أوقافها وكانت أوقافًا جليلة على مبان عجيبة . وألزم النصارى أن تكون الصلبان في أعناقهم إذا دخلوا الحمام ، وألزم اليهود أن يكون في أعناقهم الأجراس إذا دخلوا الحمام . ثم ألزم اليهود والنصارى بخروجهم كلهم من أرض مصر إلى بلاد الروم ، فاجتمعوا بأسرهم تحت القصر من القاهرة ، واستغاثوا ولاذوا بعفو أمير المؤمنين حتى أعفوا من النفي . وفي هذه الحوادث أسلم كثير من النصارى‏.‏) .أى تنوع هذا الاضطهاد من قتل زعماء الأقباط الى هدم وسلب الكنائس والأديرة ، وتحقير الأقباط واليهود فى موضوع الزى ، ومنعهم من ركوب الخيل ، ومن أن يتاح لهم ركوب الحمير بالأجرة أو ركوب السفن بالأجرة إذا كان صاحب الحمار ( المكارى ) مسلما ، أو كان صاحب المركب مسلما.

أخيرا

1 ـ هل إنتهى إضطهاد الأقباط فى مصر ؟

2 ـ  قال الأمير المصرى المؤمن من آل فرعون :( وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ (31 )(غافر). 

 

 

 

 

الملحق الثانى :

مقال سبق نشره فى التسعينيات دفاعا عن الأقباط   

( بناء الكنائس والدفاع عنها حق مقرر فى الاسلام )

حين تعرض الأقباط  لعمليات إرهابية

أولا :

1 ـ تبدأ المشكلة بالغزو العربى لمصر  الذى حمل اسم الاسلام زورا وبهتانا . اعتاد بعض الحكام العرب والمسلمين فى مصر اتخاذ موقف عدائي من حق الأقباط الشرعى فى اقامة كنائس لهم يعبدون فيها الله تعالى حسب معتقداتهم ودينهم.

 

2 ـ سبب المشكلة ليس الاسلام ، فالغزو العربى لمصر ولغيرها كان خرقا لشريعة الاسلام واعتداءا على شعوب مسالمة لم تعتد على العرب المسلمين ، وهو احتلال لأرضهم وظلم لهم، والله سبحانه وتعالى لا يحب الظالمين ، فهو جل وعلا الذى ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى فى نفس الوقت الذى يأمر فيه بالعدل والاحسان.

3 ـ اذا كان الغزو العربى نفسه خروجا عن الاسلام فمن المنطقى أن تتكاثر نتائجه السيئة الظالمة المخالفة لشريعة الاسلام ، ومنها حرمان المسيحيين من بناء كنائسهم وهدم القائم منها ، وفرض الجزية عليهم اثما وعدوانا ، واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية بينما هم أصحاب الأرض الأصليون .

4 ـ فقهاء السلطة فيما بعد كتبوا فى تبرير هذا الظلم فتاوى سامة ، وأحاديث مفتراة ، وتفسيرات ضالة ، وتغييرات لمصطلحات القرآن الكريم ومفاهيمة ، جعلت من يقرؤه بمصطلحات التراث يقع فى التناقض فى فهم الآيات. كل هذا الجهد الثقافى كان لتأكيد الظلم العربى الذى جاء به الغزو العربى باسم الاسلام زورا وبهتانا.

ثانيا :

بهذا الغزو العربى الظالم وتبريره دينيا بالتزوير تأكد التناقض بين الاسلام وأولئك المسلمين ، خصوصا حين نراجع سريعا بعض حقائق الاسلام فيما يخص موضوعنا :

1 ـ القرآن الكريم يجعل حصانة لكل بيوت العبادة التى يذكر فيها الناس اسم الله تعالى من صوامع وبيع وصلوات ومساجد لليهود والنصارى والمسلمين وغيرهم ، ويجعل الجهاد مشروعا للدفاع عنها . قال جل وعلا : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ). الصوامع والبيع لأهل الكتاب ، والصلوات لأى نوع من العبادة ، ثم المساجد ، والوصف لكل بيوت العبادة هو ( يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ ) ، لم يقل فيها ( يذكر فيها إسم الله وحده ) حتى لا تكون بيوت العبادة تلك خاصة بمن يؤمن بالله جل وعلا وحده إلاها لا شريك له . ثم يأتى أسلوب التأكيد بأنه جل وعلا لينصرنّ من ينصره قتالا فى الدفاع عن بيوت العبادة وحصانتها .

2 ـ كانت التوراة الحقيقية والانجيل الحقيقى موجودين وقت نزول القرآن الكريم . فى عصر عمر بن الخطاب فى خلافته أجلى أهل الكتاب ، والحرب مشتعلة بين العرب والبيزنطيين ، فاختفت التوراة الحقيقية والانجيل الحقيقى ، وانتشر العهد القديم والعهد الجديد . القرآن الكريم يؤكد على الاختلافات التشريعية بين القرآن والانجيل والتوراة ، ويصفها بالهدى والنور ، ويطلب من أهل الانجيل أن يحتكموا الى ما أنزل الله تعالى لهم فى الانجيل ، ويتعجب من الاسرائيليين كيف يحتكمون للنبى محمد عليه السلام وعندهم التوراة فيها حكم الله ، ويؤكد أنه تعالى أنزل التوراة فيها هدى ونور ، وأنه أنزل الانجيل هدى ونورا ، ويطالب اهل الكتاب باقامة التوراة والانجيل وما انزله الله تعالى اليهم وهو نفس المطلوب من المسلمين، ويطلب من المؤمنين من أهل الكتاب والمسلمين أن يتنافسوا فى الخيرات. قال جل وعلا :

2 / 1 (  وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ( 44 ) المائدة )

2 / 2 : ( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (47) المائدة )

2 / 3 : (  لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة )

2 / 4 : (  وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)  المائدة ) .

3 ـ القرآن الكريم يؤكد على أنه لا اكراه فى الدين ويقرر حرية الايمان والكفر وليس مجرد حرية التدين بين المؤمنين من أهل الأديان والمذاهب. وهناك أكثر من الف ( 1000 ) آية قرآنية فى هذا السياق.

4 ـ القرآن الكريم يجعل المقصد الأعلى من القتال فى سبيل الله هو منع الفتنة أى الاضطهاد الدينى ليكون الناس أحرارا فى إخيارهم الدينى من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ  ) (29) الكهف )، وتأجيل الحكم فى الاختلافات الدينية الى الله جل وعلا وحده يوم الدين . قال جل وعلا :

4 / 1 : (  وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ) (193) البقرة )

4 / 2 : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ )  (39)   الأنفال ).

5 ـ  قوله سبحانه وتعالى : ( يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلّهُمْ مّنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ﴾ المائدة51 ) وسائر آيات الموالاة فى القرآن قد تم توظيفها ضد الأبرياء من المصريين الأقباط، وصرخ بها خطباء المساجد فى التحريض ضد الأقباط ، وهم فى ذلك الاستشهاد الخاطئ يتناسون:

5 / 1 : أن الموالاة تعنى التحالف الحربى مع طرف ضد طرف آخر . ولا ينطبق هذا على أقباط مصر المُسالمين .

5 / 2 :  سياق الآيات وهى تتحدث عن عصر النبى محمد عليه السلام حين طرأت ظروف حربية خاصة فرضت تحالفات سرية بين المنافقين ـ وهم بعض الصحابة ممن كان يعيش داخل المدينة ـ وبعض أهل الكتاب المعتدين . اذن هو تعليق على أحداث تاريخية ارتبطت بزمانها ومكانها وحكى القرآن الكريم بعض أحداثها وما دار فيها من أقوال جاء ذكرها فى الآية التالية : ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) المائدة )  . لا بد من تنفيذ هذا التشريع اذا تكررت ظروفه بحذافيرها ، كأن يهجم علينا عدو معتديا فيتحالف معه فريق من المسلمين ضد بقية المسلمين ، أى يواليه فى عدوانه علي الوطن والشعب ، هنا يستحق اللوم طبقا لهذا التشريع القرآنى ، بل وطبقا لأى تشريع بشرى فى أى زمان ومكان.

6 ـ الا ان المتطرفين الذين يعتدون على الأبرياء ويقتلون المدنيين لهم عقيدة أخرى فى الموالاة يسمونها البراء والولاء،  أساسها تقسيم العالم الى قسمين او معسكرين ، دار الاسلام ودار الحرب. وهم يعتقدون أن واجبهم هو الجهاد ضد معسكر الحرب او دار الكفر لارغامهم على دخول الاسلام طبقا للحديث الكاذب الذى رواه البخارى والقائل " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله .. ".وقد جاء اختراع هذا الحديث ليبرر ويسوغ الغزو العربى الذى حمل اسم الاسلام زورا وبهتانا ، واستولى بها الصحابة بعد موت النبى محمد على معظم العالم المعروف وقتها ، ودارت الحرب بينهم وبين الروم ، وانقسم العالم الى معسكرين : عربى يحمل اسم الاسلام ، ورومى غربى يحمل اسم المسيحية. وجرى تقسيم العالم الى دار للحرب ودار للاسلام فى التراث الفقهى . كل هذا تحريف وتخريف وظلم للاسلام قبل ان يكون ظلما لغير المسلمين..

7 ـ تجاهل أئمة التراث الآيات القرآنية التى تتحدث عن المؤمنين المتقين من أهل الكتاب ( آل عمران  113 : 115 ، 199 ) ( النساء 162 )( الإسراء 107 : 109 ) ( الشعراء  197،)  القصص 52 : 55 ) .

ثالثا :

1 ـ الاسلام ليس هو السبب فى اضطهاد الأقباط، بل انه هو المظلوم الأول فى هذه القضية ، لأن أولئك الظالمين استخدموا اسمه أولا فى الغزو الظالم لبلاد الآخرين ثم استخدموا اسمه فى اذلال وقهر الشعوب الأخرى. والنتيجة هى انه المتهم الأول فى العالم الآن والمسئول عن التطرف والارهاب .

2 ـ وليس هناك ظلم أبشع من أن ينزل الله تعالى الاسلام دينا  للعدل والاحسان ويؤكد على أن رسول هذا الدين جاء رحمة للعالمين (  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )،  ثم يقوم أتباع هذا الدين بجعله ارهابا للعالمين. هذا ما فعلناه بديننا.

3 ـ واضح أن المتهم الأول هم أولئك المسلمون الغزاة الظالمون ومن عاونهم فى تزييف تعاليم الاسلام بالفقه والحديث والسيرة والتفسير وما يسمى بعلوم القرآن.

4 ـ واذا كان الظالمون السابقون قد هلكوا وماتوا فان هناك تيارا سياسيا يتكلم باسمهم ويعمل لارجاع " مجدهم " ويتحدث عن " فتح مصر للمرة الثانية. أولئك هم الاخوان المسلمون .

5 ـ ثقافة الأخوان المسلمين تم نشرها باستمرار وباضطراد عبر الاعلام الحكومى والمساجد والأزهر طيلة أربعين عاما ، فأنشأت جيلا متعصبا نحتاج الى أربعين عاما أخرى حتى نطهر عقله.  

6 ـ أزعم أن الاخوان المسلمين سعداء بهذا المناخ وينتظرون أن تأتى ثماره السامة فى المستقبل القريب فى الحاق المزيد من الاضطهاد للأقباط والشيعة والقرآنيين وكافة المسلمين المعتدلين والعلمانيين ، لكى تمهد لدولتهم القادمة.  وأزعم أن الاخوان يؤمنون بالتقية ، فيعلنون شجبهم لما يحدث ، ويتحدثون عن فتح صفحة جديدة مع الأقباط لمجرد الخداع وكسب الوقت. أتمنى أن أكون مخطئا فيما أزعم.

رابعا :  

اتمنى مخلصا أن يهب الاخوان لاصلاح ما حدث على المستويات التالية :

 1 ـ سياسيا: باعلان التبرؤ من كل اضطهاد وقع فى الماضى أو يقع فى الحاضرعلى الأقباط والشيعة والقرآنيين، وفتح صفحة جديدة من الاخاء والتسامح الدينى نستعيد ما كان سائدا من تسامح مصرى. ويقترن هذا الاعلان بخطوات عملية مثل زيارة لقرية العديسات والوقوف بصرامة مع المظلومين من أهلها والدفاع عنهم، والعمل على اطلاق سراحهم ومعاقبة الجناة الحقيقيين. وفعل نفس الشىء فى قرى أخرى شهد فيها الأقباط المصريون ظلما وبغيا من الخانكة الى الفكرية والكشح وغيرها.

2 ـ ثقافيا: باجراء ندوات وورش عمل تتناول كيفية اصلاح الوعى الشعبى الذى فسد ، وكيفية احلال ثقافة التسامح محل التعصب . واجراء ندوات أخرى تؤكد على حقوق الانسان وحقوق المواطنة والحق المطلق فى التدين والعقيدة واقامة الشعائر لكل من يريد دون تدخل من الدولة أو المجتمع .

3 ـ دينيا: مراجعة علمية للتراث وفتاويه وأحاديثه ومصطلحاته والاحتكام فيها للقرآن ومصطلحاته ومفاهيمه وتشريعاته، ليكون ذلك أساسا لنشر ثقافة التسامح الاسلامى فى المساجد وسائر اجهزة الاعلام.

4 ـ تشريعيا: هناك حديث يدور حول اقتراح جديد يقدم لمجلس الشعب يقضى بتعديل تشريعى لتوحيد اجراءات بناء وتجديد المساجد والكنائس دون تفرقة. لا بد لأعضاء الاخوان فى المجلس تبنى هذا الاقتراح كبداية ، يعقبها تطهير التشريعات المصرية من كل ما يخاف العدل والمساواة وحقوق المواطنة وحقوق الانسان ، وحرية العقيدة والفكر وحرية العبادة.

أخيرا :

1 ـ  ما سبق كله هو فى اطار الممكن اذا خلصت النوايا وكان الاخوان صادقين فعلا فيما يرفعونه من شعارات.

2 ـ الاخوان الآن قوة معترف بها سياسيا ودوليا كحقائق فى الواقع السياسى مهما اختلفنا معهم. الفرصة متاحة لهم الآن لكى نغير فكرتنا عنهم . فكرتنا عنهم لم تأت من فراغ وانما من دراسة ومعايشة لتاريخهم السياسى والتراث الذى يؤمنون به ويدافعون عنه. دعوناهم كثيرا لتبنى الاصلاح فلم يلتفتوا . لم نيأس ولا زلنا نصر على دعوتهم ليكونوا جبهة تنصف الاسلام من الظلم الذى ألحقه به المسلمون الغزاة والبغاة.

3 ـ الاسلام أعظم من كل الأشخاص فى أى زمان وأى مكان. وليس فى الاسلام تقديس لبشر ، فكيف نتجاهل انصاف الاسلام بسبب شرور ارتكبها بعض الصحابة فى تاريخ المسلمين وبعض الأئمة فى تراث المسلمين ؟

4 ـ انصاف المظلومين من أقباط وشيعة وقرآنيين هو دفاع حقيقى عن القيم الاسلامية العليا من عدل واحسان وتسامح وانصاف. حين تحمل شعار الاسلام وتتصدى لتطبيق شريعته متجاهلا هذه القيم الاسلامية العليا فأنت بما تفعله أشد الناس عداوة للاسلام.

5 ـ الفرصة الآن متاحة للاخوان لبدء صفحة جديدة فى قرية العديسات والفكرية وابوقرقاص والكشح وكل قرية مصرية عانى فيها الأقباط من ظلم فعله بهم أشقياء ينتمون للاسلام ظلما وعدوانا.

كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية )
يتناول قرآنيا ماهية الدولة الاسلامية وعلمانيتها .
يتناول الكتاب القيم الأساس للدولة الاسلامية ، وحرية الدين والديمقراط ية المباشرة بين التنظير والتطبيق ، ومظاهر العلمانية فى الدولة الاسلامية وشريعتها ، كيف نقيم دولة اسلامية علمانية . ثم الخاتمة عن شهادة العصر عن مصر
more