رقم ( 6 )
• الفصل الخامس : الصوفية وأكل أموال الناس بالباطل .

 

الفصل الخامس : الصوفية وأكل أموال الناس بالباطل .

   ــ بين الانحلال الخلقى والانحراف المالى.

   ــ التنافس الصوفى.

   ــ التنافس على الدنيا والنصب على الناس .

   ــ التحايل .

   ــ الشعوذة الصوفية والتحايل المالى ، التحايل والعلم اللدنى ، علوم وهمية للتحايل، علم الحرف.

   ــ المطالب .

   ــ الكيمياء

   ــ الزغل( تزييف الذهب)

   ــ الكيمياء والسحر .

   ــ تشريع الرشوة .     

 

 

             الصوفية وأكل أموال الناس بالباطل

بين الانحلال الخلقى والانحراف المالى :

          يقول الجويرىعمن أسماهم الدرجة الثالثة من المشايخ " وأعلم أن هذه الدرجة لم يتعلق بها إلا كل من يأكل الدنيا بالدين ويدخل الشبهة علىقلوب المسلمين .. وأعلم أن كل واحد من أهل هذه الطائفة ظاهره صديق وباطنه زنديق ، يستحلون المحارم ويجهلون المعالم ، فمنهم المباحية الذين يبيحون مؤاخاة النساء واللعب مع المردان ويبيحون السماعات ويخلون بالنسوان ،ويعقدون طرق مقنعة للمرأة إن كان أمرها يؤول إلى الصلاح وينحل عنها كل أمر صعب تنحل لها هذه المقنعة ، ثم يقول انقضى هذه المقنعة فتنقضها فلا تجد فيها عقدة، فيقولون الآن قد رضى الله عنك وخلص عنك كل أمر عسير، ومنهم من يظهر فى جسد المرأة شيئا من الكتابة من تحت قماشها فيقول قد ظهر لى فيك علامة على العضو الفلانى وهذا إشارة من عند الله يتضمن كذا وكذا فاكشفى عن هذا العضو تجديه مكتوبا كما ذكرت فإذا كشفت بانت لها الكتابة فيقول ما شاء أن يقول ثم يقول وجب لنا الشكران، ويفعلون من هذا النوع أشياء يطول شرحها"[1].

            وهذه الدرجة الثالثة فى تقسيم الجويرى تضم كل الصوفية فى عصره الذين يمارسون المؤاخاة ويعقدون حفلات السماع ويتخذون من علاقتهم بالمرأة وسيلة للانحلال الخلقى والتحايل المالى عليها ، خصوصا والمرأة ـ فى طبيعتها ـ تميل إلى تصديق الخرافات ، وهكذا استحلوا جسدها ومالها ، ولايزال أولئك الأشياخ وأعمالهم السحرية يتحايلون على النساء ـ بل والرجال ـ فى الريف والمدن والأحياء الشعبية والأحياء الراقية ، طالما أن الاعتقاد فى التصوف لايزال موجودا برغم تفاوت المستويات الأقتصادية والثقافية.

           وهكذا استتبع الانحلال الخلقى الذى قاده الصوفية انحرافا ماليا كانوا هم أيضا الأئمة فيه ، هذا مع أن المنطق العقلى لايتصور ذلك السلوك منهم ، فالصوفية عاشوا عالة على الناس وانهالت عليهمم النذور دون أى عمل أو التزام من ضرائب ونحوها فلم يكونوا محتاجين للتحايل على الناس لسلب أموالهم لأن الناس يقدمون لهم ذلك المال طواعية وهم يركعون لهم ويقبلون أيديهم ويتمنون رضاهم.

         ولكن انتشار التصوف وكثرة أوليائه وتنافسهم فيما بينهم وتكالبهم على الدنيا أوقعهم فى صراع حول المريدين لانتزاع أكبر قدر من المال..

 

التنافس بين الصوفية :

         التصوف تدين بشرى ، أصحابه هم المشرعون فيه والشيخ هو المشرع لطائفته ، والبشرمن طبيعتهم الاختلاف خصوصا فى دين أساسه الوجد والهوى والعاطفة، وحركته نحو الانتفاع الذاتى للشيخ، لذلك احتدم الصراع بين الصوفية فى عصر انتشار التصوف وخفوت الإنكار على أوليائه.

         وفى القرن الثامن أنكر ابن الحاج علىصوفية عصره أن أحدهم يأخذ العهد علىالمريدين أن ينتمى لفلان من المشايخ دون غيره " حتى كأن الطريق إلى الله تعالى على عدد المشايخ فينتسبون إليهم كما ينتسب أهل المذاهب إلى مذاهبهم، وحصل بسبب ماتقدم بينهم تعصبات وشنآن كثير حتى صاروا أحزابا ، ووقع بعضهم فى حق غيرشيخه الذى ينتمى إليه " وأدى ذلك إلى انتقاص المريد للأشياخ الآخرين، يقول ابن الحاج " منهم من إذا اعتقد فى شيخ بعينه نقص غيره، ويهجر بعضهم بعضا لعدم تسليم كل واحد منهما لصاحبه "[2].

        وبعدها بقرنين تفاقم الصراع بين الشياخ الصوفية إلى درجة مطالبة المريد بألا يشرك بشيخه كما سبق توضيحه فى مبحث علاقة المريد بشيخه ، والشعرانى هو المصدر الأساسى للتنافس الصوفى فى القرن العاشر ، فقد تكاثر الأشياخ وتعاظمت دعاواهم فى الولاية حتى ادعى أكثرهم القطبانية وهى أعظم درجة فى تدين التصوف .  والشعرانى أنكر عليهم ، كأن يقول " صار غالب الفقراء يطلب كل واحد أن يكون جيمع فقراء بلده تلامذته"[3]. بل ألف رسالة خاصة فى " ردع الفقراء عن ادعاء الولاية الكبرى" يقول فيها " كل واحد يحب أن ينفرد بالصيت والاعتقاد من الخلق ، وأن لا ينظر الناس إلى شيخ سواه ، وإذا مات شيخ من هؤلاء تصير جماعته يتنازعون فى المشيخة بعده، ويكرهون بعضهم بالطبع كأنهم على دين خلاف دينهم.. فلذا ترى الشيخ من هؤلاء إذا بلغه عن شخص من أقرانه أنه حصل له قبول تام واجتمعت القلوب على محبته وعظموه ينقبض ويصير على وجهه كآبة لاتخفى "[4].

          والشعرانى أورد مظاهر الصراع بين أشياخ عصره الذى وصل إلى درجة أن " الكثير منهم يموت فلا يحضر أحد من أقرانهم جنازته " وجعل من هذه التفصيلات المخزية لمنافسيه الصوفية حجة له عليهم فيفتخر بكونه يترفع عن ذلك مع أن أسلوبه يظهر أنه لايفترق عنهم فى شىء سوى أنه أكبر علما وفقها ومكرا.

          فالشعرانى يفتخر بمحبته لكل منتسب للصوفية فلا يكره أحدا منهم ويقول " وهذا الخلق قليل فى غالب عصرى ، فنرى أحدهم يكره من يراه من جماعة أحد الأشياخ غير شيخه ، كأنه فى دين غير دينه، ويود ألا يظهر لغير شيخه اسم فى البلد " ويفتخر الشعرانى بعدم تعرضه لأحد من " الأخوان " أن يتقيد على صحبته ولا يصلى الجمعة إلا عنده، أى يسمح لهم بصحبة الأشياخ الآخرين والصلاة عندهم ، ويفتخر بأنه يفرح بكل شيخ برز فى حارته والتقط منه أصحابه الذين كانوا حوله ، بل أنه إذا جاءه أحد يطلب الطريق أرسله إلى غيره ، ولاسيما إذا كان ذلك المريد من الأكابر والأغنياء والأمراء ويقول " وما رأيت أحدا من أقرانى فعل معى مثل ذلك أبدا ، مع قلة معرفتى بالطريق "، ويقول " وهذا أمر لم أجد له فى مصر فاعلا غيرى إلا القليل " وافتخر بأنه يمدح الآخرين من أقرانه عند الأمير أو الكبير حتى يحسن اعتقاده فيهم ، وربما يتركه ذلك الأمير ويصحبهم فيفرح بذلك ، ويقول " وهذا الخلق عزيز فى فقراء " عصره ، بل أن بعضهم وقع فى حق الشعرانى عندهم[5]. بل يجعل من العهود التى أخذت عليه أن يفرح بكل شيخ برز فى بلده وانقلب إليه جميع أصحابه حتى إن لم يبق حوله مريد واحد، ويقول " ومتى تكدرنا من ذلك الذى برز وضاق صدرنا منه فهو دليل حبنا للرياسة".

         ومنطق التصوف يجعل القارىء يتشكك فى ادعاءات الشعرانى تلك وأنها موجهة للآخرين كى يصدقوه ويؤمنوا به وينصبوه قطبا أعظم لهم باعتباره الأكثر علما وفقها ومثالية ، ولكن الشعرانى يفصح بين السطور عن حقيقته الصوفية ، وأنه لايختلف عن الآخرين فى التكالب على المريدين وأموالهم ، فهو يقول إن العهود قد أخذت عليه بمنع مريديه " من زيارة أحد من أقراننا إذا علمنا أن فتحهم لايكون إلا على أيدينا"[6]. أى أنه يتحايل بالأسلوب الصوفى وادعاء العلم الغيبى ، فطالما علم بأن ذلك المريد لن يكون فتحه إلا على يديه فحسب إذن وجب عليه أن يمنعه من زيارة الأشياخ الآخرين ، وطبيعى أنه يمكن له أن يتنازل عن المريدين الفقراء لأن " فتحهم" لن يكون على يديه ويتمسك بالأثرياء تبعا لذات الحجة.

         ويروى الشعرانى عن أخيه أفضل الدين "لاتفرح لتعليم أصحابك العلوم والفضائل حتى تنظر ثمرتها ، فربما تعلموا منك ثم جادلوك بما تعلموه منك وصاروا أكبر أعدائك فكان عدم اكتسابهم تلك الفضائل أولى"[7]   والفضائل المقصودة هى تعليمات الصوفية لأن الفضائل الخلقية الحقيقة لاتثمر جدالا ولا عداء.

         ويروى الشعرانى أنه سأل شيخه الخواص هل يصحب أحدا من الشيخ ليأخذ عنه الأدب " فقال لاتفعل ذلك فى حياتى أبدا ، وأما بعد موتى فإن وجدت أحدا مخصوصا بالبلاء من الكُمَل فاصحبه"[8]. ولايعقل أن يكون الخواص الأمى هو المعلم الوحيد الذى تعلم الشعرانى على يديه الأدب ، والمعقول أن تكون هذه الرواية من الشعرانى موجهة لمريديه حتى لايصحبوا غيره فى حياته ، أما بعد موته فليبحثوا عن مثله إذا كان . ولقد صحب الشعرانى شيوخا آخرين تعلم منهم حين كان مريدا للخواص.

         ويتناسى الشعرانى أن أشياخه قبله عاشوا فى تنافس ، وهو إذ يرويه بنفسه لايستشعر إنكارا كشأنه حين ينكر على معاصريه ، بل يحاول أن يخفيه بين دخان الكرامات المزعومة وعبارات الإعجاب والتقديس . فيذكر أن الشيخ أحمد السطيحة حضر مجلس سماع فى دسوق فطعنه فقير أعجمى " فقال يارب خذ لى بحقى، فأصبح العجمى مشنوقا على حائط لايدرى من شنقه"[9]. ويحكى الشعرانى عن علاقته بالشريف المجذوب فيقول " وأرسل لى مرة رغيفا مع إنسان وقال له قل له يأكل هذا الرغيف، وطوى فيه مرض سبعة وخمسين يوما، فلما أكله القاصد فمرض سبعة وخمسين يوما ، فقال للقاصد لاتخف إن شاء الله تعالى اصطاده مرة أخرى، فلم يقدر له ذلك" [10].

          وأحيانا يضطر الشعرانى لذكر صراع أشياخه ويتجاهل الإنكار عليهم ، فيقول أن الشيخ مدين بعد أن مات طلب محمد ابن أخته الشياخة بعده فى الزاوية فخرج له الشيخ الشويمى بالعصا وقال له " إن لم ترجع يامحمد وإلا استلفتك من ربك "[11]. ويقول فى ترجمة أبى المواهب الشاذلى الذى احتكر الأضواء فى محيط الشاذلية الوفائية " وكان أولاد أبى الوفاء لايقيمون له وزنا لأنه حاكى دوواينهم وصار كلامه ينشد فى الموالد والاجتماعات والمساجد على رءوس العلماء والصالحين فيتمايلون طربا من حلاوته، وما خلا جسد من حسد، وكان هو معهم فى غاية الأدب والرقة والخدمة وأمسكوه مرة وهو داخل يزور السادات ، فضربوه حتى ادموا رأسه ، وهو يبتسم ويقول أنتم أسيادى وأنا عبدكم"[12]. فالشعرانى يحاول هنا تلطيف جو الصراع بين أبى المواهب والوفائية الشاذلية .

         وأحياناً يورد صراعه مع صوفية عصره ويستعمل تعبيراً مطلفا ًمثل المعارضة ، فيحكى أن فقيرأً جاء إلى زاويته قاصداً "معارضته" ومكث فى الزاوية بدون علم الشعرانى ثلاثة أيام، فأخبر الشيخ حسن الريحانى الشعرانى ثم أخرجه من الزاوية وضربه بعصاه ،فصادف ذلك الفقير الشيخ حسن الريحانىبعد مدة "فطعنه بسكين فى فخذه ،وقال:أنا طعنتك لكونك عارضتنى فى عبد الوهاب[13]. أى أن المعارضة تعنى الضرب بالعصا والسكين. والشعرانى لم يبتدع الصراع بين الأشياخ ولم يبتدع محاولة تخفيفه بالكرامات والمصطلحات، فقد كان ذلك موجوداً قبله ، ففى تحفة الأحباب يروى السخاوى عن أحدهم قوله "ولم أزل فى خدمة الشيخ حتى قيل لى:إن لم تتركه أعميناك"[14].

 

التنافس على الدنيا والنصب على الناس :

          بانتشار التصوف وتكاثر عدد الأشياخ وصراعهم حول الشهرة صار لكل منهم " نقيب" وهو أشبه بالمتعهد أو وكيل الأعمال.وظيفته نشر صيت الشيخ خصوصاً عند أصحاب الجاه،يقول الشعرانى " صار النقباء يمدحون شيخهم عند الأمراء وكبراء البلاد ونحوهم ممن يتوهمون حوله البر "[15] .أى الأموال .

     وافتخر الشعرانى على عادته أنه لم "يزاحم أحداً على تدريس علم أو وظيفة "ويفتخر أيضاًبعدم مبادرته للإنكار على من رآه يسعى على وظائف إخوانه "[16]. والمزاحمة على الوظائف والصراع حولها كان شيمة العلماء فى العصر – وأغلبهم فى القرن العاشر – صوفية .

        أما الأشياخ الصوفية الذين لا حظ لهم فى العلم فقد وجدوا مجالهم فى ادعاءات الكرامات وعن طريقها " نصبوا" على الناس وأكلوا أموالهم بالباطل وصدق الله العظيم " ياأيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله .. التوبة 34"

 

النصب على الناس:

        يقول الشعرانى " كثر النصب في أهل هذا الزمان، فصار أحدهم يوقف النقيب مثلاً ينصب له عند الأمراء أو مشايخ العرب ،ثم إذا أتاه به يختص به ولا يعطى النقيب الذى نصب وتعب شيئاً [17]. إذن فتعبير

" النصب" ليس من عندنا وإنما قاله الشعرانى ليصف أشياخ عصره النصابين الذين ينصبون ليس على الأمراء ومشايخ الغرب فقط وإنما ينصبون أيضا على النقيب أو الذى يأتى بهم فيحرمه الشيخ من عمولته فى النصب.

         ويقول الشعرانى " منهم من يقبل المال على اسم الفقراء ويسمَى لصاحب المال أسماء خلائق على غير مسمى ، ويوهمه أنه يفرق المال عليهم"[18]. ويعد الشعرانى طرقا أخرى لنصب الصوفى يذكرها مفتخرا بعدم وقوعها منه كما يفعل أشياخ الصوفية من استجلاب حضور الأمراء عنده" كما يفعل النصابون فيغمز أحدهم نقيبه أن يقول له إذا جلس عنده أمير : إن الباشا أرسل لكم السلام مع شخص من جماعته ويقول لكم لاتخلوه من نظركم فإنه فى بركتكم ، فيسمع ذلك الأمير فيحكى ذلك للأمراء فيترددون عليه "، ويحكى الشعرانى أن أحدهم رأى فى خلوته شخصا فادعى أنه الرسول(ص) جاء يزوره " وبعضهم يدعى أن الخضر يزوره ، وينزل شخصا من طاقة فى سقف البيت فإذا قرب من الأرض أمر الحاضرين بالقيام إليه والتبرك به ثم يغمز الذى أنزله أن يرفعه" "وبعضهم كان لايحمل الحملة إلا بفلوس وثياب " فجاءتهه زوجة أمير فقالت إن الأمير يريد أن يتزوج عليها لأنها لاتلد وطلبت منه أن يسأل الله أن يعطيها ولدا ، فقال لها: هاتى مامعك من الفتوح ، فأعطته أسورة كانت فى يدها فقال لها " هذه ما تكفى حلاوة الصبى وإن لم تعط أختها لى جاءت أنثى بعون الله تعالى " فأعطته الأسورة الثانية فقال لها تأتى بولد وفى يده اليمنى أصبع زائدة ". ويحكى الشعرانى أنه قضى حاجة لأحدهم ورفض  أن يأخذ منه مالا، ثم حدث أن مرض ولد لذلك الشخص فجاءه أحد الصوفية وطلب منه خمسين دينارا على أن يشفى ابنه فأعطاه المبلغ ثم أصبح الولد ميتا فى اليوم التالى ، فطلب الرجل ماله من الصوفى فلم يعطه له، وقد نصب هذا الصوفى بنفس الطريقة على أحد الكبار بنفس الطريقة[19].

          والشعرانى الذى شهدناه يحتج على " النصابين" من الصوفية نراه فى كتابه " البحر المورود" يكثر من استعمال لفظ " الصيد" للفقراء الصوفية ، وكلمة " الصيد" لاتختلف عن كلمة " النصب" فيقول مثلا  " ينبغى للشيخ إذا رأى نفسه قد صار قليل الصيد للفقراء أن يعلمهم بسبب توقف الرزق " ويقول " وصار شيخ الفقراء لايقدر يصطاد لهم رغيفا إلا بألف حيلة" ويقول" وقد صارت الزوايا الآن مصيدة للدنيا"[20].

        ثم يستعمل الشعرانى بنفسه لفظ النصب ويدعو له، فيقول " ينبغى للشيخ إذا لم يعلم فى جماعته الصدق فى طلب طريق الله تعالى أن ينصب لهم حتى يقوى يقينهم وأجره على الله ، وصورة نصبه أن يقول عندى فقراء صالحون يعنى صالحون للجنة أو النار ، ومقصودى أحد من أهل الخير يبرهم بشىء من الخبز أوشىء من العسل ، ثم إذا جاء ذلك المحسن يوما إلى زاويتهم فيأمرهم بالإشتغال بالذكر والقرآن حتى يداوم عليهم ذلك البر وإلا تحول باطنه، وقال: فى سبيل الله حسنتى لهؤلاء ياليتنى أعطيتها لغيرهم"[21]. والشعرانى هنا يضفى المشروعية على " النصب" حين يمارسه ، فى نفس الوقت الذى ينقم فيه على الآخرين من الأشياخ المنافسين له احتيالهم ونصبهم ..

        على أن النصب قديم فى تاريخ التصوف ففى بداية العصر المملوكى فى مرض الصالح بن قلاوون

 ت 786 بعث السلطان قلاوون للشيخ محمد المرجانى يدعوه فأبى أن يجتمع به ، فحمل إليه مع الطواشى خمسة آلاف درهم ليعمل بها وقتا للفقراء " حتى يطلبوا ولد السلطان من الله تعالى " فقال له : سلم على السلطان وقول له متى رأيت فقيرا يطلب أحدا من الله ، فإن فرغ أجله فوالله ماينفعه أحد وإن كانت فيه بقية فهو يعيش ورد المال. وطلع الشيخ عمر خليفة الشيخ أبى السعود إلى السلطان وقد دعاه ليدعو للصالح فقال لله أنت رجل بخيل مايهون عليك شىء ولوخرجت للفقراء عن شىء له صورة لعملوا له وقتا وتوسلوا إلى الله أن يهبهم ولدك لكان يتعافى، فأعطاه السلطان خمسة آلاف درهم عمل بها سماعا ثم عاد إلى السلطان وقال له طيب خاطرك ، الفقراءكلهم سألوا الله فى ولدك وقد وهبه الله لهم ، فلم يكن غير قليل حتى مات الصالح ، فقال السلطان : ياشيخ عمر أنت قلت أن الفقراء طلبوا ولدى من الله ووهبه لهم ، فقال له على الفور : نعم الفقراء طلبوه ووهبهم إياه ألا يدخل جهنم ويدخله الجنة ، فسكت السلطان[22].

        

التحايل:

          وبعض النصب يبلغ درجة التحايل الذى يعاقب عليه القانون مثل خيانة الأمانة ، ففى سنة 794 عزل برقوق شيخ الخانقاه أصلم الأصفهانى وسلمه لشاد الدواوين على حمل مائتى ألف درهم ، لأن برقوق حين أختل أمره بثورة الأمير يلبغا الناصرى ومسيرته للقاهرة همَ بالهرب، وأعطى أصلم خمسة آلاف دينار وواعده أن ينزل إليه ويختفى عنده فلم يف له أصلم بذلك وتغيب عنه ، واضطر برقوق للإختفاء عند غيره ، فلما عاد إلى الملك طلب منه الخمسة آلاف دينارعلى لسان الداودار فرفض أصلم وقال:" تصدقت بها على الفقراء ،فلما ألح عليه الدوادار قال: أعلم السلطان أنى سأجمع الفقراء من الزوايا والربط وألزمهم بإعادة ماتصدقت به عليهم، وأقول لهم إن السلطان قد رجع فى صدقته فإنه لم يدفع هذا المال لى إلا لأتصدق به ،لا أنه وديعة عندى " ولم يستطع السلطان الرد فسكت ولكنه أسرها فى نفسه وصبر حتى نمى إلى علمه أن تاجرا ترك عند أصلم فى الخانقاه عدة أحمال هربها من المكوس، فأمر بطلبه من الخانقاه وعزله وصادره[23].

         وتزايدت قصص الاحتيال بكثرة الأشياخ وسيطرة التصوف المطلقة منذ القرن التاسع . وكان ضحايا الأشياخ هم الأثرياء المعتقدون فى الأولياء ، ويذكر أبوالمحاسن فى ترجمة الأمير الطيبرسى بن عبدالله إنه كان سليم الباطن محبا للفقراء ، جاءه يوما بعض الفقراء وقال له اشتريت لك جارية ما دخل هذا الأقليم مثلها بخمسة عشر ألف درهم، فوزن له الثمن ، فقال وأزيد ثلاثة آلاف درهم لكسوتها فاعطاه، ثم جاءه الفقير بعد ذلك وقال له " قد زوجتها لك بواحد من رجال الغيب ، فما أنكر ذلك"[24].

         ووقع قايتباى ضحية لمحتال صوفى آخر عرف أن السلطان يعتقد فى الشيخ الدشطوطى، وأن الدشطوطى يتردد إلى مكان معين بالقرافة بعد العشاء، فنزل السلطان إلى ذلك الشخص وكان جالسا وقد أخفى وجهه فأخذ السلطان يقبل رجليه ويقول يا سيدى احمل حملتى مع ابن عثمان ، فاخذ ذلك الشخص يتمنع عليه ويقول له : أنت ما ترجع عن ظلم العباد ، فطال المجلس بينهما ثم أعطاه السلطان كيسا فيه ألف دينار ، ثم ركب ومضى وهو يعتقد أنه الدشطوطى ثم بعد أيام " انكشفت هذه الواقعة وظهر أنها مفتعلة"[25].

        ويروى الشعرانى نفس الواقعة يقول " وكان السلطان قايتباى يمرغ وجهه على أقدامه" أىالدشطوطى " ومن مناقبه أنهم زوروا عليه برجل كان يشبهه فأجلسوه فى تربة مهجورة فى القرافة ليلا، وراحوا للسلطان وقالوا له أن سيدى عبدالقادر الدشطوطى يطلبك بالقرافة فنزل إليه وصار يقبل أقدامه ، فقال الرجل المزور الفقراء يحتاجون لعشرة آلاف دينار فقال السلطان بسم الله فمضى ثم أرسلها له"[26].

         وذكر الشعرانىقصصا كثيرة عن تحايل الأشياخ فى عصره منها أن الشيخ السنهورى الضرير جمع خمسة وعشرين دينارا " على نية التزويج فبلغ ذلك شخصا من المشايخ اسمه الشيخ حسن النطاح كان من شأنه أن له مثل ركبة العنز موضع السجود وله شعرة مضفورة .. ويذكر الله معنا فى كل مجلس حتى يصير له رغاء كرغاء البعير من الهيام ، فأتى هذا الشيخ إلى السنهورى وقال له يأخى أعجبنى خيرك ودينك ولى بنت عظيمة الجمال ماأحببت أن يأخذها أحد غيرك ، وأعطونى فيها ثلاثين دينار، وأنا أرضى منك بعشرين دينار فأتى بهم الضرير له فى صرة، وقال : تحضر عبدالوهاب ( الشعرانى) معنا، فقال أما ترضى أن يكون الله شاهدا لك فقال الضرير نعم، فأخذهم وراحوا إلىتاريخه"[27].

         وأودع أحدهم عند بعض الأولياء ( ألف نصف) وعندما طالبه بها أنكر، وهمَ أصحاب الشيخ بتكفيره، ويقول الشعرانى معلقا" إياك  ياأخى أن تعطى شخصا فى هذا الزمان وديعة بلا شهود"[28]. وبعضهم كان يستدين ويستغل نفوذه فى أكل المال الباطل ، فبعض الأشياخ استدان " حتى صار عليه مال عظيم فاجتمع عليه أرباب الديون وارادوا  حبسه" ، فقام المريدون على أصحاب الديون وقالوا" كيف تحبسون ولد سيدى الشيخ" فلم يصل لأصحاب الديون شىء حتى وقت الشعرانى.[29]

         وبعضهم وصل من الإحتيال إلى السرقة الصريحة مثل علاء الدين الرومى شيخ الخانقاه الأشرفية ، يقول عنه ابن حجر " صرف علاء الدين الرومى عن مشيخة الأشرفية لأن شخصا من الصوفية مات وخلف مالا جزيلا فاحتاط عليه ، ونقل  عنه أمور فاحشة"[30].

        وحاولت الكرامات أن تموه على وقوع بعض الأشياخ فى السرقة وضبطهم متلبسين فهناك أسطورة عن صوفى اتهم بسرقة درة وضبطت معه، وانتهت الأسطورة بأن دعا الله ـ وكان الجميع فى البحر ـ فطلع البحر كله حيتانا تمتلىء أفواها بالدرر، ثم ألقى بنفسه فى اليم [31].وأسطورة أخرى عن صوفى نام إلى جانب دكان فسرق الدكان وتنتهى الحكاية بمقالة الصوفي: إن من عباد الله من يقول لهذا الطين صر ذهبا فيصير ذهبا، وحين قال ذلك صارالطين الذى إلى جانبه ذهبا، فقال له عد كما كنت"[32].

         وبعضهم سرق وقتل مثل شعبان بن شيخ الخانقاه البكتمرية الذى خدع امرأة فخنقها ودفنها فىتربة وأخذ ثيابها ، وكانت لها قيمة"[33].

         ثم أتاح التصوف مجالات أخرى للتحاي ليجمعها مفهوم الشعوذة.

 

 

 

 

 

 

" الشعوذة الصوفية والتحايل المالى"

 

قبل العصر المملوكى:

        يقول الغزالى عن طوائف المشعوذين فى عصره أو" المكدين"" إنهم افتقروا إلى حيلة فى استخراج الأموال وتمهيد العذر لأنفسهم فى البطالة ، فاحتالوا للتعلل بالعجز، إما بالحقيقة كجماعة يعمون أولادهم وأنفسهم بالحيلة ليعذروا بالعمى فيعطون، وإما بالتعامى والتفالج والتجانن والتمارض ، وإظهار ذلك بأنواع من الحيل مع بيان أن تلك محنة أصابت من غير استحقاق ليكون ذلك سبب الرحمة".

        " وجماعة يلتمسون أقوالا وأفعالا يتعجب الناس منها حتى تنبسط قلوبهم عند مشاهدتها فيسخو برفع اليد عن قليل من المال فى حال التعجب ثم فالندم بعد زوال التعجب ولاينفع الندم، وذلك قد يكون بالتمسخر والمحاكاة والشعبذة والأفعال المضحكة،وقد يكون بالأشعار الغريبة والكلام المنثور المسجع مع حسن الصوت والشعر الموزون أشد تأثيرا فىالنفس لاسيما إذا كان فيه تعصب يتعلق بالمذاهب كأشعار مناقب الصحابة وفضائل أهل البيت أو الذى يحرك داعية العشق من أهل المجانة كصنعة الطبالين فى الأسواق ، وصنعة بما يشبه العوض وليس بعوض كبيع التعويذات والحشيش الذى يخيل بائعة أنها أدوية فيخدع بذلك الصبيان والجهال، وكأصحاب القرعة والفأل من المنجمين ، ويدخل فى هذا الجنس الوعاظ والمكدون على رءوس المنابر إذا لم يكن وراءهم طائل.. وكان غرضهم استمالة قلوب العوام وأخذ أموالهم بأنواع الكدية، وأنواعها تزيد ألف نوع وألفين ، وكل ذلك استنباط بدقيق الفكرة لأجل المعيشة"[34].

         ويتجاهل الغزالى أثر التصوف فى أولئك الذين أنكر عليهم، فهم متسولون وقد سبق الربط بين التصوف والتسول ، ثم هم يستخدمون أساليب التصوف من التجانن ـ أو الجذب الصوفى ـ وأشعار المدح للصحابة آل البيت ، مع العشق ـ وصلته بالتصوف عضوية ـ ثم بيع الحشيش ـ أو لقيمة الفقراء الخضراء، ثم التنجيم ـ وهو نوع من الكشف الصوفى وفى النهاية الوعاظ الصوفية على رءوس المنابر.

        ثم يعترف الغزالى بأن أولئك الصوفية ـ الذين ينكر عليهم الغزالى نسبتهم للتصوف ـ يتخذون من المساجد مجالا لنشاطهم فينكر عليهم التحلُق أو" الحلق يوم الجمعة لبيع الأدوية والأطعمة والتعويذات ، وكقيام السؤال ـ المتسولين ـ وقراءتهم للقرآن وإنشادهم للأشعار ومايجرى مجراه، فهذه الأشياء منها ماهو محرم لكونه تلبيسا وكذبا كالكذابين من طرقية الأطباء وكأهل الشعبذة والتلبيسات ، وكذا أرباب التعويذات فى الأغلب يتوصلون إلى بيعها بتلبيسات على الصبيان والسوادية ، فهذا حرام فى المسجد وخارج المسجد"[35].

         وبازياد التصوف تخصص من الصوفية طائفة فى مجال الشعوذة وهم" بنوساسان" يقول عنهم الجويرى فى العصر المملوكى " أصحاب المكر والدهاء والحيل ولهم جسارة علىكل مايفعلونه، ولهم ألف باب وباب ، فمنهم الفقراء والمدرعون وأصحاب القرود والدبب.. إلخ"[36].

 

التحايل والعلم اللدنى:

         وادعاء العلم اللدنى ومشتقاته هو الأساس فى ممارسةالصوفية للشعوذة فى عصر الغزالى ومابعده ، وإذا راجعنا أقاويل الصوفية المشهورين فى عصرنا المملوكى أيقنا أنهم لايختلفون عن باقى المشعوذين فالدسوقى يقول"إذا كمل العارف فى مقام العرفان أورثه الله علما بلا واسطة، وأخذ العلوم المكتوبة فى ألواح المعانى ففهم رموزها وعرف كنوزها وفك طلسماتها وعلم اسمها ورسمها ، وأطلعه الله تعالى على العلوم المودوعة فى النقط، ولو لا خوف الإنكار لنطقوا بما يبهر العقول ، وكذلك لهم إشارات العبارات عبارات معجمة وألسن مختلفة، وكذلك لهم فى معانى الحروف والقطع والوصل والهمز والشكل والنصب والرفع مالا يحصر ولايطلع عليه إلاَ هم، وكذلك لهم الإطلاع على ماهو مكتوب علىأوراق الشجر والماء والهواء ومافى البر والبحر وماهو مكتوب على صفحة قبة خيمة السماء، ومافى جباه الأنس والجن مما يقع لهم فى الدنيا والآخرة ، وكذلك له الإطلاع على ماهو مكتوب بلا كتابة من جميع مافوق الفوق وماتحت التحت "[37].

          وكان أبوالعباس المرسى " يتحدث فى العقل الأكبر، والاسم الأعظم وشعبة الأربع، والأسماء والحروف ودوائر الأولياء ، وامداد الأذكار ، ومقامات الموقنين، والأملاك المقربين عند العرش، وعلوم الأسرار ، وامداد الإنكار ، ويوم المقادير، وشأن التدير ، وعلم البدء، وعلم المشيئة ، وشأن القبضة ، ورجال القبضة ، وعلوم الأفراد ، وماسيكون يوم القيامة من أفعال الله مع عباده..إلخ[38]. وكان يقول" لولا ضعف العقول لأخبرت بما يكون غدا، وكان يمسك بذقنه ويقول لو علم علماء العراق والشام ماتحت هذه الشعرات لأتوها ولو سعيا على وجوههم[39].  وادعى أفضل الدين الشعرانى أنه استخرج من سورة الفاتحة مائتى ألف علم ونيفا وأربعين ألف علم"[40]. وابراهيم المتبولى كان صوفيا أميا ومع ذلك يدعى " أعطيت استخراج العلوم من القرآن العظيم من فقه وأصول ومعان وبيان وجدل وعروض وغيرذلك ، فلو جلس إلى مصنف نظيف القلب من الأدناس خال من الحسد لبينت له مادة كل علم وأوضحت له ذلك حتى لايبقى عنده فى ذلك شك"[41]. ويقول المتبولى أيضا" لايكمل الرجل عندنا حتى يعلم حكمة كل حرف تكرر فى القرآن ، ويخرج منه سائرالأحكام الشرعية إذا شاء"[42].

         ولو تخيلنا الدسوقى أو المرسى أو الشعرانى أو المتبولى ـ واقفا فى مجتمع يعلن هذه الادعاءات لما اختلف وضعه عن باقى المشعوذين . ولكن أولئك من مشاهير الأولياء ولا يزالون، مما يعنى أن الشعوذة بالعلم اللدنى تعتبر أصلا من أصول التصوف، وعن طريق هذه الشعوذة اكتسب أولئك الأشياخ الشهرة والأموال بالنذور والقرابين.

 

علوم وهمية للتحايل:

          لقد ادعى بعضهم علوما وهمية لاوجود لها إلا فى مخيلته ، واخترع لها العناوين مثلما فعل الدسوقى والمرسى، وآخرون ادعوا علوما محددة وثيقة الصلة بادعاء العلم اللدنى مثل علم الحرف والسيمياء والاسم الأعظم والمطالب والرمل، هذا بالإضافة للكيماء وهى بدورها وثيقة الصلة بادعاء الكرامات .. واتخذ بعضهم من ادعاء هذه العلوم وسيلة للتحايل وأكل أموال الناس بالباطل..

       وقد وصف الكثيرون بمعرفة تلك العلوم مجتمعة، فقيل عن الشيخ أمين الرهان الطيب ت743 أنه كان عالما بالكيمياء " إلى غير هذا مما كان مغرى به من الروحانيات واعتقاد مايقال من المخاطبات النجومية"[43]. وكان شيخ الطريقة ابن الشاهد المنجم ت 801" عارفا بحل الزيج متقنا لفقه عمله فى كتابة التقاويم، وكان يعرف الضرب بالرمل وغير ذلك من الأمور الغيبية مع سلامة فيه وملازمة لبيته"[44]. أى مع اتصافه بالصفات الحسنة كان يدعى علم الحرف ويضرب الرمل وعلم الغيب ، وبسبب معرفة احدهم بالرمل وغيره ـ كما يقال عن ابن الميقاتى ت 801 ـ قربه الظاهر برقوق وجعله شيخ طريقة[45].

        أما ابن زقاعة (724ـ 816) فقد كان مشهورا ـ فى اعتقاد عصره ـ بكونه "إماما بارعا متفننا فى علوم كثيرة ، ولاسيما معرفة النبات والأعشاب والرياضة والتصوف" مع علم الحرف ومعرفةالاسم الأعظم والنجوم والكيمياء[46]. وحين تجرد ابن بهادر ت816 للتصوف وتعلم علم الحرف أقام بمنزله فقصده الناس لتعلم علم الحرف على يديه. 

 

 باطنيا بترتيب مراتب الفيض فى الأفلاطونية الحديثة والتى أصبحت فيما بعد أهم أصل فى نظرية الإشراق الصوفية أو العلم اللدنى. وقد تكونت الطائفة الحروفية أو النسيمية على هذا الأساس وعرضنا لأفكارهم الانحلالية ، ويبدو أثر علم الحرف فى محاولات الصوفية تحريف الآيات القرآنية حيث تبدأ بعض أحزابهم ببعض الحروف القرآنية كما فى حزب البحر للشاذلى وفيه تردد فواتح ببعض السورمثل حم حم حم حم.. طس حم عسق .. إلخ.

        وقد ظل علم الحرف تقليدا صوفيا معمولا به حتى أوائل هذا القرن يقول أحمد أمين " يزعمون أن لكل حرف سرا وأن أسرار القرآن كلها وضعت فى سورة الفاتحة وأن سر الفاتحة وضع فى البسملة وأن أسرار البسملة وضعت فى حرف الباء وهكذا. وكل حرف له خواص وله أعداد ومن ذلك حروف الجمل وتقابل أبجد هوز. إلخ فالألف بواحد والباء باثنين ويقولون إن بعض هذه الحروف نارى والآخر ترابى وهوائى ومائى، والأعداد للحروف كالأجساد للإنسان وللحروف قوة فى باطن العلويات ،ولها هوة فى باطن السفليات ، وبعضهم يجعل للحروف طبائع فبعضها حار وهى أ، و، ن، م، ع  وبعضها يابسة وهى س ف ب ج وبعضها رطبة وبعضها باردة ، وللحروف اتصالات بالبروج معقدة تسبب العداوة والبغضاء والسعادة والشقاء، ولهم فى ذلك حساب طويل وكتب خاصة"[47].

        ووضعت تطبيقات علم الحرف فيما كتبه أحمد أمين آنفا، وذلك ماكان معمولا به فى العصر المملوكى كمحاولة لمعرفة الغيب فشاع استخدام الحروف وأعدادها، فالسلطان الظاهر تمربغا المملوكى الرومى الأصل ت879 كان يتوهم طول مدته فى الحكم وأن الأمر عاد إلى الروم، وأخذ ذلك من قوله تعالى" سيغلبون ، فى بضع سنين " حيث كانت الباء باثنتين والعين بسبعين والضاد ثمانمأة ، بل زعم ان طالبا شاميا أخبره أنه سمع بسلطنته بمدينة غزة وأنه أخبر بدمشق بمشاهدة درهم عتيق مسكوك باسم الظاهر تمربغا" ويعلق السخاوى قائلا: فالله أعلم[48]. أى أن السخاوى يعتقد فى ذلك.

         وقال شيخ الرباط بالخانقاه البيبرسية "كان أول خروج تيمور لنك فى سنة عذاب، يشيرإلى أن أول ظهوره سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، لأن العين بسبعين والذال المعجمة بسبعمائة والألف والباء بثلاثة، وعد ابن حجر هذه المقالة من لطائف شيخ الرباط[49] ، مع أن الظلم والتجبر كان صفة مشتركة لكل السلاطين فى ذلك الوقت ، وقالوا عن السلطان العزيز يوسف بن برسباى " كانت مدته أربعة وتسعين يوما، ومن الاتفاق الغريب أن عدة حروف عزيز بالجمل أربعة وتسعين[50] ، مع أن مدة سلطنته فيها شك كبير.

         وقال ابن اياس عن انقراض الدولة القلاوونية " وقد صح ما أخبر به أرباب الملاحم" ووفق بين تاريخ انقراض الدولة وأبيات من الشعر قيلت فى ذلك بعد قيام الدولة البرجية[51]. ومعناه أن أصحاب علم الحرف كانوا يحاولون إثبات دعواهم بشتى الطرق.

          ومن مشاهير الأولياء الصوفية المعتقدين أصحاب علم الحرف كان شرف الدين الأخميمى[52]. ت648، وأبوذر[53]. ت780 الذى قدم القاهرة وكان يعرف علم الحرف ويدرس كتب ابن عربى فاعتقده الناس، ومثله شهاب الدين أبوالعباس الذى كان معاصرا له وقد قدم مصر وأقام بها مدة ، وتردد إليه الناس " وكان ينسب إلى علم الحرف وكان عنده التصوف كما ينبغى"[54].ثم هناك آخرون مثلهم مثل السبى[55]. ونصر العجمى[56]. وأبوبكر الجبرتى العابد[57]، وإلىعلم الحرف نسب الشيخ محمد بن على "الحرفى" ت806 الذى كان من خواص الملك الظاهر[58].

        وكان علم الحرف من ضمن العلوم التى درسها زكريا الأنصارى ، أخذه عن ابن قرقماس الحنفى[59]. وقال الشاعر ابن نباته:

             عندى غلام بعلم الحرف مشتغل       وأى حرف إلى الفحشاء منحرف

             أحكى الأنام لدال فى تفاجعــه       وانفق الناس من ميم على ألف [60]

         وبعضهم ساعدته الظروف فوصل بعلم الحرف إلى الشهرة لدى الحكام ومنهم ابن زقاعة ت 816 الذى" كان عارفا بالأوفاق ومايتعلق بعلم الحرف ، مشاركا فى القراءات والنجوم وطرف من الكيمياء، وقد عظمه الظاهر ـ برقوق ـ جدا بحيث كان لايسافر إلا فى الوقت الذى يحدده له"[61]. " والناس فيه فريقان فريق على أنه ولى ويحكى عنه خوارق وفريق يزعمون أنه مشعبذ "  وظهر تحايله لدى السلطان برقوق فأعرض عنه ثم مالبث أن علا نفوذه لدى ابنه السلطان الناصر فرج حتى كان لايخرج إلى السفر إلا بعد أن يأخذ له الطالع" إلا أن السلطان التالى المؤيد شيخ نقم عليه وأهانه ثم أعرض عنه فترك القاهرة وعاد إلى موطنه فى غزة[62].

          وقال المقريزى عن الشيخ الزعيفرينى ت830" كان يزعم معرفة الحرف ويستخرج من القرآن مايريد معرفته من الأخبار بالمغيبات"[63]. أى أن المقريزى لايصدقه ويعتبره محتالا وذلك ماقاله عنه السخاوى المؤرخ " كان يزعم أنه يعلم علم الحرف ويستخرج من القرآن مايعلم به علم المغيبات ، وخدع بذلك طائفة من الأمراء فىالأيام الناصرية وغيرهم من الأكابر"[64] والخداع معناه الحصول على أموال كثيرة ، يقول عنه ابن حجر" كان يتكلم فى علم الحرف ويخبر عن المغيبات ، لذلك مال إليه جماعة من الأكابر وأثرى" [65]. أى تحايل بعلم الحرف على أكل أموال الناس بالباطل فأثرى.

          وقال ابن حجر عن الشيخ جلال الدين الرويانى ت 833 " تجرد ، وبرع فى علم الحكمة والتصوف وقدم القاهرة مجردا، واتصل بأمراء الدولة وراج عليهم لما ينسب إليه من معرفة الحرف وعمل الأوفاق، وله عدة تصانيف فى علوم الحرف والتصوف منها: غنية الطالب فيما اشتمل عليه الوهم من المطالب، وأعلام الشهود بحقائق الوجود" وتحدث ابن حجر عن وسيلته فى الشهرة " وكان مفضالا  مطعاما للفقراء فهرعوا إليه ولازموه، وقام بأمرهم فصيرهم سوقه التى ينفق عليها وينفق بها" واستخدم فى ذلك الغرباء الذين جمعهم حوله ينفق بها واستخلص بسبب ذلك الأموال من الأمراء وغيرهم حتى كان كثير من الأمراء يفرد له من اقطاعه أرضا يصيرها رزقه، ثم يسعى هو حتى يشتريها"[66].

        وبعضهم لم يكن فى براعة جلال الدين الرويانى مثل الشيخ أصلم شيخ خانقاه سرياقوس أعظم الخوانق فى العصر وشيخها هو شيخ الشيوخ ، وقد ادعى معرفة علم الحرف[67]. وتحايل على السلطان برقوق فعزله وصادره " كما سبق بيانه ، وقد عارض بعض الفقهاء علم الحرف فيقول عنه الذهبى " إن الدخول فىعلم الحرف ينافى طريق السلف وهو فى شق وماجاء به الرسول فى شق، وهو فى حرمة الله تعالى بقوله: وأن تقولوا علىالله مالا تعلمون، وقال النبى( ص) إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، وعلم الحرف نسبه الكهانة والنجوم ،بل هو شر منه، فنسأل الله أن يحفظ علينا إيماننا"[68]

 

السيمياء :

         من تطبيقات علم الحرف ، وتخصصت كما يقول السبكى فى إحداث المرض أو المحبة أو البغض أو التفريق بين زوجين على وجه الحقيقة أو تكون تخييلا لا حقيقة له ، ويفرق بينهما وبين الشعبذة فى أن الأخيرة مبنية  على خفة اليد والأخذ بالبصر[69]. ورأينا اتصاف الكثيرين بعلم السيمياء ، ومن ذلك مايقال عن الهرماس الصوفىأنه" كان يعرف أشياء من السيمياء"[70]

 

المطالب :

         وهى عبارة عن طلب استخراج الكنوز المدفونة فى باطن الأرض من آثار الفراعنة ، وطالما أن العصر المملوكى يعتقد فى علم الصوفية بالغيب فمن المنتظر أن يكون " علم المطالب" من ممارسات الصوفية وطرقهم فى التحايل.

       وقبل العصرالمملوكى زارمصر المؤرخ الطبيب عبداللطيف البغدادى وقال عن آثارها " ومازالت الملوك تراعى بقاء هذه الآثار وتمنع من البعث فيها والعبث بها وإن كانوا أعداء لأربابها.. وأما فى زمننا هذا فترك الناس سدى وسرحوا هملا وفوضت إليهم شئونهم ، فتحركوا بسبب أهوائهم وجروا نحو ظنونهم واطماعهم ..فلما رأوا آثارها هائلة راعهم منظرها وظنوا ظن السوء .. وكان جُل انصراف ظنونهم إلى معشوقهم . وهو الدينار.. فهم يحسبون كل علم يلوح لهم أنه علم على مطلب وكل شىء منظورفى جبل أنه يفضى إلى كنز وكل صنم عظيم أنه حاصل لمال تحت قدميه.. فصاروا يعملون الحيلة فى تخريبه ويبالغون فى تهديمه ، ويفسدون صور الأصنام افساد من يرجو عندها المال .. وينقبون الأحجار نقب من لايتمارى أنها صناديق مقفلة على ذخائر .. ومن كان من هؤلاء له مال أضاعه فى ذلك . ومن كان فقيرا قصد بعض المياسير وقوى طمعه وقرب أمله بإيمان يحلفها له وعلوم يزعم أنه استأثر بها دونه وعلامات يدعى أنه شاهدها"[71].

        وقد وضح فى هذا النص ماعاينه عبداللطيف البغدادى من تدمير للآثار الفرعونية بحثا عن الكنوز والمطالب ، وكيف أضاعوا الأموال فى ذلك البحث المحموم ، والسلطة الأيوبية لم تتدخل فى الأمر وتركتهم وشأنهم ، وأن بعض الفقراء ـ أى الصوفية ـ كانوا يخدعون الأثرياء ويطعمونهم بتمويل عمليات البحث ويدعون بالعلم اللدنى معرفتهم بالكنوز.

        وقد كثر عددهم فى عصر ابن خلدون فقال عنهم " كثير من صغار العقول يحرصون على استخراج الأموال من تحت الأرض ويبتغون الكسب من ذلك، ويعتقدون أن أموال الأمم السابقة مختزنة كلها تحت الأرض .. مختوم عليها كلها بطلاسم سحر لايفضُ خاتمها ذلك إلا من عثر على علمه واستحضر مايحله من البخور والدماء والقربان" أى أنهم بعد أن عجزوا عن الوصول للكنوز الفرعونية التى أجاد أصحابها إخفاءها وجدوا المخرج فىالإدعاءات الصوفية فى الطلاسم والبخور والدماء والقرابين، أى استرجاع بعض الممارسات الفرعونية . وبذلك ازداد ارتباط المطالب بالتصوف والتحايل . وبانتشار التصوف ازداد عددهم ، يقول ابن خلدون " ووجدوا لهم سوقا رائجة فى مصر حيث قبور القبط منذ آلاف السنين مظنة لوجود توابيت الذهب فيها، لذلك عنى أهل مصر بالبحث عن المطالب حتى أنهم حين ضربت المكوس علىالأصناف آخر الدولة ضربت علىأهل المطالب وصدرت ضريبة على من يشتغل بذلك من الحمقى والمتهوسين، فوجد بذلك المتعاطون من أهل الأطماع الذريعة إلىالكشف عنه والتذرع باستخراجه ، وماحصلوا على الخيبة فى جميع مساعيهم"[72].

         والدلجى ــ من تلاميذ ابن خلدون ـ يبحث إمكانية العثور على المطالب بالطرق الصوفيةفيقول " وأما المطالب فلا بحث فى إمكان أن يجد الشخص دفينا جاهليا أو أسلاميا على الاتفاق والصدف،إنما البحث فى أن تحت الأرض مساكن وعمارات مبنية ، وفيها كنوز وأموال عظيمة ، وعليها موانع وطلسمات ، ولتلك الموانع طرق تزول بها ، وعلى تلك المطالب علامات وامارات يتوصل بها إلى أمكنتها ويستدل عليها بها ، فهذا من مخارق المحتالين[73].

          وقد أشارت الحوليات التاريخية إلى بعض ماذكره البغدادى وابن خلدون والدلجى . فيذكر ابن حجر أن بكتوت القرمانى ت749 كان " مغرى بالمطالب والكيمياء مع كثرة أمواله"[74]. وحين سافر الغورى سنة 918 للتنزه عند الأهرامات أشاعوا أنه ذهب بسبب مطلب"[75]ورويت حكاية عن بعضهم مضمونها العثور على كنز ذهبى بجوار الأهرام[76]. وبعضهم أضاع أمواله فى المطالب دون جدوى مثل الشيخ شمس الدين الصالحى ت843  الذى " كان مولعا بالمطالب ينفق عليها مع التقتير على نفسه"[77] . وابن قاسم العاجلى 835 الذى "غلب عليه حب المطالب فمات ولم يظفر بطائل"[78]. ومثله أبو البقاء الشيبانى ت835[79].

          وفى القرن العاشر حين أيقن البعض من عبثية الحصول على المطالب بالطرق الصوفية قال مقالة الشعرانى " الفقراء الصادقون فى غنية عن عمل الكيمياء وفتح المطالب"[80]. إلا أن الأغلبية كانوا يقعون فريسة لتحايل الصوفية من مدعى فتح المطالب وفك الطلسمات السحرية، وكانوا يقدمون لأولئك المحتالين مايريدون حتى الطعام والشراب والزنا بالزوجات كما ذكر الشعرانى.

           واحتل جامع الحاكم مرتبة هامة فى عقيدة الباحثين عن المطالب ، ربما لنسبته إلى الحاكم بأمر الله الفاطمى الذى ادعى الإلوهية وأحاطت الأسرار بنشأته وحياته ومقتله وآمن بعضهم برجعته بعد موته ، وكان من حوادث سنة 841 أن بعضهم أقنع السلطان برسباى بأن إحدى الدعامات فى جامع الحاكم مملوءة ذهبا، وركب السلطان إلى الجامع فعلم عجزه عن ذلك وقال " أن الذى نأخذه من الدعامة يصرف على عمارة مانهدمه ولا ينوبنا غير تعب السر"[81].

         وفى سنة 857 أمر السلطان بهدم مكان مبنى على يمين محراب  جامع الحاكم لأن شخصا قال للسلطان: عندى مايدل على أن بالموضع الفلانى صندوق بللور فيه أوراق تدل على خبيئة بالجامع المذكور ، يقول أبو المحاسن " فأمر السلطان بهدمه فى حضرة الشخص المذكور فلم يجدوا إلا التعب وانتشار القالة"[82].

         وفى سنة 871 أخبر مغربى جيران جامع الحاكم أن به كنزا عظيما وعلامة ذلك أن يجدوا بعد الحفر قبة كبيرة ، وذكر أنهم وجدوا القبة وتحتها مايشبه القاعة [83].

        وفى سنة 914 يذكر ابن إياس أن بواب جامع الحاكم طلع للسلطان وذكر له أنه رأى فى المنام قائلا يقول له: قل للسلطان أن فى جامع الحاكم فى بعض دعائمه دعامة تحتها دنانير ذهب لاينحصر عددها، فمال السلطان لكلامه وأرسل خاير بك الخازندار والمحتسب والمهندسين وسألوا البواب فقال لا أعلم الدعامة التى تحتها الذهب فقال المهندسون مايظهر ذلك حتى نهدم جميع الدعائم التى هنا، فاجتمع الناس وكثر القيل والقال ولم يوافق السلطان على هدم الجامع[84].

         وفيما عدا جامع الحاكم  ذكر ابن إياس أنه احتال تاجر اسمه اببن القماح على صاحب قيسارية وأوهمه أن ببئرها كنزا واستطاع بذلك أن يسرق القيسارية [85] .. ومعناه أن التحايل فى المطالب لم يعد قصرا على الصوفية.

        ولايزال التحايل بالمطالب مستمرا على فترات متقطعة فلا تزال المطالب تعيش فى الضمير الشعبى لارتباطها الدينى بالتصوف وكونها حلما يداعب خيال الناس، ويأتى المثل الشعبى فى عصرنا يقول فى حصيلة المطالب" كل  مطلب وعليه مهلك " ويقول فيمن نزلت عليه ثروة لايستحقها " كلب أجرب وانفتح له مطلب"[86].

        وإلى جانب العلم اللدنى كان اشتهار الصوفية بالكرامات . وعن طريقها كان التحايل على الناس بالكيمياء.

 

الكيمياء( ادعاء قلب الأشياء ذهبا):

 التصوف يحول الكيمياء إلى خرافة:

        يتردد فى الكرامات الصوفية ادعاء قلب الأعيان ذهبا، وقبل التصوف كان الحلم المشهور يراود الجميع بإمكانية تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب، وعن هذا الطريق سارت الكيمياء حتى اكتسبت ذلك المفهوم ، ولما تعذر الوصول إلى هذه النتيجة أمل الباحثون إلى الوصول إلى إمكانية التحقيق عن طريق القوة النفسية أو مايعرف بالكرامة فى عصور التصوف.

        يقول ابن خلدون عن الكيمياء " علم ينظر فى المادة التى يتم بها كون الذهب والفضة بالصناعة". ويشرح العمل الذى يوصل إلى ذلك " فيتصفحون المكونات كلها بعد معرفة أمزجتها وقواها لعلهم يعثرون على المادة المستعدة لذلك حتى من الفضلات الحيوانية .. فضلاعن المعادن ". ثم يشرح الأعمال التى تخرج بها تلك المادة من القوة إلىالفعل مثل حل الأجسام إلى أجزائها الطبيعية بالتصعيد والتقطير. وفى زعمهم أنه يخرج بهذه الصناعات كلها جسم طبيعى يسمونه الأكسير، وأنه يلقى على الجسم المعدنى المستعد لقبول صورة الذهب أو الفضة .. بعد أن يحمى بالنار فيعود ذهب إبريزا، وكلامهم فى الكيمياء الغاز ورموز" أى قائم على غير أساس.

         وفى فصل بعنوان " فى إنكار ثمرة الكيمياء واستحالة وجودها وماينشأ من المفاسد عن انتحالها" يقول ابن خلدون" واعلم أن كثيرا من العاجزين عن معاشهم تحملهم المطامع على انتحال هذه الصنائع ، ويرون أنه أحد مذاهب المعاش ووجوهه وأن اقتناء المال منها أيسر وأسهل على مبتغيه" "وتحقيق الأمر فى ذلك أن الكيمياء إن صح وجودها فليست من باب الصنائع الطبيعية ولا تتم بأمر صناعى ، وليس كلامهم فيها من منحى الطبيعيات، إنما هو منحى كلامهم فى الأمورالسحرية وسائر الخوارق وماكان ذلك للحلاج وغيره .. ومن طلب  الكيمياء .. ضيع ماله وعمله لأنه تدبير عقيم واقع مما وراء الطبائع والصنائع كالمشى على الماء وامتطاء الهواء ونحو ذلك من كرامات الأولياء الخارقة للعادة والكيمياء ربما يؤتاها الصالح وغيره فيكون عملها سحريا"[87].

        فابن خلدون بفكره الثاقب نفى عن الكيمياء فى عصره صفة العلم وألصقها إما بكرامات الأولياء التى يؤمن بها أوبالسحر، وتلميذه الدلجى يتابعه فى رأيه فيقول " أما الكيمياء فلا بحث فى إمكانها على يد ولى من قبيل الكرامات وخرق العادات ولا فى الوصول إلى تصحيح صيغها ظاهرا على وجه التلبيس والغش كما يفعله الفساق، وإنما البحث فى تصيير النحاس ذهبا حقيقة على طريقة صناعية مطردة ، فهذا مما لا أعتقد صحته، وقد صنف الشيخ تقى الدين ابن تيمية رسالة فى إنكارها ، وكذلك ابن القيم الجوزية كما حكاه هو عن نفسه فى كتابه المسمى مفتاح دار السعادة"[88].

       ومن الطبيعى أن يقف العقليون هذا الموقف من الكيمياء طالما ارتبطت بالتصوف والخرافة، وفى الرسالة التى أشار إليها الدلجى يقول ابن تيمية " فصار كثير من الناس لايعلمون ماللسحرة والكهان ومايفعله الشياطين من العجائب، وظنوا أنها لاتكون إلا لرجل صالح فصار من ظهرت له هذه نظن أنها كرامة ، فيقوى قله بأن طريقه هى طريقة الأولياء"[89]. وابن تيمية يظن أن الكيمياء يمكن أن تؤتى ثمرة ويجعلها إحدى الخوارق التى يؤمن العصر بإمكانية وقوعها على يد الولى الصوفى أو السحرة والكهان.

       واليافعى يتحسب لذلك الخلط بين السحر والكرامة فيقول "فإن قال قائل: تشبه الكرامات بالسحر، فالجواب ماأجاب به المشايخ العارفون العلماء المحققون فى الفرق بينهما إن السحر يظهر على أيدى الفساق والزنادقة والكفار .. أما الأولياء فهم الذين بلغوا .. الدرجة العليا، فافترقا:  ثم إن كثيرا من المنكرين لورأوا الأولياء والصالحين يطيرون على الهواء لقالوا هذا سحر أو قالوا هؤلاء شياطين فواعجبا كيف ينسب السحر وفعل الشياطين إلى الأولياء؟[90].

         والشعرانى حاول أن ينزه طريقة الصوفى من الكيمياء وماشاع حولها حين تكاثر ممنتحلوها فى القرن العاشر، فروى أن أخاه افضل الدين الشعرانى أمره بعدم الإصغاء " إلى كلام من يزعم من فسقة المتصوفة أنه يعرف علم الكيمياء فإنه كافر" وأمره بأن يزجر أصحابه الذين يشتغلون بالكيمياء وقال له" كيمياء الفقراء هو أن يعطيهم الله تعالى حرف كن"[91]. يعنى يقول للنحاس مثلا كن ذهبا فيكون ذهبا بدون تعب.

        ولا أدل على ارتباط الكيمياء بالتصوف من أن أشهر علماء الكيمياء العرب وهو جابر بن حيان وصف بالصوفى، وكان من أوائل من تسمى بذلك ، كما أن عثمان بن سويد الأخميمى الصوفى كان من تلامذة جابر بن حيان، وكان فى نفس الوقت وثيق الصلة بذى النون المصرى الصوفى الرائد، وكان ذا النون المصرى من ناحية أخرى فى طبقة جابر بن حيان فى صناعة الكيمياء[92].

 

الصوفية وادعاء الكيمياء:

          والشاذلى حكى عن نفسه " لما كانت فى ابتداء أمرى أطلب الكيمياء واسأل الله فيها قيل لى: الكيمياء فى بولك اجعل فيه ماشئت يعود كما شئت فحميت فأسا ثم طفيته فى بولى فعاد ذهبا"[93]. وهى طريقة عجيبة فى الإدعاء ، ولكنها تتكرر فى المصادر الصوفية عن الشاذلى فيقول فى موضع آخر " كنت أطلب الكيمياء فقيل لى الكيمياء فى بولك"[94].

          وتلميذه أبو العباس المرسى لم يجد بعد كلمة الشاذلى وبوله إلا أن يقول " ماذا أصنع بالكيمياء ؟ والله لقد صحبت أقواما يعبر أحدهم على الشجرة اليابسة فيشير إليها فتثمر رمانا للوقت،فمن صحب هؤلاء الرجال ماذا يصنع بالكيمياء"[95].

         وبعضهم لم يكتف بالتسابق فى ادعاء الكرامات الكيميائية وإنما طرق مجالا جديدا فاشاع ـ أحمد الزاهد ـ عن نفسه أنه تعلم الكيمياء فصنع منها خمسة قناطير ذهبا ثم نظر إليها وقال أف للدنيا ثم رماها فى سراب جامعة[96]، وصدقه الناس لأنه (ولى) فلقبوه بالزاهد.

          لذلك كان الولى الصوفى إذا اشتهر بالولاية أو بعلم الكيمياء يتوافد عليه المريدون أملا فى  تعلم الكيمياء ومايعنيه ذلك من احلام ذهبية ،  فالشاذلى يقول " صحبنى إنسان : فقلت له ياولدى ماحاجتك ولم صحبتنى ؟ قال ياسيدى قيل لى إنك تعلم الكيمياء فصحبتك لأتعلم منك"[97].

         وجاء رجل إلى شمس الدين الحنفى ليعلمه الكيمياء لأنه" فقير ذو عيال"[98]، واتهم بدر الدين النورى بعمل الكيمياء" فخدمه لذلك جمع من الأمراء  منهم تغرى بردى رجاء أن يتعلموا منه"[99].

         وحكى الشعرانى أنه ادعى لأحد الأولياء أنه يعرف علم الكيمياء فصار يخدمه وتبعه على أن يعلمه إياها وبعد مدة قال له الشعرانى: هيهات كيف أعلمك شيئا يشغلك عن الله تعالى" فما زال يقسم عليه فلا يجيبه، ثم قال له الشعرانى: ياشيخ محمد إن شهرتك فى الزهد وأنت تحب الدنيا"[100]. وافتخر الشعرانى بانه لاينصب على الناس ويوهمهم بانه يعرف علم الكيمياء ليجتذبهم إلى طريقته ويرشدهم إلى طريق القوم " كما عليه جماعة ممن برزوا فى هذا الزمان من فقراء العجم ، وقد أتلف هذا الباب خلائق لايحصون  وصار أصحابه يجلبون أولاد المباشرين والتجار والعلماء إلى أشياخهم ويقولون شيخنا يقلب العيان ويجعل الرصاص ذهبا، فيتركون الإشتغال بالعلم أو التجارة التى بها قوام معاشهم ويصيرأحدهم يجعل له عذبه وجبة بيضاء"[101]

         وتصوف كثيرون واشتهر بالكيمياء مثل ابن عبدالرحمن المطرى ت822[102] ، وكان ابن الجابى خطيبا واعظا مشهورا يقصده الناس لسماع خطبته من حسن صوته " وكان مهووسا بعلم الكيمياء، بل كان الفقيه المشهور ابن دقيق العيد أيضا" مهووسا بعلم الكيمياء معتقدا صحتها"[103] .

 

إضاعة الأموال على الكيمياء:

         وبعض أولئك المهووسين بالكيمياء أضاعواعليها أموالهم وأعمارهم كما يقول ابن خلدون، ومنهم منصور الجفانى الذى" كان أكثرمايحصله يصرفه فى عمل الكيمياء"[104]. وكان الشيخ الطيبرسى ت 800 إماما يجامع الطيبرسى" وفتن بصناعة الكيمياء" فأفنى  عمره وماله ولم يحصل على طائل"[105]. وانشغل ابن الأبله ت886 فى الكيمياء" فكان ينفد مايحصله من كد يمينه.. بحيث يصيرمملقا وربما ليم على ذلك وهو لاينكف"[106]. وقال الشعرانى " بلغنى إن جماعة من الفقراء وطلبة العلم باعوا كتبهم وامتعتهم فى طلب علم الكيمياء وفتح المطالب وكان عاقبتهم الحرمان"[107]. وكان على الاسكندرانى ت802 اشهرهم جميعا قالت عنه المصادر التاريخية " أفنى عمره فى الكيمياء تصعيدا وتقطيرا ولم يصعد معه شىء"[108].

         وذلك يعنى أنهم مارسوا الكيمياء والعملية بالتصعيد والتقطير للحصول على الذهب دون جدوى ، أى لم يكتف بادعاء الكرامات وغيرها، وفى طرق الكيمياء كتب شرف الدين المقدسىت712 كاتب الإنشاء تخميسا لشذور الذهب فى صنعةالكيمياء[109]. ولكن بعض الصوفية أفتوا ببعض الوصفات ضمن ادعاءات الكرامات الكيمياوية الذهبية ، ففى كرامة للشيخ الفرغل كان يعلم فيها بعضهم الأكسير الذى " إذا وضع درهم منه على مادته درهم من النحاس الأحمر يصير ذهبا والرصاص يصير فضة"[110] . وكان الشيخ المحلى إذا أتاه فقير يستعين به فى شىء من الدنيا يقول له : هات ماتقدر عليه من الرصاص فإذا جاء به يقول له ذوبه بالبنار فإذا أذابه ياخذ الشيخ باصبعه شيئا يسيرا من التراب ثم يقول عليه بسم الله ويحركه فإذا هو ذهب[111]. وماأسهلها طريقة وما أنظفها بالمقارنة بطريقة الشاذلى المشهورة .. وكلها بالطبع خرافات .

 

الاعتقاد فى الكيمياء:

            وكان اعتقاد الناس فى جدوى الكيمياء راسخا مهما قال ابن خلدون والدلجي ومهما رأوا أنه لا فائدة منها،وذلك لارتباط التصوف بها،إذا كان الناس على استعداد للتصديق بأى كرامة أو بأى خبر عن نجاح عملية كيمياء، بل أنهم كانوا ينسبون هبوط ثروة على شخص ما بأنه يعرف الكيمياء،إذ أن الخواجا ابن القبيش البرلسي حين شرع في بناء زاويته قال أعداؤه أن هذا المصروف العظيم إنما هو من الكيمياء "[112]

 

   ومات التاجر الثري ناصر الدين الكارمى ت776 وخلف مالاً كثيراً فقال عنه  أبو المحاسن " خاف أموالاً كثيرة من المتجر والكيمياء،بحيث أنه لم يكن أحد من أهل عصره أكثر مالاً منه "[113]

 

     وعاش الصوفي ابن سلطان طويلاً في أرغد عيش فاتهمه بعض الناس بمعرفة الكيمياء أو طرف منها خصوصاً وأنه لم يكن يقبل من أحد شيئاً إلا نادراً حسبما يحكي أبو المحاسن[114] ، وبعض الصوفية ادعى أنه كان ينفق من الغيب من كوة في بيته أو من تحت البساط يمد يده فيخرج المال ــ كما جاء في مناقب المنوفي ــ فاتهموه بعمل الكيمياء، فشق ذلك على بعضهم وقالوا له : يقولون عنك أنك تعمل بالكيمياء فلم يتأثر بذلك بل قال : نعم نحن نعمل بالكيمياء وهى تقوى الله..[115] وقيل في ترجمة محمد التوزي ت930، كانوا يقولون أنه يعرف الكيمياء وكان يعلم انهم لا يعظمونه إلا لذلك[116]

 

التحايل بالكيمياء:

 

     واتخذت الكيمياء وسيلة للتحايل على البسطاء من الناس وأكل أموالهم بحجة تحويل الأشياء لذهب أو فضة، وفي حوادث سنة 872 ورد أن أحمد المكناسى أتلف مال بعضهم بالكيمياء " وعمل له قرصاً ادعى أنه فضة فضربه الداودار الكبير وجرسه" وحدث ذلك أيضاً مع ابن حمادة  ، [117] وطبيعي أن المصادر التاريخية لم تذكر بين سطورها إلا من ظهر أمره وتعرض لعقوبة الضرب والتشهير .

 

     وبعضهم لم يكتف بالتحايل على البسطاء وإنما خدع السلاطين فأوسعت له المصادر التاريخية صفحاتها مثل يوسف الكيماوى ت 731 الذى اشتهر بالكيمياء ،فطلبه الناصر محمد وأحضر له الأدوات فأخرج له سبيكة جيدة عن طريق الحيلة ، فانخدع به الناصر وقربه، إلا أن الخدعة انكشفت ففر وانتهت حياته مسمراً على جمل [118]

 

     وتكررت الحادثة سنة 852 في سلطنة جقمق ، فالشريف الأعجمى أسد الكيماوى " تغير عليه السلطان جقمق" لكونه أتلف عليه مالاً كثيراً ولم يظهر لما ادعاه أثر، وكان قد نصب على التاجر ابن الشمسى حتى أخذ منه جملة من المال بايهامه بالكيمياء وتنازعا أمام السلطان فصدقه السلطان ونصره على التاجر وقربه، واستغل الكيماوى هذه الصلة بالسلطان فأغراه بنفي التاجر ، وكان أسد الكيماوى أيام صحبته للتاجر قد أغراه بطلاق زوجته لأنها كانت تحذره منه وتقول له إذا كان يعرف الكيمياء فلما يحتاج إليك وإلى غيرك.وعندما لم يظهر أثر لمحاولات أسد أمر السلطان بسجنه بالمقشرة وتغير السلطان على المحتسب يار على العجمى وعزله وقبض عليه لكونه كان الواسطة بينه وبين الكيماوى وأنه الذي أشاد به عنده.[119]

 

الاتهام بالكيمياء:       

 

     لذا كانت ممارسة الكيمياء اتهاماً في بعض الأحيان فيقال " اتهم الشاذلى عند السلطان بأنه كيميائى"[120]. واتهم الشيخ حسين أبو على بعمل الكيمياء[121]، من الزاوية ، وكان بعض الصوفية يأمر بإخراج من يتهم بعمل الكيمياء من الزاوية،وذلك ما فعله المنوفي. والشعراني هو القائل " أخذ علينا العهود ألا نمكن أحداً من إخواننا بأن يشتغل بعلم جابر الملقب بالكيمياء ، ويجب إخراج من يفعل ذلك من الزاوية لئلا يفسد حال الفقراء"[122]

 

         وانتهى العصر المملوكى ولم تنتهى مؤثرات التصوف ومنها الكيمياء فيقول كلوت بك " وفي مصر جمع غفيرمن  المشتغلين بالكيمياء يضيعون أموال السذج والبلهاء في البحث عن الحجر الفلسفي الذي يحول المعادن إلى  ، ويعتقدون أنهم سينجحون في ذلك إذا استطاعوا أن يقضوا سبعة أيام بلياليها من غير نوم مطلقاً" [123] وهذا هو التجديد الذى جاء به التصوف في العصر العثمانى.

 

         وكان الزغل أهم نتائج الكيمياء. وهو محاولة واقعية لغش العملات الذهبية.

 

الزُغل( تزييف الذهب):

        يقول العينى فى حوادث سنة 813 " دخل الزغل فى الذهب كثيرا" [124] وكانت السلطة المملوكية تطارد المزيفين  للذهب ففى سنة 827 " أمسك رجل من الصوفية بالمؤيدية، وجدت عنده آلات الزغل فأمر السلطان بقطع يده ، فشفع فيه فأخرج ، وضرب ضرباً مبرحا، وسجن" .[125] أى كان من الصوفية من عمل في تزييف العملة الذهبية.

 

     وبعض الوزراء اتهم بالزغل مثل ناصر الدين الشيميى ت 834 وقد تولى الوزارة للناصر فرج ثم عزل وصودر سنة 804 " بسبب أنه ظهر عنده من يعمل بالزغل ويخرجه على الناس " [126] أى انتشر الأمر بانتشار التصوف فأصبح بعض الوزراء مزيفاً للدنانير.

 

الصوفية والزغل:

 

     دس المحتسب يار على العجمى أدوات الزغل في بيت غريمه قوام الدين العجمى واتهمه عند جقمق بالزغل فضرب وحبس ، وكان السلطان قد وثق بقوام الدين وجعله شيخاً للشيوخ في خانقاه سرياقوس [127] وتكاثر الزغلية سنة 862 فنودى بتسعير الذهب والفضة " وصار السلطان يقطع أيدي الزغلية أو يوسطهم فارتعبوا وأصلحت أحوال المعاملة بعد جهد كبير، وكان اينال يوسط كل من يقع تحت يده من الزغلية فأصلح معاملة النقد فى أيامه"[128]، ويذكر أبوالمحاسن فى حوادث نفس السنة 862 أن السلطان وسط ثلاثة من الزغلية ، وكان أيضا قد وسط خمسة منهم ، لأن الزغلية تسببوا فى اضطراب النقد واختلال قيمة الدينار الذهبى فتهدد الأمن فى البلاد[129] .

        وهدأت الأمور قليلا إلا أن نشاط الزغلية عاد، واعتقل الشيخ الصوفى إسماعيل النبتيتى سنة 889 متهما بعمل الكيمياء ، يقول السخاوى " وجرت له حادثة بسببها تألم لها الخيرون وذوا لظن خير به"[130].

         وفى سنة 911 اتهم الشيخ سنطبانى بضرب الزغل " وكان يدعى التصوف، وكان مقيما بالمدرسة السنقرية تجاه سعيد السعداء، فوشى به عند السلطان أنه يضرب الدراهم والدنانير الزغل، فقبض عليه فوجد عنده عدة ضرب الزغل، وكان عنده جماعة يفعلون ذلك " فأمر السلطان بقطع ايديهم ، وشفع فى سنطباى فنفاه السلطان للقدس [131]  ويذكر الغزى نفس الحادثة وأن ما ضبط عند سنطباى كان خمسين رطلا مصريا وأنهم  ضربوا بحضرة السلطان وأن الذى شفع فى سنطباى هو الأمير قرقماس أتابك العسكر، وابن الغورى زجر سنطباى وقال له : إنك تدعى أنك الصوفى المسلك وأنت زوكارى شيطان زغلى ، أخرج من مملكتى[132].

       وفى حوادث سنة915 أنه هرب الشيخ جمال الدين الزغلى من المقشرة " وكان التزم بدار الضرب، وقرر عليه السلطان فى كل شهر مالا له صورة، فاتلف سائر المعاملة من الذهب والفضة وظهر بها الزغل كالشمس حتى ضج من ذلك سائر الناس والأمراء.. فقبض عليه السلطان وسجنه فهرب " ثم قبض عليه وشنق ومعه خمسة كانوا يعملون معه، وبعدها شنق زغلى آخر على باب زويلة، ثم قبض على الأمير بردوار الأتابكى وعاقبه الوالى حتى مات لأنه "وشى به عند السلطان أنه يعانى صنعة الزغل وقد اشتهر بذلك بين الناس[133].

        وتأثر العصر المملوكى بالإفساد الذى مارسه الزغلية وجاء المثل الشعبى المملوكى يقول" ماتنقدوهم كلهم زغلية [134]. واستمر الزغل بعد العصر المملوكى وحمل المثل الشعبى ذلك فيقال " زبون العتمة فلوسه زغل"[135]. والعتمه هى الظلام.

 

الكيمياء والسحر:

        ارتبطت الكيمياء بالسحر حتى أن ابن النديم فى الفهرست عدَ جابر بن حيان كبير السحرة فى هذه الملة، وفسر كيمياء جابر بقوله: لأن إحالة الأجسام النوعية فى صورة اخرى إنما يكون بالقوة النفسية لا بالصناعة العملية فهو من قبيل السحر[136].

      وقال ابن خلدون فى الكيمياء " والكيمياء ربما يؤتاها الصالح وغيره فيكون عملها سحريا[137]. أى يعبر عن الرأى السائد وهو أن الخوارق إذا ظهرت على يد ولى صوفى فهى كرامة وإذا ظهرت على يد غيره فهى سحر، وأدى ذلك الارتباط بين الكرامة والسحر والكيمياء إلى انتشار الاعتقاد فى السحرو اتخاذه وسيلة للتحايل عن طريق الإيهام بقيام أعمال سحرية والاتصال بالجان.

        وكانت بعض الغرائب تفسر فى ضوء السحر فيقول ابن الفرات أن ابن البرهان كانت تقع له عجائب فيظن بعضهم أن له رئيا من الجن يخبره [138]. وفى إحدى الفتن كانت السهام تطيش حول المير يلبغا المجنون، فيقول أبو المحاسن " واختلف الناس فى أمره فمنهم من يقول كان معه هيكل مننيع،ومنهم من يقول كان يتحوط بأدعية عظيمة ومنهم من يقول كان ساحرأ[139].

       وفى سلطنة جقمق اختفى السلطان المعزول العزيز بن برسباى ليثيرها فتنة، وكالعادة فتشوا البيوت واخذوا المظلوم بذنب الظالم، وكان من المظلومين امرأة مسكينة "تزعم أن لها تابعا من الجن يخبرها بما يكون فتتكسب بذلك من النساء وجهلة الرجال مايقيم أودها، وذلك انه وشى بها"فى الفتنة فاعتقلت[140]. أى كان الناس يذهبون إلى محتالين يزعمون السحروالاتصال بالجان.

        وكان السحر وسيلة هامة فى مكائد النسوة لأنهن بالطبع أميل لتصديق الخرافات ولم تسجل المصادر التاريخية إلا أخبار المشهورات من النساء، ففى سنة 802 ادعت والدة الناصر فرج أن إحدى جواريها سحرتها وماتت الجارية ومعها نصرانى تحت العذاب[141]. وفى سنة 852 طلق السلطان جقمق زوجته خوند الكبرى مغل لأنه اتهمها بأنها سحرت جاريته المحبوبة سورباى الجركسية[142].

       إذن كانت السلطة المملوكية تعتقد بجدوى السحر وكان عنصرا فى المؤامرات السياسية ، ففى حوادث سنة 843 اتهام الزينى عبدالباسط بأن معه الإسم الأعظم أو أنه يسحر السلطان لأنه كلما أراد عقوبته صرف عن ذلك، وفتشوه فوجدوا فى ثيابه أوراقا فيها أدعية ونحوها[143].

         وقيل فى سبب موت محمد بن جقمق ت 874 أنه سحر فمرض من ذلك السحر ومات[144]، واتهموا يحيى بن الأتابكى أزبك أنه قتل والده بالسحرعن طريق شخصين[145]. كان عاقبتهما القتل .

        ولأن الشائع أن الساحر يجب أن يقتل فقد وقع أحدهم فى جريمة قتل ولكى يبرىء نفسه ادعى أن القتيل كان ساحرا وأن العلماء أفتوا بقتل السحرة[146].

       والمقريزى مع عقليته الناضجة فقد كان يعتقد بجدوى السحر وقال أنه بوسع المرأة أن تمنع سقوط المطر إذا تجردت من ثيابها ورفعت رجليها وباعدت مابينهما وهى نائمة بشرط أن تكون حائضا[147].

       وكان طبيعيا أن يزداد الاعتقاد فى السحر فى بيئة تؤمن بالتصوف، ولذلك انتشرت التمائم ومنها فائدة لوجع الرأس " جربت مرارا وهى أن يكتب الصورة الآتية ويكتب حولها اسم أحمد البدوى وسيدى إبراهيم الدسوقى وسيدى محمد الحنفى ثم توضع الورقة على محل الوجع"[148].

       واستمر الاعتقاد فى جدوى السحر فى العصر العثمانى ،يقول كلوت بك " ومسلمو مصر يعتقدون أن بالإمكان القيام بالإجراءات السحرية بحسب مبادئ الخير أو الشر، وتسمى نظريتهم فى الحالة الأولى بالعلم الروحانى وفى الحالة الثانية بالعلم الشيطانى، فالسحر الروحانى .. يعمل بقصد محمود لأنه يعتمد فيه على الوسائل غير المنافية للدين[149]. والتصوف هو الذى جعل " مسلمى مصر "يعتقدون فى السحرالذى يقول عنه القرآن الكريم" ولايفلح الساحر حيث أتى.. طه 69"، والبيئة الشعبية لاتزال تعتقد فى السحر فيقول المثل الشعبى معبرا" روحى ياساحرة لانايبك دنيا ولا آخرة"[150].

         وحتى الآن لايزال الناس معتقدين فى الأعمال السحرية ومنتحليها الذين يوصفون بالمشيخة ويطاردهم القانون بتهمة الاحتيال، وبالتصوف أصبح أولئك المحتالون أشياخا يرتدون العمامة ويتمتعون باعتقاد المثقفين من المصريين.وفى جريدة الأخبار فى 11/11/1978 عنوان يقول" اعترافات دجال لماذا يقبضون علىَ  ومعظم زبائنى من المثقفين ؟" وهو تساؤل فى محله،والإجابة عليه بالرجوع إلى تصوف العصر المملوكى وأشياخه الذين خلطوا الشعوذة والسحر بالدين ، ونقرأ ماقاله الشعرانى عن نفسه مفتخرا " ومما أنعم الله تبارك وتعالى به على اعتقاد كثير من الأنس والجن واليهود فى الصُلاح وإجابة الدعاة.. " " وإذا علمت ذلك فمن جملة اعتقاد المسلمين فى أننى أعطى أحدهم القشة من الأرض إذا طلب منى الدعاء لمريضه أو كتابة ورقة وأقول له بخَر المرض بها فيفعل  فيحصل له الشفاء.. فأعرف أنه لولا شدة اعتقاد احدهم ماشفى الله تعالى مريضه بدخان تلك القشة، فإن الأمور تجرى بها المقاديرالإلهية سرعة وبطئا بحسب قوة الاعتقاد وضعفه.. ووقائعى فى ذلك كثيرة وشهيرة ومن جملة اعتقاد اليهود والنصارى أنهم يطلبون منى كتابة الحروز لأولادهم ومرضاهم فأعطى أحدهم القشة فيبخر بها مريضه فيحصل له الشفاء فأتعجب فى اعتقادهم مع اختلاف الدين وكثيرا ماأقول لهم: لم لاتسألون رهبانكم وعلماءكم فيقولون أنت أعظم عندنا من البترك ومن جميع أهل ديننا[151].

        وطالما تعلق الأمر بكتابة الحروز والأعمال السحرية والاعتقاد فيها فلا فارق بين مسلم ويهودى ومسيحى ، كلهم يعتقد فى الأولياء الصوفية وشهرتهم الفائقة ، والأمر كله مبنى على الاعتقاد أو الإيحاء.

     تشريع الرشوة

       1 ـ وهى من إفرازات التصوف فى العصر المملوكى..وإذا كان المتصوفة قد برعوا فى التسول فإن ارباب الوظائف ـ وهم إما متصوفة او أتباع لهم ـ قد سموا تسولهم رشوة. وكانوا راشين ومرتشين معا..

        يقول مؤرخ محدث: " ليس هناك أعجب من أن تقررحكومة البلاد الشرعية الرشوة وتنشىء لها ديوانا خاصا يعرف بديوان البذل أو البرطيل، على عهد السلطان الصالح إسماعيل ابن الناصر محمد عام توليه العرش سنة 743"،وبارك رجال الدين إقرار قانون الرشوة ومارسوه ممارسة شرعية فسعى القاضى الغزى عند القاضى الخيضرى فى نيابة قضاء دمشق مقابل تسعمائة دينار، دفع منها شيئا وكتب حجة بالباقى فهل هناك من فساد أفظع من أن تكون الرشوة مسجلة بحجة وعقد ـ كعقد الزواج أو البيع ـ ويوقع عليها قاضى؟" [152]. وهو بالطبع تساؤل وجيه فىعصرنا، ولكنه كان عاديا فى العصرالمملوكى.

 

القضاة مرتشون :

        2 ـ والواقع أن القضاة كانوا ـ كالعهد بهم ـ سباقين فى كل مجال للفساد ونقتطف ببعض وقائعهم فى الرشوة من كتابات المؤرخين فى العصر عنهم :فقيل عن الصوفى شمس الدين الشاذلى المحتسب" كان جاهلا عاميا غاية فى الجهل وكان خرد فوشيا فى الإسكندرية ثم صار بلانا فى الحمامات ثم ولى حسبة القاهرة بواسطة الأمير بيبرس الداودار لأنه كان يخدمه ويتقرب إليه بالمال وغيره من الأمور المنكرة"[153]. أى تدرج من أسفل إلى أعلى بالرشوة وقيل عن الشيخ السبكى " كثر النكير عليه من أخذ الرشوة[154].

       وكان السفطى صوفيا متسولا وحين عين قاضيا للقضاة فاستمر فى تسوله بل وسع من نطاق التسول يقول أبوالمحاسن فى ذلك:ومع ذلك " فالبلص عمال والشحاذة فى كل يوم من الأمير الكبير إلى مقدم الجبلية " زعيم العرب"[155] ، وقال " خلع على الشيخ على المحتسب خلعة الاستمرار لأن شخصا من الأوباش سعى فى الحسبة بثلاثة آلاف دينار وسزل السلطان لتوليته، فتكلم معه بعض أرباب الدولة باستمرار المذكور على بذل ألفين[156]. ويقول السخاوى عن القاضى عز الدين البكرى " تحكى عنه فى أكل الرشوة العجائب". وفى سنة 850 خلع على المحب بن الشحنة بالاستمرار على مابيده من قضاء بلده وكتابة سرها ونظر جيشها بل وأضيف إليه النظر على قلعة " حلب" والجامع النورى بحلب كل ذلك بعد أن حمل من الأموال الجزيلة والهدايا الجليلة مايطول شرحه.. ووقال العينى: ولم يتفق قط مثل هذا فى حلب ولكن بالرشا يصل المرء فى هذه الأزمان إلى مايشاء، وقال السخاوى عن القاضى جمال الدين الدمامينى: طالت مدته فى القضاء إلى أكثر من ثلاثن عاما وصار وجها ضخم الرياسة مع نقص بضاعته فى العلم والدين، لكن لكثرة بذله ومزيد سخائه، وقد أفنى مالا كثيرا فى قيام صورته فى المنصب ودفع من يعارضه حتى أنه كان يستدين ثم يحصل له إرث أو أمر من الأمور التى تحصل تحت يده بها مال من أى جهة ساغت أم لم تسغ ، فلا يلبث أن يستدين أيضا، وكان يخدم الناس كثيرا خصوصا الظلمة"[157]. ويقدم النص السابق صورة القاضى المملوكى ( من نقص فى علمه ودينه ورشوته للظلمةوطاعته لهم من أخذه الرشوة من المتقاضين وأكل الحرام) فهو راش للظلمة مرتش من المظلومين قليل فى العلم والدين.

المماليك مرتشون:

         3 ـ ومن الطبيعى أن يبتهج المماليك بهذا الصنف من البشر فجعلوا من الرشوة عملا قانونيا رسميا كإحدى مظاهر الظلم التى أرسى المتصوفة قواعدها مع المماليك وشاعت الرشوة وانتشرت آثارها السيئة فى العصر متفاعلة ومتأثرة بالمظاهر الأخرى للتصوف . ويصف أبو المحاسن الأمير وبردبك الداودار بأنه كانت له محبة واعتقاد فى الفقراء وأرباب الصلاح، وكان يحب جمع المال وله فى الأخذ والبلص والبرطيل فنون مشهورة[158]. وقيل عن الأميرين بركة وبرقوق أنهما " يأخذان البراطيل والرشوة على ولاية الوظائف التى تسعى فيها الأنذال والأرذال من أوباش الناس الذين هم غير أهلها، فمن يومئذ تلاشى أحوال الديار المصرية والشامية حتى قيل: برقوق وبركة ضربا على الدنيا شبكة"[159].وكان ذلك بعد إنشاء ديوان البذل وبظهور ثقل الصوفية السياسى فى بداية ظهور الدولة الجركسية.. ويقول مستشرق عن السلطان خشقدم وعصره واصفا الرشوة فى الدولة الجركسية حين عم التصوف: تفوق خشقدم فى انتزاع الرشوات الفادحة ممن كانوا يتطلعون إلى شراء الوظائف العامة ، قد كلفت ولاية دمشق الطامع فيها خمسة وأربعين ألف دينار، على حين بيعت وظيفة أخرى لشخص بعشرة آلاف ، أما وزراء الدولة فكانوا يعزلون كلما تمكن من يريدون عزله من إشباع مطامع الأمير، أما زيارات هذا السلطان الداهية لرعاياه فكانت تكلف من يتشرفون بها كثيرا من المال، وقد ساد الفساد جميع البلاد فى حكم الشراكسة ، ولم يكن للعدل وزن فى سير الأمور حتى أن شيخ الإسلام كان يختلس أموال الودائع"[160].والمؤسف أن كلام ذلك المستشرق واقعى.

 

الرشوة وسيلة للوصول:

        4 ـ وجعل التصوف من الرشوة وسيلة للوصول فقيل عن الأمير علاء الدين الطبلاوى كان عمه تاجرا فورثه وسعى بالمال حتى تولى شد المرستان وتقلب فى الوظائف[161]. حتى صار أميرا، وبالرشوة تولى غير الصالح مصالح المسلمين فقيل عن القاضى جمال الدين بن الكركى " كان من النصارى فتظاهر بالإسلام واستقر بالمال فى كتابة السر فكانت ولايته أقبح حادثة[162] . وبالرشوة تولى الوزارة البباوى لسعة ماله وكان جزارا أميا جاهلا وضيعا وهو بالتعبير العصرى" معلم" بكسر الميم ، ويصفه ابوالمحاسن وهو مؤرخ ارستقراطى بعدم الدراية فى الكلام العرفى والاصطلاح حتى أنه إذا اراد أن يقول لأحد الكتبة أكتب قال: أضرب بالقلم ، وقال عن ولايته الوزارة: وهى(الوزارة) إلى الآن أرفع الوظائف قدرا فى سائر بلاد الله.. إلا الديار المصرية فإنه انحط بها قدرها ووليها من الأوباش وصغار الكتبة جماعة من أوائل القرن التاسع إلى يومنا هذا، فالذى وليها فى عصرنا هذا ممن لايصلح لولايتها ابن النجار وعلى بن الأهناس البردار وأبوه الحاج محمد ويونس بن جربغا.. وغيرهم من هذه المقولة ، ومع هذا كله بلاء أعظم من بلاء، وأعظم الكل ولاية البباوى هذه ، فإن كل واحد ممن ذكرنا من الذين ولوا كان لكل واحد ميزة فى نفسه .. إلا البباوى هذا فإنه لم يتقدم له نوع من أنواع الرئاسة ، ومع هذه ه المساوىء باشر بظلم وعسف وعدم حشمة وقلة أدب مع الأكابر والأعيان وساءت سيرته وكثر الدعاء عليه .." [163] وبعد البباوى تولى الوزارة قاسم صيرفى اللحم " وقلع لبس العوام والسوقة"واعتبر أبوالمحاسن ذلك عارا كبيرا على مصر[164].

     وعن الصلة بين التصوف والرشوة يقول المثل الشعبى: ارشوا تشفوا، البرطيل شيخ كبير[165]. وطالما أصبحت الرشوة شيخا فقد اكتسبت مشروعية فى الضمير الشعبى.

      ويقول مؤرخ يحدث عن إشارة الرشوة: ولعل هذا كان أصل المثل الدارج القائل : إطعم الفم تختشى العين"[166].

       5 ــ ولابد أن يتاثر الجمهور بهذا السيل من الانحرافات الأخلاقية المتنوعة التى اكتسبت مشروعية اجتماعية يقول السخاوى فى حوادث 847 " كثر التطفيف فى الموازين والغش فى البضائع وفشى ذلك فى الناس فشوا منكرا وتزايد ، وطمع السوقة كثيرهم لما جعلوا عليهم من الرواتب الشهرية والجُمعية، والفساد فى ازدياد ولا قوة إلا بالله[167]..

       فقد انتقل فساد الأئمة والملوك إلى الناس فى الشوارع والأسواق وأصبح عرفا اجتماعيا يحظى بمشروعية الصمت والاعتياد، سوى بعض استنكار بين السطور ..

 

 


[1] ـ الجويرى المختار فى كشف الأسرار 20: 21

[2] ـ المدخل جـ 2/208، 211.

[3] البحر الموررود 210 .

[4] ردع الفقراء 10 .

[5] ـ لطائف المنن 203، 492، 278، 255، 199 : 201.

[6] ـ البحر الموررود 160 ،305 ،336 .

[7] ـ البحر الموررود 160 ،305 ،336.

 

[8] درر الغواص 53.

[9] الطبقات الكبرى جـ2 / 122 ، 135 ، 95 ، 62

[10] ـ الطبقات الكبرى جـ2 / 122 ، 135 ، 95 ، 62

[11] الطبقات الكبرى جـ2 / 122 ، 135 ، 95 ، 62

[12] ـ الطبقات الكبرى جـ2 / 122 ، 135 ، 95 ، 62

[13] لطائف المنن 147 : 148 .

[14] - تحفة الأحباب290 .

[15] - ردع الفقراء 15 .

[16] ـ لطائف المنن89 ،218 .

[17] ـ تنبيه المغترين 92.

[18] ـ لطائف المنن 128، 380، 381، 400، 173.

 

[19] ـ لطائف المنن 128، 380، 381، 400، 173.

[20] ـالبحر المورود 346 ،354 ،334 .

[21] ــالبحر المورود 346 ،354 ،334 .

[22] ـ السلوك جـ1/3/744: 745.

[23] ـ السلوك جـ3/2/770: 771

[24] ـ المنهل الصافى ج2/668.

[25] ـ تاريخ ابن اياس جـ2/256.

[26] ـ ـالطبقات الكبرى ج2/125.

[27] ـ لواقح الأنوار 217.

[28] ـ لطائف المنن 344

[29] لطائف المنن 344

[30] ـ. إنباء الغمر جـ3/365

[31] ـ الكواكب السيارة 234، 224.

[32] ـ إنباء الغمر جـ2/ 103 ، الضوء اللمع جـ4/305 .

[33] ـ إنباء الغمر جـ2/ 103 ، الضوء اللمع جـ4/305 .

 

[34] إحياء علوم الدين جـ3 / 197 : 198 ، جـ2 / 295 .

[35] ـ إحياء علوم الدين جـ3 / 197 : 198 ، جـ2 / 295.

[36] الجويرى : المختار فى كشف الأسرار 44.

[37] ـ الطبقات الكبرى للشعرانى ج1: ترجمة الدسوقى.

[38] ـ ابن عطاء. لطائف المنن71.

[39] ـ طبقات الشاذلى للكوهن62.

[40] ـ. لواقح الأنوار للشعرانى284.

[41] ـ لطائف المنن 55.

[42] ـ لواقح الأنوار 271 .

[43] الصفدى. الوافى بالوفيات وفيات 743.

[44] ـ ابن حجر.ذيل الدرر الكامنة 10، 11.

[45] ـ  إنباء الغمر جـ2/77.

[46] ـ عقد الجمان ورقة 387 وفيات 816 (المنهل الصافى 152 : 153 ).

[47] ـ قاموس العادات والتقاليد  166 .

[48] ـالضوء اللامع جـ 3 /41 .

[49] ـإنباء الغمر جـ 2 / 111.

[50] ـ السلوك جـ 4 / 3 / 185 .

[51] ـتاريخ ابن إياس جـ 1 / 2 / 311  .

[52] ـ الوافى بالوفيات جـ 2 / 353 .

[53] ـ إنباء الغمر جـ 1 / 181

[54] ـعقد الجمان : 243وفيات 780 .

[55] ـ إنباء الغمر جـ 1 / 183

[56] ـالنجوم الزاهرة جـ 15 / 165 : 166.

[57] ـإنباء الغمر جـ 3 / 148.

[58] ـالسلوك جـ 3 / 3 / 1129.النجوم جـ 13 / 37 .

[59]ـ الضوء اللامع جـ 3 / 235.

[60] ـ ديوان ابن نباته 333

[61] ـإنباء الغمر جـ 3 / 17 .

[62] ـ تحفة الأحباب 43 : 44.

[63] ـالسلوك جـ 4 / 2 / 759.

[64] ـالضوء اللامع جـ 2 / 250.

[65] ـ إنباء الغمر جـ3 /387 .

[66]ـ نفس المرجع جـ 3/ 451 . .

[67] ـابن حجر : ذيل الدرر الكامنة 17 ، إنباء الغمر جـ 2 / 113 ، والمنهل الصافى جـ / 85 ، ونزهة النفوس جـ 2 / 68 : 69.

[68] ـتاريخ الذهبى. مخطوط . مجلد 31 ، 40 : 41 .

[69] ـالسبكى . معيد النعم 155.

[70] ـالدررالكامنةجـ 4/33.

[71] ـالإ فادة والاعتبار فى المشاهدة والحوادث والمعاينة بأرض مصر لعبداللطيف البغدادى نشرته مطبعة المجلة الجديدة تحت عنوان عبداللطيف البغدادى فى مصر 47 : 48 .

[72] ـ ابن خلدون . المقدمة 384 ، 385 ، 386 ، 388

[73] ـالفلاكة والمفلوكون : 30 ، 31.

[74] ـ الدرر الكامنة جـ 2 / 23 .

[75] ـ. تاريخ ابن اياس ج4/293

[76] ـ. ـ التبر المسبوك 173: 174

[77]. إنباء الغمر مخطوط 1124 .

[78] ـ. إنباء الغمر ج3/485 ـ

[79] ـ. الضوء اللامع ج3/172

[80]ـ ـ البحر المورود 40

[81]. النجوم الزاهرة ج15: 91، نزهة النفوس  ج3/402

[82]. ـ . حوادث الدهور ج2/197

[83] ـ تاريخ البقاعى 12 أ مخطوط

[84] ـ تاريخ ابن اياس ج4/ 147: 148 .

[85]. نفس المرجع ج1/2/299 ـ

[86] ـ الأمثال الشعبية تيمور 324،328 .

[87]. ـ المقدمة 504، 524، 530

[88] ـ الفلاكة والمفلوكون 29 .

[89] ـ مجموعة الرسائل والمسائل ج1/70.

[90] ـ روض الرياحين 18، 19. ـ.

[91] ـلطائف المنن 76، 73

[92] ـ. ابن ا لنديم الفهرست 498، 500، 505

[93]. ابن عياد الشاذلى : المفاخرالعلية 11

[94] تعطير الأنفاس 31

[95]. ـ تعطير الأنفاس 226،ابن عطاء .لطائف المنن 59

[96] ـ. الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/ 7.

[97] ـ ابن عطاء التنوير 82 .

[98].. الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/89  

[99]ـ الطبقات الكبرى للمناوى 385   

[100] ـ لطائف المنن 75 ، 85 .

[101] ــ لطائف المنن  75، 85.

[102]. ـ إنباء الغمر جـ3/204

[103] ـ. العينى . عقد الجمان ورقة 269، وفيات 701

[104]ـ  الجزرى : الذيل جـ 2 / 365 .

[105] ـإنباء الغمر جـ2/30

[106]. ـ الضوء اللامع جـ1/183.

[107]ـ  ـلطائف المنن 75

[108] ـذيل الدرر الكامنة مخطوط 26 . تاريخ قاضى شهبة جـ 2 / 167 . إنباء الغمر جـ 2 / 123.

  [109]ـ الصفدى . أعيان العصر جـ 7 / 1 / 32 .

[110] ـ مناقب الفرغل 28 : 29 .

[111]- الطبقات الكبرى للشعرانى جـ 2 / 99 .

[112]- نفس المرجع جـ 2 / 80 .

[113] - النجوم الزاهرة جـ 11 / 132 . .

[114]-نفس المرجع جـ 15 / 542 : 543.

[115]- مناقب المنوفى 27، 32.

[116]- الغزى.الكواكب السائرة جـ1 / 94 .

[117]- تاريخ البقاعى 41 ب

[118]- العيني.عقد الجمان حوادث 730 ورقة 16، 17 ، 18 ، التنويرى : نهاية الأرب ج31 / 105 ، الدرر الكامنة ج4 / 455.

[119]- أبو المحاسن: حوادث الدهور ج1 / 33 ، 39 ، 40 السخاوى : التبر المسبوك 211 ،212 .   

[120]- تعطير الأنفاس 48.

[121]-الطبقات الكبرى .

[122]ـ البحر المورود 154 .

[123]ـلمحة عامة إلى مصر جـ 2 / 97.

[124]ـ عقد الجمان . مخطوط مصدر لوحة 323. حوادث سنة 813 .  

[125]إنباء الغمر جـ3 / 326 .

[126]-نفس المرجع 468 .

[127]التبر المسبوك 309 .

[128] ـتاريخ ابن إياس جـ 2 / 344 .

[129]حوادث الدهور ج2/313 .

[130] ـالضوء اللامع جـ /301 .

[131] ـتاريخ ابن إياس جـ 4 / 88

[132]. الكواكب السائرة جـ 1 / 211 : 212

[133] ـ تاريخ ابن اياس ج4/153، 158، 160، 163.

[134] ـ الأبشيهى. المستظرف 37.

[135] ـ تيمور. الأمثال الشعبية 247.

[136] ـ الفهرست 497.

[137] ـ المقدمة 530.

[138] ـ تاريخ ابن الفرات ج8/56

[139] ـحوادث الدهور ج2/174.

[140] ـ السلوك ج4/3/1130

[141] ـ نزهة النفوس ج2/69.

[142] ـ التبر المسبوك 209، تاريخ ابن اياس ج2/263.

[143] ـ النجوم الزاهر ج15/331.

[144] ــ التبر المسبوك 83.

[145] ـ تاريخ ابن اياس ج2/355.

[146] ـ إنباء الغمر ج3/457.

[147] ـ المقريزى حل لغز الماء 75، 76 مخطوط.

[148] ـ شمة : مسرة العين 10ب,

[149] ـلمحة عامة إلى مصر ج2/96.

[150] ـ تيمور الأمثال الشعبية 246.

[151] ـ لطائف المنن 272:274.

[152] ـ نظير سعداوى :27، 30. صور ومظالم من عصر المماليك.

[153] ـ العينى . عقد الجمان. مخطوط مصور وفيات 810 لوحة 276.

[154] ـ المقريزى. المقفى. مخطوط ج4/25.

[155] ـأو المحاسن: النجوم ج15/375.

[156] ـ أبو المحاسن : حوادث الدهور ج2/196.

[157] ـ السخاوى : التبر المسبوك 55، 145، 27.

[158] ـ أبوالمحاسن . حوادث الدهور ج3/579.

[159] ـ تاريخ ابن اياس ج1/2/220 تحقيق محمد مصطفى.

[160] ـ لين بول .سيرة القاهرة205.

[161] ـ تاريخ قاضى شهبة مخطوط ج2/167.

[162] ـ السخاوى: التبر المسبوك 422.

[163]ـ أبوالمحاسن:  النجوم الزاهرة جـ16/292، 341، حوادث الدهور جـ3/580

[164]ـ أبوالمحاسن: النجوم الزاهرة جـ16/292 ، 341، حوادث الدهور جـ3/580

[165]ـ الأمثال الشعبية لتيمور :20،139. شعلان: الشعب المصرى فى أمثاله العامية 62.

[166] ـ نظير سعداوى : صور ومظالم :30.

[167] ـ السخاوى  :التبر المسبوك77.

أثر التصوف فى الانحلال الخلقى فى المجتمع المصرى المملوكى

أثر التصوف فى الانحلال الخلقى فى المجتمع المصرى المملوكى

648 ــ 921 هجرية
1250 ــ 1517 م


المؤلف /
د./ أحمد صبحى منصور
الفصل الأول : جذور الإنحلال الخلقى الجسدى وتشريعه فى عقيدة
التصوف وتاريخ الصوفية
• الفصل الثانى : مفردات الانحلال الخلقى الجسدى عند الصوفية
• الفصل الثالث : انحلال المجتمع المصرى المملوكى بتأثير التصوف
• الفصل الرابع : انعكاسات الانحلال الخلقى الجسدى فى المجتمع المملوكى
• الفصل الخامس: أكل أموال الناس بالباطل
• الفصل السادس: فى المساوىء الاجتماعية
• الخاتمة
• المصادر والمراجع
more