رقم ( 8 )
" الخاتمـــة"

 

 

" الخاتمـــة"

 

        1 ـ هناك فرق بين الباحث التاريخى والروائى، الروائى يستطيع أن يؤلف رواية بأشخاصها وظروفها كما يحلو له، أما الباحث التاريخى فهو ملتزم بالحقائق التاريخية المكتوبة عن العصر الذى يبحثه.

        فالباحث فى التاريخ المملوكى ـ مثلا ـ  يدخل حجرة التاريخ المملوكى بكل مافيها من أشخاص واحداث ومؤلفات تعكس الحياة التى كانت سائدة فى العصر المملوكى ، ولا يملك الباحث الملتزم بالأمانة العلمية أن يفترى وقائع أو يتجاهل ماتصرخ به حقائق العصر، خصوصا إذا كانت تلك الحقائق تظهر فى سطور التايخ المملوكى كلها، وفى عناونيه ، بحيث إذا تجاهل سطرا فضحته باقى السطور ، وإذا تعامى عن مصدرنطقت بالحقائق باقى المصادر.

          والمشكلة التى واجهها كاتب هذا البحث أنه ارتاد ـ لأول مرة ـ طريقا جديدا فى البحث التاريخى، هو بحث الحياة الدينية للمسلمين لتوضيح الفجوة بين دين الإسلام ونوعيات التدين لدى المسلمين فى العصر المملوكى، واختار مصر مسرحا تاريخيا لهذا البحث، حيث ساد التصوف وسيطر، فأضاف بذلك مشكلة أخرى ، وهى أن البحث فى التصوف يتوقف عادة عند بداية العصر المملوكى ، أو بانتهاء التصوف النظرى الفلسفى، ويتجاهل باحثو التصوف الفلسفى تحليل تاريخ التصوف بعدها،لأن التصوف بعدها تحول إلى طرق صوفية ، وأصبح البحث فيها ادخل فى مجال التاريخ والحضارة منه إلى البحث الفلسفى والفكرى، علاوة على مايقتضيه البحث التاريخى فى هذا الموضوع من خلفية علمية وتخصص فى العقائد الإسلامية والصوفية لكى يستطيع الباحث المتخصص فى التاريخ المملوكى أن يتعرف على أثر التصوف فى الأحداث التاريخية والاجتماعية فى العصر المملوكى.

          وقد تغلب الباحث على كل هذه المشاكل ، فاستعد علميا لريادة هذا البحث المحفوف بالمخاطر، ولكنه واجه مشكلة أخرى لاشأن له بها، وهى أن آثار التصوف الدينية والسياسية والاجتماعية كلها تدخل فى مجال السلبيات، وواجب الأمانة العلمية يقتضيه أن ينقل الصورة كما هى، ثم يقوم بتحليلها علميا ويتتبع جذورها العقيدية والتاريخية ، ولكن هذه الأمانة العلمية لاترضى أولئك الذين يقدسون الأجداد والأسلاف، أو يقدسون التصوف وأولياءه، ويرون للتاريخ وظيفة وحيدة وهى التغنى بالأمجاد والمناقب، وعدم كشف العيوب والمساوىء ، حتى نظل نقع فى الخطا ولانستفيد من تجارب التاريخ ومواعظه. وأولئك لايعرفون أن نهضة أوربا الحديثة ارتبطت بمنهجها النقدى للتاريخ والأفكار، ولا يعرفون أن القرآن العظيم نفسه تحدث فى قصص الأنبياء عن أخطاء الأنبياء وأخطاء البشر من آدم إلى خاتم النبيين عليهم السلام. وجعل هذا القصص عبرة وعظة، كى نستفيد من الدروس ونتجنب أخطاء السابقين .ومن أسف أن يتبع الأوربيون المنهج القرآنى فى التاريخ ، ونظل نحن نسبح بحمد الأسلاف ونرتكب نفس أخطائهم، لكى نظل بالتالى عبيد القرن الحادى والعشرين.

        2 ـ إن هذا البحث قد أعيدت كتابته اكثر من مرة خلال خمسة عشر عاما، حتى ينجح فى المواءمة بين الأمانة العلمية (التى تستلزم نقل الحقائق كما هى وتحليلها تحليلا علميا) وبين ذوق عصرنا الذى يستفظع ماكان سائدا فى عصرالتصوف المملوكى ولا يستطيع تصديقه، إذ عاش تحت ضغط طاحونة هائلة من غسيل المخ تركز على عبادة السلف ولاتذكر إلا الجانب المضىء، فإن لم تجده اخترعته اختراعا. وبسبب هذه المواءمة فقد اضطر الباحث إلى حذف أغلبية النصوص ( البذيئة) وهى تشكل ظاهرة عادية فى المصادر المملوكية المنشورة والمخطوطة،( والمخطوطة منها أفظع وأضل سبيلا) واكتفى الباحث ببعض النماذج التى تعطى فكرة عن العصر ، وقدم عن استشهاده بتلك النماذج الكثير من الإعتذار .. ولايزال.

         كما أن الباحث نقل مباشرة عن المصادر الصوفية، وأغلبها مصادر منشورة ومشهورة وفى متناول من يريد قراءتها، كما أنها كانت مكتوبة فى تمجيد التصوف والصوفية والافتخار بما يفعلون أو محاولة إصلاح بعض مايفعله الشيوخ المعاصرون لصاحب الكتاب، أى أن الباحث اعتمد على مصادر حية لأصحاب الشأن أنفسهم، ونقل عنهم مايؤكد الحقائق التاريخية للعصرالمملوكى وتصوفه، فإذا كانت تلك الحقائق تدين التصوف وتشينه فليس ذلك ذنب الباحث، بل هو فضل للباحث طالما يريد ببحثه توضيح الحقائق للمسلمين من الصوفية وغيرهم، وتلك هى مهمة البحث التاريخى، أن ندرس حقائق التاريخ لنتعلم من الأخطاء.

        كما حرص الباحث على الاحتكام إلى كتاب الله ليوضح حقائق الإسلام ، ويسلط بها الضوء علي روايات التصوف وتشريعاته، وقد ألصقها أصحابها بالإسلام زورا مع تناقضها مع القرآن ، والباحث يهدف بذلك إلى تصحيح عقائد المسلمين من الصوفية وغيرهم فى عصرنا الراهن.

       وقد قام الباحث بحذف أغلب تعلقياته القديمة وحاول  بقدر الإمكان ان خفف من تعليقاته ومن تحليلاته، إذ لايريد أن يتهم أحدا بالكفر فى هذا الموضوع الشائك ، مع أنه يعتمد على مصادر صوفية أصلية مشهورة ، ولكن التكفير لايحل أى مشكلة بل يزيد اشعالها، علاوة على أن التكفير ليس من أخلاق الباحث أو من هواياته، لأن كل مايرجوه هو الاصلاح ، ومراجعة النفس، وترك الحكم لله تعالى يحكم بين الناس فيما هم فيه مختلفون.

        ولذلك ركز الباحث على توضيح حقائق الإسلام والفجوة بينها وبين الحقائق التاريخية للتدين الصوفى ، ليبرىء دين الإسلام من أعمال بعض المسلمين ، ولكى يدعو المسلمين فى عصره إلى الالتصاق بالإسلام الحق، والابتعاد عن الاحتراف الدينى الذى أوجد كل السيئات والإنحرافات فى تاريخ المسلمين. إذ يمكن إيجاد النتيجة التى نخرج بها من هذا الكتاب فى قضية أساسية فى تاريخ الأديان وهى الاحتراف الدينى ، فالاحتراف الدينى هو المسئول عن كل تغيير وتحوير فى تاريخ الرسالات السماوية ، وهو السبب فى شقاق أصحاب الدين الواحد إلى طوائف ومذاهب متصارعة ، وهو السبب فى تحول الشقاق الدينى إلى تعصب دينى ومحاكمات دينية وحروب دينية وطائفية . والاحتراف الدينى هو العامل الحاضر الغائب فى موضوع هذا البحث  .

 

د. أحمد صبحى منصور

أثر التصوف فى الانحلال الخلقى فى المجتمع المصرى المملوكى

أثر التصوف فى الانحلال الخلقى فى المجتمع المصرى المملوكى

648 ــ 921 هجرية
1250 ــ 1517 م


المؤلف /
د./ أحمد صبحى منصور
الفصل الأول : جذور الإنحلال الخلقى الجسدى وتشريعه فى عقيدة
التصوف وتاريخ الصوفية
• الفصل الثانى : مفردات الانحلال الخلقى الجسدى عند الصوفية
• الفصل الثالث : انحلال المجتمع المصرى المملوكى بتأثير التصوف
• الفصل الرابع : انعكاسات الانحلال الخلقى الجسدى فى المجتمع المملوكى
• الفصل الخامس: أكل أموال الناس بالباطل
• الفصل السادس: فى المساوىء الاجتماعية
• الخاتمة
• المصادر والمراجع
more