الصوفية وأكل أموال الناس بالباطل:
التحايل بالشعوذة الصوفية

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-05-18


   كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية 

الفصل الخامس : أكل أموال الناس بالباطل

التحايل بالشعوذة الصوفية   

 قبل العصر المملوكى:

1 ــ   يقول الغزالى عن طوائف المشعوذين فى عصره أو" المكدين"" إنهم افتقروا إلى حيلة فى استخراج الأموال وتمهيد العذر لأنفسهم فى البطالة ، فاحتالوا للتعلل بالعجز، إما بالحقيقة كجماعة يعمون أولادهم وأنفسهم بالحيلة ليُعذروا بالعمى فيُعطون، وإما بالتعامى والتفالج والتجانن والتمارض ، وإظهار ذلك بأنواع من الحيل مع بيان أن تلك محنة أصابت من غير استحقاق ليكون ذلك سبب الرحمة". " وجماعة يلتمسون أقوالا وأفعالا يتعجب الناس منها حتى تنبسط قلوبهم عند مشاهدتها فيسخو برفع اليد عن قليل من المال فى حال التعجب ثم فالندم بعد زوال التعجب ولاينفع الندم، وذلك قد يكون بالتمسخر والمحاكاة والشعبذة والأفعال المضحكة،وقد يكون بالأشعار الغريبة والكلام المنثور المسجع مع حسن الصوت . والشعر الموزون أشد تأثيرا فى النفس لاسيما إذا كان فيه تعصب يتعلق بالمذاهب كأشعار مناقب الصحابة وفضائل أهل البيت أو الذى يحرك داعية العشق من أهل المجانة كصنعة الطبالين فى الأسواق ، وصنعة بما يشبه العوض وليس بعوض كبيع التعويذات والحشيش الذى يخيل بائعة أنها أدوية فيخدع بذلك الصبيان والجهال، وكأصحاب القرعة والفأل من المنجمين ، ويدخل فى هذا الجنس الوعاظ والمكدون على رءوس المنابر إذا لم يكن وراءهم طائل.. وكان غرضهم استمالة قلوب العوام وأخذ أموالهم بأنواع الكدية، وأنواعها تزيد ألف نوع وألفين ، وكل ذلك استنباط بدقيق الفكرة لأجل المعيشة"[1].

2 ــ ويتجاهل الغزالى أثر التصوف فى أولئك الذين أنكر عليهم، فهم متسولون وقد سبق الربط بين التصوف والتسول ، ثم هم يستخدمون أساليب التصوف من التجانن ـ أو الجذب الصوفى ـ وأشعار المدح للصحابة آل البيت ، مع العشق وصلته بالتصوف عضوية ـ ثم بيع الحشيش ـ أو لقيمة الفقراء الخضراء، ثم التنجيم ـ وهو نوع من الكشف الصوفى وفى النهاية الوعاظ الصوفية على رءوس المنابر.

3 ــ  ثم يعترف الغزالى بأن أولئك الصوفية ـ الذين ينكر  الغزالى نسبتهم للتصوف ـ يتخذون من المساجد مجالا لنشاطهم فينكر عليهم " التحلُق أو" الحلق يوم الجمعة لبيع الأدوية والأطعمة والتعويذات ، وكقيام  السوّال ـ أى  المتسولين ـ وقراءتهم للقرآن وإنشادهم للأشعار ومايجرى مجراه، فهذه الأشياء منها ماهو محرم لكونه تلبيسا وكذبا كالكذابين من طرقية الأطباء وكأهل الشعبذة والتلبيسات ، وكذا أرباب التعويذات فى الأغلب يتوصلون إلى بيعها بتلبيسات على الصبيان والسوادية ، فهذا حرام فى المسجد وخارج المسجد"[2].

4 ــ وبازياد التصوف تخصص من الصوفية طائفة فى مجال الشعوذة وهم" بنوساسان" يقول عنهم الجوبرى فى العصر المملوكى " أصحاب المكر والدهاء والحيل ولهم جسارة على كل مايفعلونه، ولهم ألف باب وباب ، فمنهم الفقراء ( الصوفية ) والمدرعون وأصحاب القرود والدبب.. إلخ"[3].

التحايل والعلم اللدنى:

 1 ــ  وادعاء العلم اللدنى ومشتقاته هو الأساس فى ممارسة الصوفية للشعوذة فى عصر الغزالى ومابعده ، وإذا راجعنا أقاويل الصوفية المشهورين فى عصرنا المملوكى أيقنا أنهم لايختلفون عن باقى المشعوذين. 2 ــ الدسوقى يقول : ( إذا كمل العارف فى مقام العرفان أورثه الله علما بلا واسطة، وأخذ العلوم المكتوبة فى ألواح المعانى ففهم رموزها وعرف كنوزها وفك طلسماتها وعلم اسمها ورسمها ، وأطلعه الله تعالى على العلوم المودوعة فى النقط، ولو لا خوف الإنكار لنطقوا بما يبهر العقول ، وكذلك لهم فى إشارات العبارات عبارات معجمة وألسن مختلفة، وكذلك لهم فى معانى الحروف والقطع والوصل والهمز والشكل والنصب والرفع مالا يحصر ولايطلع عليه إلاَ هم، وكذلك لهم الإطلاع على ماهو مكتوب على أوراق الشجر والماء والهواء ومافى البر والبحر وماهو مكتوب على صفحة قبة خيمة السماء، ومافى جباه الأنس والجن مما يقع لهم فى الدنيا والآخرة ، وكذلك له الإطلاع على ماهو مكتوب بلا كتابة من جميع مافوق الفوق وماتحت التحت "[4].

3 ــ  وكان أبوالعباس المرسى " يتحدث فى العقل الأكبر، والاسم الأعظم وشعبة الأربع، والأسماء والحروف ودوائر الأولياء ، وامداد الأذكار ، ومقامات الموقنين، والأملاك المقربين عند العرش، وعلوم الأسرار ، وامداد الإنكار ، ويوم المقادير، وشأن التدير ، وعلم البدء، وعلم المشيئة ، وشأن القبضة ، ورجال القبضة ، وعلوم الأفراد ، وماسيكون يوم القيامة من أفعال الله مع عباده..إلخ[5].

وكان يقول" لولا ضعف العقول لأخبرت بما يكون غدا، وكان يمسك بذقنه ويقول :" لو علم علماء العراق والشام ماتحت هذه الشعرات لأتوها ولو سعيا على وجوههم[6]

4 ــ وادعى أفضل الدين الشعرانى أنه استخرج من سورة الفاتحة مائتى ألف علم ونيفا وأربعين ألف علم"[7].

5 ــ وابراهيم المتبولى كان صوفيا أميا ومع ذلك يقول : ( أُعطيت استخراج العلوم من القرآن العظيم من فقه وأصول ومعان وبيان وجدل وعروض وغيرذلك ، فلو جلس إلى مصنف ( مؤلف ) نظيف القلب من الأدناس خال من الحسد لبينت له مادة كل علم وأوضحت له ذلك حتى لايبقى عنده فى ذلك شك )"[8]. ويقول المتبولى أيضا : (  لايكمل الرجل عندنا حتى يعلم حكمة كل حرف تكرر فى القرآن ، ويخرج منه سائرالأحكام الشرعية إذا شاء. )"[9].

6 ــ  ولو تخيلنا الدسوقى أو المرسى أو الشعرانى أو المتبولى ـ واقفا فى مجتمع يعلن هذه الادعاءات لما اختلف وضعه عن باقى المشعوذين . ولكن أولئك من مشاهير الأولياء ولا يزالون، مما يعنى أن الشعوذة بالعلم اللدنى تعتبر أصلا من أصول التصوف، وعن طريق هذه الشعوذة اكتسب أولئك الأشياخ الشهرة والأموال بالنذور والقرابين.

علوم وهمية للتحايل:

 1 ــ  لقد ادعى بعضهم علوما وهمية لاوجود لها إلا فى مخيلته ، واخترع لها العناوين مثلما فعل الدسوقى والمرسى، وآخرون ادعوا علوما محددة وثيقة الصلة بادعاء العلم اللدنى مثل علم الحرف والسيمياء والاسم الأعظم والمطالب والرمل، هذا بالإضافة للكيماء وهى بدورها وثيقة الصلة بادعاء الكرامات .. واتخذ بعضهم من ادعاء هذه العلوم وسيلة للتحايل وأكل أموال الناس بالباطل..

2 ــ  وقد وصف الكثيرون بمعرفة تلك العلوم مجتمعة.

فقيل عن الشيخ أمين الدّهان الطبيب ت743 أنه كان عالما بالكيمياء " إلى غير هذا مما كان مغرى به من الروحانيات واعتقاد مايقال من المخاطبات النجومية"[10].

وكان شيخ الطريقة ابن الشاهد المنجم ت 801" عارفا بحل الزيج متقنا لفقه عمله فى كتابة التقاويم، وكان يعرف الضرب بالرمل وغير ذلك من الأمور الغيبية مع سلامة فيه وملازمة لبيته"[11]. أى مع اتصافه بالصفات الحسنة كان يدعى علم الحرف ويضرب الرمل وعلم الغيب.

 وبسبب معرفة احدهم بالرمل وغيره ـ كما يقال عن ابن الميقاتى ت 801 ـ قرّبه الظاهر برقوق وجعله شيخ طريقة[12].

 أما ابن زقاعة (724ـ 816) فقد كان مشهورا ـ فى اعتقاد عصره ـ بكونه "إماما بارعا متفننا فى علوم كثيرة ، ولاسيما معرفة النبات والأعشاب والرياضة والتصوف" مع علم الحرف ومعرفة الاسم الأعظم والنجوم والكيمياء[13].

وحين تجرد ابن بهادر ت816 للتصوف وتعلم علم الحرف أقام بمنزله فقصده الناس لتعلم علم الحرف على يديه خصوصا وقد كان يدرى طرفا من الشعوذة والكيمياء على حد قول ان حجر فى ذيل الدرر الكامنة ( 136 ).

وقال السخاوى فى ( الضوء اللامع 3/ 18 ) عن الشيخ بلال الحبشى ت867 " ( تعانى علم الحرف واشتغل بالكيمياء مع إلمامه بالتصوف ومحبته فى الفقراء والخلوة )".

وكان ابن قرقماس الحنفى ت 882 يدعى معرفة علم الحرف وعلم الكيمياء ، وهو شيخ لتربة الظاهر خشقدم ، كما جاء فى تاريخ ابن اياس ( 2 / 181 ) .

3 ــ وتأثر الكثيرون بما أحدثه التصوف من رواج لهذه العلوم الوهمية فوصف كثيرون بمحاولة تعلمها ، فالمقريزى المؤرخ المشهور قال عنه السخاوى فى تاريخه ( التبر المسبوك 24 ) : ( أنه كان يعلم الرمل والاسطرلاب والميقات ").

4 ــ وإذا كان كبار الصوفية يجعلون من ضرب الرمل مجديا فى معرفة الغيب إلى درجة أن يتأثر المقريزى نفسه بذلك فإن من المنتظر أن يكون العامة أكثر إعتقادا فى ضرب الرمل ، ولابد حينئذ أن يتكاثر مدعو علم الرمل ، وقد كان ذلك قبل عصر المقريزى الذى يذكر بنفسه فى تاريخ السلوك " أن الناصر محمد منع الجالسين فى الطرقات لضرب الرمل والتكسب بذلك "وكان ذلك فى حوادث 735.( السلوك 2 / 2 / 382 )

5 ــ  وبعدها بقرنين انتشر مدعو هذا العلوم الخرافية واكتشف الناس أمرهم ، فتبرأ الشعرانى منهم وتابع الغزالى فى نظرته ، فالشعرانى بفتخر بكراهيته منذ صغره لتعلم علم الحرف وعلم الرمل والهندسة والكيمياء وغيرها من علوم الفلاسفة وزجر أصحابه عن تعلم ذلك ، فقال فى ( لطائف المنن الكبرى 350 ): (  فإنها أمور يفتعلها المفلسون من صفات الصالحين ، فيريدون أن يكون لهم تأثير فى الوجود تشبها بالصالحين )".



[1]
إحياء علوم الدين جـ3 / 197 : 198 ، جـ2 / 295 .

[2]ـ إحياء علوم الدين جـ3 / 197 : 198 ، جـ2 / 295.

[3]الجويرى : المختار فى كشف الأسرار 44.

[4]ـ الطبقات الكبرى للشعرانى ج1: ترجمة الدسوقى.

[5]ـ ابن عطاء. لطائف المنن71.

[6]ـ طبقات الشاذلى للكوهن62.

[7]ـ. لواقح الأنوار للشعرانى284.

[8]ـ لطائف المنن 55.

[9]ـ لواقح الأنوار 271 .

[10]الصفدى. الوافى بالوفيات وفيات 743.

[11]ـ ابن حجر.ذيل الدرر الكامنة 10، 11.

[12]ـ  إنباء الغمر جـ2/77.

[13]ـ عقد الجمان ورقة 387 وفيات 816 (المنهل الصافى 152 : 153 ).

اجمالي القراءات 7478

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,347,934
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,622
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي