رقم ( 8 )
الفصل السادس : نبذة عن ليلة القدر فى ضوء العلم الحديث

الفصل السادس :   نبذة عن ليلة القدر فى ضوء العلم الحديث

 

  أولا : العلم الحديث والاقتراب من المجهول

1ـ كاتب هذه السطور ليس متخصصا إلا فى القرآن والتراث . وبالتأكيد فان المتخصص فى العلم الحديث يستطيع أن يعيد كتابة الصفحات السابقة بصورة علمية تربط بين الآيات القرآنية وما وصل إليه العلم الحديث . مع الأخذ فى الاعتبار إن الإعجاز القرآني متجدد , وأن هناك مناطق فى القرآن لم يصل إليها العلم الحديث بعد ..

مقالات متعلقة :

ولكن كانت هذه السطور فى محاولته المتواضعة إنما يقدم دعوة للمتخصصين فى العلم ليقدموا اجتهاداتهم حول ليلة القدر ، وبنفس الإخلاص يقدم دعوة أخرى لكل مسلم لكي يعطى القرآن العظيم بعض حقوقه علينا فى التدبر والتقدير والتقديس والاهتمام ..

2 ـ والذي لا شك فيه أن ثورة المعلومات وثورة الاتصالات قد أشعرت الإنسان بقدرة الله تعالى أكثر , بحيث تضاءل عدد الذين انبهروا قديما بمنجزات الثورة الصناعية , فقد اتضح أن الجزء الخفي الغيبي فى مجال ادراكاتنا البشرية يمكن استخدامه . ونرى تكنولوجيا هذا الاستخدام فى التليفون المحمول والتليفزيون والأقمار الصناعية والانترنت , وكلها يؤكد أن مجال التقدم العلمي القادم سيكون أكثره فى العالم الخفي عنا الذي يقع فى مجال ادراكاتنا البشرية . وذلك يؤكد أيضا أن عالم الغيب الذي يقع خارج ادراكاتنا البشرية مثل عوالم البرزخ والملائكة والجن والشياطين سيكون من  السهل الإيمان بها علميا , بعد أن اتضح أن عالمنا المادي الظاهر ليس إلا قمة جبل الثلج الطافي . 

ثانيا : العلم الحديث يقترب من تخوم البرزخ

  على إن بعض الحقائق العلمية التي اكتشفها الإنسان واستخدمها تكنولوجيا قد جعلته يلامس بعض مظاهر عوالم البرزخ . ونعطى لذلك بعض الأمثلة المتصلة بموضوعنا عن ليلة القدر وملامحها من الملائكة ونزول الوحي ونزول الأقدار ..

1 ـ أعلن اينشتاين نظرية النسبية الخاصة سنة 1905 ، وأكد أن الكون المادي رباعى الابعاد  يغلفه الزمن : ( المادة + الزمن ) وان سرعة الضوء فى الفراغ هي الثابت المطلق والحد الأقصى للسرعة الكونية فى هذا العالم المادي , وكل المقادير الفيزيائية تنسب لهذه السرعة ( 286 ألف ميل/ ثانية ) أو ( 299792.5  كم / ثانية )  ..

2 ــ وفى مقال للدكتور منصور حسب النبي فى الأهرام ( 11/5/1995 )  قام بتفسير علمي لقوله تعالى  " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ : السجدة : 5" ,  " وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ : الحج : 47 " فقال إن العبارة القرآنية " مما تعدون " أي بالحساب البشرى , أي بالزمن الارضى وعليه فإن المسافة التي يقطعها الأمر الكوني في زمن يوم أرضي تساوي فى الحد والمقدار المسافة التي يقطعها القمر فى مداره حول الأرض فى زمن ألف سنة قمرية بحساب أهل الأرض . وبحل هذه المعادلة القرآنية ينتج لنا أن سرعة هذا الأمر بالحساب الارضى يساوى بالضبط سرعة الضوء فى الفراغ أي 286 ألف ميل فى الثانية أو 299792.5كم /الثانية .

وفى نفس المقال يقول د. منصور حسب النبي أن معادلات اينشتاين تنبأت قبل نظرية الأوتار الفائقة باحتمال تجاوز سرعة الضوء لجسيمات افتراضية غيبية ذات كتلة تخيلية تسمى التاكيون .

كما تنبأت نظرية الأوتار الفائقة بوجود كون آخر سداسي الأبعاد متداخل مع كوننا الرباعي الأبعاد والسرعة فيه تفوق سرعة الضوء ولكنها لا تخضع لقياسنا .

3 ـ وعليه أقول انه عالم البرزخ الذي تحدث عنه القرآن والذي تشكل ليلة القدر نقطة اتصال بينه وبين عالم الشهادة ..

ثالثا : الرؤية الصادقة بين عالمنا وعالم البرزخ

1 ــ ـ ولنفترض أن فلانا يعيش فى القاهرة وله أخ يعيش فى الإسكندرية وكان قدر أخيه فى الإسكندرية أن يموت فى الساعة العاشرة من صباح أول مايو فى حادثة فى المكان الفلاني . ولنفرض أن فلانا هذا يريد السفر إلى أخيه فى الإسكندرية فى توقيت مقارب للحادث الذي سيحدث لأخيه وهو لا يعلم بالضبط , وان كان ذلك الحادث قد تم تضمينه ضمن الأقدار وذلك ليلة القدر فى شهر رمضان الحالي والتي ستحدث فى العام التالي .

والمهم أن صاحبنا يسافر إلى أخيه فى الإسكندرية والمسافة بين القاهرة والإسكندرية ( 250كم ) ونريد أن نجعله يصل إلى أخيه فى نفس اللحظة التي ستحدث له فيها حادثة موته . فإذا ركب قطارا سيصل إلى أخيه بعد الحادثة بعدة ساعات . فإذا ركب طائرة وصل بعد الحادثة بأقل من ساعة ولكنه إذا سافر بسرعة الضوء فقد يصل عند الحادثة بالضبط , أي أن الزمن يتضاءل حسب السرعة , فإذا سافر الإنسان بسرعة الضوء انمحى الزمن . ولكن يبقى أن الضوء فى حد ذاته مادة . فإذا سافر الإنسان فرضا بسرعة تفوق سرعة الضوء فإنه حينئذ يرى الحادثة قبل وقوعها . أي يراها فى عالم الغيب.. وهذا يحدث .. فى الأحلام التي تنبئ عن المستقبل ..

2 ــ ففي المنام تتحرر النفس البشرية من الجسد وتظل على صلة خفية به . ولأنها تنتمي إلى عالم البرزخ حيث السرعة فيه تفوق سرعة الضوء فى عالمنا المادي فإن النفس فى تجوالها بهذه السرعة قد تصطدم ببعض الأحداث المستقبلية وهى فى صورة معنوية لم تتجسد واقعا ماديا فى دنيانا . ولهذا ترى هذه المعاني فى صورة تحتاج فى اليقظة إلى تأويل وتفسير وتحقيق.

3 ـ  وقصة يوسف خير مثال على ذلك , إذ أنها قامت على أربعة منامات صادقة رؤيا يوسف ورؤيا صاحبي يوسف فى السجن , ورؤيا الملك . والأنفس الأربعة لهم جالت فى البرزخ ورأت أحداثا مستقبلية . ودارت الأيام وتحققت هذه المنامات . وهذا يعنى أن هناك مستويات مختلفة للملائكة وسرعاتها وتعاملها مع الأوامر الإلهية .

4 ــ وفى سورة المعارج يقول تعالى عن الروح والملائكة العلويين "  تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ : المعا رج : 4" ، أي أن الأمر الالهى يأخذه جبريل والملائكة العلويون فى زمن مختلف عند العروج لله تعالى , ثم يأخذ هذا الأمر مقياسا آخر فى مستوى اقل فى التعامل بين الملائكة حيث يساوى ألف سنة بحسابنا الارضى . والنفس البشرية فى المنام قد تتجول فتصطدم بنبأ فى مستوى الألف عام , وقد تصطدم بنبأ فى مستوى اعلي .

5 ــ ولكن ليلة القدر تتنزل فيه الأوامر والأقدار التي  للعام التالي .. والله تعالى أعلم.

رابعا : عوالم البرزخ تتداخل فينا وفى عالمنا المادى

1ـ والدكتور حسب النبي تحدث عما أشارت إليه نظرية النسبية ونظرية الأوتار الفائقة من وجود عالم سداسي الأبعاد متداخل مع عالمنا الارضى الرباعي الأبعاد , والسرعة فيه تفوق سرعة الضوء . وهو هنا يشير إلى اكتشاف آخر أكثر غرابة ، هو التداخل بين عالمنا المادى ( الضعيف ) وعوالم برزخية أعلى وأقوى .

2 ـ فقد اتضح إن ذرات المادة الأرضية تدور بسرعة تتراوح بين 400 مليار دورة إلى 750 مليار دورة فى الثانية الواحدة , وإذا استطاعت ذرة مادية أن تدور فوق 750 ألف مليون دورة فى الثانية فإننا لا نستطيع أن نراها . وهذا يفسر لنا السبب فى أن مروحة الطائرة إذا اشتد دورانها فإننا لا نراها مع أنها موجودة .. وهكذا بالنسبة لذرات الهواء والذرات المتطايرة من المواد الأخرى والتي نحس بها عن طريق الرائحة دون الرؤية ..

وذرات العالم السداسي الأبعاد أسرع دورانا وبهذا تخرج عن المستوى الاهتزازي لعالمنا المادي فلا نستطيع أن نراها . ومن العالم الذي لا نراه الجن والملائكة والشياطين , وحتى النفس البشرية خارجا عن الجسد . وقد دل علم الميكانيكا الموجية على أن الأساس فى تداخل الأجسام أو عدم تداخلها يرجع إلى اختلاف المستوى الاهتزازي لهذه الأجسام أو تطابقه . فإذا كان المستوى الاهتزازي لهما واحدا لانتمائهما إلى نفس العالم فان تداخلهما يكون مستحيلا , فلا يستطيع الإنسان أن يخترق بجسده الحائط لأن المجال الاهتزازي بينهما واحد . أما إذا اختلف المجال الاهتزازي فيستطيع الكائن الأكثر اهتزازا أن يخترق الكائن الأقل اهتزازا . فالجن والملائكة تستطيع اختراق الجسد الإنساني والعالم المادي . ويكون التداخل بينهما طبيعيا . وعلى ذلك فان وجود جسمين أحدهما أرضى والأخر برزخي متداخلين ويشغلان مكانا واحدا فى وقت واحد يعتبر ظاهرة طبيعية يؤيدها العلم . وجهاز الراديو أبرز مثال على ذلك فالكون ممتلئ بموجات لاسلكية تخترق الجدران لأن ذبذباتها اعلي من نظيرتها فى العالم المادي وهى فى نفس الوقت مختلفة الذبذبات لذلك تتداخل فى جهاز الراديو ولا يحس بعضها ببعض ولا يؤثر بعضها على بعض , وكلها فى نفس جهاز الراديو , فإذا استقر مفتاح الراديو على موجة معينة التقطها دون أن يعوقه وجود موجة أخرى فى نفس المكان أو نفس المحطة لأنها ذات ذبذبة أخرى . فإذا أردنا التشويش على محطة بعينها استخدمنا نفس الذبذبة ..هذا مع العلم بأن عالمنا المادى تتدرج إهتزازاته من 400 مليار دورة إلى 750 مليار دورة فى الثانية الواحدة ، المواد الصلبة من أجساد وكواكب ونجوم ومجرات مادية إهتزازاتها  400 مليار دورة فى الثانية . تكون أسرع لو تحولت المادة الى بخار ، لذا يصعب رؤيته ، ثم تستحيل رؤيته لو تحول الى طاقة ، وفى كل تزداد سرعة الاهتزازات الى أن تصل الى 750 مليار هزة فى الثانية ، وفى هذه المجالات العليا من عالمنا المادى تقع انواع الطاقة غير المرئية والتى يمكن إستخدامها مثل أشعة إكس وجاما والبنفسجية وتحت الحمراء ، وهى تخترق أجسامنا والأجسام الصلبة التى فى مستوى أقل منها ، ومنها مستوانا السفلى 400 مليار دورة . ونتذكر أن الطاقة هى مادة متحولة ، وأن الطاقة والمادة وجهان لعملة واحدة . فإذا كان هناك كائن تزداد إهتزازاته فوق 750 مليار دورة فى الثانية الواحدة فهو فى عالم البرزخ ، ومن الطبيعى أن يتخللنا ، وأن يتخلله من هو أعلى منه من عوالم البرزخ المتدرجة .

3 ــ إذن فالإنسان يعيش فى عالمين متداخلين ولكل منهما مستوى اهتزازي يغاير الآخر . ويتداخل الجسمان : الجسد الارضى والنفس البرزخية فى كائن واحد ومكان واحد . والإنسان أيضا لا يرى الملائكة بعين جسده , ومن الملائكة رقيب وعتيد , وهما مقترنان بكل إنسان يحفظان أعماله , ومع اقترانهما به ومعرفتهما به فإنه لا يدرى عنهما شيئا . ولا يكشف ذلك إلا عندما يموت لحظة الاحتضار وعند البعث عندما ينكشف عنه الغطاء ..

والنبي محمد فى ليلة القدر انكشف عنه الغطاء فرأى جبريل والعالم البرزخي ورأى من آيات ربه الكبرى . ومنها سدرة المنتهى وجنة المأوى التي يعيش فيها من يقتلون فى سبيل الله ويعيشون فيها متنعمين حيث لا نشعر بهم نحن فى عالمنا المادي , وان كانوا يحسون بنا ( البقرة : 154 , آل عمران ـ 169 ـ  )   ..

4 ــ أي أن العالم البرزخي يحيط بنا بكل من فيه من ملائكة وشياطين وجان . وبكل ما فيه من أخبار وأنباء ومستويات ، والله تعالى يقول " لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ : الأنعام : 67"  .  كل اخباره مستقرة فيه، إما تم تسجيلها فى كتاب أعمال أولئك الذين عاشوا وماتوا أو  أقدار لم تحدثبعدُ ينزل بها الملائكة والروح بإذن ربهم من كل أمر ، فى ليلة القدر كل عام،والتى قال فيها جل وعلا : (إنَّآ أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ ﴿١﴾ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ ﴿٢﴾ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌۭ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍۢ﴿٣﴾ تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍۢ ﴿٤﴾ سَلَـٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ﴿٥﴾  )   

5 ــ  ودائما : صدق الله العظيم.

ليلة القدر هى ليلة الإسراء
فكرة عن الكتاب : يثبت لأول مرة الحقائق التالية : أن ليلة الاسراء هى ليلة القدر فى شهر رمضان ، وينفى اسطورة المعراج ، و أن الإسراء هو لجبل الطور فى سيناء حيث المسجد الأقصى الحقيقى ، وليس ما يعرف الان بالمسجد الأقصى فى القدس ، والذى بناه الوليد بن عبد الملك الأموى . وأن القرآن الكريم نزل كتابا مرة واحدة ليلة الاسراء ، ثم كان نزوله متفرقا على لسان الرسول عليه السلام ، هذا عدا لمحة عن: ليلة القدر بين القرآن والعلم الحديث .
more