رقم ( 6 )
الفصل الرابع : المسجد الأقصى هو فى طور سيناء وليس القدس

الفصل الرابع : المسجد الأقصى هو فى طور سيناء وليس القدس

 

  أولا : الأصل التاريخي للمسجد المعروف الان بالأقصى فى القدس 

1 ــ إن المسجد الأقصى الموجود الآن بناه الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك , وهو الذي بني المسجد الأموي فى دمشق . والمشهور فى الروايات التاريخية عن فتح بيت المقدس فى خلافة عمر بن الخطاب انه لم يرد فيها ذكر لوجود المسجد الأقصى , وكل ما كان موجودا هو كنيسة القمامة أو القيامة . وقد اشترط بطركها ألا يسلم المدينة إلا لعمر بن الخطاب , وجاء عمر بنفسه وتسلم المدينة "القدس" . وحين أراد الصلاة لم يكن هناك المسجد الأقصى ليصلى فيه . وهناك رواية مشهورة تقول إن عمر رفض الصلاة فى الكنيسة حتى لا تتحول فيما بعد إلى مسجد . والمهم فى هذه الروايات عن فتح عمر القدس أو بيت المقدس أنها تخلو من وجود المسجد الأقصى أو ذكر المسجد الأقصى .

2 ــ  ثم حين قامت الدولة الأموية فى دمشق وتوطدت خلافة بني مروان أصبحت الحاجة ماسة لإعلاء شأن الشام أمام الحجاز الذي يمثل المعارضة السياسية ضد الأمويين . ونتذكر الوقائع الحربية بين الحجاز والشام فى ثورة الحسين ثم فى خلافة ابن الزبير إلى أن تمهدت الأمور للأمويين فى الشام. وانهزم الحجاز وبدأت الأضواء تنحسر عنه لصالح دمشق طبقا لسياسة الأمويين , وظهر هذا فى خلافة الوليد بن عبد الملك , وتواترت روايات القصاصين , وهم جهاز الدعاية فى الدولة الأموية تتحدث عن فضل بيت المقدس وعن المسجد الجديد الذي حمل اسم المسجد الأقصى , وتكاثرت الروايات التي تجعل الصلاة فى ذلك المسجد مقدسة بالمقارنة بمسجد المدينة والمسجد الحرام , وتجعل نهاية الإسراء إليه , بل وتخترع المعراج منه إلى السماء . ثم جاء العصر العباسي فأتيح لهذه الروايات الشفهية أن تدون وتكتب فى أسفار أصبحت بمرور الزمن مقدسة وتستعصي على المناقشة والنقد بدليل دهشة القارئ لما نقوله الآن .

ثانيا : السياق القرآني يؤكد أن المسجد الأقصى هو طور سيناء :

1 ـ والموضوع طويل ولكن نقتصر منه على الإشارة الموجزة لآيات القرآن التي تؤكد أن المسجد الأقصى المذكور فى سورة الإسراء ليس فى القدس وإنما فى مكان آخر هو جبل الطور فى سيناء.

2 ــ  صحيح أن فلسطين وصفها القرآن بأنها أرض مباركة و مقدسة    " يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ : المائدة 21 " ويقول تعالى أيضا عنها " وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ  الأنبياء : 71 " وهذا يتفق مع وصف المسجد الأقصى بأنه قد بارك الله حوله " إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ."، إذن فالمسجد الأقصى فى الشام .ولكن لو كان هناك المسجد الأقصى لتم ذكره فى هذا القصص من عهد ابراهيم الى عيسى عليهم السلام ، وهو قصص يحتل جزءا كبيرا فى القرآن الكريم .

ولكن سيناء أو طور سيناء موصوفة بالبركة والقداسة فى القرآن أكثر من فلسطين ، وفوق هذا تزيد هنا على فلسطين باتصافها بشيئين : الأول : الاقتران بالوحي , والاقتران بالبيت الحرام .

3 ـ وهنا نرتب الآيات موضوعيا لنتعرف على مكان المسجد الأقصى .. وذلك على النحو التالي .

3 / 1 : ـ  فى سورة الإسراء تتحدث الآيتان الأوليان عن نزول القرآن ونزول التوراة , والعادة أننا دائما نفصل بين الآيتين , ونقتصر فى فهم الإسراء على الآية الأولى , ونتجاهل الآية الثانية ونقطع السياق بينهما , مع أن الآيتين موصولتان بواو العطف . يقول تعالى "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ . وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ  " ومعلوم أن موسى أوتى الكتاب عند جبل الطور . إذن هنا الاقتران بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى . حيث حدث الإسراء من الأول إلى الثاني . ثم اقتران بين المسجد الأقصى وجبل الطور فى سيناء لنفهم منه أن المسجد الأقصى هو الطور .

 3 / 2 ـ وجبل الطور موصوف بالبركة والقداسة فى سياق الحديث عن كلام الله تعالى موسى كقوله تعالى "   فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى ، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طوي :طه 11 , 12 "

بل إن البركة تمتد إلى شجرة الزيتون فى طور سيناء حيث شهدت المنطقة المقدسة كلام الله تعالى , يقول تعالى  " فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ:القصص : 30" "فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا َ : النمل 8" بل إن شجرة طور سيناء وصلت بركتها إلى أن جعلها القرآن  نعمة مستمرة مثل نعمة السماء والأرض والجنات يقول تعالى " وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ:المؤمنون 20 " ،  بل ويقترن ذكرها بنور الله تعالى فى صورة تمثيلية فى قوله تعالى "  اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ "فيقول تعالى  "يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ " وتؤكد الآية أن المقصود بالنور هو الهداية "  يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء:النور : 35" والهداية مرتبطة بالوحي . والنور هو الوحي الإلهي . وهذا يزيد من ارتباط طور سيناء بالوحي الإلهي . وبالتالي يزيد من ارتباط المسجد الأقصى بالطور.  طور سيناء .

3 / 3  ـ وجبل الطور مرتبط بنزول التوراة وإرتباطه أيضا بكلام الله تعالى لموسى حين ناداه لأول مرة . كما أن جبل الطور هو الذي رفعه الله تعالى فوق بني إسرائيل في عهد موسى حين أخذ عليهم العهد والميثاق . فسجدوا على الأذقان وعيونهم تتعلق بالجبل المرفوع فوق رءوسهم . كما أنه نفس الجبل الذي طلب موسى من فوقه أن يرى ربه ولما صعق موسى عندما تجلى ربه للجبل فإنه لابد وسجد حين قال تائبا "سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ : الأعراف : 143 "

إذن فالطور هو محل السجود أمام التجلي الإلهي في قصة موسي حين طلب رؤية الله جل وعلا ، وهو أيضا محل السجود حين رفع الله تعالي الطور أو الجبل فوق بني إسرائيل وأخذ عليهم العهد والميثاق فسجدوا على الأذقان وهم يرتعبون خوفا أن يسقط عليهم جبل الطور : (وَإِذْ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُۥ ظُلَّةٌۭ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُۥ وَاقِعٌۢ بِهِمْ خُذُوا۟ مَآ ءَاتَيْنَـٰكُم بِقُوَّةٍۢ وَٱذْكُرُوا۟ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٧١﴾ الاعراف  ) . والمسجد من السجود .ولأن جبل الطور بعيد عن المسجد الحرام لذا جاء وصفه بالمسجد الأقصى .

3 / 4 ــ وهناك صلة أخري بين القرآن وجبل الطور الذي شهد تلقي موسى الألواح (التوراة) ونريد أن نثبت الآن أن محمدا تلقي وحي القرآن مكتوبا في قلبه عند نفس الجبل .

فالله تعالي يقول عن موسي عندما جاء للقاء الله تعالي عند جبل الطور " وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ :الأعراف 145 " أي تلقي موسي التوراة مكتوبة أو كتابا فيه كل شيء. وفى نفس سورة الأعراف يقول الله تعالي عن القرآن "  وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً : الأعراف :52 " وآيات كثيرة تصف القرآن بأنه جاء تفصيلا لكل شيء يحتاج للتفصيل ، ولكن المهم هنا أن وصف القرآن جاء في سورة مكية بأنه كتاب مكتوب ، بل أن افتتاح سورة الأعراف تتحدث عن نزول القرآن مرة واحدة " كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ : الأعراف : 2" أي أنه كما تلقي موسي كتاب التوراة مكتوبا عند طور سيناء فكذلك تلقي محمد القرآن مكتوبا علي قلبه في نفس المكان .

 3 / 5 ــ وصلة أخري بين القرآن وجبل الطور الذي رفعه الله تعالي فوق بني إسرائيل حين أخذ عليهم العهد والميثاق .

وتتجلي هذه الصلة حين اختار موسي من قومه سبعين رجلا للقاء الله تعالي عند جبل الطور ليعلنوا توبتهم وأسفهم علي عبادة العجل .وحين جاءوا لميقات الله تعالي عند الطور أخذتهم الرجفة ، وطلب موسي العفو والغفران وأن يكتب الله تعالي لهم الرحمة ، ورد الله تعالي عليهم بأنه سيكتب رحمته للمؤمنين " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ : الأعراف 157" .

أي أن التوراة التي نزلت علي موسي في جبل الطور تحدثت عن رسالة خاتم النيين ثم أخبر الله تعالي موسي فيما بعد أنه سيكتب رحمته لمن يؤمن بالرسول الأمي الذي نزلت بشارته في التوراة وستنزل بشارته في الإنجيل أي أنه في نفس المكان جبل الطور أخبر الله تعالي بالرسالة الخاتمة وصاحبها في حياة موسي.

3 / 6ــ وكما تحدثت التوراة ونزل الوحي على موسي يتحدث عن القرآن والنبي الأمي فأننا نجد نفس الشيء في حديث القرآن عن التوراة وعن موسي . فالحديث القرآني عن قصة موسي وبني إسرائيل يعدل حوالي نصف قصص الأنبياء في القرآن، والحوار مع بني إسرائيل وتذكيرهم بالتوراة الحقيقية أكثر من حوار القرآن مع أهل مكة أنفسهم . وبالرغم من وجود رسالات سماوية بين التوراة والقرآن فإن الله تعالي يصف التوراة في القرآن بما يصف به القرآن وينقل آيات من التوراة إلي القرآن ، ويراجع علي سبيل المثال : (الأنعام 91 :92, 154: 155, المائدة 43: 45 ،القصص 43, الأحقاف 30, الأعلى 19, الشعراء 192 :197 ).

التزاوج بين سورتى الاسراء والنجم :

4 ــ والعجيب أن سورتي الإسراء والنجم نجد فيهما ذلك التزاوج بين القرآن والتوراة، وهما السورتان اللتان تتحدثان عن نزول القرآن .

4 / 1 : فسورة الإسراء ـ التي تسمي أحيانا سورة بني إسرائيل ـ تبدأ آياتها بالحديث عن الإسراء من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى وفي الآيات التالية تتحدث عن نزول التوراة وتاريخ بني إسرائيل، وفي نهاية السورة عودة للحديث عن موسي وبني إسرائيل مرتبطا ــ مثل البداية ــ بالحديث عن نزول القرآن . والأعجب أن نهاية السورة تتحدث عن نزول القرآن مرة واحدة  " وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ " ,  ثم تتحدث الآية التالية عن نزوله متفرقا " وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً " ثم يخاطب الله تعالي العرب المشركين قائلا "  قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ " , ويذكرهم بأن علماء بني إسرائيل إذا يتلي عليهم القرآن يخرون للأذقان سجدا ويتذكرون العهد والميثاق القديم الذي أخذه الله تعالي علي أجدادهم حين رفع فوقهم جبل الطور، لذلك فإن أولئك العلماء يخرون للأذقان بنفس الهيئة التي كان يسجد بها أسلافهم حين كانوا يسجدون علي الأذقان وينظرون بعيونهم إلي الجبل المعلق في الهواء فوقهم ، والمعني أن أولئك العلماء يربطون بين نزول القرآن كتابا مرة واحدة عند جبل الطور وما حدث سابقا عند جبل الطور، من نزول التوراة ومن التبشير فيها بالقرآن ، ومن أخذ العهد علي أسلافهم بأن يؤمنوا بالقرآن ، وطالما كان من حظهم أن يشهدوا الرسالة الخاتمة فإنهم " ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا : الإسراء 101 ـ 109 "

4 / 2 : أما سورة النجم فقد افتتحت بنزول القرآن ثم تحدثت في نهايتها عما جاء في صحف موسي  "أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى " النجم : 36 ,  ونقلت إلي نهاية السورة "62" آيات من التوراة ومن رسالة إبراهيم ..

الاقتران بين الطور والبيت الحرام

5 ـ ولكن تبقي نقطة أخيرة ، وهي أن آية الإسراء أشارت إلي المسجد الحرام (مكة) كما أشارت إلي المسجد الأقصى .والسؤال الآن ، إذا كان المسجد الأقصى هو في طور سيناء فلا بد أن القرآن الذي يفسر بعضه بعضا أن يرد فيه ذلك التزاوج بين المسجد الحرام وطور سيناء في مواضع أخري لتؤكد نفس المعني الوارد في سورة الإسراء.. والأمر لا يحتاج إلى كبير عناء ..

5 / 1 ـ فالله تعالى يقول: " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ،وَطُورِ سِينِينَ ،وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ. " الزيتون دلالة على طور سيناء. أو سنين . والحديث عن طور سينين يقترن بالبلد الأمين وهى مكة التي جعلها الله تعالى مثابة للناس وأمنا . إذن فالله تعالى يقسم بطور سيناء واهم نعمة أو بركة فيه وهى التين والزيتون , كما يقسم بالبلد الحرام واهم نعمة فيه وهى الأمن .

5 / 2 ـ وفى سورة الطور يقسم الله تعالى بطور سيناء وبالبيت الحرام المعمور "وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ "ونلاحظ أن الحديث عن القرآن الكتاب المسطور جاء بين الطور والبيت المعمور . لأن القرآن نزل حين أسرى الله تعالى بالنبي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فى طور سيناء  ..

6 ــ أي أن ليلة القدر أو ليلة الإسراء وما رأى النبي فيها من آيات إنما حدثت فى طور سيناء ، وان المسجد الأقصى ليس فى بيت المقدس الذي لم يرد ذكره مطلقا فى القرآن ، وإنما هو فى طور سيناء ، وهو الذي تردد ذكره والإشادة به فى كتاب الله العزيز . إن روايات التراث ودوافعها السياسية هي السبب فى تجاهلنا لقيمة سيناء وهى بالصدفة جزء من مصر , وبالمناسبة فإن مصر هي البلد الوحيد الباقي الذي تكرر الحديث عنه بالاسم والوصف فى عشرات الآيات القرآنية .

ثالثا : الخلاصة مما سبق :ـ

1ـ إن الملمح الأول من ليلة القدر هو نزول القرآن مرة واحدة مكتوبا فى قلب النبي . ثم كان ينزل على ذاكرته حسب الحوادث . ولا يتذكر المكتوب فى قلبه إلا عند الوحي الشفهي . إذ كان عليه السلام لا يعلم الغيب , وبعض المكتوب فى قلبه من التنزيل كان يخبر بالمستقبل .

2ـ فى ليلة القدر أسرى الله تعالى بالنبي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى , أي أن ليلة الإسراء هي نفسها ليلة القدر فى شهر رمضان . وفى هذا الحدث اجتمعت طهارة الزمان وطهارة المكان . بركة الزمان والمكان . فالليلة مباركة وخير من ألف شهر والمسجد الأقصى بارك الله حوله , وكل ذلك لأن الوحي القرآني  موصوف بالبركة " الأنعام 92, 155, الأنبياء 50 , ص 29 " ..

3ـ فى ليلة القدر التي هي ليلة الإسراء كان الإسراء من المسجد الحرام فى مكة إلى المسجد الأقصى فى جبل الطور , حيث كان الله تعالى يكلم موسى وحيث انزل عليه التوراة , وحيث رفع الجبل واخذ العهد والميثاق على بني إسرائيل , وحيث كان التبشير بنزول القرآن فى إطار ذلك كله . ولهذا اقترن جبل الطور بالقداسة والبركة والطهر , كما اقترن جبل الطور أو المسجد الأقصى بالمسجد الحرام أو مكة , وذلك فى سور الإسراء والتين والطور ..

4ـ الروايات التاريخية التراثية هي المسئولة عن ذلك الخلط الذي وقعنا فيه. إذ تجاهلت طور سيناء وأدت العوامل السياسية إلى إطلاق المسجد الأقصى على الذي بناه الوليد بن عبد الملك الأموي فى القدس . ولم يكن موجودا ذلك المسجد عند فتح القدس . بل أن القرآن لم يتعرض مطلقا للقدس أو بيت المقدس . إذ لم يذكر سوى البيت الحرام والطور , ووصفهما بالبركة . كما أشار إلى مسجد المدينة أيضا ( التوبة  108 , 109 ) ولو كان ذلك المسجد الأقصى موجودا فعلا فى فلسطين وتم الإسراء إليه لتردد ذكره فى القرآن بديلا عن طور سيناء . ولكن ذلك لم يحدث .

ليلة القدر هى ليلة الإسراء
فكرة عن الكتاب : يثبت لأول مرة الحقائق التالية : أن ليلة الاسراء هى ليلة القدر فى شهر رمضان ، وينفى اسطورة المعراج ، و أن الإسراء هو لجبل الطور فى سيناء حيث المسجد الأقصى الحقيقى ، وليس ما يعرف الان بالمسجد الأقصى فى القدس ، والذى بناه الوليد بن عبد الملك الأموى . وأن القرآن الكريم نزل كتابا مرة واحدة ليلة الاسراء ، ثم كان نزوله متفرقا على لسان الرسول عليه السلام ، هذا عدا لمحة عن: ليلة القدر بين القرآن والعلم الحديث .
more