رقم ( 4 )
الفصل الثانى : الوحى الالهى وكيفية نزول القرآن الكريم

 

الفصل الثانى : الوحى الالهى وكيفية نزول القرآن الكريم

  

برغم كثرة ما يقال عن ليلة القدر ونزول القران فيها فان الحقائق القرآنية في ذلك الموضوع لا تزال في أكثريتها غائبة وبعيدة عن مجال التدبر . وفي هذا المجال نقتصر من هذه الحقائق القرآنية علي ثلاثة قضايا. هي معني الوحي ، وكيف نزل الوحي في ليلة القدر وغيرها، ومتى وأين نزل الوحي ليلة القدر..

أولا: معني الوحي وأنواعه

الوحي هو طريقة تفاهم أو اتصال غير مألوفة، أي بغير الحديث العادي الذي يتم بين جانبين في وسط واحد. فالحديث بينك وبين إنسان أخر يظل اتصالا عاديا، سواء كنت تهمس إليه في أذنه أو تحدثه بالتليفون، طالما كانت وسيلة الاتصال هي اللغة والصوت والاستماع بالآذن..

أما إذا اختلف الآمر فأصبح التفاهم بينكما بغير الصوت هنا يكون الوحي أو الإيحاء له بالمعني الذي نريد توصله إليه بدون كلام وبدون صوت . وهذا ما نفهمه من قوله تعالي عن زكريا ("فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا : مريم :11") ذلك أن الله تعالي جعل آية زكريا أنه لن يستطيع أن يكلم الناس ثلاث ليال سويا، حتى يتأكد أن الله تعالي سيهبه ابنا رضيا. وتحققت الآية فلم يستطع الكلام وخرج علي قومه من المحراب يشير إليهم أو يوحي إليهم بالتسبيح وهذا هو معني الوحي

ويتأكد معني الوحي حين يكون اتصلا بين عالمين مختلفين.

وهنا ندخل علي أنواع الوحي .

1 ــ فهنالك وحي من الله تعالي للملائكة "إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ  : الأنفال12"

2 ــ وهناك وحي من الله تعالي إلي بعض البشر من غير الأنبياء. مثل أم موسي "إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى : طه 28" "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ : القصص 7" ومثل الوحي للحواريين "وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا : المائدة 111"

3 ــ وهنالك وحي من الله تعالي للأنبياء "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ : النساء 163"

4 ــ بل هناك وحي من الله تعالي للأنبياء " وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ : النحل 68" . والوحي للنحل وغيرها يعني الغريزة التي أودعها الله تعالي في هذه الكائنات وجعلها تهتدي بهذه الغريزة في حياتها ومعاشها مصداقا لقوله تعالي "الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى : طه 50".   5 ــ وقد يكون الوحي الإلهي لغير الأنبياء من البشر نوعا من الإلهام القوي الذي يتأكد معه أولئك البشر أنه وحي إلهي، ولكن من المؤكد أن الوحي للأنبياء يكون شيئا مختلفا لأنه نظام متكرر واتصال مستقر ومستمر ينتج عنه كتاب سماوي يقوم كل نبي بتبليغه لقومه . وهذا الوحي الخاص للنبي يستلزم كيفية خاصة يكون بها النبي الرسول متميزا عن باقي البشر بأنه يوحي إليه. أو كما قال الله تعالي لخاتم النبيين "قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ : الكهف 110"

ثانيا كيف نزل الوحي :

قلنا أن الوحي معناه يتأكد حين يكون اتصالا بين عالمين مختلفين بين الله تعالي والبشر والله تعالي في سوره الشورى قال: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَآئِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًۭا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِۦ مَا يَشَآءُ ۚ إِنَّهُۥ عَلِىٌّ حَكِيمٌۭ ﴿٥١﴾) أى إنه جل وعلا قد حدد ثلاث كيفيات لكلامه مع البشر وهي الوحي، أو الحديث من وراء حجاب، أو عن طريق ملك من الملائكة. والوحي المباشر أو الكلام المباشر حدث مع موسي عند الشجرة المباركة في طور سيناء، والوحي عن طريق ملك أو رسول الوحي حدث في نزول القرآن الكريم، وربما حدثت الأحوال الثلاثة في الوحي لكل الأنبياء مع زيادة في إحدى الطرق عن الأخرى بالنسبة لبعضهم لأن الله تعالي يقول "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ : السناء 163" أي كيفية الوحي واحدة لكل الأنبياء من نوح إلي محمد عليهم السلام ..

بين الوحي المكتوب والوحي الشفوي

وهناك وحي ينزل كتابا مكتوبا رسالة سماوية، وهناك وحي آخر يصاحب النبي في خطواته، فالنبي موسي كان ينزل عليه الوحي قبل وبعد نزول ألوح التوراة , النبي نوح أوحي الله له في نهاية دعوته كيف يصنع السفينة . والنبي محمد نزل عليه وحي تردد صداه في القرآن، نري أمثلة لذلك في قصة بدر " الأنفال 7" وفي غزوة ذات العسرة " التوبة 118" وفي علاقة النبي بزوجاته "التحريم 3 , الأحزاب 37" ولكن يظل الكتاب مهيمنا علي ذلك الوحي، لأنه علي أساس الكتاب السماوي يتم حساب الناس يوم القيامة، وليس البشر مطالبين بشيء سواه ..

القرآن نزل مرة واحدة ثم كان ينزل متفرقا

  كيفية نزول وحي القرآن علي خاتم النبيين عليهم السلام ..

1 ــ وخلافا للمألوف والمعهود فأن القرآن الكريم يؤكد علي أن وحي القرآن نزل مكتوبا علي قلب النبي محمد مرة واحدة ودفعة واحدة في ليلة القدر. ثم كان بعدها ينزل على ذاكرته حسب الحوادث إلي أن انتهي نزولا بآخر آية في القرآن تقول "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا : المائدة 3"

2 ــ والقرآن يؤكد أنه نزل مرة واحدة القدر في ليلة مباركة في شهر رمضان. كما أن القرآن يؤكد في سور مكية أنه نزل مرة واحدة كتابا أي مكتوبا، كقوله تعالي "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ : الكهف 1" وكقوله تعالي "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ : النحل 89" "أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ : العنكبوت 51" .

3 ــ وحين نزلت هذه الآيات التي تخبر عن نزول الكتاب كان القرآن في مكة لا يزال يتنزل , واستمر نزوله في المدينة. أي أنها تخبر عن نزول الكتاب دفعه واحدة قبل أن يتنزل على لسانه وذاكرته حسب الحوادث.

كيف نزل القرآن كتابا مرة واحدة في ليلة القدر عن طريق جبريل ؟

1 ــ في بداية سورة الدخان يقول الله تعالي " حم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ .". فكيف نزل ذلك الكتاب المبين في تلك الليلة المباركة ؟. الإجابة ترددت في القرآن الكريم في أكثر من موضع..

2 ـ بعضها يؤكد علي دور جبريل روح القدس الذي نزل بكلمة الله تعالي علي قلب النبي، أو كتب القرآن في قلب النبي. نلمح ذلك في قوله تعالي " قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ : البقرة 97" وفي قوله تعالي " قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ : النحل 102" وفي قوله تعالي " نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ : الشعراء 192". ونلاحظ هنا وصف جبريل بالروح وروح القدس..

3 ـ وبعضها يضيف لجبريل أو صافا أخري ويشير بإيجاز إلي كيفية نزول جبريل بالوحي علي قلب محمد عليهما السلام , نري ذلك في قوله تعالي عن جبريل والقرآن " إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ . مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ" وبعد هذه الأوصاف لجبريل يقول الله تعالي عن محمد مخاطبا مشركى قريش " وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ" أي أنكم صحبتم محمدا قبل النبوة وعرفتم رجاحة عقله وصدقه وأمانته فكيف تتهمونه ( عندما نزل عليه القرآن وأصبح نبيا) بأنه مجنون، ثم يقول الله تعالي عن نزول القرآن من جبريل علي محمد "وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ : التكوير 19ـ23" أي أن محمدا رأي جبريل بالأفق المبين. وهذه إشارة موجزة لكيفية الوحي يفيد بأن محمدا رأي جبريل علي هيئته الملائكية حين كان جبريل بالأفق المبين أي الأفق الواضح الذي لا غيم ولا سحاب ولا ظلال فيه ..

4 ـ وفي سورة النجم ـ في بدايتهاـ تفصيلات أكثر مما جاء في سورة التكوير.. وتشرح ما جاء فيها بالتفصيل ..

تبدأ السورة بالقسم الإلهي بالنجم إذا هوي أن صاحبهم ـ أي محمدا عليه السلام ـ ما ضل وما غوي حين نزل عليه القرآن ونطق به،فما القرآن إلا وحي أوحاه الله تعالي له عن طريق جبريل الذي وصفه القرآن بأنه شديد القوي ووصف كيفية نزول القرآن مرة واحدة علي قلب النبي ليلة القدر وكيف استوي جبريل وهو بالأفق الأعلي أو الأفق المبين ثم دنا جبريل من محمد وتدلي إليه ومحمد علي الأرض حتى أصبح جبريل قاب قوسين أو أدني وتلامس المخلوقان , أحدهما علوي والآخر أرضي، وكان الملاك العلوي يحمل كلمة الله الأخيرة للإنسانية، وحين هبط علي قلب محمد طبع فيه الوحي الإلهي وعندها أوحي الله تعالي إلي عبده ما أوحي وتلقي فؤاد محمد عليه السلام هذا الوحي فصار نبيا، وما كذب فؤاد محمد ما رآه  بعيني القلب (النجم1ـ11)..

5 ـ ولأن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا فان ما جاء في سورة التكوير عن نزول القرآن ليلة القدر تشرحه سورة النجم ..علي النحو الأتي :ـ

وصف جبريل :

فى سورة التكوير : ( إِنَّهُۥ لَقَوْلُ رَسُولٍۢ كَرِيمٍۢ ﴿١٩﴾ ذِى قُوَّةٍ عِندَ ذِى ٱلْعَرْشِ مَكِينٍۢ ﴿٢٠﴾مُّطَاعٍۢ ثَمَّ أَمِينٍۢ ﴿٢١﴾)

فى سورة النجم : (عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ﴿٥﴾ ذُو مِرَّةٍۢ )

فى الدفاع عن خاتم المرسلين :

فى سورة التكوير :  (  وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍۢ ﴿٢٢﴾

فى سورة النجم : ( وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ﴿١﴾ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ﴿٢﴾ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ ﴿٣﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌۭ يُوحَىٰ ﴿٤﴾ )

فى وصف التلاقى بين محمد وجبريل عليهما السلام :

فى سورة التكوير : ( وَلَقَدْ رَءَاهُ بِٱلْأُفُقِ ٱلْمُبِينِ ﴿٢٣﴾ وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍۢ ﴿٢٤﴾)

فى سورة النجم : ( عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ﴿٥﴾ ذُو مِرَّةٍۢ فَٱسْتَوَىٰ ﴿٦﴾ وَهُوَ بِٱلْأُفُقِ ٱلْأَعْلَىٰ﴿٧﴾ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ﴿٨﴾ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ﴿٩﴾ فَأَوْحَىٰٓ إِلَىٰ عَبْدِهِۦ مَآ أَوْحَىٰ ﴿١٠﴾مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ ﴿١١﴾)

جبريل عليه السلام رسول كريم ذو قوة ومكانة عند رب العرش العظيم ، وأمين ( فى سورة التكوير ) وهو شديد القوة والمرّة أى القوة ، فى سورة النجم .

وفى الدفاع عن رسول القرآن ، نفى إتهامه بالجنون فى سورة التكوير ، ونفى أتهامه بالضلال والغواية ، ووصفه فى السورتين معها بأنه صاحبهم ، أى الذى صحبوه وهم شهود على صدقه وأمانته وإستقامته . وبالتالى فهو حين نطق بالقرآن فلم يتكلم عن هواه بل عن وحى الاهى يُوحى إليه .

وفى التلاقى بين الرسول الملائكى البرزخى والرسول البشرى المادى ( اللقاء بين مخلوقين من عالمين مختلفين ) تقول سورة التكوير أن محمدا رأى جبريل فى الأفق المبين الواضح . وتقول سورة النجم أن محمدا عليه السلام رأى جبريل بالأفق الأعلى ، وتعطى تفصيلات بأن جبريل دنا من محمد وتدلى أى هبط من الأفق البرزخى حتى كان قاب قوسين ، وبين القوسين حدث التلاقى بين رسولين من عالمين مختلفين ، ومسّ جبريل فؤاد أو قلب أو نفس محمد فطبع الكتاب القرآنى فى هذا القلب البشرى أو الفؤاد البشرى أو النفس البشرية . النفس فى المصطلح القرآنى هى الفؤاد والقلب وهى ذات الصدور . وهذه النفس لا تنتمى الى عالمنا المادى ، بل الى عالم برزخى ، أتت منه وإتحدت بالجنين البشرى فى الرحم فأصبح بشرا ، وبه نزلت من الرحم ،وظلت تسيطر على جسدها مثل سيطرة السائق على سيارتها ، وهى تتعب من قفصها المادى ( الجسد ) فتعود مؤقتا الى برزخخا الذى جاءت منه فى النوم . ثم عندما يحلُّ أجلها ومفارقتها هذا الجسد تتركه نهائيا بالمون ، لتعود الى البرزخ الذى كانت فيه من قبل ، وتكون بذلك قد أخذت جدورها فى إختبار الحياة . هذه معلومات توضح أن نفس محمد ( البشر ) تنتمى الى البرزخ ، وهذا البرزخ مستويات ، أدناها المستوى الذى توجد فيه أنفس البشر قبل الولادة وبعد الموت ، والذى تعود اليه النفس عند نومها ، وفى هذا المستوى توجد ملائكة تسجيل الأعمال ( إثنان من الملائكة ) لكل فرد ، وتوجد فيه شياطين الضلال التى توسوس للنفس من نفس المستوى البرزخى ، وإذا نجح الشيطان وسيطر على تلك النفس أصبح مقترنا بها ، يزين لها الباطل حقا ، والحق باطلا . أما جبريل فينتمى الى الملأ الأعلى ، أعلى مستوى برزخى ، لذا دنا وتدلى الى المستوى البرزخى الذى فيه نفس محمد ، والتقى بها فى برزخها ، وبالتماس بينهما طبع نور القرآن مكتوبا فى أعماق نفسه عليه السلام. هذا ما رآه محمد عليه السلام بفؤاده، وليس بعينيه .

  ثالثا : نزول القرآن الكريم مقروءا متتابعا حسب الحوادث

1 ـ ثم بعدها كان ينزل الوحى القرآنى مقروءا على لسانه عليه السلام ، يقول جل وعلا :  " وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً : الإسراء : 106 " أي نزل القرآن المقروء بلسان النبي، نزلا تنزيلا متفرقا ليقرأ على الناس على مكث , شيئا فشيئاً . إلى أن انتهى نزولا ..

2 ــ وهذا الازدواج في نزول القرآن كتابا مطبوعاً في قلب النبي مرة واحد , ثم في نزوله متفرقا على ذاكرته كان يؤثر على كيفية تلقى النبي لوحي القرآن في آياته المتفرقة .

وحتى نتخيل هذا الوضع نفترض أنك رأيت مناما قويا استكن في اللاشعور عندك . واستيقظت وأنت تحس به داخلك ولكن لا تستطيع تذكره بالتفصيل ولا تستطيع الإفصاح عما يجيش في داخلك , ثم فوجئت بما رأيته في المنام يحدث أمامك وأنت تسير في الشارع . ساعتها ستقفز الرؤيا المستكنة في عقلك الباطن ويسرع عقلك الواعي بتذكرها , ويسرع لسانها بنطق ما كنت تردده في الرؤيا ..

3 ــ وهذا بالضبط  ما كان يحدث للنبي في نزول الآيات , إذا كان عندما تنزل عليه آية سرعان ما يتصاعد إلى لسانه مضمونها المطبوع في مكنون قلبه , فيسرع لسانه بنطق الآية في نفس الوقت الذي يتنزل فيه الوحي بالآية على ذاكرته .. والقرآن الكريم عالج هذه الحالة الفريدة في موضعين ..  يقول تعالى للنبي " وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ. وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا  طه : 114 ".. أي لا يتعجل لسانك بقراءة القرآن قبل أن ينقضي الوحي . وقل رب زدنى علما . والعلم المقصود هو القرآن , وهذا معنى قوله تعالى عن وظيفة جبريل بالنسبة لمحمد حين نزل بالقرآن " عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى : النجم : 5 " أي أن النبي مطلوب منه أن يدعو ربه أن يزيده وحيا أو علما بالقرآن . والعجيب أن رقم الآية هو (114) أي تشير إلى أن عدد سور القرآن سيكتمل عندما يصل العدد (114) .

وفى الموضع الآخر يقول تعالى " لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ  القيامة : 16 : 19 " أي ينهى رب العزة جل وعلا النبي عليه السلام بألا يحرك لسانه بما يتذكره من الآية التي يوحى بها إليه , مكتفيا بأن يتتبع بلسانه ما يردد على ذاكرته من الوحي . والآيات تؤكد أن الله تعالى تكفل بجمع القرآن وببيان القرآن , حيث أن القرآن يفسر بعضه بعضا . كما حدث في هذه الآيات التي تفسر الآية السابقة من سورة طه .

ليلة القدر هى ليلة الإسراء
فكرة عن الكتاب : يثبت لأول مرة الحقائق التالية : أن ليلة الاسراء هى ليلة القدر فى شهر رمضان ، وينفى اسطورة المعراج ، و أن الإسراء هو لجبل الطور فى سيناء حيث المسجد الأقصى الحقيقى ، وليس ما يعرف الان بالمسجد الأقصى فى القدس ، والذى بناه الوليد بن عبد الملك الأموى . وأن القرآن الكريم نزل كتابا مرة واحدة ليلة الاسراء ، ثم كان نزوله متفرقا على لسان الرسول عليه السلام ، هذا عدا لمحة عن: ليلة القدر بين القرآن والعلم الحديث .
more