رقم ( 8 ) : القسم الثانى سيرة النبي عليه السلام بين حقائق القرآن وروايات البخاري:
الفصل الثالث : قراءة في" البخاري" أهم كتب المصدر الثاني

الفصل الثالث: قراءة في" البخاري" أهم كتب المصدر الثاني

القسم الثانى  سيرة النبي عليه السلام بين حقائق القرآن وروايات البخاري:

مدخل

1 ـ كيف كان النبي يقضى يومه:
2 ـ هل كان النبي يباشر نساءه في المحيض؟
3ـ  لن نضع عناوين أخرى في هذا الموضوع
4 ـ - ولا تقتنع روايات البخاري بذلك..بل تنسب للنبى أنه حاول إغتصاب إمرأة..!!

مقالات متعلقة :

5 ـ ولا تتورع أحاديث البخاري عن نسبة الألفاظ النابية والتعبيرات المكشوفة الخارجة للنبي عليه السلام، وذلك حتى تكتمل صورة الشخص المهووس بالجنس والنساء التي أحاط بها شخصية النبي عليه السلام وسيرته في ليله ونهاره.

6 ـ ويصل افتراؤهم على الرسول عليه السلام إلى حد أنهم ينسبون له تشريعاً بإباحة الزنا وتحريم الزواج.

7 ـ ثم نرى أحاديث أخرى تهتك حرمة بيت النبي وتتسلل إلى أدق خصوصياته مع نسائه أمهات المؤمنين. 
8 ـ الافتراء على عائشة في حديث الإفك: هل كان لدى النبي متسع ليكون كما وصفته تلك الأحاديث؟
9ـ  القرآن يحرص على حرمة بيت النبي التي هـتـكـتها أحاديث البخاري:
 10 ـ على المسلم الذى يقرأ هذا الكتاب أن يختار بين شيئين لا ثالث لهما:
 11 ـ معنى الصلاة على النبي ومعنى ايذاء النبي
12 ـ  الساحر المزعوم الذى سحر النبي:
13ـ  اليهودي المزعوم الذى رهن النبي عنده درعه:
 14 ـ البخاري ينسب للنبي تشريع الرجم للزاني:

15 ـ البخاري ينسب للنبي الأكاذيب والمتناقضات:
 
 مدخل

نحن لا نوافق على المقولة الشهيرة بأن البخاري أصح كتاب بعد القرآن. فلو كان البخاري صحيحاً في كل سطر فيه فلا يصح أبدأ أن نضعه في موضع مقارنة بكتاب الله العزيز.
والبخاري في نهاية الأمر من أبناء آدم الذين يجوز عليهم الخطأ والنسيان والوقوع في العصيان ، وأولئك الذين يحملون في قلوبهم قدسية للبخاري تعصمه من الوقوع في الخطأ إنما يرفعون البخاري إلى مكانة الألوهية من حيث لا يدرون أومن حيث يدرون.
ومن واقع نظرتنا للبخاري كأحد علماء التراث فإننا لا نقصد مطلقاً أن نعقد مقارنة بينه وبين القرآن الكريم، نعوذ بالله من ذلك ، وإنما نقصد من هذا المبحث رصد تلك الفجوة بين سيرة النبي في القرآن وبين سيرته المتناثرة بين سطور البخاري.
ونترك الحكم للقارئ ونحن على ثقة من أن ولاء القارئ المسلم العاقل إنما هو لله تعالى ولرسوله الكريم والكتاب العزيز الذى أنزل السيرة الحقيقية للنبي الكريم قرآناً نتعبد بتلاوته ونتقرب إلى الله بقراءته ، وحقيق بنا حينئذ أن نؤمن بتلك الصورة السامية التي رسمها القرآن للنبي عليه السلام وأن نكفر ونرفض في ذات الوقت أحاديث البخاري وكل ما يخالف القرآن الكريم من كلام البشر وكتاباتهم.. هدانا الله تعالى للصراط المستقيم..!!

1 ـ كيف كان النبي يقضى يومه:
لك يا عزيزي القارئ أن تتخيل الإجابة على هذا السؤال وستجدها مطابقة لما جاء في القرآن الكريم ، فمنذ أن نزل الوحى على النبي وهو قد ودع حياة الراحة وبدأ عصر التعب والإجهاد والجهاد، ويكفى أن أوائل ما نزل من القرآن يقول له ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ﴾ و ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ  قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أي أن وقت النبي منذ أن نزل عليه الوحى كان بين تبليغ الرسالة والمعاناة في سبيلها ثم قيام الليل.. وليس هناك بعد ذلك متسع للراحة التي هي حق لكل إنسان ، وانتقل النبي للمدينة وقد جاوز الخمسين من عمره فزادت أعباؤه ، إذ أصبح مسئولاً عن إقامة دولة وتكوين أمة ورعاية مجتمع، ثم هو يواجه مكائد المنافقين في الداخل والصراع مع المشركين باللسان والسنان ، ثم هو بعد ذلك يأتيه الوحى ويقوم على تبليغه وتأسيس المجتمع المدني على أساسه.. ونجح النبي عليه السلام في ذلك كله ، وفى السنوات العشر التي قضاها في المدينة إلى أن مات انتصر على كل أعدائه الذين بدأوه بالهجوم ،ودخل الناس في دين الله أفواجا.. ومع هذا فإنه في حياته عليه السلام لم ينقطع عن قيام الليل ومعه أصحابه المخلصين الذين كانوا الفرسان بالنهار العابدين لله تعالى بالليل ، رضى الله عنهم أجمعين..
هذا ما لا نشك لحظة يا عزيزي القارئ في أنك تتفق معنا فيه ، بل وكل عاقل من أي ملة ودين لا يملك إلا أن يسلم بأن الذى أقام دولة من لا شيء ونشر دعوة ونهضت به أمة لا يمكن إلا أن يكون قد وهب وقته كله لله ولدين الله وعمل كل دقيقة في حياته لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى..
وندع اجتهادنا العقلي جانباً ونبحث عن الإجابة في كتاب الله العزيز.
في بداية الوحى نزل قوله تعالى للنبي ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ  قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً  نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً  أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً  إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾ (المزمل 1: 5)
وأطاع النبي عليه السلام ونفذ أوامر الله في مكة واستمر على تنفيذها في المدينة.
وكان معه أصحابه يقومون الليل في صلاة وتهجد وتلاوة للقرآن ، ولكن الوضع في المدينة اختلف عنه في مكة ، أصبح النبي في المدينة مسئولاً عن دولة الإسلام الجديدة بكل ما تستلزمه الدولة الوليدة من استعداد وجهاد في الداخل والخارج ، وأصبح أصحابه معه مشغولين بالجهاد والسعي في سبيل الرزق وتوطيد أركان الدولة الوليدة التي يتربص بها الأعداء في الداخل والخارج ، وأصبح قيام الليل بنفس ما تعودوه في مكة مرهقاً لهم يعوقهم عن حسن الأداء في النهار.
لذا نزلت في المدينة الآية الأخيرة من سورة "المزمل" بالتخفيف ، حيث يقول رب العزة جل وعلا للنبي الكريم ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾
وأعتقد أن من أعظم ما نزل مدحاً للنبي والمؤمنين معه هو في هذه الآية الكريمة.
فقد جاء في بداية الآية تزكية الله للنبي بأعظم ما يكون ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى ﴾ وهل هناك أعظم شهادة من الله وهو تعالى يشهد بصيغة العلم الإلهي بأن النبي طبق أوامر ربه فأقام الليل إلى الثلثين ، ثم تأتى شهادة الله للنبي بالتأكيد اللغوي ﴿إِنَّ رَبَّكَ ﴾ ثم تضاف كلمة "رب" إلى كاف الخطاب "ربك" ليكون ذلك التأكيد من رب العزة خطاباً مباشراً من الله تعالى للرسول الكريم في معرض التكريم ، ثم يستمر خطاب الله المباشر للنبي ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ.. وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ..﴾.
ثم تثبت الآية الكريمة أن طائفة من المؤمنين كانت تقوم الليل مع النبي ، ولأن الله تعالى يعلم العبء الجديد عليهم في المدينة ولأنه يعلم أن بعضهم سيقع مريضاً لذا أنزل التخفيف عليهم بأن يقرءوا ما تيسر من القرآن مع استمرار الأوامر لهم بالمحافظة على الصلاة المفروضة وإيتاء الزكاة والصدقات..
إذن كان النبي يقضى النهار في الجهاد وتبليغ الدعوة ورعاية الدولة ويقضى ليله في قيام الليل للعبادة، وكان معه أصحابه. هذا ما يثبته الرحمن في القرآن. وهذا ما ينبغي الإيمان به وتصديقه إذا كنا نحب الله ورسوله ونؤمن بكتابه وندفع عن النبي الأذى وما يشوه سيرته العظيمة.
وإذا بحثنا عن إجابة لنفس السؤال "كيف كان يقضى يومه" في أحاديث البخاري وجدنا إجابة مختلفة وعجيبة..
نقرأ في البخاري حديث أنس "إن النبي كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة وله تسع نسوة".
وفى حديث آخر لأنس أكثر تفصيلاً يقول "كان النبي يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة". قال الراوي: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين.." (البخاري الجزء السابع: ص4، والجزء الأول ص76. طبعة دار الشعب - وهى التي نعتمد عليها في هذا المبحث).
وطبقاً لهذه الرواية العجيبة نرى إجابة مختلفة عما ورد في كتاب الله العزيز إذ نفهم منها أن النبي كان يطوف على نسائه كلهن - أي يجامعهن - ويتعجب الراوي ويسأل أنس هل كان في طاقة النبي ذلك فتكون الإجابة أعجب وهى أن الصحابة كانوا يتابعون النبي ويتحدثون أن الله أعطاه قوة ثلاثين رجلاً في الجماع.. إذن كان اهتمام النبي في الطواف حول نسائه وكان اهتمام أصحابه في متابعة هذا النشاط وفى التفاخر به ، ولا تعرف بالطبع من أين لهم ذلك المقياس الجنسي الذكوري الذى جعلوا به مقدرة النبي الجنسية – المزعومة - في الجماع تبلغ قوة ثلاثين رجلاً. نعوذ بالله تعالى من هذا الافتراء.
ثم تأتى في أحاديث البخاري روايات أخرى ينسبها لعائشة تقول: "أنا طّيبت رسول الله ثم طاف في نسائه ثم أصبح محرماً" ورواية أخرى "كنت أطيّب رسول الله فيطوف على نسائه ثم يصبح محرماً ينضح طيباً" (البخاري: الجزء الأول ص 73).
والآن.. هل نصدق حديث القرآن عن النبي وقيامه الليل مع أصحابه وانشغالهم بالجهاد أم نصدق تلك الروايات البشرية؟ نترك لك ذلك عزيزي القارئ. ولا حول ولا قوة إلا بالله..!!

2 ـ هل كان النبي يباشر نساءه في المحيض؟
والإجابة التي ننتظرها منك عزيزي القارئ هي أعوذ بالله.. ونحن معك في هذا ، ونعتذر عن إيراد العنوان بهذا الشكل.. ولكن لا نجد عنواناً آخر للموضوع.
والذى نؤمن به جميعاً أن النبي كان صفوة خلق الله ومن أرقهم ذوقاً وأسماهم خلقاً. ومن كان على هذا المستوى لا ننتظر منه هذا، خصوصاً وأن الله تعالى قال له ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ (البقرة 222)
لم يقل رب العزة "فاعتزلوهن" فقط وإنما قال أيضاً ﴿ولا تقربوهن﴾ أي زيادة في التأكيد والتحذير. ونحن نؤمن بأن النبي طبق هذا السنة، فالسنة الحقيقية للنبي هي في تطبيق القرآن ، والله تعالى ﴿يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ ونبي الله من أئمة المتطهرين في كل عصر..
هذا ما نؤمن به جميعاً عزيزي القارئ، ولكنك حين تقرأ باب الحيض في البخاري تفاجأ بروايات غريبة تحت عنوان غريب هو "باب مباشرة الحائض".
منها حديث ينسب لعائشة "كنت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد كلانا جنب وكان يأمرني فأتّــزر فيباشرني وأنا حائض ، وكان يخرج رأسه إلى وهو معتكف فأغسله وأنا حائض" ورواية أخرى عن عائشة كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد الرسول أن يباشرها أمرها أن تـتـزر في فور حيضتها ثم يباشرها، قالت: وأيكم يملك إربه كما كان النبي يمك إربه" ومنها حديث ميمونة "كان رسول الله إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهى حائض"
فالبخاري هنا يسند تلك الروايات لأمهات المؤمنين ليجعلهن شهوداً على أن النبي كان يباشرهن وهن حائضات ، ويضع البخاري على لسان عائشة إشارة إلى خصوصية النبي في مقدرته الجنسية فيزعم أن عائشة قالت "وأيكم يملك إربه كما كان النبي يملك إربه"!!
وفى رواية أخرى يجعل البخاري من النبي ملازماً للنساء لا يفترق عنهن حتى في المحيض ، فيروى حديثاً ينسبه لأم سلمة "بينما أنا مع النبي مضطجعة في خميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتى قال: أنفست؟ قلت: نعم. فدعاني فاضطجـعـت معه في الخميلة".
وهكذا أصبح لا عمل أمام النبي ولا مسئوليات ملقاة على عاتقه إلا أن يجلس في الخميلة مع زوجاته حتى في المحيض.. نعوذ بالله من هذا الافتراء.. بل هناك أكثر من ذلك، يدعى البخاري أن عائشة قالت "كان النبي يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن".. هكذا.. ضاقت كل الأماكن ولم تعد هناك مساجد ولا قيام لليل مع طائفة من الذين آمنوا.. حتى يلجأ النبي إلى ذلك في زعم البخاري (راجع باب الحيض في البخاري: الجزء الأول ص 79).

3 ـ لن نضع عناوين أخرى في هذا الموضوع
ثم تدخل أحاديث البخاري في منعطف خطير في تشويه سيرة النبي عليه السلام تجعلنا نتحرج من أن نضع لها عناوين، وهذا المنعطف الخطير يتناول علاقة مزعومة للنبي عليه السلام بالنساء من غير زوجاته. وكم كنا نود إغفال هذا المنعطف لولا حرصنا على تنزيه نبي الإسلام من هذا الافتراء الذى يسرى سريان السم بين سطور البخاري ، والذى يقف دليلاً هائلاً على تلك الفجوة بين القرآن والبخاري باعتباره أهم كتب المصدر الثاني لمن يعتقد أن هناك مصادر أخرى مع القرآن.
1- ونبدأ بأحاديث زعم فيها أن النبي كان يخلو بالنساء الأجنبيات. ونقرأ حديث أنس: "جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي فخلا بها فقال: والله إنكن لأحب الناس إلى" والرواية تريد للقارئ أن يتخيل ما حدث في تلك الخلوة التي انتهت بكلمات الحب تلك.. ولكن القارئ الذكي لابد أن يتساءل إذا كانت تلك الخلوة المزعومة قد حدثت- فرضاً- فكيف عرف أنس - وهو الراوي ما قال النبي فيها؟.
وفى نفس الصفحة التي جاء فيها ذلك الحديث يروى البخاري حديثاً آخر ينهى فيه النبي عن الخلوة بالنساء، يقول الحديث "لا يخلونّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" وذلك التناقض المقصود في الصفحة الواحدة في "صحيح البخاري" يدفع القارئ للاعتقاد بأن النبي كان ينهى عن الشيء ويفعله.. يقول للرجال "لا يخلون رجل بامرأة" ثم يخلو بامرأة يقول لها "والله إنكن لأحب النساء إلى"
هل نصدق أن النبي عليه السلام كان يفعل ذلك؟ نعوذ بالله... (راجع البخاري: الجزء السابع ص 48).
2- ثم يسند البخاري رواية أخرى لأنس تجعل النبي يخلو بأم سليم الأنصارية، تقول الرواية "إن أم سليم كانت تبسط للنبي نطعاً فيقيل عندها- أي ينام القيلولة عندها - على ذلك النطع، فإذا نام النبي أخذت من عرقه وشعره فجعلته في قارورة ثم جمعته في سك" (البخاري الجزء الثامن ص 78).
ويريدنا البخاري أن نصدق أن بيوت النبي التي كانت مقصداً للضيوف كانت لا تكفيه وأنه كان يترك نساءه بعد الطواف عليهن ليذهب للقيلولة عند امرأة أخرى، وأثناء نومه كانت تقوم تلك المرأة بجمع عرقه وشعره.. وكيف كان يحدث ذلك.. يريدنا البخاري أن نتخيل الإجابة.. ونعوذ بالله من هذا الإفك.
3- ثم يؤكد البخاري على هذا الزعم الباطل بحديث أم حرام القائل "كان رسول الله يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه ، وكانت أم حرام تحت عبادة بن أبى الصامت فدخل عليها رسول الله فأطعمته وجعلت تفلى رأسه فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك فقالت: وما يضحكك يا رسول الله؟... إلخ" فالنبي على هذه الرواية المزعومة تعود الدخول على هذه المرأة المتزوجة وليس في مضمون الرواية وجود للزوج ، أي تشير الرواية إلى أنه كان يدخل عليها في غيبة زوجها ويصور البخاري كيف زالت الكلفة والاحتشام بين النبي وتلك المرأة المزعومة، إذ كان ينام بين يديها وتفلى له رأسه وبالطبع لابد أن يتخيل القارئ موضع رأس النبي بينما تفليها له تلك المرأة في هذه الرواية الخيالية، ثم بعد الأكل والنوم يستيقظ النبي من نومه وهو يضحك ويدور حديث طويل بينه وبين تلك المرأة نعرف منه أن زوجها لم يكن موجوداً وإلا شارك في الحديث.
وصيغة الرواية تضمنت الكثير من الإيحاءات والإشارات المقصودة لتجعل القارئ يتشكك في أخلاق النبي. فتقول الرواية "كان رسول الله يدخل على أم حرام.." ولاحظ اختيار لفظ الدخول على المرأة ولم يقل كان يزور والدخول على المرأة له مدلول جنسي لا يخفى ، والايحاء هنا موظف جيدا بهذا الأسلوب المقصودة دلالته. ثم يقول عن المرأة "وكانت أم حرام تحت عبادة بن أبى الصامت" فهنا تنبيه على أنها متزوجة ولكن ليس لزوجها ذكر في الرواية ليفهم القارئ أنه كان يدخل على تلك المرأة المتزوجة في غيبة زوجها، وهى عبارة محشورة في السياق عمدا حيث لا علاقة لها بتفصيلات الرواية . الا أن حشرها هكذا مقصود منه ان النبي كان يدخل على امرأة متزوجة في غيبة زوجها ويتصرف معها وتتعامل معه كتعامل الزوجين. وحتى يتأكد القارئ ان ذلك حرام وليس حلالا يجعل البخاري اسم المرأة "أم حرام" ليتبادر إلى ذهن القارئ أن ما يفعله النبي حرام وليس حلالاً. ثم يضع الراوي - بكل وقاحة- أفعالاً ينسبها للنبي عليه السلام لا يمكن أن تصدر من أي إنسان على مستوى متوسط من الأخلاق الحميدة فكيف بالذي كان على خلق عظيم.. عليه الصلاة والسلام، فيفترى الراوي كيف كانت تلك المرأة تطعمه وتفلى له رأسه وينام عندها ثم يستيقظ ضاحكاً ويتحادثان.. نعوذ بالله من الافتراء على رسول الله..
وقد كرر البخاري هذه الرواية المزعومة بصور متعددة وأساليب شتى ليستقر معناها في عقل القارئ (راجع البخاري: الجزء الرابع ص 19، 21، 39، 51 والجزء الثامن ص 78 والجزء التاسع ص 44).
4- ولا تقتنع روايات البخاري بذلك..بل تنسب للنبى أنه حاول إغتصاب إمرأة..!!

إذ يروى عن بعضهم حديثاً يقول "خرجنا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى انطلقنا إلى حائط- أي بستان أو حديقة- يقال له الشوط ، حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما فقال النبي: اجلسوا هاهنا ، ودخل وقد أُتى بالجونية فأنزلت في بيت نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها ، فلما دخل عليها النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: هبي نفسك لي. قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة، فأهوى بيده عليها لتسكت فقالت: أعوذ بالله منك.. (راجع البخاري الجزء السابع ص 53).
وبالتمعـن في هذه الرواية الزائفة نشهد رغبة محمومة من البخاري لاتهام النبي بأنه حاول اغتصاب امرأة أجنبية جيء له بها، وانها رفضته وشتمته باحتقار . فالراوي يجعل النبي يذهب عامداً إلى المكان المتفق عليه وينتظره أصحابه في الخارج ، والمرأة الضحية- واسمها الجونية- قد أحضروها له، ونفهم من القصة أنها مخطوفة جيء بها رغم أنفها ، ويدخل النبي في تلك الرواية المزعومة على تلك المرأة وقد جهزتها حاضنتها أو وصيفتها لذلك اللقاء المرتقب، والمرأة في تلك الرواية المزعومة لم تكن تحل للنبي لذا يطلب منها أن تهب نفسها له بدون مقابل، وترفض المرأة ذلك بإباء وشمم قائلة "وهل تهب الملكة نفسه للسوقة؟" أي تسب النبي في وجهه – بزعم البخاري - وبدلا من أن يغضب لهذه الاهانة يصر على أن ينال منها جنسيا ويقترب منها بيده فتتعوذ بالله منه ، أي تجعله - في تلك الرواية الباطلة - شيطاناً تستعيذ بالله منه.. ولكن ذلك البناء الدرامي لتلك القصة الوهمية البخارية ينهار فجأة أمام عقل القارئ الواعي.. إذا كان الراوي للقصة قد سجل على نفسه أنه انتظر النبي في الخارج فكيف تمكن من إيراد الوصف التفصيلي والحوار الذى حدث في خلوة بين الجدران؟؟

5- ولا تتورع أحاديث البخاري عن نسبة الألفاظ النابية والتعبيرات المكشوفة الخارجة للنبي عليه السلام، وذلك حتى تكتمل صورة الشخص المهووس بالجنس والنساء التي أحاط بها شخصية النبي عليه السلام وسيرته في ليله ونهاره.
فهناك حديث نسبه البخاري للنبي جعل النبي يقص قصة إسرائيلية يقول فيها "وكان في بنى إسرائيل رجلً يقال له جريج كان يصلى جاءته أمه فدعتها فقال: أجيبها أو أصلى فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات" (البخاري: الجزء الرابع ص 201).
إن الرجل المحترم لا يستطيع أن يتلفظ بهذه الكلمة (المومسات) فكيف برسول الله عليه الصلاة والسلام.. وتلك القصة لا تستند إلى منطق درامي في عالم التأليف .واعتقد أن الهدف من صياغتها الركيكة هي أن يضعوا كلمة نابية على لسان الرسول بأي شكل..
ومثله حديث آخر مزعوم يرويه البخاري ويعلن شكّه فيه يقول "فيمن يلعب بالصبى إن أدخله فيه فلا يتزوجن أمه.." ومنطق ذلك الحديث الكاذب يعطى انطباعاً أنه صيغ في العصر العباسي عصر المجون والشذوذ، ولم يكن ذلك الشذوذ معروفاً في الجزيرة العربية حتى نهاية الدولة الأموية وقد قال أحد الأمويين أنه لولا القرآن ذكر أفعال قوم لوط ما صدق أن ذلك يمكن حدوثه(1). والبخاري أورد ذلك الحديث وشكك فيه (البخاري: الجزء السابع ص 14) وإذن لماذا رواه؟
وتفوح الإيحاءات الجنسية المثيرة من بعض أحاديث البخاري التي ينسبها للنبي مثل "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها آخر اليوم". (البخاري الجزء السابع ص 42) وما الذى نستـفـيده من هذه النصيحة الغير الغالية.
وحديث آخر عن متى يجب الغسل من الجماع "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل" (البخاري: الجزء الأول 77) وهو حديث ينبغي منع الشباب من قراءته.
ويجعل البخاري هذه النوعية من الأحاديث الجنسية تدور حول أم المؤمنين عائشة مثل "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" (البخاري: الجزء الرابع ص 200) ثم ذلك الحوار المزعوم بين النبي وعائشة وهى تقول له "أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجر وقد أُكل منها ووجدت شجراً لم يؤكل منها، في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: في الذى لم يرتع منها. تعنى أن رسول الله لم يتزوج بكراً غيرها" (البخاري: الجزء السابع ص 6).
وأسوأ ما في هذه الأحاديث المكشوفة هو لفظ أورده البخاري لا نجرؤ على كتابته ونترك للقارئ فهمه والبحث عنه بنفسه ، يقول "لما أتى ماعز بن مالك النبي (صلى الله عليه وسلم) قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت: قالا لا... قال (.....)(2) لا يكنى ، قال فعند ذلك أمر برجمه" (البخاري الجزء الثامن ص 207).
وعقوبة الرجم تشريع ما أنزل الله بها من سلطان. وشاء واضعوا هذا التشريع أن ينسبوا للنبي تلك الكلمة البذيئة في تحقيقه المزعوم مع مرتكب الزنا ماعز بن مالك. فادعوا أن النبي قال له "....." وأنه قالها له صريحة بلا كناية "لا يكنى".
هل نتصور قائد أمة يتلفظ بهذا اللفظ النابي؟ فكيف بالرسول الكريم الذى قال فيه ربنا جل وعلا ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾!!! نعوذ بالله من الكذب على رسول الله...
6- ويصل افتراؤهم على الرسول عليه السلام إلى حد أنهم ينسبون له تشريعاً بإباحة الزنا وتحريم الزواج.

فالبخاري ينسب للنبي قوله "أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا" (البخاري: الجزء السابع ص 16) ومعناه الواضح أن أي رجل أعجبته امرأة ونال هو إعجابها فله أن يعاشرها ثلاث ليال ثم لهما الحرية في أن يطيلا فترة المعاشرة أو أن يتركها بعد تلك التجربة الحمراء.
واختيار الألفاظ واضح في الدعوة للزنا في ذلك الحديث الكاذب، فقال "رجل وامرأة" و"توافقا" و"عشرة ما بينهما" و"ثلاث ليال" "أحبا أن يتزايدا" "يتتاركا".
وناسف لأننا أوردنا كل ألفاظ الحديث تقريباً.. ومعذرة إذا نسينا أول وأهم كلمة فيه وهى "أيّما" التي تجعل من الحديث تشريعاً عاماً يسوغ الزنا لكل رجل وامرأة.
ثم هناك حديث آخر يفترى فيه البخاري أن النبي حرمّ الزواج الشرعي ، إذ يروى أن النبي خطب على المنبر فقال "إن بنى هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم على بن أبى طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبى طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم. فإنما هي بضعة منى يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها". (البخاري الجزء السابع ص 47، ص 61) وقد يقول قائل أن من حق النبي أن يغضب إذا أراد على بن أبى طالب أن يتزوج على فاطمة بنت النبي ، ولكن الحديث الذى رواه البخاري يجعل النبي يحرم ذلك الزواج بصفته رسولاً وجعله يعلن ذلك على منبر المسجد أمام المسلمين، وبذلك أكسبه صفة التشريع.. تشريع يحرم الزواج الحلال. ولا نعتقد أن نبي الله يفعل ذلك..

7- ثم نرى أحاديث أخرى تهتك حرمة بيت النبي وتتسلل إلى أدق خصوصياته مع نسائه أمهات المؤمنين.

ونقرأ أحاديث من هذه النوعية:

حديث منسوب لعائشة "كنت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد من قدح يقال له المفرق" وحديث منسوب لابن عباس "أن النبي وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد" وحديث آخر تقول فيه ميمونة "وضعت للنبي ماء للغسل فغسل يديه مرتين أو ثلاثة ثم أفرغ على شماله فغسل مذاكيره ثم مسح يده بالأرض.. إلخ" وحديث "أن النبي اغـتسل من الجنابة فغسل فرجه بيده ثم.." ولم يكن الغسل بالشيء المعقد أو الجديد الذى لم يعرفه الناس من قبل، بل إن كل إنسان يعرف كيف يغسل جسده. ولكنه الحرص من هذه الروايات على أن تصور لنا النبي عاريا في هذه الحالات الخاصة مع نسائه، ثم نجد حديثاً عجيباً يفترى فيه البخاري أن أحدهم قال: "دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة فسألها أخوها عن غسل النبي فدعت بإناء نحواً من صاع فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب" (البخاري: الجزء الأول ص 69: 71) أصبح الغسل مشكلة المشاكل، ومن أجلها تقدم عائشة- في زعمهم - ذلك البيان العملي فتغتسل أمام الناس ، وما يغنى الحجاب المزعوم في تلك القصة المبكية الضاحكة؟ ولكنه الحرص على تعرية النبي وأمهات المؤمنين أمام عقولنا.. نعوذ بالله من هذا الإفك..
وحتى صلاة النبي في بيته لم يتركها البخاري دون إيحاءات جنسية تهتك حرمة البيت الكريم.. وتدور الروايات كالعادة حول عائشة فينسبون لها قولها "كنت أنام بين يدى رسول الله ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما" وفى رواية "أن رسول الله كان يصلى وهى بينه وبين القبلة" وحديث عروة "أن النبي كان يصلى وعائشة معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذى ينامان عليه" (البخاري: الجزء الأول ص 102).

هل يرضى أحدنا أن يهتك الناس خصوصياته في بيته ومع زوجته بمثل ما فعل البخاري ببيت النبي عليه السلام؟ وإذا قالوا إن هذا للتشريع وللتعليم فأي تشريع وأي تعليم في هذه الروايات الفاضحة التي تهتك حرمة أعظم بيت؟ ثم لماذا الإصرار على أم المؤمنين عائشة بالذات؟؟

8 ـ الافتراء على عائشة في حديث الإفك:
إذا ذكرت حديث الإفك انصرف ذهن السامع إلى اتهام عائشة بالزنا ونزل براءتها من السماء تأسيساً على ما جاء في سورة النور من آيات تتحدث عن موضوع "الإفك". وإذا حاول باحث أن يتفهم الآيات وأن يناقش روايات التراث عن موضوع حديث الإفك تناولته الاتهامات كما لو أن أسطورة تخلف عائشة عن ركب النبي واتهامها أصبحت من المعلوم من الدين بالضرورة.
وملخص الأسطورة التي ذكرها البخاري (الجزء الخامس ص 148، الجزء السادس ص 127) أن النبي كان إذا أراد سفر اقرع بين نسائه فأيهن خرج سهمها خرج بها الرسول معه.
وفى غزوة بنى المصطلق كانت القرعة من نصيب عائشة، وأثناء رجوع الجيش افتقدت عائشة قرطها فنزلت تبحث عنه وانطلق الجيش وهم يظنونها داخل الهودج.. ورجعت عائشة فوجدت الجيش قد انطلق فنامت مكانها إلى أن جاء صفوان بن المعطل السلمى فحلمها على جمله وأتى بها إلى المدينة، فاتهمها المنافقون به وغضب منها الرسول إلى أن نزلت فيها آيات سورة النور تعلن براءتها (النور 11: 26) ، ومع ذلك فلا يزال حديث الإفك وصمة تطارد عائشة وتنسج الخيالات المريضة حولها أساطير وروايات ، ووجد فيه بعض المستشرقين مجالاً للطعن في شرف عائشة وفى اتهام النبي بأنه اختلق الآيات ليبرئها، وهذه إحدى أفضال البخاري والمصدر الثاني علينا وعلى ديننا الحنيف..!!
إن حقيقة الأمر أن عائشة "أم المؤمنين وأمنا نحن إذا كنا مؤمنين" لا علاقة لها مطلقاً بحديث الإفك المذكور في سورة النور.
وأساس هذا الافتراء على عائشة يبدأ بأكذوبة "أن النبي كان إذا خرج لغزوة أقرع بين نسائه واصطحب إحداهن.." والقرآن الكريم ينفى أن النبي كان يصطحب معه نساءه في غزواته، فالله تعالى يقول للنبي عنه خروجه لغزوة بدر - أولى الغزوات - ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ..﴾ (الأنفال 5) والبيت يعنى الزوجة ، وفى توضيح أكثر يقول تعالى عن نفس الغزوة ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ...﴾ (آل عمران 121) أي خرج النبي عن أهله ، والأهل هم الزوجة والزوجات - لكى يصفّ المؤمنين للقتال.
إذن لم يكن معه واحدة من نسائه منذ أول غزوة غزاها..
وفى غزوة الأحزاب في العام الخامس من الهجرة ، نزلت سورة الأحزاب وفيها الأمر بالحجاب لنساء النبي والأمر حاسم لهن بأن يمكـثـن في البيت ولا يخرجن منه ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ (الأحزاب 33) فكيف يأمرهن الله بالبقاء في البيت ويأتي النبي فيصطحـبهن في غزوة بنى المصطلق فيما بعد؟.
لقد كان ترك النساء في المدينة بعيداً عن الغزوات عادة إسلامية حرص عليها النبي والمسلمون بحيث لم يكن يتخلف عن الغزو إلا النساء والأطفال والشيوخ غير القادرين.
وحين تخلف المنافقون عن الخروج مع النبي في احدى معاركه الدفاعية نزل القرآن يعيّرهم ويسخر منهم بأنهم رضوا بأن يتخلفوا مع النساء والصبيان ﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ..﴾ (التوبة 87، 93) فهل من المعقول أن يصطحب النبي زوجاته معه عرضة لخطر الحرب بينما تبقى بقية النساء آمنات في المدينة؟.
ولكن عن ماذا تتحدث سورة النور ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ...﴾؟
إن سورة النور من أوائل ما نزل في المدينة ، لذا جاءت بتشريعات اجتماعية جديدة لصيانة المجتمع الإسلامي الجديد في أوائل استقراره بالمدينة، ولنا أن نتصور المدينة في أول العهد بها حين جاءها المهاجرون والمهاجرات ليعيشوا بين الأوس والخزرج وفيهم الأنصار المؤمنون وفيهم ضعاف الإيمان والمنافقون وحولهم اليهود . والمهاجرون والمهاجرات بين أنصاري يؤثرهم على نفسه ولو كان به خصاصة وبين منافق يستثقل وجودهم وينتظر الفرصة ليصطاد في الماء العكر وسط ذلك الخليط البشرى الذى تكدس لأول مرة في مكان واحد ، ولا ريب أن المهاجرين كانوا في حاجة للعـون بعد أن تركوا أموالهم وديارهم وجاءوا إلى المدينة لا يملكون شيئاً إلا الإيمان وحب الإسلام. ولا ريب أن بعض المهاجرات كان حالهن أشد بؤساً فقد تركن أزواجهن المشركين فراراً بدينهن، ولا ريب أيضاً أنهن كن يتلقين مساعدات من بعض مؤمني الأنصار الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.. ولا ريب أن المنافقين وجدوا فرصتهم في تشويه ذلك العمل النبيل بإشاعة قصص كاذبة عن علاقات آثمة بين أولئك المؤمنين والمؤمنات من المهاجرات والأنصار..
إن هذا التصور لفهم آيات سورة النور عن موضوع الإفك يستند إلى فهم حقيقي للظروف التاريخية الواقعية للسنوات الأولى لاستقرار المجتمع المسلم في المدينة حيث تم التآخي بين المهاجرين والأنصار ونزلت سورة النور بتشريعات اجتماعية تنظم السلوكيات داخل هذا المجتمع ، وكان ذلك قبل غزوة بنى المصطلق بعدة سنوات ، فليس ما جاء في هذه السورة أدنى علاقة بتلك الأسطورة التي حاكها البخاري وكتب الحديث عن عائشة ومسيرتها المزعومة مع النبي في الجيش.
ويؤكد ذلك أن آيات سورة النور تتحدث عن اتهام جماعة من أهل المدينة لجماعة من المؤمنين الأبرياء، تتحدث عن جماعة ظالمة اتهمت جماعة بريئة ، تتحدث عن مجموعة ولا تتحدث عن ضحية واحدة وإنما عن مجموعة من الضحايا البريئات . سورة النور لا تتحدث عن أم المؤمنين عائشة ، ولو كان لها علاقة بحديث الإفك لنزل ذلك في القرآن صراحة، فقد عهدنا القرآن أكثر اهتماماً بكل ما يخص بيت النبي وأمهات المؤمنين . فقد تحدث عن أمهات المؤمنين وبيت النبي في سورة الأحزاب وفى سورة التحريم وخاطبهن مباشرة في أمور أقل خطراً من ذلك الاتهام المزعوم لعائشة . ولكن القرآن في سورة النور لا يشير مطلقاً إلى عائشة أو أي واحدة من نساء النبي وإنما يتحدث عن عموم المؤمنين في حادث إفك اهتزت له المدينة في أول العهد بها وقد تكدس فيها المهاجرون والأنصار لأول مرة.. ولنراجع معاً آيات سورة النور..
تبدأ السورة بتقرير عقوبة الزنا (وهى الجلد لا الرجم)، ثم عقوبة رمى المحصنات ثم قضية التلاعـن بين الزوج وزوجته، ثم تدخل السورة على حديث الإفك بتقرير نفهم منه شيئين: 1ـ أن عقوبات الزنا وقذف المحصنات له علاقة مباشرة بالحديث التالي عن الاشاعات التي راجت في المدينة وقتها . 2ـ أن حديث الافك ليس خاصا بإحدى نساء النبي وانما هو أمر اشترك فيه جماعة من المؤمنين اتهموا جماعة اخرى من المؤمنين اثما وعدوانا . وهذا لا يجوز في اخلاقيات المجتمع المسلم الذى ينزل عليه الوحى القرآني. في ذلك يقول الله تعالى يخاطب المؤمنين جميعا في المدينة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ فالخطاب هنا عام للمؤمنين جميعاً ، فليس ذلك الحديث الإفك شراً للمؤمنين بل هو خير لهم لأنه بسببه أنزل الله في السورة التشريعات التي تنظم الحياة الاجتماعية للمسلمين حتى لا يتكرر المجال للتقولات والإشاعات.
ثم تقول الآية التالية تتحدث عن عموم المؤمنين أيضاً ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ إذن هي تهمة عامة تمس مجتمع المسلمين جميعاً وكان ينبغي عليهم أن يرفضوها وأن يظنوا بأنفسهم خيراً، وتمضى الآيات على نفس الوتيرة تخاطب جموع المسلمين لأن المظلومين جماعة والذين ظلموهم جماعة أخرى ، وقد تداول المسلمون أقوال الظلمة بدون تروٍ أو تدبر، تقول الآيات ﴿لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ  وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ  وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ  يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ  وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.
ولأن المظلومين مجموعة والظلمة أيضاً مجموعة تقول الآية التالية ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ فالمنافقون أرادوا بتوزيعهم التهم على مجموعات المؤمنين أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف (التوبة 67) وتوعدهم بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.
وينهاهم رب العزة عن اتباع خطوات الشيطان، ثم تلتفت الآية لبعض المحسنين الذين توقفوا عن الصدقة مخافة أن تلوكهم الألسنة ﴿وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا..﴾.
ولأن المظلومين جماعة من المسلمات العفيفات فإن الله توعد الظلمة بعذاب شديد ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.
ونتوقف مع كلمة "المحصنات الغافلات" فهي الموضع الوحيد في القرآن الذى أتت فيه صفة الغفلة بمعنى السذاجة وطيبة النية، وما عداه فإن صفة الغفلة تلحق بالذي يعرض عن الحق ويلهو عنه ، ووصف المحصنات البريئات بالغفلة دليل على أنهن كن يتصرفن بالسجية والفطرة النقية في التعامل مع الناس ، ولو كان مجتمع المدينة خالياً من المنافقين والذين في قلوبهم مرض ما لحقت بهن الشبهات والاتهامات. والله تعالى دافع عن هؤلاء المحصنات الغافلات المؤمنات ولعن من اتهمهن في شرفهن . ثم يقول تعالى ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ إذن جاءت البراءة من الوقوع في الإثم الخبيث لأولئك الطيبات وأولئك الطيبون ولأنهم جماعة قال عنهم ربنا تعالى ﴿أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾.
ثم أتت الآيات التالية تتحدث عن تشريع الاستئذان حتى لا يتكرر دخول بعض الناس بلا إذن كما كان مألوفاً في الجزيرة العربية ، وحتى لا يكون هناك مجال للشبهات والأقاويل ، ثم توالت التشريعات الاجتماعية في الزى والنكاح.. وذلك هو الخير الذى قالت عنه الآية الأولى في موضوع الإفك ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾.
ويبقى السؤال: ما علاقة عائشة بذلك كله؟.
لا شيء.. لقد جرت أم المؤمنين عائشة على نفسها نقمة الكثيرين بسبب دورها في الفتنة الكبرى وموقعة الجمل. لذا تخصصت طوائف من الشيعة الهجوم عليها واتهامها في شرفها ، وكل الأحاديث المفتراه التي تهتك حرمة رسول الله كان النصيب الأكبر فيها لعائشة.. ومن يقولون أنهم أهل السنة يدافعون عن تلك الأحاديث ويعتبرون نقدها وتبرئة الرسول وأهل بيته منها إنكاراً للسنة..!! ويكفينا أن الجميع لا يزالون حتى الآن يربطون عائشة بحديث الإفك منهم تصديقاً لمفتريات ما يسمى بالمصدر الثاني..

هل كان لدى النبي متسع ليكون كما وصفته تلك الأحاديث؟

لقد جعلت تلك الأحاديث من قوة النبي الجنسية قضية نضطر لمناقشتها لتبرئة ساحة النبي منها ، لقد تزوج النبي وهو شاب من خديجة وهى تكبره في العمر وظل مخلصاً لها في حياته طيلة فترة شبابه ، ثم تعددت زيجاته وهو بعد الخمسين لغير سبب الشهوة.. وماذا يبقى للإنسان بعد الخمسين خصوصاً إذا كان يحمل هموماً ومسئوليات ينوء بحملها عشرات الرجال الأشداء؟ ولنتذكر كيف كان يواجه أعداءه من مشركين ومنافقين ، وكيف تنوعت هذه المواجهة بين مؤامرات وغزوات وحصار، ثم كيف كان مسئولاً في هذا السن عن إقامة دولة وتأسيس أمة ونشر دعوة وتكوين مدرسة وإعداد قادة ، وذلك جميعه أقامه رجل واحد في العشر سنوات الأخيرة من حياته ، تلك العشر سنوات التي ملأتها كتب الأحاديث بروايات تصوره شخصاً آخر لا اهتمام له إلا بالجماع وصحبة النساء.
لقد كان النبي تكاد نفسه تذهب حزناً على عناد قومه ومكرهم ، ويحمل الدعوة في قلبه قبل جوارحه وينشغل بها وبإدارتها مع تبليغه الرسالة وتكوينه الدولة وإعداده للمدرسة التي تربت على هديه ، فهل يتبقى فيه متسع بعد ذلك كله لأن يكون كما تصوره لنا كتب التراث؟ يكفينا ما أشارت إليه سورة الأحزاب في الخطاب المباشر لنساء النبي من رب العزة ، فقد أردن التمتع بحلال الدنيا شأن كل النساء في المدينة ، وكانت النتيجة أن الله أمر النبي أن يخيرهن بين تحمل البقاء معه أو أن يطلقهن ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ﴾ (الأحزاب 28: 29)

9 ـ القرآن يحرص على حرمة بيت النبي التي هـتـكـتها أحاديث البخاري:

مهما بلغت دناءة الإنسان فإنه يرفض أن يقتحم الناس أسرار بيته أو علاقة والده الجنسية بوالدته ، والعادة لدينا نحن أهل العروبة والإسلام أن نستنكف من كشف أسماء النساء من العائلة، ولكننا في نفس الوقت لا نرى تحرجاً من الإيمان بأحاديث البخاري التي تطعن في بيت النبي ونسائه وتهتك حرمته وحرمتهن وتجردهم من ملابسهم عراة أمام عقولنا.. ومعذرة للتعبير..
10 ـ على المسلم الذى يقرأ هذا الكتاب أن يختار بين شيئين لا ثالث لهما:
1ـ اما أن ينتصر للنبي محمد الذى ظلمه البخاري بتلك الأكاذيب المفتراه ، وقد فعل البخاري ذلك عمدا وعن علم ودراية بما يفعل . وهذا واضح لكل ذي عقل ناقد وفهم لحرفة الكتابة والتأليف. والانتصار للنبي عليه السلام يعنى شيئا محددا هو أن يرفع المسلم صوته ـ ان لم يستطع الكتابة ـ معلنا للناس أن البخاري عدو لله تعالى ورسوله لينبه المسلمين الى هذه الحقيقة وليدلهم عليها ويدعوهم الى قراءة البخاري وطعنه المستمر والمستتر لخاتم النبيين.
2 ـ واما ان يوالى البخاري في ظلمه للنبي ، أو أن يسكت على ظلم البخاري للنبي رهبة وخوفا وتقديسا للبخاري واسمه ، وهو بذلك يثبت لنفسه والآخرين أنه يعبد البخاري ويقدسه ويبارك أو يسكت على طعنه في رسول الله عليه السلام.
كل منا حر في اختياره مع حق النبي المظلوم أو مع البخاري الظالم ، وكل منا مسئول امام الله تعالى عن موقفه واختياره . ان الايمان ليس كلمة تقال أو مجرد شعار يرفع أو تعريف يكتب في البطاقة الشخصية وشهادة الميلاد ، ولكنه موقف عملي عفوي يتخذه كل انسان دفاعا عما يؤمن به ومن يؤمن به. وفى هذا الموقف يكتشف كل انسان حقيقة ايمانه وواقع توجهه العقيدي ، وبذلك فهذا الكاتب هو كتاب كاشف لكل مسلم عن خبايا نفسه اذ يضعه في مواجهة صريحة مع الذات قبل أن يفوت الأوان.
المؤمن حق الايمان بالله تعالى ورسوله يحدد موقفه من الآن مهتديا بقوله تعالى عن خاتم النبيين " النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ: " الأحزاب 6" فاذا كان المؤمن يغضب اذا انتهك بعض الناس خصوصيات امه وابيه واسرارهما الجنسية والشخصية او قام بفضحهما بقصص ملفقة على الملأ فان الواجب عليه كمؤمن ان يغضب لنبي الاسلام المظلوم عليه السلام الذى فضحه البخاري بتلك الأكاذيب امام العالم كله ومنذ اكثر من 12 قرنا من الزمان.
أما عدو الله تعالى ورسوله الموالي للبخاري المقدس له فلن يجرؤ على انتقاد البخاري لأنه في عقيدته إله لا يخطئ وفوق مستوى الأنبياء الذين كانوا يخطئون وينزل الوحى يلومهم ويؤنبهم. ولأنه لا يجرؤ على انتقاد البخاري ولا يستطيع في نفس الوقت اعلان نصرة النبي المظلوم في هذه القضية فالحل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو الهجوم على مؤلف هذا الكتاب وصب اللعنات عليه وكيل الاتهامات في حقه ليشغل الناس بقضية أخرى ينجو بها هو و البخاري الهه ، ولكن هل سينجو من عقاب الآخرة ؟
وإذا أردنا أن نعرف مدى الجرم الذى نرتكبه في حق نبينا عليه السلام بالسكوت عن البخاري وأمثاله علينا أن نقرأ في القرآن الكريم كيف كان حرص الله تعالى عظيماً على حماية سمعة هذا البيت النبوي الكريم.
كان بعض الناس يستسهل الدخول على بيت النبي بدون إذن وكان النبي يتحرج ويستحى من طرد أولئك المتطفلين فنزل قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً ﴾ (الأحزاب 53) . ان البيت المادي للنبي قد اندثر ولكن التشريع الخاص بالبيت المعنوي للنبي لا يزال قائما. فبيت الرجل العادي هو نساؤه واهله. أما بالنسبة للنبي محمد بالذات فالمصطلح القرآني " أهل البيت " مقصود به نساء النبي تحديدا ، واقرأ في ذلك قوله تعالى :" وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" "" الأحزاب 33".
وهكذا فان التشريع لا يزال قائما في حرمة البيت النبوي بعد موت النبي ونسائه، خصوصا وهن امهاتنا في الاسلام ، وهن اللاتي يريد الله تعالى أن يذهب عنهن الرجس ويطهرهن تطهيرا. فكيف بالبخاري ومن يعبدونه ويقدسونه وهم طيلة القرون الماضية يحاولون انتهاك حرمة هذا البيت العظيم الطاهر برجسهم وقذارتهم ؟!!
11 ـ معنى الصلاة على النبي ومعنى ايذاء النبي

بعد قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً " جاءت الآية التالية في التحذير من الله تعالى الذى يعلم السر وأخفى "إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً." بعدها جاءت الآية التالية في استثناء من يدخل على نساء النبي من أقاربهن" آية55 من سورة الأحزاب .
والمفهوم من السياق ان الذى لا يطيع هذه الأوامر والنواهي يكون ـ ليس فقط عاصيا لله تعالى ورسوله ـ ولكن أكثر من ذلك يكون ممن يؤذون الله تعالى ورسوله , وجاء التلميح بذلك في قوله تعالى في الآية السابقة :" وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ".أما الذى يحفظ حق النبي وحق امهات المؤمنين فهو الذي يحتفظ بالصلة الطيبة بالنبي مهما تباعد الزمن بينه وبين النبي.
المهم أن اتهام من لا يطيع الأوامر والنواهي السابقة جاء تلميحا في الآية السابقة ثم جاء تصريحا وتفصيلا في الآيات التالية : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً  إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً  وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) الأحزاب 56: 58 "
اولئك الذين في قلوبهم مرض لم يقتحموا بيت النبي بدون إذن فقط بل اقتحموا عليه بأقلامهم ورواياتهم المسمومة حجرة نومه يؤذونه في خصوصياته وأدق أسراره مع زوجاته يسجلونها كما يحلو لهم ليطعنوا في شخصه الكريم ، هذا مع أن المؤمن يحافظ على صلته بالنبي بتمسكه بما كان النبي يتمسك به وهو القرآن وبأن يدفع عنه تلك التهم التي تسللت إلى الدين . وبعضنا - دون أن يدرى- يقول دائماً اللهم صلى على النبي وهو يتمسك في نفس الوقت بالأحاديث التي تطعن في سيرة النبي...... هدانا الله إلى الحق..

12 ـ الساحر المزعوم الذى سحر النبي:
تحت (باب السحر) يروى البخاري هذا الحديث منسوباً لعائشة "سحر رسول الله رجل من بنى زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال: يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل فقال: مطبوب قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم قال: في أي شيء؟ قال في مشط ومشاطة وجُف طلع نخلة ذكر، فقال وأين هو قال في بئر ذروان. فأتاها رسول الله في ناس من أصحابه فجاء فقال: يا عائشة كأن ماءها ناقعة الحناء أو كأن رؤوس نخلها رءوس الشياطين، قلت يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني الله فكرهت أن أثور على الناس فيه شراً فأمر بها فدفنت".
وفى رواية أخرى يضع فيها البخاري بعض (البهارات) الجنسية فيقول "كان رسول الله سُحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا فقال يا عائشة أعلمت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه. أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي.." وتمضى رواية الحديث إلى أن تقول عائشة "أفلا تنشرت" فقال أما والله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً..." والإشارات الجنسية في هذه الرواية هي قوله "حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن" و"هذا أشد من يكون من السحر" ثم قول عائشة "أفلا تنشرت" (البخاري: الجزء السابع ص 176: 178، الجزء الثامن ص 103).
واتهام الرسول بالسحر أو بأن بعضهم سحره فيه تشكيك في الرسالة وطعن في الدين. وقبل هذه الروايات التي جاء بها المصدر الثاني فإن مشركي مكة اتهموا النبي محمداً بأنه مسحور ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً﴾ (الفرقان 7: 8).
ويعلق رب العزة على ذلك الاتهام بقوله ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً﴾ (الفرقان 9).
وكرر القرآن نفس الحكاية في سورة الإسراء فيقول عن المشركين ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً ﴾ (الإسراء 47) ويعلق رب العزة على ذلك الاتهام فيقول نفس المقالة ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً﴾ (الإسراء 48).
ولأمر ما تكرر قوله تعالى ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً﴾ في التعليق على اتهام المشركين للنبي بأنه كان مسحوراً ، وأعتقد أن هذا التكرار كان مقصوداً للرد على اتهام آخر للرسول بالسحر بعد وفاته ، وجاء هذا الاتهام في روايات المصدر الثاني.
إن الله حفظ رسوله ليبلغ الرسالة كما هي. يقول تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ)(المائدة 67).
فكيف يكون الله تعالى حافظاً له من الناس ويستطيع ذلك اليهودي المزعوم أن يسحره.

13 ـ اليهودي المزعوم الذى رهن النبي عنده درعه:
حديث البخاري يقول "توفى رسول الله ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير.." (البخاري الجزء الرابع ص 49: 50، الجزء السادس ص 19، الجزء الثالث ص 107، 177). هل يمكن أن نصدق أن رسول الله يضطر لأن يرهن دروعه عند يهودي في مقابل أن يحصل على ثلاثين صاعاً من شعير..؟ ثم هل يمكن أن نصدق أن يموت النبي وهو مدين لذلك اليهودي ودرعه مرهونة عنده؟ وأين كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار ومنهم الأغنياء والمياسير؟..
ومن السهل الرد على هذه الرواية من خلال البخاري نفسه الذى ذكر الإيراد السنوي الثابت الذى كان يحصل عليه النبي من ضيعة فدك (البخاري: الجزء الرابع ص 96).
كما يذكر البخاري أن أموال بنى النضير اليهود بعد أن طردهم النبي من المدينة كانت فيئاً خاصاً بالنبي "ينفق منها على أهله نفقة سنته، ثم يجعل ما بقى منها في السلاح والكراع عدة في سبيل الله" (البخاري: الجزء السادس ص 184).
إذن على هذا كيف يتوفى النبي وهو مدين ليهودي بثلاثين صاعاً من شعير وقد رهن درعه عنده؟.
والقرآن الكريم يثبت أن بيت النبي كان مفتوحاً للضيوف يأكلون ويتحدثون ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا..﴾ (الأحزاب 53).
وتاريخ المسلمين ينفى أيضاً رواية البخاري عن رهن درع النبي عند ذلك اليهودي.. فالنبي عليه السلام قد أجلا كل اليهود عن المدينة ، أجلا يهود بنى قينقاع ثم يهود بنى النضير ثم يهود بنى قريظة، وقد تحدث القرآن عن جلاء آخر قبائل اليهود في سورة الأحزاب (الأحزاب 26) وظلت المدينة خالية منهم إلى أن توفى النبي ..إذن فأين ذلك اليهودي المزعوم الذى ظل وافر الثراء إلى أن مات النبي وقد رهن درعه عنده؟.

14 ـ البخاري ينسب للنبي تشريع الرجم للزاني:
تحت عنوان "باب رجم المحصن" أتى البخاري بأحاديث الرجم للزاني المحصن، وهى لا تخلوا من بعض التناقض والتشكيك.
فيروى حديث جابر "أن رجلاً ممن أسلم أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فحدثه أنه قد زنى فشهد على نفسه أربع شهادات فأمر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فرُجم وكان قد أحصن" وحديث أبى هريرة عن رجل آخر أقر للنبي بالزنا وهو في المسجد "فقال له النبي: أبك جنون؟ قال: لا، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم، فقال النبي: اذهبوا به فارجموه.. ويقول الراوي فكنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى..".
ثم يأتي البخاري بحديث أنس عن رجل آخر مجهول قال للنبي "يا رسول الله إني أصبت حداً فأقمه علىّ ، قال ولم يسأله عنه قال وحضرت الصلاة فصلى مع النبي فلما قضى النبي الصلاة قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حداً فأهم في كتاب الله  قال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم، قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك أو حدّك".
وواضح ذلك التناقض بين أحاديث فيها تشريع الرجم يأمر به النبي وحديث آخر يتغاضى فيه النبي عن توقيع تلك العقوبة لأن الزاني قد صلى مع النبي وقد غفر الله له.
ثم هناك تشكيك آخر في عقوبة الرجم في حديث يرويه البخاري يقول "حدثنا خالد عن الشيباني سألت عبد الله بن أبى أوفى: هل رجم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ قال: نعم، قلت: قبل سورة النور أم بعد؟ قال: لا أدرى" وقد نزلت عقوبة الزنا في سورة النور وهى الجلد لا الرجم كما سيأتي تفصيله فيما بعد، ولكن رواية الحديث تشير بطرف من الشك إلى أن عقوبة الرجم محدثة قبل- وربما بعد- نزول سورة النور التي شرعت العقوبة الحقيقية لجريمة الزنا وهى الجلد. ثم يأتي البخاري بحديث طويل ينسبه لعمر بن الخطاب فيه التأكيد على أن الرجم هو عقوبة الزاني المحصن، ويقول فيه "لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله.." وذلك الحديث الطويل المنسوب لعمر بن الخطاب يتضح فيه أنه صبغ بلهجة محمومة للدفاع عن عقوبة الرجم للزاني ضد أولئك الذين كانوا ينكرونه، مما يعنى أن اختراع عقوبة الرجم وتشريعها ونسبتها للنبي لم تكن بالشيء الهين في عصر البخاري وإنما استلزمت الكثير من الدفاع والهجوم الوقائي وعكست ذلك كله الروايات المختلفة (راجع البخاري الجزء الثامن ص 204: 211).
وقد مات ابن بروزيه والمشهور اسمه بالبخاري سنة 256 هـ. وعاصره الأديب المشهور الجاحظ المتوفى سنة 255 هـ. وقد ألف الجاحظ كتابه "البخلاء" الذى ذكر فيه نوادر البخلاء وطرفاً من الحياة الاجتماعية في العصر العباسي ، وتحدث فيه على سجيته وكان مما ذكره عن بعض أصحابه من البخلاء "ولقد خبرني خباز لبعض أصحابنا أنه جلده على إنضاج الخبز وأنه قال له: أنضج خبزي الذى يوضع بين يدى واجعل خبز من يأكل معي على مقدار بين المقدارين، وأما خبز العيال والضيف فلا تقربنه من النار إلا بقدر ما يصير العجين رغيفاً وبقدر ما يتماسك. فكلفه العويص فلما أعجزه ذلك جلده حد الزاني الحر"(3). أي أن عقوبة الزاني كانت الجلد ولم تكن الرجم ، وأن العبد الزاني كان يُجلد خمسين جلدة وأن الحر الزاني كانت عقوبته مائة جلدة. وهذا ما كان معروفاً ومألوفاً في عصر التدوين حيث عاش الجاحظ والبخاري ونفهم من هذا أن الروايات المتناقضة في موضوع الرجم كانت تعكس اختلافاً فقيهاً في الآراء ، وكان كل فريق يعزز موقفه بأحاديث ينسبها للرسول عليه السلام.. وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم وجدنا أن الجلد هي عقوبة الزاني والزانية.
وسورة النور التي نزل فيها تشريع الجلد للزناة بدأت بآية تستلفت النظر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، يقول تعالى في بداية سورة النور ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ ففي بداية السورة تنبيه وتذكير لنا بأحكام تالية غاية في الأهمية ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ ثم بعد هذا التنبيه عالي النبرة يقول تعالى ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾ والله تعالى وهو الأعلم وحده بالغيب أنزل هذا التحذير والتنبيه لأنه تعالى يعلم أنه سيأتي زمان بعد نزول القرآن يصاغ فيه تشريع بعقوبة الزنا لم يرد في كتاب الله ويخالف تلك الفرائض والآيات البينات الواضحات ، لأن الذين يدافعون عن ذلك التشريع الزائف لم يتذكروا كلام الله ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ..﴾.
وتفصيلات القرآن - التي قلما يهتم أحد بالتدبر فيها - جاءت بالأحكام التفصيلية لعقوبة الزنا.
• فالزاني والزانية إذا تم ضبطهما في حالة تلبس وبشهادة أربع شهود أو بالإقرار يصح معه وصفهما بالزاني والزانية فعـقـوبـتهـما هي الجلد مائة جلدة عقوبة علنية أمام طائفة من المؤمنين ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
• ومن الصعب إثبات حالة التلبس في جريمة الزنا ، ومن السهل أن يشاع عن امرأة ما أنها سيئة السمعة والسلوك ، وتتكاثر الشواهد على ذلك دون إثبات حالة التلبس ، وحينئذ لابد من عقاب مناسب بعد الإشهاد عليها بأربعة شهود بأنها سيئة السمعة والسلوك يقول تعالى ﴿وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾ (النساء 15) فالعقاب هنا ليس الجلد وإنما هو إجراء وقائي يمنع تلك المرأة عن الناس ومنع الناس عنها إلى أن تتوب أو تموت.
• وقد تكون الزانية جارية يجبرها مالكها على البغاء ، وحينئذ لا عقوبة عليها ﴿وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النور 33)
• وإذا تزوجت الجارية أي تحصنت بالزواج من الوقوع في مثل هذه المواقف ، لكنها وقعت في الزنا باختيارها فعقوبتها خمسون جلدة أي نصف ما على المحصنات العفيفات من الحرائر ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ﴾ (النساء 25) ولو كان هناك رجم على الزانية الحرة المحصنة فكيف نطبق هنا نصف الرجم؟.
• وقد تكون الزانية زوجة مطلقة لا تزال في فترة العدة وفى عصمة زوجها ومن حقها البقاء في بيته ولكن تفقد هذا الحق بوقوعها في الزنا ويكون للزوج أن يطردها من بيته ولكن يشترط أن يكون إثبات الجريمة حقيقياً بالشهود أو بتعبير القرآن ﴿إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ وذلك حتى لا يكون هناك مجال للزوج المطلق أن يفترى على زوجته مطلقته كذباً؟
يقول تعالى عن تلك الزوجة المطلقة ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ (الطلاق 1).. والطرد هنا عقوبة تضاف للجلد..
• وتأبى تفصيلات القرآن إلا أن تضع عقوبة الزنا لحالة مستبعـدة واستثنائية للغاية ، وهى فيما يخص نساء النبي أمهات المؤمنين إذا وقعت إحداهن في هذه الجريمة فيكون العقاب بالنسبة لها مائتي جلدة ، أي ضعف ما على المرأة الحرة ، وإذا أحسنت كان ثوابها ضعف ثواب المحسنات ، يقول تعالى ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً  وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ ﴾ (الأحزاب 30: 31) فهل إذا كان العذاب هو الرجم فكيف يمكن جعل الرجم مضاعفاً..؟
ومن الإعجاز في آيات الله المحكمة أن يوصف عقاب الزناة بالجلد بأنه عذاب..
فعن حالة الزنا وضبط الزناة في حالة تلبس أو إقرار يقول تعالى ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ..﴾ ثم تصف الآية عقوبة الجلد بأنها عذاب فيقول ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وفى حالة الجارية التي تضبط زانية بعد زواجها يقول تعالى ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ﴾ فالعذاب هو الجلد للجارية المتزوجة والحرة أيضاً ، وفى حالة نساء النبي يقول تعالى ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ فوصف الجلد هنا أيضاً بأنه عذاب..
وفى بداية سورة النور بعد أن تحدث ربنا جل وعلا عن عقوبة الزانية والزاني وأنها الجلد مائة جلدة ووصفه بأنه عذاب.. تحدث فيما بعد عن حالة الزوج الذى يضبط زوجته وهى تزنى ولم يكن معه شهود يؤكدون ادعاءه، وأنزل الله تعالى تشريع الملاعنة ، وذلك بأن يشهد الزوج بنفسه أربع شهادات بالله بأن زوجته زانية ، وأنه صادق في هذا الاتهام ، ثم يشهد الشهادة الخامسة ويجعل لعنة الله عليه إن كان كاذباً ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ  وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ ﴾ ويمكن للزوجة المتهمة أن تدفع عن نفسها عقوبة الجلد بأن تشهد أربع شهادات بالله بأن زوجها كاذب ثم تشهد الشهادة الخامسة بأن غضب الله عليها إن كان زوجها صادقاً في اتهامه لها ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ  وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ﴾ (النور 6: 9)
والشاهد في الآيات أن الله تعالى وصف عقوبة الزنا للمتزوجة بأنه عذاب وأنه يمكن للزوجة التي يتهمها زوجها على الملأ بالزنا بأن تدرأ عنها عذاب الجلد بشهادات أخرى تنفى التهمة فقال تعالى ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ..﴾
إذن وصف الله عقوبة الجلد بأنها عذاب وجعل هذا الوصف يأتي في حالات مختلفة تضم المحصن والمحصنة بالنص.. ومعناه أن الجلد هو العقوبة لكل الزناة محصنين أو غير محصنين. ووجه الإعجاز هنا أن الله تعالى أورد هذا الوصف لأنه تعالى يعلم أن هناك من سيأتي بتشريع ما أنزل الله به من سلطان يقتل به النفس التي حرم الله بغير الحق، بل ويقتلها أبشع قتلة وهو القتل رجماً... وما أبشع الافتراء على الله ورسوله..
ألا ينبغي أن نتذكر قوله تعالى ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ (الأنعام 151) ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ..﴾ (الإسراء 33) ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ...﴾ (الفرقان 68).
ولكننا لا نكتفى بقتل النفس الزكية بغير نفس ، ولكن نصدر بذلك تشريعاً يجعل ذلك الجرم ساري المفعول ، ثم لا نكتفى بذلك بل ننسبه لله ورسوله.. ولك أن تتخيل عزيزي القارئ كم من الأنفس الزكية لفظت أنفاسها تحت أكوام من الحجارة تـنهـمـر عليها من كل جانب وتلقى مصرعها بالموت البطيء ، وأولئك الذين يقومون بتنفيذ الإعدام من المسلمين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وأنهم ينفذون أوامر الله ويرجمون الزاني المحصن..!!
وكم يضحك منا إبليس اللعين..
﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ (فاطر 8)

15 ـ البخاري ينسب للنبي الأكاذيب والمتناقضات: ـ
رأينا طرفاً من التشريعات الكاذبة التي نسبها البخاري للنبي عليه السلام. وهو تشريع الرجم ، وقد توقفنا معه لأنه أخطرها ولأنه لا يزال محل تطبيق و يجد بين المسلمين أنصاراً حتى الآن..
ونتوقف الآن قليلاً مع أكاذيب ومتناقضات نسبها البخاري للنبي عليه السلام..
وعموماً فكل الأحاديث التي رواها البخاري وغيره وفيها ينسبون للنبي أقاويل عن علامات الساعة وأحداثها والشفاعة وأحوال القيامة - كلها أحاديث تناقض القرآن صراحة فالقرآن يؤكد في أكثر من موضع بأن النبي لا يعلم الغيب ولا يعلم شيئاً عن الساعة وموعدها وتفصيلاتها وقد عرضنا لذلك فيما سبق ، وأتينا بالآيات الكثيرة في هذا الموضع ، ويكفينا منها قوله تعالى للنبي ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ....)(الأحقاف 9) وإذا كان النبي لا يعلم ماذا سيحدث له أو لغيره فكيف ننتظر منه أن يتحدث عن أحوال القيامة وشفاعته أو عدم شفاعته..؟
ثم ألا يكفينا قوله تعالى في عدم علم النبي بالغيب ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ..﴾ (الأنعام 50) ﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ (الأعراف 188)
على أن البخاري قد نسب أحاديث عن موعد قيام الساعة ، وهى مع مخالفتها لصريح القرآن الذى ينفى عن النبي علم الغيب فإن هذه الأحاديث المنسوبة للنبي أراد بها البخاري أن يجعل القارئ يتهم النبي بالكذب.. كيف ذلك؟.
اقرأ في أحاديث البخاري هذه الأقاويل عن موعد قيام الساعة" صلى بنا النبي العشاء في آخر حياته فلما سلّم قام فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد" وفى رواية أخرى "لا يبقى على ظهر الأرض بعد مائة سنة نفس منفوسة" فالبخاري يسند للنبي قوله بأن القيامة ستقوم بعد مائة عام ، وحين كتب البخاري تلك الأحاديث كان قد مضى على موت النبي أكثر من مائتي عام ، أي أن البخاري كتب هذه الأحاديث ليدفع القارئ إلى تكذيب النبي.
ويكرر البخاري نفس المعنى في صورة أخرى ، يقول "كان رجال من الأعراب جفاة" يسألون النبي عن الساعة "فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: إن يعش هذا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم".
وفى حديث آخر أكثر صراحة يروى البخاري أن رجلاً سأل الرسول متى تقوم الساعة "...فمر غلام للمغيرة فقال النبي: إن أُخِّر هذا- أي إن عاش - فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة..." وعلى ذلك فلابد أن الساعة قد حدثت في حياة ذلك الغلام دون أن ندرى.. أو ربما يكون ذلك الغلام حياً حتى الآن..! (راجع البخاري الجزء الأول ص 39: الجزء الثامن ص 133: الجزء الثامن ص 48).
والقارئ إذا تحمس للبخاري وجعله صادقاً في نقله لتلك الأحاديث وأن النبي قد قال ذلك فعلاً فمعناه أنه يتهم النبي بالكذب.. والأسلم لنا أن نرجع للقرآن وإلى قوله تعالى ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ..﴾ (الأعراف 187).فالنبي لم يتحدث مطلقاً عن الغيب لأنه لا يعلم الغيب إلا الله.. ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ (النمل 65)
وقد يضع البخاري حديثاً يعرف أن التجربة العملية قد ثبت كذبة مثل حديث من تصبح كل يوم سبع تمرات لم يضره سم ولا سحر" (البخاري: الجزء السابع ص 104)
وقد يضع حديث يعرف أن حقائق التاريخ الثابتة في القرآن تناقضه مثل الحديث المشهور "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر..." إذن كيف نفسر هزيمة النبي في غزوة أحد وحصار المشركين له في المدينة حيث يصف رب العزة حال المسلمين في المدينة ﴿وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ  هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً " (الأحزاب 10: 11) فإذا كان النبي قد نصره الله بالرعب مسيرة شهر فكيف حاصره المشركون في المدينة في موقعة الأحزاب؟.
وقد يأتي البخاري بأحاديث متناقضة فيما بينها في الموضوع الواحد، وهو ينسبها للنبي ليدفع القارئ للتشكيك فيه، ويحرص البخاري على أن يجعل تلك الأحاديث المتناقضة في أمور التشريع.. والأمثلة كثيرة نكتفى بذكر بعضها على عجل..
فالبخاري ينسب للنبي أنه نهى أصحابه عن الاختصاء "حديث ابن مسعود: كنا نغزو مع النبي ليس لنا نساء فقلنا يا رسول الله أن نستخصى؟ فنهانا عن ذلك". وفى الصفحة التالية مباشرة حديث أبى هريرة وفيه سماح النبي له بالاختصاء "قلت يا رسول الله إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسى العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء... فقال النبي: يا أبا هريرة جفَّ القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو ذر.." (البخاري: الجزء السابع ص 4، ص 5).
وفى صفحة واحدة حديثان متناقضان "إذا شرب كلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً" وبعده مباشرة حديث "كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك" (البخاري: الجزء الأول ص 53).
وفى صفحة واحدة يقول البخاري "كان النبي يتوضأ عند كل صلاة" وبعدها مباشرة حديث يناقضه "إن النبي صلى المغرب ولم يتوضأ" (البخاري: الجزء الأول ص 62).
وتأتى أحاديث كثيرة تحض على سرعة التبكير بالذهاب لصلاة الجمعة، وتملأ هذه الأحاديث صفحات من البخاري ثم يتبعها حديث ينقضها جميعاً يقول "إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون عليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".. (البخاري: الجزء الثاني ص 3، 4، 8، 9) وروايات متناقضة في صلاة الكسوف تملأ صفحات وقد يخرج منها القارئ بتصميم على ألا يصلى الكسوف أبداً (البخاري: الجزء الثاني ص 42: 50) وأحاديث تحذر من المرور بين يدى المصلى وتأمر المصلى أن يخرج من صلاته ليقاتل ذلك المسلم الذى مر أمامه لأنه شيطان "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله إنما هو شيطان" "لو يعلم المار بين يدى المصلى ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه".
وفى نفس الصفحة أحاديث تبيح ذلك منسوبة لعائشة "لقد رأيت النبي يصلى وإني لبينه وبين القبلة وأنا مضطجعة على السرير" "كنت أنام بين يدى رسول الله ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما" ثم حديث ابن عباس "أقبلت راكباً على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله يصلى بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدى بعض الصف وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر ذلك علىّ أحد" وأحاديث أخرى تجعل الحمير والخراف والنساء تمر أمام النبي وهو يصلى، فأيهما نصدق؟ (البخاري: الجزء الأول ص 128: 129، الجزء الأول ص 29، ص 126).
وقد يأتي البخاري بأبواب كاملة يناقض بعضها بعضاً ويتلو بعضها بعضاً..
فهناك باب عنوانه "باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" وتحته أحاديث كثيرة تؤكد هذا المعنى، ثم يتلوه باب آخر عنوانه "باب ما ذكر في شؤم الفرس" وتحته أحاديث مثل "إنما الشؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدار" (البخاري: الجزء الرابع ص 30: 33). بل قد يأتي البخاري بالتناقض في حديث واحد، مثل "لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث في المرأة والدار والدابة". (البخاري: الجزء السابع ص 174) فكيف ينهى عن الطيرة أي التطير والتشاؤم ثم يأمر بالتشاؤم المستمر من رؤية المرأة والدار والدابة. وإذا طبقنا هذه السُنّة فلن ندخل بيتاً ولن ننظر إلى زوجة أو ذات محرم ولن نرى حيواناً يدب على الأرض.
على أن أفظع الأحاديث المتناقضة جاء بها البخاري في موضوع الصلاة ليشكك المسلمين فيها..
فهناك أحاديث تأمر المرأة بأن تصلى وهى حائض وأحاديث أخرى تنهى عن ذلك (البخاري: الجزء الأول ص 81، 84، 85، 86).
وأحاديث تأمر بالصلاة بعد الصبح وبعد العصر وأحاديث تنهى عن ذلك (البخاري: الجزء الأول ص 143: 145).
وأحاديث تثبت أن النبي كان يصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين في غير السفر وفى غير الخوف منها: "خرج علينا رسول الله بالهاجرة فأتى بوضوء فجعل الناس يأخذون منه فضل وضوئه فيتمسحون به فصلى النبي الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة" "أن النبي صلى بهم البطحاء وبين يديه عنزة الظهر ركعتين والعصر ركعتين يمر بين يديه المرأة والحمار" (البخاري: الجزء الأول ص 57، ص 126).
وأحاديث أخرى تقول أن النبي كان يصلى الصبح أربع ركعات "أن رسول الله رأى رجلاً وقد أقيمت الصلاة يصلى ركعتين فلما انصرف رسول الله لاث به الناس وقال له رسول الله: الصبح أربعاً الصبح أربعاً" (البخاري: الجزء الأول ص 159: 160).
ومع هذا يجعلون البخاري وكتب الاحاديث مصدرا للمعرفة بالصلاة وكيفيتها ، ولم يتساءل احدهم كيف كان المسلمون يصلون قبل مولد البخاري ؟
ونكتفى بهذا فقد تعبنا.. وأتعبنا..
الهوامش:
(1) القائل هو الخليفة الوليد بن عبد الملك: تاريخ الخلفاء للسيوطي 344. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
(2) تركنا الفراغ ولم نكتب اللفظ القبيح حياءاً من القارئ.
(3) الجاحظ: البخلاء: 55: 56، تحقيق طه الحاجرى، دار المعارف بمصر.