رقم ( 7 ) : القسم الأول :كيف نشأ المصدر الثاني:
الفصل الثالث : قراءة في" البخاري" أهم كتب المصدر الثاني

الفصل الثالث: قراءة في" البخاري" أهم كتب المصدر الثاني

القسم الأول :كيف نشأ المصدر الثاني:


العادة أن الله سبحانه وتعالى ينزل على كل نبي كتاباً واحداً كاملاً تاماً مفصلاً، ولكن ما يلبث الشيطان أن يدفع الإنسان إلى التلاعب بدين الله بالتحريف والتزييف في الكتاب الأصلي ثم يدفعهم إلى إنشاء مصادر أخرى تكتسب قدسية ، وبطبيعة الحال لابد أن يكون أولئك في صف العداء للنبي. والله تعالى يقول ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ  وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ  أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ...﴾ (الأنعام 112: 114)
وبدأ منافـقــوا المدينة الكيد للإسلام بهذا الطريق.
*** كان المنافقون يدخلون على النبي يقدمون له فروض الطاعة والولاء ثم يخرجون من عنده يتآمرون عليه ، وفى ذلك يقول تعالى ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ (النساء 81)
ونفهم من قوله تعالى عنهم ﴿بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ﴾ أنهم كانوا يزيفون أقوالاً على النبي لم يقلها ، أو بتعبير علماء الحديث كانوا يضعون أحاديث مفتراه ينسبوها للنبي. أي أن الكذب على الرسول بدأه المنافقون في حياة النبي نفسه.
وعلماء الحديث يتفقون على صحة حديث "من كذب على فليتبوأ مقعده من النار" وبعضهم يضيف إليه كلمة متعمداً "من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" وهم يجعلون هذا الحديث من المتواتر، وعدد الحديث المتواتر لا يصل إلى بضعة أحاديث عند أكثر المتفائلين ، والمهم أنهم بإقرارهم بصحة هذا الحديث إنما يثبتون أن الكذب على النبي بدأ في حياة النبي نفسه وإلا ما قال النبي هذا الحديث يحذر من الكذب عليه.
ونفهم من قوله تعالى ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ..﴾ إن أولئك المنافقين كانوا معروفين للنبي ، والواقع أن المنافقين في عهد النبي كانوا صنفين:
• صنف كان معروفاً للنبي وأمره الله بألا يعجب بأموالهم ولا أولادهم وألا يصلى على أحد منهم مات أبداً ولا يقم على قبره (التوبة 84: 85) وكان منهم من زيّف الحديث على النبي..
• وصنف آخر كان أشد خصومة وأكثر خطورة ، وقد توعد الله هذا الصنف بأن يعذبه مرتين في الدنيا وفى الآخرة له عذاب عظيم.. هذا الصنف الشديد الخطورة لم يكن يعرفه النبي ، يقول تعالى فيهم ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ (التوبة 101)
عن المنافقين المعروفين يقول تعالى ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ..﴾ ويجعل لهم عذاباً واحداً في الدنيا إن لم يتوبوا ﴿فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ (التوبة 74)
أما الصنف الآخر الذى لا يعلمه النبي فقد توعده الله بأن يعذبهم مرتين ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾.
ونفهم من المقارنة بين الفريقين أن الله تعالى أشار إلى احتمال توبة الصنف الأول المعروف من المنافقين ﴿فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْراً لَهُمْ..﴾ أما الصنف الآخر الذى لا يعلمه النبي فقد حكم الله بأنه سيظل سادراً في غيه وكفره إلى نهاية حياته ، لذا حكم الله تعالى حكماً مطلقاً بأن يعذبهم مرتين في الدنيا ثم ينتظرهم العذاب العظيم في الآخرة ، وحتى بعد أن قال تعالى عنهم ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ ذكر صنفاً آخر من أهل المدينة خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً وأشار إلى احتمال قبوله لتوبتهم ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (التوبة 102)
ثم فيما بعد ذكر صنفاً آخر من أهل المدينة وأشار إلى احتمال توبتهم ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ (التوبة 106)
إذن فالصنف الوحيد من الصحابة من أهل المدينة الذين حكم الله بأن يظلوا سادرين في الكفر بلا توبة هم أولئك الذين مردوا على النفاق والذين لم يكن للنبي علم بهم ، وهذا الصنف عاش على هذا يكيد للإسلام طيلة حياته أثناء حياة النبي وبعد موته عليه السلام..
وإذا كان المنافقون الذين يعرفون النبي قد كذبوا عليه وزيفوا أقواله في حياته فكيف بمن يقول عنهم رب العزة أنهم أدمنوا النفاق وعاشوا عليه ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾.
وقد كان أولئك من بين الصحابة وفق تعريف علماء الحديث بأن الصحابي هو من صحب النبي أو لقيه في حياته.. ومعنى ذلك أنه كان من بين رواة الأحاديث منافقون ظاهرون معروفون للنبي لا يتورعون عن الكيد للإسلام، وكان منهم من أدمن النفاق آمناً من أن يعلم أحد بحقيقة نفاقه ﴿لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾. ومن يدرى ربما كان منهم بعض المشاهير من الصحابة .علم ذلك عند الله وحده جل وعلا..
وإن كان مستحيلاً أن نضع أيدينا على أسمائهم الحقيقية وشخصياتهم بعد أن حجب الله تعالى العلم بهم عن النبي الكريم.. فإنه من الممكن لنا أن نعثر على رواياتهم التي حملت كل حقدهم على النبي العظيم ، وتنوقلت تلك الروايات حتى وجدت طريقها للتدوين فيما عرف بكتب الصحاح.. والذين جمعوا الحديث وقاموا بتنقيته ووضع أسانيد له أصدروا قراراً بأن الصحابة كلهم عدول فوق مستوى الشبهات ، ثم لم ينظروا في متن الحديث ومنطوقه وهل يتفق مع القرآن أم لا ، ونحن وإن كنا نعتبر القرآن هو المصدر الوحيد لسنة النبي وشريعة الرحمن ودين الله الأعلى فإننا نضع تلك الروايات الحديثية موضعها الصحيح وهى أنها تاريخ بشرى للنبي وللمسلمين وصدى لثقافتهم وأفكارهم سواء اتفقت أم لم تتفق مع القرآن. ويعز علينا أن تتناثر بين تلك الروايات سموم تشوه سيرة النبي العظيم الذى نشر دعوة وأقام أمة وأسس دولة وأثر في تاريخ العالم، عليه الصلاة والسلام..

ونحن على موعد مع "صحيح البخاري" في قراءة سريعة لنتعرف منها على خطورة ما أسموه بالمصدر الثاني..