رقم ( 6 ) : القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون
الباب الرابع : في عمران المدن والبلاد في البلدان والأمصار وسائر العمران

عرض مقدمة ابن خلدون: ب4:(ف1: 14)المدن،أشهرها،خرابها،أسعارها واحوالها

 كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

مقالات متعلقة :

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

  الباب الرابع : في عمران المدن والبلاد في البلدان والأمصار وسائر العمران

                               وما يعرض في ذلك من الأحوال

                                                 الفصل الأول:

                                الدول أقدم من المدن والأمصار ،

                                  وأنها إنما توجد ثانية عن الملك

السبب

          لأن بناء المدن من مظاهر الحضارة والترف الذي تصل به الدولة إلى غاية تطورها بعد مرحلة البداوة . وحيث يحتاج بناء المدن إلى التعاون بين كثرة الأيدي العاملة والإشراف عليها ويكون ذلك بالسخرة أو بالأجر ، ولا يُقدر على ذلك إلا بسلطة الدولة.

     ويتوقف عمر المدن على عمر الدولة التي بنتها، فإذا كان عمر الدولة قصيرا إنتهى عمران تلك المدينة عند إنتهاء الدولة وتراجع عمرانها ، أما إذا طال عمر الدولة إتسعت المدينة المنشأة بأحيائها وأسواقها ، وحدث ذلك في بغداد والقاهرة والقيروان وقرطبة .

    وإذا إنقرضت الدولة التي بنت المدينة : فإذا كانت المدينة تقترب من الجبال والبوادي فإن عمرانها لاينقطع، حيث يتوافد إليها أهل البوادي ويستقرون فيها . أما إذا لم يكن حولها مورد بشري يزودها بالعمران فلا يلبث أن يلحقها الخراب إذا إنقرضت دولتها ، وضرب إبن خلدون مثلا لذلك بمصر وبغداد والكوفة والقيروان والمهدية .

     وربما يستقر بتلك المدينة مؤسس دولة أخرى لايريد أن يبني عاصمة جديدة، مكتفيا بتلك المدينة التي زال عنها مجدها ، وبذلك تتسع المدينة مع الدولة الجديدة .

                                                    الفصل الثاني

                                 الملك يدعو إلى نزول الأمصار

                              أي أن السلطان يستدعي الإستقرار في المدن

    القبائل إذا أسست ملكا أقامت ملكها في إحدى المدن أو الأمصار طلبا للراحة والإستقرار والتعمير والتحصن بهذه المدينة أمام الأعداء .

    فإذا لم تكن هناك مدينة جاهزة للإستيلاء عليها أقاموا لهم مدينة جديدة .

                                                  الفصل الثالث

                             المدن العظيمة يقيمها الملك الكثير

منشآت الدولة تكون على مقدارها

      فإذا كانت الدولة عظيمة سخرت في الإنشاءات كل ماتستطيع من أيدي عاملة وأموال وآلات، وتركوا آثارا هائلة ربما يتوهم من يراها أن من بناها كانوا عمالقة، مثل الأهرام وإيوان كسرى ، ويغفل عن التقدم الهندسي الذي مكن أولئك الأقدمين من فن المعمار .

    ويؤكد إبن خلدون كذب القصاصين حين تحدثوا عن العمالقة القدماء ، من قوم عاد .

                                                الفصل الرابع

                       الهياكل العظيمة جدا لاتستقل ببنائها الدولة الواحدة

      تحتاج الأبنية الضخمة إلى قدر مضاعف من الجهد والهندسة وأزمنة متعاقبة وملوك متتابعين ، وتمر القرون فيظن الناس أن الباني دولة واحدة ، وهي في الحقيقة عدة دول .وضرب إبن خلدون مثلا على ذلك بسد مآرب الذي بناه سبأ ثم ملوك حمير بعده .

     ويستدل إبن خلدون على مقولته بأنه عاصر مباني عظيمة عجز الملوك عن إتمامها فأتمها من جاء بعدهم ، كما عجز الرشيد عن هدم إيوان كسرى ، وعجز المأمون عن هدم الهرم الأكبر مما يدل على عظمة البناء الذي كان يفوق قدرة دولة واحدة .

                                     الفصل الخامس

                           فيما يجب مراعاته في أوضاع المدن

                               ومايحدث إذا غُفل عن تلك المراعاة

 شروط بناء المدن

المدن هي مستقر الأمم والدول

    ويرى إبن خلدون أنه يجب أن يراعي في بناء المدينة وسائل الحماية وجلب المنافع وتسهيل المرافق . وعن وسائل الحماية من العدو الخارجي يقول أنه لابد من سياج أو سور يحمي المدينة ، وأن تقام على هضبة وعرة أو يحيط بها بحر أو نهر . وعن وسائل الحماية من الأمراض يرى أن يكون هواء المدينة صحيا بعيدا عن مواطن التلوث .

      ويشترط في جلب المنافع وتسهيل المرافق أن يكون الماء متوفرا وقريبا من المدينة ، وأن يوجد إلى جانبها المزارع والمراعي والشجر ، لتوفير الدواجن والأنعام واللحوم والألبان والحبوب والخضروات والوقود ومواد البناء . ويفضل أيضا أن تكون قريبة من البحر ليسهل إتصالها بالعالم الخارجي .

العرب لم يراعوا تلك الشروط بعد الفتوحات

    وقال إبن خلدون أن العرب في بداية الفتوحات إهتموا أكثر بما درجوا عليه عند البناء ، فلم يراعوا هذه الإشتراطات ، وتجلى ذلك في بنائهم للبصرة والكوفة والقيروان ، فلم يهتموا إلا بمراعي الإبل وأهملوا ماعدا ذلك .                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      

شروط بناء المدينة الساحلية

    واشترط إبن خلدون في المدن الساحلية أن تقام في منطقة جبلية أو قريبة من  العمران ووسائل الحماية والدفاع حتى يسهل الدفاع عنها عندما يغير عليها العدو ، واستشهد بتسمية الإسكندرية بالثغر مع أنها ليست في آخر بلاد المسلمين ، وذلك لسهولة إحتلالها والهجوم عليها على عكس الموانئ الإسلامية البعيدة الحصينة مثل سبته وبجاية .

                                            الفصل السادس

                            المساجد والبيوت العظيمة في العالم

   طبقا لما جاء في الأحاديث جعل إبن خلدون مكة والمدينة وبيت المقدس أفضل بقاع الأرض وتحدث عنها بالتفصيل .

عن مكة والبيت الحرام

     أشار إبن خلدون إلى تاريخ البيت الحرام منذ آدم إلى إبراهيم وإسماعيل ، ثم " جُرْهُم " إلى أن صار لقريش ، ثم إعادة بناء البيت قبيل البعثة حين احترق ، ثم بناء عبدالله بن الزبير للبيت بعد أن أصابته النار في حصار الأمويين الأول له ، ثم أعاد الحجاج بناء البيت ليكون على الأساس الذي بنته قريش من قبل .

     وعن ساحة البيت أي الحرم ، فقد كانت فضاء إلى عهد عمر الذي اشترى الدور المحيطة وهدمها وأحاطها بسور ، ثم زيدت مساحة الحرم باضافات في عهد عثمان ثم إبن الزبير ثم الوليد بن عبدالملك ثم المنصورالعباسي وإبنه المهدي واستقرت الزيادة على ذلك إلى عهد إبن خلدون .

    وتحدث إبن خلدون عن شرف البيت الحرام، وجعل من تشريفه منع كل من خالف الإسلام من دخول الحرم ، وأوجب على من يدخله أن يرتدي ملابس الإحرام ، ومن دخله كان آمنا من الناس والطيور والوحوش والشجر .

     وذكر إبن خلدون نقلا عن تاريخ مكة أنه كان يوجد كنز من الدنانير بالكعبة من النذور ، وقد رفض النبي  والخلفاء أخذه , إلى أن جاء الأفطس وهو الحسن بن الحسن حفيد على زين العابدين وثار سنة 199 في مكة فسلب ما في الكعبة من خزائن . 

أما بيت المقدس

فيقول عنه إبن خلدون أنه المسجد الأقصى

    وذكر أن بدايته أيام الصابئة كان " موضع الزهرة " أي كان معبدا لها حيث كان الصابئة يعبدون النجوم والكواكب ، ثم إتخذه بنو إسرائيل قبلة لصلاتهم .

   وقال أن بني إسرائيل في عهد موسى وهم في فترة التيه نصبوا قبلة يصلون إليها ويقدمون لها المذابح ، ثم لما ملكوا الشام وضعوا تلك القبة على الصخرة ببيت المقدس . ثم بنى سليمان مسجدا على الصخرة بعد أربع سنين من ملكه أو خمسمائة سنة من وفاة موسى وجعل فيه تابوت العهد والقبة والأوعية والمذبح . ثم قام بختنصر بتخريبه بعد ثمانمائة سنة من بنائه ، وبعد الأسر البابلي عاد بنو إسرائيل إلى فلسطين فأعاد عزير بني إسرائيل بناء بيت المقدس بمعونة" بهمن " ملك الفرس ، ثم حكم اليونان والفرس والروم المنطقة ويهودها . وأعادوا بناء بيت  المقدس على الأصل الأول الذي بناه سليمان وذلك بقيادة هيرودس وأكمل بناءه في ست سنين .

    ثم استولى تيتوس ( طيطش) الروماني على فلسطين وخرب بيت المقدس وزرع مكانه ، ثم دخل الرومان في المسيحية ، وتنصرت هيلانه أم الأمبراطور قسطنطين وذهبت إلى القدس تطلب الصليب الذي زعموا أن المسيح صلب عليه فأخبروها أن المسيح ألقاه على الأرض والقيت عليه القمامة ، فاستخرجته وبنت مكانه كنيسة القيامة ، وألقت بالقمامة على الصخرة عقابا لليهود حتى خفي مكانها .وفي الفتوحات الإسلامية جاء عمر لفتح بيت المقدس ،وسأل عن الصخرة فأروها له وقد علاها الثرى والقمامة فبني عليها مسجدا بدويا بسيطا .ثم أقام الوليد بن عبدالملك المسجد الأقصى على سنن الإسلام كما فعل في المسجد الحرام والمسجد النبوي ومسجد دمشق ، وبعد قرون إحتل الصليبيون بيت المقدس وبنوا الكنيسة مكان المسجد على الصخرة ، واسترد صلاح الدين بيت المقدس فهدم الكنيسة وأظهر الصخرة وبني المسجد الذي ظل قائما إلى عهد إبن خلدون . 

وأما المدينة

    ( يثرب) بناها يثرب بن مهلائل من العمالقة ، ثم ملكها بنو إسرائيل ضمن ما ملكوه من الحجاز ، ثم أخذها بنو قيله من غسان . ثم هاجر إليها النبي وأصبح أهلها الأنصار ، ومات فيها النبي ، وذكر إبن خلدون حديثا يقول : المدينة خير من مكة ، ويقرر إبن خلدون أن المدينة تلي المسجد الحرام .

    وبعد تلك المساجد العظيمة في مكة وبيت المقدس والمدينة ذكر إبن خلدون بيوتا أخرى كان يعظمها أصحابها إلا أنه شكك فيها وفي مشروعيتها مثل مسجد آدم في سرنديب (سيلان) وبيوت النار للفرس وهياكل اليونان وبيوت العرب بالحجاز التي هدمها النبي .

                                               الفصل السابع

                               المدن والأمصار بأفريقيا والمغرب قليلة

     عاش البربر آلاف السنين قبل الإسلام ، وهم بدو لم يستكملوا أسباب الحضارة ، والدول التي ملكتهم لم يطل ملكهم فيهم ، ولبداوتهم كانوا أبعد عن ممارسة الصناعة ، وهم أهل عصبيات وأنساب يحرصون عليها ، وحفظ الأنساب جعلهم يحافظون على بداوتهم ويبتعدون عن سكنى المدن .

     لذلك كان أكثر عمران شمال أفريقيا والمغرب في الخيام ، بينما استقر الآخرون في مصر والشام والعراق والأندلس في مدن ، حيث لايهتم أهلها بالنسب والعصبية القبلية .

                                               الفصل الثامن

                                المباني والمصانع في الملة الإسلامية

                     قليلة بالنسبة إلى قدرتها ، وإلى من كان قبلها من الدول

    والعرب أيضا أعرق في البداوة وأبعد عن الصناعة وحين سادوا الأمم العريقة في الحضارة اكتفوا بما فيها من المباني والمصانع ولم يتح لهم الوقت الكافي لاستنباط الوسائل الحضارية ، كما أن الدين كان مانعا في بداية الأمر من الترف والإسراف وألزم بالبساطة والتقشف في البناء ، كما حدث في بناء الكوفة .

    فلما دخل العرب في دور الترف إستعانوا بالفرس وغير العرب فأقاموا لهم العمائر والمصانع وكان ذلك مؤذنا بانقراض دولتهم .

    والأمم الأخرى من الفرس والفراعنة ، والروم والعرب البائدة طالت عصورهم فترسخت فيهم الصنائع والعمائر.

                                               الفصل التاسع

                                  المباني التي كانت تختطها العرب

                                  يسرع إليها الخراب إلا في القليل

    لأنهم بسبب بساطتهم وبداوتهم كانوا يفضلون المباني البسيطة الهزيلة ولا يحسنون اختيار أماكن المدن من حيث الموقع والمناخ والقرب من المزارع والمياه . إذ كان اهتمامهم الأساسي مراعاة إبلهم ، وحدث ذلك في بناء الكوفة والبصرة حيث جعلوهما على حافة الصحراء بعيدا عن المرافق والعمران . ولذلك أتي عليهما الخراب حين انحل أمرهم وذهبت قوتهم .

                                               الفصل العاشر

                                      مبادئ الخراب في الأمصار

    المدن في بدايتها تكون قليلة المساكن بسيطة في مواد البناء كالحجر والجير فقيرة في مواد التأنق كالرخام والزجاج والفسيسفاء.

    فإذا عظم عمران المدينة تكاثرت  آلات العمارة وأدواتها وموادها وخبراؤها ، فإذا تراجع العمران قلت الصنائع والآلات والأدوات ، وقل جلب مواد البناء الغالية كالرخام والفسيفساء ، ويستعيضون عنها بنقلها من القصور الفارغة ، ويستمرون في ذلك إلى أن ترجع المدينة إلى بساطتها وفقرها لتصبح قرية أو مدينة بدوية ، كما كانت من قبل .

                                             الفصل الحادي عشر

                             تفاضل المدن والأمصار في كثرة الرزق والأسواق

                                 في تفاضل عمرانها في الكثرة والقلة

وفرة الإنتاج تعني التصدير والترف والتأنق

     لايستطيع الفرد وحده أن يستقل بتحصيل حاجاته من طعام ومعاش ولباس فلابد من أن يتعاون مع الآخرين . وحين يتعاون الجميع في تحصيل وإعداد القوت فإنه يفيض عن حاجاتهم، وينصرف الزائد في الكماليات والترف وتصديره إلى الآخرين ويصبحون بذلك أكثر ثراءا وغنى.

     والمكسب هو قيمة العمل ، فإذا كثر العمل كثر المكسب ، وإذا كثر المكسب والمال الفائض إحتاج أصحابه إلى التأنق في المسكن والملبس ووسائل المعيشة والترف والسرف .

التأنق يعني إزدهار الصناعات والحرف

    وهذا التأنق يحتاج إلى عمال مهرة وصناعات خاصة ، لذلك تتكاثر أسواق العمال المهرة ويزداد العمران وتزداد مكاسب أهل الحرف ، وتزداد خبارتهم وابتكاراتهم مع الدخول في عصر الترف والسرف ، إذ أنه كلما كان العمران أكثر كان الترف فيه أكثر ، والعكس صحيح ، وينعكس هذا على أحوال الناس ووظائفهم ، فالقاضي في المدينة العامرة يكون أغنى من زميله في المدينة الخاملة وهكذا الشرطي والسوقي والأمير . ثم يزداد البؤس حين تصل إلى المجتمعات الصحراوية  البسيطة ، وأعطى إبن خلدون أمثلة لذلك في المقارنة بين مدن شمال أفريقيا والمغرب ، إلى أن يقول أن الشحاذ في فاس أحسن حالا من زميله في تلمسان أو وهران ، وقد شاهد بنفسه الشحاذين في فاس يطلبون من النساء ثمن الضحية ويطلبون أشياء مترفة ويقترحون  على المحسنين أفخر الطعام ، ويقول " ويبلغنا لهذا العهد عن أحوال القاهرة ومصر من الترف والغنى في عوائدهم ما يقضي منه العجب حتي أن كثيرا من الفقراء بالمغرب ينزعون  إلى النقلة إلى مصر لذلك " ويرى إبن خلدون أن ذلك ليس لكرم المصريين ولكن بسبب الثراء وكثرة العمران ، ويستشهد على ذلك ببيوت الأغنياء كثيرة الخير حيث تزدحم عليها الحشرات والحيوانات والطيور طلبا للرزق ، بعكس بيوت الفقراء التي تنفر منها القطط والكلاب والفئران والطيور .  

                                                   الفصل الثاني عشر

                                                أسعار المدن

              تشتمل الأسواق على الضروري من الأقوات وعلى الكماليات منها ، بالإضافة إلى الكماليات  في الملابس والأدوات ومواد البناء والصنائع .

العلاقة بين العمران والأسعار للسلع الضرورية والكمالية

      وإذا زاد العمران رخصت أسعار السلع الضرورية وغلي سعر الكماليات ، وإذا نقص العمران كان الأمر بالعكس ، لأن الحبوب من الضروريات التي يحرص عليها الجميع فيكثر عليها الطلب داخل البلد وخارجه ، وكل منهم يحرص على شراء المزيد مما يجعله يفيض عن حاجته ، وهذه الزيادة تسد احتياج الآخرين ، وبزيادة الأقوات ترخص أسعارها في الغالب إلا إذا أصابتها الآفات " ولولا احتكار الناس لها لما يتوقع من تلك الافات لبذلت دون ثمن ".

      وأما الكماليات فلا يطلبها الجميع ولا يعمل فيها الجميع . ولكن إذا كان المجتمع موفور العمران والترف أصبحت الكماليات مطلوبة فلا يكفي المعروض منها حاجة الطالبين ، فتزداد الرغبة فيها ويعلو ثمنها ويغلو .

العلاقة بين العمران وازدهار الصنائع والحرف

    أما الصنائع والأعمال الحرفية فإن أجورها وأثمانها ترتفع مع زيادة العمران لكثرة الرغبة في الترف وكثرة المترفين ورغبتهم في استئجار واستخدام العمال المهرة, واعتزاز العمال المهرة  بأنفسهم وبمهارتهم وعدم اضطرارهم للعمل نظرا لسهولة العيش ، وتنافس المترفين في استخدام العمال المهرة والأكثر مهارة من غيرهم في نفس التخصص .

    أما في المجتمعات قليلة السكان فالأقوات قليلة لقلة العمل وقلة الإنتاج،  ويحاول كل منهم احتكار ما تصل إليه يداه من الضروريات فيعلو سعرها ، أما المرافق والكماليات فلا تكون الحاجة ماسة إليها فيرخص سعرها .

         وتزيد أسعار المدن عن البادية بسبب الضرائب العالية واستخدام الأسمدة وارتفاع تكلفة الإصلاح ، ولذلك ارتفعت الأسعار في الأندلس عنها في المغرب .

                                                 الفصل الثالث عشر

                      في قصور أهل البادية عن سكني المصر الكثير العمران

     لأن المصر أو المدينة العامرة يكثر فيها الترف وتتعدد حاجات أهلها من الكماليات التي لا تلبث أن تتحول إلى ضروريات ، وتصبح أجور الحرف والمرافق غالية خصوصا مع التكالب عليها والضرائب المفروضة عليها وعلى الأسواق . وبذلك ترتفع الأسعار على قدر نسبة العمران ، ويحتاج رب الأسرة إلى دخل كبير ليغطي مصاريفه .

       والبدوي الفقير لا يستطيع أن يعيش في تلك المدينة العامرة خصوصا مع بساطته وعدم اهتمامه بالترف ، وإذا لم يكن ميسورا قادرا على الكسب في المدينة فإن بقاءه فيها لا يطول.

                                                الفصل الرابع عشر                              

    الأقطار في اختلاف أحوالها بالرفاهية والفقر مثل الأمصار ( المدن)

   إذا تكاثر العمران في أحد الأقطار بالسكان إزدهرت الأحوال والأموال ، بسبب كثرة العمل وتزايد الإنتاج مما ينتج عنه فائض على قدر زيادة العمران والعمل ، والأرباح والفوائض يستغلها الناس في أسباب الرفاهية ، وتكثر موارد الدولة من الضرائب وتتكاثر الأسواق ، وتقام العمائر والمدن الجديدة .

     ويعطي إبن خلدون أمثلة على ذلك بازدهار أقطار المشرق مثل مصر والشام والعراق وبلاد العجم والهند والصين ، وأوربا ، حيث كثر العمران وكثرت الأموال فكثرت المدن ، وقال أنه لمس الثراء الذي يبدو عليه تجار أوربا، كما أنه سمع بالرفاهية التي يعيش فيها المسلمون في الشرق " فإنه يبلغنا عنهم في باب الغنى والترف غرائب تسير الركبان بحديثها ".

    ويرفض إبن خلدون تعليل الثراء في المشرق بوجود الذهب والفضة هناك ، وقرر أن الذهب الذي في المشرق يجلبونه من بلاد السودان ، كما رفض أيضا التفسير الفلكي وحده ، وأكد أنه إلى جانب المطابقة بين الأحكام النجومية والأحوال الأرضية فإن هناك سببا آخر هو كثرة العمران في بلاد المشرق وما ينتج عن العمران من كثرة العمل والإنتاج . واستشهد على ذلك بخراب برقة وشمال أفريقيا حين تناقص عمرانها بعد أن كانت مزدهرة في عهد الفاطميين ، وكذلك المغرب في حكم الموحدين ، ثم تناقص ذلك كله وحل الخراب محل العمار فيما بين برقة والمغرب .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عرض مقدمة ابن خلدون: ب4: (ف15: 22):الاستثمار والنفوذ والعمران

 كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

تابع  الباب الرابع : في عمران المدن والبلاد في البلدان والأمصار وسائر العمران

                               وما يعرض في ذلك من الأحوال

                                                 الفصل الخامس عشر

   تأثل ( إستثمار ) العقار والضياع في الأمصار وحال فوائدها ومستغلاتها

 تغير أسعار العقارات والمزارع بين أنهيار دولة وقيام أخرى محلها

      إستثمار العقارات والمزارع في المدن والأمصار لايكون دفعة واحدة ولا في عصر واحد ، ولكن يكون تدريجيا بالوراثة أو بتحول سعر العقارات في أواخر الدولة إلى الرخص . وحينئذ تكون الدولة القائمة قد انتهت واندثرت وقامت دولة أخرى فتية إنتظمت أحوالها فيأخذ الناس في شراء العقارات والضياع ، وهذا هو معنى الحوالة ، أو تحول ملكية العقارات والضياع إلى ملاك من أغنى أهل المدن . 

إيراد العقارات للمعاش فقط

     ويقولإبن خلدون إن اقتناء العقارات لايكفي إيراداته إلا للمعاش الضروري ، وإنما يقتنيها أصحابها لتكون مأوى ومصدر رزق للذرية إذا كانت ضعيفة عاجزة عن الكسب .

متى يربح الإستثمار العقاري

     أما الإستثمار بشراء أو بناء العقارات فليس مجزيا في الربح إلا نادرا ، وقد يحدث ذلك بالحوالة المشار إليها ، وهي شراءالعقارات القديمة الرخيصة من أصحاب الجاه الغابر . ولكن ربما تمتد إليها أعين الأمراء ورجال الدولة الجدد فيغصبونه أويشترونه بثمن بخس .

                                                الفصل السادس عشر

      حاجة المتمولين ( الرأسماليين)  من أهل الأمصار إلى الجاه ( النفوذ ) والمدافعة

    إن الرأسمالي إذا زادت أمواله وعقاراته وضياعه واستثماراته تطلعت إليه العيون وتنافس مع الأمراء في الترف فيطمع الأمراء بنفوذهم وسلطتهم إلى مصادرة أمواله بشتى السبل والحيل . ويقول إبن خلدون أن أكثر الأحكام السلطانية جائرة في الغالب لأن العدل المحض يكون في الخلافة الشرعية وهي قليلة الدوام . وحينئذ فلابد لصاحب المال والثروة من نفوذ يدعمه ويقربه من السلطان حتى يحمي ثروته ، وإلا ضاع رأسماله .

                                              الفصل السابع عشر

    الحضارة في الأمصار (المدن) من قبل الدول وأنها ترسخ باتصال الدول ورسوخها

   الحضارة أحوال عادية زائدة على الضروري من أحوال العمران . وتتفاوت هذه الزيادة بتفاوت الرفاهية وعدد السكان ، ويتبع الزيادة في الرفاهية زيادة المهارة الصناعية والتفنن في الإبداع ، وبمرور الأيام تزداد المهارة الصناعية وتترسخ . وهذا بدوره يتوقف على ثبات الدولة ورسوخها .

دور الدولة في الثراء الإقتصادي

    فالدولة هي التي تجمع الأموال وهي التي تنفقها في رجالها ، ويدور المال بين رجال الدولة ورعاياها فتتعاظم الثروة والتنمية ، ويأتي الترف والتأنق وهذه هي الحضارة .

العاصمة مركز الثراء

    ويتركز المال والحضارة أساسا في العاصمة ، ولذلك فإن المدن البعيدة القاصية تفتقر إلى الحضارة حتى لو كانت كثيرة السكان ، وذلك بخلاف المدن ذات الموقع المتوسط .

    والدولة والسلطة سوق المجتمع ، فالبضائع تتوافر بالقرب من السلطان وعاصمة الدولة أكثر من غيرها .

رسوخ الدولة يؤدي لرسوخ الحضارة فيها

    واستمرار الدولة ورسوخ سلطاتها يؤكد استحكام الحضارة كما حدث لبني إسرائيل والرومان والفراعنة ، وترى ذلك في مصر والعراق وإيران واليمن والأندلس .

    أما في شمال أفريقيا فلم يكن بها قبل الإسلام ملك ضخم ، وقد سيطر الفرنجة على الساحل فقط ، وبعد الفتوحات لم يلبث فيهم حكم العرب إلا يسيرا وكان العرب في طور البداوة أيضا ، ولم يلبث البربر أن استقلوا بأنفسهم ، وفيما عدا الأغالبة في القيروان ظلت المنطقة أسيرة لبداوة البربر وبداوة العرب الهلاليين .

    أما المغرب فقد انتقلت إليه حضارة الأندلس في عصر الموحدين ، واختلط أهل الأندلس بأهل المغرب ، كما انتقل بعض أهل شرق الأندلس إلى تونس فنقلوا إليها الحضارة ، إلا أن البربر بالمغرب وتونس عادوا إلى ما كانوا عليه من البداوة . ثم يعود إبن خلدون فيقول وعلى كل حال فآثار الحضارة بأفريقية أكثر منها بالمغرب لما تداول فيها من الدول السالفة أكثر من المغرب ولقرب عوائدهم من عوائد أهل مصر .

الخلاصة

    وفي النهاية يقول إبن خلدون أن هناك تناسبا بين حال الدولة في القوة والضعف وبين عدد سكانها وعظم عمرانها ورخائها الاقتصادي ، فالدولة والسلطان صورة العمران ، وأموال السلطان تتسرب إلى الأسواق وتدور وترجع إليه بين الخراج والعطاء ، فعلى نسبة غنى الدولة يكون ثراء الناس ، والعكس صحيح ، والعمران هو الأصل في ذلك .

                                         الفصل الثامن عشر

                      الحضارة غاية العمران ونهاية عمره ومؤذنة بفساده

       العمران كله من بداوة وحضارة له عمر مثل الأشخاص . ويصل الإنسان إلى كمال الفترة في سن الأربعين وبعدها يأخذ التدهور تدريجيا ، وكذلك الحضارة في العمران .

من الترف والسرف إلى التضخم والغلاء

     تصل الحضارة إلى مرحلة الترف والإسراف والتأنق في كل مناحي الحياة ، ويعني ذلك إستحكام الشهوات وتعود النفوس عليها بحيث لايمكن الشفاء منها ، وتتكاثر الحاجات التي كانت كماليات ثم أصبحت بالتعود ضروريات وتصبح باهظة التكاليف وعسيرة الحصول عليها . خصوصا وإن عصر الترف يعني ترهل الدولة  وانكبابها على الإسراف وتغطية عجزها بفرض المزيد من الضرائب ، وينعكس ذلك بالطبع على الأسعار والإنتاج ، فتتضاعف الأسعار ويحجم الناس عن الإنتاج بسبب كثرة الضرائب ، فيحل الكساد في الأسواق .

من الفساد والفسق إلى السفه وعبادة المال

     ويرتبط ذلك بفساد آخر في الناس ، إذ ينتشر فيهم الفسق والشر والسفه والحصول على المال بأي طريق ، ويصبح هذا نمطا سائدا في الحياة ، ويعلو أسافل الناس بما لديهم من أموال ، وتصبح أخلاقهم المثل الأعلى لغيرهم حتى من أهل البيوت العريقة . وبذلك يعم الفساد ويحين أوان الهلاك الألهي مصداقا لقوله تعالى "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا". ذلك أن مكاسبهم لم تعد تكفي لمتطلباتهم وشراهتهم فيتكالبون على متاع الدنيا ، ويتصارعون حوله بأي طريق ، وتتوارى الأخلاق الحميدة ليحل محلها الفساد ثم الإهلاك .

 التفاخر بالزينة من علامات الإنهيار

     ومن علامات اقتراب المدينة من الهلاك انتشار نبات الزينة ، إذ تعني أن الناس يتفننون في غرسها لمجرد ألوانها وتزيين البساتين بها ، فتصبح علامة على الترف الزائد عن الحاجة . 

الترف عين  الفساد

     ويؤكد على أن أخلاق الترف هي عين الفساد ، لأن الإنسان هو القادر بنفسه على جلب المنافع ودفع الضرر ، ولكن الإنسان المترف لا يستطيع ذلك عجزا وتراخيا حيث تعود على أن يخدمه غيره فيصبح عالة على من يحميه ويخدمه ، وإذا فقد الإنسان قدرته على العطاء وخدمة نفسه بنفسه أصبح مسخا .

                                             الفصل التاسع عشر

                            ( العواصم ) الأمصار التي تكون كراسي

                              الملك تخرب بخراب الدول وانقراضها

إذا اختل نظام الدولة تناقص عمران عاصمة الدولة ، وذلك لعدة أسباب :

    الأول : أن الدولة التي قامت على أنقاض دولة سابقة تكون في بدايتها بدوية بسيطة معادية للترف ، فترغم المجتمع على تقبل البساطة والإبتعاد على ما تعود عليه من الترف ، وهذه الحياة البسيطة بعد الترف تعني الخراب وتناقص العمران في العاصمة .

     الثاني : إن الدولة الجديدة حين تتغلب عسكريا لاتلبث أن تفرض عوائدها وتقاليدها وثقافتها على المجتمع وتصبح عوائد الدولة البائدة مكروهة مستقبحة خصوصا أحوال الترف ، وتنشأ عادات وأعراف جديدة تكون عوضا عن العادات القديمة ، وتؤدي في النهاية إلى نفس النتائج وهي الترف . وفيما بين العهدين تندثر حضارة وتقوم حضارة أخرى . وهذا معنى اختلال العمران في العاصمة .

     الثالث : أن كل أمة لها وطن أصلي ثم يملكون أوطانا أخرى ومدنا أخرى تكون تابعة للوطن الأول والعاصمةالأولى ، فإذا اتسع نطاق الدولة احتاجوا إلى إنشاء عاصمة تتوسط الدولة ، وينتقل العمران والنفوذ إلى العاصمة الجديدة وذلك على حساب تناقص العمران في المدن الأخرى والعواصم القديمة .

    الرابع : أن الدولة الجديدة تقوم بنفي أتباع الدولة القديمة إلى قطر آخر ، وهم أعيان المجتمع الذين عاشوا في أحضان الدولة السابقة ، فتنقلهم الدولة الجديدة من العاصمة إلى الوطن الأساسي للدولة الجديدة قبل أن تستولي على العاصمة .فلا يبقى في العاصمة إلا العوام والسوقة ، ويقيم في العاصمة حامية الدولة الجديدة وأعيانها ، وهذا يعني خراب العاصمة برحيل أثريائها ، وتبدأ عمائر جديدة وحضارة مختلفة .

العلاقة بين الدولة والمجتمع أوالعمران

     ويقول إبن خلدون إن الدولة بالنسبة للعمران كالصورة بالنسبة للمادة لايقوم أحدهما بدون الآخر، واختلال أحدهما يؤدي إلى اختلال الآخر، وانهيار أحدهما يؤدي إلى انهيار الآخر.

وهناك خلل عظيم عام ، وخلل جزئي شخصي .

الدولة الكبيرة لايؤثر فيها الخلل الشخصي للحكام

    والخلل العظيم يصيب الدول الكبرى مثل دولة الروم أو الدولة الأموية أوالعباسية ، أما الخلل الشخصي فلا يؤثر كثيرا في اختلال الدولة الكبيرة ، لأن الدولة ثابتة الأركان مستمرة العمران بغض النظر عن أشخاص الحكام طالما بقيت شوكتها وعصبيتها . فإذا غلبتها شوكة أخرى أو عصبية أخرى كان الخلل العظيم .   

                                           الفصل العشرون

              إختصاص بعض( المدن) الأمصار ببعض الصنائع دون بعض

     تتعاون الأنشطة الإقتصادية والحرفية مع بعضها ، وتشتهر بعض المدن ببعض الصناعات والحرف يتخصصون فيها ويجعلونها معاشهم وفخرهم ، ويكون هذا التركيز والتخصص على حساب صناعات أخرى وحرف أخرى .

    غير أنه توجد حرف ضرورية كالخياط والحداد والنجار ، وتوجد حرف أخرى من الكماليات ومظاهر الترف مثل صانع الزجاج والصائغ والدهان والطباخ والفراش ، وهذه الحرف الكمالية تتفاوت بقدر وجود الترف والحضارة ، وإذا زادت دواعي الترف استجدت حرف أخرى مثل الحمامات العامة التي لاتوجد إلا في العواصم المغرقة في الحضارة ، ولاتوجد في المدن المتوسطة ، وبعض الملوك يقيم الحمامات وعندما لايكون أهل المدينة قد وصلوا إلى هذه الدرجة من الترف فسرعان ما يصيبها الخراب لانصراف الناس عنها .

                                          الفصل الحادي والعشرون

                               وجود العصبية في الأمصار وتغلب بعضهم على بعض

                     " كيف تبدأ العصبيات في الإتحاد والإستقلال وتكوين دولة    

                                           مستقلة عن الدولة الأم "

    الصلة بين البشر تتعمق بالنسب والمصاهرة ، وتتكون بذلك العصبية ، وأهل الحضر تجد في أغلبهم الإلتحام بالنسب والمصاهرة ، وتتكون بين العائلات صداقة وعداء بمثل ما يحدث بين القبائل والعشائر في البدو .

     فإذا دخلت الدولة في دور الهرم وتقلص نفوذها عن الأطراف البعيدة إحتاج أهل الأطراف إلى القيام على أنفسهم وحماية أرضهم ، وتكونت مجالس الشورى ، ومن هنا تتبلور الزعامات ويبدأ الطموح للإستقلال عن الدولة الأم ، وكل زعيم يحيط نفسه بالأنصار والأحلاف ، ويبدأ النزاع المسلح بين الزعامات ، وينتهي بأن يتغلب الأقوى ويصبح ملكا ، وتبدأ مملكة تسير في نفس الطريق ، من البداية والتمهيد إلى التوطيد ثم الإزدهار وبعده الترف والإنهيار.

     وبعض أولئك الملوك الصغار في الأطراف يقلد عظماء الملوك في المظاهر والمآثر وبعضهم يفضل التمسك بالبساطة والبداوة حتى يتجنب السخرية .وضرب إبن خلدون مثلا لذلك مما وقع في الدولة الحفصية وفي أواخر الدولة الصنهاجية .ويقول إبن خلدون أنه في الغالب أن يكون المتغلبون على الأطراف من أصحاب البيوتات ورءوس العائلات ، وقد يتغلب بعض الغوغاء بتحالفهم مع اللصوص وأصحاب العصبيات.

                                           الفصل الثاني والعشرون

                                       لغات أهل الأمصار ( المدن)

سيطرة لغة العرب الغالبين على المجتمعات غير العربية

     لغات المدن تكون بلسان الأمة أو الجيل الغالب كالعربية في الدولة الإسلامية التي غلبت اللغات الأخرى في مواطنها لأنها كانت لغة الدين والدولة . وأصبحت اللغات الأصلية دخيلة أو مندثرة .

تحول العربية إلى لهجات

     إلا أن اللغة العربية الأصلية ما لبث أن لحقها اللحن ، واختلفت لهجات أهل المدن والحضر عن لغة البوادي التي كانت أقرب إلى العربية النقية . ثم ازداد فساد اللغة العربية بقدوم العناصر غير العربية التي حكمت في الشرق والغرب ، مثل البويهيين والسلاجقة وزناته والبربر ، إلا أن اللغة العربية الفصحى ظلت باقية بالقرآن والتراث .

إنقراض العربية في أقصى المشرق

     ثم فسدت اللغة العربية على الإطلاق – حسبما يرىإبن خلدون – في بلاد المشرق في العراق وخراسان وما بعدها عندما أقام التتار ممالك لهم هناك بعد سقوط بغداد ، وبقيت اللغة العربية بمصر والشام والأندلس والمغرب .

كتاب ( مقدمة ابن خلدون : دراسة تحليلية )
كتاب ( مقدمة ابن خلدون : دراسة تحليلية )
تم نشر هذا الكتاب فى القاهرة عام 1998 ، وهو تحليل أصولى تاريخى لمقدمة ابن خلدون وتاريخه وعقليته ، ونعيد نشره هنا مع بعض تعديل وإضافة فصل جديد .
more