البابا فرنسيس والشيخ الطيب.. دبلوماسية الدين والمواقف السياسية

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٦ - فبراير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ابلاف


البابا فرنسيس والشيخ الطيب.. دبلوماسية الدين والمواقف السياسية

اختلف الطرفان في تقييم الوضع بليبيا, فبعد فيديو ذبح 21 قبطيًّا مصريًّا على يد داعش ليبيا دعى البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية بمحاولة حل الأزمة الليبية سلميًّا واتباع خطة الأمم المتحدة, لكن رد الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر على الضربة الجوية التي وجهتها مصر لليبيا جاء مؤيدًا للتحرك السريع ومعتبرًا إياه جهادًا في سبيل الله.

رمزان عالميان لأكبر الديانات السماوية اتباعًا لا يستوي انفصالهما عن السياسة، ولم يتم ليكونا محور اهتمام متبعيهم ومحركي الرأي العام، وهو ما نجح فيه البابا فرنسيس حتى أصبح الرجل الأكثر نفوذًا في العالم بعدما أصلح العديد من الأزمات الاجتماعية بالفاتيكان بعد قضية اغتصاب الأطفال، ثم امتثاله لتعاليم الكنيسة ورفضه زواج المثليين والإجهاض والقتل الرحيم، كما عارض توزيع وسائل منع الحمل مجانًا بالأرجنتين؛ مما وضعه في خلاف مع الحكومة. 

وآليًّا ينتقل فكرك للشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الذي طالب أول عهده بفصل الدين عن السياسة، لكنه سرعان ما أبدى مواقف باهتة من النظم الحاكمة بمصر منذ عهد حسني مبارك، وحتى الآن لتكون الردود المعتادة لمشيخة الأزهر على أي حدث متوقعة بالتأييد والمباركة المستمرة, ودون تخطي نقيم مقارنة بين مواقف كان على رموز الدين حلها والوقوف حليفة لجموع العالم المسيحي والإسلامي بناءً على مواقف هذين الرجلين والمباركين من قبل المليارات في أنحاء العالم.

البابا فرنسيس يرفض الدولة العسكرية “دعمها خطيئة”

 

 

 

 

تقدم فرنسيس عام 2000 بطلب إضافة دعم “النظام الديكتاتوري” بوصفه خطيئة قام بها عدد من رجال كنيسة الأرجنتين، وحدد موقفه من الديكتاتورية العسكرية الأخيرة، كما قام البابا قبل تنصيبه بالاعتذار عن “التقاعس” في تحقيق رسالة الإنجيل الاجتماعية خلال مرحلة الديكتاتورية العسكرية في البلاد، ليكون بذلك أول شخصية رسمية تقدم اعتذارها.

وفي ذلك الوقت تناولت وسائل اجتماعية أن البابا نفسه “عمل من خلف الستارة وفي السر، من أجل إطلاق سراح المخطوفين وجميع معتقلي الرأي”، كما كشفت مقابلة أجراها في 2010 عن كونه يعطي أوراق هويته الخاصة لمن يشبهه حتى يتمكن من الفرار من الأرجنتين، إذا ما كان ملاحقًا من قبل الحكومة لأسباب سياسية.

خلال احتجاجات 2001 ورئاسته أبرشية بيونس انتقد فرنسيس طريقة تعامل الشرطة ووزارة الداخلية مع المتظاهرين. وخلال الاحتفال بقداس العيد الوطني عام 2004 وجه انتقادات للرئيس الأرجنتيني نيستور كيرشنير, وفي عام 2008 انتقد البابا السياسة الحكومية تجاه المزارعين، ودعا لدعم الريف الأرجنتيني، وفي عام 2010 عارض بشدة قانونًا يتيح للمثليين الزواج وتبني الأطفال، كما شارك عام 2012 في الذكرى الثلاثين لحرب الفوكلاند. 

دبلوماسية البابا وظنه بالدين كحل للنزاع

 

 

 

 

القضية الفلسطينية

يملك البابا فرنسيس أجندته السياسية الخاصة مع سعي للصلح بين الكوريتين وحل الأزمة الاقتصادية العالمية والمناخ العالمي، وكان الأهم للمنطقة العربية هو تأكيده في تصريحات للسياسة الخارجية خلال السنة الأولى من تنصيبه على قضية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفيما وصف بالحج السياسي قام البابا بزيارة للشرق الأوسط وخاصة الأردن وفلسطين وإسرائيل مايو 2014, وكان الاهتمام في تلك الزيارة بالقدس وبيت لحم حيث الاحتفال الذي أقيم على شرفه حيث أكد على حق الشعب الفلسطيني في أن يكون له وطن مستقل يتمتع بالسيادة, وقدم فرنسيس دعوة للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز والفلسطيني محمود عباس لاجتماع بالفاتيكان للحوار والصلاة والذي قبله الطرفان بعد ساعة من الدعوة، ليتم في يونيو بعد جهود أمريكية فاشلة في جمع الطرفين على طاولة المفاوضات، وبدء محادثات السلام.

وما يزال الفاتيكان يركز على خيار الدولتين كحل للنزاع القائم بين فلسطين وإسرائيل إضافة إلى تدويل مدينة القدس باسم الحرية الدينية والتي اعتبرها “ديزني لاند روحية” لا يمكن لدين واحد أن يسيطر عليها, أما الحكومة الإسرائيلية فيقل اهتمامها بفكرة الدولة الفلسطينية، وترى أن القدس ستظل جميعها “عاصمة أبدية” لإسرائيل، وهو سبب تقليل شأن دفعة فرنسيس للسلام بفلسطين.

الثورة السورية وصلح تاريخي بين امريكا وكوبا

مع بدء التهديدات الأمريكية للتدخل العسكري بسوريا دعا فرنسيس للصلاة والصوم في يوم “من أجل سوريا”، وقد وجه فيه نداءً للعمل من أجل السلام والمصالحة ووضع حد للحرب، وقدم عظته أمام سبعين ألف شخص من أنحاء العالم بساحة القديس بطرس، وطالب البابا أمريكا بتغيير المسار والتعلم من الماضي.

وذكرت صحف أمريكية دورًا للبابا فرنسيس في الخطوة التاريخية التي اتخذتها الولايات المتحدة لإنهاء حالة العداء مع كوبا التي استمرت أكثر من 50 عامًا، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين, حيث قام البابا بالضغط على كوبا للموافقة على اتفاقية تبادل مسجونيها بالمنفى الأمريكي وأرسل خطابات لرئيسي البلدين, وقد قطعت العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا منذ أوائل الستينيات من القرن الماضي.

علاقة فرنسيس بأتباع اليهودية والإسلام

عند زيارته للقدس اصطحب البابا فرنسيس ضمن وفد الفاتيكان صديقين قديمين من الأرجنتين هما حاخام يهودي وإمام مسلم كان يدير المركز الإسلامي في بوينس آيرس حتى يمكنه الالتفات لنصائحهما، مدركًا الأزمة السياسية والدينية المقبل عليها في زيارته.

تباطؤ الفاتيكان في فتح أرشيفاته من الحرب العالمية الثانية، والتي تتعلق بسلوك البابا بيوس الثاني عشر آنذاك تجاه محرقة الهولوكوست تسبب في أزمة ثقة بين إسرائيل والفاتيكان, فقبل زيارة فرنسيس للقدس كتبت عبارة “الموت للعرب والمسيحيين ولجميع من يكرهون إسرائيل” بالعبرية على مدخل مكتب الأساقفة ورؤساء الكنائس في مركز نوتردام في القدس الشرقية، حتى عبرت الكنيسة الكاثوليكية بالقدس عن قلقها بشأن تلك الزيارة في ظل تزايد الهجمات التي يقوم بها مستوطنون ومتطرفون يهود ضد مواقع دينية إسلامية ومسيحية تحت اسم هجمات “دفع الثمن” التي تبناها يهود ضد من يفرض قيود على أنشطة الاستيطان الإسرائيلية على أراضٍ فلسطينية. 

ومن المعهود في الاحتفال بعيد الفصح أن يقبل بابا الفاتيكان ويغسل أقدام رجال بسطاء تشبهًا بالسيد المسيح ليصبح فرنسيس البابا الأول في التاريخ الذي غسل أقدام فتاتين معتقلتين إحداهما مسلمة، عندما ذهب لأحد سجون روما في زيارة، مخالفًا بذلك تقاليد الديانة المسيحية ليقابل نقدًا من الكاثوليك ومدحًا من الليبراليين والذين اعتبروا الواقعة انفتاحًا من الكنيسة.

دبلوماسية الشيخ الطيب والسياسة الخارجية

 

 

 

 

رفض أحمد الطيب التنديد بالانتهاكات الإسرائيلية ضد المسجد الأقصى، وعلل موقفه بأن تنديده لن يسفر عن جديد يذكر وأن الشجب والإدانة للجرائم الإسرائيلية تحصيل حاصل وبلا قيمة وفقًا لقاعدة أزهرية تقول إن: “تحصيل الحاصل محال”, فبعد لقائه بالشيخ عكرمة صبري مفتي القدس السابق أصر الطيب على رفض مطالب الصحفيين بأن يصدر أي تعليق حول الانتهاكات، وموقفه من اتفاقية السلام مع إسرائيل، والجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر على حدودها مع غزة وحصارها على القطاع. 

وعلى أثر حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة الاحتفال برأس السنة 2011 قطع الشيخ أحمد الطيب علاقة الأزهر بالفاتيكان، بعدما ادعى البابا بنديكت السادس تعرض المسيحيين للاضطهاد في الشرق الأوسط، ودعا لحمايتهم بعد هذا الهجوم، فيما اعتبرته الحكومة المصرية تدخلًا غير مقبول في شؤونها الداخلية، وسحبت سفيرها بالفاتيكان.

ويتصدر الصحف على فترات خبر جولات يقوم بها شيخ الأزهر أحمد الطيب أكثر من مرة وتم تأجيلها دون تبرير، وكان آخرها ديسمبر 2014 لزيارته آسيا وأفريقيا وأوروبا لمواجهة ظاهرة العداء للإسلام، وتحسين صورته التي شوهتها ممارسات العناصر الإرهابية, وكانت تحركات الطيب خلال السنوات الأخيرة لم تتجاوز زيارة بعض الدول الخليجية تلبية لدعوات وجهت إليه.

موقف الطيب من ثورة 25 يناير

لم يكن للأزهر رأي واضح في الثورة التونسية حتى انتهت برحيل زين العابدين بن علي وسقوط نظامه نهاية 2010، تبعه موقف باهت من 18 يومًا مثلوا الموجة الأولى والأهم للثورة المصرية حتى انتصرت، تبعه تأييد لكل ثورة عربية تندلع في ليبيا واليمن وسوريا.

خلال ثورة 25 يناير وقبل رحيل نظام مبارك، كانت الردود الرسمية للأزهر تدور حول حرية إبداء الرأي ووجوب سلمية التظاهرات مع التأكيد على الثقة في “القيادة الرشيدة الحكيمة للرئيس مبارك والقيادات الأمنية”, وفي يوم 28 يناير 2011 مع ازدياد طلبات المتظاهرين بميدان التحرير نشرت صحيفة “صوت الأزهر” الصوت الرسمي للأزهر تهنئة لوزير الداخلية حبيب العادلي مع صورة كبيرة له بمناسبة “عيد الشرطة”, وفي تعليق الطيب على خطاب مبارك الثاني قال إن: “المظاهرات بهذا الشكل حرام شرعًا ودعوة للفوضى”، حتى وصفها ثانية بـ”العصبية الغاشمة” بعد موقعة الجمل، وكرر دعوته للشباب بالتعقل والتحاور وفض الاعتصام. 

موقف الطيب الذي اختلف وجاء سريعا مع أحداث 30 يونيو فقام يدحض من خلال تصريح مقتضب ادعاءات القائلين بأن المظاهرات تعد خروجًا على الحاكم، وأن المظاهرات التي يطالب فيها الشعب رئيسه بالتنحي تعد معصية وليس خروجًا على الحاكم طالما أنها سلمية.

الطيب ونظامي مبارك والسيسي

بدا موقف الشيخ أحمد الطيب من نظام مبارك مع رفضه المبدئي لثورة 25 يناير، خاصة وأن  الطيب كان عضوًا بالمكتب السياسي للحزب الوطني الحاكم قبل تعيينه شيخًا للأزهر, وقد صرح الطيب سابقًا بأن “مؤسسة الأزهر لا تحمل أجندة الحكومة على عاتقها‏،‏ لكن الأزهر لا ينبغي أن يكون ضد الحكومة؛ لأنه جزء من الدولة وليس مطلوبًا منه أن يبارك كل ما تقوم به الحكومة”.

وكان الطيب طرفًا في اجتماع يونيو بقيادة عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع وقتئذ والرئيس المصري الحالي مع رموز حركة تمرد والبابا تواضروس, وأبدى الطيب تأييده لسياسات السيسي والدستور الجديد، واعتبر المظاهرات ضده محرمة وخروجًا عن الشريعة, وصدرت فتاوى من مشيخة الأزهر تمجد السيسي وتصفه بالنبي حتى الفتوى المثيرة للجدل بفقء عين معارضيه فيما لم ينفِ الطيب أيًّا من تلك الفتاوى.

اجمالي القراءات 2968
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق