رقم ( 5 )
الباب الثالث : ( قل ) فى إصلاح الكافرين عموما

   الباب الثالث  : ( قل ) فى إصلاح الكافرين عموما  

الفصل الأول : ( قل ) فى الشفاء بالاخلاص فى الدين لله جل وعلا

أولا : معنى الاخلاص فى الدين

 ثانيا : بين (المخلِص ) بكسر اللام و ( المخلًص ) بفتح اللام .

ثالثا : (قل ) فى الدعوة لاخلاص الدين لله جل وعلا :

 الفصل الثانى : ( قل ) فى الردّ على  من زعم إتّخاذه جلّ وعلا ولدا :

مقدمة : 

أولا : الرد على اتخاذ ولد بوجه عام

ثانيا : مع أهل الكتاب من النصارى المسيحيين واليهود :

   الباب الثالث  : ( قل ) فى إصلاح الكافرين عموما  

الفصل الأول : ( قل ) فى الشفاء بالاخلاص فى الدين لله جل وعلا

أولا : معنى الاخلاص فى الدين

 ثانيا : بين (المخلِص ) بكسر اللام و ( المخلًص ) بفتح اللام .

ثالثا : (قل ) فى الدعوة لاخلاص الدين لله جل وعلا :

 أولا : معنى الاخلاص فى الدين

1 ـ الدين الحق مصدره رب العزة فقط ، والحكم على الناس مرجعه رب العزة فقط  ، وهذا معنى قوله جل وعلا :( وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)  النحل ) . ينهى رب العزة عن إتّخاذ اله معه ، وأنه يجب أن نرهبه وحده ، لأنه وحده مالك السماوات والأرض ، لذا يجب أن نتقيه وحده . وكل ما لدينا من نعمة فمصدرها من الله جل وعلا وحده ، وإذا مسّنا الضّرُّ جأرنا بالشكوى له وحده ، ثم إذا كشف الضُّر عنا فإذا فريق منا بعد إخلاصه فى الدعاء وقت المحنة يعود الى تقديس البشر والحجر.

2 ـ الاخلاص فى الدين أن تعبد الله جل وعلا وحده ، وتتقيه وتخشاه وترهبه وحده ، وأن تؤمن أنه مالك يوم الدين وحده ، وأنه الشفيع وحده وأنه الولى المقدس النافع الضار وحده ، وأنه الرزاق وحده والوكيل المسيطر وحده .الاخلاص فى الدين أن تكون صلاتك ونُسٌكُك وحياتك ومماتك لله وحده لا شريك له ، وهذه هى ملة ابراهيم التى أمر رب العزة خاتم النبيين بأن يتبعها : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) (164 ) الانعام )

3 ـ ومن السهل على ( المحمديين ) الزعم بأنهم مخلصون فى الدين . وهذا مستحيل لأن الاخلاص فى الدين لله جل وعلا يعنى أن يكون التقديس القلبى خالصا لله جل وعلا وحده ، أى بنسبة 100 % . لو شابتها 1% فقط ، أى لو قدّست النبى محمدا بنسبة 1% فقد ضاع الاخلاص . الذى يُخلص لله جل وعلا قلبه لا يرى فى الأنبياء إلا مجرد بشر إصطفاهم الله جل وعلا بالرسالة السماوية . ومع هذا الوحى فهم بشر ، مخلوقون من نطفة من ماء مهين ، ثم كانوا بشرا يأكلون ويتبولون ويتغوطون ، ويتزوجون ، ويمارسون الجنس فكانت لهم بهذا ذرية ، ثم هم كبقية البشر ماتوا وتحولت أجسادهم الى ( سوأة ) وجيفة قذرة برائحة كريهة ، تأكلها الأرض لترجع كما كانت ترابا ، شأن كل الموتى من البشر . الذى يُخلص لله جل وعلا قلبه يؤمن أن أى نبى لا يملك لنفه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ، شأن كل الشر ، وانه سيأتى يوم البعث ويوم الحشر ويوم العرض ويوم الحساب مثل بقية البشر ، ويقف أمام رب العزة يجادل عن نفسه ، ثم فى النهاية سيكون كل الأنبياء مع الصالحين من البشر فى جنة الخُلد .

هذا ما يرفضه المحمديون الذين يقدسون محمدا أكثر من تقديسهم لله جل وعلا ، بل ويُضيفون الى تقديس محمد تقديسا للأئمة وألأولياء ، ولمئات الألوف من القبور المقدسة ، اليها يحجون ويبتهلون ويطلبون المدد والنفع ومنع الضرر ، ويتمسحون بأعتابها ويقفون خاشعين قانتين أمام حجارتها . فى صلاتهم لله جل وعلا ـ لو أدوا الصلاة ـ يتملكهم النسيان ، وفى نذرهم لله جل وعلا قد يغفلون ، ولكن هذا لا يحدث مع آلهتهم البشرية . أى إن التقديس الذى فى قلوبهم لله جل وعلا لا يتعدى النصف فى المائة لأن معظم التقديس عندهم هو للنبى والأئمة والأولياء .

.4 ـ والمحمديون شأن الأغلبية العظمى من البشر فى هذا الكوكب الأرضى ؛ لو أطاعهم النبى نفسه لأضلوه : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) الأنعام )، وهم مثل أغلبية البشر يعرفون الاخلاص لله جل وعلا فى وقت المحنة فقط . مثل تعرضهم للغرق ، عندها يصرخون متضرعين باكين يستغيثون بالله جل وعلا: ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمْ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ (22) يونس )، عندها يتجلى الاخلاص فى قلوبهم دموعا وصراخا ، ثم يختلف الحال بعد النجاة : ( فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) (23 يونس ). يقول جل وعلا أيضا :( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ( العنكبوت 65)( وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32 لقمان )

5 ـ المفروض أن يكون الاخلاص فى الدين حالة دائمة فى اليُسر وفى العُسر ، فى النعمة والنقمة فى الصحة والمرض فى الغنى والفقر . هكذا يكون المسلم المؤمن الحقيقى .

ثانيا : بين (المخلِص ) بكسر اللام و ( المخلًص ) بفتح اللام .

1 ـ  الذى يقضى حياته الدنيا يخلص لله جل وعلا دينه وحياته يتم له ( الخلاص ) فى الآخرة ، ويكون فى الآخرة ( مخلصا ) بفتح اللام ، بعد أن كان فى الدنيا ( مخلصا ) بكسر اللام . الخلاص فى الآخرة يعنى النجاة من النار .

2 ـ ومنذ البداية أقسم ابليس ليُغوينّ أبناء آدم أجمعين إلا عباد الله المخلصين ( بفتح اللام ) أى ( خُلاصة البشر ) الذين سينجون منه باخلاصهم فى الدنيا لله جل وعلا ويصبحون به من أهل الجنة: ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ (83 ص )، ( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43 الحجر ).

3 ـ ويتكرر فى القصص القرآنى عن المؤمنين السابقين والأنبياء السابقين وصفهم بالمخلصين ، بفتح اللام ،  مكافأة على أنهم كانوا فى حياتهم الدنيا ( مخلصين ) بكسر اللام فقد أصبحوا بعد موتهم ( مخلصين ) بفتح اللام .

عن الأتباع عباد الله المخلصين ( بفتح اللام ) فى قصص الأنبياء السابقين يقول جل وعلا عن نجاتهم من الهلاك الدنيوى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ (72) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73) إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) الصافات )( وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( الصافات 128) . ويقول جل وعلا عن الخاسرين فى الآخرة ( إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (39) ثم يستثنى عباده المخلصين بفتح اللام ، أصحاب الجنة :( إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43 الصافات ). وفى الجحيم سيتمنى أصحاب النار لو كانوا من ( المخلصين ) بفتح اللام :( وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْراً مِنْ الأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170 الصافات  )

ووصف رب العزة النبى يوسف عليه السلام بأنه من عباده المخلصين بفتح اللام :( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24 يوسف )، ووصف موسى عليه السلام بنفس الوصف : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (51) مريم ).

4 ـ المسلم الحقيقى الذى لا يقدس بشرا ولا حجرا يكون فى حياته الدنيا مخلصا بكسر اللام ، فيصبح مخلصا بفتح اللام فى الآخرة ، نجا من النار و ( تخلّص منها ) وحظى ب ( الخلاص ) واصبح ( خلاصة البشر ) أى من عباد الرحمن المخلصين ( بفتح اللام ) . 

ثالثا : (قل ) فى الدعوة لاخلاص الدين لله جل وعلا :

1 ـ جاء هذا مشفوعا بكلمة ( قل ) ، وجاء بدونها . يقول جل وعلا يأمر خاتم النبيين عليهم جميعا السلام بالاخلاص فى الدين لرب العالمين : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) 3 ) الزمر ) .

وبكلمة (قل ) : ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) ( الزمر ).

2 ـ ويقول جل وعلا للبشر كافة :( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (14 غافر )، ( هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65 غافر )، ويقول جل وعلا عن أوامره لأهل الكتاب : ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5 البينة ).

ونفس المعنى بكلمة ( قل )  فى الأمر العام للبشر : ( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29 الاعراف )، وايضا فى الحوار مع أهل الكتاب : ( قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) البقرة )

3 ـ وعرضنا لحالة الانسان حين يقع فى كرب فيتوجه لله جل وعلا بإخلاص يستغيث به . والنسق القرآنى يأتى يكرر هذا مشفوعا بكلمة ( قل ) وبدون كلمة (قل ) .

فى إستعمال كلمة ( قل ) نقرأ قوله جل وعلا :( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)( الانعام  .

وبدون كلمة (قل ) يقول جل وعلا : ( وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً (67) أَفَأَمِنتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (68) أَمْ أَمِنتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِنْ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً (69 الاسراء )

بل يأتى النوعان فى السورة الواحدة والحالة الواحدة . عن محنة الضرر أو مرض التى لا بد أن تصيب الانسان يقول جل وعلا فى سورة يونس : (وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12). لا توجد هنا ( قل ) . ولكن تأتى (قل ) فى نفس سورة  يونس ، فى نفس الموضوع : (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلْ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)( يونس ). ونفس الحال فى سورة الزمر : تأتى كلمة ( قل ) فى هذه الآية : ( وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) الزمر )، وتأتى بدونها فى هذه الآية : (فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) ( الزمر )

أخيرا .

هذا التكرار بكلمة ( قل ) وبدونها  فى موضوع الاخلاص فى الدين يؤكد أن بيان القرآن لا يحتاج الى بيان آخر من البشر ، ويؤكد أن الشفاء القرآنى يقوم على تكرار جرعة الشفاء للمريض بالكفر أملا أن يتطهر قلبه من شوائب الشرك ليفوز بالجنة ويكون من المخلصين ، بفتح اللام . فهل إستفاد بهذا المحمديون ؟ .

أحسن الحديث :

( وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)  النحل )

ودائما : صدق الله العظيم .!

 الفصل الثانى : ( قل ) فى الردّ على  من زعم إتّخاذه جلّ وعلا ولدا :

مقدمة : 

أولا : الرد على اتخاذ ولد بوجه عام

ثانيا : مع أهل الكتاب من النصارى المسيحيين واليهود :

مقدمة : بعض العرب زعم أن لله جل وعلا ولدا ، مثلما يزعم المسيحيون . وفى عصر نزول القرآن كانت طائفة اليهود تزعم أن المسمى ( عزير ) ابن لله جل وعلا . ونزل القرآن الكريم يرد على هذه المزاعم ، يستعمل أحيانا ( قل ) وحينا بدون ( قل ) . ويمكن تقسم الموضوع الى : الرد العام على كل من زعم بأن لله جل وعلا ولدا ، والرد على من زعم ذلك من أهل الكتاب على وجه الخصوص .

 

أولا : الرد على اتخاذ ولد بوجه عام

 1 ـ  يأتى هذا بدون ( قل ) . ويتنوع اسلوب الخطاب :

فيه البرهان العقلى ، فلو كان له ولد إله يشاركه فى الحكم ، أو كان معه اله شريك فى الالوهية لحدث خلاف وتنافس يجعل هذا يعلو على ذاك ، وسيترتب على هذا فساد فى الخلق . هذه الحجة العقلية جاءت فى قوله جل وعلا : (  مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) المؤمنون ). ولكنه جل وعلا وحده هو مالك السماوات والأرض ، وهو وحده الذى خلق كل شىء فقدّره تقديرا ، بنظام مُحكم ، من الذرة والنواة الى الأجرام السماوية ، فهو وحده خالق كل شىء ، وما عداه فهى مخلوقاته ، وتلك الآلهة المزعومة التى يتخذها الناس هى فى الحقيقة مخلوقة ، ولا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا نشورا . وبهذا أرسل الله جل وعلا رسوله وعبده محمدا بالقرآن الفرقان ليكون للعالمين نذيرا : ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً (3)  الفرقان ). ولأنه جل وعلا لم يتخذ ولدا فإن كل الخلق له قانتون ، أى خاضعون إما طوعا باختيارهم القلبى وإما كرها بأن تكون أجسادهم تحت هيمنته وسطوته رغم أُنوفهم ، ثم لأنه وحده الذى أبدع خلق السماوات والأرض ، ولأنه وحده الذى إذا أراد أمرا قال ( كن فيكون ) : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)  البقرة ).

ومن الاسلوب العقلى قوله جل وعلا : (  لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) الزمر ). أى لو أراد إتّخاذ ولد لاختار واصطفى له ولدا من خلقه . ولكنه جل وعلا عن ذلك ، هو الله الواحد القهّار .

ويأتى اسلوب التهديد والوعيد لأصحاب هذا الزعم : ( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4)الكهف ) هذا لأنهم زعموا إفكا وقالوا جهلا ، وكبُرت هذه الكلمة الكاذبة التى خرجت من أفواههم  ( مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (5) الكهف ).

وفى تصوير هول هذا الإفك يقول جل وعلا يرد عليهم : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95) مريم ). أى هذا الزعم تكاد السماوات والأرض أن تتدمر بسببه ، فما ينبغى للرحمن جل وعلا أن يتخذ ولدا ، لأن كل المخلوقات من ملائكة وجن وشياطين وبشر سيأتون يوم القيامة أمام الله جل وعلا عبيدا ، فردا فردا ، وقد أحصاهم وعدّهم عدّا . وصاحب هذه الهيمنة على كل مخلوقاته لا يمكن أن يتخذ من مخلوقاته ولدا . هنا يرتبط التهديد بالحُجّة المنطقية .

2 ـ وفى الرد العام يأتى إستعمال ( قل ) يؤكد ما سبق ، وبأساليب مختلفة :

منها الاسلوب المباشر البسيط فى سورة : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)). ومع بساطتها فقد تجلّى فيها آيات الاعجاز البلاغى . هى فى بساطتها مُيسّرة للذكر والهداية لمن اراد . فالمفهوم ببساطة منها أنه جل وعلا أمر رسوله أن يقول بأن الله الأحد الصمد الذى لا يحتاج لغيره ويحتاج له غيره ، وأنه لم يلد ولم يولد وليس له نظير ولا مثيل . هذه البساطة فى التعبير تحوى عُمقا لا نهائيا لمن أراد التدبر . مثلا : قال جل وعلا : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) ولم يقل ( قل هو الله واحد ) ، أى إنه جل وعلا ( واحد ) فى ذاته بلا تعدد وبلا تناسخ وبلا ولد يكون نسخة منه ، وهو أيضا جل وعلا ( واحد ) فى صفاته ، و( واحد)  فى ( واحد ) تساوى ( أحد ). والمعنى أن الله جل وعلا لا يوصف بصفات البشر ، وأن الصفات الالهية لا يوصف بها البشر والملائكة وسائر الخلق . فصفات الرحمن من العلم والقدرة والرحمة والعزيز العلى الجبار الخبير الحكيم السميع العليم البصير الغنى الحىّ ..الخ ..لا يمكن أن تكون مثل صفات البشر ، وتعجز عن تصورها وتخيلها وإدراكها عقول البشر ، ويعجز عن التعبير عنها ألسنة البشر . لذا يأتى القرآن الكريم مُيسّرا للذكر ، بأن يستعمل اللسان العربى فى ايراد صفات الله جل وعلا مع التأكيد أنه جل وعلا ليس كمثله شىء ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )(11) الشورى ). فهو جل وعلا ( أحد ) فى ذاته وفى صفاته . وبالتالى فصفاته وذاته تتناقض مع ذوات البشر وصفاتهم ، وفى التعبير عن هذا التناقض يقول جل وعلا فى خاتمة السورة (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ). اى لا يُكافئه ولا يُماثله ولا يُضارعه ( أحد ) من الخلق . وهنا روعة آية الاعجاز الفصاحى فى القرآن الكريم ، حيث جاء إستعمال كلمة واحدة ( أحد ) فى معنيين متناقضين : جاءت أولا وصفا لله جل وعلا : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وجاءت فى نهاية السورة وصفا للمخلوقات (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ). هو جل وعلا ( أحد ) ولا يماثله ( أحد ) .!

والخير للبشر أن يكون لهم إله واحد ، أى أن يكونوا عبيدا لمن خلقهم فقط ، ولا أن يكونوا عبيدا لمخلوق مثلهم ، وبالتالى فإن المؤمن يحمد ربه الذى لم يتخذ ولدا ويجعله شريكا له فى الملك ، ولم يتخذ وليا يجعله له عونا له فى الحُكم أو نصيرا له ضد الظلم ، وبهذا أمر الله جل وعلا رسوله أن يقول : ( وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111) الاسراء ).

وبهذا أمر الله جل وعلا رسوله أن يقُص الوحى الذى نزل عليه يخبره بإيمان بعض الجن حين سمعوا القرآن ، وتأكد لديهم أنه جل وعلا ما إتّخذ زوجة ولا ولدا : ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) الجن ). 

ويأمره جل وعلا أن يقول لهم إنه لو كان للرحمن ولد سيكون أول العابدين ، ولكنه جل وعلا سبحانه وتنزّه عن هذا الوصف الذى يصفونه به وهو رب العرش العظيم ، يقول جل وعلا : ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) الزخرف ).

ويأتى اسلوب الحُجّة العقلية مُمتزجا بالتهديد والوعيد ، يطلب منهم البرهان ويُنذرهم بعذاب شديد إذا ماتوا على كُفرهم ، ويأمر رسوله بأن يقول لهم هذا التهديد والوعيد :  ( قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمْ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) يونس )

ثانيا : مع أهل الكتاب من النصارى المسيحيين واليهود :

1 ـ  يأتى هذا بدون ( قل ) . ويتنوع أيضا اسلوب الخطاب :

منه الاسلوب القصصى الذى يُخبر بالحق عن ميلاد المسيح ، من أول قوله جل وعلا : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17) مريم ) الى أن تنتهى القصة بالنتيجة الحقيقية عن عيسى عليه السلام : ( ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36  مريم ).

ومن الماضى عن ميلاد المسيح الى المستقبل عن يوم الحساب حين يأتى المسيح للحساب ، فيسأله ربه جل وعلا عما حدث بعد موته ، ومدى مسئوليته عما إفتراه الناس من إتّخاذه وأمّه الاهين من دون الله الخالق جل وعلا ، وأن المسيح سيتبرأ من هذا وممّن قال هذا وأنه بلّغ الرسالة ، وكان شاهدا على قومه وقت أن كان حيا بينهم ، ثم بعد موته إنقطعت علاقته بهم ولا شأن لهم بما زعموه ، وأن الله جل وعلا هو وحده الرقيب والشهيد عليهم إن شاء عذّبهم وإن شاء غفر لهم : ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118 ) المائدة )

ويأتى الخطاب بحقيقة تارخية غائبة يُجليها رب العزة فى القرآن الكريم ، وهى أن اليهود ثم النصارى تأثروا بالديانة المصرية القديمة ، وهذا أوضحناه فى كتبنا : ( شخصية مصر بعد الفتح الاسلامى : عام 1984)، ( مصر فى القرآن الكريم : عام 1990 ) ( كتاب الموت 1990 ، ) ومقالات بحثية اخرى منشورة هنا . وبإختصار فإن بنى اسرائيل تأثروا بالديانة الفرعونية خلال قرون عاشوها فى مصر ، وهذا ما يظهر فى قصصهم فى سورة ( الأعراف )و( طه ) و ( البقرة ) ( النساء ) . ومن هذا التأثر تأليههم لأوزيريس إله الموت والحساب ضمن الثالوث ( الزوجة الأم إيزيس ، والزوج الأب أوزيريس ، والابن حورس ) ولقد تم الكشف عن اللغة المصرية القديمة بمقارنتها باللغة اليونانية القديمة  فى ( حجر رشيد ) . واللغة المصرية القديمة كانت تنطق العين ، وعند الترجمة منها الى اللغة اليونانية تحولت العين الى الهمزة . كان المصريون ينطقون ويكتبون ( عُزير ) فكتبها اليونانيون بلغتهم ( أوزير ) وأضافوا اليها حرف ( الإس ) فصار ( عُزير ) ( أوزيريس ) ، ونفس الحال مع ( عزى ) التى صارت ( أيزيس ) ، مع إن العرب عبدوا ( عزى ) فى الجاهلية تأثرا بالديانة المصرية القديمة ، وأسموها ( العزّى ) . وتأثر اليهود بهذا فعبدوا ( عُزير ) وهو نفسه ( عُزير ، أو أوزيريس ) فى الديانة المصرية القديمة .  وفى أديان المحمديين الأرضية تحول ( عُزير ) ( أله الموت الفرعونى ) الى ( ملك الموت عزرائيل ) تأثرا بالاسرائليات .  وعندما إنتشرت المسيحية فى ( مصر ) تمّ ( تمصير ) المسيحية لتتماشى مع الموروث الدينى المصرى الذى إستقر فى وجدان المصريين عبر آلاف السنين قبل مولد المسيح ـ وبعده . وقام ( بولس ) بهذا التمصير فأصبح المسيح ابنا للإله ، وعاد الثالوث المصرى بنفس التقليد الكهنوتى المصرى . التفاصيل فى كتبنا السابقة . ولكن يعنينا هنا الخطاب الالهى فى الرد عليهم بدون ( قل ). يقول جل وعلا : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) التوبة ). يقول جل وعلا عمّن إتّخذ عزير والمسيح ابنا لله جل وعلا أنهم (يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ) أى يسيرون على ( سُنّة ) المصريين القدماء .

ويأتى اسلوب الوعظ  مقرونا بالترغيب والترهيب فى خطاب مباشر من رب العزة لأهل الكتاب : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171) لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (173) النساء )

2 ـ ويأتى إستعمال ( قل ) يؤكد ما سبق ، وبأساليب مختلفة

يحكم الله جل وعلا بتكفير من يقول بأن الله هو المسيح ابن مريم  ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) ويأمر رب العزة الرسول أن يقول لهم : ( قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)  ) المائدة ).

ونفس الاسلوب فى قوله جل وعلا :  ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ  ) ، ويأتى الرد عليهم بقول المسيح نفسه : ( وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) المائدة )

 ونفس الاسلوب فى قوله جل وعلا : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ) ويأتى الرد الالهى بالتوضيح وبالتهديد معا : ( وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَانظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) المائدة ) ثم يأتى الأمر للرسول بأن يقول لهم بأن المسيح وغيره لا يملكون لهم نفعا ولا ضرا : ( قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) وأن ينهاهم عن الغلوّ فى الدين وإتّباع الهوى وما وجدوا عليه آباءهم : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) المائدة ).

أخيرا : وهذا الاصلاح لمرض الكفر باستعمال (قل ) وبدونها لم ينفع مع النصارى المسيحيين ولم ينفع مع المحمديين . فلا يزال هؤلاء يعبدون المسيح ، ولا يزال أولئك يعبدون محمدا . وسيأتى المسيح يوم القيامة يتبرا من هؤلاء كما سيأتى محمد يوم القيامة يتبرأ من أولئك .!

كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم

( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )
هذا الكتاب يوجز معالم الاسلام فى القرآن الكريم ،ويثبت أن أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن الكريم . أى يجعل حدا فاصلا بين دين الاسلام الذى لا مصدر له سوى القرآن ، واديان المحمديين الأرضية وتراثهم البشرى .
more




مقالات من الارشيف
more