رقم ( 4 )
الباب الثانى : ( قل ) ومرض الكفر عموما

الباب الثانى  : ( قل ) ومرض الكفر عموما

الفصل الأول : الهدف من إستعمال (قل ):  شفاء الأحياء المرضى بالكفر 

أولا : المرض الجسدى والمرض العقيدى القلبى ( الكُفر ):

مقالات متعلقة :

ثانيا : لمحة عن منهج الشفاء القرآنى من مرض الكفر

 ثالثا : منهج القرآن فى إستعمال ( قل ) فى الشفاء القرآنى

 الفصل الثانى : الشيطان هو جرثومة مرض الكفر

 

أولا : نوعان للمرض الجسدى وللمرض الكُفرى

  

ثانيا : الكفر حالة مرضية  فى كل زمان ومكان 

 ثالثا : الدليل على أنّ : الكفر حالة مرضية  فى كل زمان ومكان  : 

 رابعا : لمحة عن مرض الكفر لدى المحمديين :  .

خامسا : الشيطان هو جرثومة مرض الكُفر :

 الفصل الثالث :أعراض مرض الكفر :

مقدمة :  أولا :  الأعراض العامة وتفصيلاتها :

 ثانيا :  التكفير بكلمة :

  ثالثا : ـ التكفير بالموقف : 

 رابعا : ـ  التكفير بالكلمة والموقف :

 خامسا : ـ القرآن الكريم يكشف المرض الكُفرى :

 سادسا : ـ ظهور أعراض المرض الكُفرى عند التمحيص والاختبار والابتلاء :

 

سابعا : ـ التعرف على ملامح الكفر على الوجه والجسد  :

 

 الباب الثانى  : ( قل ) ومرض الكفر عموما

الفصل الأول : الهدف من إستعمال (قل ):  شفاء الأحياء المرضى بالكفر 

أولا : المرض الجسدى والمرض العقيدى القلبى ( الكُفر ):

ثانيا : لمحة عن منهج الشفاء القرآنى من مرض الكفر

 ثالثا : منهج القرآن فى إستعمال ( قل ) فى الشفاء القرآنى

أولا : المرض الجسدى والمرض العقيدى القلبى ( الكُفر ):

1 ـ  لا يذهب الموتى للطبيب طلبا للشفاء . يذهب الأحياء فقط . لا يذهب كل الأحياء للطبيب ، يذهب المرضى منهم فقط . الطبيب لا يعالج الأصحّاء ، وحين يكشف على المريض بالكلى لا يهتم باسنانه القوية اللامعة بل بكليته الكليلة . الطبيب يهتم فقط بالمرض ، وعنده شخص المريض ( مجرد حالة ) . الطبيب يقول للمريض : أنت مريض . لو قال للمريض : أنت صحتك عال العال ولا تحتاج لدواء فهو ليس طبيبا بل هو مُحتال . لا بد من التصريح بالمرض ومصارحة المريض بحاله وتوصيف المرض وأعراضه بدقة حتى يمكن علاجه بنجاح . هذا عن المرض الجسدى .فماذا عن مرض ( الكفر )؟

2 ـ ( الكُفر ) يُسمّيه رب العزة مرضا فى القلب ، والقلب فى المصطلح القرآنى يعنى النفس والفؤاد. يقول جل وعلا :( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً )(10) ( البقرة ). هم مرضى بالكفر ، وهو مرض من نوع جديد ، يفخر به المريض ويناضل فى سبيله متمسّكا به ، لذا يزداد مرضا .  هذا عكس المريض بجسده الذى يسعى للطبيب وللشفاء.

3 ـ والقرآن الكريم هو الشفاء للمريض بالكفر ، ولكن هذا الشفاء مرفوض من المريض بالكفر ، ومقبول ممّن لديه إستعداد إيمانى ، أو المريض الباحث عن الهداية وعن الشفاء . يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) يونس)، أى هو شفاء للمؤمنين وليس للمُعاندين الرافضين . الذى يسعى من الناس للشفاء ويتقبل العلاج والاصلاح ينجح معه الشفاء القرآنى ، بينما لا يُجدى الشفاء القرآنى مع المتمسكين بمرض الكفر ، بل يزيدهم كفرا وضلالا . يقول جل وعلا :( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82)( الاسراء )( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى )(44 )( فصلت ). (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً  ) ( المائدة 64 ، 68 ) . هذا عكس المؤمن الذى يزداد بالقرآن إيمانا : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الانفال ) (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) التوبة )

ثانيا : لمحة عن منهج الشفاء القرآنى من مرض الكفر

1 ـ  قلنا إن الطبيب البشرى يركّز فقط على علاج العضو المريض  فى الجسد ولا يلتفت للأعضاء الصحيحة ، وهكذا الحال فى الشفاء القرآنى ، يتم التركيز فيه على أعراض المرض ( الكفر ) ،أى النواحى السلبية والفاسدة والعفنة ، وليس الايجابية والصحيحة . كان كفار الجاهلية يؤمنون بالله جل  وعلا  خالق السماوات والأرض ولكن يعبدون الأولياء لكى تقربهم لله زلفى ولتشفع فيهم يوم القيامة ، وكانوا يتمسكون بملة ابراهيم فى ( تأدية ) الصلاة والصيام والصدقة والحج ورعاية الأشهر الحُرُم ، ولكن مع التمسك بعبادة الأولياء وقبورهم المقدسة ، وتقديم القرابين لها ، والحج اليها بمثل الحج الى الكعبة ، كانوا يؤدون الصلاة ولكن لا يقيمون الصلاة فى سلوكهم تقوى وتزكية للنفس ، ولا يقيمونها فى قلوبهم  خشوعا للرحمن جل وعلا ، كانوا يتقاتلون بسبب وبدون سبب ، وفى قتالهم يمارسوم السلب والنهب والسبى والظلم و البغى والعدوان وإستغلال الدين فى سبل الحُطام الدنيوى كما كانت تفعل قريش بإستغلالها البيت الحرام . نزل القرآن الكريم علاجا لهذا الكفر ، لا يقول لهم ( الله هو الاله ) ولكن يقول لهم ( لا اله إلا الله ) . يقول لهم ( أإله مع الله ؟ ) ، يقول جل وعلا لهم فى خطاب مباشر بدون ( قُل ) : ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (64) النمل )

2 ـ هذا الشفاء القرآنى هو للناس كافة ، وبه صار رسول الله رحمة للعالمين ونذيرا للعالمين ، يشمل هذا أهل الكتاب كما يشمل ( المحمديين ) الذين يزعمون أنهم يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر وما هم فى الحقيقة بالمؤمنين ، فهم بتاريخهم وأديانهم الأرضية وشرائعهم وحروبهم وظلمهم أكثر ضلالا من عرب الجاهلية . ولأن الشفاء القرآنى لمرض الكفر جاء للبشر جميعا الى قيام الساعة ، فإن الله جل وعلا لم يقل يا كفار قريش أو يا مشركى العرب ، ولكن جعل الخطاب عاما ينطبق على مرض الكفر أو الشرك فى كل زمان ومكان الى قيام الساعة .

3 ـ. ومثل تعامل الطبيب مع الجسد البشرى ، أى مع المريض ليس كشخص بل كحالة  ومرض ووصف ، نجد نفس التعامل فى الشفاء القرآنى . هو أيضا علاج للمرض  أى الكُفر ، اى للحالة ، بأعراض مرضها . وإذا تم الشفاء بالتوبة والعمل الصالح وتصحيح الايمان إنتهى المرض ، وأصبح الشخص مؤمنا وقد تخلّص من ( حالة ) الكفر . وهذا يؤكد أن رب العزة عندما يخاطب ( الذين كفروا) فإنما يخاطب صفات وليس اشخاصا . هم أشخاص يعتريهم مرض الكفر ، وقد يزداد بهم المرض ، وقد يتم شفاؤهم منه حسب مشيئتهم هم . يقول جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) النساء ) . هنا شخص آمن ثم كفر ثم آمن ثم كفر ثم إزداد كفرا . هو نفس الشخص ولكن تقلب فى (حالات ) من الايمان والكفر . وفى  النهاية إستعصى علاجه . وهناك من يتوب فينجو من الخلود فى النار . يقول جل وعلا فى صفات ( عباد الرحمن ) : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) الفرقان ) بالتوبة وهم أحياء تتبدل أعمال الكفار السيئة لتكون حسنات ، ويصبحون من عباد الرحمن المفلحين . وكلما كانت التوبة مبكّرة أعطت فرصة ووقتا أطول للعمل الصالح الذى يُغطى أو ( يُكفّر ) أو ( يغفر ) للكفر السابق والعصيان السابق . يقول جل وعلا فى التوبة المبكرة : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) النساء ). ويأمر جل وعلا رسوله أن (يقول  ) للكافرين المعتدين ( أى أصحاب الكفر السلوكى ) يدعوهم للكفّ عن الاعتداء ، وأن ينتهوا حتى يغفر الله جل وعلا ما سبق ، إما إن إستمروا فى إعتدائهم فلا سبيل إلّا القتال الدفاعى حتى ينتهى الاضطهاد الدينى أو تنتهى الفتنة فى الدين : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الانفال ) أى إذا كفُّوا عن العدوان وأصبحوا ( مسالمين ) فهم ( مسلمون ) حسب السلوك الظاهرى . ولو قرنوا إسلامهم الظاهرى بإسلام قلوبهم لله جل وعلا إخلاصا فى الايمان وإخلاصا فى العبادة فسينعمون يوم القيامة بالسلام فى الجنة، وتدخل عليهم الملائكة تُحييهم بالسلام  : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) ( الرعد ).

 

4 ـ يتم تقديم العلاج القرآن للمرضى ( المصابين بالكفر ) من الأحياء وهم فى سعيهم فى الحياة الدنيا ، أملا فى أن يتوبوا قبل الموت . لأن الذى يموت كافرا يخلدُ فى النار ، أى لديه فرصة هذه الحياة لينجو من عذاب الآخرة . وينبّه رب العزة محذرا بما ينتظر الكافر إذا ظل متمسكا بكفره جدون توبة حتى الموت ، يقول جل وعلا :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (162) البقرة ). أى عليهم اللعنة والخلود فى النار بلا تخفيف وبلا إمهال . وعلى فرض أنهم فى النار يملكون خزائن الأرض ذهبا فليس مقبولا منهم أن يفتدوا أنفسهم من الخلود فى النار بملء الآرض ذهبا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَباً وَلَوْ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) آل عمران ). أى هى فرصة للأحياء الذين يخاطبهم رب العزة بالقرآن جيلا بعد جيل . والعادة أن أغلبية البشر تضيع هذه الفرصة ، وتموت مريضة بكفرها ، تتمسك بما وجدوا عليه آباءهم : ( إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)(الصافات ).  إن الموت هو الفيصل ، والله جل وعلا لا يقبل توبة الكافر أو العاصى ، إذا تذكر أحدهما التوبة عند الاحتضار : (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (18)( النساء )

5 ـ وفى وعظ الأحياء إنقاذا لهم من مرض الكفر يستعمل رب العزة كلمة ( قل ) وقصص الأنبياء السابقين والأمم البائدة ، وطبقا للمنهج القرآن فى الدعوة يكون التكرار فى هذا القصص ، وفى الوعظ وفى الحوار والردّ عليهم ، وتكرار القول بكلمة (قل ) وبدون (قل ) .

 

 ثالثا : منهج القرآن فى إستعمال ( قل ) فى الشفاء القرآنى

يأتى إستعمال ( قل ) فى محاولة إصلاح الكافرين الأحياء ، وإثبات الحُجة عليهم فى هذه الدنيا وفى الآخرة أيضا . ويأتى مكررا باستعمال ( قل ) و بدون ( قل ) . وسبق لنا فى الفصل السابق الاستشهاد بآيات تكررت فى دعاء الأنبياء ، وجاء التكرار فى صور مختلفة ، فللتكرار فى القرآن منهج لا محل للحديث عنه الآن . ولكن التكرار يأتى أحيانا بكلمة ( قل ) وبدون ( قل ) .

وهنا نكتفى بمثلين : 

1 ـ فى محاولة لشفاء أهل الكتاب يخاطبهم رب العزة خطابا مباشرا ، يقول لهم : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) آل عمران ) . ونفس المضمون جاء مسبوقا بكلمة (قل ) أى يقول الله جل وعلا لأهل الكتاب : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) آل عمران )

2 ـ كما يتكرر دعوة الكافرين الأحياء فى كل زمان ومكان للسير فى الأرض وبحث آثار الموتى السابقين للإتّعاظ والعبرة .

2/ 1  : يأتى هذا بدون ( قل ) . ويتكرر بدونها ، أمرا مباشرا . ونورد الآيات . يقول جل وعلا :

( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) آل عمران )

 ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِوَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً (44) فاطر )(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) يوسف )( فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) الحج )( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) الروم ) ( أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) غافر )( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) غافر )( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) محمد ) ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) النحل ).

2 / 2 : وكانت قريش فى رحلتها التجارية للشام تمرّ على الأردن حيث آثار تدمير قوم لوط ، يقول جل وعلا عن تدمير قرية قوم لوط : ( فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إالحجر ) أى هى فى طريقهم قائمة باقية . ويقول جل وعلا ( وَإِنَّ لُوطاً لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ (136) ثم يقول لقريش التى تمر قوافلها على آثار التدمير : ( وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (138) الصافات ) ، ويقول جل وعلا عن عدم إتعاظهم بآثار قوم لوط وهم يمشون فى مساكنهم ( أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى (128) طه ) ( أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) السجدة ).

2 / 3 : ومع هذا التوضيح والتكرار تأتى كلمة ( قل ) فى نفس الدعوة للسير فى الأرض : ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) النمل ) ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) العنكبوت ) ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) الروم ) ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(11) الانعام ).

أخيرا

ومع كل هذا التوضيح والتكرار لا يزال المحمديون الوهابيون يحرّمون السير فى الأرض بحثا عن آثار السابقين .!

ومع كل هذا التوضيح والتكرار لا يزال المحمديون يؤمنون بأن القرآن الكريم لا يكفى وأنه ( غامض غير مُبين ) يحتاج الى بيان و( تفسير ) البشر ، وأنه ( ناقص ) يحتاج للبشر ليُكملوه .

ومع كل هذا التوضيح والتكرار لا يزال المحمديون يسعون فى آيات الله معاجزين : (  وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51) الحج ) (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) سبأ  ) .

وموعدنا معهم يوم الحساب .

أحسن الحديث :

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) محمد )

 

  

 الفصل الثانى : الشيطان هو جرثومة مرض الكفر

 

أولا : نوعان للمرض الجسدى وللمرض الكُفرى

  

ثانيا : الكفر حالة مرضية  فى كل زمان ومكان 

 ثالثا : الدليل على أنّ : الكفر حالة مرضية  فى كل زمان ومكان  : 

 رابعا : لمحة عن مرض الكفر لدى المحمديين :  .

خامسا : الشيطان هو جرثومة مرض الكُفر :

 

أولا : نوعان للمرض الجسدى وللمرض الكُفرى 

1 ـ أمراض البشر الجسدية نوعان : نوع ( متعدى ) ( يُعدى ومُعدى للآخرين ) ولو سكتنا عن مواجهته تحول الى ( وباء ) يغزو الآخرين ويدمر شعوبا وأُمما . ونوع ساكن فى صاحبه ، قد يُميتُه ويقضى عليه ولكن لا يُعدى ولا يتعدّى الى الآخرين .

2 ـ وهكذا مرض الكُفر . هو نوعان : كُفر سلوكى مُتعدّى ، يقوم بإكراه الناس فى الدين ،وإخراجهم من ديارهم ، ويأمر بالهجوم على الأمم الأخرى وإحتلال بلادهم ونهبها وقتل أبطالها المدافعين عنها ، وسبى نسائهم وذراريهم وسلب أموالهم باستغلال الدين . هذا ما فعلته قريش مع المؤمنين حين إضطهدتهم فى الدين وأخرجتهم من ديارهم وواصلت الهجوم عليهم ، ثم دخلت قريش فى الاسلام قبيل موت النبى عليه السلام ، وما لبث أن سيطرت على المسلمين وقامت بتغيير عملى لتشريع القتال الاسلام ، وبعد أن كان دفاعيا فى دولة النبى جعلته قريش بالفتوحات بغيا وعدوانا على شعوب وأمم واحتلت بلادهم ، وأقيم على هذا الاحتلال الباغى دين السُّنّة الأرضى الذى يتركز فى الإكراه فى الدين وقتل الآخر المختلف فى الدين والمذهب ، كما يفعل الوهابيون اليوم .

النوع الآخر : كُفر عقيدى قلبى مُسالم ، لا يعتدى على أحد ، ولا يقوم بإخراج الآخر من دياره بسبب الاختلاف الدينى ، ولا يقوم بتأييد الكافرين المعتدين فى ظلمهم وتطرفهم وإرهابهم .

3 ـ فى التعامل مع المُصابين بمرض الكُفر المعتدى: يعرض الله جل وعلا عليهم الكفّ عن العدوان حتى يغفر لهم ، فإن رفضوا مستمرين فى العدوان والإضطهاد أو الفتنة فى الدين فيجب على الدولة الاسلامية التى تتعرض لاعتدائهم أن تقاتلهم دفاعيا لمنع الاضطهاد الدينى والاكراه فى الدين أو الفتنة ، وحتى يكون الدين كله لله جل وعلا يحكم فيه بين الناس يوم الدين : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)( الانفال ).

ويُحرّم الله جل وعلا على المؤمنين موالاة أولئك الكفرة الذين يعتدون عليهم بينما يأمر جل وعلا بالتعامل مع الكفار المسالمين بالبر والاحسان والعدل والقسط : ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة )

4 ـ التعريف القرآنى للكافرين فى العقيدة المسالمين : أنهم ( الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ) ،  ومقابل هذا السلام وعدم الاعتداء يأتى الأمر بالبر والقسط فى التعامل معهم . ومعه تقرير حريتهم الدينية بلا سقف أعلى ، وهذا التشريع إستفاد به المنافقون فى دولة النبوة فى المدينة ، مارسوا حريتهم فى المعارضة الدينية والسياسية الى أبعد مدى طالما لا يرفعون سلاحا . والتفاصيل فى كتابنا ( حرية الرأى بين الاسلام والمسلمين ).

 

ثانيا : الكفر حالة مرضية  فى كل زمان ومكان 

 

1 ـ قلنا إن الكفر  حالة مرضية عرضية من مواقف وملامح وأقوال وليس أشخاصا يولدون كُفارا ويظلون كفارا حتى الموت . والدليل أنه حتى فى الكفر السلوكى ـ  وهو أفظع أنواع الكفر ـ فإن الله جل وعلا ـ فإن الله جل وعلا يعرض عليهم التوبة فإن تابوا زالت عنهم صفة الكفر ، أما إن ماتوا على كفرهم بلا توبة فسيلقون رب العزة كافرين خالدين فى النار .

2 ـ ولأن ( الكُفر ) حالة عرضية ممكن للأحياء الشفاء منها بالتوبة فإن رب العزة لا يذكر الكفار بالاسم ، بل بالوصف لأفعالهم ( كفار ، مشركون ، ظالمون ، فاسقون ، معتدون ، مستكبرون ، مترفون ، مفترون ، أفّاك أثيم ، يؤفكون ، مكذبون لآيات الله ، جاحدون ..الخ ) لينطبق الوصف على من يستحقه فى كل زمان ومكان طبقا لسلوكه.

3 ـ الاستثناء الوحيد هو ذكر إثنين من الكفار بالاسم ، وهما والد ابراهيم عليه السلام ( آزر ) :( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74)  ( الأنعام )، وعم النبى محمد عليه السلام ( ابو لهب ): ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) ). وقد تحولا الى رمزين للكفر ، يؤكد أن النبى ـ أى نبى ـ لا ينفع أقرب الناس له . وأن النبى ـ أى نبى ، لا يستطيع أن يهدى أقرب الناس اليه ، لأن الهداية إختيار شخصى ، والذى يختار الهداية فإن الله جل وعلا يهديه ، والذى يختار الضلال فإن الله جل وعلا يتركه لضلاله مهما كان قريبا للنبى ، وقد قال رب العزة لخاتم الأنبياء عليهم جميعا السلام : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) ( القصص )

 

ثالثا : الدليل على أنّ : الكفر حالة مرضية  فى كل زمان ومكان  : 

 

1 : نفس أقوال الكافرين ُالسابقين تكررت ولكن بألسنة مختلفة ، ولأنها تقول نفس المعنى فإن الله جل وعلا يوجزها فى حوار مُوحّد دار بين كل الأنبياء وأقوامهم مع إختلاف الزمان والمكان واللسان ، يقول جل وعلا : ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمْ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) ابراهيم  ).

أى أن كل الأقوام قالوا لأنبيائهم : (إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ) (إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) ، وأن كل الأقوام آذوا الرسل فقال لهم الرسل : (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا ) ،وأن كل الأقوام هددوا  الرسل والمؤمنين  بالطرد من ديارهم : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا )

  2 . و نفس أقوال الكافرين ُالسابقين قيلت لخاتم المُرسلين . يقول جل وعلا له : ( مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ )( 43) فصلت ). أى ما قاله الله جل وعلا  لك من وحى قرآنى قيل لمن سبقك من الأنبياء ، وهذا ما يؤكه رب العزة فى القرآن الكريم :( النساء  163) ( الشورى 13 ) ( الزمر 56 : 66) ( النجم  36 ــ ) ( الأعلى : ـــ  19).

وأيضا يؤكد رب العزة أن أقوال المشركين هى هى ، فى التكذيب للأنبياء من البداية الى خاتم النبيين عليهم جميعا السلام . ونضرب أمثلة :

2/ 1 : اهل الكتاب لهم تقريبا نفس الكتب السماوية ، ولكن كان ـ ولا يزال ـ يُكفّر بعضهم بعضا : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ) ، ويبيّن رب العزة أنه نفس أقوال السابقين :( كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) ، ويجعل الله جل وعلا الحكم له يوم القيامة : ( فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)  البقرة ).

2/ 2 : وطلب بعض أهل الكتاب آية حسية من خاتم المرسلين عليهم جميعا السلام ، وتابعوا فى ذلك الكافرين من قبل ، وتابعوا أيضا مشركى العرب ، فقال جل وعلا عنهم :( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) البقرة ). أى تشابهت قلوبهم فى المرض الكُفرى .

2/ 3 : واستكبرت قريش أن تتّبع رسولا من البشر ، وهو نفس موقف المشركين السابقين ، وعظهم رب العزة  بما حدث للكفار السابقين :( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا )(6) التغابن ). الاستكبار عن إتباع رسول منهم بشر مثلهم عادة سيئة لكل المشركين ، قالها قوم نوح : (فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) المؤمنون ) وقالها قوم عاد لنبيهم هود :( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ (34)  المؤمنون  )وقالها فرعون وقومه عن موسى وهارون عليهما السلام : (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47 ) ( المؤمنون ) ، وهو نفس الحال مع قريش : ( أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2 ) يونس ) (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (94)  ( الاسراء ). قالت ثمود عن النبى صالح عليه السلام : ( فَقَالُوا أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)  ( القمر )، وبعدهم بقرون طويلة قالتها قريش عن خاتم المرسلين : ( أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا ) (8) ص ) .

كلهم أتهم الأنبياء بالسحر والجنون كأنما تواصوا على ذلك عبر القرون : ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) ( الذاريات ). كلهم رفضوا الرسالة الالهية وتمسّكوا بما وجدوا عليه آباءهم : (  بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) ( الزخرف ) وهو نفس ما يقوله المحمديون اليوم من ( ثوابت الأمة ) و ( ما أجمعت عليه الأمة ) و ( المعلوم من الدين بالضرورة ) ، وكلها أكاذيب ، ومجرد شعارات لا تصمد لأى نقاش علمى .

رابعا : لمحة عن مرض الكفر لدى المحمديين :

1  : ونفس الأقوال والأفعال لا يزال يقولها المحمديون حتى اليوم .

ومعروف أنه كانت لقريش مساجد تصلّى فيها اللوات المعتادة المعروفة لنا ، والمتوارثة من ملّة ابراهيم ، إلّا أنهم أقاموا فيها قبورا مقدسة لأوليائهم ، كما يفعل المحمديون اليوم . وبعث الله جل وعلا خاتم النبيين يعلن لهم : (  وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) الجن ) أى يجب أن تكون المساجد لعبادة الله جل وعلا وحده بلا تقديس لبشر أو حجر . وكانت النتيجة أنهم تكالبوا عليه يريدون إهلاكه : ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19)الجن ) وهو نفس الذى سيحدث لأى مُصلح إذا وقف أمام قبر مقدس فى مسجد كقبر الحسين أو قبر السيدة زينب ، الخ .

وكانت قريش بعد الهجرة تمنع من بقى من المسلمين فى مكة من دخول المساجد  ، فقال جل وعلا : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)  البقرة ) . لم يقل رب العزة ( ومن أظلم من كفار مكة الذين يمنعون مساجد الله ...) ، لم يجعلها رب العزة حالة خاصة مرتبطة بزمانها ومكانها وظروفها والقائمين عليها ، بل جعلها رب العزة حالة تسرى فى كل ومان ومكان قبل وأثناء وبعد نزول القرآن ، ففى كل زمان ومكان فإن من أظلم الناس هو من يمنع مساجد الله جل وعلا أن يُذكر فيها إسمه وحده  فى الأذان والصلاة ، بل يجعل فيها ذكرا وتقديسا للبشر والحجر ، ويمنعون المؤمنين حق الايمان من دخولها لأنهم يرفضون تقديس البشر والحجر ، ويقومون بارهابهم فلا يدخلها أولئك المؤمنون إلا خائفين . والله جل وعلا يتوعد أولئك الكافرين المعتدين المسيطرين على المساجد بالخزى فى الدنيا ، والعذاب العظيم فى الآخرة ، إذا ماتوا  بلا توبة .

وكان نظام ( مبارك ) يرهبنا ومعه المتطرفون ، فيجعلوننا ـ أهل القرآن ـ نخاف من دخول المساجد تحاشيا للتكفير والايذاء والملاحقة ، وإذا إضطررنا الى الصلاة فى بيوتنا قبض علينا أمن ( مبارك ) بتهمة إزدراء الدين . وتحقّق فى مبارك الوعيد الذى هدّد به الرحمن جل وعلا ، فحقّ عليه الخزى فى الدنيا ، ورآه العالم طريح كرسى فى المحاكمة ، يغمض عينيه خزيا . وتحقّق الخزى على زعماء الاخوان  فى قفص المحاكمة ، ولا يزال خزى هؤلاء وأولئك قائما .وصدق الله العظيم : (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)  البقرة ).

 2 ـ وينطبق على المحمديين ـ وخصوصا السنيين منهم ـ تكذيب آيات الله جل وعلا فى القرآن الكريم تمسكا منهم بأحاديث مفتراة . وهذه هى سُنّة قريش فى الصّد عن سبيل الله وعن القرآن الكريم ، وقد تكرر فى القرآن الكريم  المعنى القائل بأن أظلم الناس من يفترى على الله كذبا ويُكذّب بآياته : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) الانعام ). وتمتلىء مساجد وعقول المحمديين بكتب الأحاديث ، وهى إفتراء على الله جل وعلا وسوله الكريم ، ومن أجلها يتهم المحمديون القرآن بأنه غير مبين وغير كامل وغير تام ، ويحتاج الى ( سنتهم ) لتشرحه وتوضحه وتبينه وتكمله  وتلغى أحكامه بأكذوبة النسخ عندهم .!.

وبهذا يمتد الشفاء القرآنى لعصرنا ، حيث يُردد المحمديون أمراض الكفر التى وقع فيها السابقون .

 

خامسا : الشيطان هو جرثومة مرض الكُفر :

1 : ونرجع لقوله جل وعلا له : ( مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ )( 43) فصلت ). ونرى أن الوحى الالهى واحد فى أساسياته مع اختلاف الزمان والمكان واللسان ، ونرى أيضا أن أقوال المشركين وتصرفاتهم واحدة مع إختلاف الزمان والمكان واللسان . أى إن مصدر الشفاء واحد ، هو الوحى الالهى ، ومصدر الوباء والمرض واحد ، وهو الوحى الشيطانى . هذا يستلزم بعض التوضيح :

2 ـ تتركّز الحياة الدينية للكافرين المشركين فى مظهرين أساس : تقديس وعبادة القبور والبشر والحجر ، أو الذى نسميه الكفر أو الشرك القلبى العملى ، وتقديس الأحاديث المفتراة ، أو الذى نسميه الكفر أو الشرك القلبى العلمى . وهما معا يسريان مرضا ( كفرا قلبيا ) فى كل زمان ومكان . لماذا ؟ لأنّ لهما مصدرا واحدا ، هو الشيطان .

3 ـ الشيطان هو الذى يُقنع أتباعه أن الميت الذى تحول الى جيفة وتراب ـ يتحكم فى الأحياء ، أى يتحول التراب الى إله ، يتقرب اليه المشركون الكفرة بالقرابين والنذور ويطلبون منه النفع والضرر . يقنعهم الشيطان بأن يقوموا هم ببناء قبور من حجر وجير واسمنت وأخشاب وزجاج ، ثم يعكفوا عليها عابدين قانتين ، يتبركون بلمس الزجاج والخشب والقطيفة والقماش المصنوع بأيديهم ، فى غياب تام للعقل .

اى ينحتون ويصنعون آلهة ثم يخلقون أساطير حولها ، وهذا ما كان يفعله قوم ابراهيم عليه السلام ، فقال لهم :( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) الصافات) ( إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً ) (17) العنكبوت  ). وهو نفس ما يفعله المحمديون ، خصوصا الصوفية والشيعة . الشيطان هو الذى يقنع الجميع فى كل أمة وفى كل جيل بهذا الإفك . أو بإختصار فهذه الأنصاب أو الأضرحة أو المقامات أو القبور المقدسة هى من ( عمل ) الشيطان . يقول جل وعلا يُحذّر المؤمنين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة ).

 4 ـ الشيطان أيضا هو مصدر كل ذلك الوحى الكاذب المنسوب لرب العزة ورسوله الكريم بالافتراء والكذب . والشيطان هو الذى يوحى بهذا الافك الى أعوانه من شياطين الانس والجن ، وهؤلاء الأعوان هم أعداء الرسل والأنبياء ، ولكل نبى يوجد عدو له من شياطين الانس والجن ، كانوا قبل نزول القرآن وكانوا مع نزول القرآن أعداءا لخاتم المرسلين ، ولا يزالون بعد موته أعداء له عليه السلام ولدين الاسلام ، هؤلاء الشيوخ الكفار المُضلُّون أعداء الاسلام لا يزالون يمارسون دورهم : يوحى بعضهم الى بعض أحاديث مزخرفة تُغرى الناس وتخدعهم ، ويصغى اليهم الرعاع والعوام ، فيقترفون الإثم والعدوان يعتقدون أنهم متحصّنين بشفاعة النبى تسوّغ لهم العصيان ، يقول جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) الانعام ) .

5 : وقد توعّد الشيطان بأن يُضلّ بنى آدم بكل طريقة ، وسيظل يغويهم جيلا بعد جيل الى قيام الساعة : (قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)(18)(الأعراف ) .وقد حقّق وعيده مع الأمم السابقة قبل وأثناء وبعد نزول القرآن ، وحتى عصرنا حيث اصبح المحمديون ( أمة محمد كما يزعمون ) شرّ أمة أُخرجت للناس .

6 ـ  وسيظل الشيطان ينفث مرض الكُفر فى الناس الى نهاية العالم ، يضلّهم جيلا بعد جيل ، يموت جيل على كفره وضلاله ، ويأتى جيل جديد فيوقعه الشيطان فى الضلال . ويوم القيامة سيقول رب العزة لضحايا الشيطان وهم فى النار:( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64)( يس). هذا بينما سيتبرأ الشيطان من أتباعه وهو معهم فى النار:(  وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) (ابراهيم )

أخيرا :

1 ـ هناك نوعان من الوحى : أحدهما الوحى الالهى بالشفاء ، والآخر هو الوحى الشيطانى الذى ينفث المرض. فى سورة الشعراء يقول جل وعلا عن الوحى القرآنى:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) ،ويقول جل وعلا عنه يبرئه من تدخل الشياطين : (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212 ) . ثم يقول جل وعلا عن وحى الشياطين : ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) الشعراء ).

2 ـ الله جل وعلا يصفهم بأنهم أفّاكون آثمون . ونجن نخاطبهم بالتقديس والتعظيم من نوعية ( فضيلة الشيخ ) ( شيخ الاسلام ) ( الإمام الأكبر ) ( سماحة الشيخ ) ( روح الله ) ( آية الله ) ( قداسة البابا ) ( قداستك )..الخ !!

3 ـ هل كانوا يخاطبون الأنبياء بهذا التقديس ؟ أم كانوا يخاطبونهم بأسمائهم ؟ هل كانوا يقولون لخاتم المرسلين : ( روح الله ، آية الله ؟ أو الامام الأكبر ؟ ) لم يقولوا لموسى عليه السلام : ( يا فضيلة الشيخ أو يا قداسة البابا ) بل كانوا ينادونه باسمه فقط : (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) (55) (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا )(61) البقرة ) (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) ( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) المائدة ).

بالمناسبة : موسى عليه السلام خاطبه ربه جل وعلا ووصفه بما لم يرصف به نبى فى القرآن الكريم . قال له رب العزة جل وعلا:( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)  طه )( إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي ) (144)الاعراف )( وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً (53) مريم )، ومع هذا كان قومه ينادونه باسمه : ( ياموسى ) بلا تقديس ولا تعظيم ، أما أصحاب الديانات الأرضية ضحايا الشيطان فيقولون للأفّاكين الدجّالين أتباع الشيطان : ( فضيلة الشيخ ) ( شيخ الاسلام ) ( الإمام الأكبر ) ( سماحة الشيخ ) ( روح الله ) ( آية الله ) ( قداسة البابا ) ( قداستك ) ..الخ

4 ـ أين حُمرة الخجل .!!

 

 الفصل الثالث :أعراض مرض الكفر :

مقدمة :

 أولا :  الأعراض العامة وتفصيلاتها :

 ثانيا :  التكفير بكلمة :

  ثالثا : ـ التكفير بالموقف : 

 رابعا : ـ  التكفير بالكلمة والموقف :

 خامسا : ـ القرآن الكريم يكشف المرض الكُفرى :

 سادسا : ـ ظهور أعراض المرض الكُفرى عند التمحيص والاختبار والابتلاء :

 

سابعا : ـ التعرف على ملامح الكفر على الوجه والجسد  :

 

مقدمة :

1 ـ المرض الجسدى العضوى ( عرض ) مؤقت ، يحلّ بالبشر ، قد يزول ، وقد يموت به الانسان ، وفى كل الأحوال فهذا المرض الجسدى ( العرضى ) له ( أعراض ) . وكذلك مرض الكفر ، هو (عرض مؤقت ) يحلّ بالبشر ، وقد يزول ، وقد يموت به الانسان . وفى كل الأحوال فهذا المرض الكُفرى له أعراض . وإذا كانت أعراض الكفر السلوكى واضحة فاضحة دامية تُعلن عن نفسها بقوة وببجاحة  وصراحة ، فإن أعراض المرض القلبى يمكن التعرف عليها . وقد أورد القرآن الكريم تشخيصها . ، باعتبارها ( حالة ) تعترى اشخاصا أحياء مطلوب شفاؤهم  قبل الموت  للنجاة  من الخلود فى النار .

 2 ـ ومن السهل التعرف على أعراض الكفر السلوكى الارهابى المعتدى والمتعدى ـ فهو يعلن عن نفسه بالدماء التى يسفكها وبما يعلته من أنه يقتل ويُقاتل باسم الدين . وأيضا فليس صعبا التعرف على أعراض الكفر القلبى ، من خلال الحوار ومظاهر الدين الأرضى فى تقديس البشر والحجر ، وهى أعراض عامة  ومستمرة فى كل زمان ومكان .

3 ـ وكما يقوم الطبيب بتكرار الجُرعة للمريض الجسدى  العضوى فإن القرآن الكريم يقوم بتكرار جُرعة العلاج للمريض بالكفر ، أملا فى أن يتذكر وأن يخشى وأن يتعظ وأن يهتدى وأن يُشفى . ومن سُبُل التكرار إستعمال ( قل ). ويرفض ضحايا الشيطان الشفاء القرآنى الذى لم يأت فقط بالعلاج بل جاء بتشخيص رائع لأعراض مرض الكفر . فما هى هذه الأعراض حتى يتجنبها من يبحث عن الهداية والشفاء ؟

أولا :  الأعراض العامة وتفصيلاتها :

1 ـ المرض الجسدى العضوى تظهر اعراضه على الوجه والجسد ؛ ورما ، رشحا ، سُعالا ، إحمرار أو إصفرار الوجه ..الخ . المرض الكُفرى يظهر أيضا على الوجه واللسان ، وفى السلوك وفى المواقف ، مهما حاول صاحبه ـ  بالنفاق ـ كتمانه .

2 ـ ونعطى مثلا جامعا : يقول جل وعلا  عن بعض الصحابة : ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) التوبة ). واضح أنهم من المنافقين المشهورين بالحلف كذبا بالله جل وعلا . ويقول جل وعلا يفضحهم : إنهم يحلفون بالله ما قالوا ، وهم فعلا قالوا كلمة كفروا ، أى أن الانسان يقع فى الكفر بكلمة يقولها ، ويكفر بها . فهنا عرض من أعراض الكفر ، وهو أن تقول كلمة كُفر ، وبها تكون عند الله كافرا بعد إسلامك . ثم يأتى ثانى أعراض الكفر وهو ( الفعل ) ، وهذا أيضا همُّوا بالوقوع فيه ولكن لم ينالوا مُرادهم . وفى قلوبهم مرض إذ نقموا أن الله جل وعلا أغناهم من فضله . هنا  حالة كفر قولية فعلية وقلبية . ولكنها حالة عرضية مؤقتة ، يمكن لصاحبها الشفاء منها بالتوبة ، فإن تاب فهو خير له ، وإن لم يتب فإن الذى يتولى عذابه وعقابه ـ ليس النبى قائد المدينة ، وليس النظام السياسى الحاكم ، ولكن الله جل وعلا هو الذى يتولى عذابهم  فى الدنيا والآخرة .

3 ـ ونتوقف مع أعراض المرض بالتفصيل دون العرض للمرض القلبى الكامن ، فهذا لا يخصّنا . نحن نتعامل مع اعراض الكُفر الظاهرية ، القولية المسموعة ، والسلوكية المنظورة . هذا لكى يتعرف كل منا بنفسه على نفسه ، وكل منا أدرى بحال نفسه مهما إخترع من تبريرات وأعذار:( بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) القيامة ).

ثانيا :  التكفير بكلمة :

1 ـ يجوز ـ بغرض الوعظ والاصلاح  ـ أن تتهم صاحبك بالكفر إذا وقع فى كلمة يكفر بها . وهو نفس الحق لصاحبك أن يتصرف معك بنفس الاسلوب ، وهو نوع من التواصى بالحق . هنا ( التكفير ) المُسالم الذى يقصد الاصلاح ، ويُبيّن أعراض المرض الكُفرى ، وينبه عليها بغرض الشفاء والاصلاح . وهذا هو المقصد من  ضرب هذا المثل لنا . يقول جل وعلا: ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً (43) هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44) الكهف ).  صاحب الحديقتين إغترّ بهما الى درجة أنه كفر باليوم الآخر ، فقال لصاحبه وهو يحاوره : ( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً (36) الكهف ) ورد عليه صاحبه يتهمه بالكفر :( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) الكهف  ). ولم يكن صاحبه المؤمن متجنيا عليه فى اتهامه بالكفر لأن الله جل وعلا عاقب صاحب الجنتين على كفره باحراق حديقتيه : ( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً (43). نحن هنا أمام كلمة كفر نطق بها صاحبه الذى يؤمن بالله ولكنه كفر باليوم الآخر ، وردّ عليه صاحبه المؤمن يتهمه فى وجهه بالكفر يرجو وعظه وإصلاحه ، بدليل أنه نصحه بما يجب قوله: ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً (39)  الكهف ). هذا نموذج لكلمة كفر يكفر بقولها  صاحبها ، وبالتالى يجوز وعظه تنبيها له مع بقاء الصُّحبة بين الصاحبين .

2 ـ على أنّ الكفر بكلمة أكثره فى الكذب على الله والرسول بإفتراء أحاديث وأقاويل ينسبونها وحيا  فى الدين . فعل هذا الضالون من أهل الكتاب ، وفعله الضالون من المحمديين ، يقول جل وعلا  عن الضالين من أهل الكتاب : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) البقرة )، ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) آل عمران ).

3 ـ وأقوال الكفرة من قريش كانت تُصيب النبى بالحزن ، فقال له ربه جل وعلا : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) الانعام ) ، وكان يضيق صدره من أقوالهم الكافرة : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) الحجر )، فأمره ربه جل وعلا بالصبر : (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ) (17) ص )وأمره بالصبر والتسبيح : ( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ) (130) طه )،( ق 39 ) وأمره جل وعلا أن يستمر فى تذكيرهم بالعلاج وهو القرآن وهو ليس عليهم بمسيطر ولا جبّار ، وهو جل وعلا الأعلم بما يقولون : ( نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) ق ). وتفاصيل الأقوال الكافرة ومضمونها ستأتى لاحقا .

 ثالثا : ـ التكفير بالموقف : 

1 ـ طولب أهل الكتاب بأن يقولوا "سمعنا وأطعنا " ، فقال بعضهم العكس : "سمعنا وعصينا " هذا موقف كفر  ، يتمثل فى تحريف كلام الله جل وعلا والطعن فى دينه ، وكان الأولى بهم غير ذلك ، وهنا الوعظ والاصلاح شفاءا من هذا العرض الكُفرى : ( مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46) النساء )

2 ـ وهنا نتذكر أن من سمات الكفر لدى المحمديين أنهم بسلوكهم يقولون ( سمعنا وعصينا ) . فالله جل وعلا نهى عن التفريق بين الرسل وأمر المؤمنين أن يقولوا سمعنا وأطعنا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا )(285) البقرة ) ويرفض هذا المحمديون الذين يؤمنون بتفضيل محمد على الأنبياء ورفعه الى مستوى الشريك لله جل وعلا فى الصلاة والأذان والحج ..الخ . بأفعالهم يقولون : سمعنا وعصينا .

3 ـ وحكى رب العزة قصة أصحاب الحديقة الذين بخلوا بثمرها عن المستحقين من المساكين ، فعوقبوا بإحراق حديقتهم فى الدنيا ثم ينتظرهم عذاب الآخرة ( القلم 17 : 33 )

رابعا : ـ  التكفير بالكلمة والموقف :

1 ـ وهو الأغلب . وجاء فى قصص أهل الكتاب . قال بعضهم ( إن الله فقير ونحن أغنياء ) وقرنوا هذا بقتل الأنبياء وماتوا على هذا الكفر القولى والسلوكى ، وأمامهم ينتظرهم عذاب الحريق :  ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182) آل عمران ).

وذكر رب العزة خليطا من أقوالهم الكافرة وإفتراءاتهم  على السيدة مريم والمسيح عليه السلام وقتلهم الأنبياء ، وأن الله جل وعلا لعنهم بكفرهم : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) النساء ) .

وبعضهم فى عصر خاتم النبيين ساندوا المشركين وزعموا أن المشركين أهدى من الذين آمنوا  ، فاستحقوا اللعن من رب العزة بسبب هذا الموقف :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) النساء ) .

2 ـ ويقول جل وعلا عن بعض المكذبين بالقرآن وكانت له علاقة بالنبى ، فنهى الله رسوله الكريم عن طاعته :  ( فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) ( القلم ). نرى هنا مزيجا من الأقوال والأفعال الكافرة مرتبطة ببعضها . وقد تكرر مثيل لذلك فى سورة المدثر ( 11 : 26 )

3 ـ  وإعتاد المنافقون إقامة مسيرات فى المدينة تأمر بالمنكر وتنهى عن المعرف ، مستغلين الحرية المطلقة فى الدين التى هى أساس فى الشريعة الاسلامية ، وقد توعدهم رب العزة بالخلود فى النار بسبب موقفهم وأقوالهم : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) التوبة )

 

خامسا : ـ القرآن الكريم يكشف المرض الكُفرى :

1 ـ للطبيب البشرى أجهزة يكتشف بها المرض حتى لو كانت أعراض المرض مستترة . ولمرض الكفر أيضا وسائل ومواقف تجعل أعراضه تظهر وتُفصح عن ذات المرض . والقرآن الكريم هو الشفاء ، وهو أيضا الكاشف للمرض ، لأن المريض بالكفر يرفض الشفاء القرآنى  بالقول وبالفعل فيفضح نفسه . وهذا يختلف عن موقف المؤمنين الذين إذا تُليت عليهم آيات الرحمن خروا سُجدا يبكون ( مريم 58 ) ( المائدة 83 ) ( الاراء 107 : 109 ) ويعلنون إيمانهم : ( القصص 52 : 53 )، لذا يقول رب العزة للكافرين : (فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22)) ( الانشقاق ).

2 ـ ومجرد تلاوة القرآن كانت تجعل الكافرين يعلنون رفض القرآن ويطلبون من الرسول أن يأتيهم بقرآن آخر أو أن يبدّل هذا القرآن ليعترف بما وجدوا عليه آباءهم من كفر ( يونس 15 ـ ) . وهذا هو ما فعله أئمة المحمديين بمقولة ( نسخ القرآن ) أى تبديل وإبطال تشريعاته .

وبعضهم كان إذا تُلى عليهم القرآن يكادون يبطشون بمن يقرأ القرآن ( الحج 72 ) ، وبعضهم إعتاد الشوشرة على من يتلو القرآن حتى لا يصل صوت القارىء للقرآن الى آذان المستمعين ، هذا مع النهى عن سماع القرآن ، فوصفهم رب العزة بالكفر، وتوعدهم بالعذاب الشديد : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) فصلت ). وبعضهم كان يأتى ليستمع للقرآن ليجادل ، وفى نفس الوقت ينهى الآخرين عن الاستماع ويأمرهم بالنأى والابتعاد عن القرآن ، فوصفهم رب العزة بالكفر : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) الانعام )

3 ـ ونفس الحال مع المنافقين الذين كانت تفضحهم أفعالهم حين الاستماع للقرآن ، بعضهم كان يتساءل ساخرا إذا أنزلت سورة : أيكم زادته هذه إيمانا ؟! ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127) التوبة )

4 ـ على أنّ أعتى مرض للكفر هو ذلك الذى يدفع صاحبه لافتراء أحاديث ونشرها ليصد عن القرآن وحديث القرآن ، وقد تخصّص المحمديون فى الصّد عن القرآن بهذا اللهو من أحاديث البخارى وغيره . وقد توعد الله جل وعلا أولئك بعذاب أليم : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) لقمان ) ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) الجاثية ) .

5 ـ ويوم القيامة سيتم تذكيرهم جميعا بتكذيبهم بآيات الله : ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) الجاثية )، ويتم تذكيرهم وهم يجأرون بالصراخ فى النار : ( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ (67) المؤمنون ) ( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105 ) المؤمنون )

 

سادسا : ـ ظهور أعراض المرض الكُفرى عند التمحيص والاختبار والابتلاء :

1 ـ الابتلاء تمحيص للمؤمنين يؤهلهم النجاح فيه لدخول الجنة ، وهو إهلاك ومحق للكافرين يعنى خلودهم فى النار : ( وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) آل عمران ) ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) محمد ).

2 ـ والحرب بما تعنيه من تضحية بالنفس والمال هى المحكُّ ، وبها يظهر معدن الناس وحقيقة ما فى القلب المنافق من إيمان أو كفر . وبعض المؤمنين ضعاف الايمان رفضوا تشريع القتال الذى نزل بعد أوامر لهم بالكف عن المواجهة والصبر على الاضطهاد ، فلما كُتب عليهم القتال جأروا بالشكوى خوف الموت  ( النساء 77 ــ )

وفى موقعة الأحزاب كان الاختبار شديدا ، نجح فيه النبى والمؤمنون بينما إنكشف فيه جُبن المنافقين ( الاحزاب 10 : 12 ، 21 : 24 ) ، وكان الحال أشد فى المواقع الحربية الأخرى والتى كانت تقع فى الحرب وتتطلب الزحف فى الصحراء لمواجهة المعتدين بعيدا عن المدينة ، كما كانت تتطلب تبرعا بالأموال ، وتردد فى سورة التوبة إمتناع المنافقين عن المشاركة الحربية والمساعدة المالية ، بل كانوا ـ وهم الأغنياء ـ يسخرون من المؤمنين الفقراء الذين يتبرعون للمجهود الحربى ، ونزلت آيات القرأن تصفهم بالكفر وبالرجس وتتوعدهم بالعذاب . ( التوبة 42  : 49 ، 79 ـ ، 81 ـ )

 

سابعا : ـ التعرف على ملامح الكفر على الوجه والجسد  :

أعراض الكفر تنطق بها ملامح الوجه وتصرفات الشخص ، وهذا أوضحه رب العزة فى القرآن الكريم  درسا للناس فى كل زمان ومكان :

1 ـ هناك منافق يعجبك قوله ، يقطر لسانه حلاوة ، ويقسم بأغلظ الايمان بأن قلبه أبيض ملىء بالحب ، بينما هو خصم عنيد وفاسد عتيد ، ويظهر على حقيقته إذا نصحته بتقوى الله ، عندها تأخذه العزة بالاثم :

( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) البقرة ) . والأمر بتقوى الله جل وعلا تكرر كثيرا فى القرآن الكريم ، أمرا مباشرا للنبى وللمؤمنين ، وبالتالى فإنه عندما يقال للمؤمن : ( إتق الله ) يخشع ، بينما لو قيلت للمنافق الفاسد الجاحد المتكبر تأخذه العزة بالإثم . وعندها يظهر لك على حقيقته بالصوت والألوان الطبيعية ، أو تظهر فجأة أعراض مرضه الكُفرى الذى يخفيه بكلام معسول والقسم الكاذب بالله جل وعلا .

2 ـ ومن الألوان الطبيعية والصوت الغاضب الى ملامح الوجه التى تطفح بالكراهية تعبيرا عن الكفر بالقرآن . أتذكر أننى كنت المتحدث في ندوة فى قسم التاريخ بكلية اللغة العربية بالقاهرة  عام 1984 ، وكان معظم المستمعين أساتذة أكبر منى سِنّا ودرجة ، وتطرقت الى نفى شفاعة النبى فاحتجّ الأساتذة فانطلقت أتلو الآيات القرآنية التى تنفى شفاعة النبى والبشر ، ففوجئت بوجوههم يعلوها المنكر والغضب الشديد ، وكانت حالة لم أشهدها فيهم من قبل نظرا لعلاقات المودة بيننا . وعندها تذكرت قوله جل وعلا : (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) الحج ). لم تكن كراهية شخصية  لى ، فعلاقة المودة راسخة بيننا ، ولكنها الكراهية للقرآن . وقد سارعوا بعدها لقفل الموضوع حرصا على الوئام بيننا .

 3 ـ ومن ملامح الوجه الى عيون تقدح باشرر وتطفح بالغلّ كراهية فى القرآن الكريم حين يُتلى عليهم . ونسترجع قوله جل وعلا يصوّر حقد الكافرين على النبى وهو يقرأ عليهم القرآن ، وعيونهم تقدح بالشرر تعبيرا عن الكفر المرضى فى قلوبهم : ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) (51) القلم ). لم تكن بينهم وبينه عليه السلام عداوة شخصية ، بل كانوا يحبونه ويحترمونه . بدأ العداء حين دعاهم الى الشفاء القرآنى . كرهوا العلاج ، وظهر هذا فى ملامح وجوههم مرئيا وظاهرا للعيان .

4 ـ ويتصل بموضوع العيون أيضا موقف المنافقين فى الهلع عند الحروب ، واعينهم تدور كالذى يغشى عليه من الموت ، بالاضافة الى مظاهر أخرى كالتعويق والتثبيط عن المشاركة فى الحرب كما حدث من المنافقين فى موقعة الأحزاب :  ( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) الاحزاب ). وكانت اعينهم ايضا تدور فى مناسبات معارك أخرى وفى مناسبة آيات يُذكر فيها القتال : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) محمد )

5 ـ وبهذا كانت سيماؤهم أو ملامحهم معروفة بالممارسة والتكرار ، وحتى فى طريقة الكلام فى عهد النبى عليه السلام ، شأن المريض الذى إستحكم فيه المرض وتعايش معه ، يقول جل وعلا لخاتم النبيين : ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) محمد )5

6 ـ وأولئك المنافقون لا تنتظر منهم نشاطا فى صلاتهم بل كسلا وتثاؤبا عند الصلاة يغتبرونها واجبا ثقيلا لا بد من أدائه للمُراءاة  والخداع ، وهم لا يخدعون إلا أنفسهم ، وما يشعرون :( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) النساء ) ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54) التوبة ). والتكاسل عن الصلاة والتكاسل فى أداء الصلاة عادة سيئة للمحمديين المنافقين حتى اليوم .

أخيرا :

قلنا إنها حالات مرض ، أى يمكن الشفاء منها لمن أراد الهداية وسعى لها سعيها وهو مؤمن .

1 ـ عن المرض الكُفرى حالة عرضية يقول جل وعلا يصف موقفا لبعض الصحابة :( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ )  (167) آل عمران ).لم يصفهم بالمنافقين بل قال ( الذين نافقوا ) أى الوصف للفعل وقتها ، قالوا قولا كافرا جعلهم وقتها أقرب للكفر منهم الى الايمان : ( هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ )  أى حين قالوا هذا كانوا وقتها أقرب الى الكفر منهم الى الايمان .

2 ـ فالكفر حالة عرضية وقتية ، لذا هو يزداد شأن أى مرض عضوى جسدى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) البقرة ) (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً )( المائدة 64 ، 68 ).

وهو أيضا قابل للشفاء بالتوبة لمن يتوب .  والمنافقون الذين يموتون بلا توبة  هم فى الدرك الأسفل من النار ، أما إذا تابوا توبة حقيقية فهم مع المؤمنين : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) النساء ) .

3 ـ ولهذا تكررت جرعات الشفاء ، بعضها يأتى ب( قل ) وبعضها بدون ( قل ) ، وفى كل الأحوال فالشفاء يتوجه للمؤمنين وأهل الكتاب والمشركين والمنافقين والناس جميعا . 

كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم

( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )
هذا الكتاب يوجز معالم الاسلام فى القرآن الكريم ،ويثبت أن أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن الكريم . أى يجعل حدا فاصلا بين دين الاسلام الذى لا مصدر له سوى القرآن ، واديان المحمديين الأرضية وتراثهم البشرى .
more