رقم ( 5 )
الخاتمة : حدّ الردة أساس الارهاب ، وهو حكم بقتل الناس جميعا

:
سيطر المعتزلة على الخلافة العباسية فى عصر المعتصم والواثق واضطهدوا ابن حنبل وأتباعه، وفى عهد الخليفة الواثق حوكم أحمد بن نصر الخزاعى امام الخليفة الواثق وقتله الخليفة بيده معتقداً أنه يتقرب إلى الله بدمه ومتهماً إياه بالردة أو أنه زنديق.


وكان المعتزلة يرون أن القرآن مخلوق وأن رؤية الله تعالى مستحيلة وكان الحنابلة يرون أن القرآن غير مخلوق لأنه كلام الله تعالى وأن رؤية الله جائزة، وكان لكل فريق أدلته من تأويل الآيات ومن الأحاديث التى توافق مذهبه.
وننقل من تاريخ ابن الجوزى الحنبلى محاكمة ابن نصر الخزاعى إمام الخليفة الواثق يوم السبت غرة رمضان 231 قال له الخليفة: ما تقول فى القرآن. قال: هو كلام الله. قال: أفمخلوق هو؟. قال: هو كلام الله. قال: أفترى ربك فى القيامة؟. قال: كذا جاءت الرواية. قال: ويحك يرى كما يرى المخلوق هو؟. قال: هو كلام الله. قال: المحدود المجسوم ويحويه مكان ويحصره الناظر؟ أنا أكفر برب هذه صفته.. ما تقولون فيه؟. فقال عبد الرحمن بن إسحق القاضى: هو حلال الدم. وقال جماعة الفقهاء كما قال، فظهر ابن أبى داود (شيخ المعتزلة) أنه كاره لقتله، وقال: يا أمير المؤمنين شيخ لعل به عاهة أو تغير عقله، يؤخر أمره ويستتاب. فقال الخليفة الواثق: ما أراه إلا مؤذناً بالكفر قائماً بما يعتقده منه. ودعا الخليفة الواثق بالصمامة (سيف عمرو بن معد يكرب) وقال: إذا قمت فلا يقومن أحد معى فإنى أحتسب خطاى إلى هذا الكافر الذى يعبد رباً لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التى وصفه بها، ثم أمر بالنطع (كساء يجلس عليه المحكوم عليه بالإعدام حتى لا يلوث المكان بدمه) فأجلسه عليه وهو مقيد، وأمر بشد رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدوه، ومشى إليه، حتى ضرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إلى بغداد، فنصب إلى الجانب الشرقى أياماً وفى الجانب الغربى أياماً، وعلقت ورقة فى أذنه فيها: "بسم اله الرحمن الرحيم: هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك دعاه عبد الله الإمام هارون الواثق بالله أمير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفى التشبيه فأبى إلا المعاندة فعجله الله إلى ناره..".
أى أن الخليفة الواثق حكم بكفره وقتله بيده وحكم أيضاً بدخوله النار..!!
أى أن الخليفة الأحمق ما ترك لله تعالى شيئاً..
وظل رأس أحمد بن نصر مصلوباً ببغداد، وظل جسده مصلوباً بسامراء إلى أن أنزل وجمع بين رأسه ويديه ودفن فى مقبرة..
- وأشاع الحنابلة كرامات حول رأس أحمد بن نصر وأشاعوا كثيراً من الأحاديث التى تعزز مذهبهم، وتؤكد على أهمية تغيير المنكر باليد وكان أحمد بن نصر فى حياته من المشهورين بتغيير المنكر باليد، وفى النهاية رأى الخليفة المتوكل العباسى أن يقتنع بفكر الحنابلة فاستطاعوا اضطهاد خصومهم من الصوفية واستطاعوا اضطهاد النصارى واليهود..
- ومرت الأيام وأصبحت للصوفية المكانة والسيطرة، فاضطهد الصوفية خصومهم من فقهاء الحنابلة، وفى القرن الثامن الهجرى كان ابن تيمية أكبر فقيه حنبلى يواجه اضطهاد الصوفية وأعوانهم من الفقهاء، وكان يخرج من السجن إلى النفى س، إلى محاولات القتل، وانعكس ذلك على فتاويه فصار أكثر حدة فى الحكم على خصومه وأكثر جرأة فى الإفتاء بقتلهم..
ونظرة سريعة إلى فتاوى ابن تيمية نزاه يوزع القتل على كل من يخالفه فى الرأى، فصاحب البدعة يستحق القتل، ومن السهل أن ترمى كل فرقة الفرقة الأخرى بأنها صاحبة بدعة، وإذا عرفنا أن المسلمين فرق وطوائف شتى أدركنا أن ابن تيمية يعطى مبرراً تشريعياً لأن تقتل كل طائفة غريمتها بتهمة الردة..
ويفتى ابن تيمية بتكفير المسلم الذى يجهر بالنية فى الصلاة حتى لو كان فى جهره يعتقد أن ذلك مما يأمر به الله تعالى.. ويدعو ابن تيمية إلى قتله..
ويفتى ابن تيمية بقتل المسلم الذى لا يلتزم بالصلاة فى وقتها أو يؤخر صلاة الفجر إلى بعد طلوع الشمس أو يؤخر صلاة الظهر والعصر إلى بعد غروب الشمس.
ويفتى بقتل المسلم الذى يحضر المسجد ولا يشارك فى صلاة الجماعة.
ويفتى بقتل المسلم الذى يخالف رأى ابن تيمية فى قصر الصلاة فى السفر. وفى كل ذلك يشترط الاستتابة.
بل إنه يفتى بقتل أى مسلم بدعوى أنه منافق يبطن الكفر ويظهر الإسلام، أى يعطى الحجة لأى فرد لكى يقتل من يشاء من المسلمين بهذه التهمة وبدون استتابة فيقول ابن تيمية "أما قتل من أظهر الإسلام وأبطن الكفر فهو المنافق الذى تسميه الفقهاء بالزنديق فأكثر الفقهاء على أنه يقتل وإن تاب".
أى لا تجديه التوبة.. طالما رأى الفقهاء أنه زنديق..
أى يفتى بقتل الناس جميعاً..
ولم يستطع ابن تيمية تنفيذ تلك الفتاوى إذ أخمد الصوفية وأعوانهم من الفقهاء والمماليك حركته وتسيد التصوف وخرافاته العصرين المملوكى والعثمانى، ثم صحا المسلمون على الاستعمار الأوروبى يدق عليهم الأبواب..
وبدأت حركتان للنهضة.. حركة فى الجزيرة العربية قام بها الوهابيون تحارب التصوف ورموزه وتعيد دعوة ابن تيمية وتعتمد على الفقه الحنبلى والتشدد السلفى.. وحركة فى مصر تتطلع للأخذ عن أوروبا قام بها محمد على الذى أسس فى مصر الدولة الحديثة وأرسل البعوث لأوروبا فى نفس الوقت الذى قضى فيه على الرموز القديمة من المماليك والحامية العثمانية وسلطة الشيوخ فى الأزهر.. بل أرسل جيوشه تقضى على الدولة الوهابية وتدمر عاصمتها الدرعية، وتخلص بهذا من بقايا الجند العثمانيين، وبدأ فى إنشاء جيش عصرى حديث..
ومرت الأيام ورحل الاستعمار العسكرى، وقامت الدولة السعودية الثالثة وبرزت بتأثيرها النفطى فى المنطقة. فى نفس الوقت الذى تراجع فيه الدور المصرى فى الثمانينيات مما أتاح للفقه السعودى السلفى أن ينتشر وأتيح لفتاويه أن تعمل.
وتلونت الصحوة الدينية المعاصرة بالفقه البدوى الحنبلى المتشدد. وركزت على الجانب العقابى واحترفت الحظر والتحريم ورفعت شعار حرب الردة ترهب به الخصوم..
ومن الطبيعى فى هذا الجو أن يكون الإسلام العظيم متهماً بالإرهاب والتطرف وسفك الدماء..
هذا مع أن الله تعالى أرسل رسوله الكريم رحمة للعالمين وليس لسفك دماء العالمين. هذا مع أن المسلم إذا ذبح دجاجة استأذن الله تعالى وذكر اسمه. ولكن محترفى التدين يحكمون بقتل الناس جميعاً وباسم الله وبالمخالفة لتشريع الله..
إن مفهوم الردة كما تعلمناه فى الأزهر هو قول كفر أو اعتقاد كفر أو فعل كفر، وبهذا المفهوم يكون من السهل أن تتهم الناس جميعاً بالردة ويكون من السهل أن تحكم بقتلهم جميعاً..
وقد كان ذلك مجرد سطور فى كتب الفقه التراثية المقررة علينا فى سنوات الدراسة الإعدادية بالأزهر..
ولكنهم نشروا هذا الكلام على أنه الإسلام وأتاحت لهم الدولة السيطرة على أجهزة الإعلام فنشأ جيل جديد قد رضع التطرف على أنه الإسلام، ولأنه جيل قد صودرت أحلامه وضاعت حقوقه الطبيعية فى العثور على عمل ومسكن وحياة كريمة فقد كفر بالدولة وكفر بالمجتمع وحكم بكفر الجميع، وبالتالى استحل دماء الناس جميعاً، وعرفت مصر لأول مرة فى تاريخها أن يقوم بعض أبنائها بالقتل العشوائى فى الشوارع فتنفجر القنابل ويموت الأبرياء من الأطفال والنساء والصغار والكبار.
وهذا القاع الذى وصلنا إليه له بداية.. هى فتوى بقتل نفس بغير حق.. ويترتب على هذه الفتوى استباحة قتل الناس جميعاً مصداقاً لقوله تعالى: ﴿أَنّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً﴾.
صدق الله العظيم

ودائماً صدق الله العظيم

د. أحمد صبحى منصور

حدّ الردّة .. المزعوم
يثبت عدوم وجود هذه العقوبة فى الاسلام ، بل على العكس فالاسلام هو دين الحرية المطلقة فى الدين ، كما يؤكّد إختراع ( حد الردّة ) فى العصر العباسى ، ويثبت زيف حديثى الردّة بمنهج الجرح والتعديل لدى أصحاب الحديث .
more




مقالات من الارشيف
more