الايكونوميست: ماضي تونس الأسود يخيم على مستقبلها

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٢٩ - أبريل - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: مصر العربية


الايكونوميست: ماضي تونس الأسود يخيم على مستقبلها

يقول نصري محمد ناصر، وهو من آلاف السجناء السياسيين السابقين في تونس " فقدنا أي شعور بما إذا كان الوقت ليلا أو نهارا" بسبب ترك المصباح مضاء طوال الوقت. لكن التعذيب الذي لاقاه في زنازين وزارة الداخلية سيئة السمعة، كان غالبا أسوأ من ذلك بكثير، بحسب مجلة الايكونوميست البريطانية.

 

لديك موهبة التصميم والجرافيك؟ شارك الآن فى مسابقة السفارة الصينية جوائز بقيمة 75 ألف جنيه إضغط هنا

 


فأثناء الحكم الديكتاتوري للحبيب بورقيبة (1957-1987) وزين العابدين بن علي (1987-2011) كان العديد من السجناء يعلقون عراة، على قضيب حديدي، بما يشبه الدجاجة المشوية. وتعرض آخرون للضرب أو الصعق بالكهرباء. وتم اغتصاب النساء المحتجزات.

 

وبعد مرور أكثر من خمس سنوات من الثورة التي أطاحت زين العابدين وبشرت بالديمقراطية، لم تتصالح تونس بعد مع ماضيها الوحشي.

وسرد ناصر وآلاف آخرين حكاياتهم أمام هيئة الحقيقة والكرامة في البلاد، وتهدف الهيئة، المستوحاة من هيئة تولت فحص جرائم الفصل العنصري في جنوب افريقيا، إلى تحقيق العدالة لضحايا الحكومة منذ عام 1955، قبل عام من استقلال البلاد عن فرنسا.

 

ويحتم قانون إنشاء الهيئة، محاكمة المسئولين عن أسوأ الجرائم، مثل الاغتصاب والقتل، فضلا عن تعويض ضحايا سوء المعاملة والفساد؛ وعلى الهيئة  أن تطرح الإصلاحات، لضمان ألا يتكرر الماضي.

 

وتعتبر المحاولة القوية، الأولى من نوعها في العالم العربي،  فلا يزال الحكام الديكتاتوريين هم القاعدة. فقد سبق الإعدام المتسرع لكل من صدام حسين ومعمر القذافي العدالة الانتقالية في العراق وليبيا. وتقوم حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بسجن ضحايا النظام القديم، بينما تسمح لبقاياه بالعودة إلى السلطة. وربما كانت صعوبة تحقيق المصالحة عبر فتح الجروح القديمة، السبب في أن لبنان لم يقدم على المحاولة بعد انتهاء الحرب الأهلية 1990. وفي العديد من البلدان، مثل اليمن والعراق، ساهمت المظالم الماضية في تفاقم صراعات جديدة.

 

والمؤسف، أن المثال الذي طرحته تونس في الشرق الأوسط معيب. حيث تعاني هيئة الحقيقة والكرامة، على مدار أكثر من سنة من الاقتتال الداخلي وسوء الإدارة، وفقا لما يقول عدد متزايد من النقاد. وتعرضت رئيستها، سهام بن سدرين، الصحفية والناشطة الحقوقية السابقة، للهجوم من قبل السياسيين ووسائل الإعلام. وعلى الرغم من أن الحكومة تعرب عن مساندها، يبدو أنها تعتزم تقويضها. ويقول تونسيون، يشعرون بالتخوف من عدم تحقيق العدالة، ان النظام الجديد يشبه كثيرا سابقه.

 

ولاشك أن الأمر لن يكون سهلا؛ فقد تلقت الهيئة العديد من المطالبات حول أحداث وقعت منذ عقود. ومن الممكن أن تحال بعض الدعاوى، مثل تلك المتعلقة بتزوير الانتخابات والفساد، للمحاكمة، ولكن من الصعب أن تعرف الحقيقة بالتحديد  أو أي الشكاوى صالحة. ففي القصرين، كان أحد أصحاب الدعاوى مسئول بالحزب الحاكم تحت حكم بن علي. ومن جانبه، يشعر ناصر أن ابن أخيه يستحق التعويض المالي لأنه أقيل من وظيفته خلال فترة وجود ناصر في السجن، كما أن لديه إعاقة جسدية. وربما لا يوافق أخرون على ذلك.


 

وكان المفترض عقد سلسلة من جلسات الاستماع، بعضها علني، بهدف كشف الحقيقة. لكنها كانت بطيئة. ويلقي البعض باللوم على كاهل بن سدرين، التي تكافح من أجل كسب التأييد للهيئة. ويشير النقاد إلى أسلوبها الحاد في المواجهة و إلى التحيز السياسي: فالهيئة عينتها الحكومة السابقة بقيادة الإسلاميين من حزب النهضة، وكثير منهم من ضحايا الماضي. والآن أصبح حزب النهضة، علمانيا، شريكا صغيرا في الائتلاف الحاكم، تربطه صلات بالنظام القديم. واتهم برلمانيون بن سدرين بالفساد، وبتهمة غير معقولة: الإرهاب. وكانت بعض وسائل الإعلام، التي تسيطر عليها النخبة القديمة، أكثر شراسة في الهجوم عليها.

 

وترفض بن سدرين "حملة التشويه"، وتقول إن المشكلة الحقيقية تتمثل في أن الحكومة "لا تريد منا أن نؤدي واجبنا" وترى أن الساسة الذين خدموا تحت حكم بن علي مازالوا يتمتعون بنفوذ كبير. وقد اصطدمت الهيئة مع الدولة بشأن التمويل، والموظفين والحصول على المعلومات. وفي العام الماضي، اقترح الباجي قائد السبسي، رئيس الجمهورية، القانون الذي من شأنه العفو عن المسئولين الذين تواطأوا مع الفساد (ولكن لم يستفيدوا منه) وإنشاء هيئة جديدة للتعامل بشكل سري مع حالات تحايل رجال الأعمال وموظفي الحكومة الذين تقاضوا رشاوى. وسوف يطلق سراح هؤلاء أيضا إذا قاموا برد الأموال غير المشروعة، ودفع غرامة.


 

وقد تعثر هذا القانون في البرلمان، ولكن يتم إجراء تعديلات عليه. ويشارك في المناقشات حزب النهضة، الذي يتهمه البعض بإعطاء الأولوية للاستقرار على حساب العدالة. ويقول المؤيدون للاقتراح إن من شأنه تخفيف بعض العبء على هيئة الحقيقة والكرامة، التي ينبغي أن تركز على انتهاكات حقوق الإنسان. ويأمل  السبسي أن يطمئن اقتراحه موظفي الحكومة ويشجع المستثمرين المحتملين، الذين ربما ينتظرون ما ستصل إليه التحقيقات. والمعروف ان الاقتصاد التونسي  يترنح بفعل المحسوبية المستمرة  منذ نظام زين العابدين بن علي.  ويقول  الرئيس ، الذي كان وزيرا تحت حكم بورقيبة و رئيس مجلس النواب تحت حكم بن علي "رجال الأعمال على استعداد للمصالحة، ولكنهم خائفون".


 

بينما يرى منتقدو هذا الاقتراح أنهم ينبغي أن يكونوا خائفين. فقد سمح موظفو الحكومة الخانعين ورجال الأعمال المتواطئين بسيطرة أقارب زين العابدين بن على الاقتصاد، على الرغم من أنهم لم يقدموا شيئا لصالح الاقتصاد. ويؤكد المنتقدون أن الفساد كان مصاحبا لغيره من الانتهاكات، مما يجعل من الصعب على الهيئة أن تفصل بين الاثنين. (على سبيل المثال، في كثير من الأحيان، تمت مصادرة أملاك المسجونين السياسيين) وتؤكد بن سدرين أن الكسب غير المشروع مستمر" لا يزال نفس المسئولين يتولون تشغيل القطاع العام ويفعلون الشيء نفسه لصالح جماعات أخرى. وتحذر من أن القانون المقترح ليس له معنى من الناحية الاقتصادية، ومن شأنه أن يقوض مهمة أخرى للهيئة، وهي تفكيك نظام الفساد عن طريق استئصال المسئولين المتواطئين.

 

ومن المفترض أن تستخدم الغرامات المقررة بموجب اقتراح السيد السبسي لمساعدة المناطق الفقيرة من البلاد، على الأقل، حيث هناك تخوف من أن يتحول الشباب اليائس إلى الإرهاب، و حيث يشكو سكان المناطق الريفية من انعدام الأمن. ولكن هناك تخوف أيضا أن تعود قوات الأمن، البعيدة غالبا عن المساءلة، إلى الأساليب القديمة. ففي العام الماضي وقعت عدة هجمات إرهابية كبيرة، ومع وجود عدد كبير من  قوات داعش في ليبيا المجاورة، تزيد صعوبة مواجهتها. وما زالت أنباء التعذيب على أيدي الشرطة شائعة جدا.

 

وفي منطقة القصرين المهملة، تتضح حالة الضعف الحكومي. ولا يريد الكثيرون ممن تقدموا بمطالبات إلى الهيئة أكثر من مجرد الاعتراف بارتكاب مخالفات. ويقول ناصر، الذي كانت جريمته أنه إسلامي أنه يسعى إلى رد الاعتبار "وهذا يعني الاحترام في نظر المجتمع." فإذا استطاعت الهيئة أن تجد وسيلة لتحقيق ذلك من دون تمزق البلاد، تكون تونس قد أرست سابقة أخرى في المنطقة المضطربة.

اجمالي القراءات 1325
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق