الفقه والاقتصاد

الخميس ٠٧ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
كيف يمكن التوفيق بين جهود الفقهاء القدماء فى فقه المعاملات و علم الاقتصاد الحديث ؟ .. أعتقد أنك لا تخالفنى فى أنهم كتبوا اجتهادا متميزا فى فقه المعاملات ، ويمكن الاستفادة منه لعصرنا ، ولكنهم لا يفعلون. لا أريد أن أدخل فى مشكلة الحديث النبوى الذى ترفضونه عندكم ، ولكن أريد الاجتهادات الفقهية التى امتلأ بها الفقه السنى ، سواء كان فى شكل حديث أو رأى فقهى ، و لماذا لا يمكن الاستفادة بهذا الاجتهاد فى عصرنا؟ قرأت ما كتبته عن استحالة اجتهاد الفقهاء المعاصرين بسبب خوفهم من نقد حديث يرونه صحيحا أو نقد رأى لامام فقهى له عندهم تقدير واحترام وتقديس فى بعض الأحوال. أيضا لا أريدك أن تجيب لتكرر هذا الكلام. أريد إجابة جديدة تنصح فيها شباب الفقهاء المعاصرين بمنهج جديد يتطور به الفقه السنى ليتطور مع عصرنا. اننى اتفق معك قليلا ولكن احترمك كثيرا ، ولهذا أسألك ..
آحمد صبحي منصور :
حسنا ..
كان الأولى أن توجه لهم هم نفس السؤال ، أو لأولى الأمر منهم ، فلهم منهجهم فى الاجتهاد ولنا منهجنا الذى لا يرتضونه.
وحرصا على القليل الذى تتفق معى فيه والكثير من الاحترام الذى اشكرك عليه فاننى سأجيب بطريقة وسطى بين منهجنا ومنهجهم أملا فى قيام حركة تجديد فقهى داخل الدين السنى تخرج عن ثوابت التقليد لتربط بين ذلك الفقه و أحوال عصرنا بحيث لا أضطر الى الهجوم عليهم كل وقت ، وبحيث يتاح الأمل فى أن تتطور تلك الحركة الاجتهادية لتصبح قرآنية .. كما حدث لنا.
أقول:
تبدأ المشكلة بالمصطلحات . وهذا موضوع شرحه يطول. ولكن دعنى أشرحه بطريقة عملية واقعية عشتها بنفسى.
عشنا زمنا في الريف المصري حيث كان يقال لفلان من الناس أنه " مرابع " كان وقتها مصطلحا سائدا يعني ذلك الفلاح الذي لا يملك إلا قوته وعافيته ، ويتفق مع مالك الأرض في أن يزرع أرضه ويستخدم ، الماشية في الري والحرث في خدمة الأرض وتلك الماشية يملكها مالك الأرض ، وجرى العرف على أن للفلاح المزارع المرابع ربع المحصول ولمالك الماشية الربع نظير خدمتها وله أيضا نصف المحصول باعتباره مالك الأرض ، أي يحصل المالك على ثلاثة أرباع ولا يحصل الفلاح المزارع إلا على الربع مهما التصق بالأرض خدمة ورعاية ومن هنا حصل على لقب " مرابع " وحصل بالإضافة إلى هذا اللقب إلى معان أخرى تدور حول الخدمة وضعة الشأن والذل ، لأنه لا يملك إلا عافيته وهي إن كانت معه اليوم فستتركه اليوم أيضا بالمرض ، أو غدا بالشيخوخة والعجز وفي كل الأحوال فليس له مهرب إلا أن يلتصق بقشرة الأرض يخدمها ثم يتدثر بها حيا ومريضا وميتا ..!

كان العقد بين المالك والمرابع يتم " مقاولة " أي بمجرد القول دون كتابة وأشهاد ، ففي ذلك العقد كان الإقطاع هو النغمة السائدة ،وقد ألقى بظلاله الكثيفة الخانقة على شكل العلاقة بين المالك والذين يعملون معه أو عنده ، لا فرق ، فهو السيد لأنه مالك وهم أجراء وهو الذي يقدر قيمة الربع للمرابع كيف يشاء .
ثم جاءت رياح التغيير السياسي والتكنولوجي والاقتصادي فاختلفت الأوضاع والأحوال ، واختلفت معه لغة التفاوض والعقود ، فالفلاح الأجير أصبح في الأغلب مالكا والإقطاعي الذي كان يملك الأرض ومن عليها انتقل إلى صفحات التاريخ والفلاح " المرابع " الذي كان يحمد الله على نعمة الستر إذ وجد من يستره ويكفله ويجعله يعيش بين حظائر المواشي لم يعد موجودا ، إذ تعلم بعض أبناء الفلاحين المعدمين الأجراء وأصبحوا أطباء ومهندسين ومثقفين .

اختفى مصطلح المرابع ، وتحول إلى تراث وعشنا ازدهار هذا المصطلح ورأينا اندثاره .... في عصرنا عصر المقاولات في كل شئ في شركات الإسكان والفن وبقية المجالات .
والمقاولة في الأصل مفاوضة قولية بين طرفين متعاقدين وإن كانت تطلق اليوم على شركات البناء فإنها في الأصل تشمل كل مفاوضة في الاشتراك بين شخصين أو أكثر ويتم فيها التقاول والتفاوض .
والمصطلحات عموما كالكائنات الحية تنمو وتنتشر وتزدهر وتندثر وتلك ابرز مشكلة تواجه باحثي الفقه والاقتصاد ، إذ أن الفقهاء نحتوا لهم مصطلحات من واقع عصرهم ، وعصرنا له مصطلحاته الاقتصادية التي تتفق مع ظروفه الاجتماعية والسياسية ، ومطلوب من باحثي فقه المعاملات فى الدين السنى أن يطوروا أنفسهم ، بألا يتوقفوا كثيرا عند المصطلحات المتوارثة بل يهتموا أساسا بالجوهر وهل يتفق ذلك المضمون والجوهر مع أشكال التعامل الاقتصادي في عصرنا أم لا ، ثم إننا في النهاية لسنا ملزمين بمصطلحات السابقين من الخيار والمساقاة وشركة العنان وشركة الأبدان وشركة الوجوه والجعالة والسلم والإقالة ....الخ ، ليس فقط لأن تلك مصطلحات السابقين وليست مصطلحاتنا ولكن أيضا لأن السابقين لم يلتزموا تماما بتلك المصطلحات فالمساقاة التي لها مدلول المزارعة في شرق البلاد الإسلامية لم تكن بنفس المفهوم عند أهل الغرب والأندلس، والفقيه ابن الحاج المغربي في القرن الثامن الهجري كتب في الفروق بين مصطلحات الغراسة والفلاحة والمساقاة متأثرا ببيئته المغربية مخالفا بذلك ما سارت عليه مصطلحات الفقهاء في مصر وقتها ، ولم ينكر عليه أحد ، وما ينبغي ذلك .




مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 11673
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,343,022
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,622
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


الخــــــــوارج: أريد كتابة بحث عن الخوا رج فى القرن الأول...

الوحدة العربية : لماذا فى رأيك تفشل الوحد ة العرب ية ؟...

عجوز مراهق: سلام الله عليكم أخى الفاض ل عندى موضوع محرج...

نوح لا يعلم الغيب: أليس مفترض ا أن يعلم نوح عليه السلا م بكفر...

سؤالان : السؤا ل الأول : تكرر ت كلمة ( رهق )...

مصحف على وابن مسعود : كيف يؤخذ بمصحف عثمان وحفصه ويترك ويحرق مصحف...

ما يدور فى النفس: أنا أشعر بأنني قد كفرت بالله دون أن أقصد حيث...

شرع من قبلنا: تقول قصص الأنب ياءفق ط نأخذ...

تبّا لك ..وتبّ: هل تتفق معي ان امريك ا تدعم كل الدول...

معتكف فى بيتى : اود ان اسألك .. هل صادفت في حياتك شخص رجل او...

تعبت من التمنى : بخصوص مقالك عن الرئي س السيس ي، بما أنه...

الصلاة والناس: استفس ركم ما حكم الذي يصلون ولا يتقيد ون ...

تناقض فى الرّق: اللاف ت للنظر عن موضوع الرق وملك اليمي ن وما...

إيمان أهل الكتاب : . منذ مدة دارت حوارا ت اختلف فيها الرأي حول هل...

زوجتى تضربنى .!!: زوجتى تضربن ى وسيئة الخلق وعصبي ة وأخاف...

more