الثلاثاء ١٠ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
آحمد صبحي منصور
:
1 ـ بدأت الحكاية بمحاولات العثور على الكنوز المدفونة فى الآثار المصرية القديمة ، وقد لاحظ الطبيب العالم عبداللطيف البغدادى الذى زار مصر سنة 595 هـ أن كثيرا من المشعوذين ادعوا معرفة الكتابة الفرعونية وتحايلوا بذلك على أرباب الأموال ليعطوها الامكانات ليحفروا بها عن الكنوزالمدفونة فى المعابد الفرعونية وأن ذلك صارهوسا أسفر عن تخريب الآثار القديمة . كان ذلك فى أوائل العصر الأيوبى، ثم جاء العصرالمملوكى وقد ساد التصوف وتعاظم الاعتقاد فى الأولياء وعلمهم بالغيب وكشف المستور مما أدى ببعض الصوفية لادعاء معرفة الكنوز أو المطالب والكشف عنها ، ووجدوا من يصدقهم من أغلبية الناس الذين يعتقدون فى كرامات الصوفية وعلمهم اللدنى ، وقد لفتت هذه الظاهرة المؤرخ ابن خلدون فقال فى المقدمة أن كثيرا من صغار العقول يحرصون على استخراج الأموال من تحت الأرض ويبتغون الكسب من ذلك وأنهم يعتقدون أن أموال الأمم السابقة مختزنة كلها تحت الأرض ومختوم عليها بطلاسم سحرية لا يفكها إلا من كان مؤهلا لذلك، ويقول ابن خلدون عن أولئك المشعوذين أنهم وجدوا لهم سوقا رائجة فى مصر حيث قبور الفراعنة مظنة لوجود توابيت الذهب لذلك عنى أهل مصر بالبحث عن المطالب .
2 ـ وذكرت المصادرالتاريخية ادمان الكثيرين من المشاهير بالبحث عن المطالب، وكان منهم السلطان الغورى حتى أنه عندما ذهب للتنزه عند الاهرام أشاعوا أنه ذهب للبحث عن مطلب ، وروى الشعرانى فى كتابه لطائف المنن أن بعضهم خدع السلطان الغورى وجاء به الى آثار الفراعنة بعين شمس ليعثر له على مطلب هناك . وفى هذا العصر بالذات ــ فى القرن العاشر الهجرى كثر المحتالون من طالبى"المطالب وكان لهم شأن عظيم مما آثار عليهم الشعرانى شيخ الصوفية فى عصره فاحتج عليهم قائلا " ان الفقراء الصادقين . ــ يقصد الصوفية الحقيقيين ــ فى غنية عن عمل الكيمياء وفتح المطالب" والسبب فى احتجاج الشعرانى عليهم أنهم وقد تعاظم نفوذهم تسلطوا على الناس وأكلوا أموالهم وانتهكوا أعراضهم بحجة العثور على المطالب ، وهذا مانستفيده من أقوال الشعرانى فى كتابه لواقح الأنوار، يقول عن أولئك الأشياخ" وبعضهم يقول للرجل عندك فى بيتك مطلب ما يفتح الا عندما تخلى أجنبيا بامرأتك ( يعنى يتيح له أن يزنى بامرأته ) سبعة أيام وأكثر ، وينام ويصبح معها ويخدمها الرجل بنفسه ويطعمها أطيب الطعام حتى يأتى لهما بالخمر!! وبعضهم يقول ان المطلب لن يفتح الا اذا أمكنتنى من زوجتك على باب المطلب .. " !!
3 ـ ولم يرزق العصر العثمانى شيخا صوفيا بعد الشعرانى ، مما أتاح للأشياخ أن يمتصوا دماء الناس بشتى الحيل مثل المطالب أو الكيمياء وكانت تعنى تحويل المعادن إلى ذهب بطريقة السحر أو ادعاء الكرامات ، ثم صحت مصر على ضجيج الحملة الفرنسية وبدأت تفيق من ظلمات الخرافات وأسس محمد على مصرالحديثة مستلهما النمط الأوربى، ثم وضعت القوانين المصرية متأثرة بنفس المصدر خصوصا التشريع الفرنسى الذى أرساه نابليون من قبل ، وطبقا للقوانين المصرية فإن مصير ذلك الذى يخدع الناس ويستولى على أموالهم بحثا عن مطلب ــ هو السجن متهما بالدجل ، وكثيرا مايقوم البوليس بالقبض على كثير من الدجالين والنصابين مدعى الأعمال السحرية . هذا مع أن أولئك الدجالين كانوا فى العصر العثمانى من كبار الأولياء المقدسين حيث كان نفوذهم فى منتهاه. ولاتزال البيئات الشعبية والريفية تحتفظ لهم ببعض التقدير ــ برغم أنف القانون ــ بدليل تمتعهم بلقب المشيخة والتفاف الناس حولهم واعتقادهم فيهم .ولو قامت فى مصر دولة دينية لاستعاد أولئك مجدهم ولتحولت عيادات الأطباء الى علاج بالتمائم والأحجبة وبركات سيدنا شمهورش !!
4 ـ لقد توقف القانون المصرى عند ذلك الدجال البسيط صاحب الأعمال السحرية واستخدام الجان ،وجعله مجرما وكان ينبغى للقانون أن يضم الى هذه الطائفة كل أولئك الذين يخدعون الناس البسطاء ، ويدعون أنهم أولياء الله وأنهم أصحاب الكرامات ، وعلى هذا الأساس يقدم لهم الناس النذور والقرابين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. صحيح أن هؤلاء الأدعياء كانوا كثرة كاثرة فى العصر العثمانى أسهموا فى تأخر مصر وجهلها ، وصحيح أنهم تناقصوا وتضاءل نفوذهم بسبب الصحوة العقلية التى أحدثتها الحملة الفرنسية ، ولكن أولئك لايزالون على الساحة خصوصا فى الريف يأكلون عرق الفلاح المصرى المسكين ويمتصون دماءه . وأخشى ما أخشاه أن يعود لهم نفوذهم المدمر مع تلك الانتكاسة الدينية العقلية التى بدأت تدب فى حياتنا متسترة بذلك الأهتمام بالدين .
5 ـ ومن هنا يعمل هذا الموقع على توضيح الحق ولو كره الكارهون .
مقالات متعلقة
بالفتوى
: