ابراهيم عليه السلام وأقدم محكمة تفتيش .:
أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ؟؟

آحمد صبحي منصور Ýí 2010-05-14


 

 

 أين نحن من قوم ابر اهيم ؟

 أولا :

المزيد مثل هذا المقال :

1 ـ إزدهر مصطلح (محاكم التفتيش ) عندما  سقطت غرناطة –آخر قلاع المسلمين في إسبانيا- سنة (897 هـ=1492م)، حيث قامت تلك المحاكم بارغام المسلمين على التنصر ومحو آثار المسلمين، وتراثهم الذي ازدهر في هذه البلاد زهاء ثمانية قرون من الزمان. وكانت محاكم التفتيش هى الأداة التى استعملها "فرناندو" زهاء عشرين عامًا بعد سقوط الأندلس حيث أنشئت تلك المحاكم بمرسوم بابوي صدر في (رمضان 888 هـ= أكتوبر 1483م). واستخدمت الكنيسة الكاثولوكية &Ete; بالتدريج محاكم التفتيش فى اوربا لمطاردة الخارجين على الكاثولوكية بتهمة الهرطقة. بدأ ذلك قبل القرن الثاني عشر، ثم انتشر فى القرن الثانى عشر حيث تأسست مجالس كنسية مكونة من الأساقفة ورؤساء الأساقفة تحت مصطلح محاكم التفتيش.ثم تطورت في القرن الثالث عشر حين منح البابا كامل سلطته فى محاكم التفتيش للدومينيكايين، فسيطروا بها على السلطات المحلية واستخدموها فى محاكمة المهرطقين على كل المستويات . وإستمرت على هذا الحال حتى القرن التاسع عشر، وبدء اليقظة الأوربية .

2 ـ ومع أن الاسلام يحارب الكهنوت والسلطة الدينية إلا أن استغلال الاسلام فى

السياسة أقام دولا مستبدة تتمسح بالاسلام ،وأنتج أديانا ارضية باسم السنة و التشيع ، وأنشأ محاكمات دينية مذهبية يفرضها صاحب السلطان على مخالفيه فى المذهب أو الدين الأرضى. وقد اضطهد المعتزلة ابن حنبل ثم قام الحنابلة السنيين باضطهاد خصومهم من المعتزلة و الشيعة والصوفية واهل الكتاب ، ثم قام الصوفية باضطهاد ابن تيمية والبقاعى.وتعرض كثيرون للسجن والتعذيب، ومنهم من لقى حتفه كالحلاج واحمد بن نصر الخزاعى والسهروردى.والتفاصيل فى مقالنا ( دين السنة استوعب دين التصوف ليواجه دين التشيع ).

ثانيا : محاكمة ابراهيم عليه السلام

1 ـ على أن القرآن الكريم يذكر اقدم محاكمة تفتيش عرفها البشر ، وهى محاكمة جديرة بالتحليل والدراسة. إنها المحاكمة التى أقامها قوم ابراهيم له حين كان فتى ناشئا وقام بتدمير أصنام قومه. وقد أدرك ابراهيم الحق بحوار مع نفسه ، ثم عندما عرف الحق أدرك عبث ما يصنعه قومه حين يقومون بنحت التماثيل ثم تقديس ما يعبدون وعبادة ما ينحتون . تأمل وتدبر هذه المحاكمة ـ كما جاء فى القرآن الكريم ـ يشعرنا بالعار على ما وصلنا اليه نحن العرب و المسلمين ، إذ ـ ونحن فى القرن الحادى و العشرين ـ نتأخر حضاريا عن قوم ابراهيم آلاف السنين .

2 ـ ذكر القرآن الكريم الحوار العقلى الباطنى فى داخل ابراهيم وكيف اهتدى الى انه لا اله سوى الله جل وعلا ( الأنعام 75 ـ   ) وكيف واجه أباه الكافر المشرك بعد ان اقتنع الابن الشاب بضلال أبيه ( الأنعام 74 )(مريم 41 ـ ) ثم كيف حاور قومه ثم واجههم بصيغة عملية فدمر اصنامهم (الأنبياء51 ـ  )( الصافات 85 ـ ) ( الشعراء 69 ـ ) ( العنكبوت 16 ـ ) ثم كيف جادل الملك الكافر الذى ادعى الالوهية (البقرة 258 ).وفى النهاية تركهم مهاجرا الى الله تعالى فهبط من شمال العراق الى جنوب الشام. ونقتصر من ذلك التاريخ المبارك لخليل الله ابراهيم عليه السلام على قصة محاكمته الفريدة وما سبقها.

ثالثا : قبل المحاكمة

1 ـ كان ابراهيم فتى شابا وقتها ، أعرض منذ نعومة أظفاره عن عبادة الأوثان ، واهتدى للحق مبكرا ، فلم يك أبدا من المشركين،فوصفه رب العزة بأنه:(وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام 161 )،( وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ( النحل 120 ).

ومن الطبيعى أن ابراهيم فى مراهقته وبدايته لم يكن معروفا بين كبار قومه ، لذلك حين فوجئوا بتدمير آلهتهم وتساءلوا: (مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا ؟) جاءت الاجابة ممن سمع ابراهيم يتعرض لها بالقول من قبل ، فقالوا (سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ) أى لم يكن مشهورا ، ولولا أنه جادل قومه من قبل حول أصنامهم ما عرفوه .

2 ـ ولكن هذا الفتى الصغير السن كان ذاعقل رشيد ، سعى الى الهداية طالبا لها فهداه الله جل وعلا منذ صغره ، لذا يقول تعالى عنه ( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ ).

3 ـ ولكى نتعلم من تجربة ابراهيم فى الهداية فاننا نلاحظ انه هو الذى جاء الى ربه مبادئا مبادرا طالبا الهداية باحثا عنها . يقول تعالى (إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) لإنّ أول خطوة فى الهداية أن تبحث أنت بنفسك عنها طالبا إياها من ربك مخلصا عازما على إتباع الحق ، بهذا تكون قد أتيت الى ربك جل وعلا : ( بقلب سليم ). والعكس أن تكون ذا قلب مريض مظلم مصمم على ما هو فيه ن ولا يرى الهداية خارج ما توارثه عن أهله.

ولا يمنع أن توجد بعض الاسئلة فى هذا القلب السليم النقى من الاعتقادات الشركية، حتى بعد أن أصبح ابرهيم نبيا يوحى اليه،ففى حواره مع ربه سأل الخالق جل وعلا كيف يحيى الموتى، وجاءته الاجابة الالهية مدعمة بدليل عملى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(البقرة  260)

4 ـ تتعزز خصوصية ابراهيم عليه السلام فى أنه نشأ فى قوم يعبدون الأصنام ، ولكنه أعرض عنها منذ البداية ، كان الوحيد الذى انفرد من قومه بإخلاص قلبه لله جل وعلا ، ثم تبعه إبن أخيه لوط وآخرون. لم يكتف بإيمانه القلبى تاركا قومه وما يعبدون، بل بدأ فى مراهقته وبداية شبابه بقضية الاصلاح ، فى وقت ينغمس فيه الشباب فى متاعب المراهقة وحمى الجنس.

5 ـ ومن هنا بدأت أول محاكمة فكرية فى تاريخ البشر ـ حسبما نعلم . ومن أسف أنه لا تزال المحاكم الفكرية والدينية تمارس دورها فى بلاد التخلف والاستبداد ، وفى مقدمتها دول تزعم الانتماء الى الاسلام والايمان بالقرآن ، وهى تقرأ قصة ابراهيم عليه السلام ، وجهاده الاصلاحى السلمى ، ومع ذلك تنكفىء على صنع الأوثان المادية من القبور والأضرحة، وتطوف عليها وتركع لها وتقرأ لها الفاتحة فى عبادة صريحة للأحجار، أى يعبدون ما ينحتون ،بالضبط كما كان يفعل قوم ابراهيم . أو تقع فى عبادة الأصنام الفكرية ، فتقدس الأئمة ومؤلفاتهم وتعتبرها وحيا سماويا يعلو فوق القرآن الكريم ، وبزعمهم ( ينسخ ) أحكامه. ولو قام مصلح منهم يقرأ عليهم القرآن فنصيبه منهم عقد محاكم التفتيش واتهامه بازدراء الدين ـ دين تقديس البشر والحجر.

6 ـ كان قوم ابراهيم يعبدون الله تعالى ويعبدون التماثيل والأصنام والكواكب والنجوم ، وبعض  التماثيل التى كانوا ينحتونها كانت تعبر عن النجوم المعبودة. ومثل مشركي عصرنا  فقد كان قوم ابراهيم لا يرون تعارضا بين عبادتهم لله تعالى والايمان به وبين تقديسهم وعبادتهم لآلهة أخرى وعكوفهم على ما يصنعون من تماثيل وأوثان.

والدليل على أنهم كانوا يعرفون الله تعالى و يعظمونه ـ جل وعلا  ـ أن ابراهيم عليه السلام اتخذ من ايمانهم بالله جل وعلا حجة عليهم ، فقال لهم فى حواره معهم قبل تكسير الأصنام (مَاذَا تَعْبُدُونَ ؟ أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ؟ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ؟) أى يعلمون أن الله تعالى هو رب العالمين ، وعليه لا بد أن يحسنوا الظن برب العالمين فلا يعبدوا معه آلهة أخرى ، خصوصا إذا كانت هذه الالهة مجرد إفك وأكاذيب لا تنفع ولا تضر ، وهذا ما قاله لهم فى جلسة المحاكمة التى عقدوها له (أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ؟ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ؟).

7 ـ باجتهاده العقلى وفطرته السليمة دخل الفتى ابراهيم فى حوار مع نفسه ، وخرج

من هذا الحوار رافضا ما يفعله قومه راجيا باخلاص الهداية من ربه. وقد ذكر رب العزة فى القرآن الكريم ذلك الحوار الباطنى الذى أجراه ابراهيم مع نفسه أمام الله تعالى الذى يعلم ما تخفى الصدور (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ  ) (الأنعام 75 ـ )

لقد رأى الكوكب و القمر والشمس تبزغ وتشرق ثم تغيب وتذهب ، والرب الاله الحق لا يغيب ولا يتوارى بل هو جل وعلا قائم على كل نفس بما كسبت،لذا فمن أسمائه الحسنى (القيوم والرقيب ). بعد أن أدرك عبثية عبادة آلهة أخرى مع الله جل وعلا بادر ابراهيم قومه باعلان عقيدته (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ).

8 ـ وهنا ندخل على سمة اخرى من شخصية ابراهيم عليه السلام التى صاحبته مذ كان فتى ناشئا ، وهى سمة المبادرة ، فقد بادر من قبل طالبا الهداية، ثم دخل فى مرحلة تالية يبادر فيها بالدعوة لهداية قومه. 

رابعا : كيف ادار ابراهيم عليه السلام الحوار مع أبيه وقومه قبل المحاكمة ؟

1 ـ عن حواره مع أبيه يقول جل وعلا :(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ) (مريم 41 ـ )

بدأ بالحوار العقلى مع أقرب الناس اليه ؛ أبيه آزر.بدأ الحوار بسؤال معروفة إجابته مقدما

فلا يستطيع أبوه أن ينكر أن تلك الالهة الموتى  ـ وأصنامها وقبورها الحجرية المصنوعة ـ هى مجرد حجارة ومواد بناء لا تختلف عن غيرها فى أى مسكن أو دورة مياه أو حظيرة مواشى. هذا السؤال الأول من ابراهيم لأبيه ـ منذ ذلك الزمن السحيق ـ يصفع معظم المسلمين الذين لا يزالون يعبدون ما ينحتون ، مع أنهم يزعمون الايمان بالقرآن الكريم .

وبعد أن أثبت لأبيه أن عقيدته الشركية مجرد صفر وفراغ دعاه لأن يؤمن بالحق ، والواضح هنا أن ابراهيم أصبح رسولا مبكرا جدا ، منذ بدأ بدعوة أبيه للحق لأنه يقول لأبيه (  يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ). فالعلم هنا هو الوحى الالهى الذى ينبغى إتباعه.ونقيض الوحى الالهى هو الوحى الشيطانى وعبادة الشيطان ، لذا يقول لأبيه : (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ).

وابراهيم عليه السلام يصل الى العمق والجذور فى خطابه لأبيه ، فإما أن تعبد الله جل وعلا وحده مخلصا له الدين دون أدنى تقديس لمخلوق، وإما أن تقدس مخلوقا مع الله فتكون عابدا للشيطان وليس للرحمن. ويوم القيامة سيقال لكل المشركين من بنى آدم (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ )( يس 60 : 62) .

وهناك نوعان للشرك : الشرك المادى بعبادة الأحجار فى شكل تقديس للقبور والأصنام والأوثان . وذلك النوع مصدره الشيطان لأنه الذى يقنع البشر بوجود (بركة ) أو( قداسة ) أو قدرة وكرامات ومعجزات لذلك الميت المدفون تحت القبر ، ويقتنع البشر فيقدسون صاحب الضريح و يقدمون له القرابين ويؤدون له الصلاة بقراءة الفاتحة و التضرع و الركوع والسجود والطواف حول قبره . ولو خرج له ذلك المقبور من القبر لولى صاحبنا فرارا ولامتلأ رعبا. واضح أن الشيطان هو الذى أقنعه بهذا الافتراء الذى يرفضه العقل الانسانى، لذا يؤكد جل وعلا أن تلك الأضرحة والمشاهد والقبور المقدسة من صنع الشيطان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(المائدة 90 ). لم يصنعها الشيطان بنفسه ، ولكنه هو الذى أقنع البشر بأن تلك الأحجار وأولئك الموتى ليسوا فقط أحياء بل هم أيضا يتحكمون

فى الأحياء ويتمتعون بالالوهية . وبدون هذا الاقتناع الآتى من الشيطان تتحول القبور المقدسة الى مجرد قبور ومجرد أحجار . الاعتقاد فيها هو الذى يهبها التقديس ، وهذا الاعتقاد الزائف مصدره الشيطان.

والنوع الثانى هو الشرك العلمى أو تقديس الكتب والأئمة العلماء ، وجعل كلامهم وحيا ، وهذا أيضا مصدره الشيطان ، فأؤلئك الأئمة ـ زاعمو الوحى ـ هم بتعبير رب العزة جل وعلا ( شياطين الانس ) وهم ( أعداء الأنبياء ):(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً )(الأنعام 121 )( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا )( الفرقان 30 : 31 ).

ابراهيم عليه السلام نفذ الى تلك الحقيقة التى لا تزال تصفع عقائد أصحاب الديانت الأرضية الشيطانية من المسلمين وغيرهم . ولن يفيقوا من جهلهم إلا عندما يأتيهم النداء يوم القيامة وهم فى النار: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ )( يس 60 : 62) .

لم يقتنع الأب الضال ، ولم تفلح لهجة ابراهيم الحانية الودودة مع قلب أبيه الغليظ :( قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ). رد بطرد إبنه وتهديده بالرجم إن لم ينته عن دعوته للحق .ورد الابن الحانى (قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا ).

وهنا تأكيد على ان قوم ابراهيم كانوا يعبدون الله جل وعلا ولكن يعبدون معه آلهة أخرى، فابراهيم قال  لأبيه إنه سيعتزلهم وما يعبدون سوى الله جل وعلا الذى يعبدونه و يدعونه يطلبون منه المدد ودفع الضرر ، لذا تقول الآية التالية ( فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ

اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا) ( مريم ـ 49 ).

2 ـ لم يخف ابراهيم من تهديد أبيه ، بل وصل بدعوته الى القوم فأخذ يناقشهم ، يقول لهم :(إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) أى هى مجرد أوثان عبدوها مع الله ، وعبدوها من دون الله جل وعلا الذى يجب ان يكون التقديس والعبادة له وحده، وتلك العبادة الشركية تقوم على الإفك المختلق ، وعلى الزعم بأن تلك الآلهة والأولياء تملك الرزق ، مع أن الذى يملك الرزق وحده هو الله جل وعلا.

وقال لهم :( إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ )( العنكبوت  17 ، 25)، وهنا إشارة اجتماعية هامة لا تزال موجودة فى المجتمعات التى تسيطر عليها الأديان الأرضية الشيطانية ، هى أن تتحول المناسبات الدينية الى مناسبات اجتماعية ،أى تصبح (الموالد ) والأعياد الدينية مناسبات لتكوين الصداقات القائمة على تقديس ذلك الولى وعلى الانتظام والتعود على حضور مولده . ولكن هذه الصداقات الدنيوية ستتحول الى عداء يوم القيامة حين يلعن بعضهم بعضا ويلقى بعضهم اللوم على الآخر ، وتكرر هذا فى القرآن الكريم عن أحوال المشركين فى جهنم.

3 ـ ابراهيم عليه السلام يتكلم هنا من واقع علم الاهى أصبح به نبيا مرسلا ، مذ كان فتى آتاه الله جل وعلا الرشد . وبهذا الرشد خطا خطوة جديدة هى اقتران الدعوة القولية بالدليل العملى ، مما أدى الى محاكمته والحكم باحراقه حيا .

خامسا : محاكمة ابراهيم : أين نحن من قوم ابراهيم ؟

1 ـ محاكمة ابراهيم عليه السلام جاءت موجزة فى سورة( الصافات: 83 ـ ـ) (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ

فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ).

هنا يبادر ابراهيم قومه بسؤال استنكارى عن جدوى عبادتهم للافك ، ومغزى ذلك فى انتقاصهم لرب العالمين ، وردوا بدعوته لحضور عيدهم أو ( المولد ) فاعتذر بأنه سقيم ،أى بتعبرنا ( قرفان ) من رفضهم للحق واصرارهم على الباطل الى درجة أنهم ينسون دعوته للحق بل يطلبون منه حضور تلك الموالد . وبعد أن تركوه ذهب الى مجمع آلهتهم وأصنامهم وقبورهم حيث القرابين والطعام و الذبائح فخاطب الأصنام الحجرية ساخرا : لماذا لا تأكلون ولماذا لا تنطقون ، ثم انهال عليهم ضربا وتكسيرا . وأقبل القوم عليه فى مواكبهم فردد عليهم نفس الحجة إنهم يعبدون ما ينحتونه بأيديهم ، وينسون أن الله جل وعلا هو الذى خلقهم وخلق المواد التى يصنعون منها آلهتهم .وتنهى المحاكمة بقرار إحراقه فى محرقة خاصة يبنونها له خصيصا ، وتأتى رحمة الله جل وعلا فينجيه من الحرق.

2 ـ وجاءت المحاكمة ببعض التفصيل فى سورة (الأنبياء51 ـ ـ ) : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ . فرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا

فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ).

وهنا البدء بالحوار العقلى معهم فيسألهم عن تلك التماثيل التى يعكفون عليها عبادة وتقديسا ، ويردون عليه بأنها من الثوابت التى وجدوا عليها آباءهم ، فيرد عليهم يتهمهم وآباءهم بالضلال المبين ، فيسخرون منه إذ جعل الآلهة الاها واحدا ، فيرد عليهم بالحق ويشهدهم على عقيدته بأن الله جل وعلا هو ربهم ورب آبائهم الأولين ، ويتوعدهم بتدمير آلهتهم لتكون حجة عملية على أنها لا تغنى عن نفسها شيئا .

وتوجه الى أصنامهم فقام بتكسيرها جميعا سوى أكبرها حجما ليجعله ـ حسب اعتقادهم ـ مسئولا عن تدمير أقرانه من الأصنام . أى كان ابراهيم عليه السلام يتوقع منطقهم ويتخذ منه حجة عليهم. وفوجىء القوم بما حدث لآلهتهم،وتساءلوا عن ذلك الظالم الذى ارتكب هذه ( المذبحة )، ومن الطبيعى أنه لا يوجد سوى الفتى ابراهيم ، لذا جاءت الاجابة بأنهم ( سمعوا فتى يذكر تلك الآلهة اسمه ابراهيم ).وأمر الملأ بالقبض عليه وإقامة محكمة علنية له .

أين نحن من قوم ابراهيم ؟

نلاحظ هنا أن قوم ابراهيم كانوا أكثر تحضرا من الأنظمة العربية الحاكمة . قوم ابراهيم لم يحاكموا ابراهيم على دعوته ، ولم يحاكموه حين سبّ آلهتهم وآباءهم ولعن أسلافهم و ( سلفهم الصالح ).  بل حتى لم يحاكموه حين هدد علنا بالكيد لآلهتهم ،كل ما هناك أنهم ردوا عليه ساخرين .

أى بالتوصيف القانونى المعاصر فإن قوم ابراهيم كانوا يؤمنون بحرية الفكر والمعتقد ، بل وحرية التبشير والافصاح عما يعتقده الانسان ، وحرية أن يدعو الآخرين الى اعتقاده حتى لو كانت هذه الدعوة تتضمن سبا للآلهة المقدسة وتهديدا بتدميرها . كل ذلك كان متاحا لابراهيم .

لم يتحركوا ضده إلا حين قام بتدمير آلهتهم . وحين تحركوا ضده كان تحركهم حضاريا ؛ إذ

أقاموا له محكمة علنية ، يتاح للجميع حضورها ، ويتاح له أن يرد بما شاء وبكل حرية على الأسئلة بل ويناقش القضاة ويندد بهم ، وهو مجرد (فتى يقال له ابراهيم )!!.

أين نحن من قوم ابراهيم ؟

قوم ابراهيم لم يجرموا الفكر وإنما جرموا الفعل ، ولم يلجأوا لقوانين استثنائية أو أحكام عرفية ، ولم يحكموا مسبقا بقتل ابراهيم بلا محاكمة.ولم يحدث لابراهيم ـ الذى تخلى عنه أبوه ـ اختفاء قسرى ، ولم يفاجأ بزوار الفجر يقرعون عليه بابه مسلحين بالرشاشات ، وبقبضون عليه ثم حين يخرج مقيدا يفاجأ بجيش من الأمن المركزى و المصفحات والمدافع ، وهو لا يملك سوى (أفكار ) يكتبها ويعلنها ، ليس لديه أسرار بل أفكار تحتاج الى النشر العلنى دون إكراه لأحد فى الدين.

هذا هو الفارق الحضارى بين عرب اليوم وقوم ابراهيم من عشرات القرون .فارق يؤكد أن العرب  فى القرن الحادى والعشرين بعد الميلاد قد ارتكسوا وانتكسوا وعادوا للقرن التسعين قبل الميلاد ـ وقد تفوق عليهم قوم ابراهيم فى حقوق الانسان. ومع أن قوم ابراهيم كانوا ظالمين إلا إن ظلمهم ليس بشىء مقارنة بظلم المستبد الشرقى المعاصر.

وكان الناس شهودا فى المحكمة (قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ).

وفى المحاكمة سألوه:( قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ).لم يبادروه بالاتهام بل بالاستفهام. معنى هذا أنه ربما لو قال : (لا  لم أفعل ، ولا أعرف ) لانتهى الأمر .

فى محاكمات الاستبداد الشرقى التى تتصنع العدل يبدأ الاستجواب ليس بالسؤال (أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا ) ولكن بالاتهام . وفى الواقع يبدأ الاستجواب بالتعذيب حتى يعترف المسكين بالمطلوب منه مقدما، بل أحيانا يرجو المسكين أن يعترف لهم مقدما بكل ما يريدون خوف التعذيب فيرفضون إلا بعد أن يأخذ حقه فى التعذيب ، فتقام له حفلة التكريم ( التعذيب أو الاستقبال )ـ وبعد وجبة أو طريحة أو جرعة التعذيب الروتينى تؤخذ

أقواله ويوقع على المطلوب ، ويقال فى الصحف أنه ( بعد التضييق عليه اعترف ) أى بعد خنقه وكتم أنفاسه اعترف .!   

أين نحن من قوم ابراهيم ؟

سألوه بلهجة لا تخلو من احترام (قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ). نادوه باسمه مع أنه مجرد (فتى يقال له ابراهيم ). هذا مع ان ابراهيم (فعل )(هذا) (بآلهتهم ) المقدسة ، أى انتهك وارتكب فعلا فاضحا بأكبر شىء مقدس عندهم .

وتمتلىء عندنا فى سجون (المسلمين ) بملايين  الأبرياء المسجونين ظلما والمسجونين احتياطيا والمسجونين عشوائيا والمستمر سجنهم بعد انقضاء مدة عقوبتهم الظالمة، و ينادى على الواحد منهم بأقبح الشتائم ، وقد يمنحونه إسما نسائيا للتحقير ـ وقد يؤكدون ذلك باغتصابه حتى يكون له من إسمه نصيب .

أين نحن من قوم ابراهيم ؟

ولأن ابراهيم يعيش فى مجتمع حرّ ليس فيه نظام ارهابى ينشر الرعب ويعتمد على التعذيب ومصادرة حق التعبير , فان ابراهيم يرد بحرية أشبه بالسخرية : (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) ، ويضيف متحديا :( فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ). لو كان ابراهيم يعانى من فرض قانون الطوارىء ثلاثين عاما ، ولو كان قد ذاق ذلّ التعذيب وقسوته ربما ما جرؤ على هذا القول . هذا القول يعتبر إهانة للمحكمة الموقرة فى عرف المستبد الشرقى ، ومفترض أن يرد عليه القاضى بثورة عاتية ، ولكن القضاة هنا (وواضح انهم أكثر من قاض وليس مجرد قاض واحد ) راجعوا أنفسهم ، وتفكروا فى مغزى سؤال ابراهيم ، وهذا بالضبط ما يريده ابراهيم : (فرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ).أى تداولوا فيما بينهم وكأنهم استيقظوا فجأة ، واعترفوا أنهم الظالمون ، بمعنى أن القضاة و المفترض أنهم ضمير المجتمع قد استيقظ  ضميرهم فجأة وأقرّوا بالظلم ، مع أن وظيفتهم تحقيق العدل ، وقد كانوا من قبل يتهمون من دمر الأصنام بأنه من الظالمين

(قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) فاتضح لهم انهم هم الظالمون .

أين نحن من قوم ابراهيم ؟

وهنا سؤال برىء : هل يوجد شىء اسمه الضمير لدى قاض يعمل أداة فى نظام استبدادى ؟ وهل يوجد قاض ذو ضمير يرضى لنفسه أن يحكم بقوانين استثنائية أو عرفية أو أمنية أو طوارىء ؟ إن التراب الذى كان يسير عليه القضاة الظالمون الذين حكموا على ابراهيم عليه السلام بالحرق ، أطهر ألف مرة ومرة من جباه قضاة عصرنا العاملين خدما للمستبد الشرقى .!

قضاة ابراهيم كان لا يزال فيهم ضمير يتحرك ، وينجح فى أن يجعلهم يشعرون بالخزى والعار.  فى حالة من الخزى نكسوا رءوسهم معترفين لابراهيم بأنها أحجار لا تنطق فكيف يمكن سؤالها واستجوابها :(ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ ). وهنا حقق ابراهيم النصر الذى كان يرجوه والذى من أجله كسّر الأصنام .

هل حدث فى عصرنا أن انتصر متهم برىء على القاضى ، وألجمه وأفحمه بالحجة الدامغة ؟ هل يجرؤ فى عصرنا أن يصرخ متهم فى قفص الاتهام فى القضاة يؤنبهم ويقيم الحجة عليهم مثلما فعل ابراهيم :(قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِمَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ). حين قالها ابراهيم انقلبت الطاولة عليهم ، فقد أصبح القاضى مدانا وأصبح المتهم قاضيا .

على إن ابراهيم لم يكتف بسبّ آلهتهم ووصفها بأنها لا تنفع ولا تضر، بل واجههم جميعا بالسخرية والازدراء والاحتقار فقال: (أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ).

هنا أدرك الملأ والقضاة أن جاههم مرتبط بتلك الآلهة المزعومة،وأن الدفاع عنها ونصرتها هو دفاع عن مكانتهم فى المجتمع . فقد كانوا بين أمرين :إما أن يعترفوا بالحق ويصيروا أتباعا لهذا الفتى صغير السن ، وما يعنيه ذلك من أقرار منهم بأنهم كانوا قبل ذلك حميرا ومواشى لا تفقه ولا تعقل ، وظلوا هكذا الى أن أفاقوا على دعوة هذا الفتى ابراهيم ،

وإما أن يدافعوا على مكانتهم وجاههم وباطلهم ، وهنا لا بد أن يكون الحكم قاسيا على ابراهيم .

هذا ما جرى فى حجرة المداولة :( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ). وصدر الحكم باحراق ابراهيم بدلا من أن يكون لهم قائدا وزعيما. وأنجاه رب العزة (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ).

وصل ابراهيم بدعوته الى الجذور العقيدية للأديان الأرضية ، فمنبعها هو الشيطان ، فهو الصانع الحقيقى لخرافات الكرامات والمعجزات التى تحاك حول القبور المقدسة والأحجار المقدسة ، وهو   مصدر الوحى المفترى الذى يتطاول على الوحى الالهى .

وأوصل ابراهيم قضاة عصره الى الجذور الاجتماعية للأديان الأرضية . مفترض أن تلك الآلهة المزعومة وأصنامها وأنصابها وقبورها هى التى تنفع وتضر فكسرها ابراهيم ليثبت أنها مجرد أحجار صماء ، لاشأن لها بمن يتبول عليها أو يتوسل بها . إتضح للقضاة أنهم هم المطالبون بنصرة هذه الأحجار الصماء ، وذلك بإحراق ابراهيم لكى يكون عبرة لكل من يفكر ويتعقل ،لأن العقل خصم للخرافة . (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ). أتضح لهم أن القضية ليست تلك الأحجار ولكنها استدامة وجودهم فى السلطة ، فطالما بقى العقل محجوبا خاضعا للخرافات الدينية فلا يمكن أن يثور على الخرافات السياسية مطالبا بالعدل والحرية و المساواة ، وسيظل راضيا بالظلم مكتفيا بالتوسل بالآلهة كى ترفع عنه ( شر الحاكم الظالم ).

أخيرا

قلنا ونكرر أن القصص القرآنى فى تركيزه على العبرة قد يكرر نفس القصة ، ولكنه لا يهتم بعناصر الحدث التاريخى من تحديد المكان والزمان وأسماء أبطال الأحداث فى القصة . وفى قصة ابراهيم لم يذكر رب العزة اسم المدينة ولا وقت الحادثة ولا أسماء الشخصيات المشاركة فى صنع الأحداث. ولكن تكررت تفصيلات لتؤكد على العبرة والعظة ، لأن القرآن الكريم ليس كتابا فى التاريخ أو مجرد التشريع أو العلوم ، ولكنه كتاب فى الهداية . وفى الدعوة للهداية جاء القصص للوعظ .

ولكن هل استفاد المسلمون بوعظ القرآن الكريم ؟ وهل استفادوا بوعظ قصة ابراهيم عليه السلام ؟

الاجابة معروفة ، ليس فقط فى سياق المقارنة بين أحوالنا اليوم وحال قوم ابراهيم ، ولكن أبضا فى حديث أبى هريرة فى البخارى الذى يتهم ابراهيم بأنه كذب ثلاث كذبات.

الله جل وعلا يشهد لابراهيم انه كان صديقا نبيا ، اى لم يكن مجرد صادق بل صديق ، وأنه كان صديقا قبل ان يكون نبيا ، والله جل وعلا  يجعل ابراهيم إماما للناس فى صدقه وتقواه ، وذلك بعد أن نجح ابراهيم فى كل الاختبارات :(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ( البقرة  124 ). نجح فيها بتفوق أى (وفّى ) : (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) ( النجم 37 ). ولكنه عند البخارى وأبى هريرة كذاب .

فى الحقيقة فإن ابراهيم عليه السلام نقطة محورية ؛ من مواقف الناس منه نعرف هل هم على الباطل أم على الحق، فمن يعرض عن ملة ابراهيم هم من السفهاء: (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ )(البقرة  130 )، ومن يوالى ابراهيم وينصره فقد والى الله جل وعلا ورسله:( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(آل عمران  68). وبالتالى فإن من يتهم ابراهيم بالكذب يكون سفيها عدوا لله تعالى ورسله. وهذا ينطبق على  ابى هريرة والبخارى ومن يقدسونهما ، وقد اتهموا ابراهيم بأنه كذاب ، وبأنه كان يكذب حتى يتيح للملك أن يزنى بزوجته سارة . !! هل يرضى أحدكم أن يوصف بالكذب و التعريص على زوجته ؟

ولكن أعداء ابراهيم عليه السلام اتهموه بتلك التهم الحقيرة ، وهم الأحق بها .. عليهم لعنة الله جل وعلا و الملائكة و الناس أجمعين أكتعين أبصعين .. أخرى معظمها أقوال

اجمالي القراءات 19313

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (8)
1   تعليق بواسطة   نورا الحسيني     في   الأحد ١٦ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47870]

ولنا في رسول الله ابراهيم الأسوة الحسنة

لنا في خليل الله ابراهيم عليه السلام الأسوة الحسنة فكما قال الدكتور أحمد صبحي منصور في البحث "ولكى نتعلم من تجربة ابراهيم فى الهداية فاننا نلاحظ انه هو الذى جاء الى ربه مبادئا مبادرا طالبا الهداية باحثا عنها . يقول تعالى (إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) لإنّ أول خطوة فى الهداية أن تبحث أنت بنفسك عنها طالبا إياها من ربك مخلصا عازما على إتباع الحق ، بهذا تكون قد أتيت الى ربك جل وعلا : ( بقلب سليم ). والعكس أن تكون ذا قلب مريض مظلم مصمم على ما هو فيه ن ولا يرى الهداية خارج ما توارثه عن أهله ".


نعم من كان طالبا الهداية وبحث عنها بقلب سليم فسوف يهديه الله لطريقه المستقيم ويبعدعنه أذي مكر الماكرين ، أما من كان عكس ذلك بمعنى أنه لا يطلب الهداية وليست هدفه ولكن مجرد جدل عقيم لكي يثبت لنفسه أنه على حق وأن من يخالفه على خطأ ويظل يجادل ويعارض ويتهم المخالفين له بكل أنواع الاتهامات الباطلة فهذا لا أمل فيه لأنه يحمل قلب مريض ولا يحاول أن ينقيه ويطهره بالعمل الصالح والبحث عن صحيح الإيمان .

 


2   تعليق بواسطة   محمد دندن     في   الأحد ١٦ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47875]

رابط متعلق بالمقال

لمن يريد قراءة المقال السابق الذي أشار إليه السيد الدكتور في مطلع هذا المقال...و لتسهيل الأمر عليكم هذا هو الرابط


http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=102


3   تعليق بواسطة   Brahim إبراهيم Daddi دادي     في   الثلاثاء ١٨ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47895]

هل يريد البخاري وأبا هريرة، أو الذي وضع هذه الرواية في ( الصحاح)، هل يريد أن يقول إن إبراهيم عليه ال

أكرمك المولى تعالى أخي الحبيب الدكتور أحمد، على هذا المقال والجهاد في سبيل الله، لإعلاء أحسن الحديث، ودحض لهو الحديث الذي نسب إلى الرسول الأمين ذي الخلق العظيم، وربما قد نسبت هذه الرواية أيضا إلى أبي هريرة الذي لم يصاحب الرسول محمدا إلا سنتين أو ثلاثة على الأكثر، لأنه دخل الإسلام في السنة السابع للهجرة وتوفي الرسول في السنة العاشرة...

فهذا المقال أعتبره من أسباب الهدية لمن يشاء الهداية واتباع الصراط المستقيم، لما فيه من الكذب الواضح، فمثلا قيل عن أبي هريرة أنه قال: إن أبا هريرة قال قالت اللهم إن يمت يقال هي قتلته.أهـ

نلاحظ أن أبا هريرة كأنه كان الشاهد لهذا الجبار، فهو يروي لنا وقائع الحدث بالتفصيل، فهل كان أبا هريرة من ذرية إبراهيم عليه السلام؟ أم كان من خدم الملوك الجبابرة؟؟؟

إليكم أعزائي القراء الروايات المختلفة عن حدث واحد، وعن نفس أشخاص الحدث، وهي في ( الصحاح) المعتبرة عند الدكتور عبد المهدي وأمثاله ـ المتّخذين من لهو الحديث تجارة مربحة... ـ أن ما بين دفتيهما ( الصحاح) كله من الوحي، نعوذ بالله من الخذلان يوم الدين.

جاء في البخاري:

2104 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم هاجر إبراهيم عليه السلام بسارة فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فقيل دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء فأرسل إليه أن يا إبراهيم من هذه التي معك قال أختي ثم رجع إليها فقال لا تكذبي حديثي فإني أخبرتهم أنك أختي والله إن على الأرض مؤمن غيري وغيرك فأرسل بها إليه فقام إليها فقامت توضأ وتصلي فقالت اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر فغط حتى ركض برجله قال الأعرج قال أبو سلمة بن عبد الرحمن إن أبا هريرة قال قالت اللهم إن يمت يقال هي قتلته فأرسل ثم قام إليها فقامت توضأ تصلي وتقول اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي هذا الكافر فغط حتى ركض برجله قال عبد الرحمن قال أبو سلمة قال أبو هريرة فقالت اللهم إن يمت فيقال هي قتلته فأرسل في الثانية أو في الثالثة فقال والله ما أرسلتم إلي إلا شيطانا أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها آجر فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام فقالت أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة.

البخاري ج 2 ص 772 قرص 1300 كتاب.

وفي مسلم ج 4 ص 1840 قرص 1300 كتاب.

 


4   تعليق بواسطة   Brahim إبراهيم Daddi دادي     في   الثلاثاء ١٨ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47896]

بتبع

هل يريد البخاري وأبا هريرة، أو الذي وضع هذه الرواية في ( الصحاح)، هل يريد أن يقول إن إبراهيم عليه السلام كان ديوثا؟؟؟

وجاء في المكتبة الشاملة في البخاري ومسلم:

3108 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ الرُّعَيْنِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ

لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ

{ إِنِّي سَقِيمٌ }

وَقَوْلُهُ

{ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا }

وَقَالَ بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنْ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَ أُخْتِي فَأَتَى سَارَةَ قَالَ يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي فَلَا تُكَذِّبِينِي فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتْ اللَّهَ فَأُطْلِقَ ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ فَقَالَ ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ فَقَالَ إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ مَهْيَا قَالَتْ رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ أَوْ الْفَاجِرِ فِي نَحْرِهِ وَأَخْدَمَ هَاجَرَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ

البخاري ج11 ص145 المكتبة الشاملة,

وفي ج16ص24 من نفس الكتاب,

وتجدون التفصيل في مسلم ج 12 ص70 المكتبة الشاملة,


نعم لعنة الله على الكافرين الظالمين الذين يكْذبون ويؤيدون الكذِب على الله ورُسله فغرتهم الحياة الدنيا، واستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله والآخرة. اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ(19). المجادلة.


شكرا لك أخي الحبيب الدكتور أحمد مرة أخرى جعلنا الله تعالى ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويضحكون من الكفار يوم الدين، ونعوذ بالله تعالى أن نكون ممن اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا.


5   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الثلاثاء ١٨ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47907]

فعلا هناك ندية في المحاكمة، ولكن مالسر في كلمة أطمع ؟

  الملاحظ أن إبراهيم عليه السلام في أثناء محاكمته لم يحدث تعتيم على حججه المنطقية كما يحدث هذه الأيام ،ولم يأمره القضاة بأن يكف عن الكلام ،بل واصل إدلائه بأسباب تحطيمه للأصنام بكل إصرار،وهذا ما يعتبره أهل القانون في عصرنا " العمد والترصد" لأنه قصد إلى تحطيم الآلهة وبإفحام القوم في محاكمة علنية بحجج منطقية  ، ووصل إلى السخرية من الآلهة !! و ذكر مبررات من يستحق العبادة هو الله سبحانه الواحد الأحد الذي خلق وهدى وأطعم وسقى ، وهو من يشفي من المرض سبحانه ، ثم هو من يميت ويحيي ، وإذا لاحظتم معي أن إبراهيم عليه السلام برغم من أنه نبي قد م\حه ربه بأنه قد أتى الله بقلب سليم من الشرك وأخذ بزمام المبادرة إلى التوحيد إلا أنه لم يقل مباشرة " يغفر لي خطيئتي  " ولكن قال"  أطمع " قبلها  فلماذا  ؟ في هذه الآيات في سورة الشعراء : "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ{69} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ{70} قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ{71} قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ{72} أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ{73} قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ{74} قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ{75} أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ{76} فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ{77} الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ{78} وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ{79} وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ{80} وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ{81} وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ{82} رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ{83}


6   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأربعاء ١٩ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47925]

شكرا أحبتى وأقول :

 شكرا للاضافات التى تكرم بها الاستاذان محمد دندن و ابراهيم دادى . وفى الحقيقة كنت أريد كتابة الرابط ، وكنت  اريد إضافة الأحاديث ولكن ضيق الوقت حال دون ذلك. لهذا أعتبر أبحاثى ومقالاتى  ـ فى ظل ضيق الوقت وكثرة الانشغال والهموم ـ مجرد كتابة أولية تحتاج منكم التعديل و التنقيح . لذا أسعد حقيقة بإضافاتكم و انتظرها .


والاستاذة عائشة حسين عودتنا على تعليقات ثرية وأسئلة ذكية . وأقول لها إن دعاء أبينا ابراهيم ( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ{82} رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ{83}  ) هو من أروع أساليب الدعاء ، و هذا يستدعى شرحا مطولا ـ لا محل له هنا ـ ولكن بايجاز :


لنتذكر أن الذى يطلب الغفران هو ابراهيم الذى وفّى والذى ما كان فى حياته أبدا من المشركين ، ومع ذلك فهو لا يزكى نفسه على الله جل وعلا بل يدعو ربه بكل خشوع وخضوع راجيا ( طامعا ) أن يغفر له خطاياه يوم الدين ؟.وأنا لا أتصور لابراهيم عليه السلام خطايا ـ ولكن هذا ما يقوله عن نفسه ، ثم يدعو ربه ليلحقه بالصالحين ، أى فى آخر عربة من قطار الصالحين ، هذا  ما يقوله خليل الله ابراهيم عن نفسه ، بينما تجد الواحد منا لو صلى ركعتين انتفخ بهما واقتنع أنه سيجالس الأنبياء فى الجنة ، وهذا مع أننا نطلق على كل من هبّ ودبّ أنه من ( الصالحين ) لمجرد أنه يطلق على الناس لحيته ..


7   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الخميس ٢٥ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[82948]

محاكم التفتيش ، ولمحة تاريخية


ازدهر مصطلح (محاكم التفتيش ) عندما  سقطت حيث قامت تلك المحاكم بارغام المسلمين على التنصر ومحو آثار المسلمين، وتراثهم الذي ازدهر في هذه البلاد زهاء ثمانية قرون من الزمان. وكانت محاكم التفتيش هى الأداة التى استعملها "فرناندو" زهاء عشرين عامًا بعد سقوط الأندلس حيث أنشئت تلك المحاكم بمرسوم بابوي صدر في (رمضان  ; بالتدريج محاكم التفتيش فى اوربا لمطاردة الخارجين على الكاثولوكية بتهمة الهرطقة. بدأ ذلك قبل القرن الثاني عشر،  حيث تأسست مجالس كنسية مكونة من الأساقفة ورؤساء الأساقفة تحت مصطلح محاكم التفتيش.ثم تطورت في القرن الثالث عشر حين منح البابا كامل سلطته فى محاكم التفتيش للدومينيكايين، فسيطروا بها على السلطات المحلية واستخدموها فى محاكمة المهرطقين على كل المستويات . وإستمرت على هذا الحال حتى القرن التاسع عشر، وبدء اليقظة الأوربية .ومع أن الاسلام يحارب الكهنوت والسلطة الدينية إلا أن استغلال الاسلام فىالسياسة أقام دولا مستبدة تتمسح بالاسلام ،وأنتج أديانا ارضية باسم السنة و التشيع ، وأنشأ محاكمات دينية مذهبية يفرضها صاحب السلطان على مخالفيه فى المذهب أو الدين الأرضى. وقد اضطهد المعتزلة ابن حنبل ثم قام الحنابلة السنيين باضطهاد خصومهم من المعتزلة و الشيعة والصوفية واهل الكتاب ، ثم قام الصوفية باضطهاد ابن تيمية والبقاعى.وتعرض كثيرون للسجن والتعذيب، ومنهم من لقى حتفه كالحلاج واحمد بن نصر الخزاعى والسهروردى.

8   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الخميس ٢٥ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[82949]

القرآن الكريم يذكر اقدم محاكمة تفتيش عرفها البشر


إنها المحاكمة التى أقامها قوم ابراهيم له حين كان فتى ناشئا وقام بتدمير أصنام قومه. وقد أدرك ابراهيم الحق بحوار مع نفسه ، ثم عندما عرف الحق أدرك عبث ما يصنعه قومه حين يقومون بنحت التماثيل ثم تقديس ما يعبدون وعبادة ما ينحتون . تأمل وتدبر هذه المحاكمة ـ كما جاء فى القرآن الكريم ـ يشعرنا بالعار على ما وصلنا اليه نحن العرب و المسلمين ، إذ ـ ونحن فى القرن الحادى و العشرين ـ نتأخر حضاريا عن قوم ابراهيم آلاف السنين . ذكر القرآن الكريم الحوار العقلى الباطنى فى داخل ابراهيم وكيف اهتدى الى انه لا اله سوى الله جل وعلا ( الأنعام 75 ـ   ) وكيف واجه أباه الكافر المشرك بعد ان اقتنع الابن الشاب بضلال أبيهثم كيف حاور قومه ثم واجههم بصيغة عملية فدمر اصنامهم،ثم كيف جادل الملك الكافر الذى ادعى الالوهية،وفى النهاية تركهم مهاجرا الى الله تعالى فهبط من شمال العراق الى جنوب الشام. ونقتصر من ذلك التاريخ المبارك لخليل الله ابراهيم عليه السلام على قصة محاكمته الفريدة وما سبقها.



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4979
اجمالي القراءات : 53,301,107
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,621
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي