الإنبهار بالغرب.. وجلد الذات

عثمان محمد علي   في الأربعاء ١٨ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً


الإنبهار بالغرب.. وجلد الذات

هناء عبيد

 

 

 

ربما الكثير منا تمنى في إحدى مراحل حياته أن يزور بلاد الغرب أو أمريكا، ليتعرف على شعوبها التي كثيرا ما بهرنا بها، من خلال قراءاتنا لبعض ما سرده كثير من الكتاب الذين عايشوا هذه الشعوب، من خلال زيارتهم لهذه البلدان، لغايات الدراسة أو غيرها

 

 

كما وانبهر الكثير منا بأفلامهم السينمائية وما تصوره من حياة رقي وحضارة وطبيعة خلابة وما إلى ذلك من امور أخرى سلبت عقول البعض واستولت على تفكيره

 

ولا أنكر بأني كنت واحدة من هؤلاء الذين كان لهم الفضول في التعرف على هذه البلاد العجيبة كما نطلق عليها.  وبما أن الظروف فرضت علي كما غيري غربة، فقد اخترت وقصدت هذه البلاد للتعرف عليها عن كثب، وقد حطت بي الرحال في أمريكا، كبرى دول العالم. 

 

ولا أنكر أنه بالرغم من الغربة القاسية والبعد عن الأهل والأوطان،  إلا أنه كان لهذه الغربة ثمارها، والتي من خلالها استطعت أن أشبع فضولي وتلهفي للتعرف عن كثب على عادات وتقاليد شعوب العالم، وبلا مبالغة أقول شعوب العالم، لأنه قدر لي أن أعيش في مدينة شيكاغو إحدى أكبر مدن الولايات المتحدة، والتي تعتبر من أكبر مدن العالم التي يقطنها مختلف أنواع البشر من جميع الجنسيات والمذاهب الدينية والأعراق المتنوعة، وهذا بحد ذاته يعتبر منبعا ومنهلا لدراسة علم الأنثروبولوجي وعلم الإجتماع الذي يستهوي الكثير معي

 

 

من خلال تواجدي في هذه المدينة المتنوعة، أتيحت لي الفرصة بالتعرف على كثير من الجاليات المتنوعة الجنسيات والمذاهب، حيث ربطتني صداقات بالكثير من سيدات هذه الجاليات واللاتي كنت ألتقي بهن إما عن طريق مدارس أولادي أو الدراسة في بعض الكليات أو بعض نوادي الأطفال أو العمل.. إلخ. 

 

حيث تعرفت على صديقات من مختلف بقاع الدنيا كإيطاليا، كوريا، الهند، الفلبين، المكسيك، باكستان، الصين، بولندا، ألمانيا، السويد، وغير ذلك من بلدان لا عد لها ولا حصر

 

 

ومن خلال هذه الصداقات المتنوعة استطعت أن أتعرف على كثير من عادات وتقاليد هذه الشعوب المختلفه.  حيث كان الفضول بالتعرف على خبايا ومكنونات هذه البشر يدفعني للتعمق في سؤالهم عن جوانب عدة في حياتهم "فضول العلم بالشىء وليس الحشريه". 

 

إذ كنت أرصد كل ردات فعلهم وكيفية تجاوبهم مع الأحداث ونظرتهم إلى الأمور الحياتيه والدينية، وغير ذلك مما يشبع فضولي في علم الإنسان.

 

ومن خلال ما يقارب الستة عشر عاما من التعامل مع هذه الإختلافات الكبيرة في العادات والتقاليد والديانات، لم ألحظ فروقا شاسعة بيننا وبينهم تبرر انبهارنا الشديد بسلوكياتهم التي تجعلنا نعتقد وكأنهم شعوبا منزهة عن الأخطاء. إذ نتشابه جميعا في معظم الأمور، من ردات فعل، وسلوكيات وعاطفة وتفكير، ويتواجد الطيب في هذه الشعوب تماما كما يتواجد الخبيث. 

 

فمثلا يمكن أخذ أمثلة رائعة من المجتمع الأمريكي يضرب بها المثل لسمو ضمائرها، ورقي سلوكها، والعكس صحيح، وهذا ما نجده أيضا في مجتمعاتنا. كذلك مشاهد الفوضى والسلبيات نجدها ايضا في بلاد الغرب، تماما كما نجدها في بلادنا ولكن ربما تكون بكميات وتجاوزات اقل شدة.  ولا شك أن الظروف والانظمة والقوانين لها الدور الكبير أحيانا في توجيه سلوكيات الأفراد.  

 

ولنأخذ على سبيل المثال، كيفية معاملة الأطفال في أمريكا ومعاملتهم في بلادنا.  إذ كثيرا ما نتغنى بكيفية معاملة الغرب لأطفالهم وما يلقونه من إحترام لآرائهم وعدم أيذاء لمشاعرهم، على النقيض من معاملتنا لأطفالنا والتي تتسم بالعنف والهمجية كما يحلو للبعض أن يصفها. 

 

وقد يكون في ذلك قليلا من الصحة، ولكن، علينا أن ندرك بأن هناك أنظمة وقوانينا تحمي حقوق الطفل في هذه البلاد، وهناك عقوبات رادعة لمن يتجاوزها.  وعلى الرغم من ذلك، فإن القوانين تخفق أحيانا في حماية الطفولة، إذ كثيرا ما يتعرض أطفال أمريكا لعنف وقسوة في الكواليس بعيدا عن عيون القانون. وكثيرا ما تعرضت المذيعة الأمريكية الأكثر شهرة عالميا أوبرا وينفري لهذا الموضوع، وعرضت حالات كثيرة لأطفال تعرضوا للعنف والقسوة من قبل أهاليهم وبشدة لم نرى لها مثيلا في بلادنا

 

كذلك نضرب دائما المثل بإنسانية الغرب ومدى شفافية العاملين في المؤسسات الصحية ومدى مراعاتهم للمرضى، والرحمة التي تغمر قلوب أطبائها وممرضيها، ونتهم أطباءنا بالصلابة وعدم الانسانية، ونثقل في ذمنا للفوضى التي تمتاز بها بعض مرافقنا الصحية. 

 

وقد يكون أيضا هناك شيئا من الصحة، ولكن علينا أن لا ننسى الميزانية الضخمة التي تخصص لهذه المرافق الصحية، والرواتب المغرية التي يتقاضاها الأطباء والممرضات، والتي هي على العكس تماما من رواتب أطبائنا الذين تجوز عليهم الزكاة.  وتنتفي الانسانية من هذه الكوادر والمرافق بمجرد ان يدخل العامل المادي في الموضوع، اذ ان جميع المستشفيات الخاصة لا يمكنها قبول ادخال أي مريض قبل التأكد من أنه مؤمن صحيا، مهما بلغت سوء صحته، الا في الحالات الطارئة. وإلا فإنه يتوجب عليه أن يدفع مبلغا مقدما ليتم قبول علاجه.

 

وقد تكون فوضى السير وعدم اتباعنا القواعد المرورية من أهم الأمور التي ننتقدها بشدة في مجتمعاتنا، ونعتقد بأن نظام وقواعد السير في الغرب وأمريكا لا يمكن للمواطن اختراقها، والحقيقة غير ذلكحيث على سبيل المثال، تكون السرعة جنونية في طرق الخط السريع، وفجأة وبدون سابق إنذار، نفاجأ بالالتزام التام بالسرعة المحددة والقوانين، لنكتشف فيما بعد بأن هناك دورية شرطة على مقربة من المنطقة التي تم الالتزام عندها، وما تلبث الدورية بالابتعاد حتى تعود السرعة لأقصاها.

  

هذه أمثلة ضئيلة جدا من حقائق كثيرة لا يتسع المجال هنا لذكرها، والتي لا تنفي بالطبع بأن هناك الكثير من المزايا الرائعة لكثير من مرافق الحياة في أمريكا. ولكن للاسف ما زالت "عقدة الخواجا" تسيطر على الكثير منا لدرجة وان جعلنا من الغرب ملاكا منزها معصوما عن الخطأ، وبالغنا في جلدنا لأنفسنا وأطلق البعض منا صفات الهمجية والعنف واللاإنسانية على تصرفاتنا حين مقارتنا بالغرب.  فكفانا جلدا للذات "فما فينا يكفينا" كما يقول المثل.

 

لهذا كان من اللازم علينا البحث عن الأسباب الحقيقية التي تجعل شعوب الغرب يظهرون في صورة متقدمة وحضارية، لنحذو حذوها، بدلا من محاسبة الذات وإلقاء اللوم على عاداتنا وتقاليدنا وأدياننا ومعتقداتنا التي لا علاقة لها بتأخرنا لا من قريب ولا من بعيد.

 

الحقيقة الموضوع طويل ومتشعب ويحتاج الى تحليل عميق للالمام بجميع جوانبه "حيث أخذت هنا جانب المعاملات فيه فقط دون التعرض للجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية"، وحاولت الاختصار قدر المستطاع لانتهي، بان انبهارنا بشعوب الغرب قد يكون له ما يبرره ولكن ليس بالقدر الذي نضعه فيه. 

 

وإن هناك كثير من الاخطاء التي لا عد لها ولا حصر تحدث في بلاد الغرب التي وضعناها في صورة الملاك المنزه المعصوم عن الخطأ "تماما كما يحدث في بلادنا".  وللحديث بقية.  

 

اجمالي القراءات 8856
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الإثنين ٣٠ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[50819]

سبع فوائد

لا شك أن للسفر كما يقولون سبع فوائد ، إلا أن السفر لأمريكا له وضع خاص عند أغلب الشباب الذي يطمح في حياة  آدامية يعامل فيها كإنسان له حقوق  ،فتأشيرة أمريكا  حلم يراود كثيرين  ،ويزيد عدد  الحالمين في التأشيرة كلما ساءت الأحوال في البلد، وانعدمت الفرص وسيطر على القلة القليلة منها ذوي النفوذ أو أعضاء الحزب الحاكم !


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق