رقم ( 3 )
القاموس القرآنى ( صدق ): (1 ) : بمعنى الايمان والتصديق

القاموس القرآنى ( صدق ): (1 ) : بمعنى الايمان والتصديق

  

القاموس القرآنى ( صدق ):  (1 ) : بمعنى الايمان والتصديق

مقدمة :

1 ـ المحمديون إتخذوا القرآن مهجورا ، وينطبق عليهم ما جاء فى القرآن الكريم من عقاب دنيوى ، ونراه يحتل الأخبار فى العالم كله . وهناك باب بحثى بمقالات عن  القرآن وكيف يتحقق واقعا فى التاريخ ، ومنهجنا الاصلاحى أن نحتكم الى القرآن الكريم فى أحوال المحمديين فى الماضى وفى الحاضر . لهذا أقول أحيانا فى ختام المقالات (ودائما : صدق الله العظيم .! ). إن لم يكن أهل القرآن هم الذين يقولون (  ودائما : صدق الله العظيم .!   ) فمن غيرنا يقولها ؟!!

مقالات متعلقة :

2 ـ  جاءنى سؤال يقول:( بعد تلاوة القرآن الکريم،يقول السنّي: صدق الله العظيم. والشيعى يقول: صدق الله العلي العظيم. وانتم تقولون:ودائما صدق الله العظيم. ما حکمه ؟ أليست هذه التعبيرات بدعة ؟ و أيّها افضل؟)  

3 ـ  يمكن الاكتفاء بالرد فى فتوى تقول إن الأمر بالقول ( صدق الله ) جاءت فى قوله جل وعلا : ( قُلْ صَدَقَ اللَّهُ )(95) آل عمران ) ، ويكفى قوله جل وعلا : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً (87) النساء) ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً (122) النساء)، ولأننا  ( دائما ) نستشهد بالقرآن الكريم فى إصلاح ( المحمديين ) فالأفضل أن نقول (ودائما : صدق الله العظيم .! ).

4 ـ ولكنها فرصة للتوقف مع مصطلح ( صدق ) ومشتقاته فى القرآن الحكيم .

ونبدأ بما يخص الايمان والتصديق

أولا : وصف القرآن الكريم بالصدق :

1 ـ يقول جل وعلا عن تمام القرآن الكريم وأنه لا مبدل لكلماته : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) الانعام  ). نلاحظ أن هذه الآية القرآنية الكريمة نزلت فى مكة ، وكان الكتاب لا يزال يتنزل . وقلنا فى بحث عن ( ليلة القدر هى ليلة الاسراء ) إن الكتاب نزل مرة واحدة على قلب النبى فى ليلة القدر التى هى ليلة الاسراء ، ثم كان يتنزل متفرقا قرآنا مقروءا الى أن تم نزولا ومات بعدها النبى محمد عليه السلام . فقوله جل وعلا :( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ )  تشير الى تمام نزوله مرة واحدة كتابا على قلب النبى حين رأى جبريل . ومن ذلك قوله جل وعلا فى سورة مكية (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا (1) قَيِّماً ) الكهف ).

وهذا النزول للكتاب موصوف بأنه صدق وعدل وأنه لا مبدل لكلماته فى القرآن الكريم . ونظير ذلك قوله جل وعلا فى نفس سورة الكهف : (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27 ) . المحمديون يكذبون رب العزة هنا إذ يزعمون أن كتاب الله جل وعلا ليس تاما بل هو ناقص وأن كتبهم التى يقدسونها هى التى تكمله وتبدل أحكامه ، وإخترعوا اسطورة النسخ بمعنى الإلغاء لأحكام القرآن الكريم وزعموا أن أحاديثهم تنسخ أى تلغى أحكام القرآن الكريم . جدير بالذكر أن آية (115 )  من سورة الانعام جاءت فى سياق يؤكد أن أحاديث المحمديين وغيرهم من خرافات الأديان الشيطانية ليست سوى وحى شيطانى . يقول جل وعلا : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116 ) الانعام ). وبالتالى فإن أولئك الأئمة هم أعداء النبى محمد عليه السلام  ، وهم أظلم البشر .

2 ـ وفى هذا يقول جل وعلا : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33) الزمر ) . وهنا نى وصف رب العزة جل وعلا للقرآن بأنه ( صدق ) وأن الرسول جاء بهذا الصدق .

ثانيا : القرآن الكريم ( مصدق ) لما سبقه من الكتب السماوية

1 ـ تكرر كثيرا صف القرآن الكريم بأنه ( مصدق ) لما سبقه من كتب سماوية سابقة ، من ذلك قوله جل وعلا :(وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)يونس:37 )، ( مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)يوسف:111 ) (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) الأنعام:92 )(وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً )الأحقاف:12 ) (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ َ)آل عمران:3 )(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ  )المائدة:48 )(وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ )فاطر:31 ). وقال جل وعلا عن خاتم النبيين : (بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ)الصافات:37 )

2 ـ وتكرر نفس المعنى فى قوله جل وعلا عن الوحى لكل الأنبياء: ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً (164) النساء ) وفى قوله جل وعلا عن أُسُس التشريع الواحدة  لكل الأنبياء: ( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )(13) الشورى ) وفى قوله جل وعلا عما يُقال لنبى وما كان يقال للأنبياء من قبله ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ) (43) فصلت) وعن الأساس الايمانى ب ( لا إله إلا الله ) فى كل الوحى الالهى : (  وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) الانبياء ) وفى التحذير من الشرك لكل الأنبياء (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (65)الزمر ) .

3 ـ وقت نزول القرآن الكريم كان مع أهل الكتاب فى الجزيرة العربية التوراة الحقيقية والانجيل الحقيقى ، لذا نزلت الآيات تدعوهم الى الايمان بالقرآن الذى يصدّق ما معهم من التوراة والانجيل . قال لهم رب العزة جل وعلا : (وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ ) البقرة:41 ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ  ) النساء:47 ).

4 ـ ولكن كثيرين منهم كفروا بما نزل مصدقا لما معهم . وهذا يخالف المنطق ، فإذا كانوا يؤمنون بالتوراة والانجيل فلا بد أن يؤمنوا بنفس الحقائق التى جاء بها القرآن الكريم . قال جل وعلا عنهم : (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)البقرة:89 ) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ ) البقرة:91 )، (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ)البقرة: 101 ). بل أعلنوا عدءهم لجبريل الذى بالكتاب على قلب النبى فقال جل وعلا : (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)البقرة:97 )

 5 ـ وقبل خاتم النبيين ـ عليهم جميعا السلام ـ كان كل نبى يأتى مصدقا لمن سبقه من أنبياء وبما نزل عليه من كتاب،وبهذا أخذ الله جل وعلا العهد والميثاق على أنفسهم قبل وجودهم الحسى ، قال جل وعلا : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) آل عمران:81 ). وعيسى عليه السلام كان مصدقا لما سبقه من التوراة وكانت رسالة الانجيل مصدقة للتوراة ، قال جل وعلا عنه : ( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)المائدة:  46 ). وهذا ما أعلنه عيسى عليه السلام لقومه ، قال لهم : (وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ ) آل عمران:50 )، و قال جل وعلا : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) الصف: 6 )

ثالثا : التصديق ( من الصدق فى الايمان ):

  ( صدّق ) بمعنى ( آمن ) .

  1 : منه الايمان بالخالق جل وعلا :  (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) الواقعة ) تصدقون أى تؤمنون . بعدها يقول جل وعلا : ( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ(59)  )الواقعة:57 ).

  2 :وعن الايمان بيوم الدين جاء مصطلح التصديق فى قوله جل وعلا : (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) المعارج:26 ). وهذا ما سيعترف به البشر عند البعث، قال جل وعلا : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنْ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ(51)قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) يس:52 )

  3 : ويتبع الايمان باليوم الآخر أو التصديق باليوم الآخر التصديق بالحسنى أى الجنة والعمل الصالحات للفوز بها ، والناس هنا نوعان ، قال جل وعلا : ( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ( 10) الليل ). قوله جل وعلا : (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى)الليل:6 ) يعنى آمن بالجنة ، فالجنة هى الحسنى وهى جزاء المحسنين ، قال جل وعلا : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) النجم ). فالحسنى اسم من أسماء الجنة ، قال جل وعلا : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) يونس).

  4 :وقال جل وعلا عن مريم : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ)التحريم:12 ). وفى وصف موجز  للخاسر يوم القيامة قال جل وعلا : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) القيامة:31 )، أى لا آمن ، ولا صلى يعنى لم تكن له صلة بربه جل وعلا .  

  5 : التصديق بما قاله جل وعلا ، وهذا ما لم يفعله بعض الصحابة ، قال جل وعلا : (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ)محمد:21 ). وابراهيم عليه السلام إختبره جل وعلا برؤيا منامية ، فصدقها وكاد أن يذبح ابنه ، ونجح فى الاختبار ، قال له جل وعلا : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)الصافات:105 )

  6 :  ومنه مدخل الصدق ومخرج الصدق بمعنى الايمان فى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً ) الإسراء:80 ) ولسان الصدق : (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً ) مريم:50 ) (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)الشعراء:84 ).

  7 : ومنه التأييد الايمانى والتعضيد : ( وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ)القصص:34 )

 رابعا  : المؤمنون الصادقون فى إيمانهم

1 ـ يقول جل وعلا عن المتقين اصحاب الجنة:(وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33)الزمر ). الذى جاء بالصدق ( الكتاب الالهى ) هم الأنبياء ، والذين صدّقوا به هم المؤمنون الصادقون .

2 ـ من السهل أن يزعم أحدهم الايمان دون عمل الصالحات . قال جل وعلا عن المؤمنين الصادقين : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)الحجرات:15 )، فالمؤمن الصادق هو الذى تصدق أعماله تبعا لصدق إسمانه . وهنا لا تنفع الصلاة المظهرية بل الاخلاص فى الايمان وإعطاء الصدقة والوفاء بالعهد والصبر الايجابى فى كل الأحوال . هذا هو الصدق فى القلب وفى السلوك . قال جل وعلا فى توصيف المؤمنين الصادقين : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ)البقرة:177 ) .

3 ـ  هذا الصدق يتجلى فى المواقف الصعبة ، أو كما قال جل وعلا : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ)البقرة:177 ) .وهناك مثل لذلك للمؤمنين الصادقين فى محنة الأحزاب التى إنفضح فيها كثيرون من منافقين وضعاف الايمان ، بينما تجلى فيها صدق المؤمنين الحقيقيين ، قال جل وعلا عنهم : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً  ) الأحزاب 23 ) ، ومنهم المهاجرون الذين تركوا أموالهم وديارهم ووطنهم وهاجروا ، هؤلاء هم الصادقون من بين الصحابة المهاجرين ، كانوا أغنياء فضحُّوا بديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من ربهم جل وعلا ورضوانا . قال جل وعلا عنهم: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)الحشر:8 ).

4 ـ هناك صحابة مستضعفون فقراء وجدوا فى الهجرة الى المدينة تحسينا لأوضاعهم وخلاصا لهم من جبروت قريش . هم مسلمون بالسلوك السلمى ولكن كانوا متمسكين بعبادة الأنصاب حتى النهاية ( المائدة  90 : 92 )، وقد وجدوا فى الاسلام حرية الدين والأمن والسلام . قد يزعمون فى الدنيا أنهم صادقو الايمان ، ولكن يوم القيامة سيسأل الله جل وعلا الصادقين عن مدى صدقهم ، ومن كان منهم كافرا بقلبه فمصيره العذاب الأليم . قال جل وعلا : (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً)الأحزاب:8 ). يدخل فى ذلك المنافقون . إذ تتضح الأمور ويظهر الصادقون فعلا وينكشف المنافقون ، قال رب العزة جل وعلا : ( لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً)الأحزاب: 23 : 24 ) . وبهذا يظهر المؤمنون الصادقون ، وينفعهم صدقهم فى إخلاص الايمان وعمل الصالحات ، قال جل وعلا : (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)المائدة:119 )

5 ـ وجميع الأنبياء والمؤمنين الصادقين هم أّمّة واحدة . تختلف أزمنتهم وأمكنتهم فى هذه الدنيا ، ولكنهم سيكونون جميعا معا رفقاء فى الجنة. عن هذه الأمة الواحدة يقول جل وعلا : (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً) النساء:69 ) . فى هذه الأمة الواحدة لا فارق بين ذكر وأنثى ولا فارق فى الزمان والمكان طالما إتصفوا بنفس الصفات العالية ، يقول جل وعلا : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)الأحزاب:35 ) (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)آل عمران:17 ).

6 ـ ولذا يقول رب العزة يعظ المؤمنين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)التوبة:119 )، وإذا ماتوا متقين فسيكونون يوم القيامة مع الصادقين أصحاب الجنة . ومن خرافات الشيعة أنهم يحرفون معنى هذه الآية يجعلون ( وكونوا مع الصادقين ) أى مع ( على بن أبى طالب وذريته ) .!!

7 ـ وأصحاب الجنة منهم السابقون المقربون ومنهم أصحاب اليمين . وبهذا يكون هناك ( صادق ) من أهل اليمين ، ويكون هناك ( صدّيق ) أى ملازم للصدق فى حياته ويكون يوم القيامة الأعلى منزلة ، أى من السابقين المقربين من رب العالمين .

8 ـ والله جل وعلا وصف ابراهيم عليه السلام بأنه:( كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً) مريم:41 ). والسنيون يكذبون بهذا ويؤمنون بما إفتراه البخارى من الزعم أن ابراهيم كذب ثلاث كذبات . والله جل وعلا وصف إدريس عليه السلام بنفس الوصف ،فقال : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً) مريم:56 ). وقال جل وعلا عن أم المسيح : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ  ) المائدة:75 ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

( الاسلام دين الصدق )
هذا الكتاب : ( الاسلام دين الصدق )
1 ـ جاءنى سؤال عن لماذا أقول ( ودائما : صدق الله العظيم ) ، ورددت بمقال جعلته ضمن باب ( القاموس القرآنى ) عن مصطلح ( صدق ) ومشتقاته فى القرآن الكريم . ثم إتسع البحث فى مادة ( صدق ) لتصبح مقالات متعددة ، رأيت أن أجمعها فى هذا الكتاب ( الاسلام دين الصدق ) .
2 ـ منهج هذا الكتاب هو نفس المنهج فى باب ( القاموس القرآنى ) الذى لا يتوقف مع كل آية بالتحليل والتدبر ولكن استعراض معنى المصطلح خلال القرآن كله ، وبهذا يكون ( القاموس القرآنى ) مجرد بداية وتمهيد لأبحاث لا حقة وتيسير على الباحثين القرآنيين . وتحويل هذه المقالات الى كتاب لا يستلزم التغيير فى المنهج ، لأن معظم ما جاء فى هذه المقالات سبقت الاشارة اليه فى
more