رقم ( 3 )
الفصل الثانى التشابه

الفصل الثانى : فى التشابه

المقال الأول : الحلف بالله جل وعلا كذبا عند المنافقين فى عهد النبى عليه السلام.

المقال الثانى : رؤية عامة فى التشابه بين منافقى الصحابة والاخوان والسلفيين

مقالات متعلقة :

المقال الثالث :تشابه الأمربالمنكر والنهى عن المعروف بين منافقى الصحابة والوهابية

المقال الرابع :  من مظاهرالتشابه بين الاخوان المسلمين ومنافقى الصحابة

المقال الخامس : التشابه بين الاخوان المسلمين واليهود فى تزكية أنفسهم

المقال السادس : التشابه بين الاخوان ومنافقى الصحابة فى حرب الاشاعات

المقال السابع :مساجد الضرار محورالتشابه بين معظم المسلمين و مشركي الصحابة

المقال الثامن:  انتشار مساجد الضرار فى بلاد المسلمين

المقال التاسع : التشابه بين السلفيين والمنافقين فى رفض الاحتكام الى القرآن الكريم

المقال العاشر : ( لهو الحديث ) من قريش الى الوهابيين   

المقال الحادى عشر : شريعة قريش والوهابيين السلفيين ظلمت رب العالمين

المقال الثانى عشر : شريعة قريش والوهابيين السلفيين رفضت القرآن الكريم

الفصل الثانى

المقال الأول : الحلف بالله جل وعلا كذبا عند المنافقين فى عهد النبى عليه السلام

هو خصم لله جل وعلا من يستخدم الدين فى طموحه الدنيوى

 أولا: ملامح النفاق فى المدينة فى وقت نزول القرآن الكريم

1 ـ الدين السّنى القائم على تقديس الصحابة يعتبرهم جميعا ( عدولا ) أى معصومين من الخطأ ، وأنّ من إقتدى بهم إهتدى. الدين السّنى يتجاهل التأنيب الذى جاء فى القرآن الكريم للصحابة (الذين آمنوا) فى السور المدنية.وبالنسبة للمنافقين يتجاهل الآتى :

1/ 1 : كثرة الآيات القرآنية التى تحدثت عن المنافقين وفضحت تآمرهم وسرائرهم.

1/ 2 : منهجية القرآن الكريم فى التعامل مع قضية المنافقين ، فمع أن الايات نزلت تعلق على أحداث محددة بوقتها ومكانها وظروفها وأشخاصها فإن التناول القرآنى لهذه الأحداث يغلب فيه التجريد للتأكيد على أن (النّفاق) حالة إنسانية تسرى فى كل زمان ومكان . أى لا يتصور عاقل أن النفاق قد أخذ أجازة مفتوحة بعد انتهاء القرآن الكريم نزولا ، أو إن هؤلاء المنافقين الذين فضحهم القرآن وعاشوا بعده قد إنقطع وجودهم ، أو تابوا وأنابوا وقدموا إستقالتهم من النفاق الذى عاشوا عليه طيلة حياتهم. بل كانوا المسئولين عما حدث للاسلام والمسلمين بعد موت خاتم النبيين ، كما سيأتى فى هذا المقال.

1/ 3 : ظاهرة النفاق بدأت بسيطة ثم أنتشرت وإزدهرت وتعاظمت بتوالى السنين إلى أن أصبحت أحد الملامح الأساس فى المدينة وما حولها قبيل موت خاتم النبيين . يظهر هذا فى سورة الأنفال التى نزلت تعقّب على معركة بدر:(إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ ) (الأنفال 49 )، ومع أنها إشارة سريعة فى جزء من آية إلا إنها تظهر حقد المنافقين على انتصار المسلمين فى بدر ، بل وتشير مبكرا الى وجود تجمعات ساخطة مع المنافقين ، ممن فى قلوبهم مرض . ثم إزدادت حركة النفاق كما يبدو فى سورة البقرة التى كشفت خداعهم  وإجتماعاتهم السرية:( البقرة 8 : 20 ). ثم تطورت حركة النفاق بعد هزيمة (أحد ) كما جاء سورة آل عمران، وعلا ضجيجها فى سورة الأحزاب التى نزلت بعد معركة الأحزاب ، وظهرت فصائل جديدة من المنافقين وأعوانهم . وبتطور خطورتهم نزلت سورة بأكملها ( المنافقون ). وأحتل المنافقون الاهتمام فى فى سورة النساء بما يدلّ على إتساع حركة النفاق وزيادة نفوذهم داخل المدينة لتضم من كفر   بعد إيمانه وكتم كفره ليحافظ على وضعه المميز. وبهذا إزداد نفوذهم وتأثيرهم ،ونرى هذا فى تدبرنا لهذه الآيات: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) ( النساء  137 : 143 )

2 :سورة التوبة هى آخر السور نزولا حسبما يظهر من سياقها العام ، وفيها مسح عقيدى لمجتمع المدينة وماحوله من كفار معتدين ومؤمنين سابقين بعملهم وتقواهم ومؤمنين خلطوا  عملا صالحا وسيئا ، ومؤمنين وقفوا على الحافة،وأمره الى الله جل وعلا. ولكن التركيز كان على المنافقين وتنويعاتهم  وتآمراتهم وحركاتهم ونفسياتهم بطريقة يتخيل معها القارىء أنهم أصبحوا أغلبية فى المدينة. وقد تمتعوا بحريتهم السياسية طالما لا يرفعون سلاحا ، فوصلوا الى أقصى مدى ممكن فى تآمرهم وفى أقوالهم وطعنهم فى الله تعالى ورسوله . يكفى أنهم كانوا يؤذون النبى ويتهمونه بأنه (إذن ) أى يسمع لكل من هبّ ودبّ ،ولم يردّ عليهم النبى، ونزل الوحى يدافع عنه ويرجىء عذابهم للآخرة:(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( التوبة 61 ). ويكفى أنهم كوّنوا جماعات من الرجال والنساء تطوف بالمدينة تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف،تتحدى الاسلام علنا :(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَعَدَ اللَّه الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ )(التوبة 67 ـ ).

2/ 1 : بل جاء فى سورة التوبة إشارة خطيرة يتجاهلها فقهاء الدين السّنى، يقول رب العزّة يحذّر ـ مقدما ـ النبى والمؤمنين فى المدينة :(وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) (التوبة 101) . الخطورة هنا تتجلى فى الآتى :

 2/ 2 :ـ أنّ هذا الصنف الأخطر من المنافقين هم من (أهل المدينة)،أى من عموم سكانها أى من المهاجرين والأنصار، أى من الملازمين للنبى الحائزين على ثقته لأنهم كتموا نفاقهم وحافظوا على ولائهم الظاهرى بحيث لم تظهر منهم بادرة شكّ فيهم . هؤلاء المنافق السّريون (من أهل المدينة) هم الأخطر، وهم الدليل على إنتشار سرطان النفاق داخل مجتمع الصحابة .

 2/ 3 :ـ كان النبى لا يعلمهم (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)، وهذا دليل على عدم علمه عليه السلام بالغيب،وعلى إنه كان يتعامل مع الظاهر،وليس له أن يحكم على السرائر والنوايا والقرائن ، فقد كان عليه السلام يذهب الى مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون وكرا للتآمر، دون أن يعلم بما يدور فيه،وظل يصلى فيه إلى أن نهاه الله جل وعلا عن الصلاة فيه:(وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ)(التوبة 107 ـ ). بل كان عليه السلام رفيقا بالمنافقين حريصا على هدايتهم ،إلى درجة أنه كان يستغفر لهم إلى أن   نهاه ربه جل وعلا عن ذلك : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)(التوبة 80 ). هذا التسامح هو الذى ساعد على نشر النفاق ، فكل ما يتطلبه أحدهم أن يفعل ما يشاء ثم يحلف بالله جل وعلا كذبا ليبرىء ساحته . وهذا هو مدخل موضوعنا عن الكذب عند منافقى المدينة.

2/ 4 : أولئك الذين أدمنوا النفاق خوفا من نزول القرآن بفضحهم ،تغير حالهم بموت النبى وانتهاء القرآن نزولا، فلم يعودوا خائفين من نزول القرآن يفضحهم  كما كان يحدث مع المنافقين الصرحاء، فتطور كيدهم للاسلام ، وساعدهم على النجاح أنهم كانوا خلايا نائمة خائفة فاستيقظوا واستغلوا مصداقيتهم فى مجتمع المدينة ، وإذا تبين لنا ارتفاع نغمة النفاق وكثرة المنافقين بالتدريج فإن هذه الخلايا النائمة وجدت تعاونا من بقية المنافقين الصرحاء ومن كفار قريش ( الطلقاء ) ، وتهيأ المسرح لبدء خفوت الاسلام شيئا فشيئا فى نفس جيل الصحابة ، بزعامة أولئك الذين توعدهم رب العزة بالعذاب مرتين وفى الآخرة عذاب عظيم ، أى ماتوا بلا توبة وبعد أن ختموا أعمالهم وحياتهم بما يستحق من الله جل وعلا أن يقول فى حقهم (سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ).

2/ 5 ـ وهذا يحمل تحذيرا ضمنيا من خطر آت فى المستقبل،وهو ما حدث بعد موت النبى مباشرة فيما يعرف بحرب الرّدة، فأول حركة للردة هاجمت المدينة جاءت من الأعراب الذين كانوا أقرب الى المدينة ،وكانوا يغيرون عليها من قبل فى أواخر حياة النبى فأمر الله جل وعلا بقتالهم :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )( التوبة:123). أى نلمح بين سطور الآيات حركات تآمر مالبث أن إنفجرت فى حرب الردة بعد موت النبى مباشرة . ولا شك أن حرب الردة هذه لم تكن بعيدة عن تخطيط أولئك الذين أدمنوا النفاق ،أى تلك الخلايا السّرية النائمة التى نشطت بعد موت النبى ، وحين نشطت دخلت بالاسلام فى دور التراجع بعد أن دخل فيه الناس أفواجا ،ودخلوا بالمسلمين وبالعالم فى مرحلة تاريخية جديدة بالفتوحات العربية وما أعقبها من الفتنة الكبرى التى لا يزال يعيشها المسلمون من سنة وشيعة حتى الآن.

 3 ـ المشكلة الكبرى هنا أن إزدهار النفاق فى المدينة واكبه أنها حوصرت من أعدائها من كل الاتجاهات، من الداخل والخارج. بعد أن انتهى حصار الأحزاب بهزيمة الأحزاب فى موقعة الخندق ، يتضح أن المدينة قد حوصرت بقوى معادية داخلها وخارجها ، تشمل المنافقين داخل وخارج المدينة مع المنافقين العلنيين والسريين والكفار الصرحاء المحيطين بالمدينة ، الذين إعتادوا الزحف عبر الصحراء للاغارة على المدينة ثم يفرّون ، وكانوا يرسلون من يصطنع الاسلام نفاقا ليدخل المدينة ويكشف عوراتها ، ويلتقى بالمنافقين فى مسجد الضرار ، ثم يعودون الى الكفار المعتدين بما لديهم من معلومات . ولم يكن أولئك المنافقون السّريون بمعزل عما يجرى،وإن كتموا نفاقهم وأوقفوا تحركاتهم وفق ما هو معروف من تخطيط الخلايا النائمة التى تنتظر موت النبى لتملأ الفراغ بعده. هذا التخطيط  الذى يجمع بين أعداء الاسلام داخل وخارج المدينة والذى تعاون فيه المنافقون والكافرون حول المدينة تعامل معه القرآن بمنهج واضح ومعلن  :

 3/1: بالنسبة للمنافقين الصرحاء داخل المدينة فلهم الحرية المطلقة فى المعارضة الدينية والسياسية والقولية والحركية ، طالما لا يحملون سلاحا .

  3 / 2 : بالنسبة للمنافقين السريين يكفى التحذير منهم مقدما دون كشف أسمائهم ، إذ لا مؤاخذة فى دولة الاسلام على المعارضة السلمية العلنية القولية والحركية فكيف بالمعارضة القلبية بالسرائر ؟

 3 / 3 :بالنسبة للكفار الصرحاء المحاربين فقد كانت مواجهتهم بالاستعداد الحربى ليردعهم عن العدوان ، مع الاستعداد للخيار السلمى لو كفّ المعتدى مع الاعتماد على الله جل وعلا لو أراد العدو الخداع :(وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ) ( الأنفال  60 : 62 ). كما ارتبطت بيقظة تامة تتعرف على الخطر القادم فتخرج لمواجهة المعتدى وهو فى زحفه عبر الصحراء وتلتحم معه هناك قبل إقتحامه المدينة، حتى لا تتكرر محنة معركة الخندق وحصار الأحزاب للمدينة.  

 3/ 4 : أى إن علو نغمة النفاق كثيرا بعد معركة الأحزاب جعلت دعوة المؤمنين للقتال الدفاعى بعد الأحزاب مرتبطة بمصطلحات معينة وجديدة مثل الحذر والنفرة والخروج : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّه لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا )( النساء 71 : 73 ) . وهنا إشارة الى توخى الحذر مع النفرة أى الخروج سريعا للقاء المعتدى فى الطريق قبل أن يقتحم المدينة أو يحاصرها ،وفى داخلها منافقون كثيرون . وهنا إشارة الى موقف المنافقين دون تسميتهم ، وهو وصفهم بالتباطؤ بالخروج أو النفرة للقتال الدفاعى ، فإذا انتصر المجاهدون تمنى لو كان معهم ، ولو إنهزموا فرح بتخلفه عنهم .

 3/ 5 : وتتبلور مواقف المؤمنين أكثر فيما بعد فى سورة التوبة ،فيأتى التأنيب للمؤمنين ليس فقط على تباطئهم عن النفرة بل على تثاقلهم عنها ،وهو تأنيب لاذع ، يقول فيه جل وعلا لهم:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ) ثم يأتى التهديد بعد التأنيب :(إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، ثم تكرارالأمر بالنفرة والجهاد :(انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)(التوبة 38 ،39، 41).

 3/ 6 : أما المنافقون فقد تطور موقفهم أيضا بالتخلف عن الخروج ، ثم الحلف الكاذب بالله جل وعلا بأعذار واهية ، وقد فضحهم رب العزة مقدما بأنها لو كانت نزهة أو سفرا قصيرا لاتبعوك:(لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)(التوبة 42 )، وأنه لو كانت لديهم نية الخروج لاستعدوا له :(وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (التوبة 46 : 47 ). أى من المؤمنين من أدمن سماع المنافقين وطاعتهم: (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ). والله جل وعلا هو العليم بهم : (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ). وبغضّ النظر عن أيمانهم الكاذبة فالواقع إنهم فرحوا بقعودهم عن النفرة: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ). ورضوا لأنفسهم أن يكونوا مع الخوالف من العجائزوالأطفال (رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ )( التوبة 87 ، 93 ). وعقابهم هو حرمانهم مستقبلا من شرف القتال فى سبيل الله:(فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ)(التوبة 81 : 83 ) .

3/7 : كانت المدينة وقتها محاطة  بالكفّار الصرحاء المتعاونين مع المنافقين الصرحاء والمنافقين كاتمى النفاق ،لذا نلاحظ الآتى :

3/ 7 /1 : تكررمرتين الأمر الالهى للنبى بجهادهم معا :(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(التوبة  73)(التحريم 9 )، بل جاء الأمر بقتال الكفار المحيطين بالمدينة وكانوا يغيرون عليها :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )( التوبة:123) . والدليل على أنه أمر بالقتال الدفاعى هو قوله جل وعلا فى الآية السابقة : (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )، فالله جل وعلا مع المتقين ويحب المتقين ولا يحب المعتدين ، فتشريع القتال فى الاسلام دفاعى فقط  لأن الله جل وعلا لا يحب المعتدين (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) ( البقرة 190 )

3/7 / 2 : وبسبب تحالفهم كافة فى حرب المسلمين جاء التشريع بقتالهم كافة :(وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(التوبة 36 ). ونعيد التذكير بأنه أمر بالقتال الدفاعى لقوله جل وعلا هنا أيضا:(وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) ، فالله جل وعلا مع المتقين ويحب المتقين ولا يحب المعتدين ، ومن هنا كان تشريع القتال فى الاسلام دفاعيا فقط  لأن الله جل وعلا لا يحب المعتدين: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )(البقرة 190 ).

3/ 8 : فى سورة التوبة وصف رب العزة الأعراب بأنهم الأشد كفرا ونفاقا وتربصا بالمؤمنين   : (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  )(التوبة 97 : 98).وكان منهم من يزعم الاسلام وهو منافق، يدخل المدينة ليتآمر مع منافقيها وفى داخل مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون وكرا للتأمر( التوبة 107 ) ، ومنهم كافرون محاربون معتدون يزعمون الاسلام الاسلام نفاقا وخداعا ، ويدخلون المدينة للتجسس وليتعرفوا على أماكن الضعف فى تسليحها للإغارة عليها ، ومن أجلهم نزلت تشريعات قتالهم إن لم يكفوا عن العدوان ، ومن كان منهم يزعم الاسلام فعليه أن يهاجر الى المدينة ويتمتع بنفس الحقوق التى يتمتع بها المنافقون من حيث الحرية المطلقة فى القول والحركة بدون اللجوء الى السلاح :(النساء 88 : 91 ).

ثانيا : استخدام المنافقين الحلف كذبا بالله تعالى فى حربهم لله تعالى :

1 ـ تمتع المنافقون بالمال والأولاد والجاه فى المدينة قبل وبعد قدوم النبى والمهاجرين اليها . وكان النبى محمد نفسه معجبا بأموالهم وأولادهم فنهاه الله جل وعلا  عن ذلك مرتين :( فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ )( وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)(التوبة 55 : 85 ).وبأموالهم هددوا بمقاطعة النبى ومن حوله إقتصاديا ، وبما لهم من جاه هددوا بإخراج النبى والمؤمنين من المدينة يصفونه عليه السلام بالأذلّ ، فقال جل وعلا يردّ عليهم :(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ)(المنافقون7: 8 ).

2 ـ ولكن كان جاههم وكانت أموالهم وممتلكاتهم مرتبطة بإقامتهم فى المدينة .ولأنهم يعبدون المال والجاه فقد إضطروا لإستمرار إقامتهم فى المدينة حرصا على إستمرار وضعهم المالى والسياسى . فطبقا للسائد فى الجزيرة العربية ونظامها القبلى فلو ترك المنافقون المدينة وهجروها فسيكونون أتباعا لغيرهم فى المنطقة التى يهاجرون اليها وتحت سيطرتهم . وبالتالى ستكون أموالهم فى قبضة غيرهم . إقامتهم فى المدينة تتيح لهم إستثمار أموالهم والبقاء مع أهاليهم ، والتمتع أيضا بحريتهم المطلقة فى المعارضة القولية والحركية ، طالما لا يحملون سلاحا ، وهم أجبن من أن يحملوا سلاحا.

3 ـ وندخل بذلك على صفة الجبن لديهم . والجبن طبع أصيل فى المنافق ، لأنه مضطر الى الخداع والى التعامل بوجهين والى معايشة من يعتبره عدوا ويتآمر على هذا العدو ، ولأنه يخشى من إنكشاف أمره فهو فى حالة خوف دائم . لذا كان منافقو المدينة يتمنون فى قرارة أنفسهم لو يجدون ملجأ أو سردابا يهربون اليه ويختفون فيه:(وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ) (التوبة 55 ). المشكلة أنه لا يوجد هذا الملجأ فى الجزيرة العربية المسكونة بالسلب والنهب  . لذا كان ملجأهم الوحيد هو الحلف بالله جل وعلا كذبا ، واساس الحلف إنهم من المؤمنين ، وما هم من المؤمنين:(وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ) (التوبة 56  ـ ).

4 ـ ويلاحظ الآتى فى موضوع حلفهم الكاذب بالله جل وعلا :

1 ـ أنه كان طريقتهم الدفاعية، وهم كانوا يصممون عليها ليواصلوا الصّد عن سبيل الله جل وعلا :(اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(المنافقون: 2 )

2ـ إن الله جل وعلا هو الذى كان يشهد بكذبهم:( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)(المنافقون 1)، (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ  ) ( التوبة 107  )   

3 ـ وهو جلّ وعلا الذى سيتولى عقابهم فى الدنيا(التوبة 55 ، 85 )، و فى الآخرة :(يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ) ( التوبة 74 ).

4 ـ ولذا أمر الله جل وعلا بالاعراض عنهم عندما يحلفون كذبا ( فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا )(النساء 62 : 63 ).

5 ـ وأن يرتبط الاعراض عنهم بعدم الرضى عنهم:(سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) ( التوبة95 : 96 )

 6 ـ حلفهم كذبا بالله جل وعلا هو هلاك لهم :(لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)(التوبة 42).

7 ـ والآيات التالية أوجزت سمات المنافقين فى الدنيا ووضعهم فى الآخرة :(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ  لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ )(المجادلة 14 : 18  )

 أخيرا : تبقى ملامح التشابه بين منافقى المدينة ومنافقى عصرنا من الاخوان المسلمين والسلفيين فى الحلف بالله جل وعلا وخلط السياسة بالدين . وهو موعدنا فى مقال قادم بعون الله جل وعلا.

المقال الثانى : رؤية عامة فى التشابه بين منافقى الصحابة والاخوان والسلفيين

هو خصم لله جل وعلا من يستخدم الدين فى طموحه الدنيوى

 مقدمة :

1 ـ قلنا فى المقال السابق:(الدين السّنى القائم على تقديس الصحابة يعتبرهم جميعا ( عدولا ) أى معصومين من الخطأ ،وأنّ من إقتدى بهم إهتدى ).والمنافقون كانوا أبرز الصحابة بدليل كثرة كلام القرآن عنهم بمنهجية تؤكد أن وجودهم  مستمرولن ينقطع . فى التاريخ الماضى هناك طوائف من المسلمين كررت ملامح المنافقين بعد قرون من موت خاتم المرسلين. وفى عصرنا الراهن فالوهابيون والسلفيون والاخوان المسلمون أبرز المقلدين  للمنافقين لأنهم يعتبرون كل الصحابة معصومين من الخطأ ،وأن من اقتدى بهم اهتدى، ومن ينتقد الصحابة يعتبر عندهم كافرا مستحقا للقتل.

2 ـ وهنا نبدأ فى توضيح التشابه بين منافقى الصحابة والاخوان المسلمين والسلفيين فى عصرنا. وفى هذه المقارنة سنحتكم الى القرآن الكريم ، خصوصا فى الآيات التى فضحت المنافقين . وبهذا نقيم الحجة عليهم ، فأحوالهم ظاهرة ومعلنة،وكذلك آيات القرآن الكريم واضحة معلنة . ولا يبقى بعدها إلّا عقل مسلم  يعى ويعتبر.!

 أولا  : أنواع النفاق فى عصرنا :  

النفاق مذموم ، ولكن هناك نوعا من النفاق يسهل إحتماله ، ونوع سام سرطانى يجب تجنبه والابتعاد عنه . وللتوضيح نقسم النفاق حسب الثقافات الى :

1 ـ نفاق سياسى علمانى غربى (أمريكى بالذات)، تراه فى الحفلات والمهرجانات السياسية والانتخابات الحزبية والرئاسية حيث يتم (تصنيع) المرشحين ، برسم صورة لهم ينافقون بها مجتمع الناخبين . النفاق هنا يتخفى تحت لافتة التنافس فى الخدمة العامة، ومن هو الأفضل فى خدمة المجتمع ، ولكن الغرض الحقيقى هو الوصول لمواقع السلطة والقوة والثراء .

2 ـ نفاق سياسى علمانى فى دول الاستبداد ، وفيه تقوم أجهزة الاستبداد فى الاعلام والثقافة والتعليم والتوجيه بتصنيع صورة للمستبد تجعله فيها رمز الوطن ( الوطنية ) أو رمز القوم ( القومية ) أو رمز العمال ( الشيوعية)، وتنجح هذه الأجهزة فى تربية جيل يعتبر نقد المستبد خيانة للوطن أو خيانة للقومية أو خيانة للنضال الأممى العمالى .هذا النفاق السياسى العلمانى

 يظل قويا بقوة المستبد وبقائه فى السلطة، وينهار بانهياره لأن مجرد فتح أبواب الحرية يبدد الأوهام التى عاشها الشعب ، ويفضح حقيقة المستبد ونفاق أعوانه ونظام حكمه . هذا يفسر لنا أن التحول الديمقراطى فى أوربا الشرقية لم تصادفه المتاعب التى تواجه وستواجه الربيع العربى الراهن ، الذى يعانى من أسوأ وأفظع أنواع النفاق : النفاق الدينى .  .

3 ـ النفاق الدينى الذى يستند الى دين أرضى ويتخذ من الاسلام وسيلة للوصول الى الحكم، فى باطنه الحكم والثروة والسلطة ، وفى مظهره اللحية وزبيبة الصلاة ، وعلى لسانه الحلف كذبا بالله جل وعلا وبيع إسم الله جل وعلا رخيصا يشترون به وبآيات الله عزّوجل ثمنا قليلا ، هو حطام دنيوى زائل ، ولكنهم يعبدون هذا الحطام الدنيوى ، يعبدون الثروة والمال . هنا يكون نقاش الحاكم المستبد المتأله أو نقاش من يسعى الى الحكم الدينى خروجا على الدين وكفرا به يستحق صاحبه القتل بتهمة الردة أو ( التأليب على ولىّ الأمر ). بل أكثر من هذا يحرمونه من الجنة، إذ أنهم بزعمهم يسيطرون على اليوم الآخر ، من دون الله جل وعلا مالك يوم الدين . وإذا كان خاتم النبيين عليهم السلام ـ ليس له من الأمر شىء (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  ) ( آل عمران 128 : 129 ) فهم يزعمون أن لهم من دون الله الأمر كله ، ولا عبرة عندهم لقوله جل وعلا لخاتم المرسلين (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ) (هود 123 )، وإذا كان الله جل وعلا يرحم فهم لا يرحمون ، وإذا كان الله جل وعلا يغفر فهم لا يغفرون ، وإذا الله جل وعلا منح الحرية فى الدين للبشر : (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ  )( الكهف 29 ) فهم يزعمون لأنفسهم التحكم فى حرية البشر وبيحون لأنفسهم الإكراه فى الدين ، وإذا كان رب العزة قد أرجأ حساب البشر الى يوم الدين فهم قد أقاموا فى هذه الدنيا يوما للدين ،اغتصبوا فيه سلطة رب العالمين ، وتحكموا فيما رغب عن التحكم فيه رب العالمين وهو الحرية فى الدين . كل ذلك طبقا للدين الأرضى الذى يؤسسون عليه حكمهم السياسى مثل آل سعود ، أو يؤسسون عليه طموحهم السياسى مثل الإخوان المسلمين والسلفيين .

وعندما يتحول النفاق الى دين وتدين يصبح مؤثرا فى المجتمع فى الزى وفى التعامل وفى الكلام ، وينتشر الحلف بالله جل وعلا كذبا ، ويتغلغل الفساد المالى والخلقى تحت عباءة التدين السطحى ، ويصبح أئمة الفساد هم رجال الدين الأرضى والقائمين على الحكم . تراهم ظاهريا محاطين بآيات النفاق والمدح والتمجيد والتعظيم ، وهم فى خلواتهم أبالسة وشياطين. وهم أحرص الناس على وأد الحرية دفاعا عن فسادهم ومنعا لكشف حقيقتهم ،ولكن فضحهم التقدم فى وسائل الاتصالات وسهولة التصوير فامتلأ الانترنت بكشف بعض عوراتهم . ويثبت بعض ما نقول عنهم .

ثانيا : كلمة عامة فى السمات المشتركة بين منافقى الصحابة والاخوان والسلفيين

1 ـ يقول جل وعلا ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ  لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ )(المجادلة 14 : 18  ). بالتدبر فى الآية الكريمة يتضح الآتى :

1 /1 : واضح أنها تتحدث عن المنافقين ، دون أن تذكر لفظ النفاق والمنافقين ، أى تكتفى بذكر الملامح ،أى إن هذه الملامح لو انطبقت على أى قوم فهم منافقون. يؤكد هذا أن الخطاب جاء عاما للبشر:(أَلَمْ تَرَ )،أى لكل صاحب عقل يرى ويعتبر ، فالرؤية هنا ليست مادية ولكن عقلية . ثم إنّ الخطاب يتحدث عن هؤلاء القوم يوم القيامة حين يأتون للحساب فيحلفون لله جل وعلا كذبا بمثل ما اعتادوه فى الدنيا . وبالتالى فهؤلاء القوم سيستمر وجودهم الى يوم القيامة. أى تنطبق تلك الملامح على الاخوان والسلفيين فى عصرنا البائس.!!

1/ 2 : أول ملمح للنفاق هنا هو:موالاة أولئك المنافقين لقوم خارج الوطن وصفهم الله جل وعلا بالمغضوب عليهم:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم )،وأولئك المغضوب عليهم مختلفون فى ثقافتهم وعاداتهم عن أهل الوطن:( مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ ).

ينطبق هذا على الاخوان والسلفيين ، فثقافتهم تنتمى الى الوهابية ، والوهابية فى تزمتها وفى سفكها الدماء واستحلالها السلب والنهب إنما تعبر عن الثقافة الصحراوية للأعراب الذين هم أشد الناس كفرا وأشدهم نفاقا . أما الثقافة المصرية الزراعية فليست ثقافة تخريب بل ثقافة سلام وتسامح وبناء وحضارة ، لذا إتسم المصريون طيلة تاريخهم ـ  الذى هو أقدم تاريخ فى العالم ـ بالتسامح والترحيب بالغريب حتى لقد حكمها الغرباء فى فترات طويلة من تاريخها. وقد تمكن عملاء الوهابية فى مصر من نشر دعوتهم تحت إسم السلفية ، وتكوين جماعة الاخوان المسلمين للقفز على الحكم وتكوين دولة دينية وهابية تحمى الدولة السعودية الوهابية الأم  لكل الحركات الارهابية والدعوات والجمعيات والجماعات المتطرفة فى مصر وخارجها. ولنا بحث منشور هنا عن :(شجرة الاخوان المسلمين زرعها السعوديون فى مصر فى عهد عبد العزيز آل سعود ). المراد إن قوله جلّ وعلا :( مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ ) ينطبق على التناقض بين المصريين والسعوديين الوهابيين لأن الوهابيين السعوديين ليسوا منّا نحن المصريين ، ولسنا منهم .

1/ 2 / 1 : وزيادة فى التوضيح نقول : طبقا لمعنى الاسلام الظاهرى السلوكى فهو السلام والمسالمة ، وأى فرد مسالم فهو مسلم بغض النظر عن عقيدته . و لنا ان نحكم عليه لأنه سلوك مسالم. أما الاسلام القلبى بمعنى الانقياد واسلام الوجه والجوارح لله جل وعلا وحده فمرجعه الى جل وعلا يحكم فيه بين البشر فيما هم فيه مختلفون ، حيث سيكون الفائز يوم القيامة هو من يأتى يوم القيامة يجمع بين الاسلام الظاهرى والاسلام الباطنى . وللإيمان نفس المعنيين : إيمان ظاهرى بمعنى الثقة والاطمئنان وأن تكون مأمون الجانب ، وإيمان حقيقى بالله جل وعلا وحده لا شريك له كما نصّت عليه آية ( أمن الرسول ) ألاية قبل الأخيرة من سورة التوبة . والمؤمن الفائز هو من يجمع بين الايمان الظاهرى و الايمان القلبى .ولنا الحكم على الظاهر وهو السلوك  المسالم الآمن المأمون . والمصريون تقوم ثقافتهم الأصيلة على المسالمة الى حدّ الرضا بالخنوع وتعود الصّبر على ظلم المستبدين ، وما أكثرهم فى تاريخ المصريين،وبالتالى فإن المصريين هم أحق البشر بوصف الاسلام الظاهرى (أى السلام والمسالمة).

1/ 2/ 2 : بل يأتى  الأقباط فى مقدمة المصريين فى المسالمة، فهم أكثر المصريين تحملا للجور والظلم قبل وبعد الفتح العربى لمصر. بل تتميز العقيدة المسيحية المصرية بالاستشهاد السلبى أى الترحيب بالموت فى سبيل العقيدة دون مقاومة،واشتهر المصريون بهذا فى عصور الاضطهاد الدينى أثناء الحكم الرومانى والبيزنطى قبل وبعد اعتناق الروم للمسيحية . وبهذا تميزت المسيحية المصرية بسلميتها عن المسيحية الأوربية العدوانية الرومانية والأسبانية والأوربية الغربية التى أبادت الملايين من المسلمين بعد سقوط الاندلس،والتى أبادت الملايين تحت راية الصليب فى الكشوف الجغرافية والاستعمار الأوربى.

1/ 2 / 3 : وطبقا للقرآن الكريم فإن الاعتداء والظلم والقتل للأبرياء هو كفر أوشرك سلوكى : (التوبة : 10، 12 : 13)(البقرة 190، 286 )(الحج 38 : 40). ولأنه كفر سلوكى فلو توقف عن العدوان لم يعد كافرا بل ربما يغفر الله جل وعلا له :(الأنفال 38 : 39)(البقرة 192 ، 193 )(التوبة 5 ،11 )(الممتحنة 2 ، 9).

1/ 2/ 4 : وأفظع الكفر هو الذى يقوم بتشريع الكفر السلوكى بالاستحلال للدماء والأموال والأعراض باسم الله جل وعلا ، بأن يستخدم دين الله جل وعلا القائم على العدل وحرية الدين والسلام فى قتل الأبرياء واحتلال أرضهم واستعبادهم باسم دين الله،ودين الله منهم برىء. ينطبق هذا على الصحابة فى الفتوحات حين إعتدوا فيها على أمم لم تعتد عليهم،وسلبوا ثرواتها وقتلوا أبناءها وسبوا نساءها، كما ينطبق أوربا المسيحية وكشوفها الجغرافية واستعمارها  فى العالم الجديد والعالم القديم أيضا باسم المسيح عليه السلام . وينطبق هذا حاليا على الوهابية السعودية التى تكرر ثقافة التعصب الدينى والمذهبى وسفك الدماء والاحتلال باسم الاسلام وباسم السنة النبوية .وهذا كله يناقض الاسلام وشريعته،كما يناقض الثقافة المصرية القائمة على السلام والتسامح والصبر.

1/ 2/ 5 : ولكن نجح عبد العزيز آل سعود مؤسس الدول السعودية الراهنة فى نشر الوهابية فى مصر تحت لقب ( السلفية ) ،وقام عملاؤه ( رشيد رضا و محب الدين الخطيب والسبكى وحامد الفقى ) بتأسيس الجمعيات السلفية فى مصر ونشر الوهابية على انها عقيدة السلف الصالح . وتوجوا ذلك بتأسيس جماعة الاخوان المسلمين . وبالتالى فمهما باعدت دروب السياسة بين الاخوان المسلمين والسعوديين فإن عقيدة الاخوان المسلمين والسلفيين هى موالاة الوهابية والوهابيين ضد مصر والمصريين .

1/ 2 / 6 : هذا مع أن كل من اضطرته الظروف من المصريين للعمل داخل السعودية يرجع محمّلا بذكريات الاضطهاد وسوء المعاملة التى يتلقاها كل غريب وافد للمملكة ، والمصرى بالذات ، وتناسوا أن مصر قبل تأسيس الدولة الوهابية السعودية وخلال قرون سلفت كانت المسئولة عن رعاية الأعراب وسكان مكة والمدينة. وظلت العلاقات بين سكان الجزيرة العربية ومصر على أفضل ما يرام إلى أن ظهر الوهابيون السعوديون .

1/ 3 : الملمح الثانى : لجوء أولئك المنافقين الى الحلف كذبا باسم الله جل وعلا وهم يعلمون أنهم كاذبون ، أى إتخذوا من الحلف كذبا باسم الله عزّوجل وسيلة وقاية لهم ، وحتى يعطيهم التمسح باسم الله تعالى قوة معنوية تمكنهم من الصّد عن سبيل الله:(وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ).

ينطبق هذا على السلفيين والاخوان المسلمين الذين تطرفوا فلم يقتصروا على الحلف كذبا باسم الله جل وعلا بل استخدموا دين الله جل وعلا وسيلة ليصلوا به الى الحكم. وفرق شاسع بين بائع فى السوق يقسم لك كذبا باسم الله ليخدعك فى دراهم معدودة وبين صاحب لحية يمسك بالمصحف ليخدعك باسم الله كى يركب ظهرك ويسلب منك حقوقك وشرفك وآدميتك زاعما أن هذا هو دين الله . وينسى أن دين الله جل وعلا قائم على العدل وضد الظلم ، ولكن دين السلفية والوهابية والاخوان هو ظلم لله جل وعلا قبل ظلم الناس .

1/ 4 : الملمح الثالث : إنهم أصحاب ثروة وجاه ،أو أموال وأولاد :( لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ).هنا لا ننسى عبادة الاخوان والسلفيين للمال.كما لا ننسى اكلهم أموال المسلمين سلميا بالخداع من شركات توظيف الأموال سابقا ، ومن خلال ما يسمى بالمصارف أو البنوك الاسلامية. وما يسلبه السعوديون من الحج سنويا ويبلغ عدة البلايين من فقراء الحجاج المسلمين.

1/ 5: رابعا : إدمانهم الكذب جعلهم يصطحبون معهم الكذب الى يوم لقاء الله جل وعلا ، فيحلفون كذبا على الله يوم لقاء الله ..!! (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ )، فإذا كان الاخوان والسلفيون محترفى كذب على الله جل وعلا ،بل ويقوم دينهم الأرضى على أحاديث كاذبة فكيف نؤمن لهم ونصدقهم ؟

1/ 6: خامسا : وهم فى كل ما يرتكبون من خداع باسم الله جل وعلا وحلف كاذب باسمه تعالى يحسبون إنهم على الحق وهم كاذبون:( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ). ومع وصف الله جل وعلا لهم بالكذب فإن تقديسهم للمال والسيطرة والحكم أعمت قلوبهم ، وجعلتهم يحسبون أنفسهم على شىء. والدليل إنهم يعتقدون فى شعاراتهم ( الاسلام هو الحلّ )(تطبيق الشريعة)( القرآن ..والرسول  ..) مع إن التطبيق الحق لهذه الشعارات يطيح بهم تماما . ولذلك فهم يرفعون الشعار دون أن يشرحوا كيفية تطبيقه ، فهم يحسبون أنفسهم على شىء وهم ليسوا على شىء .

1/ 7 : أخيرا : مصيرهم الخلود فى النار فى عذاب مهين :( أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )(فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ )(أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ). هذا مع انهم فى ظاهرهم يؤمنون بالله جل وعلا ويحلفون باسمه ، ولكن ساء عملهم (إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )، وساء معتقدهم وما تخفيه قلوبهم : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ ).

وأذا كان هذا مصير المنافقين من عهد الصحابة الى عهد الوهابية فهل يصح أن نصدق زعمهم بأنهم فى الأصل مسلمون ؟ وإذا كانوا بعقيدتهم الوهابية وأحاديثهم المفتراة أظلم البشر لله جل وعلا فهل نسمح لهم بالاستمرار فى التلاعب باسم الله وركوب دين الله تحقيقا لمطامحهم الدنيوية الزائلة ؟ وهل يجوز لنا أن نفرّط فى حقوقنا وكرامتنا وحريتنا ونتنازل عنها لأعداء الله الذين توعّدهم بعذاب مهين خالد يوم القيامة ؟

وهل ..؟ وهل...؟..مئات من الأسئلة لقوم يعقلون .

ولكن تتبقى ( هل ) أخرى .. (هل هناك قوم يعقلون بين المصريين المسلمين ؟ )..!!

 

المقال الثالث :تشابه الأمربالمنكر والنهى عن المعروف بين منافقى الصحابة والوهابية

هو خصم لله جل وعلا من يستخدم الدين فى طموحه الدنيوى

مقدمة

1 ـ بتاريخ  12/ 12/2012 نشرت بعض الصحف والمواقع الاليكترونية هذا الخبر : ( الأمر بالمعروف'' تسلم 1000 عصا كهربائية لمتطوعين ) (قالت المجموعة التي تسمي نفسها ''هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بمصر''، على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي ''فيس بوك''، إنها تسلمت 1000 عصا كهربائية، وقامت بتوزيعها على المتطوعين بالهيئة.  ). تردد هذا الخبر قبلها ، وواكبته حركات من السلفيين فى فرض دينهم فى بعض المناطق المصرية ، وحدثت إشتباكات ضربت فيها بعض النساء أولئك السلفيين ِ

2 ـ الواضح  من هذا الخبر تصميم أولئك السلفيين على (تأديب ) و ( تربية ) الشعب المصرى ، بالعصى الكهربائية ، حتى قبل وصولهم للحكم . فماذا سيكون سلاحهم بعد وصولهم للحكم ؟ . الواضح إنه تقنين دينى سنّى لظاهرة البلطجة . أولئك بلطجية أكثر خطرا من البلطجية المجرمين العاديين الذين يدفعهم الفقر الى إحتراف الجريمة ، وهم يعلمون أنهم يرتكبون منكرا وجريمة . لكننا الآن أمام تنظيم من ( الصّيع ـ جمع صايع ) أى عاطل متفرغ لإيذاء الآخرين ، وكل مؤهلاته اللحية والزبيبة والجلباب ..ثم العصا الكهربائية ،أو الجنزير أو السلاح الأبيض أو الأسود .. ثم يفرض المنكر باسم الاسلام ، وينهى عن المعروف أيضا باسم الاسلام .

3 ـ حقيقة الأمر إن ما تفعله الوهابية فى الجزيرة العربية والمملكة السعودية ، وما يطمح فى تطبيقه السلفيون فى مصر هو (أمر بالمنكر ونهى عن المعروف ) أى يتشابه مع ما كان يفعله منافقو الصحابة فى المدينة ، مع أن الوهابيين فى السعودية وأتباعهم فى مصر يزدادون تطرفا وكفرا وفسقا عن منافقى الصحابة .

4 ـ ولنا كتاب لم ننشره بعد عن ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بين الاسلام والمسلمين : دراسة أصولية تاريخية ) ، وهو يتتبع الجذور قرآنيا وأصوليا ، وتاريخيا من عصر الرسالة ثم العصر الأموى ثم العباسى ثم المملوكى  ثم العثمانى . ومن الاستغلال السياسى والتنظير الفكرى ووضع حديث ( من راى منكم منكرا)،إلى سيطرة التصوف و نشره (عدم الاعتراض ) بديلا عن التدخل بإزالة المنكر ، وموقف الفقهاء من الأشعرى الى الغزالى الى ابن تيمية وأئمة الصوفية الى عصر الوهابية وتطبيقها للتطرف السّنى فى عصرنا الراهن . وسننشره على حلقات لنفضح الوهابية والسلفية .

ونقتطف منه بعض لمحات سريعة فيما يخص مقالنا هذا عن التشابه بين منافقى الصحابة والوهابية السلفية فى الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف.

أولا :

1 ـ يقول جل وعلا :( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) . أى تمتع المنافقون بحريتهم فى المعارضة السياسية والدينية بلا حدّ اقصى فى القول وفى الفعل والحركة فى الدولة الاسلامية بقيادة النبى محمد عليه السلام ، طالما لايرفعون سلاحا. كانت لهم حرية التجول للدعوة لدينهم المخالف للاسلام ،أى يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف . وفى المقابل وردّا عليهم تكونت جماعات من المؤمنين كانت تطوف بالمدينة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).وشاركت النساء فى هذا النشاط الدينى والسياسى ، فكانت المنافقات مع المنافقين بينما كانت المؤمنات مع المؤمنين.والله جل وعلا وعد كل فريق بما يستحق يوم القيامة:(وَعَدَ اللَّه الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(التوبة 67 : 72 )

2 ـ ونلاحظ هنا أن المنافقين استغلوا الحرية المتاحة لهم الى أقصى درجة ، حتى نسوا أنهم ليسوا فى السلطة ، بل هم معارضة ، وأن السلطة هى التى أقرّت حقوقهم وحريتهم الدينية والسياسية ، ومع ذلك فهم يخرجون عليها بمظاهرات تنادى بالأمر بالمنكر والنهى عن المعروف. هذا مع إن المعروف الذى تتمسك به دولة النبى هو العدل والقسط والاحسان والحرية المطلقة فى الدين وفى الدعوة وفى الرأى والفكر وفى التظاهر والاعتراض  السلمى. هذا مع أن المنكر الذى تنهى عنه دولة النبى عليه السلام هو الإكراه فى الدين والظلم والبغى والعدوان . أى يعترض المنافقون على مبدأ الحرية الذى يتمتعون به ، ويأمرون بالمنكر ومنه الإكراه فى الدين ، الذى لو تم تطبيقه سيكونون أول ضحاياه.

3 ـ نسى وتناسى المنافقون هذا لأنهم كرهوا القرآن وكرهوا دين الاسلام ، لذا نسوا مصلحتهم وحاربوا الدين الذى كفل حريتهم وحفظ كرامتهم وحقوقهم ، أى عاقبهم الله جل وعلا  بما إختاروه لأنفسهم ، أو بالتعبير القرآنى (نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ  ) وفى النهاية فهم فاسقون ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )، ومصيرهم الى نار جهنم :(وَعَدَ اللَّه الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ).

4 ـ وإذا كان المنافقون وهم خارج السلطة يتظاهرون ضد القيم العليا فى الاسلام ، وهى التى تحفظ حريتهم وكرامتهم ـ فكيف بهم إذا كانوا فى السلطة ؟ بالتأكيد سيكونون مستبدين ، يفرضون الظلم والفساد والاكراه فى الدين ، وهذا ما نره الآن من أتباعهم من الوهابيين والسلفيين .

وقبل أن نتعرض للوهابيين والسلفيين نتوقف مع فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاسلام ليتفهّم القارىء تناقضها مع عقيدة السنيين الوهابيين .

ثانيا : ملامح الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فى دين الاسلام :

 نستخلص ملامحها على النحو الآتى :

1 :كونه من أسس دين الله جل وعلا قبل نزول القرآن : فالمؤمنون من أهل الكتاب جاء فى وصفهم : (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ )( آل عمران 114  ). والعصاة من أهل الكتاب هم من فرّط فى تحقيق هذه الفضيلة بسبب فساد قياداتهم الدينية : (وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ )(المائدة 62:63 ).

2 ـ وقبل نزول القرآن تحدث رب العزة لموسى عن الرسالة الخاتمة ورسولها وأتباعه فقال:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ ..)  ( الاعراف 157 )

3 ـ وقصّ رب العزة مصير الذين اعتدوا فى السبت ، وكيف نجا الذين نهوا عن المنكر فقط بينما عوقب العصاة والساكتون عن وعظهم : (  وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) ( الاعراف 163 : 165 ). ولقد حذّر رب العزة الصحابة فى بداية إقامتهم فى المدينة من هذا المصير من السلبية وترك فضيلة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فقال لهم : (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  ) ( الأنفال 25 ).

4 ـ وأكّد رب العزة صفات المفلحين المؤمنين المبشرين بالجنة:( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )( التوبة 112 )، أى من صفاتهم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ضمن فضائل أخرى . ولهذا فليست  الأفضلية للمؤمنين مطلقة ، بل هى مرتبطة بفضيلة الايمان والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) ( آل عمران 110 ).

5 ـ تحديد المعروف يأتى مرتبطا بالعدل والاحسان وإقامة الصلاة ، كما يأتى المنكر مرتبطا بالبغى والظلم والفحشاء ووحى الشيطان ، على النحو الآتى :

5/ 1 : يقول جل وعلا فى إيجاز (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ  ) ( النحل 90  ) . فالأمر بالمعروف يعنى المتعارف عليه من العدل والاحسان ، والمنكر المنهى عنه هو المتعارف على إنكاره مثل البغى والظلم والفواحش .

والعدل هو المعاملة بالمثل : (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ) ، أما الاحسان فهو فوق العدل ، أى الصفح والغفران والعطاء : ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) َ، والله جل وعلا يأمر بالعدل والاحسان :(وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ  ) ( الشورى 40 )

5/ 2 :المعروف مرتبط بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة :(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ  ) ( لقمان 17 ). وإقامة الصلاة لا يعنى مجرد تأدية الصلوات الخمس بالمحافظة عليها بالتقوى ، بل الخشوع أثناء الصلاة والمحافظة عليها بين أوقات تأديتها بالابتعاد عن المعاصى والتمسك بحسن الخلق ،ولهذا فليس كل المؤمنين مفلحين ، فالمفلحون من المؤمنين هم من جاء وصفهم بالمحافظة على الصلاة والخشوع فيها فى قوله جل وعلا : (  قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(المؤمنون 1 ـ 11 ) . وكما إن إقامة الصلاة تجعل المؤمن ملتزما بالمعروف ، فهى أيضا تنهاه عن المنكر:( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ) ( العنكبوت 45 ). وكذلك إيتاء الزكاة ، فليست مجرد إعطاء الصدقة ولكن تزكية النفس ورقيها بالقيم العليا والأخلاق الحميدة .

5 / 3 : المنكر يأتى مرتبطا بالشيطان ، ووحيه وأحاديثه ، ومن يتبعها  فهو متبع للفحشاء والمنكر ، مدمنا للظلم والفساد والاستبداد والاستعباد و البغى والعدوان ، يقول جل وعلا يعظ المؤمنين حتى يتزكّوا بالقيم الاسلامية العليا من العدل والاحسان والعطاء : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  ) ( النور 21 ). لذا كان قوم لوط من ضحايا الشيطان حين أدمنوا الشذوذ الجنسى ، فقال لهم لوط عليه السلام : ( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) (  العنكبوت 29 ).

6 ـ تطبيق فضيلة الأمر بالمعروف له ضوابطه كالآتى :

6/ 1 : التمكين والسيطرة حتى لا يقع المؤمنون دعاة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ضحية الاضطهاد : (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ )  (  الحج 41 ).

6 / 2 : عدم الاكراه فى الدين ، فلا يعنى التمكين الارغام والفرض والاكراه فى الدين ، بمعنى إن الذى يصمم على المنكر نتركه ولا نرغمه لأن لله جل وعلا عاقبة الأمور ، واليه جلّ وعلا مرجعنا يوم القيامة ـ فعلينا التمسك بالهداية والانتظار الى أن يحكم علينا جميعا ربنا يوم القيامة فيخبرنا بمن هو على الصواب ومن هو على الضلال : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( المائدة 105 ).

هذا لا يعنى إنه إزالة للمنكر باليد بل هو مجرد نصح بالقول فقط ، فاذا اصر الشخص علي رأيه فهذا شأنه طالما ان الضرر لا يمتد الي الغير ، فان امتد ضرره الي الغير اصبح جانيا مستحقا للعقوبة المناسبة لذلك الجرم ، وخرج الامر من دائرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الي دائرة العقوبات المستحقة علي جريمة ارتكبها مجرم ،والعقوبات المنصوص عليها في الاسلام تخص السرقة ،وقطع الطريق ،والقتل ،والزنا ،وسب النساء العفيفات .

 6/ 3 : والسّنة القرآنية التى طبّقها خاتم النبيين تؤكّد هذا .

قال له ربه عن اصحابه المؤمنين ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ، أي كن لينا مع اصحابك وهينا ، أو كما قال له جل وعلا فيما بعد فى المدينة وهو قائد لها : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر ) ( آل عمران 159 ) فماذا يحدث اذا عصاه اتباعه المؤمنون ؟.هل يضربهم ؟هل يحكم بكفرهم ؟ نقول الاية التالية (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ )( الشعراء 215:216 ). أي فان عصوه فليس عليه إلا ان يتبرأمن عملهم المنكر.  لم يقل فان عصوك وفعلوا منكرا فعاقبهم وقم بتغيير المنكر بيدك أو بعصاك الكهربائية . بل حتي لم يقل له فان عصوك فتبرأمنهم ، ولكن تبرأ فقط من عملهم المنكر ،وليس منهم ،أى فالتطبيق للامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو بالنصيحة القولية فان لم تنفع فالاعراض عن العاصي المؤمن والتبرؤمن عمله فقط ، وليس منه شخصيا .

6 / 4 : إن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس وظيفة رسمية او شعبية لطائفة معينة تحتكر لنفسها دون الاخرين رسميا او شعبيا الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولكن المجتمع كله يتواصى بالحق ويتواصى بالحق وبالصبر طبقا لما جاء في سورة العصر التي تصف في ايجاز ملامح المجتمع المسلم (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) . ولذلك فان الله تعالي يهيب بالامة المسلمة كلها ان تأخذ نفسها بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول تعالي (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  )(آل عمران 104).

والخطاب السابق لهذه الاية والخطاب التالي بعدها جاء عاما للامة كلها وليس قصرا علي طائفة من الامة دون الاخرين. ولنقرأ السياق  الذى جاءت فيه تلك الآية الكريمة لنتأكّد من عمومية الأمر لكل أفراد المجتمع : يقول جل وعلا يخاطب عموم المؤمنين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .

6/ 5 :والآية الأخيرة هنا تشير الى بنى إسرائيل في بعض عصورهم حين كانوا أمة لا تنهي عن المنكر وتستحق اللعنة علي لسان داود وعيسي ابن مريم : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )(المائدة 78 :79 ) لذا جاء وعظ المؤمنين فى القرآن بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يشير الى تجربة أهل الكتاب الذين تنكب بعضهم فى تطبيق هذه الفضيلة ، يقول جل وعلا : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).

واذا كان بنو ادم خطائين كلهم ،وخير الخطائين التوابون فليس منتظرا ان يحترف بعضهم النصيحة للباقين ويستنكف ان ينصحه احد ،والا كان ممن ينطبق عليه قوله تعالي لبنى اسرائيل :( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )( البقرة 44). وقالها جل وعلا أيضا للمؤمنين يحذرهم من الاكتفاء بالقول دون عمل للصالحات : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) ( الصّف  2 : 3)

ثالثا :  الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف فى الوهابية :

 1 ـ النظام السعودى قائم على إحتكار السلطة والثروة للأسرة السعودية . وهذا ظلم وبغى ومنكر فى التعامل مع الناس . و النظام السعودى فى إحتكاره السلطة والثروة للأسرة السعودية يعتمد على الشريعة الوهابية السّنية ، أى يظلم الناس معتمدا على شريعة تزعم الانتماء الى دين الله جل وعلا ، أى لا تظلم فقط الناس ، بل تظلم أيضا رب الناس . وهذا هو الفارق بين المستبد العادى العلمانى مثل هتلر وموسولينى و ستالين وعبد الناصر وصدام وبشّار وحافظ الأسد وبين المستبد فى الدولة الدينية سنية كانت مثل السعودية أو شيعية مثل النظام الايرانى.

2 ـ يحتاج المستبد العلمانى الى بلطجية وميليشيات يرعب بها العوام والبسطاء وغيرهم ،بالاضافة الى تعدد أجهزته البوليسية ما ظهر منها وما بطن ، بالاضافة الى الحرس الجمهورى أو الملكى والجيش . هنا لا تجد فارقا بين نظم الاستبداد الأوربى  فى القرن العشرين ( ألمانيا النازية وايطاليا الفاشية والاتحاد السوفيتى الشيوعى ) وبين نظم مبارك والأسد وين على والسعوديين و نظام ايران الشيعى . ولكن الخلاف فقط هو فى الواجهة الدينية . فالحرس الثورى بصلاحياته المطلقة يرتدى عباءة الدين ،ومثله فى السعودية هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .

3 ـ هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى السعودية تمارس ـ فى الواقع  ـ الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف فى عملها حين : تدافع عن نظام مستبد ظالم باغ ، وحين تمارس الاكراه فى الدين على الأفراد بالتناقض مع شرع الرحمن ، وحين تحرّم الحلال وتحلّ الحرام وفق التشريع السّنى ، وحين تمارس كل ذلك البغى باسم الرحمن جل وعلا ودين الاسلام القائم على العدل وحرية الدين فى العقيدة وفى العبادة .

4 ـ معروف أن القائمين بما يسمى بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يتمتعون بسلطة مطلقة على الأفراد داخل المملكة السعودية ، فلهم حق الضبطية ـ أى الضبط والاعتقال ، ولهم حق الحكم بالعقوبة ولهم حق تنفيذ العقوبة . أى لهم سلطة الشرطة وسلطة القضاء وسلطة التنفيذ أى سلطة ( الجلّاد ). ولكنهم فى كل تلك السلطات لا يجرؤ قائدهم من الاقتراب من شارع يعيش فيه أمير سعودى ،أو خادم مقرب من أمير سعودى .

5 ـ هذا ، مع العدد لكبير لأمراء الأسرة السعودية ( عشرات الألوف ) وشهرتهم فى الفسق والانحلال . ولقد أشرنا الى قول لوط عليه السلام  لقومه: ( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ )( العنكبوت 29 )، ومعروف شيوع هذه الفحشاء فى آل سعود وأتباعهم ، مع تلك السلطة المفرطة للقائمين على تلك الهيئة ، بما يؤكد أن جهدهم قد نجح فى نشر المنكر ومحاربة المعروف .

 

المقال الرابع :  من مظاهرالتشابه بين الاخوان المسلمين ومنافقى الصحابة

هو خصم لله جل وعلا من يستخدم الدين فى طموحه الدنيوى

 أولا  :

1 ـ أوضح رب العزة جلّ وعلا موضوع النفاق والمنافقين لكى ينطبق هذا التفصيل على المنافقين فى كل زمان ومكان ، فالنفاق ظاهرة إنسانية ستتكرر فى مجتمعات المسلمين ، وستأتى جماعات تحترف النفاق وتتدين به تخادع الله جل وعلا والمؤمنين، بينما هم لا يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون . ومنافقو الصحابة ـ مع كل ما نزل خاصا بهم وبطريقة مباشرة ـ فهم مجرد حالة من حالات النفاق ، هم فئة معارضة ومتآمرة سياسيا ودينيا . وهناك حالات أخرى للنفاق ؛منافقون يتظاهرون بالدين ويستخدمونه للوصول الى السلطة، ومنافقون يتحكمون  فعلا فى السلطة والثروة ،ويتسترون بالدين نفاقا لاستمرار تحكمهم، ومنافقون يحترفون التدين السطحى ليأكلوا السحت باسم الله جل وعلا وينالوا الجاه والتقديس والولاية بمجرد مظهر التدين والرياء والزعم بأنهم صالحون اتقياء . وفى كل الأحوال فأخطر النفاق هو استغلال الدين الالهى للوصول الى السلطة ، فالسلطة المستبدة والتى تتمحك فى الدين هى الأكثر خطرا على دين الله جل وعلا والأكثر خطرا على الناس أيضا ، إذ تزوّر لهم الإفك دينا ، وتجعل الحق باطلا ، وتسفك الدماء وتفسد فى الأرض باسم الله جل وعلا ، ومن يعارضهم يقتلونه أيضا باسم الله .. ليس هناك ظلم أفدح من هذا . وهذا ما يرتكبه الاخوان المسلمون فى سعيهم لاقامة دولة دينية بالخداع و النفاق والضحك على الذقون. ولذا خصصنا هذه الحلقة لهم لتوضيح بعض الشّبه بينهم وبين منافقى الصحابة ، والصحابة هم الآلهة المقدسة للاخوان والوهابيين والسنيين عموما .

2 ـ : ومن الاعجاز القرآن فى هذا الشأن أن الله جل وعلا فى تعميمه لقضايا النفاق وأحوال المنافقين لا يستعمل أحيانا وصف النفاق ، بل يستعمل تعبيرا قرآنيا تكرر كثيرا وهو :(وَمِنَ النَّاسِ )، أى حيثما يوجد ناس وحيثما يوجد مجتمع فى أى زمان وأى مكان تجد من الناس منافقين يفعلون كذا ويقولون كذا. وسنعرض بالتفصيل لأهم السياقات القرآنية التى ورد فيها قوله جل وعلا :(وَمِنَ النَّاسِ ). ولكن نركّز هنا على آيات تنطبق على الاخوان المسلمين فى عصرنا .

ثانيا: من سمات النفاق عند الاخوان المسلمين 

1 ـ لقب ( الجماعة المحظورة ) الذى أطلقه نظام مبارك على الاخوان مجرد كلام على الورق ولا صلة له بالواقع . هذا ( الحظر ) يتناقض مع الوجود الفعلى للجماعة بمقراتها وممثليها فى برلمانات مبارك ومجلس إرشادها وقادتها ودعاتها ومساجدها وأتباعها وسجلاتها وأجهزتها ومشاريعها الاقتصادية وأرصدتها المالية والاعتراف الضمنى الدولى بها. مبارك كان يحتاج الاخوان للبقاء فى الحكم ليخيف بهم أمريكا والغرب وأحرار مصر ومستنيريها . لقب (الجماعة المحظورة ) له صلة بموضوعنا . هو حالة نفسية لجماعة تسعى للوصول الى الحكم بقوة ومثابرة لا ينافسها إلاّ سعى نظام مبارك لمنعها من الوصول للحكم . والحصار الذى تعانيه الجماعة واستمرار الاعتقال والمتابعة الأمنية جعلها أكثر حساسية للاختراق الأمنى ، وأكثر إنغلاقا وتمحورا حول نفسها ، وأكثر ابتعادا عن المجتمع خصوصا الأغلبية الصامتة التى تسعى لاستغلالها وركوبها لتصل الى السلطة. ولأن الاخوان المسلمين يعتقدون إنهم وحدهم وكلاء رب العالمين لحكم المسلمين فهم يحتقرون من ليس منهم ، أى الأغلبية المسلمة الصامتة ، لأنها  تكتفى بالصمت وهى ترى معاناة الجماعة منذ ثمانين عاما . ولكن هذه الأغلبية الصامتة المسلمة هى ( الآخر ) الذى لا غنى عنه لأنها تحتاج لركوبه ، تحتاج اليه وتكرهه وتمقته فى نفس الوقت ، يكفى أن هذا الآخر لايضحى من أجل وصولها الى الحكم ، لا يبذل نفسه جهادا حتى تتفضل الجماعة وتركب ظهره وتحكمه باسم الدين .! لذا ترى أن أى مصيبة تحدث  لهذا (الآخر ) أى للوطن والمواطنين هو عقاب الاهى لهم على عدم تفانيهم فى خدمة الجماعة . وبين كراهية هذا الآخر والحاجة اليه تتعامل الجماعة مع هذا الآخر بالنفاق ، والنفاق هو ان تعلن خلاف ما تبطن ، أى أن تخادع وتمكر ، أن تبتسم للشاه وسكينك خلف ظهرك .

2 ـ  يتأكّد هذا  بانغلاق الجماعة على نفسها ، فهى عائلات تتصاهر فيما بينها ولا تسمح لغريب أن يدخل بينهم ، ونساء الاخوان أو ( الأخوات ) لا يتزوجهنّ إلا الأخوة ، بل يوجبون تعدد الزوجات حتى لا تعانى الأخوات من العنوسة ، وحتى لا يفكّر أحد الأخوة بالزواج من غير ألأخوات فيدخل للجماعة عضوا غريبا من خارج الاخوان المسلمين ،أى من خارج الجماعة .

3 ـ ولأنهم ( جيتو ) منيع ممنوع دخوله لغير عائلاته فإن مؤتمرات وإجتماعات الإخوان السياسية والتنظيمية والادارية أجتماعات عائلية سرّية ، وربما تقام حفلات الزواج و الطهور والعقيقة ستارا للتواصل والترتيبات السياسية والتنظيمية ومناقشة المشاريع الاقتصادية التى تدير إقتصاديات الجماعة من خلال أفرادها، وتستقبل التبرعات باسمهم ، وكانت تنفق على عائلات مساجينهم  من خلالها ، وكل ذلك وفق تنظيم عائلى كان ولا يزال صعبا أختراقه .

4 ـ بهذا الانغلاق والتمترس الداخلى يختلف الاخوان المسلمون عن جماعات السلفية الدعوية المنفتحة على المجتمع بحكم الدعوة والاتصال المباشر بالناس. يجمع الاخوان والسلفيين نفس الاعتقاد فى الدين الوهابى والشريعة السنية البشرية المنسوبة للاسلام زورا وبهتانا ، ونفس التقديس للصحابة ونفس التقديس للأئمة وفقهاء الدين السّنى ، ونفس التدين السّطحى ونفس المظاهر الأساس للنفاق، ومنه الحلف كذبا باسم الله جل وعلا للوصول الى حطام دنيوى . الاختلاف مظهرى ومرحلى ، يتركّز حول ماهية ( الحطام الدنيوى ) الذى يطمح اليه الاخوان والسلفيون وبسببه يخلطون السياسة بالدين . الحطام الدنيوى للاخوان هو الوصول للحكم والاستئثار به ، أما الحطام الدنيوى للسلفيين فهو المال ورغد العيش والجاه بين الخلق بموادعة السلطان القائم ، ومشاركته بعض النفوذ لاستخدامه فى نشر الدعوة على أمل الوصول للحكم، ولو بعد طول أنتظار ، ولكن بلا تعب وبلا عناء . من هنا ينتفتح السلفيون على الشعب وعلى الحاكم المستبد ، ويتمتعون بالحطام الدنيوى من الفريقين . بينما يعانى الاخوان من العزلة الجبرية أو  الاختيارية .

5 ـ فى ثمانينيات القرن الماضى حدثت مأساة (فتاة العتبة )، فى وقت الازدحام فى موقف اتوبيسات العتبة ـ  أكثر مناطق وسط القاهرة أزدحاما ـ سقطت فتاة وسقط عليها آخرون أثناء الاندفاع لركوب الأتوبيس ، وفى حالة الهرج والمرج إفتض بعضهم بكارتها باصبعه وهى تصرخ بلا مجيب. قبضوا على بعض المتهمين ، وكان منهم أحد المعوقين المصابين بالشلل. وكانت قضية شغلت الرأى العام وقتها ، تناولها الناس بالحسرة والألم لما حدث للفتاة المسكينة، وكل منهم يتصورها أخته أوبنته. فوجئت عند تناول الموضوع بأحد الاخوان يقول متشفيا فى البنت وفى مصر كلها :( خليهم يشوفوا .. ولسّه يا ما .). أفزعنى ما سمعت وثار جدل بيننا ، ضاع فيه دفاعى عن البنت وأنه لا شأن لها بمعاناة الاخوان وطموحاتهم ، بينما هو اندفع صاحبنا يجترّ فكر الاخوان فى العقوبة الالهية لمن يرفض تطبيق شرع الله وإحتقار الساكت عن الحق لأنه شريك للظالم فى ظلمه. هنا الكراهية للآخر فردا كان أو شعبا بأكمله . ونتذكر كلمة الاستاذ مهدى عاكف المرشد السابق للاخوان ( طظ فى مصر). ومنذ عدة أسابيع حزنت مصر وحزن معها العالم الحرّ على سحل لفتاتين فى ميدان التحرير مع انتهاك لحرمة إحداهن . ولكن جاء فى الأنباء : ( قال الفنان المصري حسن يوسف أن حادث الفتاة التي سحلت على يد الجيش المصري في واقعة مجلس الوزراء فردي ومفتعل. وأشار : لقد تبين أن الفتاة المسحولة مغربية وليست مصرية، وهناك تسجيل لها وهي تشتم العساكر والضباط عبر الميكروفون، حيث أنها كانت تقصد استفزتهم عمدا وهو تحملوا ما لا يتحمله بشر، وعندما وجدت أن لا فائدة من الاستفزاز دخلت عليهم وفتحت العباءة.  ) http://www.elfagr.org/Detail.aspx?nwsId=108677&secid=3&vid=2

هذا الممثل بعد تاريخ طويل فى افلام المراهقة والمجون عاد الى الأضواء متحليا بلحية ومسكونا بثقافة الأخوان، وهو مثلهم يعبّر بنفس الطريقة عن حادث فاجع ألهب ضمائر الأحرار فى كل مكان. تعليق حسن يوسف لا يختلف كثيرا عن تعليقات بعض قادة الاخوان ، ومنها أن الفتاة ليست من ( الأخوات ) وبالتالى فلا إعتبار لها ولا يهتمون بأمرها ، وليس مهما أن ييهتم أحرار العالم بهذه الفتاة المصرية ، المهم عند الاخوان أنها ليست منهم بل من ( الآخر ) الذى يحتقرونه لأنه ليس منهم.

6 ـ نخلص مما سبق الى توصيف الاخوان بأنهم جماعة سرية منغلقة على نفسها تحترف الخداع وتحتقر المجتمع وتتآمر عليه. وهنا يتشابه الاخوان فى عصرنا مع ما قاله رب العزة عن منافقى الصحابة .

ثالثا : إنطباق وصف القرآن الكريم على حال الاخوان المسلمين فى عصرنا  

يقول جل وعلا :  ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ )(البقرة 8 : ـ ). وبالتدبر فى الآيات الكريمة نرى الآتى :

1ـ قوله جل وعلا (وَمِنَ النَّاسِ)، أى يوجد هذا الصنف بين الناس ، فى كل مجتمع وفى كل ناس. أى يوجد فى مجتمعنا وبين الناس المصريين . (مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ). المؤمن العادى لا يحتاج الى إعلان إيمانه أو الى تأكيد إيمانه . صاحب الغرض هو الذى يحتاج الى إعلان إيمانه للناس ، يؤكد لهم أنه يؤمن بالله وباليوم الآخر. لو كان فعلا مؤمنا بالله جل وعلا وباليوم الآخر لانعكس هذا فى نبل سلوكه وحسن تعامله مع الناس بحيث لا يحتاج لاعلان تدينه للناس. ولكنه يريد أن يخدع الناس بالدين . وهو فى الحقيقة يخدع نفسه ، يقول جل وعلا عن زعمهم الايمان بالله واليوم الآخر ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ).

2 ـ وينطبق هذا على الاخوان المسلمين، لأنهم هم الذين سموا أنفسهم ( الاخوان المسلمين ) تمييزا لأنفسهم عن بقية المسلمين ، ولأنهم يتوجهون بخطابهم لبقية المسلمين يؤكدون لهم إيمانهم بالله واليوم الآخر ، وغرضهم معلن ومعروف وهو الوصول الى الحكم . أى لدينا لافتة وهى ( الاخوان المسلمون ) ولدينا هدف يطمحون اليه وهو السلطة ، وتوابعها المعروفة من الجاه والثروة . وبين اللافتة و الهدف يوجد الخداع ، فهم يتمظهرون بتدين سطحى يوجهونه للناس وليس لرب الناس جل وعلا. لو كان الاخوان المسلمون يهتمون بالله جل وعلا لألغوا ( لافتة ) الاخوان المسلمين ، ولألغوا الرياء والنفاق للناس والتجارة بالدين ، ولانشغلوا بالتقوى يتعاملون مع الله جل وعلا ، وهو جلّ وعلا أقرب اليهم من حبل الوريد . يفعل المتقى ذلك بالسعى فى رضا رب العزة أولا وأخيرا دون اهتمام بالمراءاة والرياء. يزعمون ان القرآن الكريم دستورهم ، وليس فى القرآن آية واحدة تأمرهم بتكوين جمعية سرية ( محظورة) أوعلنية بغرض الوصول الى الحكم ، بل ينهى القرآن عن تزكية النفس وعن استغلال إسم الله فى التكسب به ، وينهى ويتوعد من يشترى بآيات الله ثمنا قليلا. فالاخوان حين يتمسحون باسم الله ويقولون آمنا بالله وباليوم الآخر لايخدعون الله جل وعلا ولا يخدعون الذين آمنوا ، بل يخدعون أنفسهم وهم لا يشعرون. 

3 ـ الخداع هنا جريمة دينية وإنسانية خطيرة ، فهو فى تصور المخادع ـ أنه يخدع الله جل وعلا ، ويخدع المؤمنين . التصور بخداع رب العالمين يعنى الكفر به ، وعدم الايمان بأنه جل وعلا يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور . وخداع الناس جريمة كبرى قانونا ، فالنصّاب الذى يخدع قرويا يبيع له الترام جريمته محدودة ومحددة . أما النصّاب الأكبر فهو الذى يخدع شعبا بل شعوبا ويبيع لهم أوهاما مستغلا أشرف ما لدى الانسان وهو الدين ، فيحيل الدين الحق الشريف الى إفتراء وأكاذيب ويفترى كذبا على الله تعالى ورسوله ودينه الحق لكى يركب ظهور الناس. ولتصوّر مدى جرم هذا الخداع إسلاميا علينا أن نتذكر أن المسلم المؤمن الحقيقى هو الذى يهتز قلبه خشوعا حين ذكر أسم الله جل وعلا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ )(الأنفال 2) ، فكيف بمن يزعم الاسلام والايمان وهو يستخدم (إسم الله) جل وعلا (مطية )  يصل بها الى السلطة ، وفى السلطة (يمتطى) الناس باسم رب الناس ؟ هنا خداع سام ومركب ومعقّد ، ولكنه يبدأ بداية بسيطة بالحلف كذبا باسم الله جل وعلا والمراءاة بالدين لخداع المؤمنين . كان منافقو الصحابة يرتكبون هذا الخداع ففضحهم رب العزة وقال:( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً )(النساء 142 )، وقد عاقبهم رب العزة بمنع النبى من أخذ صدقاتهم وزكاتهم المالية ، وجاء فى حيثيات المنع مراءاتهم بالصلاة وكفرهم وكراهيتهم لاعطاء الصدقة التى يعطونها رياءا وليس عن أخلاص وتقوى : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ)( التوبة 45 ).

ويظهر تطبيق هذا فى عصرنا فى نفاق السلفية والاخوان فى الصلاة وزبيبة الصلاة وتعمد تطويل الصلاة وتحويلها الى فيلم هندى بالتباكى والتخاشع ، وتسجيل أشرطة صوتية ومرئية للمتباكين والمتخاشعين يتنافسون فيها فى الشهرة بين الناس والجاه بين الناس وأكل السحت من أموال الناس، وفى كل هذا هم لايؤمنون برب الناس ، ولا يأبهون برب الناس .!

كان احتراف منافقى الصحابة لخداع النبى محمد عليه السلام هائلا ، لأنه عليه السلام كان بهم رفيقا وحريصا على هدايتهم الى درجة ان كان يستغفر لهم فعوتب فى ذلك (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) ( التوبة 80 )، ولولا أن القرآن كان ينزل يفضح تآمرهم لنال النبى والمسلمين منهم ضرر هائل. كانوا يدخلون عليه يقدمون له فروض الطاعة والولاء ثم يخرجون من عنده يتآمرون عليه ويفترون عليه كذبا ، ففضحهم رب العزة : (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً )(النساء 81 ). فى خداعهم للنبى كانوا يتفنّون فى قلب الحقائق أو تقليب الأمور حسب التعبير القرآنى : (لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ )(التوبة 48 ). مع خداعهم هذا فقد كان خوفهم مستمرا من نزول القرآن يفضح مكائدهم ، ولكن استمروا فى الخداع متخذين من الحلف بالله تعالى كذبا وسيلة دفاعية .

ومع أن احتراف منافقى الصحابة للخداع كان هائلا فقد تفوق عليهم الاخوان المسلمون فى الخداع لأسباب شتى ، فلم يعد ينزل قرآن يفضح النفاق كما كان فى عهد النبوة ، لذا يحترف الاخوان الخداع وهم فى مأمن ـ بل يتلاعبون بالقرآن وينشرون الأحاديث المفتراة حربا لله تعالى ورسوله وهم يشعرون بمأمن من المؤاخذة ، ولا عبرة عندهم باليوم الآخر ، لأنهم لو كانوا فعلا يؤمنون باليوم الآخر لعملوا له بالتقوى والخشية من الله العزيز الجبار. ثم إن الاخوان ورثوا خلال 14 قرنا تجربة إنسانية تراكمية فى الخداع زادها تجربتهم العملية  فى فنّ التآمر منذ عام 1928. ثم ـ وهذا هو الأهم ـ إختلاف غرض الخداع بين منافقى الصحابة والاخوان. كان السقف الأعلى لمنافقى الصحابة ليس الوصول للحكم بل استمرار نفوذهم فى المدينة ، أما الاخوان فهم يطمحون للانفراد بالحكم . وفى النهاية فهم لا يخدعون رب العزة الذى يعلم السّر وأخفى . بل هم أيضا لن يخدعوا المصريين المؤمنين ، بل سيخدعون أنفسهم وهم لا يشعرون كما قال رب العزة جلّ وعلا . التطبيق  العملى لهذا سيأتى قريبا . فقد فاز الاخوان والسلفيون بالأغلبية العظمى فى الانتخابات النيابية ، وستتاح لهم لأول مرة فرصة ( الحكم ) من خلال مجلس الشعب . ومشاكل مصر الآن صعبة ومعقّدة  بعد تعرضها للسلب والنهب والفساد والتخريب والتجريف ستين عاما . والشعب المصرى لم يعد ساكنا ساكتا ملوبا على أمره كما كان . وإصلاح أحوال مصر مهمة شديدة الصعوبة لا يقوى عليها الاخوان الذين تخصصوا فى التآمر والعمل السّرى ولا يعرفون سوى الطاعة وليست لهم خبرة سياسية أو ميدانية سوى فى طاعة المرشد وتقبيل يديه . وبالتالى سيظهر عجزهم ، وسيكون وصولهم لمجلس الشعب أكبر عملية خداع ارتكبوها فى حقّ أنفسهم ، سيكونون أول وأكبر ضحايا خداعهم لأنفسهم بحيث ينطبق عليهم قوله جل وعلا:( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ).

4 ـ ولأن للإنسان حريته فى الايمان وفى الكفر ، فإن مشيئة الله جل وعلا تأتى لتؤكد مشيئة الانسان ؛إذا شاء الانسان الهداية زاده الله جل وعلا هدى ، وإذا شاء الانسان الضلال زاده رب العزة ضلالا ، يقول جل وعلا : (قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى)(مريم 75 : 76)(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ )(محمد 17) .وحين قالوا بلسانهم نفاقا وخداعا (آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ ) هم فى الحقيقة التى يعرفها رب العزة ليسوا بمؤمنين بل مخادعين :( وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ )، أى بغض النظر عن زعمهم بألسنتهم فإن قلوبهم مسكونة بمرض الكفر والنفاق ، لذا زادهم الله جل وعلا كفرا ومرضا فى الدنيا :( فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً ) ، أما فى الآخرة فينتظرهم عذاب أليم جزاء كذبهم : (وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ). وفى تطبيق هذا فى عصرنا ، حاول أن تعظ إماما سلفيا أو إخوانيا بالقرآن وتخيل ردّه عليك ..والأغلب إنك لن تحاول حرصا على حياتك .. ونحن نعذرك .!

5 ـ ونرى قلبا للحقائق فريدا فى نوعه ، فهم يزعمون الايمان باللسان وهذا يناقض ما فى قوبهم ، وهم يزعمون الصدق وهم كاذبون، وهم يجعلون أنفسهم القائمين بالاسلام وهم أعداء الاسلام . هذه الحالة الفريدة من التناقض تؤكد أنهم من الصنف الذى يزعم إمتلاك الحقيقة المطلقة ، ويتهم غيره دون أن يتهم نفسه . (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ ). أفظع الفساد ان تحارب الله جل وعلا ورسوله بأن تفترى على الله ورسوله كذبا وأن تكذّب بآيات الله جل وعلا،وأن تمتطى دين الله وإسم الله لكى تحتكرالسلطة والثروة وتسفك الدماء وتنتهك الأعراض وتسبى وتسلب باسم الله ،وأن تظلم الناس باسم الله جل وعلا وهو الذى جعل العدل أساس دينه جلّ وعلا . فى رؤية هذا الفساد رؤية العين إنظر الى ما فعلته وما تفعله أسرة آل سعود ، وما فعله وما يفعله كل من يسير على دينهم الوهابى من طالبان وفى باكستان الى البشير فى السودان . ولماذا لا تنظر بعيدا ؟ انظر ما فعله الاخوان المسلمون ـ قبل أن يصلوا للحكم ، من قتل وتخريب فى الاربعينيات من القرن السابق ، ثم ما فعلته التنظيمات التى خرجت من عباءتهم من التكفير والهجرة والجماعة الاسلامية والجهاد و الشوقيين والناجين من النار ..الخ..فماذا إذا استبدوا بالأمر ؟

 6 ـ وقد قلنا إن الاخوان جماعة منغلقة على نفسها لهم إجتماعاتهم السرية التى يتآمرون فيها ويضعون خططهم ، وقلنا إنهم يحتقرون المصريين ويكرهونهم مع ممارسة الخداع للمصريين . الاخوان المسلمون يفعلون بالضبط ما كان يفعله منافقو المدينة، يتعاملون مع ( الآخر ) بوجهين ، كما جاء فى قوله جل وعلا : ( وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ)

 ونزل من القرآن فى تحذير مؤمني الصحابة من موالاة وصحبة أولئك المنافقين الذين هم بالقلب والمشاعر ضد بنى وطنهم فلا يصح لبنى وطنهم أن يوالوهم :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ هَاأَنتُمْ أُولاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )  فهؤلاء المنافقون من الصحابة ليسوا من المؤمنين ،بل هم ( بطانة ) أى حشو ليس من الأصل فى شىء. وهم مخادعون للمؤمنين ، وحاقدون على المؤمنين يتمنون لهم المصائب:(إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) ( آل عمران 118 : 120 ). وتكرر هذا فى قوله جلّ وعلا عن منافقى الصحابة : (إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ  ) ( التوبة 50 : 52 )

وهذا ينطبق بالضبط على الاخوان المسلمين ومشاعرهم ضد المصريين . لا نقوله رجما بالغيب ولكن بما ترشّح من أدبياتهم وما انتشر على ألسنتهم. وكما قال جل وعلا (وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ  ).

أخيرا

يبقى العظة فى قوله جل وعلا :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ )(البقرة 8 : ـ ). !!

ودائما .. صدق الله العظيم .!!

المقال الخامس : التشابه بين الاخوان المسلمين واليهود فى تزكية أنفسهم

 هو خصم لله جل وعلا من يستخدم الدين في طموحه الدنيوي

مقدمة .

1 ـ فى مقال سبق قلنا إن مصطلح ( اليهود ) في القرآن مقصود به المعتدون من بنى اسرائيل ، وليس كل بنى اسرائيل ، وليس كل أهل الكتاب . وقلنا أن البشر جميعا ينتهون عند الموت ويوم القيامة الى ثلاثة أصناف ؛ صنفان فى الجنة وهم السابقون وأصحاب اليمين المقتصدون ، وصنف فى النار وهم أصحاب الشمال المعتدون الظالمون الكافرون ( الواقعة 7 ـ ، 88 ـ )، وهو نفس التقسيم الثلاثى للمسلمين أتباع الكتاب الخاتم ( فاطر 32 ) وهو نفس التقسيم للصحابة ( التوبة: ـ  100ـ  )،وهو نفس التقسيم لأهل الكتاب (المائدة 66 ،النساء: ـ 162 ). وفى الوقت الذى ذمّ الله تعالى فيه اليهود المعتدين ( المائدة 64 ، 82 ) فقد مدح المؤمنين الصالحين من بنى اسرائيل ( السجدة 24 ) ( الاعراف 159) ومن أهل الكتاب ( آل عمران ، 113 ـ  ، 199) ( الاسراء 107 ). هذا فى القرآن . أما فى التراث وما تعارفنا عليه فهو شىء مختلف إذ نجعل كل من يدين بالتوراة وحدها يهودا ، وننظر اليهم من خلال وصف القرآن لهم ، ولا نلتفت الى تقسيم القرآن لنا وللبشر ولأهل الكتاب نفس القسمة الثلاثية .

2 ـ واليهود المعتدون المقيمون حول المدينة تآمروا واعتدوا فكان مآلهم الجلاء عن المدينة . وكانوا يتآمر معهم منافقو الصحابة، وفضح رب العزة هذا التآمر: (الحشر 11 ـ ).وبعد إجلاء كل اليهود حول المدينة استمر التآمر اليهودى بالتعاون مع منافقى الصحابة،وهذا أيضا تم فضحه وكشفه:(المائدة 52 ) ، وكان اليهود يؤازرون مشركى قريش ضد المسلمين ويفتون لهم بأن دينهم أفضل من الاسلام ، ولم يكن منافقو الصحابة بعيدين عن هذا إذ كانوا يتحاكمون الى نفس الطاغوت تاركين الرسول الذى يحكم بالقرآن:(النساء 51 : 52 ،60 : 65) . وبسبب استمرار منافقى الصحابة فى التآمر ، بل تأسيسهم مسجدا لهذا فقد كان من اليهود من يأتى الى المدينة يزعم الايمان نفاقا ويلتقى بالنبى والمؤمنين وهو فى الحقيقة معتد كافر متآمر، يدخل معلنا الايمان وهو كافر،ويخرج وهو كافر ، يقولجل وعلا:( وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ ) ( المائدة 61 ).

3 ـ على أن مولد النفاق عند اليهود قد بدأ قبل ذلك ، ضمن جهودهم فى الاعتداء والتآمرقبل إجلائهم عن المدينة . كانوا مثل المنافقين إذا لقوا المؤمنين قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم الى بعض أفصحوا عن مكنون قلوبهم ،أى ينطبق عليهم ما قيل عّن منافقى الصحابة وغيرهم ممّن يزعم الايمان بالله جل وعلا واليوم الآخر كذبا وخداعا :(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ )( وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ )( البقرة 8 : 9 ، 14) ..هو نفس ما قيل عن منافقى اليهود ، وفضحه رب العزة فى نفس السورة :(وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ )(البقرة 76 : 77 ). وكما نزلت آيات كثيرة فى الرد على المنافقين العرب نزلت أيضا آيات كثيرة ترد على عصاة أهل الكتاب وبنى اسرائيل أو ( اليهود ).

4 ـ وفى الحلقة السابقة توقفنا مع تشابه الاخوان المسلمين مع منافقى الصحابة ، ونتوقف هنا مع تشابه الاخوان مع منافقى اليهود بعد ان عرفنا الصلة بينهما . و(التزكية ) هى أهم نواحى التشابه بين الاخوان ومنافقى اليهود ومنافقى الصحابة.

أولا : ( التزكية ) لدى منافقى الصحابة ومنافقى اليهود :

1 ـ ( التزكية ) هى مدح الذات بالتقوى وما يستدعى ذلك من التمظهر بالتقوى فى الزى وفى الكلام وفى تأدية العبادات رياءا ، بلا قلب سليم مخلص لرب العالمين ، فلن يفلح يوم القيامة إلا من أتى الله جل وعلا بقلب سليم ( الشعراء 89 ). المؤمن الحق يخشى الله جل وعلا بالغيب ،أى وهو فى خلوته ( يس 11 )، لأنه يعلم أن الله جل وعلا يراه وشاهد عليه . أما المنافق فيرائى الناس بالتقوى ومظاهرالتدين السطحى ثم يستخفى من الناس ولا يستخفى من الله جل وعلا وهو يرتكب المعاصى يظن أن الله جل وعلا لا يرى( النساء: ـ 108 ـ ،العلق 14). وفى عالم التدين السطحى تسود عبارات مدح النفس ومدح الآخرين وتزكيتهم بالصلاح . وبينما تجد خليل الله ابراهيم يدعو ربه أن يلحقه بالصالحين وكذلك حفيده يوسف عليهما السلام (الشعراء 83 يوسف 101) فإننا فى عصرنا البائس وفى تراثنا الصوفى والسّنى والشيعى نشهد ونقرأ تزكية الأئمة ومحترفى التدين بالصلاح بل وبالتقديس والتأليه ، وهنا لا تجد فارقا بين الصوفية والشيعة والسنيين ، كل منهم يزكى أئمته ليس فقط بالصلاح بل ويقدسه ويعتبر نقده إزدراء بالاسلام .!! أى أنهم هم الاسلام .!!

2 ـ والله جل وعلا حرّم تزكية النفس صراحة وضمنا . جاء النهى الصريح عن تزكية النفس فى قوله جل وعلا : ( فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )(النجم 32 ). وجاء النهى عن التزكية ضمنا فى وصفه جل وعلا للمتقين ، فالمتقى هو الذى يؤدى العبادات ويلتزم بالطاعات ومع ذلك لا يزكّى نفسه ،بل يتهم نفسه بالتقصير وهو يؤدى العبادة ويخشى ألا يقبلها منه ربه جل وعلا يوم القيامة: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )، ولأنهم يتحسّبون لليوم الآخر ورهبة لقاء الله جل وعلا فهم يسارعون فى الخيرات:( أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)(المؤمنون 57 :61). هذا على عكس المنافق المرائى الذى يطلق لحيته على الناس ، ويطلق لسانه عليهم يشترى بآيات الله ثمنا قليلا . هذا لا يؤمن بالله جل وعلا ولا يأبه باليوم الآخر. هو يعمل فقط للدنيا ويستخدم الدين ليأكل به حطاما دنيويا زائلا .

3 ـ والله جل وعلا ردّ على منافقى الصحابة حين زكّوا أنفسهم بالايمان فقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ) وحين وصفوا أنفسهم بالصلاح ردّ عليهم بأنهم فى الحقيقة مفسدون :( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) ( البقرة 8 ـ ). وكانوا يزكون أنفسهم بالهداية ويعتبرون النبى والمؤمنين معه سفهاء ،ىوجاء الردّ عليهم من ربّ العزة : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ )( البقرة 13 ).

4 ـ ونفس الحال مع اليهود الذين جعلوا من أنفسهم شعب الله المختار . قال عنهم رب العزة : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا )(النساء: ـ 50 ). وحين زعموا انهم وحدهم أولياء الله من دون الناس تحداهم رب العزة بأن يطلبوا الموت ولقاء الله طالما هم متأكّدون من كونهم أولياء الله من دون الناس:(قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ )(الجمعة: 6 ،7 ).

ثانيا : الاخوان المسلمون وتزكية النفس

1 ـ أرباب التدين السطحى مغرمون باطلاق الالقاب الحسنة التى تزكى أنفسهم وما يصدر عنهم ، وبما يفيد تملكهم الحقيقة المطلقة . بينما هم على العكس تماما ، يتناقضون مع ما يرفعون من شعارات ومع ما يطلقون على أنفسهم من فضائل وألقاب . هذه التزكية لا تقتصر على إطلاق الاخوان على أنفسهم ( الاخوان المسلمون ) ليحتكروا لأنفسهم الاسلام ، بل يمتد هذا الى سائر التفصيلات ، فحزبهم يحمل إسم ( العدالة والحرية ) وهم أبعد ما يكون عن العدل وحرية الدين ، والحزب الآخر السلفى ( حزب النور ) وأصحابه يهيمون فى ظلمات القرون الوسطى ، وأسماء محلاتهم وجرائدهم وشركاتهم ومؤسساتهم تحمل نفس التزكية ، مثل ( الأمانة ) و (التقوى ) و( الحقيقة ) و ( الهدى النبوى ) و( مجلس الارشاد ) و(عين اليقين ) (الجمعة )(البركة ) (الرضا والنور) ( التوحيد والنور) (الصراط المستقيم )( الكمال ) ( الحلال ، حلالكو ) ( النعيم ).. وفى التسعينيات رأيت محل غيار سيارات فى القاهرة إسمه ( قطع غيار الاسلام ) فكتبت عليه مقالا بنفس الاسم فى جريدة الأحرار .

2 ـ ولدى الاخوان بالذات تلاحظ تزكية النفس مرتبطة باحتقار الآخر والرغبة الجياّشة فى ركوبه وإمتطائه . فمن أدبياتهم السياسية: (التربية) أى مرحلة السيطرة على عقول الشعب بالاعلام والتعليم والمساجد ، يقومون فيها بغسيل مخ المصريين ليقبلوهم حكاما باسم الله جل وعلا ، بزعم أنهم وحدهم المختارون من الله جل وعلا لركوب المسلمين باسم رب العالمين . وهنا تتخذ التزكية للنفس مظهر الجريمة الدينية الكبرى فى حقّ الله جل وعلا وفى حق المصريين . فالله جل وعلا لم ينزل فيهم وحيا أو كتابا سماويا يعلن فيه أختياره لهم من دون العالمين للتحكم فى المصريين وغير المصريين . والمصريون ـ لو إستيقظوا ـ لا بد أن يعتبروا هذه ( التربية ) أحتقارا لهم ، وأن رغبة الاخوان فى حكمهم بالدين هو خيانة عظمى للوطنية المصرية والاعتزاز بالنفس ، يكفى أن الله جلّ وعلا كرّم بنى آدم وسخّر له العالم والمواشى ، فيأتى الاخوان وغيرهم ليمتطوا الانسان ( المصرى ) مثل أى ماشية مركوبة ، ويعللون هذا بأنهم وحدهم المختارون من الله لركوب المصريين ، لأنهم وحدهم (الاخوان المسلمون ) .

وبعد مرحلة التربية تأتى المرحلة الأخيرة لدى الاخوان هى (التمكين) ، وتعنى عندهم تمام التحكم والسيطرة ، أى بعد تربية المصريين وإقناعهم بالخضوع والخنوع للاخوان والرضا بالركوع لهم كى يركبهم الاخوان باسم الله وبشعار الاسلام ، تأتى المرحلة الأخيرة عندما يركبون ، فلا تداول للسلطة ولا سماح لآخر ان يمتطى الدابة وينزلهم من فوق ظهرها . و( مصر ) كما قال عمرو بن اتلعاص ( مطية راكب ) أو بالتعبير المصرى ( بلد اللى يركب ) وهم يرون أنفسهم أحق بركوبها ، لأنهم فى زعمهم قد اختارهم الله جل وعلا لركوبها ..هذه هى مصر وهؤلاء هم المصريون كما يرى الاخوان المسلمون.

3 ـ ومن تزكية النفس الى الاحتقار للآخر . وكما يفعل اليهود فى تجمعهم فى (جيتو) يميزهم عن الجوييم أو الآخر فإن الاخوان على امتداد العمران المصرى يتجمعون ويتركزون فى تجمعات عائلية أكثر تحصنا من الجيتو أو ( حى اليهود ) ، فقد كان مصريون من غير اليهود يعيشون داخل حى اليهود ، بل إن أكبر جيتو يهودى فى العالم وهو دولة اسرائيل يوجد بها عرب اسرائيليون وعرب غير اسرائيليين وأفارقة مهاجرين ولا جئون سياسيون من شتى أنحاء العالم . أما جيتو الاخوان المسلمين فليس فيه مسام تسمح لأحد من غير الاخوان التسرب اليهم منها . ولو شئت حاول أن تتزوج منهم مع إعلان رأيك أنك تعارض أفكارهم السياسية .

أخيرا :

1 ـ لا بأس أن يصل أى فريق للسلطة بالانتخابات الشريفة،ولا بأس أن يتولى المسئولية  طالما لا يخلط السياسة بالدين ، وطالما لا يحتكر السلطة ولا يحتقر الديمقراطية .

2ـ نتمنى أن يقوم حزب ( العدالة والحرية ) بالانفصال عن ثوابت الاخوان المسلمين ، بأن يقوم بتطبيق العدالة الاجتماعية بتذويب الفوارق بين الطبقات وكفالة الفقراء والمساكين وأطفال الشوارع والأيتام والأرامل،وتحقيق العدل السياسى بالديمقراطية وتداول السلطة ، وتطبيق المبدأ الاسلامى (لا إكراه فى الدين) أى بتقرير الحرية فى الدين لكل فرد ، أى بكون الدين علاقة خاصة بين الفرد وربه دون أدنى تدخل من المجتمع والسلطة ،فليس من مهمة الدولة إدخال الناس الجنة لأن الهداية مسئولية شخصية ، وكل فرد  مسئول عن إختياره يوم القيامة . أما مسئولية نظام الحكم فهى كفالة حقوق الافراد فى العدل وفى الحرية ،أى حرية العقيدة والرأى والفكروالبحث وحرية العبادة وحرية الايمان وحرية الكفروحرية التنقل بين الأديان والمذاهب وحرية الدعوة والتبشير لكل فرد وجماعة. فهذا هو الاسلام ، ولكن يتم تطبيقه بدون شعارات دينية لأنهم يحكمون باسم الشعب وليس باسم الله جل وعلا ، ولأن الشعب تختلف مذاهبه وعقائده وأديانه ، ولكن يتفق الجميع على الحرية والعدل وكرامة الانسان وحقه فى العيش فى أمن وسلام .  

3 ـ وفى النهاية فالتجربةهى التى ستثبت المخلص الشريف وهى التى ستفضح المنافق المخادع.

 

المقال السادس : التشابه بين الاخوان ومنافقى الصحابة فى حرب الاشاعات

هو خصم لله جل وعلا من يستخدم الدين فى طموحه الدنيوى

أولا : تطور حرب الاشاعات

1 ـ دخل العالم فى نوعية جديدة من الحرب ، هى الحرب الاعلامية بالصورة ، ولقد كان معروفا استخدام الصورة الصحفية ، ولكن عصر الانترنت الذى جعل الكرة الأرضية غرفة محكمة الاتصالات بين أفرادها دخل بالحرب الاعلامية منعطفا هائلا . صورة الراحل خالد سعيد بعد قتله تعذيبا حرّكت الملايين وأججت الثورة فى مصر، ومثلها فى تونس صورة ابو عزيزى وهو يحترق احتجاجا ، وبينما نجا حافظ الأسد بعد مذابح حماة وحلب فقد أصبح مستحيلا أن ينجو بشار الأسد بعد أن فضحته (الصورة ) على الانترنت . ويأتى قرين الصورة ( الخبر ) الذى يتم تداوله فى نفس اللحظة بين مئات الآلاف من الأشخاص بعيدا عن سيطرة المستبد الذى أفقدته ثورة الاتصالات والمعلومات عصره الذهبى حين كان يحيط شعبه بسور ظاهره الرحمة وباطنه العذاب. الآن سقطت الأسوار ، ودارت الحرب على المكشوف بين الثوار والمستبدين فى فضاء الانترنت وفى الشوارع أيضا.

2 ـ ومن ملامح حرب الصورة وحرب الخبر يأتى تزوير الصورة وتلفيق الخبر .أى هى العودة لحرب الاشاعات،وهى حرب قديمة لا تزال عميقة التأثير فيما يسمى بالحرب النفسية ،ولكنها تطورت الآن لتدخل فيها فنون التآمر وبالونات الاختبار ، والتصريحات المجهّلة المصدر والأخبار المصنوعة المفبركة ، والتصريحات التى يمكن التراجع عنها بعد أن ينتهى مفعولها أو تضر صاحبها . حرب الاشاعات هذه يجيدها فى مصر طرفان : المجلس العسكرى وأجهزته المخابراتية بحكم التخصص ، جماعة الاخوان والسلفيين وأتباعهم بحكم دينهم الأرضى المؤسس على الثقافة السمعية والخرافات والأكاذيب المقدسة .  

ثانيا : الدولة الاسلامية لا تعترف بحرب الاشاعات

1 ـ ليس فى الاسلام استخدام لحرب الشائعات الكاذبة ، فليس فى دين الله جل وعلا القائم على الصدق أن يستخدم الكذب والافتراء ، وليس فيه مبدأ ميكافيللى ( الغاية تبرر الوسيلة ) ففى الاسلام : الغاية شريفة ولا بد أن تكون وسيلتها أيضا شريفة . وطبقا للتقوى الاسلامية فى التعامل مع الله  ـ الواحد ألحد الذى لا شريك له ولا ولد ـ يجب على المؤمن المتقى أن يتعامل بصراحة واستقامة مع الناس متوكلا على الله جل وعلا. وحتى لو تعرض للخداع فإن توكله على الله جل وعلا سينجيه طالما كان تقيا:( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )( الطلاق 2 : 3 )

2 ـ وفى حروب خاتم النبيين الدفاعية واجه أعتى المكائد فقابلها بالاستقامة ونجح . أمره ربه جل وعلا بالبر بالعدو المخالف فى الدين طالما لا يعتدى:( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) وأن يقصر العداء على المعتدى فلا يواليه ولا يناصره: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ( الممتحنة 8 ،9 ). وبالنسبة للعدو الخائن المتأمر أمره ربه أن يتعامل معه بشفافية واستقامة فيعلن خيانته ويفضحه لا أن يقابل الخيانة بالمثل :( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ) أن يعدّ ما استطاع من قوة للدفاع ، لا ليعتدى، ولكن ليردع من يفكر بالاعتداء عليه :(وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) ولو عرض العدو السلام فلا بد أن يسالمه متوكلا على الله جل وعلا :( وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ )، ولوأرد العدو المعتدى خداعه بموضوع السلام فإن توكله على ربه جل وعلا يحميه :(وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) (الانفال  58 ، 60 ، 61 ، 62 ).

3 ـ بهذه الاستقامة المفرطة وإفتراض الصدق وحسن النية حتى مع الخصوم كان عليه السلام يتعامل مع المنافقين . أقاموا مسجدا للضرار والتآمر خداعا فصدّقهم وكان يصلى معهم فى هذا المسجد ،ألى أن نهاه الله جل وعلا:( وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا )(التوبة  107 : 108)، ومع كل فضائح المنافقين التى ذكرتها  آيات القرآن الكريم فقد كان يستغفر لهم،فقال له الله جل وعلا:(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ( التوبة 80 ).  قابل عليه السلام عدوا متمرسا بفنون الاشاعات والحرب النفسية فقابلهم بالاعراض عن أذاهم مع بتقوى الله جل وعلا والتوكل والاعتماد عليه: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ) (وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا ) ( الأحزاب 1 : 3 ، 48 )، أى كان عليه السلام يواجه المكائد والاشاعات باستقامة مع تقوى الله جل وعلا والتوكل عليه وأتباع القرآن الكريم . وهى وصفة سحرية لكل مؤمن .

4 ـ وقبلها قاسى عليه السلام حرب الاشاعات من مشركى مكة ، كان يضيق صدره من المكائد والأقاويل، فكان يأمره ربه بالتسبيح والعبادة:( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)(الحجر97 :99)، أو يأمره بالتقوى والعفو والاحسان:( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ )(النحل  127 : 128 )، أو يأمره بالصبر والتسبيح :( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ) ( طه 130 ) (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ)( ق 39 : 40 ). وفى هذا درس عظيم للمؤمن فى السمو الخلقى حيث تتداخل العبادة مع حسن الخلق. وهذا ما يهجره أتباع الأديان الأرضية المسلمون خصوصا السنيين منهم ، فليس بالقرآن يتمسكون بل هم بسنّة منافقى الصحابة يقتدون .

ثالثا : أمثلة لحرب الاشاعات التى قام بها منافقو الصحابة   

1 ـ كانت المدينة فى  معظم عهد خاتم النبيين عليهم السلام فى حالة طوارىء ، يحيطها الأعداء من كل مكان ، ويعيش داخلها طابور خامس قوى وهم المنافقون. ولم ينقطع تآمر المنافقين ، فشمل وقت الحرب ووقت الاستعداد للحرب على السواء. ومهروا فيما نعرفه الآن بالحرب النفسية بالاشاعات والنجوى ، ولولا نزول القرآن يفضحهم ويحبط كيدهم لانتهى الاسلام والمسلمون فى المدينة مبكرا جدا . ونعطى أمثلة عن حرب الاشاعات بالذات .

2 ـ سبقت الاشارة الى إشاعتهم الاتهام للنبى بأنه ( أذن ) أى يعطى أذنه يسمع للناس ونزل القرآن يدافع عن النبى ( التوبة 61 ) ، وسبقت الاشارة الى أنهم كانوا يدخلون عليه يقدمون له فروض الطاعة ثم يخرجون يتقولون عليه كذبا ويطلقون عليه الاشاعات ( النساء 81 ). ويهمنا الآية التالية التى تعظهم ودعوهم الى تدبر القرآن : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ) ثم تتحدث الاية التالية عن تعمدهم نشر أخبار آتية من الخارج ـ بقرب هجوم مثلا ـ لتخويف أهل المدينة دون الرجوع الى أولى الأمر أى أصحاب الشأن المسئولين عن أمر الأمن والاستعداد الحربى ومعهم الرسول نفسه القائد:(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ )(النساء 82 : 83 ).

3 ـ وقبل الاشاعات الخاصة بالأمن والحرب بدأ المنافقون بما يعرف بحديث الافك ، والذى يقول فيه رب العزة جلّ وعلا :(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) بدأه المنافقون إشاعات سامة وسرعات ما انتشرت: ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ )( النور 11 : 18  ). وفى كتابنا (القرآن وكفى ) وفى برنامج ( فضح السلفية ) خصصنا حلقة فى إثبات أن حديث الافك لا شأن له بالسيدة عائشة ، وإنما كان إتهامات مفتراة لنساء مؤمنات غافلات نتج عن توطين المهاجرين والمهاجرات بين الانصار ، واحتياج المهاجرين والمهاجرات الى العون ، وهذا التعاون النبيل أوجد اختلاطا إستغله المنافقون فى نشر إشاعات تمس شرف المؤمنات العفيفات .

4 ـ وفى وقت الحرب اشتدت حربهم النفسية بالاشاعات ، خصوصا فى حصار الاحزاب ، وقد فصّلت سورة الآحزاب أحوال سكان المدينةوقتها من مؤمنين صادقين ومنافقين ، واوضحت تنوع المنافقين وتخصص بعضهم فى نشر الاشاعات وأقاويل التخذيل والتثبيط والتعويق عن الحرب عن الدفاع عن المدينة فى وقت عصيب . ونقتطف الآيات التالية:(إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا)( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ). بل فى هذا الوقت العصيب ظهر أنهم كانوا يريدون انتهاز الفرصة للقيام بعصيان مسلح ،وهذا منتظر ومتوقع ،ولذا هددهم الله جل وعلا إن لجأوا الى الصدام الحربى بالمؤمنين (أو الثقف بالتعبير القرآنى ) فقال جل وعلا:( لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا )(الأحزاب:10 : 20 ، 60 ـ  ).

5 ـ وتكررت حربهم النفسية فى غزوة ذات العسرة، فلم يشاركوا فيها سوى بنشر الاشاعات والاستهزاء بالمجاهدين الفقراء الذين كانوا يتجهزون للخروج بأموالهم وأنفسهم:( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )(التوبة 79 ). ولو خرجوا مع الجيش ما زادوا المجاهدين إلا خبالا ، يقول جل وعلا:(وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)(التوبة 46 : 47 ).أى من المؤمنين من أدمن سماع المنافقين : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ). والله جل وعلا هو العليم بهم : (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ).

6 ـ وتخصصت بعض الاشاعات فى إيذاء النبى عليه السلام والمؤمنين، فقال جل وعلا :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا )(الاحزاب 57 : 58 )، ولكن استمرار هذه الاشاعات المؤذية شجعت بعض الصحابة المؤمنين غير المنافقين على إيذاء النبى محمد أيضا فقال لهم جل وعلا يحذرهم من الوقوع فى نفس ما فعلته عصاة بنى اسرائيل بموسى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا ) ( الاحزاب 69 : 70 )  

7 ـ وانتشرت الاشاعات لتجعل المدينة خلية نحل تطنّ بالهمس والتناجى بين الناس حتى أصبحت (النجوى) عادة وقتها مما إستلزم ان ينزل فيها تشريع يبيح التناجى بالخير :(لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) ويقول جل وعلا عن التناجى الحرام المنافق الاثم : (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)(النساء 114: 115). وفى تناجى المنافقين جاء وصفهم بالعداء لله جل وعلا ورسوله:( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )، ونعرف من الآية التالية أنهم صمموا على عصيان الأمر بترك التناجى الآثم تحديا لله جل وعلا ، بل يواجهون النبى بتحية غير تحية الاسلام تهكما: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ). ولأن النجوى أصبحت عادة لدى بقية الصحابة خارج مجتمع المنافقين ، فقد أعاد الله جل وعلا تحذير المؤمنين،وأمرهم بان يكون التناجى فى الخير وليس فى الشّر وعصيان الله تعالى ورسوله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).وأكّد رب العزة أن نجوى الشّر هى من الشيطان لايقاع الضرر بالمؤمنين : ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ). وتنتهى الآيات بالتأكيد على أن المنافقين المتناجين هم حزب الشيطان:( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ)( المجادلة 5 : 20 )

رابعا : تأسيس الدين الأرضى على الشائعات الكاذبة  

1 ـ دين الله جل وعلا هو الحق ، ولكنّ أديان البشر المصنوعة تطغى وتبغى على هذا الحق بالافتراء والكذب ، وصناعة الأديان هى عادة سيئة للبشر يرعاها الشيطان بوحيه المستمر ، ويتلقى الناس هذا الوحى ويصغون اليه ويرتضونه وبه يرتكبونه العصيان على أنه دين الله جل وعلا: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً)(الأنعام 112 : 114 ).

2 ـ ويزعم أرباب الدين السّنى أن الأحاديث هى ( سنّة ) ووحى من الله جل وعلا . وهذه خرافة مضحكة يضحك منها المكتئب الحزين ، فهل نزل جبريل بالوحى على ( مالك ) فصاغ مالك ( الموطّأ ) بنسخ مختلفة كتبها فلان وفلان ؟ وهل نزل جبريل بعده على الشافعى فى كتابه ( الأم) وكلّف الشافعى تلميذه المزنى بكتابة هذا الوحى حتى لا يضيع ؟ وهل نزل جبريل على إبن حنبل والبخارى ومسلم والنسائى والترمذى ..الخ .. هل تفرغ جبريل بالنزول بالوحى على كل من كتب كل تلك الكتب من الأحاديث مع تضاربها واختلافها وتزايدها فى العدد من مئات الى ملايين ؟ هى كما قلنا نكتة يضحك منها الحزين . ولكن هذه الكوميديا المفتراة أصبحت مقدسة ، وقامت وتقوم على أساسها دول كالسعودية الوهابية ، وتعتنقها جماعات سياسية تسعى الى الحكم،واصبحت منه قاب قوسين مثل الوهابية المصرية ممثلة فى الاخوان والسلفيين ، ومن تبعهم بالسوء الى يوم الدين .!

2 ـ ومن تلك الأحاديث ما يخدم غرضا سياسيا ، فاختراع الأحاديث من البداية كان على هامش الفتنة الكبرى والتطاحن السياسى والعسكرى بين الصحابة فى عهد الخلفاء الراشدين ، ثم استمر بعدهم فى الدولة الأموية برعاية مبكرة من أبى هريرة خادم الأمويين ، وحين بدأ بنو العباس دعوتهم السرية السياسية تحت شعار غامض يقول ( للرضى من آل محمد ) حرصوا على نشر أحاديث تبشر بدولتهم وتتنبأ بها مقدما ، ثم بعد قيام دولتهم الفعلى استمروا ـ و بلا خجل ـ فى صناعة أحاديث تتنبأ بأسماء الخلفاء العباسيين .

3 ـ ثم تنوعت موضوعات الحديث من السياسة الى التشريع والغيبيات وكل أنواع (الهجص )، وكلها أسهمت فى نشر الثقافة السمعية ، فما يسمى بعلم الحديث يقوم على (السماع )، أى (سمع فلان من فلان ). وحتى بعد التدوين وانتهاء فترة الرواية الشفهية ظل السائد  ان يقال فى تاريخ أرباب الحديث إنه ( سمع من فلان ) بدلا من أن يقول ( تتلمذ على يد فلان ). أى إن النجوى المنهى عنها قرآنيا أصبحت منهج حياة وتعلم فى تاريخ المسلمين بعد ان تم تهميش ثم إجهاض العلم الحقيقى الذى قاده فى العالم وقتها علماء مسلمون أفذاذ من الكندى وابن سينا و جابر بن حيان والفارابى ..الى ابن رشد . إحتل فقهاء الحيض والنفاس مكانة الحكماء والأطباء والمكتشفين والمخترعين الذين بهروا العالم ، من الرازى والبيرونى الى ابن النفيس والزهراوى وابن الهيثم . الأفظع هو نشر الثقافة السمعية ، بتصديق أى كلام طالما يقال فى بدايته ( قال رسول الله ). ويحضرنى هنا تعبير ظريف قاله الشيخ محمد غزالى فى كتابه ( تراثنا الفكرى ) إذ سمى الأحاديث بالشائعات العلمية . وهو محقّ فيما قال .

4 ـ والدين الأرضى السّنى حين يؤسس على اكاذيب ، أو على ( شائعات علمية ) فمن المنتظر مع ترسيخ الثقافة السمعية لدى الأغلبية الصامتة أن تتشرب ببطء ما يلقى على أسماعها. الدين الأرضى الصوفى مثلا أشاع ان أولياء الصوفية هم المقصودون بقوله جل وعلا (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)،ويتناسون تكملة الآيات:(الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ )( يونس 62 : 63 ) ، أى إن الولاية لله جل وعلا متاحة لكل من أراد أن يكون طيلة حياته مؤمنا تقيا وليست محتكرة لطائفة أو جماعة . ولكن الالحاح على الأغلبية الصامتة بثقافتها السمعية جعلها تؤمن أن أولياء الصوفية هم أولياء الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون.  والدين الأرضى السّنى أشاع أن السّنّة النبوية هى ما كتبه البخارى وأن البخارى أصدق كتاب بعد كتاب الله جل وعلا، وهذا ما أجمعت عليه الأمّة، والاجماع عندهم من مصادر التشريع.    بل لا يزال يتغنى بعضهم بإجماع الأمة وهو يقرأ كتب ( الملل والنحل ) التى للمسلمين من الأشعرى الى الشهرستانى وابن حزم . بل يجتر حديث ( أفترقت أمتى الى كام وسبعين فرقة ) بل ربما يعرف قول ابن حنبل : (من إدعى الاجماع فى شىء فقد كذب، فما أدراه أن إختلف الناس وهو لايعلم). بل وهو يسمع انفجارات القنابل فى العراق بين السّنة والشيعة. ولكن بالالحاح المستمر آمنت الأغلبية الصامتة بهذا الهراء .

أخيرا : السلفيون والاخوان المسلمون وحرب الاشاعات

1 ـ أتى على مصر حين من الدهر تشربت فيه أغلبيتها الصامتة الشائعات الصوفية فاعتقدت فى خرافات كرامات الأولياء وتقديسهم،واستمر هذا طيلة العصرين المملوكى والعثمانى . وبعد أن اقام عبد العزيز آل سعود إمارته فى نجد وتوسع فيها ليصل الى الأحساء  ثم يحتل الحجاز إضطر للتعامل مع مصر التى أسقطت من قبل الدولة السعودية الأولى عام 1818 . وعمل عبد العزيز على تغيير التدين المصرى الصوفى بانشاء الجمعيات الوهابية تحت اسم السّنة والسلفية وتتوجت بالاخوان المسلمين عام 1928. وبالظروف المواتية قبل وبعد حركة الجيش عام 1952 سياسيا وعالميا وبالبترول وبالحاح الاعلام والتعليم والمساجد والأزهر وخلال  ثمانين عاما استطاع الاخوان المسلمون والسلفيون إقناع الأغلبية الصامتة المصرية أن الاخوان والسلفيين هم الأجدر بحكم مصر باسم رب العالمين. وظهر هذا فى الانتخابات النيابية عام 2012 .  

2 ـ والذى لا شكّ فيه أن مصر قد تحولت أيام الانتخابات النيابية الى دوىّ من النجوى برع فيه الاخوان والسلفيون بأكثر من منافقى الصحابة ، مع فارق أن الأغلبية الصامتة المصرية كانت تفضّل المتناجين بالباطل من الاخوان والسلفيين على غيرهم . نقول المتناجين بالباطل لأنهم كانوا ولا يزالون يقدمون أنفسهم على أنهم المختارون من الله لحكم المصريين ،وأنهم الممثلون للاسلام ، وأنّ من يختار غيرهم فقد ارتضى غير الاسلام دينا. ونجح هذا التناجى الباطل الخادع الأفّاك.

3 ـ ولا يزال ينجح .‍!!

 

 المقال السابع :مساجد الضرار محورالتشابه بين معظم المسلمين و مشركي الصحابة

هو خصم لله جل وعلا من يستخدم الدين فى طموحه الدنيوى

مقدمة : فى توضيح المفاهيم قرآنيا :

1 ـ الصاحب من يصحبك فى نفس الزمان والمكان ، فالزوجة صاحبة زوجها:(وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً)(الجن 3)(يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ)(المعارج 11ـ).وكان خاتم النبيين صاحبا للمشركين فى زمنه(مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)(النجم2(مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)( سبأ 46  ) وكان مصاحبالصاحبه فى الغار( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)( التوبة 40).الصحبة لا تعنى الاتفاق فى الدين ولكن الاتفاق فى نفس الزمان والمكان . وبالتالى فالصحابة هم الذين عاشوا مع خاتم النبيين والتقوا به وتعاملوا معه ، سواء من كان منهم مؤمنا أو كافرا أو منافقا.كلهم صحابة طبقا لمفاهيم القرآن المخالفة لمفاهيم الدين السّنى .

2 ـ المسجد هوموضع السجود للعبادة، يقول جل وعلا( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)( الاعراف 29 ). إقامة الوجه تعنى الاتجاه لله جل وعلا وحده فى العبادة فى كل مسجد وموضع للسجود،والمؤمن يوجّه وجهه لله جل وعلا وحده : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام 79)، وهو على صراط مستقيم بعكس المشرك الذى تتعدد آلهته وهو يسجد لله ولمختلف الآلهة والأولياء المقدسة وفى مساجد مختلفة.يقول جل وعلا يقارن بين المؤمن الحنيف والمشرك:(أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(الملك  22). والمسجد بمعنى موضع السجود للعبادة جاء أيضا فى قوله جل وعلا:(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)(الأعراف31 ). وبالتالى تتعدد أنواع المساجد من حيث الأسماء ومن حيث الاخلاص فى العقيدة لله جل وعلا وحده ، أوالعبادة والسجود لله ولغيره  فى نفس المسجد .

ثانيا : أنواع المساجد:

1ـ  طالما أن المسجد هو موضع السجود للعبادة فهناك أنواع مختلفة من المساجد . فى البداية تنقسم المساجد الى نوعين : مساجد دينية ومساجد ( ضرار) يستغلها أصحابها فى أغراض دنيوية سياسية وأيدلوجية . وسنعرض لمساجد الضرار فى الحلقة القادمة قرآنيا وتاريخيا. نقتصر هنا على المساجد الدينية .

2 ـ التقسيم الأول للمساجد :

2 / 1 : قد يطلق كلمة ( بيت) على المسجد مثل البيت الحرام (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ)(المائدة 97 )،ومثل قوله جل وعلا:( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)(النور 36 )،( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ )(يونس 87).

2/ 2 : ومن بين المساجد جميعا فالبيت الحرام يقف وحده فريدا بين المساجد مثابة للناس وأمنا ومن دخله كان آمنا، فهو البيت العتيق، وأول بيت وضعه الله جل وعلا للناس،وأوجب على الناس جميعا الحج اليه خلال الأشهر الأربعة الحرم،وجعله قبلة   فى الصلاة وحرّم القتال فيه إلا دفاعا:( البقرة 150،191: 192 ،196: 203)(آل عمران 96 : 99 )(المائدة 2 ، 94 : 97) ( الحج 26 : 29). أى هناك بيت واحد لله جل وعلا الواحد ،وهو الحرم المكانى لرب العزة فى الأرض الذى يجب أن يحج اليه الناس أثناء الحرم الزمانى أى الأشهر الحرم الأربعة:ذو الحجة ومحرم وصفر وربيع الأول. ولكن المشركين قبل وبعد نزول القرآن انتهكوا كل هذا سواء بتعدد المساجد التى يحجون اليها ويجعلون لها موالد أو فى انتهاك حرمة البيت الحرام والأشهر الحرم أو التلاعب فى تشريعات الحج،وسنعرض لهذافى كتاب عن الحج .  

2/ 3 : وتنقسم المساجد أيضا من حيث نوعية العبادة فيها؛الأقلية منها تكون فيها العبادة لله جل وعلا خالصة بلا تقديس لقبر أو شخص داخل المسجد إمتثالا لقوله جل وعلا :(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)،(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)،(الاعراف29)( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)(النور 36 ـ ).ولكن الأغلبية الساحقة منها تتنفس الشرك وتنطق به.

2/ 4 :هذه المساجد الشركية الكافرة أنواع :

2/ 4/ 1 :مسجد يضاف اليه قبر مقدس:وقد انتشر هذا فى مكة،ووقف خاتم النبيين عليهم السلام يدعو الى تطهير بيوت الله من عبادة غيره والتوسل بغيره ، فكادت قريش أن تفتك به ، وهو ما يمكن أن يحدث الآن لمن يرفع صوته معترضا على صيغة الأذان وتقديس البشر فى المساجد ، يقول جل وعلا :( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا)( الجن 18 ـ ).أفظعها ذلك القبر المقدس أو الرجس المقدس الذى تحميه الوهابية السعودية وتنسبه قبرا للنبى محمد عليه السلام. وهو برىء منه ومنهم .

 

2 / 4/ 2 : قبر يقام عليه مسجد: مثل المسجد الذى أقامه الملأ الأعيان على قبر الفتية من أهل الكهف:(وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا)(الكهف 21 ).ومثل هذا النوع كثير فى المساجد باسم الحسين والسيدة زينب والأولياء الصوفية مثل البدوى والشاذلى وأبى العباس المرسى و ابراهيم الدسوقى ، وقبلهم الشافعى والليث وأبى حنيفة.  بل توجد مساجد متعددة للشخص الواحد.وهذا شرحه يطول .

ثالثا : تشريعات المساجد :

1 ـ حصانة كل بيوت العبادة كإحدى مقاصد القتال الدفاعى فى الاسلام ،لتشمل بيوت العبادة لليهود والنصارى والمسلمين وأى بيوت للصلاة واى مسجد طالما يذكر فيها اسم الله كثيرا : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحج 40).

2 ـ ترتبط هذه الحصانة بتشريع الحرية المطلقة فى الدين عقيدة ودعوة وعبادة داخل وخارج المساجد وسائر بيوت العبادة . وكل البشر ينادون رب العزة بصيغ مختلفة ولغات مختلفة على انه الخالق ،ولكن يختلفون ويختصمون فيما بينهم فى طبيعة الخالق جل وعلا. يقول رب العزة عن نوعى الناس يوم القيامة وخصومتهم فى طبيعة الخالق هل هو واحد لاشريك له ولا ابن ولا ولى ،أم له : (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) والفصل بينهم يوم القيامة:(هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ )(الحج 19 ـ ). فالحرية المطلقة فى العقيدة والعبادة فى الدنيا مقابل مسئولية الحساب يوم القيامة وما يترتب عليه من نعيم الجنة أو عذاب فى النار:(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا)(الكهف 29 ـ ). ونزلت هذه التشريعات لأول مرة فى جزيرة العرب حيث تتزعم قريش فى مكة الحياة الدينية الشركية بعد ان غيّرت ملة أبيهم ابراهيم عليه السلام . وبعد موت خاتم النبيين عاد المسلمون الى نفس الكفر والشرك وانعكس هذا على دور المساجد كما سنعرض فى المقال التالى عن مساجد الضرار فى تراث المسلمين وحاضرهم.

ثالثا : قريش والمساجد

كان نظام قريش أقرب الى النظام العلمانى الذى يجيد استخدام الدين الأرضى لمصالحه، وكان الأمويون أبرز من يعبّر عن هذه العلمانية. ورثت قريش تحريف ملة ابراهيم وتكسبت بهذا التحريف وحافظت عليه من أداء شكلى للصلاة المتوارثة مع العبادة والتقديس لله جل وعلا وللأولياء على انها تقربهم لله تعالى زلفى ، مع استخدام البيت الحرام لأغراضهم الدنيوية. ونعطى ملامح سريعة :

1ـ إدراة قريش لشئونها السياسية كانت فى ( النادى ) ، وبينما كان قوم لوط يمارسون الشذوذ فى ناديهم :(أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ)(العنكبوت 29) كانت قريش تخطط فى ناديها للمكر بالنبى والمؤمنين

(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(الأنفال 30)، وبعض قادتهم لم يعجبه ان خاتم النبيين أصبح يصلى ويسجد لله جل وعلا وحده دون تقديس للقبور المقدسة فى المسجد، فنهى النبى عن ذلك مستطيلا بجاهه ونادى قريش ، فقال جل وعلا:(فَلْيَدْعُ نَادِيَه سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)(العلق 17 :19 ).

2ـ كانوا يؤدون الصلاة حركيا مع استغفار باللسان وليس باخلاص القلب والجنان ، هذا مع استمرارهم فى العصيان وفى الصّد عن المسجد الحرام والتحكم فى فريضة الحج بنفس ما يفعله آل سعود من تدينهم السطحى وظلمهم وصدّهم عن سبيل الله والمسجد الحرام الآن ، يقول جل وعلا :(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ)(الأنفال 33 ـ ). وبعد الهجرة صدّت قريش النبى والمؤمنين عن الحج فقال جل وعلا:(هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ)(الفتح 25).

3ـ ومثلما يفعل آل سعود الآن فى التعمير المادى للبيت الحرام والمبالغة فى تشييد المساجد كانت تفعل قريش تتصور أن هذا سبيل الرشاد فاعتبره رب العزة شاهدا على الكفر لأنه يغطى عصيانهم ويبرر لهم فسوقهم وظلمهم ، فالتعمير الحقيقى فى القلب وليس بزخرفة المساجد ، حتى لو كان المسجد الحرام، ومثلما يفخر آل سعود برعاية الحجيج كانت تفعل قريش، فقال جل وعلا يرد على هؤلاء وأولئك:(مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ اللَّه شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )(التوبة17 : 19 ).

 4ـ وسبقت الاشارة الى رفضهم تطهير مساجدهم من رجس القبور المقدسة ، وأنهم كادوا يفتكون بالنبى حين دعاهم لهذا :( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا)( الجن 18 ـ ). وبعد الهجرة بقى مؤمنون فى مكة ، وازداد الاقتناع بين أهل مكة بدعوة القرآن،وعانى هؤلاء المسلمون القرآنيون فى مكة الاضطهاد فمنعتهم قريش من الصلاة فى المساجد وارهبتهم وأرعبتهم فقا جل وعلا:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )(البقرة 114 ).وارتكب مبارك نفس الشىء فى مصر مع القرآنيين فحقت عليه لعنة الخزى فى الدنيا ، ويتطلع اليه العالم وهو يتصنع المرض محمولا فى سرير فى محاكمته. وننتظر نفس المصير لآل سعود بعونه جلّ وعلا الذى لا يخلف وعده .

5ـ وكان قوم نوح من قبل يهددون نوحا بغضب أوليائهم(وَدًّ وَسُوَاعً وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ ونَسْر ) فتحداهم نوح وتحدى آلهتهم المزعومة:(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ)(يونس 71). وجاءت قريش تهدد خاتم النبيين بغضب أوليائها (اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ)، فقال جل وعلا لخاتم النبيين إنه كاف بعبده وعبيده مهما خوّفه المشركون من غضب آلهتهم المزعومة:(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ )(الزمر 36)، وأمره رب العزة أن يتحدى آلهتهم الموتى المقبورة :( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ)(الأعراف 194 :197)

واستخدمت قريش سلطتها فى أمر النبى محمد بعبادة أوليائها فأمره ربه جل وعلا أن يقول لهم(قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ)(الزمر 64: 66)

رابعا :منهج القرآن فى الدعوة لاصلاح الناس والمساجد

1 ـ إستخدام الحوار المنطقى العاقل فى إيمانهم بالله الخالق المنعم العليم فى أن هذه الأولياء الميتة زعومة لا تخلق:( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ )( النحل 17ـ )وأنهالا تنفع ولا تضر:(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)( الزمر 38)ولا تسمع من يتوسل بها ولا تملك شيئا فى ملك الله جل وعلا: ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍإِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر14). وهذا ينطبق على كل الأولياء المعبودة والمقدسة لدى الوهابيين من أئمة السّنة من البخارى الى ابن تيمية وابن عبد الوهاب كما تنطبق على أئمة الشيعةوالصوفية .

2 ـ تقرير حريتهم فى الكفر وارجاء الحكم عليهم الى يوم القيامة ، يقول جل وعلا لخاتم المرسلين :(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)( الزمر 2 : 3). ثم يقول للكفرة فى كل زمان ومكان إنه لا يرضى لهم الكفر وهو غنى عنهم لو كفروا ، ومرجعهم اليه يوم القيامة :( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (الزمر 7). وأمر رسوله عليه السلام أن يعلن عقيدته فى اخلاص الدين لله جل وعلا وأن لهم مشيئتهم فى الكفر وعليهم مسئولية الخسران يوم القيامة :( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )( الزمر11 ـ ). قال لهم (فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ )وأكّد هذا فى نفس السورة :( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ )(الزمر39: 41 ).وقال له فى سورة لقمان: (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ )( لقمان 23 ـ ) .

أخيرا

كل ما سبق من وصف للضلال فى استخدام المساجد لحرب الله جل وعلا وقع فيه المسلمون فى أديانهم الأرضية . وكل الوعظ واساليب الحوار والاصلاح كأنما نزلت الآن لاصلاح المسلمين . والأغلبية العظمى من بيوت العبادة للمسلمين تنطق بالكفر والعصيان . وهذه الأغلبية العظمى تخلط الكفر بايدلوجيات سياسية كما تفعل مساجد السلفيين والاخوان المسلمين على أوسع نطاق . ونختم بالتذكيربالحقائق التالية :

1 ـ عموم حديث القرآن عن المشركين ليشمل كل زمان ومكان مع نزوله يعلّق على مشركى قريش والعرب. لم يقل كفار مكة أو مشركى العرب ،با استخدم الصفات التى تنطبق على كل زمان ومكان .

2 ـ عدم الاكراه فى الدين حتى فى التعامل مع مسجد الضرار ، فلم يأمر رب العزة بتدميره بل نهى فقط خاتم النبيين عن الاقامة فيه .

3 ـ برغم الحاجة الى إصلاح المسلمين فى عقائدهم وأخلاقياتهم سلميا وثقافيا بالقرآن وبالاحتكام اليه فإن الوهابيين يصدّون عن هذه الدعوة القرآنية لأنها تقوم على الدعوة للعدل والحرية.والوهابية كما يبدو فى دولتها السعودية تقف بصرامة وقوة ضد العدل والحرية . والاخوان المسلمون يتجاهلون هذا الاصلاح السلمى لأنه يعطلهم عن غرضهم الأسمى وهو الوصول الى الحكم. بل إن أول طلب تقدم به نائب  حزب الوسط الوهابى فى مجلس الشعب المصرى هو عن انتهاك اسرائيل لحرمة أحد القبور المقدسة ( للمسلمين).يعنى لا تهمه مذابح المجلس العسكرى للمصريين ، ولا تهمه مذابح السّنة والشيعة فى العراق ولا مذابح بشّار فى سوريا ولا مذابح الطالبان فى افغانستنان وباكستان ..كل هذا يهون ولا بأس به. المهم هو التراب المقدس للضريح المقدس فى فلسطين .

4 ـ هذا الأضرحة وتلك الأنصاب أو القبور المقدسة المنصوبة للعبادة والنقديس يعتبرها رب العزة رجسا من عمل الشيطان يأمر المؤمنين باجتنابها ويحرّم الأكل من ذبائحها(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ)(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(المائدة 3، 90) .ولم يفلحوا، لأنهم يعبدون رجسا من عمل الشيطان .

المقال الثامن:  انتشار مساجد الضرار فى بلاد المسلمين

هو خصم لله جل وعلا من يستخدم الدين فى طموحه الدنيوى

مقدمة

المسجد الدينى العادى هو المختص بالعبادة فقط بدون أى نشاط أو دعوة سياسية ، تتنوع فيه العبادة من عبادات شركية كفرية أو عبادات مخلصة لله جل وعلا ، ولكن هذا المسجد الدينى لا شأن له بالسياسة تأييدا للحاكم أو تآمرا عليه . ويشترك مسجد الضرار مع المساجد الشركية الكفرية فى أن الاسلام يأمر باجتنابه وهجره دون تدميره وهدمه . الله جل وعلا يأمر بإجتناب الرجس من الأوثان والأنصاب التى هى من عمل الشيطان . مجرد إجتناب طبقا للمبدأ الاسلامى الرائع فى حرية العقيدة وأنه لا إكراه فى الدين كما نهى خاتم المرسلين عن الاقامة فى مسجد الضرار الذى أسسه منافقو الصحابة . لم يأمر بهدمه ولكن بهجره . ومن اسف أن انتشرت مساجد الضرار فى تاريخ المسلمين وحاضره ، وهذا ما نتوقف معه فى لمحة قرآنية تاريخية سريعة

أولا : تحديد ملامح مسجد الضرار:

1 ـ جاء هذا فى قوله جل وعلا :(وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ) أى هو مسجد لالحاق الضرر بالناس ، مسجد ليس للصلاة بل يتخفى خلف واجهة الصلاة لتحقيق أهداف دنيوية خاصة بمن أقاموه. ولأنهم مجرد جماعة ذات توجه خاص فإن عملهم يستهدف مصلحتهم الخاصة وليس صالح المجتمع ، بل يهدفون الى السيطرة على المجتمع باستغلال الدين ـ أقدس ما لدى الانسان ، وهم يعرفون سرعة وسهولة السيطرة على الناس بالدين ومن خلال المسجد والعبادة فيه والصلاة داخله ، ويعرفون ان المؤمن المسلم يدخل المسجد بقلب متهيىء للسمع الطاعة، فيستغل القائمون على المسجد هذا فى إقناعه دينيا بما يريدون ليحققوا مصالحهم الدنيوية، باستغلال اسم الله العظيم وعلى حساب بقية المجتمع. هنا يكون الحاقهم الضرر بالمجتمع، ليس فقط فى أن نجاحهم يعنى ركوبهم ظهور الناس من غيرهم ولكن أيضا لأنهم سيقسمون المجتمع الى حاكم يملك الثروة والسلطة ومحكوم مظلوم مملوك للحاكم المستبد ، وهذه هى أفظع أنواع التفريق بين الناس الذين خلقهم الله جل وعلا سواسية ، وجعل من معالم الشورى ـ كما شرحناهاـ عدم وجود حاكم لأن المسلمين سواء يحكمون أنفسهم بأنفسهم ، ومن يتولى أمرا يكون خبيرا فيه ومساءلا أمام الناس ، وطاعته فى إطار القاعدة القرآنية أنّه لا طاعة لمخلوق حتى النبى نفسه ـ فى معصية الله جل وعلا :(الممتحنة 12 ). ويستدعى طموحهم السياسى وتآمرهم من خلال المسجد الضرار الاستعانة بقوى خارجية معادية لعموم المجتمع ولها أهدافها التى تتشابك مع مصالح وأهداف القائمين على مسجد الضرار الذى يتحول الى وكر لتآمرهم . وهذا ما كان يفعله منافقو الصحابة فى المدينة . كانت لديهم حرية الحركة والقول والتظاهر بالمعارضة الدينية بل والتندر بالاسلام ورسوله وبالمؤمنين . ولم يكتفوا بهذا ـ وهذا كثير ـ فطوروا معارضتهم الى إنشاء مسجد يحاربون به الاسلام وينافسون به المسجد المقام من قبل فى المدينة .

2 ـ ونسير مع الآيات الكريمة ، فحين كشف الله جل وعلا تآمرهم وحقيقة مسجدهم نبّأ مقدما أنهم سيحلفون كذبا بالله أن نيتهم كانت صافية وحسنة :(وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ). وكان النبى يأتى الى هذا المسجد يقوم فيه للصلاة ، وربما كان فرحا بهداية أولئك المنافقين وبنايتهم ذلك المسجد،ولم يكن يدرك انه وكر للتآمر . لذا نهاه ربه جل وعلا عن الاقامة فيه مطلقا ، والاكتفاء بالمسجد الأول فى المدينة الذى تم تأسيسه على تقوى من الله جل وعلا ورضوان وفيه مؤمنون ومؤمنات تطهرت عقيدتهم:(لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) ( رجال ) هنا تفيد الترجل والوقوف للصلاة وليس جنس الرجال. وجاءت (رجال ) بمعنى المترجل فى سور ( البقرة 239 ) والاعراف ( 46 ) والحج (27) . ويقارن رب العزة بين مسجد الايمان ومسجد الضلال والضرار فيقول :(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). ثم ينبىء رب العزة باستمرار هذا بناء هذا المسجد قائما بلا تخريب ولا تدمير:(لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )(التوبة 107 ـ 110) .

ثالثا : إنتشار مساجد الضرار فى تاريخ المسلمين

1 ـ قوله جل وعلا:(لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) فيه إعجاز بالاخبار بالغيب من ناحيتين : الأولى ترد على كذبة ابن اسحاق فى سيرته والتى زعم فيها أن النبى أمر إثنين من أصحابه بتحريق مسجد الضرار قائلا (إنطلقا الى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه ). الله جل وعلا يرد مقدما على هذه الفرية بأن ذلك المسجد ظل ولا يزال بنيانه طالما ظلت قلوبهم تملؤها النفاق. وقد استمر نفاق الصحابة وتطور بعد موت النبى عليه السلام ، ثم عمّ وانتشر بعده فى ظلّ استخدام الدين نفاقا لتحقيق أهداف سياسية ومغانم شخصية. وهوما نراه فى عصرنا الراهن البائس .وهذا يؤدى الى الناحية الأخرى وهى تومىء وتشير الى ارتباط بين مسجد الضرار والنفاق القلبى ، فحيثما يظل نفاق فى القلوب ستنتشر هذه النوعية من المساجد التى تتخفى بالدين، وهى ظاهرة صاحبت تاريخ المسلمين ولا تزال ، أى خلط السياسة بالدين .

2 ـ وابن اسحاق عاش هذه الظاهرة فى العصر العباسى الأول ، عصر التأسيس والتوطيد وقوة شكيمة الخلفاء من السفاح الى المنصور ثم ابنه الخليفة المهدى ، وقد أقاموا ملكهم باستخداد الدين ، ثم قتلوا المعارضة وطاردوها باختراع ( حدّ الردة ) الذى استغله المنصور ثم ابنه المهدى فى قتل المعارضين الفرس بعد اتهامهم بالكفر والزندقة. ولقد اشتهر المهدى بالذات بمطاردة الزنادقة، أى معارضيه من أعيان الفرس،وذلك بعد أن قتل أبو جعفر المنصور ـ فى إطار الصراع على السلطة ـ القائد الفارسى أبا مسلم الخراسانى المؤسس الحقيقى للدولة العباسية ،والذى كان حلم الفرس فى إرجاع مجدهم تحت لافتة العباسيين.كان الفرس عماد الدولة العباسية وقتها ، منهم كبار رجال الدولة فى الجيش والادارة والدواوين ، وكان صعبا عليهم ضياع أملهم وجهدهم فى إرجاع المجد بقتل زعيمهم أبى مسلم الخراسانى ،فحاربوا العباسيين سرّا من خلال المساجد وصناعة الأحاديث ، وكان منهم عبد الكريم الوضّاع الذى قتله العباسيون بسبب وضعه الاحاديث ، كان من قبل يضع الأحاديث فى خدمة الدولة متمتعا باعطياتها ثم اكتشفوا أنه انقلب عليها وسلط مهارته فى صنع احاديث ضدها فقتلوه . عاش ابن اسحاق هذه الفترة، وأثناء خصومة العباسيين للمدينة وثورة العلويين فيها بزعامة محمد النفس الزكية على الخليفة أبى جعفر المنصور ترك ابن اسحاق المدينة ولحق بالعباسيين ،  وكتب السيرة النبوية من ذكرياته وتأليفه تنفيذا لأمر الخليفة المهدى،وزعم أنه سمع الروايات من ابن شهاب الزهرى ، وأثبتنا فى حلقة من برنامج ( فضح السلفية) أن ابن اسحاق لم يقابل اين شهاب الزهرى إطلاقا . ملأ ابن اسحاق سيرته بالروايات التى تجعل شخصية النبى أقرب ما يكون من شخصية المنصور ثانى خلفاء العباسيين . ومن رواياته الملفقة قتل الأسرى من بنى قريظة واغتيال كعب بن الأشرف وحديث الافك وهدم مسجد الضرار.

3 ـ فى الفتنة الكبرى بدأت ظاهرة مساجد الضرار مقترنة بتأليف الأحاديث (النبوية) وتحويل المساجد الموجودة فعلا الى مسجد ضرار ،أى استغلال المساجد سياسيا . ومهر الأمويون فى هذا.واشتهر أبوهريرة الذى جمع بين اختراع الأحاديث وقيامه بوظيفة القصّ فى المساجد . جعل الأمويون وظيفة القصّاص رسمية كوظيفة القضاء .كان القاصّ يجلس فى المسجد بعد الصلاة يقصّ على الناس أخبار السابقين ويعظهم ويخلط كلامه بأحاديث مخترعة وروايات مختلفة ومن خلال السيطرة على السامعين يدعو للسلطة الأموية . الى جانب القصص ابتدع الأمويون تحويل خطبة الجمعة من خطبة دينية تعتمد أساسا على تلاوة القرآن والوعظ به الى خطبة سياسية فى مدح السلطان ولعن (أبى تراب ) وهو (على بن أبى طالب). ونشروا هذا التقليد فيما فتحوه من بلاد ، وتعلمه من دخل الاسلام على أنه دين . ومن الطريف أن أهل (حرّان ) ظلوا يلعنون (على بن أبى طالب ) عاما بعد سقوط الأمويين،ويقولون : ( لاتصح الصلاة بدون لعن أبى تراب ) حسبما ذكره المسعودى فى ( مروج الذهب:ج 2 ص 193 ). ولا يزال ساريا حتى الآن الدعاء للسلطان ولعن ( الكافرين ) والدعاء عليهم بأن يكونوا هم واموالهم واولادهم و ( نساؤهم ) غنيمة للمسلمين.

وأصبح من المعالم السياسية فى العصور الوسطى مدح وتبجيل خطبة الجمعة للسلطان القائم كنوع من البيعة الاسبوعية له.بل تعدّى هذا الى مدح وتبجيل الوالى باسم الخليفة إذا كان واليا قويا طموحا ، مثل أحمد بن طولون الذى أسس فى مصر والشام ولاية مستقلة ( الدولة الطولونية ) فى ظل الخلافة العباسية . ويروى المقريزى فى الخطط أن ابن طولون أنشأ مسجده المشهور بع إنشائه عاصكته القطائع بجوار الفسطاط والعسكر . وحدث فى خطبة الجمعة أن الخطيب أبا يعقوب البلخى دعا فى خطبته للخليفة العباسى المعتمد وابنه ونسى أن يدعو لابن طولون ، ونزل من على المنبر ، فأشار ابن طولون الى قائده نسيم أن يضرب الخطيب خمسمائة سوط ، ولكن تذكر الخطيب سهوه فعاد الى المنبر وقال ( الحمد لله وصلى الله على محمد : " ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما "، اللهم وأصلح الأمير أبا العباس أحمد بن طولون ..وزاد فى الشكر والدعاء له بقدر الخطبة ..فنظر ابن طولون الى نسيم وقال : اجهلها له دنانير ". وأصبح قطع الدعاء لحكم ما دليلا على الثورة عليه والتمرد على سلطته ، فطالما يبجلونه فى خطبة الجمعة فهم له خاضعون ..وبتوالى القرون على هذا التقليد ساد فى العصر المملوكى التشاؤم من مجىء عيد الفطر أو عيد الأضحى يوم جمعة ، لأن هذا يعنى وجود خطبتين فى يوم واحد ، إحداهما فى صلاة العيد والأخرى فى صلاة الجمعة مما تكون نذير شؤم على السلطان تشير الى قرب عزله ومجىء سلطان آخر. لذا كان يحدث كثيرا عدم اعتراف فقهاء السلطان بهلال شوال أو هلال ذى الحجة لو أدى ذلك الى مجىء العيد فى يوم جمعة . بخضوع المساجد الى سلطة الدولة وتعبيرها عن الحكم وخدمتها للمستبد القائم فى السلطة تحولت ( معظم ) المساجد الى مساجد ضرار لأنها خلطت السياسة بالدين .  

4 ـ زاد على هذا أمران : إقامة مساجد لا تعبر عن السلطان بل عن المعارضة ، وتقوم بغرض مضاد ، أى مساجد ضرار معارضة منشأة من الأساس لغرض سياسى دعوى، ثم الأخطر وهو إقحام المسجد الحرام فى مكة فى هذا التلاعب السياسى بالدين. وبدأ هذا فى العصرالأموى عن طريق عبد الله بن الزبير الذى ثار على الأمويين وأعلن نفسه خليفة بعد مقتل الحسين وآله فى كربلاء ، وخوفا من نهاية الحسين المفجعة فقد احتمى ابن الزبير بالحرم المكى وسمى نفسه ( العائذ بالحرم ) وجعله مركز حكمه ، ومن مكة عيّن ولاته فى بقية البلاد التى دخلت فى طوعه، مثل أخيه مصعب فى العراق والضحاك بن قيس فى الشام وعبد الله بن اريقط فى مصر . وفشل فى النهاية وحاصره الجيش الأموى وأطلق عليه حجارة المجانيق فأشعلت النار فى أستار الكعبة، فترك ابن الزبير الكعبة تحترق ليشنع على الأمويين. ومن وقتها وحتى الآن تم ويتم استخدام بيت الله الحرام ( المسجد الحرام ) سياسيا لصالح السلطان المسيطر عليه ، وكان السلطان فى مصر هو صاحب السيطرة منذ الدولة الفاطمية ، ثم انتهى بوقوع المسجد الحرام أسيرا للوهابية ودولتها السعودية ، تمارس به الصّد عن سبيل الله جل وعلا . وحين ثار جهيمان العتيبى الوهابى المتشدد على الأسرة السعودية احتل المسجد الحرام فى مطلع عام 1400 هجرية/1979. وقد كتبنا فى هذا الموقع مرتين ندعو الى تحرير البيت الحرام من الأسرة السعودية ليعود الى ولاية الحجاز المستقلة ، وتديره شئون الحج فيه شركة متخصصة محايدة لتيسير الحج اليه من الناس جميعا على اختلاف أديانهم ومذاهبهم تطبيقا لشرع الله جل وعلا الذى جعله للناس كافة وعلى قدم المساواة، العاكف فيه والمسافر اليه عبر البوادى.

رابعا : لمحة عن انتشار مساجد الضرار فى مصر فى العصور الوسطى

1 ـ فى الدولة الفاطمية : ربما تختلف الدولة الفاطمية عن غيرها من الدول في ارتباط ضعفها وقوتها بالعقيدة الشيعية التي قامت على أساسها الدولة , فالعقيدة الشيعية الإسماعيلية تبتعد بالإمام أوالخليفة الفاطمي عن صفات البشر بقدر ما تقترب من صفات الإله. والخليفة الفاطمي يطالب رعاياه بأكثر مما يطالبهم به الحاكم العادي، فالمستبد العادي لا يطلب من رعاياه أكثر من السمع والطاعة أما الخليفة الفاطمي فيطالب مع الولاء أن يعتبره الناس إماما معصوما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وذلك مجرد مظهر من مظاهر الإمام الشيعي في العقيدة الإسماعيلية ومطلوب من الرعية أن تؤمن بهذا, ولتحقيق هذا الهدف كانت للدولة الفاطمية ومؤسساتها العلنية في نشر الدعوة الشيعية كالأزهر وجهاز للدعاية الشيعية يقوم على رأسه (داعي الدعاة) يعاونه جيش من الدعاة العلنيين والسريين موزعين توزيعا دقيقا في داخل الدولة الفاطمية وخارجها وسبل الاتصال بينهم مستمرة ومستقرة . وقد تحدث (المقريزى) عن وظيفة (داعي الدعاة ) في الدولة الفاطمية في كتابه الخطط فذكر أسلوب الداعية في التأثير على الناس من خلال تدرج يصل بهم إلى اعتناق الدعوة وتأليه الخليفة الفاطمى .والمعز الفاطمي هو الذي مدحه الشاعر ابن هانيء الاندلسي بقصيدة أولها

ما شئت لا ما شاءت الأقدار                فاحكم فأنت الواحد القــهار

وقد ادعي المعز الفاطمي العلم بالغيب – وهو أحد خصائص الإمام عند الشيعة – فقابله المصريون بالسخرية واستمرت سخريتهم بأبنه العزيز حتى أنه صعد المنبر ليخطب فوجد فيه رقعة كتب فيها :

بالظلم و  الجور قد  رضينا          وليس بالكفر والحماقة

إن كنت قد أعطيت علم غيب         فقل لنا من كاتب البطاقة

إلا إن الدولة الفاطمية حين ضعفت وانفض عنها الكثير من المصريين بسبب الكوارث الاقتصادية وضعف الخلفاء أمام الوزراء – لجأت الدولة إلى التلاعب بأهواء المصريين فجددت مقبرة السيدة نفيسة ، بل وأقامت ضريحا للإمام الشافعي وهو يخالفهم في المذهب والعقيدة – ولكن تقربا منهم للمصريين وهم محبون للشافعي متبعون لمذهبه،و قد سبق أنهم اشترطوا على جوهر الصقلي ضرورة احترامه للمذهب السني الشافعي . وقد وقع على عبء (الأفضل) ـ الوزير الفاطمي القوى المسيطر على الخلافة الفاطمية ـ مهمة بعث الحياة في الدولة الفاطمية الضعيفة أمام الخطر الصليبي القادم من الشرق مع خطر الأتراك السلاجقة السنيين المتحكمين فى الدولة العباسية ، وكان السلاجقة معروفين بتعصبهم للسنة وكراهيتهم للتشيع ، هذا مع اهتزاز ثقة المصريين في الخلافة الفاطمية بعد المجاعة أو الشدة العظمي التي واجهتها مصر في عهد المستنصر. كان الوزير الأفضل يواجه كل هذه التحديات فى الداخل و الخارج ، وبعضها عسكرى ، والآخر دعوي واقتصادى. وكان لا بد من حل ينقذ به الدولة والخلافة الفاطمية الآيلة للسقوط.وإثناء خروج الأفضل من الشام عثر على قبرمنسوب للحسين في عسقلان تنتشر إشاعات تقول أن فيه رأس الحسين ، مع إنه لا علاقة مطلقا بين رأس الحسين وعسقلان ، ولكنها أوحت للوزير الفاطمى الأفضل بفكرة إقامة ضريح للحسين أو(رأس الحسين ) فى مصر تكون ( أفضل) فرصة لاستمالة المصريين. وإذا كان أبوه (بدر الجمالي) قد أقام مقبرة السيدة نفيسة فليكن الأفضل منشئ قبر الحسين في القاهرة .وهكذا عاد الأفضل من عسقلان تسبقه الدعاية الفاطمية بالعثور على رأس الحسين ، وتتواتر الدعاية بالكرامات التي أحاطت بالرأس ، ثم حولوا مشهد الحسين إلى نصب مقدس تنحر عليه الذبائح بمثل ما كان الجاهليون يفعلون ،  يقول المقريزي عن طقوسهم عنده ( فكان كل من يدخل الخدمة يقبل الأرض أمام القبر , وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم ويكثرون النوح والبكاء ويسبون من قتل الحسين , ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم).  وزالت الدولة الفاطمية وبقي ضريح الحسين حتى اليوم دليلا على عمق التأثر بالبدع التي أدخلتها تلك الدولة في عقائد المصريين ، واستخدمت فيها المساجد الضرار ، وهى كثيرة ، ولكن أهمها االجامع الأزهر ومسجد الحسين، وهما معا محور الحياة الدينية للمصريين . فالجامع الأزهرهذا الجامع أول مسجد أسس بالقاهرة ، انشأه جوهر الصقلي خادم المعز لدين الله لما اختطالقاهرة وشرع في بناء هذا الجامع في يوم السبت لست بقين من جمادى الأولى سنة 359 وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان سنة 361 ،وأول جمعة جمعت فيه في شهر رمضان فى نفس العام . وعينت الدولة الفاطمية فيه 35 من الفقهاء وأجرت عليهم المرتبات وأوقفت عليهم الأوقاف . كل ذلك لنشر الدعوة الشيعية بين المصريين .

2 ـ وقضى صلاح الدين الأيوبى على الدولة الفاطمية ، وحاول ما أمكنه مطاردة الدين الشيعى ، وبنفس الطريقة ، فقطع الخطبة من الجامع الأزهر، وظل الأزهر معطلًا من إقامة الجمعة فيه مائة عام الى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهربيبرس فى العصر المملوكى. وبديلا عن الأزهر جعل صلاح الدين الأيوبى من الخانكاه الصلاحية دار سعيد السعداء مركزا للدعوة السنية ، واستقدم لها صوفية وجعل لهم أوقافا ومرتبات عام 569 ، ورتب للصوفيةفي كلّ يوم طعامًا ولحمًا وخبزًا وبنى لهم حمّامًا بجوارهم فكانت أوّل خانكاه عُملتبديار مصر‏.‏وجعل لهم موكبا لاجتذاب المصريين ، يقول ابن على القصّار‏:‏أنه أدرك الناس فييوم الجمعة يأتون من مصر إلى القاهرة ليشاهدوا صوفية خانقاه سعيد السعداء عندمايتوجهون منها إلى صلاة الجمعة بالجامع الحاكميّ كي تحصل لهم البركة والخيربمشاهدتهم وكان لهم في يوم الجمعة هيئة فاضلة وذلك أنه يخرج شيخ الخانقاه منها وبينيديه خدّام الربعة الشريفة قد حملت على رأس أكبرهم والصوفية مشاة بسكون وخفر..ويستطرد فى شرح طقوسهم بما يدل على ترتيب سياسى دعائى لاحلال التصوف السّنى مكان الدعوة الشيعية فى مصر. ونجح هذا الترتيب ، خصوصا مع سيطرة التصوف على مصر وغيرها مع العصرين المملوكى والعثمانى.

3 ـ وورث المماليك عن الأيوبيين رعاية التصوف السّنى بديلا للتشيع بل ومطاردة التشيع أو مذهب الرافضة كما كان يقال ـ ولا يزال.  وأخل دين التصوف شعائر جديدة ومصطلحات دينية جديدة وأسماء جديدة لبيوت العبادة مثل الخوانق والرباط والزاوية والضريح والتربة والمدرسة . وتكاثرت تلك المؤسسات منها ما يقيمه السلاطين والأمراء والعيان ، ومنها ماينشئه الصوفية أنفسهم وخصوصا القادمين منهم الى مصر ، واشتركت جميعها فى كونها دورا يقيم فيها الصوفية وطلاب العلم وتوقف عليها الأوقاف وتصرف على العاملين والمقيمين فيها المرتبات ، وينشغلون فيها ظاهريا بالصلاة والعبادة والدعاء للسلطان أو الأمير او غيره صاحب المؤسسة والذى ينفق عليها ويعطىهم المرتبات والجراية من خبز ولحم وكسوة .. وفى الحقيقة كانت تلك المؤسسات مساجد ضرار من نوعية فريدة ، لا يكتفى القائمون فيها بأكل السّحت من الظالمين الذين ينشئون تلك البيوت الدينية من المال الحرام بل اشتهر العاكفون فى تلك المؤسسات بادمان اللواط.والتفاصيل فى موسوعة التصوف التى ننوى نشرها على حلقات ، ولكن نكتفى بذكر مثلين ذكرهما المقريزى فى الخطط . الأول عن إقامة تلك المؤسسات بالظلم والمال الحرام ، والآخر عن الانحلال الخلقى فى تلك المؤسسات الدينية . يقول المقريزى عن مسجد  الذخيرة تحت قلعة الجبل بأوّل الرميلة تجاه شبابيكمدرسة السلطان حسن ، أنشأه ابن الصيرفى عام 516 ، يقول المقريزى (واستخدم فى إنشائه العسف والسخرة حتى أطلق الناس على هذا المسجد ( مسجد لا بالله ) لأنه كان يقبض الناس من الطريقويعسفهم فيحلفونه ويقولون له لا باللِّه ، فيقيدهم ويستعملهم فيه بغير أجرة ، ولم يعملفيه منذ أنشأه إلاّ صانع مكره أو فاعل مقيد وكُتبت عليه هذه الأبيات المشهورة‏:‏

بنى مسجدًاللّه من غيرِحلِهِ          وكانَ بحمدِ اللَّهِ غيرَموفقِ‏.‏

كَمُطعِمَةِ الأيتام مِن كدِّ فرجِها لكِ الويلُ لا تزني ولاتتصدّقي‏.‏)

أما عن الانحلال الخلقى داخل هذه المؤسسات فنقرأ شهادة المقريزى فى الخطط عن صوفية عصره، وننقلها بالنّص والحرف مع 987055 بليون اعتذار للقارىء الكريم :( ذهب والله ما هنالك وصارت الصوفية‏ كما قال الشيخ فتح الدين محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري‏:‏

ماشروطُ الصوفي في عصرنا اليو مَ سوى ستة بغيرِ زيادَهْ‏.‏

وهي نيكُ العلوقُ والسُكرِ والسطلةِ والرقصِ والغنا والقيادهْ‏.‏

وإذا ما هذى وأبدى اتحادًا        وحلولًا من جهلِهِ أو إعادهْ‏.‏

وأتى المنكراتِ عقلًا وشرعًا فهو شيخُ الشيوخُ ذو السجَّادَهْ‏.‏

ثم تلاشى الآن حال الصوفية ومشايخها حتى صاروا من سقط المتاع لاينسبون إلىعلم ولا ديانة وإلى الله المشتكى‏.‏).

4 ـ ومن التصوف الذى شرع عدم الاعتراض الى الوهابية الى تطرفت فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الى درجة المذابح وقلب أنظمة الحكم،وتأسيس مساجد ايدلوجية تنشر ـ ولا تزال ـ تنشر الفكر الوهابى ونجحت فى تسميم العقل المسلم . وكانت البداية مع عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الراهنة الثالثة بعد سقوطها مرتين من قبل .إستفاد عبد العزيز من تجارب القرامطة فى نجد والخليج والاحساء، فالقرامطة في بداية امرهم اتخذوا لهم دار هجرة في قرية صحراوية قريبة من الكوفة اسمها مهيمازاذ ،وقد حصنوها واطلقوا عليها دار الهجرة سنة 277هـ،وابو سعيد الجنابي القرمطي كان يجمع الصبيان ليربيهم علي اساس دعوته والانتماء إليه ،وتعليمهم القتال والطاعة المطلقة ،وبهذا الجيش اخضع الاحساء وسائر بلاد البحرين الي ان قتل سنة 301 . فعل عبد العزيز نفس الشىء ، إذ جمع شباب البدو وسمّاهم ( الاخوان ) وأقام لهم مستوطنات سماها ( هجر ) عكفوا فيها على تعلم كتب ابن عبد الوهاب والتدريب على القتال،ثم الخروج بحملات حربية تطلب النصر أو الجنة باقتناع تام أن الجهاد الاسلامى هوهجومهم على الأبرياء وقتلهم من لم يعتد عليهم وسفكهم لدماء النساء والأطفال والعجائز . وأول (الهجر) كانت 1911 وهى الارطاوية ،ثم (الغطغط)  ثم (دخنة) ثم (الاجفر).وحدد عبد العزيز نظاما للبناء يبدأ بالمسجد والساحة ،ثم البيوت التي يتوسطها الميدان حيث يتم رفع البيرق إيذانا باستدعاء الأخوان للجهاد .وفي داخل مسجد المستوطنة حدد عبد العزيز نظاما لتوزيع المياه ،وتسجيلا للأسماء وتوزيع السلاح . وفي كل مسجد بكل مستوطنة كشف بأسماء المصلين من الذكور ،وهو يراجع خمس مرات في النهار فى أوقات الصلوات الخمس لإثبات الحضور والغياب ، وبذلك يتم استدعاء الاحتياطي تجريبيا خمس مرات في الصلوات الخمس اليومية. وعلي كل مستوطنة إخراج المسجلين فيها عندما يدعو داعى الجهاد ،وكل فرد مسئول عن مؤونته من طعام وملبس وسلاح ومركب بما يكفيه لمدة شهر الي ان يصل لمكان التجمع .وكان الذكور ينضمون الي صفوف القتال في سن الخامسة عشر. وعند الأمر بالقتال يرتفع البيرق في ساحة القرية أمام المسجد فيتجمع المتطوعون بالمؤونة والسلاح ، ولا يجوز التخلف إلا بعذر قهري مثل المرض ،وكانت النسوة يعاقبن المتخلفين بدون عذر،وربما يقتلنهم. أى كان المسجد هنا هو مقر إدارة الحرب والقيادة ، بل كانت تأدية الصلوات الخمس فى خدمة تحقيق الهدف مما أسفر عن تكوين ملك لآل سعود ، بدأ بمساجد الضرار. ولا يزالون ينشئون مساجد الضرار فى مصر وغيرها وفى الغرب وفى أمريكا ، لنشر الوهابية وإقامة نظم حكم وهابية تتبع الأسرة السعودية. والتفصيلات معروفة ، تكلمنا فيها وتكلم غيرنا فيها كثيرا. إلا إننا نؤكد هنا على أن هذه كلها مساجد ضرار أكبر خطرا من مسجد الضرار الذى أقامه منافقو الصحابة فى حياة خاتم النبيين عليهم جميعا السلام.

 

المقال التاسع : التشابه بين السلفيين والمنافقين فى رفض الاحتكام الى القرآن الكريم

هو خصم لله جل وعلا من يستخدم الدين فى طموحه الدنيوى

أولا : الكفر بالقرآن بين الكافرين والمنافقين

1 ـ الكافرون يرفضون القرآن صراحة ومن حيث المبدأ ويطلبون بديلا له على هواهم ، إذ كانوا يطلبون من النبى محمد عليه السلام أن يأتيهم بقرآن غير هذا أو تبديله بحيث يعترف باتخاذهم للأولياء شفعاء وعبادتهم ليقربوهم لله تعالى زلفا:(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ) وجاء الرد عليهم بالرفض من رب العزة وان يقول لهم هذا الرفض النبى (قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )( يونس 15 ). أى لايستطيع تغييرا ولا تبديلا فى كلام الله وقرآنه جل وعلا لأنه عليه السلام يخاف من عذاب يوم عظيم.!!

2 ـ هذا هو موقف الكافرين من مشركى قريش ؛ موقف واضح وصريح . أما المنافقون الذين يزعمون الايمان بالقرآن فلا يستطيعون الجهر علانية بالكفر بالقرآن،ولكنهم عبّرواعن كفرهم بالقرآن بطريقة ملتوية هى عدم الاحتكام اليه فى خلافاتهم مع النبى ومع المؤمنين . والايمان ليس مجرد كلمة تقال وليس شعارا يرفع ، ولكنه إلتزام قلبى يعبّر عنه السلوك والتطبيق العملى ، فإذا كنت مؤمنا بكتاب الله فعليك أن تحتكم اليه فى ضميرك بينك وبين نفسك لترى كيف طاعتك لربك جل وعلا. أما إذا كنت فى خلاف أوشقاق مع غيرك فعليكم ـ إذا كنتم مؤمنين فعلا بالقرآن ـ أن تحتكموا الى كتاب الله باخلاص وتسليم،وترتضوا بحكمه، هذا لو كان الايمان حقيقيا باليوم الآخر ، وبلقاء الله جل وعلا يوم الحساب.

ثانيا : فريضة الاحتكام للقرآن عند الاختلاف والتنازع :

1 ـ الخلاف والنزاع وارد ولا مفرّ منه ، وطريقة حل الخلاف بين المسلمين فى الاسلام هى الاحتكام للقرآن الكريم باخلاص . بل إن خاتم المرسلين نفسه كان مأمورا بالاحتكام للقرآن فى خلافه مع المشركين ليثبت عليهم الحجة فى كفرهم بالقرآن وعدم إنصياعهم له . ونقرأ الآيات فى سياقها الخاص، يقول جل وعلا فى سورة الأنعام : 112 : 116:

1/ 1 :(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ). ونظير هذا قوله جلّ وعلا عن خاتم النبيين ـ عليهم السلام:(وقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) وتأتى الآية التالية لتعطى حكما عاما ينطبق على أعداء الأنبياء جميعا :( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً ) (الفرقان  30 : 31).

 1/ 2 : وعموما فهناك نوعان من الوحى فى الدين : وحى الله جل وعلا لأنبيائه ورسله ، ووحى نقيض ضال هو وحى الشيطان لأتباعه.والله جل وعلا يقول عن القرآن الكريم إنه لم تتنزل به الشياطين:(وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ  وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ). ثم يقول جل وعلا إن للشياطين وحيا آخر تتنزل به على أتباعها من الأّفّاكين الزاعمين كذبا إن وحيا الاهيا يأتيهم من السماء:(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ)(الشعراء 210 : 212 ، 221 : 223 ) . هؤلاء الأفّاكون المفترون الكذبة زاعمو الوحى الالهى هم بالطبع اعداء الأنبياء لأن وحيهم الشيطانى يناقض وحى الله جلّ وعلا .

1/ 3 : ويأتى هذا الوحى الشيطانى بصورة منمقة مزخرقة يغرّ المستمع ويخدعه، خصوصا وهم لا ينسبونه لمصدره الأصلى وهو الشيطان ، ولو فعلوا لإنفضّ عنهم الناس ، ولكنهم ينسبونه لله تعالى ولرسوله خداعا للناس ، إذ يشرّع لهم كل ما يهوون وكل ما يريدون وينسبه كذبا وزورا لله تعالى ورسوله . لذلك يصغى اليه من لايؤمن بالآخرة من مدمنى المعاصى والمتصارعين حول حطام الدنيا ، فيرتضوه دستورا لحياتهم ، يرتكبون به الفسق والعصيان ويدخلون الجنة بالشفاعات البشرية ، وبه يزيفون يوما للآخرة ممتلئا بالشفاعات والوساطات كى يستمروا فى العصيان:(وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ) .

1/ 4 : ولأنه وحى منسوب لله تعالى ورسوله كذبا وإفتراءا فالمرجعية للفصل فيه لله جل وعلا ، ومن هنا يأتى الاحتكام لرب العزة من خلال كتابه الكريم :(أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) .

1/ 5 : ونلاحظ هنا أن أحاديثهم فى موطأ مالك وما كتب عن الشافعى وما كتبه ابن حنبل والبخارى ومسلم وغيرهم يسمونها ( السّنة) و يجعلونها وحيا الاهيا مثل وحى القرآن ،بل ويجعلونها تنسخ أى بزعمهم تبطل وتلغى أحكام القرآن ،بل يتطرف بعضهم ويجعل تلك السّنة حكما على القرآن ، أى بالتناقض مع ما يقوله رب العزة ، أى بزعمهم نحتكم للسّنة ـ الوحى الشيطانى ـ فى القرآن ليكون القرآن خاضعا لسنتهم . لذا يقول جل وعلا عن تمام القرآن وعدم إحتياجه الى ما يكمله فى ردّ مسبق على مايقوله الكفار من الأئمة أعداء النبى وأعداء القرآن :( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ).

1/ 6 :ودائما يتحججون بإن الأكثرية الكاثرة من المسلمين قديما وحديثا لا تعترف بالقرآن إلا ومعه السّنة تشرحه وتفصّله  ويردّ عليهم مقدما ربالعزة بأن هذه الأغلبية ضالة مضلّة ، ولو اتبعها النبى نفسه لأضلوه عن سبيل الله ،فهى أغلبية تتبع الظّن وتحترف الخرص والكذب :( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) ( الانعام 112 : 116 ). ومن الاعجاز فى هذه الآية الكريمة إعتراف أئمة الحديث أنفسهم أنها تقوم على الظن وليس على اليقين لأنها أحاديث آحاد . وعندهم فالحديث المتواتر الذى لا يلحقه الظّن لا يوجد ، أو يفترى بعضهم أنه يوجد منه واحد او بضعة أحاديث مع اختلاف فيما بينهم على ندرته . ولكن الرأى السائد عندهم أن كل الأحاديث المدونة فى ( كتب السّنّة ) هى أحاديث آحاد ، خصوصا مع اختلافاتها بين مختلف الكتب ،بل وفى الكتاب الواحد ، مما حدا بعضهم بتأليف كتب فى تأويل مختلف الأحاديث .

1/ 7 : و عدم وجوده أصلا .. . ووهذه آيات فى إعجاز القرآن الكريم إذ تنطبق على معظم المسلمين ، فقد ساروا على منهاج وسنّة منافقي   الصحابة الذين ارتدوا على ادبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى القرآنى ، يقول جل وعلا عنهم :(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ) (محمد 24 :25)  لأن الشيطان أملى لهم بوحيه الضال وبأئمته الذين أصبحوا مقدسين ، خصوصا أئمة الضلال من أهل السنة من مالك والشافعى وابن حنبل والبخارى وابن تيمية وابن عبد الوهاب .

2 ـ ذلك الوحى الضال الشيطانى على نوعين : نوع بالاسناد الكاذب للنبى بعد موت النبى  كما كان يفعل أئمة السّنة والشيعة  فى العصر العباسى ـ عصر التدوين ـ فيما يعرف بالحديث النبوى الذى يسندونه عبر سلسلة مضحكة من العنعنات الى النبى عبر أجيال من الرواة الموتى لا علم لهم بما أسنده أئمة الزور فى العصر العباسى. والنوع الثانى ، فى العصر العباسى الثانى وما تلاه ، وفيه تخفّف فيه الصوفية من هذا عبء الاسناد للغير ، فافتروا الوحى المباشر عن الله تعالى ،  فيما يعرف بالهاتف والمنام والزعم برؤية الرسول وبرؤية الله جل وعلا فى المنام واليقظة والعلم اللدنى . هذا الطوفان من الافتراء ينخدع به بعض المؤمنين ويتقلب بين الشك والظن والتصديق والتكذيب ، ويحدث الاختلاف .

3 ـ وفى مواجهة هذا الاضلال والتدجيل والكذب على الله فإن واجب علماء الاسلام التصحيح والاصلاح حتى يكونوا أشهادا يوم القيامة على أقوامهم .هنا يكون الاحتكام الى كتاب الله مصداقا لقوله جل وعلا :(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ). والحكم جاء مقدما قبل هذه ألاية الكريمة التى تتحدث عن تقديس المشركين فى كل عهد للأولياء ، وتؤكد أن الله جل وعلا هو وحده الذى يجب أن نقدسه وحده ونتوسل به وحده ونطلب منه المدد وحده . يقول ربنا جل وعلا : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) الى أن يقول جلّ وعلا: (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أى فالله جل وعلا وحده هو الولى المقصود بالعبادة والتقديس وطلب المدد.(الشورى6 :ـ ) 

4 ـ وفى كل الأحوال فلا بد من طاعة لله جل وعلا ورسوله وأولى الأمر أى اصحاب الشأن والاختصاص . والطاعة هنا لمطاع واحد ، هو الله جل وعلا فى كلامه وأوامره ونواهيه ،أى فى كتابه السماوى ورسالته السماوية التى بلّغها الرسول ، وبعد موته يظل كتاب بيننا هو الرسالة والرسول ، نحتكم اليه ، وينطق بقول الحكم القرآنى أهل أو أولو  الأمر أى أصحاب الاختصاص فى الشأن أو الأمر المعروض . وإذا حدث نزاع مع أولئك المتخصصين أو أولى الأمر فالقرآن يعلو على الجميع ، أى فالمرجعية للقرآن ، كلام الله والرسول القائم بيننا ، فذلك خير وأحسن تأويلا . يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )(النساء 59 ). ولكن منافقى الصحابة رفضوا الاحتكام الى كتاب الله ، وعلى سنّتهم سار الوهابيون والاخوان المسلمون والسلفيون .

 ثالثا  رفض منافقى الصحابة الاحتكام الى القرآن الكريم

1 ـ قوله جل وعلا :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) جاء تعليقا مقدما على موقف فعلى للمنافقين الذين رفضوا الاحتكام الي القرآن الكريم ، فقال جل وعلا فى الآيات التالية :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا  فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً )(النساء 59 : 65). ونلاحظ هنا :

1/ 1 : هم كانوا يقولون باللسان فقط أنهم يؤمنون بالقرآن ، ولأنهم كاذبون فقد استعمل رب العزة لفظ (يزعمون ) فقال يخاطب الرسول (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ ). هنا التناقض بين القول والفعل ، وهى سمة النفاق فى كل زمان ومكان.هذا ينطبق على عصرنا حيث يقيم الاخوان المسلمون فى مصر حزب ( العدالة والحرية ) وهم فى تناقض تام مع العدالة والحرية ، وحيث يقيم السلفيون فى مصر حزب النور ، وهم فى ضلالهم ظلماتهم وقرونهم الوسطى يعمهون. وحيث تجد الاخوان ينسبون أنفسهم الى الاسلام وهم فى الحقيقة والمعتقد والسلوك وهابيون أعداء حقيقيون للاسلام . هنا يتجلى النفاق بإرذل وأسمج وأوضح معانيه .

1/ 2 : ترك منافقو الصحابة الاحتكام الى القرآن ، وآثروا عليه الاحتكام الى الطاغوت . و الطاغوت فى المصطلح القرآنى هو الأحاديث الشيطانية والتشريعات الشيطانية والوحى الشيطانى ، ولمزيد من التفصيل لنا مقال فى هذا عن معنى الاسلام ومعنى الطاغوت. وقد أمر الله جل وعلا بالكفر بالطاغوت والايمان به جل وعلا وحده وبكتابه وحده ، ومنافقو الصحابة لو كانوا مؤمنين فعلا فعليهم ان يكفروا بالطاغوت تمسكا بالقرآن الكريم. ولكنهم: ( يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ ). والسبب هو (الشيطان)،أستاذهم واستاذ الجميع والمصدر الأساس للطاغوت وكل الوحى الكاذب الذى يطغى على الوحى الالهى ليضل الناس (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا  )

1/ 3 :ولأنهم فى ريبهم يترددون تراهم فى الأحوال العادية يصدّون عن سبيل الله ويرفضون الاحتكام الى كتاب الله ، فإذا أصابتهم مصيبة جاءوا للرسول يحلفون له بالكذب .ولو أنهم جاءوا له بالصدق فى التوبة والاستعداد المخلص للطاعة والتسليم بحكم الله جل وعلا لكانت المغفرة من نصيبهم .( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا  فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً ) (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً )

1/ 4 : وفى كل الأحوال فلهم مطلق الحرية فى الاحتكام الى الله جل وعلا ورسوله ـ أى الكتاب ـ أو الاحتكام الى الطاغوت . هذا مع كونهم فى دولة اسلامية يقودها خاتم النبيين الذى يأتيه الوحى الالهى . ولكن هذا الوحى الالهى نفسه يمنع الإكراه فى الدين ،ولايلزم منافقى الصحابة بالاحتكام الى القرآن،بل كان النبى مأمورابالاعراض عنهم ووعظهم بالقرآن وعظا بليغا يبلغ قلوبهم ليكون هذا الوعظ القرآنى حجة عليهم يوم القيامة:(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً ).

1/ 5 : الاحتكام هنا للرسول أى الرسالة أى الكتاب أى القرآن ، والاحتكام يعنى التسليم والايمان الحقيقى بالله تعالى ورسوله والطاعة لله تعالى ورسوله ، وهذا هو المحكّ والميزان والتطبيق العملى للقول اللسانى. وهنا يأتى الخطاب باسم الرسول،وتأتى الاشارات للرسالة السماوية والرسالات السماوىة والتسليم ، مثل :(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ )(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ )( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) (  وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً  ). والتسليم لا يكون إلا لله جل وعلا طبقا لما جاء فى كتابه . غاية ما هناك أن كتاب الله لا بد له من لسان الرسول لينطق به ، وبعد موت الرسول محمد عليه السلام فالرسالة قائمة بيننا ، والاحتكام اليها واجب على المؤمنين لو أرادوا إحسانا وتوفيقا،والطاعة ليست للنبى أو لمن ينطق بالقرآن ولكن للقرآن المنطوق . ولقد كان عليه السلام يعظ بالقرآن وينذر بالقرآن ويحكم بالقرآن ويتبع القرآن .

2 : يقول جل وعلا عن القرآن الكريم فى سورة النور: (لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )( النور 46 ). أى من يشاء من البشر الهداية يهده الله جل وعلا الى القرآن أو الصراط المستقيم . وبالتالى فهو يحتكم الى القرآن فى سلوكياته وفى عقائده ، لأنه   يتحسّب لليوم الآخر ولقاء الله جل وعلا يوم الحساب. أما من يشاء الضلال فالله جل وعلا يزده ضلالا ،مثل منافقى الصحابة الذين كان فى قلوبهم مرض النفاق والكفر فزادهم الله تعالى مرضا ، مع زعمهم الايمان نفاقا وخداعا:(وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)(البقرة  8 : 10)

2/ 1 : وعن التناقض بين زعم منافقى الصحابة الايمان ورفضهم الاحتكام للقرأن يقول جل وعلا فى الآية التالية من سورة النور :(وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ).وعن رفضهم الاحتكام الى القرآن تقول الآية بعدها : (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ ) وتوضح الآية التالية هدفهم الحقيقى ، فليسوا طلاّب حق ،بل هم طلاب منفعة دنيوية ، لذا لا يلجأون الى الاحتكام الى القرآن إلا فى حالة واحدة ؛إذا كان معهم الحق ، وهم يعلمون أن الرسول يحكم بالقرآن أى بالعدل ، يقول جل وعلا:(وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ). وتأتى التساؤلات الاستنكارية عن موقفهم الملتوى : ( أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) .

2/ 2 : بعدها يقول جل وعلا عن المؤمنين حقا وما ينبغى أن يكون :( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).التحاكم هنا لله جل وعلا وحده ، فى كتابه ورسالته التى ينطق بها رسوله، لذا ترى الضمير يعود بالمفرد ، فلم يقل جل وعلا ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا الى الله ورسوله ليحكما بينهم) بل قال (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ) فالحاكم واحد هو الله جل وعلا ، وليس إثنين . ثم قال جل وعلا ليؤكد ان الطاعة لله جل وعلا وحده وان الخشية منه وحده : (وَمَن يُطعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) ( النور 47 : 54 ).  

رابعا : ـ تلاعب الصحابة بفريضة الاحتكام الى القرآن وتقنين هذا التلاعب فى العصر العباسى   

1 ـ  فى الفتنة الكبرى والحروب الأهلية بعد الفتوحات العربية التى حملت اسم الاسلام زورا وبهتانا لجأ المتحاربون الى الحرب الفكرية الدعائية جنبا الى جنب مع الحرب المسلحة ، فكان إختراع الأحاديث ، ونبغ فيها الأمويون ، واستخدموا فيها أبا هريرة وغيره. وظل هذا طيلة العصر الأموى ، فيما يسمى بعصر الرواية الشفهية ، ثم بدأ التدوين على استحياء فى أواخر العصر الأموى وساد فى العصر العباسى الأول ، وانتشر فى العصر العباسى الثانى ، والى العصر العباسى الأول والثانى ينتمى أئمة الأديان الأرضية للمسلمين من سنّة وشيعة وتصوف وبقية ما ظهر وقتها من ملل ونحل إندثرت ولم يبق منها إلا الأديان الثلاث الأرضية : سنة وتشيع وتصوف.

2 ـ سار أئمة الأديان الأرضية للمسلمين على سنّة منافقى الصحابة . لم يجرءوا على رفض القرآن صراحة ،ولكن التفوا حول القرآن ، يؤسسون وحيهم الشيطانى بديلا عن القرآن ، وينسبون هذا البديل لله تعالى ورسوله بزعم أن (السّنة وحى )، ثم التفتوا للقرآن نفسه فأبطلوا شرعه بما أسموه ( النسخ ) مع أن ( النسخ ) فى اللغة العربية وفى القرآن يعنى الكتابة والاثبات وليس الالغاء والإبطال ، ولنا بحث منشور عن النسخ . ولم يكتفوا بهذا بل أقاموا ( علوم القرآن ) للطعن فى القرآن ، ولنا هنا أيضا مقال بحثى بهذا العنوان. ومن هنا أضحى الاحتكام ليس للقرآن بل لوحى الشيطان .

3 ـ ساعدت قوانين الاهية تشريعية ومنهجية علي شيوع الاختلاف وعدم التزام الأغلبية بتصحيح عقائدها بالاحتكام للقرآن. فالله جل وعلا خلقنا وخلق السماوات والأرض ليختبرنا (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) ( هود 7) وموعد الحساب هو يوم القيامة بتدمير السماوت والأرض (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) ( ابراهيم 48). وفى هذه الدنيا نحن أحرار فى الايمان أو الكفر ومسئولون عن إختيارنا يوم القيامة: (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)(الكهف 29) . لذلك شاء الله جل وعلا ترك الحديث الشيطانى ولم يأمر بمصادرته :(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)(الانعام 112 )، بل شاء جل وعلا أن يظل مكتوبا مدونا منسوخا فى ملايين الكتب والنسخ والمدونات ، وهذا ما نراه من انتشار كتب الحديث والسّنة والفقه وغيرها فى ملايين النسخ ، وهذا معنى النسخ (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ   لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ )(الحج  52 : 53). ولذلك فإن البشر مختلفون ، وتلك هى مشيئة الرحمن (  وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ )(هود 118 : 119). وموعدنا أمام الله جل وعلا ليخبرنا فيما نحن فيه مختلفون، وهى دعوة للتسابق فى الخير : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(المائدة 48). ونحن خصمان فى هذه الدنيا ، ولا يصح للخصم أن يحكم على خصمه ، ولكن ينتظر الخصمان الى يوم القيامة ليحكم بينهما رب العزة فى خصومتهما ، فيدخل احدهما الجنة والآخر فى السعير:(هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ   يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ   وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ   كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ   إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ   وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنْ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ) ( الحج 19 : 24  ). وحتى يأتى يوم القيامة ـ فطبقا لشرع الله جل وعلا ـ لا يملك أحد إرغام أحد على تغيير رأيه أو معتقده .وسيظل الخلاف مفتوحا ، وما على المؤمن الحقّ إلاّ توضيح الحق ، دون إلزام لأحد ، ثم ينتظر حكم الله جل وعلا عليه وعلى الآخرين (يوم الفصل ).

خامسا  : الاحتكام للقرآن فى الواقع بين التطبيق والتلفيق :

1 ـ تظل مشكلة التطبيق ، لأنه من السهل أن يقول الانسان حلو الكلام ، لكن التطبيق هو الفيصل ، ولقد وصف الله جل وعلا بعض الناس بأنهم يقولون آمنا بالله وباليوم ألاخر وما هم بمؤمنين ، هم فقط مخادعون . والله جل وعلا حين أمر بالاحتكام الى الله ورسوله عند التنازع ، إشترط الإيمان بالله وبليوم الآخر ـ أى تقوى الله جل وعلا وخشيته ـ حتى يكون هذا الاحتكام صادقا وحلاّ أيجابيا لمشكلة التنازع ، فقال :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )(النساء 59 ) . نلاحظ أن الخطاب للذين آمنوا، وهم مأمورون  بالطاعة لله فيما جاء به رسوله أى الطاعة والاحتكام للكتاب عند التنازع . هذا ممكن نجاحه إذا كان أولئك المؤمنون يؤمنون فعلا بالله جل وعلا وباليوم الآخر. وبالتالى فإن النتيجة الملموسة لمن يرفض الاحتكام الى القرآن هى الحكم عليه بعدم الايمان بالله واليوم الآخر. وهذا ينطبق أيضا على من يتلاعب بالاحتكام الى القرآن ، كما حدث من عمرو بن العاص فى معركة صفين . إذ حين أشرف جيش معاوية على الهزيمة إستنجد بعمرو بن العاص يطلب مشورته : ( هلمّ مخبئتك يا ابن العاص ) ، فأشار عمرو برفع المصاحف فوق الرماح وطلب التحاكم الى كتاب الله . رفض (على بن أبى طالب ) لأنه أدرك أنها خدعة لتجنب الهزيمة ، ولكن شيعة ( على ) من الأعراب أرغموه على قبول التحكيم ، قال لهم (على ) أنه أعرف بمعاوية وعمرو وأنها مكيدة ، ولكن هدّده الأعراب من شيعته بالقتل وتسليمه لمعاوية إن رفض أمرهم . هؤلاء الأعراب كانوا وقتها يطلق عليهم ( القرّاء ) ، وهم الموصوفون بأنهم أشد الناس كفرا ونفاقا ، منهم من ثار على المسلمين فى حرب الردة ، ثم عاد الى الاسلام ، ثم كانوا جند الفتوحات العربية، ثم ثاروا على عثمان وقتلوه بسبب ظلمه وسوء قسمته للأموال وإسرافه فى محاباة أهله الأمويين بالمال والسلطة ، واختار أولئك الاعراب عليا للخلافة وقت أن كانوا يسيطرون على المدينة . وكانوا جنده وشيعته ، فانتصر بهم فى موقعة الجمل على جيش السيدة عائشة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله. وكاد أن ينتصر بهم على معاوية فى صفين لولا خدعة التحكيم . وانتهت خدعة التحكيم بخداع عمرو لأبى موسى الأشعرى ممثل (على )، فخرج ( على ) من موضوع التحكيم أكثر ضعفا ، وفاز معاوية بالاعتراف به خصما لعلى .ثم إن أولئك الأعراب الذين أرغموا عليا على التحكيم ندموا بعدها، وحكموا على أنفسهم بالكفر حين رضوا بالتحكيم ، وطلبوا من (على ) أن يحكم أيضا على نفسه بالكفر فرفض ، فخرجوا عليه ، وأصبحوا ( الخوارج ) ثم قتلوه . هؤلاء الأعراب ومعهم عمرو ومعاوية الذين تلاعبوا بالتحكيم بكتاب الله لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر طبقا لما جاء فى ألاية الكريمة ( النساء 59 ).

2 ـ وتبقى  حتى الآن مشكلة التطبيق للنصوص القرآنية ، وعلى رأسها الاحتكام الى القرآن . فنحن أهل القرآن لسنا حزبا سياسيا ولسنا جماعة أو طائفة أو مذهبا أو نحلة . نحن مجرد تيار فكرى يعمل فى إصلاح المسلمين سلميا بالاحتكام الى كتاب الله ، وعرض عقائدنا وتراثنا عليه . هذا ما ننادى به تلبية للأمر من رب العزة بالاحتكام الى القرآن . ونحن بهذا لا نطلب أجرا ولا جاها ، هو مجرد الاصلاح السلمى بالقرآن إبتغاء مرضاة الله جل وعلا ، وإعتمادا وتوكلا عليه . ولكن التطبيق للاحتكام للقرآن الكريم يقف ضده أولئك الذين لا يؤمنون بالله جل وعلا ولا باليوم الآخر . هم يعتقدون أنه يكفيهم الاعتراف بالله جل وعلا الاها ، ويكفيهم بضع عبادات يومية وشهرية وسنوية من صلاة وصيام وصدقة وحج . ثم بعدها لا ضير أن ينسبوا لله جل وعلا ورسوله أكاذيب ، وأن يضيفوا له أولياء وشركاء فى التقديس وفى الشفاعة وفى التحكم فى الدنيا والآخرة، بل يستخدمون دين الله وإسمه جل وعلا فى الوصول للحكم وفى ظلم الناس بالاستبداد والفساد . ولأن القرآن الكريم يردّ عليهم مقدما فإن الاحتكام للقرآن الكريم مرفوض تماما منهم ، خصوصا أولئك الذين يمتطون دين الاسلام ليصلوا به الى الحكم ،أو ليحتفظوا بالحكم .

3 ـ ونحن لا نتوقف كثيرا مع الصوفية والشيعة الذين لا يسعون للسلطة ، ويكفى أن نقول رأينا مستدلين بالقرآن الكريم مستشهدين به محتكمين اليه ، ثم بعدها نقول لهم اعملوا على مكانتكم انا عاملون ، ونحترم حريتهم فيما يختارون لأنفسهم ، وننتظر الحكم علينا وعليهم يوم القيامة لأنها خصومة دينية بيننا وبينهم. ولأنهم لا يعتدون علينا ولم يخرجونا من بيوتنا ولم يمارسوا علينا الإكراه فى الدين فعلينا أن نعاملهم وفق ما قال رب العزة بالبر والقسط : ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)( الممتحنة 8). ولكن الوهابيين السلفيين والاخوان المسلمين فى مصر يطلبون أن يركبوا ظهورنا باسم الاسلام ، ويضعون فى شعاراتهم ان القرآن دستورهم وأن الرسول إمامهم ، فمن حقنا أن نناقشهم فيما يزعمون ، وأن نحتكم الى القرآن لنرى أين هم من شعاراتهم وأين القرآن منهم . وهم خلال ثلاثين عاما يرفضون الحوار معنا ،ويتعاملون معنا بالتجاهل وبالاتهامات والتجريح. كانوا فى عهد مبارك يختلفون معه فى كل شىء إلاّ إذا تعلق الأمر باضطهاد أهل القرآن . عندها تجد تناغما وتحالفا بين الغريمين ضدنا ، تنطلق منهم علينا اتهامات الكفر والخيانة والعمالة تمهّد لاعتقالنا ، وبعد الاعتقال تستمر حملاتهم ضدنا بالاغتيال المعنوى لنا ونحن فى السجون وتحت مطارق التعذيب . وكنت أتعجب من قسوة تلك الحملات علينا ونحن ضعاف تحت سوط السلطة وبين أنيابها ؟ هل تم حلّ كل مشكلات مصر ولم تبق إلا مشكلة وحيدة هى نحن ؟ وهل ما ندعو اليه من حوار سلمى واصلاح سلمى وإحتكام الى القرآن جريمة عظمى تستحق كل هذا العقاب بحيث يتحالف فيها النظام وأعداؤه ؟ وأيهما الأكثر خطورة : دعوتنا السلمية للاصلاح السلمى دون أن نطلب من الناس أجرا ، أم ذلك ىالنهب المنظم والمستمر للثروة المصرية والتجريف للآثار المصرية والتربة المصرية و الأخلاق المصرية ، وسيادة الفساد وتجذّر التعذيب والاستبداد ؟ ولماذا ينسى الاخوان والسلفيون ذكريات عذابهم فى سجون مبارك ويقبلون التحالف معه ضدنا ونحن لا حول ولنا ولا قوة ؟ هى أسئلة بريئة ، ومعروف إجابتها . فنحن أكبر خطر على الاخوان والسلفيين وكل المتلاعبين بالدين . نحن بدعوتنا البسيطة بالاحتكام للقرآن نهدد طموحهم ، ونوقظ الأغلبية الصامتة وننبه المثقفين المخدوعين الى ذلك التناقض الهائل بين الاسلام والاخوان المسلمين والسلفيين . وبالتالى فنجاحنا يعنى تدمير طموحهم ، والقضاء علينا بقبضة مبارك يزيح من أمام طموحهم عقبة عاتية تمنعهم من الوصول الى السلطة .

4 ـ ومن هنا نفهم ما حدث فى الربيع العربى . فهو نقطة فاصلة فى تاريخ المنطقة ، إما أن ينتهى الى إحلال السلفية الوهابية محلّ المستبد العربى الراهن الذى إنتهى عمره الافتراضى ولم يعد صالحا لاللاستهلاك المحلى، وبذلك ندخل فى سواد . وإما ينتصر الربيع العربى وتتأسس نظم حكم ديمقراطية حقوقية . بين هذا وذاك يقع جهادنا فى تعرية الاخوان والسلفيين . فليس فى الساحة غيرنا قادر على مواجهة الوهابية واعوانها من السلفيين والاخوان المسلمين من داخل الاسلام ، وبالتالى فلا بد من إسكاتنا ولو بالضوضاء علينا وبالتجاهل لنا . ومن المضحك أن يصبح القرآنيون موضوعا مثيرا للنقاش فى القنوات الفضائية . ولكن بطرق متعددة . منها ما يناقش القرآنيين فى غيابهم ، يستحضر بعض الناس ليشتم ويلعن ويتهم ويتكلم زورا وبهتانا على القرآنيين دون دعوة لأى واحد منهم . أو أن يستضيف بعض المتحدثين ممن يزعم أنه قرآنى ليكلم بلساننا كما لو كنا فى غياهب القبور . حتى الآن لم تجرؤ قناة فضائية عربية على استضافتى ، هذا مع أن لنا موقعنا (اهل القرآن ) ومركزنا ( المركز العالمى للقرآن الكريم ) وتنهال علينا الدعوات فى أمريكا كمتحدثين ومناقشين . ولكن يتم تجاهلنا تماما فى القنوات العربية . ثم استضافتنا قناة مسيحية مرتين وأتاحت لنا فرصة الكلام بحرية فانهالت علينا رسائل السب والشتم بأقذع اللفاظ ، ولم نهتم بهم فهم سقط المتاع ، ولكن الذى أحزننا هم أولئك الذين توجهوا لنا باللوم لأننا رضينا أن نتكلمعن الاسلام فى قناة مسيحية تبشيرية متعصبة . لم يسأل أحدهم نفسه : هل جاءتنى دعوة لقناة أخرى ورفضت ؟ ولماذا لا أخرج من دائرة الحصار والتجاهل لأقول كلمة حق يسمعها ملايين هم مشاهدو هذه القناة ؟ ثم أولئك الأبرار اللائمون لنا : لماذا يرضون بكل هذا الهراء الذى يقوله السلفيون فى عشرات القنوات الخاضعة لهم بما يشوّه الاسلام، ويزعجهم أن أرد على السلفيين فى حلقتين فى قناة مسيحية أو حتى يهودية ؟  لا يهم نوعية القناة .. المهم ما أقوله فيها ، هل هو حق أم باطل ؟

 

المقال العاشر : ( لهو الحديث ) من قريش الى الوهابيين   

هو خصم لله جل وعلا من يستخدم الدين فى طموحه الدنيوى

أولا : الأمويون ولهو الحديث من مكة الى دمشق :

1 ـ  للقرآن الكريم إعجاز فريد يأسر السامعين حتى لو كانوا كفّارا مشركين ، يقول رب العزّة :(كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ )(الحجر 12 ـ )(كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ )(الشعراء 200 ـ ).أى إن الكافر بالقرآن حين يقرؤه أويستمع اليه ينفذ الى قلبه رغما عنه ، فيأخذه العناد فيزداد كفرا وعتوا وإستكبارا ليعاند بصيص الايمان الذى نبت فى أعماقه.وهى حالة فريدة أن يزداد المؤمن بالقرآن إيمانا ويزداد الكافر به ضلالا ، كل حسب إختياره،يقول فيها رب العزة:(وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً)(الاسراء 82 ). ويقول عن معاندى أهل الكتاب:(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً)(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )(المائدة 64،68). وفى المقابل كان مؤمنو اهل الكتاب يزدادون إيمانا حين كان يتلى عليهم القرآن،فيسجدون باكين خاشعين،يقول جل وعلا : (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) (مريم58). وكان هذا حجة على مشركى قريش، فأمر رب العزة رسوله أن يقول لهم : (قلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً)(الاسراء 107: 109).

2 ـ وكان كفار قريش ينفجرون غضبا بمجرد تلاوة القرآن حتى كانوا يدعون الله جل وعلا على أنفسهم بالهلاك لو كان القرآن كلام الله:(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ وإذ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)(الأنفال 31 : 32 )، أو يملأ الغيظ وجوههم حتى  يهم بعضهم بالاعتداء على من يتلو عليهم القرآن:( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا )(الحج 72 )،أو تملىء نظراتهم بالكراهية للرسول محمد عليه السلام وهو يتلوه عليهم وتنطلق ألسنتهم بإتهامه بالجنون :(وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)( القلم 51 : 52).

3 ـ ولهذا طالب كفار قريش النبى محمدا عليه السلام بأن يأتى لهم بقرآن آخر يتصالح مع ثوابتهم الدينية ونزل الرفض فى قوله جل وعلا:(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (يونس15).وبسبب رفض تبديله أوجد كفار قريش حلولا لالهاء السامعين عن الاستماع للقرآن ، منها الصخب والشوشرة عند تلاوة القرآن:(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)(فصلت 26) ولكن أهم وسيلة فى حربهم للقرآن كانت شراء تدوينات لأساطير الأقدمين وروايتها قصصا وحكايات جذّابة تستهوى السامعين وتصرفهم عن الاستماع للقرآن ،بل وتشجعهم على إتخاذه هزوا .وهذا ما جاء فى قوله جل وعلا:( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)(لقمان 6 ).

4 ـ لم يكن للعرب ( الأميين ) تراث دينى سوى تحريفهم لملة ابراهيم ، ولقد إشتهروا بالشعر وأيام العرب وحروبهم ، ولكنها لم تنفع فى صرف إهتمام السامعين للقرآن . لذا كان لا بد من بديل مواز يحكى القصص الدينى وحكايات السابقين ، وهى نفس الموضوعات تقريبا التى تعرّض لها القرآن مع الفارق فى الصدقية وفى المنهج الوعظى الاصلاحى للقصص القرآنى. هدف القصص التى يريدها كفار قريش لصرف الناس عن القرآن أن تكون مشوّقة مؤثرة تلهى المستمع عن الحق بل حتى عن نفسه وواقعه ، وتأخذه الى عالمها الخاص ، أى لا بد أن تمتلىء بالخرافات والتهويلات ، خصوصا مع عقليات الناس وقتها. ووجدت قريش ضالتها فى التراث المدون والشفهى لأحبار ورهبان وكهان أهل الكتاب،. ويذكر رب العزة تحالفا بين كفار مكة وكفار أهل الكتاب الذين أفتوا لقريش أن دينهم أفضل من الاسلام : فقال جل وعلا عنهم :(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً)(النساء  51 : 52).

5 ـ الأمويون كانوا مبتكرى هذه الحرب الفكرية ضد القرآن . تزعّم الأمويون فى مكة معارضة  الاسلام حرصا على مصالحهم،إذ كانوا قادة القوافل فى رحلتى الشتاء والصيف ،وكانت لهم علاقات تجارية بقبائل كلب المسيحية التى تسيطر على طرق الشام التجارية.ورأوا فى الاسلام تهديدا لزعامتهم ومكانتهم فعارضوه، وسجّل هذا رب العزّة عليهم فقال عن القرآن الكريم : (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(الواقعة81:82 )، أى جعلوا رزقهم فى تكذيب القرآن فكفروا بالقرآن بسبب عوامل إقتصادية بحتة . أى لم يكفروا بالقرآن لذاته وإنما لأنه يهدد سيطرتهم وجاههم وثرواتهم.إعترفوا بالقرآن هدى، ولكن رأوا فيه خطرا على تجارتهم فى رحلتى الشتاء والصيف . طبقا للايلاف كانت قريش مسئولة عن حماية أصنام العرب المقامة حول الكعبة مقابل حماية القبائل العربية للتجارة القرشية التى تتقاتل فيما بينها ولكنها تحافظ على قوافل قريش. ودعوة القرآن ضد الأصنام تهدد بقاءها، وبالتالى فلن تكون تجارة قريش آمنة بين الشام واليمن، بل ربما تتوحد القبائل العربية ضد قريش لو اعتنقت  الاسلام وهدمت أصنام العرب فى الحرم . هذا ما تخيله الأمويون زعماء قريش الذين اعترفوا بأن القرآن هدى ولكنه خطر عليهم :(وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا)(القصص 57 ).

6 ـ الأمويون بعقليتهم التجارية وإنفتاحهم على الشام واختلاطهم بأهل الكتاب وتعاونهم معا ضد القرآن تفننوا فى مكة فى حرب القرآن بشرائهم من الشام الأقاصيص الدينية،فقال رب العزّة:(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا) . وكانوا يعقدون لها جلسات سمر يخلطون فيها الاستماع لتلك الأقاصيص بالاستهزاء بالقرآن مع الصّد عنه،ويوم القيامة سيقال لهم توبيخا:(قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ)(المؤمنون66  :67 ).

7 ـ وفشلت هذه الوسيلة فى الحرب الفكرية ، بل فشلت مواجهتهم الحربية للمسلمين ، بل أدى كل هذا الى انتشار الاسلام بين القبائل العربية ، فالقرآن باسلوبه المعجز الساحروبحواره المقنع أيقظ عقول العرب وفضح لهم عبثية عبادة الأحجار وخرافات تقديسها وتأليهها ، وبالتالى أبان لهم كيف خدعتهم قريش واستغلتهم فى فريضة الحج واستخدمتهم فى حراسة قوافلها وزيادة ثرواتها مقابل خرافة الأنصاب والأصنام . ووجد العرب فى الاسلام وسيلة للقضاء على تميّز قريش وانفرادها بالسيطرة على البيت الحرام وقيادة العرب دنيا ودين ، فالاسلام يؤكد العدل والحرية والمساواة بين الناس ويمنع تعالى قبيلة على أخرى . نجح القرآن الكريم فى هذه الحرب الفكرية ضد خرافات الكفر وومزاعم قريش بالهيمنة والسيطرة ، خصوصا مع عجز قريش عن مواجهة المسلمين حربيا بعد هزيمتهم فى الأحزاب. ونشأ وضع جديد مقلق لقريش هو تجرؤ العرب المسلمين خارج المدينة على الاعتداء على قوافل قريش فلم تعد للأصنام حول الكعبة حرمة ولا قيمة ، وزاد من هذا ما نتج عن صلح الحديبية  من زيادة عدد المعادين لقريش والمعتدين على قوافلها ، فرأت قريش أن مصلحتها التى كانت من قبل تحتّم عليها الوقوف ضد الاسلام ، أصبحت الآن تحتم عليها الدخول سلميا فى الاسلام . ومن الطبيعى أن يكون الأمويون بحنكتهم السياسية ومركزهم القيادى فى مكة هو المرجّح لهذا الاختيار ، وبه تم فتح مكة سلميا . ولكن بين سطور القرآن نفهم وجود معارك تلت فتح مكة ، ونقض للعهود ومحاولة ثانية لاخراج النبى والمؤمنين من مكة ،وهذا ما دارت حوله آيات سورة التوبة (1: 28 ).

8 ـ واعطت سورة التوبة خريطة للعقائد القلبية لسكان المدينة ومن حولها ، من السابقين ومن خلط عملا صالحا وآخر سيئا ،وأصناف المنافقين الظاهرين ،والأعراب الذين هم أشد الناس كفرا والأعراب المحاربين على تخوم المدينة . ولكن أخطر فريق هم من كتم نفاقه من أهل المدينة ومن الاعراب حولها مخافة أن يفضحه الوحى القرآن (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)(التوبة ـ 101 ـ ). توعدهم الله جل وعلا بعذاب مرتين فى الدنيا وعذاب عظيم فى الآخرة ، بمعنى أنهم سيموتون كفارا وسيسببون فى المستقبل بعد موت النبى مصائب للمسلمين ولغيرهم باسم الاسلام . أى إنهم صبروا الى أن يموت النبى وينقطع الوحى ثم تحركوا بعدها. فى حياته كمنوا بلا حراك يؤكدون ولاءهم للنبى ويتقربون منه ويعلو شأنهم بين المسلمين. ثم بعد موت النبى وانتهاء القرآن نزولا ويقينهم بأن لا وحى بعدها يفضحهم تحركوا ضد الاسلام فأوقعوا المسلمين فى حركتى ردة تم التخطيط لهما جيدا. حركة الردة الأولى الصغرى معروفة وبدأت بهجوم القبائل المتاخمة للمدينة على المدينة ، وهم قد أشارت اليهم سورة التوبة من قبل (123). وانتشرت حركة الردة هذه وتم أخمادها بتوحّد قريش من المهاجرين والأمويين الداخلين ف الاسلام بعد طول عداء للاسلام ، ومعهم الأنصار الذين تم تهميشهم لصالح قريش والأمويين . أدى الانتصار الى استعادة الأمويين ( الطلقاء ) مكانتهم ، وإلى حركة الردة الكبرى،أى الفتوحات العربية.  

9 ـ أقنع الأمويون قادة المهاجرين بتوجيه قوة الأعراب الحربية الى فتوحات خارجية تحت لواء الاسلام ، حتى لا يعودوا للردة وحرب قريش والمسلمين . وهكذا أعاد الأمويون استغلال الأعراب فى الفتوحات ، وخرج منها الأعراب مخدوعين فقد استولت قريش والأمويون على معظم الغنائم . الفتوحات هى المرحلة الأولى من الردة الكبرى للصحابة ، ثم تبعتها المرحلة الثانية وهى الفتنة الكبرى،والتى لا زلنا فيها حتى الآن. إستغل الصحابة إسم الاسلام وخالفوا تشريعاته حين اعتدوا فيها على أمم لم تعتد عليهم ، فقاتلوها واحتلوا بلادهم وسبوا نساءهم ونهبوا أموالهم باسم الاسلام والجهاد الاسلامى ، ثم اختلفوا فى توزيع المسروقات فاقتتلوا فيما بينهم فى الفتنة الكبرى ، فى حروب أهلية أشهرها مواقع الجمل وصفين والنهروان .

10 ـ هذه الردة الكبرى بالفتوحات والحروب الأهلية تعتبر كفرا سلوكيا لأنها تتمسح بالدين وتستغله فى تحقيق مطامح سياسية واقتصادية . الكفر السلوكى هو استخدام دين الله جل وعلا القائم على السلم والعدل والحيرة فى الاعتداء والظلم والطغيان . وهذا الكفر السلوكى يستلزم تبريرا وتسويغا ، يتحول بمرور الوقت الى إختراع تشريع ومزاعم بوحى الاهى، أى يوقع فى الكفر الفكرى والعقيدى بتشريعات تبرر الظلم والعدوان وتنشىء أحكاما ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان . تلك الفتوحات نجحت حربيا وسياسيا بمقياس الدنيا ، إذ إنتصر المسلمون فانهارت أمامهم عروش واحتلوا فيها بلادا واسترقوا فيها شعوبا فى مدة قياسية . ولكن هذه العظمة الدنيوية تتناقض مع الاسلام ، وبالتالى كان أمام الصحابة الاختيار بين الاسلام وبين هذه العظمة الدنيوية ، فاختاروا العظمة الدنيوية ، وانتهوا الى الفتنة الكبرى و الحروب الأهلية. لو إختاروا الاسلام فقد كان عليهم التوبة والرجوع الى جزيرتهم العربية وترك تلك البلاد لأصحابها بعد تحريرهم من استبداد حكامهم ، خصوصا وقد عاش المسلمون حرية وديمقراطية وعدلا فى دولة النبى محمد منذ عدة سنوات مضت على وفاته. أى كان عليهم أن يسيروا على سنته الحقيقية. لم يحدث هذا، فقد أختاروا أن يسيروا على سنّة كسرى وهرقل وسائر المستبدين . لم يحدث الانتقال فجأة ، فقد استلزم بعض الوقت وبعض الحروب الأهلية التى أسفرت عن فوز الأمويين بالسلطة والثروة.

11 ـ إضطررنا لهذه التفصيلات ( الموجزة السريعة ) لنخلص الى أن الأمويين ـ على هامش الحروب المسلحة بينهم وبين (على ) الذى كان يمثّل مدرسة النبى محمد ـ عادوا الى سيرتهم الأولى حين كانوا يحاربون الاسلام والمسلمين فى مكة وقبيل دخولهم فى الاسلام . عادوا الى استعمال الحرب الفكرية ، أى بشراء ( لهو الحديث ) تحت مسمى القصص .برز الأمويون فى    اختراع الأحاديث عن طريق أبى هريرة وغيره ، وفى إختراع وظيفة القاصّ ، الذى يجلس فى المسجد يقصّ حكايات السابقين ويفترى أحاديث ينسبها للنبى ، ثم ينتهز فرصة إصغاء الناس له ليستميلهم الى الخليفة الأموى ويؤلف الأكاذيب عن (على ) وآله بقدر مدحه فى الأمويين . أى استعمل الأمويون ( لهو الحديث ) ضد القرآن مرتين ، الأولى وهم كفار معادون صرحاء ، والثانية وهم منافقون يستخدمون اسم الاسلام فى سبيل الثروة و السلطة . وفى الحالتين كان الأمويون عباقرة فى خلط السياسة بالدين ، سواء فى مكة أم فى دمشق ، لا فارق بين أبى سفيان ومعاوية ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان ، الذى كان قبل خلافته من كبار الفقهاء فى المدينة معتكفا فى مسجدها مع رفيقه سعيد بن المسيب، ثم حين جاءه موت أبيه المفاجىء وتوليه الخلافة بعده أقفل المصحف وقال ( هذا فراق بينى وبينك ) ، وتولى الخلافة وعذّب رفيقه سعيد بن المسيب .

ثانيا:الحديث فى الدين نوعان : لهو الحديث وأصدق الحديث:أيهما تختار أخى المسلم ؟

1 ـ :يقول ربّ العزّة :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( لقمان 6 : 7). من الآيتين الكريمتين نستخلص حقيقتين: 1/ 1 : الحقيقة الأولى : قوله جل وعلا هنا :(وَمِنَ النَّاسِ)، يعنى إنها عادة إنسانية سيئة توجد فى كل مجتمع فيه ناس، أن يحترف بعض الناس سرد ( لهو الحديث ) ليصرف الناس عن الحق ولاضلالهم بغير علم ،أى بالخرافات مع إستهزائهم  بآيات الله عزّ وجلّ. كان هذا قبل الأمويين ، فى كل مجتمع فيه ناس ، واستمر بعد الأمويين فى كل مجتمع فيه ناس .ولا يزال فى عصرنا البائس فأعلى المبيعات هى كتب التراث ،إذ (يشترى) الناس (لهو الحديث) فى ملايين النسخ من كتب الحديث والسّنة والفقه والتصوف والتشيع ، ويستمع الناس الى لهو الحديث فى المساجد الضرار وفى القنوات الفضائية الدينية وفى البرامج الدينية وفى المواقع على الانترنت، والتى بلغ من انتشارها وسيطرتها أن هزمت مواقع وأفلام البورنو .  (لهو الحديث ) الأموى كان بسيطا ، مجرد واعظ فى مسجد ، ولم تكن المساجد بهذا الانتشار . ومجرد روايات شفهية فلم يكن هناك تدوين . وحتى فى عصر التدوين لما شاع وانتشر من روايات شفهية للهو الحديث فقد كان التدوين يدويا بخطّ اليدّ ، حرفة للورّاقين . الآن الطباعة الاليكترونية بالملايين والسماجد بالملايين والمستمعون بمئات الملايين. هذا هو الفارق الكمّى فى انتشار لهو الحديث بين الأمويين والوهابيين من سعوديين وسلفيين وأخوان مسلمين.

1/ 2 :الحقيقة الثانية:أنه فى مجال (الدين) يوجد نوعان فقط من الحديث كل منهما يناقض الآخر :(لهو الحديث) و(أصدق الحديث) . ولأنهما متناقضان فلا يمكن أن تؤمن بهما معا ، فإذا آمنت بأصدق الحديث فلا بد أن تكفر بلهو الحديث ، ولو آمنت بلهو الحديث فلا بد أن تكفر بأصدق الحديث . ولقد آمن كفار قريش بلهو الحديث وكفروا بالقرآن وهو أصدق الحديث. ومنافقو الصحابة أعلنوا إيمانهم خداعا بأصدق الحديث مع كفرهم سرا به.

2 ـ ونتوقف مع ( أصدق الحديث ) وهو القرآن الكريم، ونعطى الحقائق القرآنية التالية :

2/ 1 : الحديث هو القول ، والله جل وعلا هو الأصدق حديثا: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً)،  وهو جلّ وعلا أيضا الأصدق قيلا : ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً )(النساء 87 ، 122). والله جلّ وعلا يقول لأهل الكتاب :( قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً) (آل عمران 95 ). والمسلمون متبعو الأديان الأرضية يقولون بألسنتهم بحكم العادة عند سماع القرآن :( صدق الله العظيم ). وهذا يخالف مكنون قلوبهم ، والدليل إنه لو أستشهدت لهم بمائة وخمسن آية قرآنية تنفى شفاعة النبى والبشر فسيكذبونها تمسكا بايمانهم بلهو الحديث البخارى . ولو استشهدت لهم بألف ( 1000 ) آية قرآنية تؤكد الحرية الدينية فهم يكذّبون رب العزة تمسكا بحديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ..) وبحدّ الردّة .ولو استشهدت لهم بعشرات الآيات التى تؤكد أن النبى محمدا عليه السلام كان لا يعلم الغيب تراهم يسارعون فى تكذيب ربالعزّة . أى أنهم حين يقولون ( صدق الله  العظيم ) فهم منافقون. وهم حين يقولون آمنا بالله وباليوم الاخر فهم لا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون .

2/ 2 : أصدق الحديث هو أيضا أحسن الحديث : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) (الزمر:23). وهناك أحاديث حسنة كثيرة قالها حكماء وفلاسفة ومصلحون ، منهم فولتير و طاغور وتشرشل وابن سينا وفلان وعلاّن . وهى أقاويل وأحاديث وتصريحات حسنة صدرت من بشر ، ولكن يظل حديث الله جل وعلا فى القرآن هو (أحسن الحديث ).وهو (أحسن الحديث) لسببين :إنه هو(أصدق الحديث ) وهذا ما سبقت الاشارة اليه ، والثانى لأنه لا إيمان بحديث إلا بحديث الله جل وعلا فى القرآن الكريم ، بمعنى أنه فى مجال الايمان لا محل لأحاديث فولتير وطاغور وتشرشل وابن سينا وابن فلان وابن علان ، ولكن تنحصر المنافسة بين نوعين فقط كل منهما يناقض الآخر ، وكل منهما يدعو الناس للايمان به،وهما حديث الله جل وعلا فى القرآن (أصدق الحديث) وحديث الشيطان وهو(لهو الحديث).

2/ 3 : الله جل وعلا يوجب على المؤمن الايمان بحديث وحيد هو حديثه جل وعلا فى القرآن الكريم . يقول جل وعلا يتوعّد مّن يكذّب بآياته :( وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) ثم يدعوهم الى التفكر والتعقل قبل الموت حتى يؤمنوا بحديث الله فى القرآن وحده : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ  ) (الاعراف 182 : 185  )

2/ 4 : وقوله جل وعلا فى الآية السابقة (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)(الاعراف185 ) تكرّر فى نهاية سورة المرسلات (أية 50 ) بعد تكرار الويل للمكذّبين بآيات الله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)(المرسلات49: 50 ).أى لا إيمان إلاّ بحديث الله تعالى فى القرآن . وأحاديث البخارى وغيره ليست محل الايمان ، وطالما هى منسوبة للوحى الالهى وللرسول فيجب إنكارها وتكذيبها والكفر بها ، مع الاعلان عن هذا طلبا لاصلاح المسلمين بالقرآن .

2/ 5 : بل يأتى نفس المعنى (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) بصورة أخطر يقرن الله جل وعلا فيها حديثه فى القرآن بذاته هو جل وعلا ، ففى مجال الايمان لا يوجد اله مع الله ولا يوجد حديث مع حديث الله جل وعلا . وتأتى صياغة الآية الكريمة بصورة محكمة هائلة.تبدأ الآية بالحديث عن القرآن وآياته:(تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ) ثم يأتى التساؤل الاستنكارى يقرن رب العزة فيه بين ذاته وحديثه القرآنى:(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ )؟. بعدها يتوعد رب العزة أرباب ( لهو الحديث ) فيقول :( وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ)(الجاثية 6: 11 ) .

أخيرا : الأفّاك الأثيم فى عصرنا يريد ان يركب ظهورالمصريين باسم الاسلام ، مع أن الله جل وعلا يصفه بأنه أفّاك أثيم ..ألا تعقلون ؟


المقال الحادى عشر : شريعة قريش والوهابيين السلفيين ظلمت رب العالمين

هو خصم لله جل وعلا من يخلط السياسة بالدين

أولا :

1 ـ يقول جل وعلا:(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُل لَّوْ شَاء اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)( يونس 15 : 18 ). ونتوقف بالتدبر مع هذه الآيات الكريمة .

2ـ فى كراهيتها للقرآن الكريم طلبت قريش من خاتم النبيين الإتيان بقرآن غيره أو تبديله ، ولم يردّ عليهم خاتم النبيين ، ولم يكن له أن يجيب على أى تساؤل ،بل ينتظر الى أن ينزل الوحى بالاجابة . جاء الردّ من رب العزة يحكى القصة:( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ) ويأمر الرسول بالرد عليهم بعبارات محددة :( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )، أى إنه عليه السلام لا يرضى من تلقاء نفسه تبديل القرآن لسببين : أنه متبع للقرآن ولأنه يخاف من عصيان ربه جل وعلا يوم القيامة .

3 :حقيقة أن عليه السلام كان متبعا للقرآن تكررت كثيرا فى القرآن الكريم ، منها (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ )(الأحقاف 9 )(قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(الاعراف 203). هذا التكرار جاء للرد مقدما على إفتراء أئمة الأديان الأرضية للمسلمين الذين نسبوا للنبى فيما بعد أحاديث كاذبة جعلوها مصدرا للتشريع ،متهمين بذلك النبى بأنه لم يتبع القرآن ، وأنه لم يكتف بالقرآن شرعا فجعل نفسه مصدرا للتشريع بزعمهم. إنّ رب العزة إستنكر عدم إكتفاء قريش والعرب المشركين بالقرآن الكريم :( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ثم يأمر رب العزة جل وعلا رسوله أن يجعل الله سبحانه وتعالى شهيدا على الاكتفاء بالقرآن :(قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )( العنكبوت 51 : 52 )، وهى شهادة تكررت من قبل عن القرآن وعن ذاته جلّ وعلا:(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ)(الأنعام 19 )وفى شهادة أخرى يقول جل وعلا (لَّكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)(النساء 166) ثم يقول بعدها عن الكفار فى كل زمان ومكان : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلالاً بَعِيدًا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)(النساء: 167ـ 169). .كان خاتم المرسلين متبعا للقرآن مكتفيا به ولكن أئمة الضلال نسبوا له منكرا من القول وزورا فيما يعرف بالسّنة النبوية.

4 ـ حقيقة خوفه عليه السلام من عذاب يوم القيامة تكرر ثلاث مرات ، مرة منها فى معرض رفضه تبديل القرآن فى الآيات السابقة من سورة يونس ، ومرتين فى معرض خوفه من إتخاذ ولى مع الله جل وعلا ، لأنه جلّ وعلا هو الولىّ وحده المستحق للعبادة والتقديس:(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )(الأنعام 14: 15)،وفى معرض خوفه من عدم إخلاصه الدين لرب العالمين:(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(الزمر11: 13 ). والمسلمون فى أديانهم الأرضية أعادوا تقديس الأولياء والأئمة فى قبورهم وفى كتبهم وأسفارهم وأقوالهم. وإذا كان خاتم المرسلين فى حياته يخاف من عذاب يوم عظيم ، فإن أديان المسلمين الأرضية أراحت أتباعها من هذا الخوف بزعم شفاعة الرسول لهم يوم القيامة،بل وشفاعة الأئمة. هذا مع أن تأكيد رب العزة على خوف النبى من عذاب يوم عظيم ينفى الزعم بشفاعة النبى ، فلو كان يملك الشفاعة للغير لأصبح هو نفسه محصّنا من العذاب. والواقع إن أديان المسلمين الأرضية سارت على سنّة العرب والقرشيين فى إتّخاذ شفعاء لهم،وهذا ما استنكره رب العزة فى نفس السياق من سورة يونس: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(يونس: 18).

5 ـ ويأمره رب العزّة أن يذكّر قومه بتاريخه معهم فقد لبث فيهم عمرا قبل نزول الوحى عليه ، وكانوا يطلقون عليه الصادق الأمين ، فلم يكذب عليهم فى خبر ولم يبدّل قولا سمعه ولم يفتر حديثا ، ولم يزعم قبلها وحيا سماويا إلا عندما شاء الله جل وعلا واختاره رسولا وأمره أن يتلو عليهم كتابه :(قُل لَّوْ شَاء اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )

6 ـ بعدها يأتى هذا الحكم الالهى الذى يجعل أظلم الناس هو من يفترى على الله كذبا أو يكذّب بآياته:(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ)( يونس17). أى ينسب وحيا كاذبا لله جل وعلا ولرسوله أو يكذّب بالحى الالهى صراحة أو ضمنا. وهنا نتابع تشابه الوهابيين السلفيين للكفار القرشيين فى كونهم أظلم الناس لرب العالمين.

ثانيا : أنواع التطرف فى ظلم الناس لرب العالمين

التطرف فى ظلم الكفار لرب العزة ورد فى أكثره فى التكذيب لآيات الله والافتراء على الله جل وعلا كذبا . وهناك نوعان آخران من ظلم المشركين لرب العالمين: تحكمهم فى المساجد:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )( البقرة114)، وكتم شهادة حق أو كلمة حق فى صالح الدين الحق :( أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )(البقرة 140 ). وفى نفس المعنى يقول جل وعلا فى سورة البقرةعمّن يكتم الحق القرآنى  :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)). أكثر أنواع التطرف فى ظلم الناس لرب العالمين هو التكذيب أوالافتراء أو هما معا. على النحو الآتى :

افتراء وتكذيب معا :

1ـ اى يجمع بعضهم بين تكذيب آيات الله وإفترائه على الله وحيا كاذبا: وقد جاء التحذير من ذلك مسبقا لبنى آدم جميعا بعد هبوط أبويهم الى الأرض ، فقال جل وعلا فى سورة الأعراف :( يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)) وهذا حكم عام لمن إتقى وأصلح فسيكون من أصحاب الجنة . وفى المقابل فمن كذّب بآيات الله وحيه واستكبر عن الايمان بها فسيكون من أصحاب النار: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)) وأظلم البشر جميعا هو من يجمع بين التكذيب للآيات والافتراء على الله جل وعلا وحيا كاذبا ، وهم عند الموت سيندمون ويعترفون بضلالهم،ثم يوم القيامة يلقى بهم فى جهنم أمة بعد أمة: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38)

2 ـ وهؤلاء الذين جمعوا بين التكذيب والافتراء سيقف الأشهاد خصوما عليهم يوم الحساب كما جاء فى سورة هود :(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ (22)

3 ـ وفى يوم الحشر سينكرون كونهم مشركين فقد تغلغل الكذب فى قلوبهم فى الدنيا وجاءوا به الى يوم القيامة. يقول جل وعلا عنهم فى سورة الأنعام:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)     

4 ـ وفى سورة الزمر تقسيم للبشر الى قسمين : (المتقون أهل الجنة) وهم الأنبياء الذين جاءوا بالصدق ومعهم المؤمنون بهذا الصدق ، و( الظالمون أهل النار) الذين كذّبوا بالصدق وافتروا على الله جل وعلا كذبا :( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)

5 ـ كل ما سبق نزل كلاما عاما فى البشر جميعا قبل وبعد نزول القرآن الكريم .ولكن فى سورة العنكبوت يتحدث رب العزة عن قريش التى آمنت بالباطل وهو تلك الأحاديث الموصوفة قرآنيا بلهو الحديث ، وكفرت بالحق وهو القرآن نعمة الله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67). ثم تعطى الآية التالية حكما عاما ينطبق على قريش وغيرها :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68).وفى المقابل  يقول جل وعلا عن كل من يجاهد فى سبيل الله بالقرآن الكريم: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)

افتراء فقط

1 ـ أئمة الباطل هم من يتخصص فى سبك الأحاديث وينسبها لله جل وعلا مثل ما يسمى بالحديث القدسى ،أو ينسبها للنبى مثل ما يسمى بالحديث النبوى ، ويعتبرها وحيا الاهيا ودينا. يقول جل وعلا عن أعدائه الساعين فى إضلال الناس بغيرعلم: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(الأنعام 144) . فعلت هذا قريش وكفار العرب ، وسار على سنتهم أتباع الدين السّنى الأرضى الذين ينطبق عليهم ما جاء فى القرآن بوصف عام يسرى على كل من يفترى على الله جل وعلا كذبا .

2 ـ وفى قصة أهل الكهف ، أنهم فتية آمنوا بربهم وزادهم الله جل وعلا هدى،وقد هربوا  من سطوة قومهم المشركين الذين عبدوا آلهة مع الله ، وهذا شرك عملى ، وإفتروا على الله كذبا ، وهذا شرك علمى .قال الفتية من أهل الكهف عن قومهم:( هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً)(الكهف 15 ).

3 ـ وتخصصت قريش فى الافتراء لترد على دعوتها الى الاسلام ، يحاولون بأحاديثهم الضالة ان يطفئوا نور الله جل وعلا بأفواههم،يقول جل وعلا فى سورة الصّف:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)). ونفس الحال ينطبق على مخترعى الأديان الأرضية للمسلمين ، وخصوصا أئمة السّنة . يريدون أن يطفئوا نور الله فى القرآن الكريم ، ولكن يأبى الله جل وعلا إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .   

4 ـ وعند الاحتضار يكون موقف أولئك الأئمة عسيرا ، تبشرهم الملائكة بالعذاب وتسخر منهم ، وهم فى غمرات الموت ، يقول جل وعلا :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)(الانعام 93 ).

 تكذيب فقط :

1 ـ ليس كل الكفرة المشركين أئمة متخصصين فى سبك وتأليف الأحاديث ، فهذه مهمة تحتاج الى موهبة شيطانية . ولكن كل الكفرة والمشركين يؤمنون بتلك الأحاديث الضالة ، وبالتالى فهم فى تكذيب للقرآن الكريم . إذ لا يجتمع الايمان بالنقيضين ، فإذا أمنت بالقرآن وحده فمعناه أن تكفر بأى حديث غيره منسوب لله أو للرسول . وإذا آمنت بتلك الأحاديث فأنت كافر بالقرآن وبرب العّزة أيضا . ولذلك تكرر الاستفهام الانكارى من رب العزة على من يؤمن بحديث آخر غير القرآن :(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)(الأعراف 185)( المرسلات 50 )، وجعل الايمان بحديث الله جل وعلا فى القرآن وحده قرينا بالايمان بألوهيته وحده فقال فى سورة الجاثية : ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11 )). القضية هنا صفرية لا تحتمل الوسطية ، إمّا إتّباع للقرآن وحده وإمّا إتّباع للأئمة والأولياء، ولهذا قال جل وعلا لنا :(اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) (الأعراف 3)، فهنا أمر ونهى معا (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (3)  )، ولأن أكثرية البشر ضالة مضلة ( الأنعام 116) فقد قال تعالى فى نفس الآية أنه قليلا ما نتذكر : (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) . ولهذا سرعان ما نسى المسلمون ، واتبعوا أحاديث كاذبة إخترعها أئمة السّوء.

2 ـ وهو نفس موقف قريش قبيل نزول القرآن . كانوا يتمنون أن يكونوا مثل أهل الكتاب يبعث فيهم رسول بكتاب سماوى ، فلما بعث الله جل وعلا خاتم المرسلين بالقرآن واجهوا القرآن بالاعراض والتكذيب . فى سورة الأنعام يقول جل وعلا لهم عن القرآن :( وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155). ويذكّرهم رب العزة بموقفهم قبل نزول القرآن حين كانوا يتمنون نزول كتاب سماوى فلما نزل القرآن أعرضوا عنه :( أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)) ولنتذكر هنا أن رب العزة يتوعّد أظلم الناس المكذّب لآيات الله والمعرض عنها بسوء العذاب:  (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ  )

3 ـ ورب العزة يجعلها قضية بشرية عامة فيقول فى سورة الكهف:( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً (56) .وموقف المشركين من الوحى الالهى بالجدال بالباطل والاستهزاء نابع من تكذيبهم لايات الله وكتابه ،وه أشد الظلم لرب العزة ، ومن يقع فى هذا الظلم مستحيل أن يهتدى :(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57)).

4 ـ ومن ثمّ ينتظره انتقام رب العزة:(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ )(السجدة 22). ولكن يلفت النظر أن الله جل وعلا يصف أولئك المتطرفين فى الظلم المكذبين لآيات الله والمفترين بالكذب على الله بالاجرام :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ) ( السجدة 22).

5 ـ واضح إنطباق الآيات القرآنية السابقة على أئمة الدين السّنى وأتباعه وتشريعاته من الافتراء على الله جل وعلا كذبا ( باختراع الأحاديث ) وبتكذيب آيات الله فى القرآن بمقولة النسخ وإلغاء تشريعات رب العزة فى القرآن الكريم ، وتحريف مفاهيمه الأساس مثل الاسلام والايمان والكفر والشرك والسّنة والنسخ . ومن إعجاز القرآن أن ينطبق كلامه على كل من يستحقه ، حتى لو كان يزعم الاسلام وهو أظلم الناس لرب العالمين ، وأجرؤهم فى الافتراء عليه وفى التكذيب لآياته وقرآنه.

ثالثا :الظلم نوعان : بسيط و فظيع

1 ـ الظلم أنواع ، منه ظلم الفرد للفرد ، كالمجرم الذى يقتل بريئا ، أو ظلم الفرد لأفراد كثيرين مثل زعيم العصابة . ثم هناك مستبد يقتل مئات الالوف من شعبه ويسرق أموالهم كما فعل مبارك بالمصريين . وهناك من يتعدى ظلمه للشعوب الأخرى احتلالا وقتلا وسبيا وسلبا ، كما حدث من طغاة العالم مثل جنكيزخان وهتلر وموسولينى . كل أولئك يظلمون بشرا ، يبدأ بظلم شخص وأشخاص وينتهى الى ظلم شعب وشعوب . هتلر لم يظلم سوى البشر حتى لو كانوا بالملايين . الأعتى منه ظلما هو من يظلم رب العالمين ، ويتمسح باسمه لكى يفعل ما فعله هتلر وغيره . هتلر لم يتمسح باسم الله تعالى فى قتله الملايين من شعبه وشعوب أخرى، أمّا  أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وغيرهم من الخلفاء والسلاطين المسلمين العرب والعثمانيين فقد أحتلوا شعوبا وسلبوا ثرواتها وقتلوا أشرف رجالها المدافعين عن أوطانهم وإغتصبوا وسبوا نساءهم واسترقوا أولادهم باسم رب العزة ـ فظلموا الناس وظلموا رب الناس . ثم جاء أئمة السّوء والظلم فافتروا تشريعا نسبوه وحيا بالزور والكذب لله جل وعلا ورسوله تحت إسم السّنة ، وفيه جعلوا هذا الغزو والاعتداء والسلب والنهب والاغتصاب والسبى جهادا فى سبيل الله ، وجعلوه ذروة الأمر وسنامه ، وقننوا له الأحكام والتشريعات ، وأباحوا للمستبد أن يفعل ما يشاء بالناس أو ( الرعية ) ، وأنه ليس مسئولا أمامها بل هو مسئول عنها أمام الله فقط ، وقد أعطاه الله تشريعا أن يملك الأرض ومن عليها . وبعد أن تأسّس الدين السّنى على هذا الإفك ونسبوه الى الاسلام صارت تشريعا أن يحاول كل طموح استغلال اسم الاسلام للوصول الى الحكم ، والى استمرار طغيانه بإسم الاسلام . وهذا ما نعانيه الآن من وجود الدولة السعودية التى تأسست على الوهابية ، وهى الطبعة الأخيرة للسّنة الحنبلية التيمية . وهذا ما يشقى به المصريون الآن وهم على أهبة الخضوع للوهابية المصرية المتمثلة فى الاخوان والسلفيين . وبهم تحول أئمة الكفر والطغيان من الصحابة وشيوخ الدين السّنى الى آلهة معصومة ، يرتعش القلب عند سماع أى نقد فيهم .

2 ـ ومن الطبيعى أن يرتعش القارىء وهو يقرأ هذا الكلام، فقد توارثنا تقديس الخلفاء الراشدين والصحابة ومؤسسى الدين السّنى من رواة أحاديثه وفتاويه عبر التعليم والمساجد والاعلام والثقافة. ونحن ندمن التنديد بما يفعله الغرب وأمريكا واسرائيل ، وننسى ما فعله الخلفاء الراشدون والأمويون بأجدادنا وبأوطاننا ، والأهم من الوطن والقوم ما فعله أولئك الخلفاء القرشيون بدين الله جل وعلا . هم طبقا لما قاله رب العزة ( أظلم الناس ) لأنهم ظلموا الناس وظلموا رب العالمين .

3 ـ  ولا يمكن فى قضية فيها ظالم ومظلوم من البشر إلاّ أن تنحاز لأحدهما لو كنت محبا للعدل والقسط ، أما أن تدافع عن المظلوم وتهاجم الظالم، وإمّا أن تدافع عن الظالم وتؤيده فى ظلمه للمظلوم . وحين تكون قضية الظالم والمظلوم تخصّ رب العزة فهى هنا قضية دينية يتحدد بها إيمانك وموقفك ، هل تنصر الله جل وعلا أم تنصر الظالم لله جل وعلا ؟ أنت هنا تحدد بمشيئتك واختيارك موقعك فى الجنّة أو فى النار . ومن هنا نفهم معنى أن ندافع عن الله جل وعلا وأن ننصر الله جل وعلا ، ومعنى أن يدافع الله جل وعلا عنا وأن ينصرنا الله جل وعلا، يقول جل وعلا:(وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحج 40)(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ) ( محمد 7 ).

4 ـ إن هناك مساحة من التقديس داخل القلب الانسانى . يجب أن تكون خالصة لله جل وعلا وحده . وإذا خصصّت منها نسبة ولو واحد فى المائة لتقديس شخص واحد من البشر فإن ذلك يكون على حساب التقديس الذى يجب أن يكون خالصا لله جل وعلا وحده . فكيف إذا خصّصت هذه النسبة لعدو لله جل وعلا ورسوله ؟ كيف إذا خصّصتها لأظلم الناس لرب العالمين ؟ وهل يصحّ أن تتحرج من إتهامهم ولا تتحرج من كذبهم على الله ورسوله ؟ وايهما الأولى بالنصرة : الخالق جل وعلا الذى سيحاسبك يوم القيامة أم أعداؤه الباغون عليه ؟

5 ـ وهنا الفيصل فى قضية نصرة الظالم أو نصرة المظلوم ، فأولئك الخلفاء الراشدون وغير الراشدين وأولئك الأئمة الذين إفتروا على الله جل وعلا كذبا يأخذون مساحة كبرى من التقديس القلبى الذى يجب أن يكون خالصا لله جل وعلا ،أى إن الظالم لله جل وعلا نعطيه تقديسا من التقديس الواجب لله جل وعلا وحده ، وبالتالى ننصره ونظاهره ونؤيده فى ظلمه لله جل وعلا ، وهذا منتهى الظلم منا لرب العزة. وهو ظلم يؤكد أننا لا نقدّر الله جل وعلا حق قدره،أى ينطبق علينا قوله جل وعلا:(مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحج 74) (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(الزمر 67 ).

أخيرا :

المضحك المبكى المفجع أن نختار وأن نستكين لأظلم الناس لرب العالمين ليحكمونا باسم الاسلام ، وهو دين العدل والقسط والحرية ..نحن نستحق ما يجرى لنا وما يجرى علينا . 

المقال الثانى عشر : شريعة قريش والوهابيين السلفيين رفضت القرآن الكريم

أولا : قريش رفضت الرسول والرسالة

1 ـ ( العظمة البشرية ) فى القرآن الكريم هى فى السّمو الخلقى ، وبهذا فإن أعظم البشر هم أنبياء الله جل وعلا ورسله . (العظمة البشرية ) فى عرف البشر ينال أغلبها عتاة المجرمين من المستبدين قتلة الشعوب لأنهم أصحاب الجاه والثروة والسلطة والنفوذ وخدمهم.من هذا المنظور إحتجّت قريش الكافرة على أن القرآن نزل على شخص ليس عظيما لديهم:(وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ )(الزخرف 31 ). حقيقة الأمر إنهم حسدوه لأن الله جل وعلا إختاره دونهم : (أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا )(ص 8). وشأن مجرمى كل قرية ـ أى مجتمع ـ إنطبق عليهم قوله جل وعلا: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ  وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )( الأنعام  123 ـ ).

ملاحظة : تنطبق الآيتان الكريمتان من سورة الأنعام (123 ـ ) على عصرنا ، فلو قام داعية يعظ بالقرآن سيتصدى له كبار المجرمين من أصحاب الجاه والسلطة ومن أتباعهم من فقهاء السلطان ، يدبرون له المؤامرات ، يدفعهم الاستكبار ، لماذا لا يكتشف هو دونهم حقائق القرآن ؟ ولماذا يتفوق هذا الداعية عليهم ويثبت جهلهم أمام الناس؟ . وحدث لى شخصيا هذا فى جامعة الأزهر عندما أحالونى للتحقيق فى الخامس من مايو عام 1985 متهما بانكار شفاعة النبى وانكار عصمته خارج الوحى وأنكار القول بأنه عليه السلام سيد المرسلين . وقال لى وقتها د . سعد ظلام عميد كلية اللغة العربية : ( لماذا أنت الذى تقول هذا الكلام ؟ نحن أقدم منك فى الجامعة ؟!).عندها تذكرت قوله جل وعلا هاتين الآيتين من سورة الأنعام .

2 ـ الله جل وعلا هو الأعلم أين يضع رسالته ومن يختاره رسولا،أى هو الأعلم بأعظم البشر ليصطفيه لهذه المهمة، أما قريش المشركة ومن خلال رؤيتهم للعظمة فقد سخروا من النبى محمد، فهو رجل عادى المظهر ليس من أثرياء قريش ومترفيها،وليس من أصحاب السطوة فيها. نظروا اليه فى إستخفاف وعندما يرونه كانوا يشيرون له باستهزاء من هذا الشخص العادى الذى ينتقد آلهتهم(وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) (الانبياء 36 )، أو يسخرون من هذا الذى بعثه الله رسولا ،ويتعجبون من هذا الشخص العادى الذى كاد أن يصرفهم عن آلهتهم لولا أن تمسكوا بها عنادا:(وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا)(الفرقان 41 : 42).

ملاحظة :تخيل لو بعث الله جل وعلا محمدا عليه السلام من قبره وجاء الى جامعة الأزهر وضريح الحسين يتهم الشيوخ بعبادة الرجس من الأضرحة والأوثان وتقديس كتب ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان ، وقال لهم ما جاء فى سورة ( الجن : 18 ـ ) وأنهم أظلم الناس لرب الناس . سيسخرون منه أولا لأنه سيرونه رجلا عاديا يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ، ثم سيتهمونه بالكذب والجنون، ثم سيحاكمونه بانكار السّنة وازدراء الدين . ولو كان فى عهد مبارك اللعين سيقضى فى السجن بضع سنين،أو سيقيمون عليه حدّ الردّة  لو كان فى دولة الاخوان والسلفيين ..!

3 ـ رفضت قريش محمدا رسولا ، ورفضت القرآن ،وصبروا على التمسك بالعناد ، يقول رب العزة:(وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا)(ص 4: 8).

ملاحظة : تكرر قولهم لى فى محنتى فى جامعة الأزهر( 1985 : 1987 ):( لم يقل أحد مقالتك من شيوخنا الكبارفأين أنت منهم ؟ومن انت حتى تقول هذا الكلام؟). وهى نفس مقالة قريش:( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ أَءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا ). زعموا أننى  سأدّعى النبوة فى الخطوة القادمة. وزعموا أننى أنكر ختم النبوة، مع أننى لا أصف محمدا عليه السلام فى كتاباتى إلا بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين.

ثانيا : رفضهم القرآن بطلب ( آية ) بدل القرآن

1 ـ هناك آيات (معجزات ) للأنبياء ليست للتحدى،منها ما كان للإنقاذ مثل إنقاذ ابراهيم من الحرق ، ومنها التكريم كالآيات التى منحها الله جل وعلا لداود وسليمان ، ومعجزة الاسراء لخاتم النبيين.(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)( الاسراء1). كان الاسراء آية له عليه السلام أراها الله جل وعلا له وليس لقومه (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ). حديثنا هنا عن الآية التى للتحدى التى كانت لبعض الأنبياء السابقين مثل صالح وموسى وعيسى عليهم السلام . وهى آيات مادية حسية محلية موقوتة بقومها وزمنها ومكانها وتنتهى بهلاك جيلها. أما خاتم المرسلين فقد كانت آيته الوحيدة هى القرآن الكريم . ولأنه خاتم  النبيين المبعوث رحمة للعالمين الى قيام الساعة فإن آيته القرآنية على قدر رسالته، أى آية عقلية وعالمية وعلمية ومستمرة متجددة الى قيام الساعة. ولأن القرآن الكريم آية للتحدى فقد تحداهم رب العزّة أن يأتوا بحديث مثله: (الطور 34)،وتحدّاهم بأن يأتوا بعشر سورمثله:(هود 13)،أو حتى بسورة مثله أومن مثله:(يونس 38 ، البقرة 23). وأكّد رب العزة استحالة قدرة الإنس والجن معا على الاتيان بمثل هذا القرآن الذى لا مثيل له: (الاسراء 88).

ملاحظة : يكفر السنيون بقوله جل وعلا :( قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً )(الاسراء :88) تمسكا منهم بحديث أبى هريرة فى البخارى الذى يزعم أن النبى أوتى القرآن ومثله معه . أى للقرآن مثيل . وهنا تناقض مع كلام رب العزة الذى يؤكد أنه لامثيل للقرآن ، كما أنه لامثيل لله جل وعلا (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )(الشورى 11). فإمّا أن تكذّب البخارى وسنته وأما أن تكذّب الله جل وعلا وقرآنه ، إما أن تكون عدوا لله ورسوله وفى موالاة البخارى ودينه السّنى ، وإما أن تكون مواليا لله جل وعلا ورسوله وكتابه وعدوا للبخارى وأبى هريرة . . وأنت وما تختار لنفسك . ونسأل : أين هو هذا المثيل للقرآن الذى يزعمه أبو هريرة ؟ ولماذا لم يبلغه الرسول ؟ تأتى الاجابة فى حديث آخر مضحك لأبى هريرة ذكره البخارى هو أن الرسول أودع عند أبى هريرة أحاديث محفوظة فى جراب. ويأتى نفس السؤال : فأين هو هذا الجراب؟ فيقول ابو هريرة أنه لو أذاعه لقطع منه البلعوم .أبو هريرة كذّاب وبهلوان أيضا .!  ونعود لقريش ، وهم فى عجزها أمام تحدى القرآن إخترعت طريقة طريفة هى طلب آية حسّية بديلا عن القرآن.ونزل الرفض الالهى،وتكرر الطلب وتكرر الرفض. ونعطى بعض التفاصيل.   

ثالثا : أنواع الآيات الحسية التى طلبوها

1 ـ فى سورة الإسراء يقول جل وعلا فى إعراضهم عن القرآن وفى أنواع الآيات الحسية الى طالبوا بها:( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (93)) أى طلبوا عيونا تتفجر لهم فى الصحراء، وبدلا من أن يكون النبى شخصا عاديا لماذا لا يكون ثريا يملك بساتين وقصرا مزخرفا ، وطلبوا أن يصعد الى السماء ويعود ومعه كتابا يقرؤه عليهم . وجاء الرد بإيجاز بالرفض :(قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً ).

ملاحظة : فى اسطورة المعراج التى إفترها زعموا أن النبى صعد للسماء . وهنا فى سورة الاسراء رفض لهذا ، فقد طلبوا منه أن يرقى الى السماء ،وجاء الرفض:(أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (93).   

2 ـ ووجدوا فى رقّة حاله وكونه رجلا عاديا يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق مادة للسخرية وطلب آية معا ، فقالوا حسبما جاء فى سورة الفرقان :( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) ) وجاء الردّ من رب العزة :( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9)). وتكرر نفس الرد فى سورة الاسراء عن موقفهم من القرآن : (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (47) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (48)

ملاحظة : فيما بعد إفترى البخارى أن النبى مسحور،سحره يهودى.أى هو منطق الكفر.

رابعا : أسباب الرفض الالهى لارسال آية حسية للتحدى مع القرآن :

كانت الآيات السابقة التى نزلت على الأنبياء السابقين تناسب وضع عصرالأنبياء وحالة أقوامهم ، كانت الآيات حسية مؤقتة مادية يشهدها القوم بأنفسهم ولا تفلح فى هدايتهم فيأتيهم الهلاك، وذلك ما حدث مثلاً لقوم ثمود حين طلبوا آية، فخلق الله لهم ناقة من الصخر فعقروا الناقة، فأهلكهم الله. والآية كانت تأتى نذيراً بالهلاك لمن يطلب ألآية ثم يكفر بعد أن يأتى بها النبى. واختلف الوضع بالنبى الخاتم المبعوث للعالم كله من عصره وإلى أن تقوم الساعة، وقد أنزل الله عليه آية عقلية مستمرة متجددة الإعجاز لكل عصر، يتحدى بها الله الأنس والجن إلى قيام الساعة، ألا وهى القرآن الكريم. وقد رفض المشركون القرآن وطلبوا آية حسية مادية كالتى جاء بها موسى وعيسى. ورفض الله أن ينزل عليهم آية للتحدى سوى القرآن.ونعطى بعض التفاصيل لأسباب الرفض الالهى لانزال آية حسية.

1 ـ إن الآيات السابقة لم تفلح فى هداية الأمم السابقة ، فقد طلبوها عنادا ، ولما جاءت ظلوا على عنادهم . فى سورة الأنبياء يقول جل وعلا :(بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلْ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)) أى اتهموا القرآن بأنه أضغاث أحلام ، وأن محمدا إفتراه وإنه شاعر، وطلبوا آية حسية كما حدث للرسل السابقين . وجاء الرد بأن الأمم السابقة لم تؤمن مع وجود تلك الآيات فأهلكها الله جل وعلا ، فهل ستؤمن قريش لو جاءتها الآيات التى تطلبها. وأوضح رب العزّة فى سورة الحجر أنه لو جىء لهم بآية حسية بأن أصعدهم الى السماء وعرجوا أى سبحوا فى الفضاء فلن يؤمنوا بل سيقولون أن محمدا قد سحرهم ،يقول جل وعلا:(وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)). وردا على طلبهم نزول كتاب من السماء يقول جل وعلا: ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ )( الأنعام 7 ). أى لو نزل الكتاب ولمسوه بأيديهم سيقولون إنه سحر مبين. ويقول جل وعلا فى نفس السورة : (وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)( الانعام  109 : 111 ). أى أقسموا بالله جل وعلا أغلظ القسم أنه لو جاءتهم آية ليؤمننّ بها ، ويأتى الرد الالهى بأنهم لن يؤمنوا إلا إذا شاء الله ، أى لن يؤمنوا بإختيارهم . والمطلوب هو الايمان الاختيارى. وأوضح رب العزة للرسول أنهم لن يؤمنوا حتى لو جاءتهم آية، إلى أن يأتيهم العذاب بعد الموت ﴿إِنّ الّذِينَ حَقّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلّ آيَةٍ حَتّىَ يَرَوُاْ الْعَذَابَ الألِيمَ﴾ (يونس 96،97).

2ـ وبعض الآيات الحسية التى طالبوا بها كان مستحيلا الاتيان بها ، مثل طلبهم نزول ملك من السماء . يقول جل وعلا (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ) (الانعام 8: 9 ). هنا سببان لعدم نزول ملك :الأول : إن الملك حين ينزل ليراه البشر سيكون متجسدا فى هيئة البشر،أى فى نفس المجال الاهتزازى المادى للبشر، أى أن يجعله الله جل وعلا رجلا ويلبس مثلما يلبس القوم ،أى لن يكون ملكا . الثانى : إن نزول الملائكة معناه القضاء بالموت وبالآخرة،إذ لن نرى الملائكة إلا عند الاحتضار وعند القيامة. وعندئذ سيكون قد قضى الأمر وانتهى الاختبار. وقد شرح رب العزة السببين ، فقال فى سورة الاسراء عن إستحالة رؤيتنا الملائكة فى هذه الأرض وفى تلك الحياة الدنيا:( قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً (95)). أى لو كان فى الأرض ملائكة متجسدين يمشون كالبشر بسرعة الاهتزاز نفسها لأنزل الله عليهم ملكا مثلهم .وعن رؤية الملائكة عند الموت وهو اليقين الذى لا تأخير له يقول جل وعلا فى سورة الحجرردا على طلب المشركين :( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (8). وفى سورة الفرقان يقول جل وعلا:(وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً(21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22). أى حين الاختضار وحين البعث والنشور والحساب لا بشرى لهم .

2 ـ إن إرسال الآيات للأمم السابقة كان مقترنا بإهلاكها ، لأن معنى إرسال آية أن يؤمنوا ، وإلّا فمصيرهم الهلاك :(مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ )؟ (الأنبياء 6). وقوم ثمود هم أبرز دليل، فقد طلبوا آية حسية يرونها عيانا فكانت آية الناقة،ثم عقروا الناقة كفرا فأهلكهم الله جل وعلا، ولذلك كان المنع من إنزال آية حسية للعرب وقريش، فالآية تخويف بهلاك قادم  يبيد أولئك القوم جميعا، يقول جل وعلا فى سورة الاسراء:(وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (59)).والهلاك ليس واردا هنا لأن القرآن ليس لقريش وحدها وليس لعصرها فقط ، بل هو رسالة عامة للجن والانس والى قيام الساعة . ولهذا كانت قريش تطلب الهلاك العام والتام فلا يستجاب لها.فى سورة الكهف يقول رب العزة عن القرآن ورفض قريش له وطلبها الهلاك الذى حدث للامم السابقة:(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ قُبُلاً (55)). وبعد أن ردّ عليهم رب العزة بأن يكتفوا بالقرآن بدلا من الآية الحسية قال جل وعلا عن إستعجالهم للعذاب ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمْ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ يَوْمَ يَغْشَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)( العنكبوت: ـ 55).أى تأجيل العذاب ليوم القيامة.

خامسا: من الردود ما كان يشير الى القرآن وآياته وأعدائه :

1 ـ منها قوله جل وعلا:(وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)(الأنعام 37 : 38). هنا إشارة للقرآن الكريم الذى ما فرّط فى شىء يكون تركه تفريطا ، ثم إشارة علمية قرآنية عن دواب الأرض ، أى كل ما يتحرّك ويدب على الأرض من جراثيم وبكتيريا وحشرات وطيور وحيوانات وبشر .. كلها أمم ومجموعات مثلنا .

2 ـ على أن أهم الردود فى موضوعنا هو ذلك الردّ على طلبهم آية حسية بالاكتفاء بالقرآن الكريم ، وشهادة رب العزة على أن القرآن كاف لا يحتاج الى آية معه ، يقول رب العزة جلّ وعلا :( وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ) ثم يصف رب العزة كتابه فيقول مؤكدا:( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ثم يؤكد هذا رب العزة بشهادته:( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) ( العنكبوت 50 : 52 ). والجزء الأخير فى شهادة رب العزة يؤكد على خسران وكفران ذلك الذى لا يؤمن بأن القرآن كاف ولا يحتاج الى آية معه أو الى مصدر آخر معه ، ونعيد قراءة الآية الكريمة : ( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)( العنكبوت 50 : 52 ).

3 ـ الأهم أيضا هو تلك الإشارات القرآنية عن الوحى الشيطانى الذى يجعله أعداء الأنبياء بديلا للقرآن. فبعد الرد على طلبهم آية حسية يتحدث رب العزة عن أعداء الأنبياء من شياطين الانس والجن الذين يخترعون زخرف القول ، ليصغى اليه من لا يؤمن بالآخرة وليقترفوا الجرائم متشجعين بالشفاعات الزائفة التى يذيعها أرباب الأديان الأرضية ، ونقرا الايات فى سياقها، يقول جل وعلا فى رفض طلبهم آية غير القرآن :(وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) ثم يقول جلّ وعلا معقبا على موقفهم يفضح أئمة الأديان الأرضية من أصحاب الوحى الشيطانى فى كل زمان ومكان : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) ويقول جل وعلا عن الغوغاء من أتباعهم فى كل ومان ومكان الذين يدمنون سماع الباطل المزخرف الذى يستجيب لأهوائهم :(وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ) ويأمر رب العزة رسوله الكريم بالاحتكام لله جل وعلا وحده فى كتابه وحده الذى أنزله مفصلا وكافيا :( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ويقول عن القرآن وتمامه وعدم حاجته لمصدر آخر معه : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )، وحتى لا يحتج بعضهم بأنّ الأكثرية من الغوغاء والحكام وعلماءهم والأغلبية البكماء الصامتة ضد الحق القرآن يأتى الرد من الله جل وعلا مسبقا يصف هذه الأغلبية بأنها قادرة على إضلال النبى نفسه لو أطاعها، فهى لا تتبع سوى الظن والافتراء والكذب:(وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) ( الانعام 109 : 116 )

ملاحظة : ألا تنطبق الآيات الكريمة على أئمة السوء فى الأديان الأرضية أصحاب الأحاديث والسنن والتشريعات البشرية التى نسبوها ظلما وعدونا لله جل وعلا ورسوله ؟

4 ـ وانتقل خاتم المرسلين الى المدينة واستراح من جدل قريش وأحاديثها اللهو واللغو ، وطلبها عنادا آية حسية بديلا عن القرآن الكريم . ولكن وجد فى المدينة كفار أهل الكتاب يكررون مقالة قريش بطلب آية حسية . وكالعادة، أوضح رب العزّة استحالة أن يؤمنوا مهما جاءتهم آيات ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ بِكُلّ آيَةٍ مّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنّكَ إِذَاً لّمِنَ الظّالِمِينَ﴾ (البقرة 145). فالواقع أنهم رفضوا القرآن حسداً وهو نفس الموقف الذى وقفه مشركو مكة.

لذا يقول تعالى عن بعض أهل الكتاب والمشركين ﴿مّا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْكُمْ مّنْ خَيْرٍ مّن رّبّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (البقرة 105). ثم تقول الآية التالية ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة 106). أى ما نثبته وما نكتب من آية أو معجزة- أو ننسها والمقصود انتهاء ونسيان زمنها لأنها معجزة حسية وقتية تنتهى بانتهاء زمانها- فيأت الله بخير منها أو مثلها، لأن الله على كل شىء قدير. فالله هو الذى أنزل الآيات المختلفة على الأنبياء السابقين، يثبت اللاحقة ويجعلها تنسى الناس السابقة، واللاحقة إن لم تكن مثل السابقة فهى خير منها. ويبدو أن بعض المؤمنين طلب من النبى فى المدينة أن يأتى بآية حسية كما كان يحدث لموسى وواضح أن ذلك بتأثير يهود المدينة لذا قال تعالى فى نفس الموضع ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىَ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلّ سَوَآءَ السّبِيلِ﴾ (البقرة 108). ثم توضح الآية التالية أثر بعض يهود المدينة فى ذلك ﴿وَدّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْحَقّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتّىَ يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة 109). وهذا هو النسق القرآنى لقوله تعالى ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا﴾. إذن فالمقصود بكلمة آية فى قوله تعالى ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا﴾ هى المعجزة التى ينزلها الله على الأنبياء. وقد كانت آية محمد عليه السلام خير بديل للناس، وفى ذلك يقول الله تعالى ﴿وَإِذَا بَدّلْنَآ آيَةً مّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزّلُ قَالُوَاْ إِنّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (النحل 101). فالله تعالى أبدلهم بالآيات الحسية آية عقلية هى القرآن ولكنهم اتهموا محمداً بالافتراء، لذا تقول الآية التالية توضح لنا المقصود ﴿قُلْ نَزّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رّبّكَ بِالْحَقّ لِيُثَبّتَ الّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىَ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل 102). فالقرآن هو آية النبى محمد عليه السلام نزل به جبريل ليثبت الذين آمنوا.. وكل فقرة من القرآن هى آية فى حد ذاتها. فإذا كان أحد الأنبياء قد آتاه الله آية حسية أو آيتين فإن الله تعالى أعطى خاتم النبيين آلاف الآيات وهى مجمل الآيات فى القرآن الكريم. والمهم أن كلمة ننسخ فى آية ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ هو بمعنى الإثبات والكتابة وليس الحذف. وأن الآية المقصودة هنا هى المعجزة التى يأتى بها كل نبى، وقد كانت معجزة النبى خير الآيات، ولأن الحديث هنا عن معجزات يتلو بعضها بعضاً فى تاريخ الأنبياء كان تذييل الآية بتقرير قدرة الله على كل شىء ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. كما كان بدء القصة بموقف أهل الكتاب والمشركين من معجزة القرآن وحسدهم لها..ولنقرا ألايات كلها فى سياقها الخاص من سورة البقرة : (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)

ملاحظة :هذا هو السياق القرآنى لكلمة ومعنى النسخ فى تلك الآية الكريمة من سورة البقرة. وكما نعرف فقد قام أئمة السّوء فى الدين السّنى بإلغاء تشريعات القرآن بزعم ( النسخ ) مع إن النسخ فى مصطلحات القرآن بل وفى اللغة العربية يعنى العكس تماما ؛ يعنى الكتابة والاثبات وليس الحذف والالغاء.

سادسا : لوم النبى بسبب حزنه على عدم وجود آية حسية معه

1 ـ تكرر رفض الله سبحانه وتعالى إنزال آية حسية : ﴿وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ قُلْ إِنّ اللّهَ يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾ (الرعد 27).. ﴿وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ إِنّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ (الرعد 7).﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ قُلْ إِنّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَىَ أَن يُنَزّلٍ آيَةً وَلَـَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (الأنعام 37).

2 ـ وكان النبى يحزن لإصرار قومه على إنزال آية حسية وتأكيد القرآن على أنه لن تنزل آية حسية اكتفاء بالقرآن وآياته ، فنزل الوحى يخفف عنه بألا يحزن، فما هو إلا نذير والله هو الوكيل على كل شىء ﴿فَلَعَلّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىَ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ (هود 12).

3 ـ وفى تفصيل آخر يقول جل وعلا يخاطبه :﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنّهُ لَيَحْزُنُكَ الّذِي يَقُولُونَ فَإِنّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ وَلَـَكِنّ الظّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ﴾ (الأنعام 33). فالمشركون يصدقون نبوته ولكنهم يجحدونها، وما طلبوا آية إلا على سبيل العناد، ثم يخبر القرآن النبى بأن الرسل السابقين صبروا على الإيذاء حتى نصرهم الله وأنه لا تبديل لكلمات الله فلا آية حسية ستأتى وسينصره الله: ﴿وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىَ مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ حَتّىَ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نّبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ (الأنعام 34). ثم تقول الآية التالية للنبى أنه إذا عظم عليه إعراضهم وتصميمهم على آية حسية فعليه أن يتصرف بنفسه؛يصعد للسماء أو يهبط للأرض ليأتيهم بآية من عنده:﴿وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرْضِ أَوْ سُلّماً فِي السّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ) ثم يأتيه لوم وتحذير:( وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىَ فَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ (الأنعام: 35 ).

ملاحظات (1): كل ما سبق دليل على انه ليس لخاتم المرسلين أى آية حسية (أو معجزة حسية ). ولكن أئمة السوء حين كتبوا السيرة والسّنة زيفوا أحاديث عن معجزات حسية مضحكة . ثم جاء من يقدّس القبور فأضافوا لأوليائهم معجزات حسية أسموها كرامات وبالغوا فيها فى العصرين المملوكى والعثمانى ..وكل ذلك تكذيب للقرآن الكريم .

(2 ) قوله جل وعلا لخاتم المرسلين (﴿وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرْضِ أَوْ سُلّماً فِي السّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) فهو جل وعلا يؤنبه بأن يصعد الى السماء ليأتيهم بآية لو استطاع.وهذا  ينفى اسطورة المعراج .

(3 ) قوله جل وعلا (وَلاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ )، تؤكد أنه لا وجود للنسخ بمعنى حذف وإلغاء الأحكام القرآنية .

أخيرا

1 ـ الوهابيون والسلفيون والاخوان المسلمون يؤمنون بأكاذيب الأحاديث والنسخ بمعنى إلغاء تشريعات الله فى القرآن الكريم . هم يكذبون على الله جل وعلا ويكذّبون بآياته ويرفضون كتابه مع استخدامهم الاسلام  ليمتطوا ظهور المسلمين .بهم أصبح الاسلام موصوما بالارهاب والتزمت والتخلف والتطرف والتعصب .

2 ـ ألا يوجد بين مئات الملايين من المسلمين من يقف معنا يجاهد دفاعا عن الاسلام ضد أولئك البغاة الطغاة ؟

تحذير المسلمين من خلط السياسة بالدين
بدأت كتابة مقال عن (الحلف بالله ) جل وعلا ، والكفارة التى يجب أن يدفعها المسلم المؤمن حين يحنث فى الحلف ، ومقارنة بين هذا وإدمان المنافقين على الحلف كذبا ، وتعود المشركين على القسم بالله جهد أيمانهم ثم يحنثون ، ولا وجود للكفارة بشأنهم لأنهم خارجون عن الاسلام أصلا. تشعب المقال الى عدة مقالات ، ثم تواصل التشعب ليصل الى 17 مقالا فى فضح الاخوان المسلمين والسلفيين الوهابيين وكل من يخلط السياسة بالدين . وحافظت فى سلسلة المقالات على البدء بالعنوان الأصلى ( الحلف كذبا ) ثم وضع عنوان خاص لكل مقال طبقا لموضوعه . كان المفترض أن تكون من المقالات الأولى مقال يوضح تحريم استغلال اسم الله فى الحصول على حطام دنيوى . ولكن لما
more