عمارات العبور تسبح فوق بحيرة... وانهيارات متوقعة بالحين السادس والسابع:
عمارات العبور تسبح فوق بحيرة... وانهيارات متوقعة بالحين السادس والسابع

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١٤ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


يبدو أن مسلسل الانهيارات الذي بدأ بالدويقة لن يتوقف مثلما يحدث الآن مع مسلسل الحرائق، فلا فرق بين منطقة عشوائية و منطقة صرفت عليها الحكومة مليارات، سوس الفساد ينخر في قمة الهرم كما ينخر في قاعدته، وتفاصيل كارثة مساكن العبور تروي قصة فساد جديدة.. خاصة اذا علمنا أن ارتفاع منسوب المياه في بدرومات العقارات أدي الي مقتل حارس عقار الفيللا رقم 4 بالحي السابع صعقا بالكهرباء نتيجة غرق كابلات الفيللا في المياه.

الأرقام الكبيرة التي لدينا تعكس حجم الكارثة المتوقعة وحجم الخسائر المترتبة علي استمرار تدفق المياه من باطن الارض وتمركزها في التربة أسفل المشروعات السكنية بالمدينة.

مدينة العبور من أبرز مشروعات المدن التي أنشأتها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، فهي من الجيل الثاني لهذه المدن وتم إنشاؤها بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (1608) لعام 1990، وكانت الفكرة الأساسية لإنشائها تقوم علي بناء وحدات سكنية متعددة المستويات ما بين الإسكان الفاخر والمتوسط والاقتصادي، وأجرت وزارة الإسكان بالتعاون مع الهيئات المختلفة عدداً كبيراً من الاختبارات للتأكد من صلاحية التربة وإمكانية البناء عليها، حيث بلغت مساحة الأرض الصالحة للنشاط السكني في المدينة الي 4,5 ألف فدان مقسمة إلي مجموعة من الأحياء.

وطبقا لتقارير هيئة المجتمعات العمرانية فإن الهيئة قامت بإنشاء عدد 29987 وحدة سكنية منها عدد 12732 وحدة إسكان شباب باستثمارات بلغت 791 مليون جنيه، وتسمي هذه المنطقة الآن " الشباب " ويعيش فيها غالبية الأسر محدودة الدخل.

بالإضافة الي ذلك، فتحت الدولة فرصة الإسكان الحر في الحي السابع والسادس من المدينة، حيث تقوم الدولة ببيع الأراضي للأفراد والشركات شريطة أن يقوم المشتري بالبناء علي الأرض في ظرف خمس سنوات من تاريخ الشراء وإلا جمدت الهيئة العقد وسحبت رخصة البناء،حيث قام القطاع غير الحكومي بإنشاء عدد 580.70 وحدة سكنية، بالإضافة الي أن الهيئة باعت مساحات كبيرة من أرض المدينة لإقامة مشروعات تجارية مثل الأسواق والملاهي وملاعب الجولف، وبجانب ذلك توجد المنطقة الصناعية بالعبور التي تبلغ مساحتها 3.7 ألف فدان وتضم 432 مصنعاً باستثمارات تصل الي 4.69 مليار جنيه.

أما علي مستوي الخدمات فقد قامت الهيئة بإنشاء عدد 74 مبني خدمياً باستثمارات 322.5 مليون جنيه ووفقا لتقارير الهيئة فإنها موزعة علي المرافق الاساسية، فتنفيذ شبكات مياه الشرب والصرف الصحي بالمدينة تكلف 866.6 مليون جنيه، وتنفيذ شبكات الكهرباء تكلف 705.5 مليون جنيه، وتنفيذ شبكات اتصالات تكلف 555.6 مليون جنيه.

من خلال كل هذه الارقام تصدرت أخبار مدينة العبور كل الصحف الحكومية باعتبارها مشروعا قوميا هاما وانجازا كبيرا لوزارة الاسكان، لكن أخبار هذه المدينة انسحبت بالتدريج عندما بدأت اصداء الكارثة في الظهور.

بدأت الازمة في الظهور في السنوات القليلة الماضية ولكن منسوب المياه لم يكن بالارتفاع الملحوظ، اعتقد بعض أهالي المدينة أنه تسريب صرف صحي كما يحدث في غالبية المنازل، ومع مرور الايام بدأ تسرب المياه يتزايد للحد الذي أدي الي إغراق بدرومات الدور الاول في عدد كبير من المنازل والفيللات، واكتشف السكان أن المياه أغرقت غالبية مساكن الحي السادس والسابع بالمدينة علي وجه الخصوص، وتبين أيضا أن المياه التي تخرج من باطن الارض مياه نظيفة وليست مياه صرف صحي كما كانوا يعتقدون، بل إن البعض ذاق هذه المياه ليعرف مصدرها وتبين انها مياه عذبة وبها نسبة ملوحة بسيطة نتيجة تمركزها في باطن الارض مما زاد من تعقيد الامور.

قدم سكان الحي السادس والسابع مئات الشكاوي الي جهاز مدينة العبور، وعبروا عن قلقهم من تمركز هذه المياه في أساس منازلهم الأمر الذي سيؤدي الي اضعافها وانهيارها ذات يوم، خاصة ان المياه لا تتوقف عن التدفق ليل نهار، كما طالبوا بمعرفة مصدر هذه المياه، وهنا وقع جهاز مدينة العبور في أزمة بسبب عجزهم عن الرد علي تساؤلات المواطنين التي لم تتوقف خلال الفترة الماضية. وربما تكون هذه الأزمة هي التي جعلت سكان الحي السادس والسابع يجتهدون في البحث عن إجابة السؤال الصعب والتي ستصبح إجابته اكثر صعوبة، فالسؤال هو: ما هو مصدر المياه التي اغرقت التربة في مساكن العبور ؟

الاجابة تتحدد في احتمالين لا ثالث لهما، الاول أن منطقة العبور تسبح فوق بحيرة من المياه الجوفية، وهذا الاحتمال يخفي تحته مصيبة كبيرة، لأن ذلك يعني أن الحكومة لم تقم بعمل الدراسات اللازمة للتربة في هذه المنطقة كما ادعت، الامر الذي يؤدي الي كارثة قومية بكل المقاييس، لأن المشروعات الضخمة التي شيدت في العبور ستواجه خطر الانهيار في القريب العاجل، اي ان الاحتمال الاول سيقودنا الي هاوية لا نعرف مداها.

اما الاحتمال الثاني وهو الاقرب الي ذهن سكان العبور والاقرب ايضا الي ذهن موظفي مدينة العبور، هو ان السبب في هذه الازمة انشاء اكبر مدينة للجولف في العبور وهي " جولف سيتي " التي انشئت خلال العامين الماضيين فقط، ومنذ هذا التاريخ بدأت أزمة المياه في الظهور، وخاصة أن جولف سيتي تضم ملعب جولف كبيراً تصل مساحته إلي 250 فداناً، بالاضافة إلي 18 حفرة و6 بحيرات صناعية، وبالطبع هذه البحيرات الصناعية تحتاج الي تنظيف يومي وتصريف دائم لمياهها التي تكون نظيفة في الغالب.

لقد رفض مجلس مدينة العبور إبلاغ المواطنين ببعض المعلومات التي تؤكد وجود مشكلة في شبكة الصرف الصحي بجولف سيتي، وان مجلس المدينة وجه عدة انذارات الي جولف سيتي بسبب معرفة الحي ان تصريف الجولف لا يذهب الي الشبكة العمومية للمدينة ولكنه يذهب الي باطن الارض، وعندما تشبعت الارض بالمياه بدأت في التمركز اسفل عقارات الحي السادس والسابع ومنطقة الشباب بالعبور علي وجه الخصوص لأنها منطقة منخفضة وتقع بمحازاة الجولف سيتي، بالاضافة إلي تحذير سكان المنطقة من التعامل مع صحفيي المعارضة كما قال أحد سكان العقارات.

وفي نفس الوقت أعلن مجلس المدينة رسميا، أنه لا يستطيع تحديد مصدر المياه التي تغرق مساكن العبور لذا اوكل مهمة تحديد نوع المياه ومصدرها الي كلية الهندسة بجامعة عين شمس والمعهد القومي للبحوث.

قام مجلس المدينة بعدة حلول لمواجهة الأزمة مثل ارسال سيارات شفط المياه من المنازل، وفي الفترة الاخيرة تقوم الحكومة بعمل بيارة كبيرة علي عمق 40 متراً تحت الارض لشفط المياه فيها ولكن دون جدوي لأن منسوب المياه بدأ في الارتفاع حتي وصل للأدوار الاولي من العقارات وهذا يعني ان اساس العقار تشبع تماما من المياه.

لكن المفاجأة التي نكشفها بالصور أن وزارة الاسكان تضع لافتة أمام مشروع انشاء البيارة التي تحفرها ومكتوب عليها : مشروع تخفيض المياه الجوفية بالعبور، وهذا يعني أن الدولة اعترفت رسميا بأن هذه المياه جوفية أي ان الحكومة " باعت التروماي " لسكان العبور وباعت لهم أرضاً تسبح فوق بحيرة !

إن المشكلة تتضخم وتصل إلي حد القتل، ففي العقار رقم 4 بالحي السابع بمدينة العبور كان رمضان حارس العقار يعيش في بدروم الفيللا، أقصي أمانيه هو أن يعيش مع زوجة تختارها أمه وينجب أطفالا يلعبون حوله، قرر أن يذهب الي بلده ليتزوج ويعود بزوجته الي العبور، وبالفعل عاد رمضان كي يواجه قدرا مأساويا ، فبعد عودته باسبوع واحد اغرقت المياه غرفته الصغيرة وطفا عفش منزله الصغير فدخل الي غرفته ليلملم أغراضه العائمة، لكن «كابل كهربائي» كان قد سبقه الي المياه ففور ملامسته صعق رمضان وتفحمت جثته في الحال.

ومنذ حادثة مقتل رمضان تحولت بدرومات مساكن العبور الي قبور، وصار غالبية حراس العقارات يقضون أوقاتهم خارج البدروم خوفا من المصير المنتظر، زاد الأمر تعقيدا عندما انهار عمود كهرباء في أحد الشوارع وسقط في أحد البرك الموجودة في الشوارع و لولا انتباه البعض لاغلاق الكهرباء العمومية عن الشارع الرئيسي لقتل سكان هذا الشارع بصعق محقق. واثر ذلك قدم عدد من سكان العبور شكاوي الي قسم شرطة العبور، لكن لم يتحرك أحد حتي الآن

اجمالي القراءات 14595
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق