رقم ( 4 )
الباب الثانى : ( الخلفاء الفاسقون وصلاتهم الشيطانية ) ج١

 

 

تمهيد منهجى عن الصلاة فى تاريخ المسلمين وفى تشريعاتهم

 

  (المشكلة المنهجية فى بحث التراث ـ  منهج البحث فى هذا الكتاب ـ الخلفية التاريخية للمصادر التراثية ـ لمحة عن  الكتابات التاريخية والطبقات الكبرى لابن سعد ــ  التسجيل التاريخى للصلاة عند المسلمين ـ  لمحة عن أنواع الكتابات الفقهية )

مقالات متعلقة :

 

أولا :المشكلة المنهجية فى بحث التراث

 

1 ـ أهم مشكلة منهجية فى الدراسات الاسلامية هى التعامل مع المصادر. أغلبية الباحثين يخلط بين الحقائق القرآنية المطلقة وبين روايات التراث وأحاديثه التى كانت تسميتها الأصلية : أخبار وروايات. هذه التسمية: ( أخبار وروايات )هى فصل الخطاب فى موضوعنا.

2 ــ فى عصر الازدهار العلمى لحضارة المسلمين كان علماء الحديث يطلقون على تلك الأحاديث مصطلح ( الخبر) والخبر عندهم هو الذى يحتمل الصدق والكذب، ولأن الأصل فيه الشك وليس اليقين فقد كانوا يجعلون له اسنادا عبر أجيال من الرواة ليحاول أن يؤكد صحته. وهذا الاسناد لا يعطى ذلك الحديث صفة اليقين لأن هناك مطاعن ضد الرواة واختلافات فى مدى صدقيتهم وحفظهم وأمانتهم فى النقل. ولا يوجد اتفاق عام على توثيق راو أو تضعيف راو آخر حسبما قال الامام الذهبى فى كتابه ( ميزان الاعتدال ). ولذلك كان علماء الحديث يقولون ان تلك الأحاديث تفيد الظنّ ولا تفيد اليقين. أى مجرد أخبار تحتمل الصدق والكذب ، وبالتالى ليست جزءا من الدين لأن الدين لا بد أن يكون يقينيا من عند الله تعالى ، وهذا لا يتأتى الا فى القرآن فقط . وقد قالوا ايضا ان العقائد أوالسمعيات  لا تؤخذ الا من القرآن لأنها تدخل ضمن الايمان ولا بد للايمان أن يكون مصدره يقينيا.

3 ـ وفى عصر الازدهار الفكرى بعد موت النبى محمد بقرنين وأكثر ـ اى فى العصر العباسى  الأول ـ عاش أئمة الحديث والفقه. لم يكونوا يقولون مباشرة ( قال رسول الله ) وانما يقولون ( روى فلان عن فلان عن ..  ان رسول الله قال .. ) أى يؤكدون انها رواية بشرية وليست قولا مباشرا مؤكدا قاله النبى بنفسه لمن كتب ذلك الحديث. وبعضهم كان يختصر فيقول بطريقة المبنى للمجهول  ( روى أن رسول الله قال ..) هو يؤكد نفس المعنى من أنها مجرد رواية متناقلة عبر رواة متعددين مختلفين فى الزمان والمكان.

4 ـ وفى عصر التقليد والجمود بدءا من القرن السابع الهجرى عكف اللاحقون على كتب السابقين يشرحونها ويلخصون الشرح ويجعلونه مختصرا موجزا ثم يحولون المختصر الى متن ثم يعيدون شرح المتن. وبذلك تقهقرت الحركة العلمية من تقليد الى جمود الى تأخر ، وذلك من بداية العصر المملوكى الى أواخرالعصر العثمانى. وبالتالى تحولت كتب العلماء السابقين الى أسفار مقدسة ـ مع اختلافها والشقاق بين مؤلفيها ـ وتحول أولئك الأئمة الى أنصاف آلهة لا يجوز الاعتراض عليهم أو مناقشة آرائهم. والأهم من ذلك أن روايات الأخبار عن النبى أصبحت بالتقليد الأعمى وغيبة العقل والنقد جزءا أساسا من الدين . وأصبح لا يقال ( روى فلان عن فلان عن أن رسول الله قال ) بل يقال على وجه التأكيد ومباشرة ( قال رسول الله ) او يقال : (روى البخارى أن رسول الله قال) كما لو أن البخارى كان صاحبا ملازما للنبى محمد عليه السلام وسمع منه مباشرة. والبخارى اكتسب قدسية مرعبة ترهب من يفكر فى مناقشة أحاديثه.

5 ــ ثم جاء عصر الصحوة التى بدأها الامام محمد عبده وحملها فى رحلاته الى تونس والجزائر وغيرها ، واقترنت هذه الصحوة الدينية بتوجهات سياسية وفكرية ليبرالية فى مصر وغيرها ، وكان مأمولا أن تثمر هذه الحركة نهضة اصلاحية تعيد الاسلام الى المسلمين وتعيد المسلمين الى الاسلام لولا ظهور الدولة السعودية بفكرها الوهابى الذى استرجع أردأ انواع الفكر السلفى وأشده تعصبا وتخلفا وجمودا وظلامية. وقام قطار النفط بنشر الوهابية على أنها الاسلام ، وأيدته ظروف محلية واقليمية ودولية فانتشر وساد ، واسفر فى النهاية عن اتهام الاسلام بالارهاب والتخلف والجمود. وهذا ما نعانيه الآن وما يستوجب الاصلاح.

5 ـ ومن ملامح هذا التخلف الوهابى المسيطر أنه أعاد منهج العصر العثمانى فى التفكير، وهو العصر الذى عاش فيه محمد بن عبد الوهاب، فلم يعد يقال : روى فلان عن فلان عن   أن رسول الله قال ، بل أصبح أحدهم يقول بجرأة : قال رسول الله، كما لو كان جالسا مع النبى للتو واللحظة .. ولم يعد يقال انها " اخبار " أو انه (خبر ) عن النبى ، بل أصبح يعرف بأنه حديث تحدث به النبى على وجه اليقين فأصبح جزءا من الدين.

6  ـ بناء على هذه البلوى فاننا نعانى :

6 / 1 : من خلط مستمر فى المنهج بين حقائق القرآن وأقاويل التراث المنسوبة للنبى. فالعلماء التقليديون ومن سار على نهجهم من محترفى الكتابة فى الدين ـ بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير ـ يخلطون بين حقائق القرآن وأكاذيب التراث وأقاويله، يخلطون بين الحقيقة القرآنية المطلقة وأخبار التراث البشرية التى ـ ان صدقت ـ فالصدق فيها احتمال كما أن الكذب فيها احتمال آخر ، وكلاهما وارد.

6 / 2 : وزاد الطين بلة ـ كما يقولون ـ أنهم ألحقوا التاريخ بالأحاديث، مع أن كل دارس للتاريخ لا بد ان يبدأ بمنهجية الأحكام النسبية لكل روايات التاريخ ووقائعه، سواء كانت اقوالا أو كانت أحداثا بسيطة أو مركبة ، وسواء كان الراوى أو المؤرخ معاصرا للحدث ناقلا عنه من واقع المشاهدة والرؤية العيانية أو كان ناقلا عن السابقين من المؤرخين .

6 / 3 :تتضح البلوى أكثر لدى من يكتب فى الاسلاميات بدون علم ، أو بمجرد الهواية والجرأة الهائلة على الابحار فى هذا المحيط دون استعداد عقلى وثقافة ومعرفة وعلم بالمناهج البحثية . ترى أحدهم لا يكتفى بالكتابة فيما لا يعرف وفيما لا يفقه بل ويتصدى لنا مناطحا صائحا ويجد خلفه الأتباع وسقط المتاع يؤيدونه ويزايدون على جهله جهلا. وأساس الجهل عندهم هو ذلك الخلط بين حقائق القرآن المطلقة وأخبار التراث ، ورفعهم أخبار التراث الى مستوى حقائق الاسلام القرآنية. قد أكتب بحثا أستشهد فيه بآيات القرآن الكريم وببعض أخبار التراث وأحداث التاريخ فترى هؤلاء وقد تراءى لهم اننى وقعت فى مأزق فيتساءلون : اذا كان ينكر الأحاديث فلماذا يستشهد بها ؟ أواذا كان ينكر التراث فلماذا يستشهد بأحداثه ؟

7 ـ أننى انكر نسبة تلك الأحاديث للنبى محمد عليه السلام. انكرها ايمانيا كمسلم يكتفى بالله تعالى ربا وبالقرآن كتابا ،ومعى أدلّتى من القرآن الكريم ، وقد فصّلت القول فى ذلك فى كتاب ( القرآن وكفى )، وانكر نسبة هذه الأحاديث للنبى محمد كباحث متخصص فى التراث وفى البحث التاريخى .  وقد فصّلت نقد الاسناد ( أى اسناد الحديث للنبى محمد ) فى بحث منشور عن الاسناد. انكارى نسبة تلك الأحاديث للنبى محمد يعنى أنها ليست جزءا من الاسلام الذى اكتمل بالقرآن. ومعنى انكارى نسبتها للنبى محمد اننى أراها معبرة فقط عن ثقافة المسلمين فى العصر الذى تمت كتابتها فيه، وأراها معبرة عن ثقافة مؤلفها ، فصحيح البخارى يعبر عن عقلية البخارى بمثل ما يعبر كتابى هذا عن ثقافتى وعصرى وعقليتى. وفى النهاية فهو جهد بشرى يؤخذ منه ويردّ عليه.

8 ـ  وهذا الأخذ والرد والقبول والرفض ليس عشوائيا أو انتقائيا أو بمجرد الهوى او بدافع التحامل أو الجهل . بل له منهج علمى فى البحث، وقد شرحته بالتفصيل فى كتبى التى كانت مقررة فى جامعة الأزهر قسم التاريخ والحضارة الاسلامية ، ومنها كتب :( البحث فى مصادر التاريخ الدينى: دراسة عملية) ( اسس البحث التاريخى ) ، و(التاريخ والمؤرخون : دراسة فى تاريخ علم التاريخ) ( والتاريخ والمؤرخون : دراسة فى المادة التاريخية ).

هناك منهج يستطيع به الباحث قبول رواية تاريخية ورفض أخرى ، يستطيع به فحص الروايات اذا كانت متشابهة أو متعارضة أو متداخلة، ومنهج يستطيع به فحص الرواة والمؤرخين ومدى مصداقية أحدهم اذا كان ناقلا عن الغير أو ناقلا بنفسه عن عصره .. والحديث يطول فى منهجية البحث التاريخى وطبيعة المادة التاريخية ومناهج المؤرخين السابقين ومصطلحاتهم.. وفى النهاية فان مصداقية الباحث التاريخى والتراثى ترتبط بمدى كفاءته العلمية ومدى حياده ونزاهته وتقواه. وفى النهاية أيضا فان ما يتوصل اليه الباحث من بحثه التاريخى ( فى تلك الأخبار التراثية والتاريخية التى تحتمل الصدق والكذب ) ليس سوى وجهة نظر شخصية ، وليس أبدا حقائق مطلقة، لأن الحقائق المطلقة لا توجد الا فى القرآن الحكيم وحده.

9 ـ ما نستنبطه من القرآن الكريم وما نختاره من ( اخبار ) التراث والتاريخ هو عمل بشرى غير معصوم من الخطأ ، تكون جودته بقدر ما فيه من جهد عقلى وابداع بحثى واستدلال علمى . ولأنه عمل بشرى فانه يحمل اسم المؤلف، سواء كان المؤلف هو البخارى او أى فلان من الناس. أما القرآن العظيم فليس له مؤلف من الناس .أنه كتاب رب العالمين جل وعلا ، لذا فلا يصح مساواته بكتب البشر.

10 ـ هذا عن المناهج عامة ، فكيف بتطبيقها فى هذا الكتاب عن  الصلاة بين القرآن الكريم والمسلمين ؟

ثانيا : منهج البحث فى هذا الكتاب

1 ـ بدأ الكتاب فى بابه الأول ببحث الصلاة فى القرآن الكريم أساسا، أى لا بد أن يكون القرآن الكريم هو مرجعيته حين نبحث عن ملامح الصلاة فى القرآن الكريم. ولهذا البحث عن الصلاة فى القرآن منهجية ، أذ أن للقرآن الكريم منهجه الخاص فى ايراد القصص وفى الاشارات العلمية وفى الدعوة وفى الحوار، وله منهجه الخاص فى التشريع عموما ، و فى تشريع ملة ابراهيم خصوصا، وهذا ما أوضحناه فيما سبق فى هذا الكتاب.

2 ـ بعده هذا المبحث الذى يتتبع الصلاة فى تراث المسلمين وفى تاريخهم بعد نزول القرآن الكريم. هنا لا بد من الاعتماد على المصادر البشرية من كتب الفقه والحديث، وكتب التاريخ التى أرّخت للقرنين  الأول والثانى بعد الهجرة . وكلها موجودة ومنشورة ومشهورة. بالطبع ليست سوى روايات وأخبار وأحداث وآراء بشرية لأفراد  تحتمل الصدق والكذب . بعضها قالها أصحابها بأنفسهم أو نسبوها كذبا للنبى محمد عبر الاسناد الذى نرفضه دينا وعلما، ونرى ان تلك الأحاديث انما هى آراء لأصحابها حملت اسم النبى بعد موته بقرن وأكثر زورا وبهتانا.

3 ـ هذه المصادر الفقهية والحديثية والتاريخية نحتكم فيها للقرآن الكريم ، ومروياتها تخضع للمنهجية العلمية الصارمة ، فهى  روايات ورؤى بشرية تحتمل الخطأ والصواب والصدق والكذب وهى مقطوعة الصلة بالاسلام لأنها جهد لمؤلفيها من المسلمين ومعبرة عنهم وليس عن الاسلام العظيم الذى اكتمل بالقرآن الكريم. وما نصل اليه من آراء واجتهادات ليست هى الأخرى معصومة من الخطأ ، مهما تعاظم المبذول فيها من الجهد. 

ثالثا : الخلفية التاريخية للمصادر التراثية

1 ـ الفتوحات أو الغزو العربى وتكوين امبراطورية عربية تحمل اسم الاسلام ، هو المفتاح لفهم الخلفية التاريخية لتراث المسلمين.

2 ـ انشغل العرب بالفتوحات والنزاع السياسى والعسكري خلال فترتى الراشدين والأمويين ، ولم يكونوا فى الأصل أصحاب حضارة سابقة أو من الأمم ذات الشهرة فى الكتابة والتدوين. كانت الأمم المفتوحة ذات ارث حضارى متصل ومكتوب، وقد تعامل العرب معهم ـ خصوصا فى الدولة الأموية ـ على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ، فكان لقبهم السائد ( موالى ) أى الأتباع والخدم والعبيد، سواء منهم من كان رقيقا أو كان حرا فى بلاده، اذ كان يدفع الجزية حتى لو أسلم.

3 ـ فى وقت انشغال العرب بالفتوحات والفتن والحروب الأهلية والفتن والمكائد السياسية نشأ جيل جديد من الموالى خدم كبار الصحابة ونقل حكاياتهم ، وكانت لهم خلفية علمية لم تكن موجودة لدى العرب ، وكان العلم سبيلهم فى التميز الاجتماعى فى مواجهة أسيادهم العرب كما كانت المبالغة فى  التدين بالاسلام وترك الدنيا بدعوى الزهد  طريقة بعضهم فى المزايدة الدينية على العرب المسلمين الذين تنازعوا وسفكوا فى سبيل حطام الدنيا الدماء البريئة التى حرمها الله تعالى. 

4 ـ أولئك الموالى وأبناؤهم كانوا قادة الحركة العلمية فى العصر الأموى، خصوصا بعد موت المتأخرين من الصحابة مثل خادم النبى الصحابى أنس بن مالك الذى توفى بالبصرة سنة 92 عن عمر يناهز 99 عاما،وهو آخر من توفى من الصحابة بالبصرة ، وعبد الله بن أوفى ت 86 وعبد الله بن الزبير 73 وابن عمرو 65  وابن عمر 74 وابن عباس 68 . جاء بعدهم من خدمهم من الموالى مثل سالم مولى عبد الله بن عمر 106، و عكرمة مولى ابن عباس الذى اخترع حديث : (من بدّل دينه فاقتلوه ) والتفاصيل فى كتابنا : ( حد الردة ).

5 ـ ينقل إبن الجوزى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قوله  لما مات العبادلة " عبد الله بن عمر وعبدالله بن عمرو و عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير" صار الفقه فى جميع البلاد الى الموالى ، فكان فقيه أهل مكة عطاء بن رباح ، وفقيه أهل اليمن طاووس ، وفقيه أهل اليمامة يحيى ابن كثير ، وفقيه أهل البصرة الحسن البصرى ، وفقيه أهل الشام مكحول ، وفقيه أهل خراسان عطاء الخراسانى ، إلا المدينة فان الله تعالى خصها بقرشى فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب غير مدافع ) ( تاريخ المنتظم 6 : 319 ـ 320 ). ونقول تعليقا على هذه الرواية :

5 / 1 : هذه الرواية تجاهلت مشاهير الفقهاء من الموالى  مثل سعيد بن جبير  ت 95 والشعبى  ت 104 و مجاهد بن جبر 104 وابن سيرين 110  ومالك بن دينار 130 وكلهم من العراق ، كما أنها تجاهلت مصر تماما ، و قد قاد الحركة الفقهية فيها بعد سالم ( مولى ابن عبد الله ابن عمرو بن العاص ) فقيه مشهور من الموالى هو الليث بن سعد المتوفى 175 وكان مولى لخالد الفهمى ، وكان الليث معاصرا لأبى حنيفة وأستاذا لمالك بن أنس فى المدينة. وعن مدرسة المدينة فقد كان فقيهها سعيد بن المسيب الذى ولد بعد سنتين من مقتل عمر ابن الخطاب ، ثم عاش ليدرك الدولة الأموية معارضا سلميا لها الى أن مات فى خلافة الوليد بن عبد الملك سنة 94 ، وكان من أشهر تلامذته الزهرى  ت  124الذى كان أستاذا لمالك ابن أنس ت 179. كما أن مالك بن أنس كان أستاذه فى المدينة مولى ، وكان أعرف بالفقه والعلم منه ، إذ جمع بين الرأى والحديث إنه فروخ ، أو ربيعة الرأى المتوفى سنة 136 . إلا أن العصبية العربية أشهرت مالك وتجاهلت فروخ ، أو ربيعة الرأى الذى كان أستاذا أيضا لأبى حنيفة فى مدرسة الرأى والاجتهاد.

5 / 2 : ابن الجوزى نقل الرواية السابقة عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المتوفى سنة 182 ، أى كان معاصرا لأولئك الأعلام الذين تجاهلهم. وقد يكون هذا التجاهل مبعثه اختلاف الرأى أو الحسد ، إذ لم تبلغ شهرة إبن أسلم أو علمه مبلغ أولئك الأعلام.

6 ـ جاء العباسيون للحكم بسيوف الفرس المسلمين من أتباع أبى مسلم الخراسانى ومساعدة من قبائل العرب القحطانية ، فتحولت الكفة الراجحة للموالى فتطرف بعضهم الى درجة الشعوبية وانتقاص العرب بل والطعن فى الاسلام واصطناع الالحاد والزندقة التى أصبحت ( موضة ) المثقفين وكتبة الدواوين العباسية ، ولا بأس بها لدى الخلافة العباسية طالما يظل ولاء الزنديق للدولة العباسية، فاذا كان متهما فى ولائه عوجل بتهمة الزندقة وقتلته الدولة بحد الردة الذى اخترعوه لقتل خصوم الدولة باسم الشرع، على نحو ما أوضحنا فى كتب ( حد الردة ) و( الحسبة ) وغيرها.

7 ـ واذا كان العصر الأموى قد شهد بداية الحركة العلمية فى بساطتها وسذاجتها و شفهيتها فان العصر العباسى الأول هو الذى شهد ازدهارها وتدوينها وتشعبها وتنوعها وتعقيدها من العمومية الى التخصص . وبدا واضحا أن الحضارات السابقة فى الرافدين والنيل قد تم بعثها وتلقيحها برؤي مستمدة من الاسلام وناطقة بالعربية. وكان لهذا التطور تأثيره فى الجزيرة العربية الموطن الأول للرسالة الاسلامية الخاتمة.

8 ـ لقد تعقدت الحياة فى العصر العباسى خصوصا فى بيئات الأنهار مثل العراق والشام ومصر ، بل ان دخول أبناء الأمم المفتوحة ـ أو الموالى  ـ  فى الاسلام ومعيشة بعضهم فى الجزيرة العربية جعل الحياة الصحراوية البسيطة فى مكة والمدينة أكثر تطورا. والبيئات الصحراوية بالذات منغلقة رتيبة الحركة تعيش على التقليد وتنأى عن التطور، والمدينة ومكة كانتا معا أهم الحواضر فى صحراء الجزيرة العربية.

9 ــ وبينما ظلت أهمية مكة سارية بالمسجد الحرام وظلت علاقتها بالتطور متجددة بالحج والعمرة فان المدينة لم تعد عاصمة المسلمين بعد مقتل عثمان ، اذ تحولت العاصمة الى الكوفة ثم دمشق ، ثم بغداد ، وأنحسرت عن المدينة الأضواء وتحول المال والقوة والاهتمام الى العراق والشام ومصر. ولم يعد للمدينة الا أن تعيش على ماضيها حين كانت عاصمة النبى محمد ومركز القوة والسيطرة فى عهد الخلفاء ( الراشدين ) وكبار الصحابة. من هنا تخصصت المدينة فى (حكى ) أو رواية تاريخ النبوة ،اذ هو تاريخ الآباء والأجداد لمن عاش من ذرية الصحابة فى المدينة فى العصر العباسى.

10 ـ ولأنها بيئة ماضوية تعيش على الماضى المجيد وتنسب نفسها للنبى محمد وعصره فقد واجهتها مشكلة التأقلم مع التطورات الجديدة الآتية من البيئات النهرية ذات الحضارة القديمة من مصر والعراق وفارس والشام. لم يكن متاحا الاجتهاد العقلى الصريح لأن البيئة تنكره وتنتصر للتقليد والاحتكام للماضى. كان المتاح هو تغطية ذلك الاجتهاد بنسبته للنبى محمد عليه السلام ، أو لكبار الصحابة ، او لما كان يعرف بعمل أهل المدينة. أى يقول أحدهم رأيا فلا يجرؤ على نسبته لنفسه ، خشية السخط عليه فيسارع بنسبته للنبى أو لأحد كبار الصحابة.

11 ـ هذا هو منهج الامام مالك الذى منع (أن يقول أحد فى الاسلام برأيه )، وتلك مدرسة الحديث الحجازية التى واجهت مدرسة الرأى فى العراق التى أنشأها أبوحنيفة . ثم ما لبثت مدرسة الحديث أن انتقلت الى العراق ومصر بالتطور الذى أحدثه فيها الشافعى.

رابعا : لمحة عن  الكتابات التاريخية والطبقات الكبرى لابن سعد

1 ـ لسنا هنا فى معرض التحليل والشرح ، لكن نقرر بسرعة أن الكتابات التاريخية الأساسية وهى (الحوليات) ـ التى تسجل الأحداث بالحول أو بالسنة ـ  ركّزت اهتمامها على الصراع السياسى دون اهتمام كاف بالتطورات الاجتماعية والدينية والتى تشمل أخبارا عن كيفية تأدية العبادات ومنها الصلاة. الا أن هذا النقص تداركته ـ نسبيا ـ كتب ( الطبقات ) وهى التى تترجم أو تؤرخ أساسا للعلماء والفقهاء والمشاهير. وبدأ الفقيه المؤرخ محمد بن سعد ( ت 222 ) ـ المعروف بكاتب الواقدى ـ هذا الفن التاريخى بكتابه الأشهر ( الطبقات الكبرى ) وهو عمدة هذا الفن وأقدم تاريخ متخصص ومفصّل لطبقات الصحابة والتابعين وتابعيهم. ثم تنوعت بعده كتب الطبقات للفقهاء عموما ولفقهاء المذاهب وللأدباء والنحويين و المغنيين والشعراء والمفسرين ... الخ.  واذا كان تاريخ الطبرى هو أهم كتب الحوليات على الاطلاق فان طبقات ابن سعد قد سبق الطبرى نفسه بنحو قرن من الزمان ، وعنه أخذ الطبرى ( ت 310 ) ثم ابن الجوزى ( ت 597 ) نظام العنعنة فى اسناد الروايات التاريخية .وقد اعتمدنا أساسا على طبقات ابن سعد فيما جاء من اشاراته عن الصلاة كما اعتمدنا على كتب الفقه النظرى وكتب الحديث فى اعطاء لمحة عن الصلاة فى تاريخ المسلمين بعد عصر النبوة الى صدر العصر العباسى .

2 ـ وتاريخ ابن سعد ( الطبقات الكبرى ) مؤسس وفق تنظيم زمنى ( طبقى ) ، يبدأ بالطبقة الأولى من الصحابة المهاجرين ثم الأنصار حسب أسبقية الدخول فى الأسلام ، ثم يتتبع تواجدهم فى الأمصار من الكوفة والبصرة ودمشق والفسطاط ثم من جاء بعدهم من التابعين وتابعيهم حسب ترتيب الرواة فى الحديث المنسوب للنبى محمد عليه السلام .

3 ـ وكالعادة اتبع محمد بن سعد تسجيل الروايت التاريخية بالسند والعنعنة وفق منهج المحدثين حتى فى تأريخه لأشخاص من التابعين وتابعيهم .وابن سعد هو المصدر الأصلى والأساسى لمعظم من جاء بعده من المؤرخين الذين كتبوا فى نفس الفترة من عصر النبوة الى مطلع العصر العباسى ..

4 ـ وقد عاش ابن سعد فى خلافة المأمون ، وكان من زعماء الفقهاء والمحدثين الذين رفضوا رأى المعتزلة بأن القرآن مخلوق وكان ضمن المضطهدين فى هذه الفتنة ، واضطر الى التراجع بينما ثبت على رأيه ابن حنبل وابن نوح . ومع أنه كان فقيها محدثا صاحب رأى وموقف إلا أنه كان ــ فى الأغلب ــ منصفا فيما يكتب ، خصوصا وأنه لم يتعرض فى طبقاته للتركيز على موضوع خلق القرآن.

5 ـ وقد دون ابن سعد الروايات المتداولة فى عهده – فى خلافة المأمون العباسى ـ عن أجيال الصحابة والتابعين الذين ماتوا فى عصر النبوة والخلفاء الراشدبن والأمويين والعباسيين حتى عصره . وبعض هذه الروايات تشير إلى بعض انشطة الذين يؤرخ لهمم وأقوالهم والأقاويل التى قيلت عنهم.  وخلال هذه الروايات يرد بين السطور إشارات عن الصلاة والزكاة والحج والثياب واللحى وتخضيبها وتنتهى بموت وجنازة من يؤرخ له .

6 ـ وبعض الإشارات التى ذكرها ابن سعد  ( وغيره ) عن الصلاة هى تصوير للواقع  التاريخى لتأدية الصلاة من حيث الشكل ومن خلالها نفهم كيف تم استغلال الصلاة  سياسيا لصالح الحكم الأموى . وكيف كانت صلاة القوم وسيلة فى العصيان والبغى والعدوان ، وجمعت بين  المعاصى الأخلاقية من إنحلال خلقى و التطرف فى العبادة السطحية المظهرية . أى كانت ( صلاة شيطانية ) . الصلاة إسلامية هى وسيلة للتقوى وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى ، أما الصلاة الشيطانية فهى تبرير وتشجيع مقدما على العصيان والظلم وسفك الدماء ، وهذا ما بدأه الخلفاء الفاسقون ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ) ثم إتبعهم الأمويون ثم العباسيون والفاطميون والمماليك. 

7 ـ وبعض الروايات الأخرى عن الصلاة وغيرها كانت انعكاسا لاختلافات فقهية ، فحاول كل فريق تأييد رأيه وتدعيمه بإسناده للنبى محمد أو أحد كبار الصحابة ، خصوصا عمر وعلى ، أو بعض التابعين مثل الحسن البصرى ومكحول وعمر بن عبد العزيز.

خامسا : التسجيل التاريخى للصلاة عند المسلمين

1 ـ ودائما تتناقض كتب الحديث و التاريخ والفقه فيما بينها . وحتى فى داخل الكتاب الواحد وربما فى الصفحة الواحدة ، ومثلا فإن ابن سعد فى طبقاته الكبري يقول : عن عبد الله ابن عمر انه كان يصلى الصلوات الخمس بوضوء واحد ، ثم يروى رواية اخرى تقول ان ابن عمر اعتاد فى منزله الوضوء لكل صلاة والمصحف بينهما ( الطبقات الكبرى 4 – 119، 125) . ومهمة الباحث أن يرجح الرواية الصحيحة بين الروايات المتناقضة بنقد المتن و السند ، وبالنظر الى روايات اخرى فى نفس الموضوع، وفى النهاية فإن كل ما يصل اليه الباحث هو مجرد وجهة نظر،والعلم الحقيقى بهذا الغيب عند الله تعالى وحده.

2 ـ ومن الطبيعى أن التسجيل التاريخى للصلاة يختلف عن الكتابة الفقهية عن الصلاة وغيرها . الكتابه الفقهية تكتب فى الفراغ نظريا وتضع أحكاما لأحداث تفترض وقوعها على نسق من فعل كذا فهو واجب أو مكروه أو حرام . أما الكتابه التاريخية عن الصلاة وغيرها فهى فى الأغلب تسجيل ما كان يحدث وكتابة ما كان يقال دون إعطاء حكم فقهى له .

3 ـ وفى هذا البحث التاريخى عن الصلاة فإن المادة التاريخية التى جمعناها هى التى تحدد مسار البحث لأن الباحث التاريخى لا يفرض أمنياته على البحث ولا يؤلف روايات من خياله ولا ينتقى من الروايات ما يحلو له ، بل هو يدخل إلى الموضوع المراد بحثه فى العصر التاريخى دون حكم مسبق ودون هوى أو غرض ، ليبحث كل الروايات الخاصة بموضوعه ، والقريبة منه والتى تعطى خلفية للأحداث والقضايا الأساسية فى بحثه، ويقرن ذلك بفهم عميق لكل نواحى العصر التاريخى الذى يأخذه مجالا لبحث تلك الجزئية . وعموما فالروايات تتحدث عما هو كائن بالفعل وبالتالى فليس على الباحث سوى أن يجمع ما اتصل منها فى موضوعه ثم يقوم بنقده وتحليله ، وإذا إستلزم عرضه على القرآن الكريم فلا بد أن يفعل طالما هو يؤرخ لشعيرة دينية هى الصلاة .

سادسا : لمحة عن أنواع الكتابات الفقهية

بعد تلك اللمحة التاريخية نعطى القارىء فكرة سريعة على أنواع الكتابات الفقهية وصلتها بالواقع التاريخى الذى عاشه المسلمون لنتمكن من أن نتتبع ـ تاريخيا ـ كيف أدّى المسلمون فريضة الصلاة بعد انتهاء عصر النبوة.

الفقه النظرى والشافعى 

الكتابات الفقهية الكلاسيكية تأثرت بمنهج الشافعى  ت 204 فى كتابه الضخم (الأم ) وبالقواعد التى وضعها فى " الرسالة ".

منهج الشافعى فى كتاباته الفقهية ( الفقه النظرى )

  كان يبدأ بفكرة مسبقة ويحاول الاستدلال عليها بإنتقاء الآيات القرآنية وتحريف معناها وبصناعة أحاديث تعضدها ، وبالرد مقدما على خصومه المخالفين لرأيه. ونعطى بعض التفصيل :

1 ـ  الاعتماد على تأليف الأحاديث المنسوبة للنبى محمد عليه السلام ، وجعلها تحمل الرأى الذى يريده دون الحاجة الى استدلال عقلى .

2 ـ ظهرت الكتابة الفقهية الجدلية على يد الشافعى، ويبدو فيها  كأنه فى مناظرة أو مناقشة مع خصم له ، مثل قوله : فإن قلت كذا فالجواب كذا. ومع أنه بهذا جمع منهج أهل الحديث مع منهج أصحاب الرأى إلا إن الشافعى قد قام بتطويع الرأى للحديث. ونفس الحال قام بتطويع المنهج الصورى للحديث.

3 ـ  ظهر أبو حنيفة ( ت 150 )  زعيما لمدرسة الرأى فى العراق فكان ( مالك بن أنس ) خصما لهذه المدرسة بإفتراء الأحاديث.  إنحاز الشافعى لشيخه ( مالك ) فى ( المدينة ) ( ت 179 ) وقام بتقعيد مدرسة ( الحديث ) فى رسالته المشهورة . وفى هجرته للعراق تعلم من البيئة العراقية غرامها بالمنهج الصورى ( التصورى ) الاستقرائى فجاء كتابه (الأم ) مزيجا من الحديث المخترع المنسوب للنبى محمد عليه السلام والفقه التصورى النظرى .

لمحة عن المنهج الصورى ( التصورى ) الذى بدأه الشافعى فى الكتابة الفقهية :

1 : أن ( يتصور الفقيه فى خياله ) :

1 / 1 : رأيا مخالفا لرأيه فيرد عليه . والشافعى هو الذى بدأ هذا المنهج الصورى  فى كتاباته التى يغلب عليها طابع الجدل والمناظرة ، خصوصا وأنه واجه من ينكر الأحاديث فى عهده ، فقام بالرد عليهم مقدما دون أن يستفيض فى ذكر أدلّتهم.  

1 / 2 : حدثا ثم يضع له حكما فقهيا ، مثل قوله : أن فعل كذا فالحكم فيه كذا.

2 ـ هذا المنهج التصورى نشأ وتطور فى الحضارة السريانية قبل الغزو العربى ، ثم عاد للظهور فى العراق فى العصر العباسى مع النهضة الفكرية وقتها .

2 : وهذا المنهج الصورى أو التصورى له بالطبع أصل نسبى فى الواقع الذى عاشه الفقيه. فالفقيه كان تتأثر أفكاره بمعطيات عصره.

3 ـ الا أن الفقه السّنى بالغ وأوغل فى التنظير والتصورات مبتعدا عن ذلك الواقع. ثم انتقل من التنظير الى الاستقراء أى محاولة تعميم الحكم بالبناء عليه والتوسع فيه الى درجة  تغطية كل الصور العقلية الممكنة التى يفترضها افتراضا . وأقرب مثل لهذا المنهج بعد الشافعى وكتابه ( الأم ) هو الفقيه الحنفى علاء الدين أبو بكر القاشانى المتوفى سنة 587 فى كتابه الضخم : ( بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع )

4 : كان هذا مقبولا نوعا ما فى عصر الازدهار العلمى والنضج العقلى فى العصر العباسى الأول . الا أنه تحول الى بلوى فى العصور اللاحقة التى سيطر فيها التصوف وانتشرت فيها خرافات الكرامات والمنامات وانقطع الاجتهاد وحل محله الجمود والتقليد والتأخر والتخلف بالتدريج . التنظير الفقهى فى هذا العصر وصل الى افتراضات مضحكة بذيئة كقولهم ( من اضطر الى أكل لحم نبى هل يجوز له ) ( من حمل قربة فُساء هل ينتقض وضوؤه ) ( من كان لذكره فرعان ونكح زوجته فى قبلها ودبرها هل يجب عليه غسل واحد أو غسلان ) ( من زنى بأمه فى نهار رمضان فى جوف الكعبة عامدا ماذا عليه من الاثم ). وقد كان ابتلاؤنا فظيعا بهذا الفقه فى التعليم الأزهرى. وهو مع خيالاته المريضة البعيدة عن الواقع فقد كان انعكاسا أمينا للذهنية الفقهية ومستواها الهابط الى الحضيض . ولا يزال هذا الفقه فى مناهج الأزهر ، وبدأنا الإنكار عليه من ربع قرن وطالبنا بمحوه بإجتهاد جديد يستنبط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم ، وتعرضنا للإضطهاد كالعادة .

 بين الفقه النظرى والواقع المُعاش :

1 ـ يتكون الفقه النظرى من ( أحاديث ) مصنوعة ، ومن ( تصورات ) بالمنهج الصورى المشار اليه.

2 ـ وقلنا إن هذا الفقه النظرى الصورى أو التصورى لم يكن ـ  فى أغلبيته العظمى  ـ شديد الالتصاق بحركة المجتمع ولم يكن قوى التأثير فيها ، وان كان نابعا منها ومن خيالات الفقيه وتصوراته ومعبرا عن مستواه الثقافى والعقلى..

3 ـ  ونفس الحال مع الأحاديث التى إفتراها مالك والشافعى ومن جاء بعدهما من أعمدة الحديث السُّنّى مثل ابن حنبل والبخارى ومسلم. والذين راعوا الأبواب الفقهية فى كتبهم ( الحديثية ) . معظم الأحاديث الفقهية فى الفقه النظرى كان انعكاسا لبعض المظاهر الحياتية وقتها . فقد كانت تلك الأحاديث رد فعل للمتطلبات الحياتية وانعكاسا للتطور السائد  حتى فى البيئة المحافظة التقليدية كالمدينة. وكان الأمر أكثر وضوحا فى البيئات النهرية خصوصا فى العراق حيث التنوع الثقافى والعنصرى والجنسى والاختلافات السياسية والمذهبية والدينية ، وتحولها الى أحزاب متصارعة بالبنان واللسان والسنان. وكان اختراع الأحاديث أهم سلاح فى الخلافات الفقهية والمذهبية والسياسية والحزبية والطائفية والقبلية ( نسبة للقبيلة ) والقطرية( نسبة للقطر).

فقه الحيل

1 ـ أنتج العراق هذا النوع الفقهى الذى يريد الالتفاف على الفرائض الشرعية بأنواع من الحيل متناسيا أن تلك الأوامر التشريعية هى مجرد وسائل للتقوى، واذا كنا نتحايل على شرع الله تعالى فلا مجال للتقوى فى القلوب.

2 ـ  فقه الحيل كان تعبيرا أمينا على التلون الذى ساد العصر العباسى ، فقد أعطى فقه الحيل مشروعية زائفة للجمع بين المظهر الدينى والانحلال الخلقى والعقيدى. كان النتاج الطبيعى للتدين المظهرى السطحى الشكلى الذى أعادته الى حياتنا المعاصرة الحركة الوهابية فى الصحراء العربية وربطته بالاسلام زورا وبهتانا. كان المجون على أشده فى القصور العباسية والحانات الشعبية ، وكان على الجانب الآخر حركات دينية فاعلة ومساجد مأهولة وثقافة دينية يختلط فيها الصحيح بالفاسد مع ظلم اجتماعى وقهر سياسى وخلافة كهنوتية تنتسب للنبى عليه السلام وتشجع الرواية عنه وعن ابن عمه ابن عباس وهو جد الخلفاء العباسيين. وظهر (فقه الحيل ) يعقد الصلح شكليا بين الواقع المُشين والتدين السطحى المظهرى ، فيعطى حُجة زائفة للمعاصى أن تستمر وتعلو برأسها متمتعة بدليل من فقه الحيل ( أو التحايل ) على شرع الرحمن جل وعلا.

3 ـ بدأ فقه الحيل داخل مدرسة الرأى التى تزعمها الفقيه الثائر ابو حنيفة (ت 150)، وهذا فيما يروونه عنه ، لأن أبا حنيفة ظهر مبكرا قبل عصر التدوين ولم يؤلف كتبا .

4 ـ تطور فقه الحيل فى العصر العباسى الثانى ليصبح منهجا متكاملا يتطرف فى استعمال الحيل بذكاء فى مقابل مدرسة الحديث الفقهية المحافظة التى تطورت بعد الشافعى بظهور ابن حنبل الذى جعل كتاباته الفقهية أحاديث خالصة فيما يعرف ب(مسند أحمد ).

5 ـ واستمر فقه الحيل حتى صدر العصر المملوكى ، فكتب ابن القيم الجوزية ( 691 : 751 )  يرد عليه فى كتابه (إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان ) .

الفقه الوعظى

1 ـ واذا كان فقه الحيل استجابة طبيعية للبيئة العباسية ومعبرا عنها بصورة غير مباشرة فان الفقه الوعظى  ــ الذى بدأ فى العصر العباسى الثانى ــ كان الأكثر تعبيرا عن عصره والأكثر قربا من علم التاريخ .

2 ـ (الفقه الوعظى ) هو تعبير من إختراعنا ، ونعنى به الكتابة الفقهية التى تتوخى الوعظ     تعليقا بالنقد والانكار على بعض ما يقع فيه الناس من أخطاء ، والحكم عليها فقهيا بالحرام أو المكروه.

3 ـ واذا كان الفقه النظرى يتخيل مسبقا حدوث فعل ثم يعطيه حكما فقهيا كقولهم ( ان فعل كذا فهو حرام أو حلال او مندوب أو مكروه) فان الفقه الوعظى يحكى الواقعة الحقيقية التى تحدث أو اعتاد الناس فعلها ثم يعلق عليها بالانكار معطيا ما يراه حكما فقهيا لها.

4 ـ هنا يتحول الفقيه ـ دون أن يدرى ـ الى مؤرخ . بل ومؤرخ موثوق به لأنه ـ دون أن يدرى ايضا ـ قد ذكر ملامح تاريخية اجتماعية ثمينة بدون تهويل أو تضخيم. والعادة أن المؤرخ المعاصر للحدث لا يهتم بالتفصيلات الاجتماعية الحياتية العادية، ويركز على الأحوال السياسية ويلون الأحداث برؤيته الشخصية.

5 ـ ميزة الفقه الوعظى من الناحية الفقهية أنه يصاحب تطور المجتمع بالنقد والتعليق، يجرى معه وخلفه يطلب الاصلاح من وجهة نظر الفقيه المؤلف بالطبع.

6 ـ نشأ هذا الفقه الوعظى مع ابى حامد الغزالى ( ت 505 ) بين ثنايا كتابه ( احياء علوم الدين). ثم أفرد له الفقيه المؤرخ الحنبلى عبد الرحمن بن الجوزى ( ت 597 ) كتابا خاصا هو ( تلبيس ابليس ) . ثم سار على أثره ابن القيم الجوزية الحنبلى 751 فى كتابه ( اغاثة اللهفان من مكائد الشيطان ) ، والفقيه المغربى الصوفى ابن الحاج العبدرى (  ت   737 ) فى كتابه ( المدخل ). ثم جاء الشعرانى973  فى نهاية العصر المملوكى وبداية العصر العثمانى ليكتب كثيرا من المؤلفات فى الفقه الوعظى منها ( تنبيه المغترين ) و ( لطائف المنن ) و( المنن الصغرى ) ( الأنوار القدسية فى معرفة قواعد الصوفية ) ( ألأنوار فى صحبة الأخيار ) ( آ داب  العبودية ) ( البحر المورود فى المواثيق والعهود ) ( لواقح الأنوار ). وقد مزج الشعرانى فقهه الوعظى بالحديث عن كراماته وكرامات أشياخه المزعومة .

أخيرا :

بعد هذه اللمحة التاريخية والفقهية ندخل فى موضوعنا عن الصلاة ، وكيف أضاعها ( المسلمون ) فى تاريخهم وفى تشريعاتهم .

 

مقدمة الباب الثانى : (الخلفاء الفاسقون وصلاتهم الشيطانية )

أولا :

1 ـ كان العرب ( يؤدون ) الصلاة تأدية حركية بلا خشوع وبلا تقوى . أضاعوا الصلاة بعصيانهم وبإنغماسهم فى الشهوات الحرام والمنكر والبغى والعدوان وبعبادة الأولياء والقبور المقدسة التى ألحقوها بمساجدهم ، كما يفعل المحمديون اليوم. لذا كان التركيز فى القرآن الكريم على إقامة الصلاة وليس على تأدية الصلاة ، وجاء ذكر ( الصلاة ) ب ( أل ) أى ( الصلاة ) التى تعرفونا. ( أل ) هنا بمعنى ( العهد ) أى الصلاة المعهودة المعروفة.

2 ـ لم تكن عندالعرب ولا أهل الكتاب ــ وقتها ــ  مشكلة على الاطلاق فى عدد ركعات الصلاة وتوقيت الصلوات الخمس أو الفاتحة ، وكل هذا متوارث من ملة ابراهيم شأن الحج والصيام فى رمضان والأشهر الحرم . 

3 ـ لو كانت الصلاة تشريعا جديدا جاء به القرآن الكريم :

3 / 1 : لنزلت تفصيلاته فى الكيفية وفى المواقيت ، لأن رب العزة ما فرّط فى الكتاب من شىء يكون السكوت عنه تفريطا ، بل أنزل الكتاب تبيانا لكل شىء يحتاج الى بيان . ولم تكن كيفية الصلاة ومواقيتها تحتاج الى بيان. هى حقيقة يكفر بها المحمديون الذين يسعون فى آيات الله جل وعلا مُعاجزين .!.

3 / 2 لو كانت الصلاة تشريعا جديدا لا يألفه العرب كانوا سيكفرون به ويتعجبون منه كما فعلوا مع :

3 / 2 / 1 : دعوة ( لا إله إلا الله ) فقالوا :

3 / 2 / 1 / 1 : (   أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴿٥﴾ ص ).

3 / 2 / 1 / 2 :  وقال جل وعلا عنهم : (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ ﴿٢﴾ يونس  ) .

3 / 2 / 2 : مع دعوتهم الى الايمان بالبعث قالوا ساخرين :

3 / 2 / 2 / 1 :(هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴿٧﴾ أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ ۗ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ﴿٨﴾ سبأ )

3 / 2 / 2 / 2 : (  وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴿٧٨﴾ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴿٧٩﴾ يس ).

3 / 2 / 3 :  لو كانت عندهم مشكلة فى كيفية الصلاة ومواقيتها لأزعجوا النبى محمدا  بأسئلة متكررة عنها . لكنهم لم يسألوا مطلقا عن كيفية الصلاة ومواقيتها ، لأنها ببساطة معروفة لديهم ويؤدونها .

3 / 2 / 4 : ونعطى نماذج من أسئلتهم فى مكة عن موعد الساعة والرد الالهى عليها :

3 / 2 / 4 / 1 :  حقيقة قرآنية مؤكدة كررها  رب العزة جل وعلا فى القرآن ، وهى أن النبي لا يعلم الغيب ولا يعلم موعد قيام الساعة ولا ما سيحدث له أو للناس ، واقرأ في ذلك قوله جل وعلا :

3 / 2 / 4 / 1 / 1 : ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ (الأنعام 50) ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ..﴾ (الجن 25: 27)

3 / 2 / 4 / 1 / 2 : ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ (الأنبياء 109)

3 / 2 / 4 / 1  / 3 : وهل هناك أوضح من قوله تعالى ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ..﴾ ؟(الأحقاف 9).

3 / 2 / 4 / 2 :  وهناك آيات أخرى كثيرة تؤكد أن علم الساعة عند الله وحده . قال جل وعلا :

3 / 2 / 4 / 2 / 1 :  ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ (لقمان 34)

3 / 2 / 4 / 2 / 2 :  ﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ (فصلت 47) ﴿وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ (الزخرف 85).

3 / 2 / 5 :  كلها آيات تؤكد أن النبي لا يعلم الغيب وأن علم الساعة لله وحده وكانت تكفى آية واحدة ولكنهم سألوا النبي ــ عنادا ــ مرة ومرات عن الساعة ، ومع ذلك لم يبادر بالإجابة بأن يقرأ عليهم الآيات السابقة ، وإنما انتظر الوحى ، وكان الوحى ينزل دائماً بنفس الإجابة وهى أن علم الساعة لله وحده وأن النبي لا يعلم الغيب.
3 / 2 / 6 : انتظر النبي الإجابة ونزل قوله تعالى :

3 / 2 / 6/ 1 :  ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ  قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ ...﴾ (الأعراف 187: 188) وهذا توضيح فيه أكثر من الكفاية.
3 / 2 / 6 / 2 :  ولكنهم سألوه أيضاً عن الساعة ونرى النبي عليه السلام أيضاً ينتظر الإجابة فنزل قوله تعالى يجيب ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا  فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا  إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا  إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ﴾ (النازعات 42: 45) والآيات الأخيرة ملئت بأسلوب الاستفهام الإنكاري ﴿فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا  ﴾ وجاء أسلوب القصر يقصر علم الساعة على رب العزة ﴿إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا ﴾ ويقصر وظيفة النبي على الإنذار ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ﴾.

3 / 2 / 7 :  لو كانت الصلاة تشريعا جديدا لبادروا بالأسئلة لمجرد العناد . وكانوا يفعلون هذا فى طلبهم المتكرر لأن تنزل على النبى آية حسية كراهية فى القرآن الكريم.
ثانيا :

1 ـ لم تكن كيفية الصلاة ومواقيتها مشكلة بعد موت النبى محمد عليه السلام وإنتهاء الوحى القرآنى نزولا . كانت المشكلة مع الخلفاء الفاسقين ( ابو بكر وعمر وعثمان وعلى ) ، وقد كانوا أئمة بتضييعهم للصلاة بأفظع ما كانوا يفعله العرب فى الجاهلية . وتبعهم الأمويون بتضييع الصلاة ثم تحريفها . وفى العصر العباسى إكتملت فيه أديانهم الأرضية من سنة وتشيع وتصوف ، وبدأ التشريع لها بتحريفات أسّسوها على أحاديث كاذبة ينسبونها للنبى محمد بعد موته بقرون . 

2  ـ ومنها فى موضوع الصلاة حديث : ( صلوا كما رأيتمونى أصلى ). لو كان هذا صحيحا

2 / 1 : فليست الصلاة واجبة على الأجيال التى جاءت بعده ولم تره كيف يُصلّى ، ومنها نحن .

2 / 2 : ستكون واجبة على من رآه فقط يصليها . وكان عليهم أن يسجلوها بالضبط . ولكن هذا لم يحدث إذ إنشغل الصحابة وخلفاؤهم بالفتوحات وبالفتنة الكبرى ، ثم سار على سُنّتهم الأمويون والعباسيون .

3 ، ظهرت الكتابات الفقهية فى تشريعات الصلاة مع موطأ مالك . وسنعرض لهذا ، ثم تابعه الشافعى وغيره . فهل هذا يعنى أن السابقين لم يكن لديهم علم بالصلاة ؟

أخيرا :

1 ـ سنعرض ـ بعون الرحمن جل وعلا ـ  للصلاة عند ( المسلمين ) تاريخيا وتشريعيا . لنرى كيف أضاعوها تاريخيا وكيف زيفوها وحرفوها تشريعيا .

2 ـ  وردّا على سعى خصومنا فى آيات الله جل وعلا مُعاجزين يسألون أين عدد الصلوات وكيفيتها ومواقيتها سنعرفهم من خلال تاريخهم وتشريعاتهم جناية ( سلفهم الصالح ) على الصلاة الاسلامية .

3 ــ والله جل وعلا هو المستعان .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الثانى :

الفصل الأول : بين الصلاة الاسلامية والصلاة الشيطانية للخلفاء الفاسقين  

 1 ـ تحدثنا فى الباب الأول عن إقامة الصلاة الاسلامية وتضييعها  لدى العرب والقرشيين الذين أهملوا ملة ابراهيم ، ونزل القرآن الكريم بالاصلاح وفق ملة ابراهيم الحقيقية بإخلاص الدين والعبادة والدعاء لرب العالمين وحده . ننصح بالرجوع الى الباب الأول منعا للتكرار.

2 ـ ولكن نعيد التأكيد والتركيز على النقاط الآتية :

أولا : القيام للصلاة غير إقامة الصلاة

1 ـ القيام للصلاة يعنى الاستعداد لتأديتها بالطهارة ( المائدة 6 ) كما جاء فى قوله جل وعلا 

2 ـ بالاستعداد لتأديتها فى ظروف الخوف  ( النساء 102 ) . 

3 ـ وكان المنافقون يؤدونها كسالى ز ( النساء 142 )

 ثانيا : إقامة الصلاة بالاسلام الحقيقى :

الاسلام الحقيقى  هو (السلام ) مع الناس و( التسليم ) للخالق جل وعلا. أى أن يكون الانسان مسالما فى تعامله مع الناس وأن يُسلم قلبه ودينه وعبادته للخالق جل وعلا. أى يجمع بين الاسلام الظاهرى السلوكى بالسلام وبين الاسلام القلبى بالايمان الخالص والعمل الصالح والابتعاد عن الظلم والفسوق والبغى والعدوان ، أى تكون إقامته للصلاة فى هذا الإطار من السلام مع الناس والإخلاص فى عبادة الله جل وعلا وعمل الصالحات .

فى هذا المعنى جاءت آيات القرآن الكريم عن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بمعنى التزكى والتطهر :

  1 : فى الخطاب العام للبشر : ( المؤمنون 1 : 11 ) ( المعارج 19 :35 ) ( النور 37 ) ( الحج 34 : 35 ) ( ابراهيم 31 ) ( فاطر 29 : 30 )( الشورى 36 : 39 )( الرعد 19 : 25 )( البقرة 2 : 3 ) ( النمل 1 : 3 ) ( لقمان 2 : 5 ) ( الاعراف 170 ) ( البقرة 277 ) ( الانعام 92 ) ( الانفال 2 : 3 ) ( الحج 40 : 41 )

  2 : فى ملة ابراهيم : ( ابراهيم 35 : 40 ) ( الأنبياء 73 ) ( الحج 78 )

  3 : فى أهل الكتاب : ( طه 14 )( يونس 87 ) ( البقرة 43 ، 83 ) ( النساء 162 )( المائدة 12 ) ( البينة 4 : 5 ) ( البقرة 45 )

  4 : اهل القرآن :

  4 / 1 : نزل للمؤمنين فى مكة الأمر ليس بتأدية الصلاة لأنها معروفة ولكن بإقامة الصلاة التى تنهى عن الفحشاء والمنكر :( العنكبوت 45 ) ( الروم 30 : 32 )( هود 114 ) ( الاسراء 78 : 79 ) ( فاطر 18 ) ( الانعام 71 : 72 )

4 / 2  :ونزل فى المدينة : ( النور 56 ) ( البقرة 153 ، 177 ، 238 ) ( النساء 77 ) ( المجادلة 12 : 13 ) ( الأحزاب 33 )  ( المائدة 55 ) ( التوبة 71 ).

ثالثا: إقامة الصلاة بالاسلام السلوكى الظاهرى ، بالسلام :

1 ـ كل مسالم هو إنسان مسلم  بغض النظر عن عقيدته .

2 ـ ومن الصحابة من كان مسلما من حيث إختيار السلام ومؤمنا من حيث إختيار الأمن والأمان . دخلوا فى صحبة النبى وهاجروا معه ، ونزلت آيات فى السور المدنية تدعوهم الى أن يعززوا إيمانهم السلوكى ( بمعنى الأمن والأمان ) بإيمان قلبى بأنه ( لا إله إلا الله ) . جاء هذا فى قوله جل وعلا لهم :

2 / 1 : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴿١٣٦﴾ النساء )

2 / 2 :( آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴿٧﴾ وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ ۙ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٨﴾ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚوَإِنَّ اللَّـهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿٩﴾الحديد )

3 / كانوا عاكفين على عبادة الأوثان متمتعين بالحرية المطلقة فى الدين فى دولة النبى محمد الاسلامية ، والتى تمتع فيها المنافقون أيضا بحريتهم الدينية والسياسية ( السلمية ) نزلت آيات مدنية تدعوهم لنبذ الرجس من الأوثان ،  قال لهم جل وعلا :

3 / 1 : ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿٣٠﴾ الحج )

3 / 2 : لم يستجيبوا ، وظل هذا ساريا ، فكان من أواخر ما نزل فى المدينة قوله جل وعلا لهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٩٠﴾ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴿٩١﴾ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿٩٢﴾ المائدة )

4 ـ إذا كان هذا هو حال بعض الصحابة فى المدينة فالحال خارجها أكبر. بمعنى أن الاستجابة للاسلام القلبى فى الجزيرة العربية لم تكن هائلة . هذا بينما كانت الاستجابة للاسلام السلوكى عامة ، إذ دخل فى الاسلام السلوكى بمعنى السلام والأمن والأمان العرب أفواجا . قال جل وعلا فى أواخر ما نزل من القرآن عن النصر والفتح : (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ النصر ). النبى محمد لم ير قلوب الذين دخلوا فى دين الله جل وعلا أفواجا ، فهو لم يكن يعلم الغيب وخصوصا غيب ما تخفيه الأنفس ، فقد كان من أصحابه من مرد على النفاق ، ولم يكن يعلمهم ئئئئز قال جل وعلا : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴿١٠١﴾ التوبة ) ؟ لم ير النبى محمد الاسلام القلبى ولكن رأى الاسلام الظاهرى السلوكى . رآهم يدخلون أفواجا فى الاسلام بمعنى السلام. آثروا العيش فى سلام ونبذ الغارات والحروب القبلية ( نسبة للقبيلة ) .

5 ـ دخولهم فى السلام ( دين الله جل وعلا السلوكى ) جعلهم متمتعين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة السلوكية . فهناك (إقامة للصلاة وإيتاء للزكاة قلبيا وسلوكيا ) وتعرضنا لها سابقا ، وهنا إقامة للصلاة وإيتاء للزكاة سلوكيا وظاهريا بإختيار السلام والأمن وعدم الإعتداء.

6 ـ بعد أن دخل العرب فى دين الله جل وعلا أفواجا وعقدوا العهود والمواثيق على إلتزام السلام نكث العهد متطرفون من قريش ، إعتدوا على المؤمنين فى مكة وهمُّوا بإخراج النبى والمؤمنين ، وهذا ضمن المسكوت عن تفصيلاته فى أول كتاب للسيرة وضعه محمد بن إسحاق تقربا لبنى العباس ، بما يوحى أن من الناكثين للعهد من كانت ذريته صاحبة سلطان وقت تأليف ابن إسحاق لسيرته التى ملأها بأكاذيب جعل فيها شخصية للنبى تخالف القرآن وتتشابه مع شخصية أبى جعفر المنصور المشهور بالغدر والاسراف فى سفك الدماء.

جاءت تفصيلات نكث العهد هذا فى صدر سورة براءة ، وكما يدل إسم السورة فقد بدأت ببراءة الله جل وعلا ورسوله فى لهجة شديدة ، قال فيها جل وعلا : (  بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١﴾فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّـهِ ۙ وَأَنَّ اللَّـهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ﴿٢﴾ وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّـهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ۚفَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّـهِ ۗ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٣﴾ التوبة ) . لم تبدأ السورة بالبسملة التى توحى بالرحمة بل بإنذار وإعطائهم مهلة الأشهر الألاربع الحرم الأربعة يتوبون فيها ، فإن لم يتوبوا بعد الأشهر الحرم فيجب على النبى والمؤمنين قتالهم بكل ما يستطيعون ، قال جل وعلا : (فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٥﴾ التوبة ). وكان نكثهم للعهد ذا أثر هائل أغاظ المؤمنين المسالمين ، لذا قال جل وعلا فى تحريض المؤمنين على قتالهم : (  قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّـهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴿١٤﴾ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ وَيَتُوبُ اللَّـهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿١٥﴾ التوبة  ) .

7 ـ ومع هذا :

7 / 1 : فإن الجندى المعتدى منهم إذا إستجار فيجب على المؤمنين إجارته وضمان سلامته ، وإسماعه القرآن الكريم ثم إلرجاعه الى مأمنه . ( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ ﴿٦﴾ التوبة )

7 / 2 : إن تابوا ورجعوا الى السلام أو الاسلام السلوكى فقد عادوا الى دين الله الذى دخل فيه الناس أفواجا ، ويكونون بهذا قد حققوا ( ظاهريا وسلوكيا ) إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ويجب تخلية سبيلهم ، قال جل وعلا : ( فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٥﴾)( فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿١١﴾ التوبة ).

رابعا : الحكم للبشر فى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة سلوكيا

1 ـ عرفنا إن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة سلوكيا تعنى الإلتزام بالسلام ونبذ الاعتداء على الغير.

2 ـ ليس للبشر الحكم على إقامة الصلاة قلبيا فذلك مرجعه لله جل وعلا يوم الدين وهو الذى يحكم على البشر بهذا الخصوص . ولكن للبشر الحكم على الاسلام الظاهرى السلوكى طبقا للتصرفات . فالذى يبغى ويقتل ويقاتل معتديا يكون كافرا بسلوكه وبغيه . فإذا تاب عن البغى والعدوان وعاد الى طريق السلام فقد أصبح أخا فى دين الله بمعنى السلام . ولهذا نزلت التشريعات الاسلامية صالحة للتطبيق حسب تصرفات البشرية الظاهرة .

3 ـ ينطبق هذا على أولئك المعتدين الذين نزلت فيهم آيات تشريع بخصوصهم فى سورة التوبة ، قال جل وعلا عنهم : ( لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ﴿١٠﴾ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿١١﴾ التوبة ). هم المعتدون أى الكافرون سلوكيا والمشركون سلوكيا. وهذا وصفهم فى الآيات الثلاث الأولى من السورة . ولكن إذا تابوا عن الإعتداء أصبحوا أخوة فى الاسلام السلوكى الذى به تتأسس المواطنة فى الدولة الاسلامية ، ويتمتع فيها المواطنون بالحرية الدينية المطلقة والحرية السياسية المطلقة تحت مظلة السلام ، وهو الاسلام السلوكى. وبهذا الاسلام السلوكى الظاهر يكون المعتدى حربيا على المواطنين المسالمين فى الداخل محاربا لله جل وعلا ورسوله ، ونزلت فيهم عقوبة الحرابة (  إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴿٣٣﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٤﴾ المائدة ) . أما الذى يعتدى على الدولة من الخارج فيجب على المؤمنين القتال الدفاعى ردا على هذا المعتدى .

خامسا : تشريعات القتال الدفاعى فى الاسلام

1 ـ دولة الاسلام مؤسسة على الاسلام بمعنى السلام ، والدعوة فيها أن يدخل الناس فى السلم كافة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿٢٠٨﴾ البقرة )

2 ـ وقد عرضنا كثيرا لتشريعات الاسلام الدفاعية ، ومنها:

2 / 1 :  أن القتال فى سبيل الله هو الدفاعى فقط ، لأن الله جل وعلا لا يحب المعتدين ، قال جل وعلا : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿١٩٠﴾ البقرة ) .

2 / 2 : وأن المؤمنين المسالمين حين يتعرضون لهجوم باغ معتد عليهم أن يدعو الله جل وعلا أن ينصرهم على المعتدين الكافرين قائلين : ( أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿٢٨٦﴾ البقرة ) . فالكافرون  سلوكيا هم الذين يشنُّون حربا هجومية على قوم مسالمين لم يبدأوهم بالاعتداء .

2 / 3 : ردُّ الاعتداء على هذا الهجوم يتوقف بتوقف الهجوم : (فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٩٢﴾ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّـهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿١٩٣﴾ البقرة ) . بل يمنح الله جل وعلا المغفرة للكافرين المعتدين إذا تابوا عن إعتدائهم زكفوا عنه ، قال جل وعلا : (  اقُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ﴿٣٨﴾ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّـهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّـهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴿٣٩﴾ لأنفال ). هذا مع القوم المعتدين المهاجمين .

2 / 4 : أما الدولة التى لم تشنُّ على المسلمين حربا ولم تخرجهم من ديارهم ولم تظاهر وتؤيد إخراجهم من ديارهم فيجب على المؤمنين التعامل معهم بالبر وبالقسط . قال جل وعلا : ( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿٨﴾ الممتحنة )

3 ـ وفى هذا كله يكون قتل الانسان المُسالم جريمة فظيعة .

3 / 1 : إذ لا يمكن التصور إسلاميا أن يقتل مسلم مسالما إنسانا مُسالما إلا عن طريق الخطا. وإذا حدث فعليه دية مغلّظة ، قال جل وعلا : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ) ﴿٩٢﴾ النساء )

3 / 2 : أما الذى يتعمد قتل مؤمن مسالم فمصيره الخلود فى النار مع اللعنة والغضب الالهى والعذاب العظيم ، قال جل وعلا فى ألاية التالية : ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴿٩٣﴾  النساء )

3 / 3 : يسرى هذا على الجندى فى جيش معتد وفى أرض المعركة، إذا ألقى هذا الجندى السلام ( شعار الاسلام السلوكى ) عندها يجب حقن دمه ، قال جل وعلا فى الآية التالية ينهى ويحذّر : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴿٩٤﴾ النساء ).

سادسا : بالتالى :

 1 ـ دولة الاسلام السلمية تطبق هذا فى تعاملها مع غيرها. تتعامل بالبر والقسط من لم يعتد عليها . ولا يمكن أن تعتدى على دولة أخرى ، وفى داخلها لا يمكن السماح بقتل إنسان مؤمن مسالم. ومن يخرج على هذه الدولة من داخلها فجزاؤه ما نزل فى سورة المائدة ( آية 33 : 34 ).

2 ـ بالتالى فالدولة الكافرة هى التى تشنُّ هجوما باغيا على دولة أخرى لم تقم تلك الدولة بالاعتداء عليها.

3 ـ تلك الدولة الكافرة نوعان :

3 / 1 : دولة علمانية تهاجم دولا أخرى بلا شعار دينى ، وهذا ما كانت قبائل العرب تفعل فى غاراتها على بعضها بلا شعارت دينية. وهذا ما فعله سفاكو الدماء فى تاريخ العالم من جنكيزخان الى هتلر وستالين ..الخ .. هنا ظلم للناس فقط .

3 / 2 : دولة ترفع إسم الله ودينه الاسلامى وهى تعتدى على دول أخرى تقتل المدافعين عنها وتسبى نساءهم وأطفالهم وتنهب كنوزهم وتستبقى الفلاحين والعوام لتسترقهم فى العمل وترغمهم على دفع الجزية والخراج . وتحتل بلادهم ، ثم بسبب الاختلاف على المسروقات يتقاتلون فيما بينهم ، وينشرون فى كل ما يفعلون الفساد فى الأرض . 

3 / 3 :  وهذا ما بدأه الخلفاء الفاسقون ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ) . فى إستغلالهم للإسلام العظيم لم يظلموا فقط مئات الملايين بل ظلموا رب العالمين . وسار على سنتهم اللاحقون . ولا يزالون .! الخلفاء الفاسقون أشرُ من هتلر وستالين .!

سابعا : صلة موضوع الصلاة بتشريعات القتال الاسلامية :

1 ـ  هناك الصلاة الاسلامية التى هى ضمن العبادات الاسلامية وسيلة للتقوى ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿٢١﴾ البقرة ).

2 ـ إقامة هذه الصلاة الاسلامية تعنى أن  يجتنب المؤمن الفحشاء والمنكر : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴿٤٥﴾ العنكبوت ).

3 ـ صلاة الخلفاء الفاسقين كانت تحثهم على الفحشاء والمنكر ، وتجعلهم يهتفون ( الله أكبر ) وهم يرتكبون البغى والعدوان ويسبون النساء وينهبون الأموال . وهم لم يتذكروا قول الله جل وعلا : ( إنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿٩٠﴾ النحل ) . وعظهم الله جل وعلا لعلهم يتذكرون ، فلم يتذكروا . ليس هذا مجرد تضييع للصلاة ، هو أفظع .!

ثامنا : هناك أنواع من تضييع الصلاة :

 1 : هناك من وصفهم رب العزة بالمكذبين بالدين الذين يسيئون معاملة اليتيم ولا يحضون على طعام المسكين ، وهم بذلك عن الصلاة التى يصلونها ساهون ، اضاعوها بهذا بل وكانوا يؤدون الصلاة رياءا . لذا توعدهم رب العزة جل وعلا بالويل. قال جل وعلا : ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴿١﴾ فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴿٢﴾وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴿٣﴾ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ﴿٤﴾ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴿٥﴾ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴿٦﴾ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴿٧﴾ الماعون ).

 2 : هناك من العرب القرشيين من كان يصُدُّ عن المسجد الحرام ومع هذا يؤدون الصلاة ، وصفها رب العزة بالمُكاء والتصدية ، قال جل وعلا  يتوعدهم بالعذاب : ( وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّـهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ۚ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴿٣٤﴾ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ۚ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴿٣٥﴾ الانفال )

 3 : هناك من اضاع صلاته بالمعاصى وإتباع الشهوات وتوعدهم الله جل وعلا بالعذاب إن لم يتوبوا ، قال جل وعلا عن الأجيال اللاحقة : ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴿٥٩﴾ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴿٦٠﴾ مريم )

4 ـ نحن هنا أمام وضع فريد فى جنون العصيان أسّسه الخلفاء الفاسقون : إنها ما نسميه بالصلاة الشيطانية ، وهى أن تتعبد بالصلاة وتتديّن مستغلا دين الله جل وعلا وإسم الله جل وعلا فى البغى والعدوان بقتل الملايين ونهب الشعوب وإحتلال البلاد والسبى والإسترقاق للصغار والكبار. نتذكر أن قتل مؤمن مسالم واحد يعنى الخلود فى النار مع غضب الله جل ولعنته فكيف بقتل الملايين ؟، ثم كيف بقتلهم بشعار الاسلام إفتراءا على الله جل وعلا ورسوله ؟ كل المطلوب أن تتهم الغير بالكفر وتستحل دماءهم وأموالهم وأعراضهم وتجعل ذلك دين الله جل وعلا.! ترتكب كل هذا الفجور وأنت تصلى الصلوات الخمس وأنت تهتف ( الله أكبر ) .

5 ـ المعبود الأكبر لهم ليس رب العزة جل وعلا بل هو المال الذى تأتى بالحرب وسفك الدماء ، وفى سبيل معبودهم الأكبر يؤدون الصلاة . من حيث الشكل هى الصلاة الاسلامية ( فى الأغلب بسبب وجود تحريفات لاحقة ) ومن حيث المضمون هى وسيلة ليس للتقوى ولكن للحث على البغى والعدوان والفساد والظلم .

أخيرا : فى الفصول القادمة نتتبع الصلاة تاريخ الخلفاء بإستغلالها فى الإثم والعدوان مع تأديتها بنفس المعهود من توقيتها وكيفيتها .

 

الفصل الثانى : الدين الشيطانى للخلفاء الفاسقين : حرب الردة والفتوحات

 مقدمة :

1 ـ دين الخلفاء الفاسقين يناقض دين رب العالمين . يقوم دين رب العالمين على السلام والايمان بالله جل وعلا واليوم الآخر ، وبه تكون إقامة الصلاة تقوى وخشوعا والجهاد فى سبيله إبتغاء مرضاته . أما دين الخلفاء الفاسقين ومن تبعهم  ومن خرج عليهم فإلاههم الأكبر هو المال ، وللحصول عليه يؤدون الصلاة ويؤمنون بالاستحلال ؛ إستحلال الدماء والأموال والأعراض وإحتلال البلاد.

2 ـ نبدأ هنا بلمحة قرآنية عن طوائف الصحابة وهم فى المدينة حول النبى محمد عليه السلام. ثم بعدها مع لمحة تاريخية عنهم فى عصر الخلفاء الفاسقين بعد موت خاتم النبيين.

أولا : دعوة الجهاد فى سبيل الله جل وعلا تأتى مقرونة بالايمان بالله واليوم الأخر

1 ـ النفس والمال هما أحرص ما يحرص عليه الانسان فى حياته الدنيا . المؤمن بالله جل وعلا يعلم إن حياته المؤقتة فى هذه الدنيا الفانية هى فرصته ليفوز بالخلود فى الجنة . ولهذا فهو يبادر بالتضحية بحياته وماله فى سبيل الله جل وعلا .

2 ـ لذا إحتوى خطاب الدعوة للقتال فى سبيل الله جل وعلا على أن الجنة تنتظر من يجاهد صابرا فى سبيله جل وعلا . قال جل وعلا : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴿١٤٢﴾ آل عمران )

3 ـ وبعضهم كان يتثاقل عن الخروج دفاعا عن المدينة ، قال جل وعلا يلومهم على إيثارهم الحياة الدنيا الفانية على الخلود فى الجنة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴿٣٨﴾ التوبة  ) وأوضح لهم رب العزة جل وعلا أن القتال الاسلامى هو الخير لهم لو كانوا يعلمون : ( انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٤١﴾ التوبة ).

4 ـ وجاء الخطاب الالهى لهم فى شكل صفقة تجارية بالبيع والشراء . بيع الدنيا وشراء جنة الآخرة . قال جل وعلا :

4 / 1 : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿١٠﴾ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿١١﴾ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١٢﴾ وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّـهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٣﴾ الصف )

4 / 2 : (  إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚيُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١١١﴾ التوبة ).

5 ـ القتال الدفاعى فى الاسلام هو رد الاعتداء بمثله بلا أى تجاوز ، قال جل وعلا : ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿١٩٤﴾ البقرة ) . ولكن هذا القتال الدفاعى يستوجب تكلفة مالية ، أو الإنفاق فى سبيل الله ، لذا جاءت الآية التالية تحث عليه لأنه بدونه تكون التهلكة على يد عدو لا يرقب فى مؤمن إلّا ولا ذمّة . قال جل وعلا :  ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛوَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٩٥﴾ البقرة ).

6 ـ وتكررت الدعوة الى الإنفاق فى سبيل الله جل وعلا بصورة غاية فى التأثير:

6 / 1 : تجعله إقراضا لرب العزة الغنى الحميد. قال جل وعلا : ( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّـهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٢٤٥﴾ البقرة ) ( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴿١١﴾ الحديد )( إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴿١٨﴾ الحديد )( وَأَقْرِضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٢٠﴾ المزمل ). 

6 / 2 : وتحذّر المؤمنين من الندم حين يأتى الأجل ويتمنّى أحدهم أن يعود ليتبرع بالمال فى سبيل الرحمن جل وعلا : (  وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴿١٠﴾ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّـهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١١﴾ المنافقون )

ثانيا : تطبيق الصحابة لهذه الأوامر الالهية

1 ـ فى بداية سورة البقرة ( المدنية ) اشار رب العزة الى أن البشر ثلاثة أصناف :

1 / 1 :  المتقون : ( ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿٢﴾ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٥﴾)

1 / 2 : الكافرون الصُّرحاء : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴿٦﴾ خَتَمَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖوَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٧﴾).

1 / 3 : المنافقون :

1 / 3 / 1 : وصفهم رب العزة بأنهم يزعمون الايمان بالله جل وعلا وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين :  ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴿٨﴾ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٩﴾فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿١٠)﴾ .

1 / 3 / 2 : وذكر رب العزة جل وعلا جانبا من مكرهم وقلبهم الحقائق :( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴿١١﴾ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ ﴿١٢﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَـٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ ﴿١٣﴾ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿١٤﴾ اللَّـهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿١٥﴾ البقرة ) .

1 / 3 / 3 : وقال جل وعلا عن خداعهم : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿١٤٢﴾ النساء ).

2 ـ وتنوعت إستجابة الصحابة حسب الايمان والتقوى والكفر والنفاق :

2 / 1 : الصحابة المتقون الصادفون فى إيمانهم . منهم مهاجرون تركوا أموالهم وبيوتهم وهاجروا فى سبيل الرحمن جل وعلا ، وفى المدينة وجدوا من أهل المدينة من أكرمهم وأثرهم على أنفسهم حتى لو كانوا فقراء ذوى خصاصة. قال جل وعلا يصف أوائك الصحابة المهاجرين الصادقين : ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴿٨﴾ الحشر ) ,فى الآية التالية قال جل وعلا عن الصحابة الأنصار الصادقين : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٩﴾ الحشر )

2 / 2 : مصطلح ( صاحب ) فى القرآن يعنى الصُّحبة فى نفس الزمان والمكان. بالتالى كان كفار العرب الذين عاشوا فى عصر النبى وتعاملوا معه هم ضمن أصحابه . وقد كانوا يهاجمون المؤمنين بعد الهجرة حتى فى الأشهر الحُرُم ، وتحرّج بعض المؤمنين من القتال الدفاعى فى الشهر الحرام ، وسألوا النبى فنزل قوله جل وعلا : (  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّـهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٢١٧﴾ البقرة ). هنا تاكيد إلاهى أن أولئك سيستمرون فى الهجوم الحربى حتى يردوا المؤمنين المسالمين عن دينهم. وأن الذى يرتد عن الاسلام ويموت كافرا فمصيره الخلود فى النار. ( هنا دليل على ان من يرتد يظل حيا حتى موته ، اى ليس هناك : حدّ الرّدّة ).!

3 ـ الصحابة المنافقون :

3 / 1 : كانوا يرفضون القتال الدفاعى  .قال جل وعلا عنهم :( وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّـهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ ﴿٨٦﴾ التوبة ) 

 3 / 2 :  فى الإنفاق المالى :

3 / 2 / 1 : كانوا يقبضون أيديهم عن الإنفاق فى سبيل الله.قال جل وعلا عنهم :( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نسُوا اللَّـهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٦٧﴾ التوبة )

3 / 2 / 2 : كانوا يتزعمون حملة لمنع التبرعات ، قال جل وعلا عنهم :( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّـهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ) ﴿٧﴾ المنافقون )

3 / 2 / 3 : كانوا يسخرون ممّن يتطوع بماله من المؤمنين الأتقياء ، قال جل وعلا :( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّـهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴿٧٩﴾ التوبة )

ثالثا : عقد مقارنات :

1 ـ بين المتقين والكافرين :

لا يخلو المشركون من أعمال صالحة ، وكذلك كان كفار قريش ، وكانوا يعتقدون أن أن سقايتهم للحجاج وتعمير البيت الحرام بالبناء والتشييد يرفع مكانتهم عند الله جل وعلا ، كما هو الحال مع الأسرة السعودية الآن. قال جل وعلا يعقد مقارنة بينهم وبين المؤمنين المتقين المجاهدين فى سبيل الله جل وعلا بأموالهم وأنفسهم: ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿١٩﴾ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّـهِ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴿٢٠﴾ التوبة )

2 ـ بين المتقين والمنافقين :

2 / 1 : فى حصار الكفار للمدينة فى موقعة الأحزاب وعد الله جل وعلا أهل المدينة بالنصر . وتباينت مواقف المؤمنين الصادق والمنافقين .

2 / 1 / 1 : عن المنافقين قال جل وعلا : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴿١٢﴾ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴿١٣﴾ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا ﴿١٤﴾ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّـهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚوَكَانَ عَهْدُ اللَّـهِ مَسْئُولًا ﴿١٥﴾ الاحزاب )  .

2 / 1 / 2 : وقال جل وعلا عن موقف المؤمنين المتقين :(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴿٢٢﴾ِّ منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴿٢٣﴾ الاحزاب )

2 / 2 : فى موقعة ذات العسرة والتى كانت وقت قيظ شديد تباينت المواقف :

2 / 2 / 1 : كان هناك منافقون يستأذنون النبى فى التخلف عن القتال وهم كاذبون ، ويحلفون كذبا يهلكون أنفسهم ، عنهم قال جل وعلا : ( لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚوَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿٤٢﴾ التوبة )، بعدها عاتب رب العزة النبى محمدا على قبول إعتذارهم الكاذب ، فقال له :  ( عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴿٤٣﴾ التوبة  ).

2 / 2 / 2 : بعدها قال جل وعلا فى المقارنة بينهم وبين المؤمنين : ( لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗوَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴿٤٤﴾ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴿٤٥﴾ التوبة )

2 / 3 : وفى مقابل أولئك المنافقين قال جل وعلا عن النبى والمؤمنين : ( لَـٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٨٨﴾ التوبة ) وقال جل وعلا عن مثوبتهم : (أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٨٩﴾ التوبة ).

2 / 4 : كان هناك مؤمنون متقون تمنعهم ظروف قهرية من الجهاد فى سبيل الله جل وعلا بالنفس والمال ، قال جل وعلا : ( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّـهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٩١﴾ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ ﴿٩٢﴾ التوبة ) فى المقابل قال جل وعلا عن المنافقين الذين يستأذنون وهم أصحّاء أغنياء : ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴿٩٣﴾التوبة)

رابعا : لا إجبار ولا إكراه فى الجهاد :

1 ـ هو عمل تطوعى يقوم به من يؤمن بالله جل وعلا واليوم الآخر . وعقاب من يتخلف هو حرمانه من شرف الجهاد بالنفس والمال ، وينتظره العذاب الأليم فى الآخرة. 

2 ـ  عن المنافقين الرافضين للجهاد فى سبيل الله جل وعلا بأموالهم وأنفسهم قال جل وعلا : ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴿٨١﴾ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿٨٢﴾ التوبة ) . عقابهم هو حرمانهم متقبلا من شرف الجهاد الاسلامى ، ثم عذاب أليم فى الآخرة . قال جل وعلا :  ( فَإِن رَّجَعَكَ اللَّـهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖإِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴿٨٣﴾ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴿٨٤﴾ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ  إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴿٨٥﴾ التوبة ).

3 ـ  وليست تبرعاتهم المالية مقبولة ، وينتظرهم عذاب أليم فى الآخرة ، قال جل وعلا : ( قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ ۖ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴿٥٣﴾ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴿٥٤﴾ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴿٥٥﴾ التوبة )

4 ـ : بل كان بعضهم يأمر بالبخل تحديا لرب العزة جل وعلا . قال جل وعلا :

4 / 1 : ( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿٢٤﴾ الحديد )
4 / 2 : وتوعدهم رب العزة جل وعلا بأن يهلكهم فى الدنيا ويستبدل بهم قوما آخرين . قال جل وعلا : ( هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّـهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ﴿٣٨﴾ الحديد )

4 / 3 :وتوعدهم رب العزة جل وعلا بالعذاب فى الآخرة . قال جل وعلا :

4 / 3 / 1 : ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖسَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّـهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿١٨٠﴾ آل عمران )

4 / 3 / 2 : ( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ﴿٣٧﴾ النساء )

5 ـ وعن الذين كانوا يسخرون ممّن يتطوع بماله من المؤمنين الأتقياء ، قال جل وعلا:   (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٨٠﴾ التوبة  ) .

خامسا : النوع الأخطر من المنافقين :

1 ـ أولئك المنافقون فضحوا أنفسهم بأقوالهم وأفعالهم ونزل القرآن الكريم يخبر بأمرهم. الأخطر هم الذين مردوا على النفاق ، إذ لم يصدر منهم قول أو فعل ينبىء ويشير ويشى بما فى قلوبهم من كُفر ،وبالتالى أحاطوا بالنبى محمد ، وكانوا الأقرب اليهم ، ومنهم مهاجرين بعثت بهم قريش جواسيس حول النبى ليختطفوا ( الاسلام ) حين تُتاح لهم الفرصة فيستغلونه لصالح قريش . وهم الذين أصبحوا ( الخلفاء الراشدين ) ومن تبعهم . قال عنهم رب العزة جل وعلا : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴿١٠١﴾ التوبة ). أنبأ رب العزة مقدما أنهم لن يتوبوا عن كفرهم بل سيرتكبون عظائم الكبائر بحيث سيستحقون عليها عذابا دنيويا مرتين ، ثم عذاب عظيم فى الآخرة . ونرجو الرجوع الى كتابنا عن المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ، وهو منشور هنا ، وفيه التفصيل.

2 ـ أولئك الخلفاء الفاسقون هم الذين ذكرهم التاريخ ، بينما أهمل التاريخ المؤمنين الصادقين السابقين بعملهم وبإيمانهم . إذ يكفيهم الخلود فى الجنة ، قال جل وعلا عنهم : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١٠٠﴾ التوبة )

سادسا : لا ننتظر من التاريخ أن يذكر أولئك الصحابة المؤمنين الصادقين . لماذا ؟:

 1 :  لا يهتم التاريخ بالفقراء المغمورين . منهم من لم يكن ثريا غنيا أو صاحب جاه. يكفى وصف رب العزة جل وعلا لهم : ( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّـهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٩١﴾ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ ﴿٩٢﴾ التوبة )

  2 : العادة أن ( عباد الرحمن ) لا يتصدرون المواكب ، ولذا لا تطفو  أخبارهم الى التسجيل التاريخى ، قال جل وعلا : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴿٦٣﴾ الفرقان ).

3 / 3 : وهم أبعد الناس عن الصراع على ( العُلُوّ ) فى الدنيا وحطامها الزائل.   قال جل وعلا عن المتقين أصحاب الجنة : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٨٣﴾ القصص  ).

4 ـ فى المقابل نعيد التذكير بقوله جل وعلا عن مشاهير التاريخ بعد موت خاتم النبيين :  ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴿١٠١﴾ التوبة ).

4 ـ نعيش مع تاريخهم المكتوب فى الحلقة القادمة.

 

  مقارنة بين دين الرحمن ودينهم الشيطانى فى حرب الردة :

1 ـ ابو بكر حاربهم لأنهم طالبهم بدفع الصدقات فرفضوا ، فقال كلمته المشهورة التى ارودها الطبرى : ( لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه ).

2 ـ عرفنا أن الله جل وعلا جعل تقديم الصدقة والانفاق عملا تطوعيا لا إلزام فيه ، بل منع النبى محمدا من قبول نفقات المنافقين. المنافقون كانوا لا يعترفون بذنوبهم بل يصممون عليها يتخذون الحلف الكاذب برب العزة وسيلة. ( المنافقون 1 : 6 ) . وهناك صحابة مؤمنون إعترفوا بذنوبهم فأمرهم رب العزة جل وعلا  أن يقدموا صدقة تطهرهم مقابل أن يستغفر لهم النبى ( التوبة 102 : 104 ). 

3 ـ وعرفنا أن العرب دخلوا أفواجا فى الاسلام السلوكى بمعنى السلام والأمن ، وأن إختيارهم السلام ونبذ الحرب وإحترام العهود والمواثيق تعنى إقامتهم الصلاة وإيتاءهم الزكاة سلوكيا وظاهريا . وهذا هو الذى للبشر الحكم عليه . أما من حيث الايمان القلبى وتزكية النفس بالتقوى ( أى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة قلبيا ) فهذا مرجعه لرب العزة جل وعلا يحكم به على البشر جميعا. بالتالى فإن العرب الذين دخلوا فى الاسلام السلوكى أفواجا فوجئوا بنظام حكم جديد يتسلط عليهم ويأمرهم بدفع الصدقات له ، وكانوا من قبل يتولون هم جمع الصدقات وتوزيعها. لذا رفضوا فأعلن ابو بكر الحرب عليهم .

4 ـ عرفنا أن الاسلام القلبى وما فيه من عبادات ليس فيه إلزام فى دولة الاسلام القائمة على الحرية المطلقة فى الدين وأنه لا إكراه فى الدين ، لأن الحساب فى حق الله جل ( فى الدين ) وعلا مؤجل الى ( يوم الدين ) . وعرفنا انه كان من الصحابة الموصوفين بالذين آمنوا من كان يعبد الأنصاب مع تكرار الأمر الالهى لهم بالإيمان القلبى . بالتالى فإن أبا بكر صادر هذه الحرية الدينية ، خصوصا فى موضوع الصدقات.

فى الفتوحات :

1 ـ عرفنا ان الله جل وعلا دعا المؤمنين فى الدخول فى السلم كافة وألّا يتبعوا خطوات الشيطان ( البقرة 208 ) وأنه جل وعلا حصر القتال فى الدفاع فقط وأن يكون قصاصا بالمثل ( البقرة 190 : 194 ) وأنه جل وعلا أمر بمعاملة من لا يعتدى على المسلمين بالبر والقسط ( الممتحنة 8 )، وأن من ينكث العهود السلمية كل مرة فعلى النبى أن يتعامل معهم بإستقامة ( الانفال 56 : 58 ) ، وأنه جل وعلا حرّم القتال والظلم فى الأشهر الحُرُم وإعتبر النسىء زيادة فى الكفر ( التوبة 36 : 37 )، والنسىء يعنى إستحلال شهر من الأشهر الحرم وتأجيله الى شهر آخر .

2 ـ أبو بكر فى دينه الشيطانى فعل عكس ذلك . بعد أن أخمد حركات الردة بصعوبة رأى ومعه قريش أنه لا بد من شغل الأعراب المرتدين بحرب خارجية تفاجأ بها الحكام من حوله . هذا يستدعى دينا جديدا بدأ أبو بكر بتطبيقه عمليا بالحديد والنار ، وهو أن يصف الأقوام الأخرين بالكفر ويستحل دماءهم واموالهم وأعرضهم ويحتل بلادهم . يقف على أبوابهم مستعدا للهجوم ، ويخيّرهم ــ أو بمعنى أصحّ ــ يرغمهم على قبول الاسلام او الجزية او الحرب . هو يعلم أنه يتعامل مع أمم قوية لا ترضى بهذه الإهانة ، وقد إعتادت الاستهانة بالعرب ، بالتالى فلا بد من ان يدافعوا عن أوطانهم وكرامتهم. أى لا بد من الحرب ، وهى حرب بين عرب  ( جوعى متلهفين على الثروة ويعتبرون حربهم دينا كما أفهمهم ابو بكر وقريش ) وبين أمم مترفة يحكمها مستبدون فاسدون. 

3 ـ لذا كانت تأدية الصلاة فى مواقيتها وبكيفيتها أمرا ضروريا لإقناع العرب أنهم على الحق وأن الآخر هو كافر يستحلون دمه وماله وعرضه وبلاده.

4 ـ ونستشهد ببعض ما جاء فى الطبرى :

4 / 1 : يقول الطبرى عن حملة خالد : ( .. أن أبا بكر رحمه الله وجه خالد بن الوليد إلى أرض الكوفة وفيها المثنى بن حارثة الشيباني فسار في (المحرم) سنة اثنتي عشرة فجعل طريقه البصرة وفيها قطبة بن قتادة السدوسي ) أى سار خالد يغزو باسم ابى بكر فى شهر حرام هو شهر المحرم . واستمرت الحروب لا تعرف توقفا فى الشهور الحُرُم . والهدف هو إلاههم الأعظم : المال والكنوز .

4 / 2 : يذكر الطبرى أنه قبيل موقعة القادسية عام 14 قابل وفد من العرب كسرى ( فأذن لهم وأحضر الترجمان وقال له: سلهم ما جاء بكم وما دعاكم إلى غزونا والولوع ببلادنا؟ أمن أجل أننا تشاغلنا عنكم اجترأتم علينا؟  فقال لهم النعمان بن مقرن إن شئتم أجبت عنكم ومن شاء آثرته فقالوا بل تكلم ..فتكلم النعمان فقال إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولا يدلنا على الخير ويأمرنا به ويعرفنا الشر وينهانا عنه ووعدنا على إجابته خيرالدنيا والآخرة فلم يدع إلى ذلك قبيلة إلا صاروا فرقتين فرقة تقاربه وفرقة تباعده ولا يدخل معه في دينه إلا الخواص فمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث ثم أمر أن ينبذ إلى من خالفه من العرب وبدأ بهم وفعل فدخلوا معه جميعا على وجهين مكره عليه فاغتبط وطائع أتاه فازداد فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق ثم أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين حسن الحسن وقبح القبيح كله فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزاء فإن أبيتم فالمناجزة فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله وأقمناكم عليه على أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم وإن اتقيتمونا بالجزاء قبلنا ومنعناكم وإلا قاتلناكم قال فتكلم يزدجرد فقال إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددا ولا أسوأ ذات بين منكم قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي فيكفونناكم لا تغزون فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم فإن كان عدد لحق فلا يغرنكم منا وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتا إلى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكا يرفق بكم فأسكت القوم فقام المغيرة بن زرارة بن النباش الأسيدي فقال أيها الملك إن هؤلاء رؤوس العرب ووجوههم وهم أشراف يستحيون من الأشراف وإنما يكرم الأشراف الأشراف ويعظم حقوق هذا الرجل كلامنا فتكلم النعمان فقال إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولا يدلنا على الخير ويأمرنا به ويعرفنا الشر وينهانا عنه ووعدنا على إجابته خيرالدنيا والآخرة فلم يدع إلى ذلك قبيلة إلا صاروا فرقتين فرقة تقاربه وفرقة تباعده ولا يدخل معه في دينه إلا الخواص فمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث ثم أمر أن ينبذ إلى من خالفه من العرب وبدأ بهم وفعل فدخلوا معه جميعا على وجهين مكره عليه فاغتبط وطائع أتاه فازداد فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق ثم أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين حسن الحسن وقبح القبيح كله فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزاء فإن أبيتم فالمناجزة فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله وأقمناكم عليه على أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم وإن اتقيتمونا بالجزاء قبلنا ومنعناكم وإلا قاتلناكم قال فتكلم يزدجرد فقال إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددا ولا أسوأ ذات بين منكم قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي فيكفونناكم لا تغزون فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم فإن كان عدد لحق فلا يغرنكم منا وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتا إلى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكا يرفق بكم فأسكت القوم فقام المغيرة بن زرارة بن النباش الأسيدي فقال أيها الملك إن هؤلاء رؤوس العرب ووجوههم وهم أشراف يستحيون من الأشراف وإنما يكرم الأشراف الأشراف ويعظم حقوق الأشراف الأشراف ويفخم الأشراف الأشراف وليس كل ما أرسلوا به جمعوه لك ولا كل ما تكلمت به أجابوك عليه وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك فجاوبني لأكون الذي أبلغك ويشهدون على ذلك إنك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالما فأما ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالا منا وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات فنرى ذلك طعامنا وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم ديننا أن يقتل بعضنا بعضا ويغير بعضنا على بعض وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامنا فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك فبعث الله إلينا رجلا معروفا نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده فأرضه خير أرضنا وحسبه خير أحسابنا وبيته أعظم بيوتنا وقبيلته خير قبائلنا وهو بنفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيها أصدقنا وأحلمنا فدعانا إلى أمر فلم يجبه أحد قبل ترب كان له وكان الخليفة من بعده فقال وقلنا وصدق وكذبنا وزاد ونقصنا فلم يقل شيئا إلا كان فقذف الله في قلوبنا التصديق له واتباعه فصار فيما بيننا وبين رب العالمين فما قال لنا فهو قول الله وما أمرنا فهو أمر الله فقال لنا إن ربكم يقول إني أنا الله وحدي لا شريك لي كنت إذ لم يكن شيء وكل شيء هالك إلا وجهي وأنا خلقت كل شيء وإلي يصير كل شيء وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التي بها أنجيكم بعد الموت من عذابي ولأحلكم داري دار السلام فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق وقال من تابعكم على هذا فله مالكم وعليه ما عليكم ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه انفسكم ومن أبى فقاتلوه فأنا الحكم بينكم فمن قتل منكم أدخلته جنتي ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر وإن شئت فالسيف أو تسلم فتنجي نفسك  )

آثرنا نقل هذا النّص بكامله ، ومنه نفهم الآتى :

4 / 1  ـ إحتقار كسرى للعرب ودهشته من غزوهم بلاده ، ووصفه لهم بالجوع .

4 / 2  ـ كذبهم بأن الله جل وعلا قال ( .. وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التي بها أنجيكم بعد الموت من عذابي ولأحلكم داري دار السلام فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق وقال من تابعكم على هذا فله مالكم وعليه ما عليكم ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه انفسكم ومن أبى فقاتلوه فأنا الحكم بينكم فمن قتل منكم أدخلته جنتي ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه )

4 / 3 ـ تخيير كسرى بين ( الاسلام ) أو ( الجزية ) أو ( الحرب ) . (فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر وإن شئت فالسيف أو تسلم فتنجي نفسك ).!. والنتيجة معروفة مقدما.

5 ـ أى نحن أمام دين شيطانى جديد يناقض الاسلام ، ويطبقه بالحديد والنار. والإله الأعظم فيه هو الثروة والمال . يقول الطبرى عن ( الدهاقين ) أى الذين كانوا يجمعون الأموال لكسرى: (  كان الدهاقين يتربصون بخالد وينظرون ما يصنع أهل الحيرة فلما استقام ما بين أهل الحيرة وبين خالد واستقاموا له أتته دهاقين ...  فصالحوه على ما بين الفلاليج إلى هرمز جرد على ألفي ألف ..وأن للمسلمين ما كان لآل كسرى .. وضرب خالد رواقه في عسكره وكتب لهم كتابا : " بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من خالد بن الوليد لزاذ بن بهيش وصلوبا بن نسطونا : لكم الذمة وعليكم الجزية وأنتم ضامنون لمن نقبتم عليه من أهل البهقباذ الأسفل والأوسط ...  على ألفي ألف ثقيل في كل سنة ... ) .

 ثانيا : مقارنة بين المنافقين الذين فضحهم سلوكهم والذين مردوا على النفاق : 

1 ـ المنافقون الظاهرون كانوا ساذجين عكس الماكرين الذين مردوا على النفاق وكتموا كفرهم وخدعوا النبى محمدا فكانوا الأقرب اليه فتولوا الأمر بعد موته ، وأحدثوا تغييرا هائلا على مستوى العالم ، ذكرهم التاريخ ولكن فى ميزان القرآن هم أكابر المجرمين ، وحق عليهم قول الرحمن جل وعلا : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿١٢٣﴾ الانعام )

2 ـ المنافقون الظاهرون لم يحملوا سلاحا ، وإكتفوا بالإيذاء القولى للنبى والامتناع عن القتال الدفاعى وعن التطوع بالصدقات . ومع أن من يموت منهم على نفاقه فمصيره فى الدرك الأسفل إلا إن من يتوب منهم توبة مقبولة سيكون ( مع المؤمنين ) . قال جل وعلا : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴿١٤٥﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّـهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۖوَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿١٤٦﴾ النساء ). أما الذين مردوا على النفاق فقد أخبر رب العزة جل وعلا ــ وهو علّام الغيوب ــ أنهم لن يتوبوا وأنهم سيرتكبون جرائم يستحقون عليها العذاب الدنيوى مرتين ثم ينتظرهم فى الآخرة عذاب عظيم . قال جل وعلا عنهم : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴿١٠١﴾ التوبة ).

3 ـ إذا كان المنافقون الظاهرون المسالمون فى الدرك الأسفل من النار ، فما هو مصير الخلفاء الفاسقين وأنصارهم ومعارضيهم الخارجين عليهم ، وقد بلغ بغيهم غايته ثم ألصقوا هذا البغى بالاسلام دين السلام والعدل والحرية والرحمة ؟

ثالثا : مقارنة بين الخلفاء الفاسقين والعرب الجاهليين

1 ـ العرب فى الجاهلية كانت تنشب بينهم الغارات طلبا للسلب والنهب والسبى . وعدا ذلك إشتهر ما يعرف ب ( أيام العرب ) وهى حروبهم المحلية ، ومنها : ( داحس والغبراء بين عبس وذبيان ) ( البسوس بين بكر وتغلب  ) ( حليمة بين الغساسنة والمناذرة ) ( الفجار قريش وكنانة ضدغطفان وهوازن ). كانت حروبا ( علمانية ) بلا مزاعم دينية . ولهذا كانت تنتهى ويتم نسيانها . ثم كان ضحاياها بضع آلاف .

2 ـ حروب الخلفاء الفاسقين كانت عالمية ، وبها حازوا الكنوز والثروات وكونوا إمبراطوية ضخمة إمتدت ما بين حدود الصين الى جنوب فرنسا ، تضخّم عدد ضحاياهم من القتلى والسبى والاسترقاق ليصل الى ملايين . ووصل سفك الدماء الى الداخل فى حروب أهلية .

3 ـ لم يكن الخلفاء الفاسقون أول من أسس أمبراطوريات بالاحتلال والقتل والظلم ، ولكنهم يفترقون عن غيرهم بزعمهم أن هذا هو الاسلام . ترتب على هذا :

3 / 1 : تشويه الاسلام .

3/ 2 :الإستمرار فى هذا الظلم بعد أن إكتسب أرضية دينية وتكونت على أساسه أديان أرضية . المحمديون كرروا ويكررون ما فعله الخلفاء الفاسقون .

3 / 3 : الخلفاء الفاسقون هم شرُّ مكانا من المنافقين الذين هم فى الدرك الأسفل من النار. ومع ذلك فقد أصبحوا آلهة مقدسة لدى المحمديين، بدليل الرهبة التى يشعر بها القارىء حين نصفهم بالخلفاء الفاسقين . هذا مع أننا نستشهد بتاريخهم المكتوب ونحتكم فيه الى القرآن الكريم.

3 / 4 : فى دينهم الشيطانى حافظوا على ( تأدية الصلاة ) لتكون مبررا لهم ووسيلتهم فى إرتكاب الإستحلال والبغى والعدوان والإغتصاب والاسترقاق والسلب والنهب . 

 

الفصل الثالث : ( التكفير ) فى الدين الشيطانى للخلفاء الفاسقين 

التكفير وسيلتهم فى إستحلال الدماء والأموال والأعراض

أولا :

 1 ـ حرّم الله جل وعلا قتل النفس إلا بالحق : جاء هذا ضمن الوصايا العشر (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿١٥١﴾الأنعام  )، وتكرر فى قوله جل وعلا :  (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ﴿٣٣﴾الاسراء )

2 ـ أى لا يجوز قتل النفس إلا بالحق ، أى بالتشريع القرآنى الحق ، والله جل وعلا وصف القرآن الكريم بأنه الحق فى تنزيله وفى مضمونه ، قال جل وعلا : ( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴿١٠٥﴾ الاسراء ). وطبقا للتشريع الاسلامى فالمبرر الوحيد لقتل النفس هو القصاص . وهو فى حالتين :

2 / 1 : عقوبة القاتل ، وحتى هنا يمكن تفادى القتل قصاصا بتقديم الدية فى حالات تكون الدية بديلا عن القصاص جاء هذا فى قوله جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٧٨﴾ البقرة )  هو تخفيف عما فرضه رب العزة جل وعلا على بنى اسرائيل : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (٤٥﴾ المائدة ).

2 / 2 : فى القتال الدفاعى ، وهنا يكون رد الإعتداء بمثله قصاصا دون تطرف ، فهذا ما يجب أن يراعيه المسلمون المتقون ، قال جل وعلا : ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿١٩٤﴾  البقرة )

3 ـ وحتى فيما يسمى بالانتحار هو حرام فى الاسلام إلا إذا كان عن إضطرار قال جل وعلا : (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴿٢٩﴾ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾ النساء  ).

ثانيا : أحوال البشر فى قتل النفس :

1 ـ المؤمنون عباد الرحمن يؤمنون بحُرمة قتل النفس . قال جل وعلا ضمن صفاتهم : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴿٦٨﴾الفرقان ) . صفات عباد الرحمن تنطبق على الصحابة المسالمين السابقين عملا وتقوى ، والذين لم يذكرهم التاريخ .

2 ـ المجرمون العاديون يقتلون الآخرين ويقتلون حتى أنفسهم فى سبيل المال. وهم نوعان :

2 / 1 : صغار المجرمين من عصابات الإجرام ، تقتل الآخرين وتقاتل البوليس وتتقاتل فيما بينها. ويضحى أفرادها بحياتهم سعيا للمال والنفوذ الذى يأتى بالمال. ضحاياهم بالمئات والالآف .

2 / 2 : أكابر المجرمين ، وهم الحكام المستبدون الذين يعلون فى الأرض بالفساد والعدوان والمؤامرات ، وإذا وصل أحدهم للحكم يضطر للإستمرار فى القتل والتعذيب ليحمى نفسه وسلطانه . هم أكابر المجرمين الذين قال جل وعلا عنهم : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿١٢٣﴾ الانعام ). نهاية مكرهم خسارة العرش بالقتل أو بالموت أو بالعزل ، ثم عذاب خالد فى السعير. أى هم لا يمكرون إلا بأنفسهم . أكابر المجرمين نوعان :

2 / 2 / 1 : مستبد يقنع بدولته ووطنه . مثل السادات ومبارك وأغلبية المستبدين قديما وحديثا . ضحاياهم من القتلى فى أوطانهم بمئات الألوف وربما بالملايين مثل الخمير الحمر ومستبد بروما الآن الذى يقتل المسلمين الروهينجا.

2 / 2/ 2 : مستبد لا يقنع بدولته وإنما يقيم إمبراطورية بالحروب الهجومية وإحتلال أوطان الآخرين . ضحاياهم بالملايين . هؤلاء المستبدون أكابر المجرمين أيضا نوعان :

2 / 2 / 2 / 1 : أباطرة علمانيون لا يزعمون أن ما يفعلونه دين ، ينطبق هذا على تحتمس الثالث ورمسيس الثانى وقيصر وجنكيزخان وهولاكو ، وهتلر وستالين وموسولينى .

2 / 2 / 2/ 2 : أباطرة يزعمون الخلافة الاسلامية عن الرسول عليه السلام ، ويزعمون أن ما يفعلونه هو دين الرحمن . وحروبهم مؤسسة على دين شيطانى يقوم بتكفير الآخر وإستحلال دمه وماله وبلده وعرضه . وحتى تكون حروبهم مبررة دينيا فلا بد من تأدية ( الصلاة ) . القتال هنا ليس فى سبيل الله جل وعلا بل فى سبيل (المال ) ، وفى سبيل هذا المال يتقربون بالصلاة ( الاسلامية ) من حيث الشكل ، يرجون أن ينصرهم الله على الآخر الذى يعتدون عليه. وبهذا جعلوا رب العزة ( وسيلة ) تقربهم زلفى لمعبودهم الأكبر ، وهو المال ، والنفوذ الذى يأتى بالمال.

2 / 2/ 2/ 3 : هؤلاء إعتبروا المسالمين الذين لم يعتدوا عليهم كفرة يجب غزوهم وإحتلال بلادهم وقتل أبطالهم المدافعين عن الوطن وأهله ، وإستحلال سلبهم ونهبهم وسبى نسائهم وذراريهم. ثم ينسبون هذا لرب العزة جل وعلا.

ثالثا : فى الدين الشيطانى للخلفاء الفاسقين

1 ـ الله جل وعلا جعل الاعتداء الباغى كفرا ، وجعل للبشر تحديد هذا بحسب السلوك الظاهر للغازى المعتدى الباغى . وأيضا فالشعب المُسالم هو الذى لم يعتد ولم يبدأ حربا على شعب مسالم. ولكن الخلفاء الفاسقين قلبوا الوضع ، هم الكفرة المعتدون الباغون ليس فقط على البشر ولكن على رب العزة الذى تمسحوا بدينه وشرعه وإسمه ليرتكبوا هذه الشناعات.

2 ـ تأدية الصلاة ( الاسلامية من حيث الشكل ) تغلّف تاريخ الخلفاء الفاسقين وخصومهم الخوارج . وهذا ما سنتعرض له لاحقا بالتفصيل . ولكن لأن الصلاة وسيلتهم فى عبادة معبودهم الأعظم ( المال ) فسنتوقف هنا مع معبودهم الأعظم وكيف صاغوا له عمليا  عقيدة قتالية وعبادة من الصلاة والتكبير ( الله أكبر )، مما جعل الخلفاء الفاسقين ينتصرون ويرتكبون مذابح هائلة ويحوزون على الملايين من الكنوز ومئات الألوف من السبى . 

3 ـ مجال البحث هو الفتوحات فى عصر الخلفاء الفاسقين أبى بكر وعمر وعثمان . والمصدر الأساس هو تاريخ الطبرى وما نقله عنه ابن الأثير فى تاريخه ( الكامل ) ، وفيه قام ابن الأثير بإنتقاء رواية واحدة من روايات الطبرى فى الموضوع الواحد وتخفّف من ذكر الاسنادات التى ذكرها الطبرى. والإشارات تأتى بين تفصيلات وسطور الروايات عن ( التكفير ) و ( الصلاة ) و ( التكبير ) و ( السبى والسلب ) . لذا تخفيفا على القارىء لن نذكر تفصيلات الرواية بكاملها ، ونكتفى بذكر ما جاء بين سطورها ما يخص الموضوع. ومن يشاء يمكنه الرجوع الى تاريخ الطبرى وتاريخ ابن الأثير ليتأكد مما ننقله .

4 ـ نبدأ بالتكفير وما يعنيه من إستحلال قتال من لم يقاتل العرب وخلفائهم الفاسقين . ننقل النصوص التاريخية ونتمنى أن يتعقلها القارىء :

رابعا : المدافعون عن بلادهم ضد الغزو العربى هم كافرون مشركون :

1 ( كان عمر إذا اجتمع إليه جيش من المسلمين أمر عليهم أميراً من أهل العلم والفقه، فاجتمع إليه جيش من المسلمين، فبعث عليهم سلمة بن قيس الأشجعي. فقال: سر باسم الله، قاتل في سبيل الله من كفر بالله، فإذا لقيتم عدوكم فادعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوا وأقاموا بدارهم فعليهم الزكاة وليس لهم من الفيء نصيب، وإن ساروا معكم فلهم مثل الذي لكم وعليهم مثل الذي عليكم، وإن أبوا فادعوهم إلى الجزية، فإن أجابوا فاقبلوا منهم وإن أبوا فقاتلوهم.. ).

هنا تشريع يضعه (عمر ) فى قتال من لم يقاتلهم . عمر يجعله ب ( إسم الله ) وفى سبيل الله . ويتهم من لم يعتد عليهم بالكفر . وقبل الهجوم عليه يدعونهم الى الاسلام وإلا دفع الزكاة وإلا فالجزية وإن أبوا فالقتال. هذا تشريع الخلفاء الفاسقين المناقض للقرآن الكريم . طبقا للقرآن فمن حق أصحاب البلاد أن يقاتلوا دفاعا عن بلادهم وأنفسهم من هذا الإعتداء ( الكافر ).

2 ـ أى كان وصف أصحاب البلاد بالمشركين لاستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم وإحتلال بلادهم . ونعطى أمثلة من بين سطور الروايات :

 2 / 1 :( وأتاهم الخبر أن الهرمزان قد لحق بتستر، فساروا نحوه وسار النعمان أيضاً وسار حرقوص وسلمى وحرملة وجزء فاجتمعوا على تستر وبها الهرمزان وجنوده من أهل فارس والجبال والأهواز في الخنادق، وأمدهم عمر بأبي موسى وجعله على أهل البصرة، وعلى الجميع أبو سبر، فحاصروهم أشهراً وأكثروا فيهم القتل..  وزاحفهم المشركون أيام تستر ثمانين زحفاً يكون لهم مرة ومرة عليهم.  ). أكثر المعتدون البُغاة القتل فى الأبطال المدافعين عن وطنهم . وأولئك الأبطال المدافعون عن وطنهم وأهاليهم موصوفون بالشرك. 

2 / 2 : ( ذكر خبر بيروذ من الأهواز:...   وتقدم المهاجر فقاتل قتالاً شديداً حتى قتل. ووهن الله المشركين حتى تحصنوا في قلة وذلة...)

2 / 3 : ( ذكر فتح همذان والماهين وغيرهما:لما انهزم المشركون دخل من سلم منهم همذان وحاصرهم نعيم بن مقرن والقعقاع بن عمرو... )

2 / 4 : ( ولما عبر يزدجرد النهر مهزوماً أنجده خاقان في الترك وأهل فرغانة والصغد، فرجع يزدجرد وخاقان إلى خراسان فنزلا بلخ، ورجع أهل الكوفة إلى الأحنف بمرو الروذ، ونزل المشركون عليه بمرو أيضاً.). هرب يزدجر بعد أن هزمه العرب المعتدون ووفد اليه أتباعه ( المشركون ).!!

خامسا : البُغاة يسمون أنفسهم بالمسلمين ، والمعتدى عليهم هم المشركون .

1 ـ ( فجمع عمر الناس واستشارهم، وقال لهم: هذا يوم له ما بعده، وقد هممت أن أسير فيمن قبلي ومن قدرت عليه فأنزل منزلاً وسطاً بين هذين المصرين ثم أستنفرهم وأكون لهم ردءاً حتى يفتح الله عليهم ويقضي ما أحب، فإن فتح الله عليهم صبيتهم في بلدانهم.... فقام عثمان فقال: أرى يا أمير المؤمنين أن تكتب إلى أهل الشام فيسيروا من شامهم، وإلى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم، ثم تسير أنت بأهل الحرمين إلى الكوفة والبصرة فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين.. ). هنا وصف الأخرين بالمشركين ووصف أنفسهم بالمسلمين.

2 ـ ( ذكر يوم عماس:  .. ثم أصبحوا اليوم الثالث وهم على مواقفهم، وبين الصفين من قتلى المسلمين ألفان من جريحٍ وميتٍ، ومن المشركين عشرة آلاف، فجعل المسلمون ينقلون قتلاهم إلى المقابر والجرحى إلى النساء، وكان النساء والصبيان يحفرون القبور، وكان على الشهداء حاجب بن زيد. وأما قتلى المشركين فبين الصفين لم ينقلوا، وكان ذلك مما قوى المسلمين...ثم حمل على المشركين يقاتلهم حتى خرق صفهم إلى العتيق ثم عاد.وكان المشركون قد باتوا يعملون توابيتهم حتى أعادوها وأصبحوا على مواقفهم.. فحمل وضرب فيهم حتى ستره الغبار وحمل أصحابه فأفرج المشركون عنه بعدما صرعوه.. فبقي الفيل جريحاً متحيراً بين الصفين كلما جاء صف المسلمين وخزوه وإذا أتى صف المشركين نخسوه. وولى الفيل،.... وكتب سعد إلى عمر بالفتح وبعدة من قتلوا وبعدة من أصيب من المسلمين، وسمى من يعرف مع سعد بن عميلة الفزاري. وكان عمر يسأل الركبان من حين يصبح إلى انتصاف النهار عن أهل القادسية ثم يرجع إلى أهله ومنزله، قال: فلما لقي البشير سأله من أين؟ فأخبره، قال: يا عبد الله حدثني. قال: هزم الله المشركين. ). هنا يتردد وصفهم لأنفسهم بالمسلمين ووصف المعتدى عليهم بالمشركين .

3 ـ وقعة أليس.. على الفرات  : .. واقتتلوا قتالاً شديداً والمشركون يزيدهم ثبوتاً توقعهم قدوم بهمن جاذويه، فصابروا المسلمين، فقال خالد: اللهم إن هزمتهم فعلي أن لا أستبقي منهم من أقدر عليه حتى أجري من دمائهم نهرهم. ) . وصف شجعان بلد أليس بالمشركين ، ووصف المعتدون أنفسهم بالمسلمين .وخالد المعتدى عليهم بجيشه يقسم لو هزمهم سيجعل نهرهم يجرى بدمائهم . جريمتهم أنهم أبطال يدافعون عن بلادهم. 

4 ـ ( وفيها بعث عمر إليها عبد الله بن عبد الله بن عتبان، وكان شجاعاً من أشراف الصحابة ومن وجوه الأنصار حليف لبني الحبلى، وأمده بأبي موسى، وجعل على مجنبتيه عبد الله بن ورقاء الرياحي وعصمة بن عبد الله، فساروا إلى نهاوند... وسار عبد الله فيمن كان معه ومن تبعه من جند النعمان بنهاوند، نحو أصبهان، وعلى جندها الاستندار، وعلى مقدمته شهربراز بن جاذويه، شيخ كبير، في جمع عظيم، فالتقى المسلمون ومقدمة المشركين برستاق لأصبهان، فاقتتلوا قتالاً شديداً ..). ما علاقة أصفهان الفارسية بالعرب فى جزيرتهم ؟ وما الذى جاء بجيوش العرب الى هذه المنطقة ؟. اللهم سوى الغزو والبغى. ثم يسمى العرب البُغاة أنفسهم مسلمين ويصفون من يعتدون عليهم بالمشركين.

5 ـ (فإذا هم بالقعقاع بن عمرو وقد أخذ به، فانهزم المشركون عن المجال يمنة ويسرة فهلكوا فيما أعدوا من الحسك، فعقرت دوابهم وعادوا رجالة واتبعهم المسلمون فلم يفلت منهم إلا من لا يعد، وقتل يومئذٍ منهم مائة ألف، فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه فسميت جلولاء بما جللها من قتلاهم، فهي جلولاء الوقيعة.). قتل العرب المعتدون مائة ألف من المدافعين عن وطنهم ، وهذا بعد أن جعلوهم مشركين.

6 ـ ( ذكر فتح ماسبذان:   فأرسل إليهم ضرار بن الخطاب في جيش، فالتقوا بسهل ماسبذان فاقتتلوا، فأسرع المسلمون في المشركين، وأخذ ضرار آذين أسيراً فضرب رقبته. ). نفس الوصف للمعتدين بأنهم مسلمون ، والمدافعين بأنهم مشركون ، وقد قتلوا قائد الجيش بعد أن أسروه .

7 ـ ( فلما التقى المسلمون والمقوقس بعين الشمس واقتتلوا جال المسلمون، فذمرهم عمرو، فقال له رجل من اليمن: إنا لم نخلق من حديد. فقال له عمرو: اسكت، إنما أنت كلب. قال: فأنت أمير الكلاب. فنادى عمرو بأصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، فأجابوه، فقال: تقدموا فبكم ينصر الله المسلمين، فتقدموا وفيهم أبو بردة وأبو برزة وتبعهم الناس، وفتح الله على المسلمين وظفروا وهزموا المشركين ). هؤلاء لم يهاجموا العرب فى جزيرتهم ولكن عمرو بن العاص وعمر بن الخطاب يعتبرونهم مشركين ويعتبرون أنفسهم مسلمين .

 8 ـ ( ذكر خبر سلمة بن قيس الأشجعي والأكراد:قال: فساروا حتى لقوا عدواً من الأكراد المشركين فدعوهم إلى الإسلام أو الجزية، فلم يجيبوا، فقاتلوهم فهزموهم وقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية فقسمه بينهم، ورأى سلمة جوهراً في سفط فاسترضى عنه المسلمين وبعث به إلى عمر.) . الأكراد هم مشركون مع أنهم لم يسبق لهم الإعتداء على العرب فى جزيرتهم. وجعلوا أنفسهم مسلمين .!.

9 :( فما كانت بين المسلمين والفرس وقعة أبقى رمة منها، بقيت عظام القتلى دهراً طويلاً، وكانوا يحرزون القتلى مائة ألف، وسمي ذلك اليوم الأعشار...  وقتل المشركون فيما بين السكون اليوم وضفة الفرات وتبعهم المسلمون إلى الليل ومن الغد إلى الليل.) . هذا تقدير لعدد القتلى من الأبطال المدافعين عن وطنهم وأهاليهم ، وهم مشركون بينما يسمى المجرمون الكفار أنفسهم مسلمين .!!

10 : ( والفرس بالخيار لا يخرجون إلا إذا أرادوا الخروج، فخاف المسلمون أن يطول أمرهم، حتى إذا كان ذات يوم في جمعة من الجمع تجمع أهل الرأي من المسلمين وقالوا: نراهم علينا بالخيار. وأتوا النعمان ... فتكلم النعمان فقال: قد ترون المشركين واعتصامهم بخنادقهم ومدنهم وأنهم لا يخرجون إلينا إلا إذا شاؤوا ولا يقدر المسلمون على إخراجهم، وقد ترون الذي فيه المسلمون من التضايق، فما الرأي الذي به نستخرجهم إلى المناجزة وترك التطويل؟.) البُغاة هم المسلمون. والضحايا عندهم مشركون .
11 :  ( فاقتتلوا. فلما أظلم الليل عليهم انهزم المشركون وذهبوا ولزمهم المسلمون وعمي عليهم قصدهم فتركوه وأخذوا نحو اللهب الذي كانوا دونه بأسبيذهان فوقعوا فيه، فكان الواحد منهم يقع فيقع عليه ستة بعضهم على بعضهم في قياد واحد فيقتلون جميعاً، وجعل يعقرهم حسك الحديد، فمات منهم في اللهب مائة ألف أو يزيدون سوى من قتل في المعركة.). البُغاة قتلوا من ( المشركين ) أى الأبطال المدافعين عن وطنهم وأهاليهم أكثر من مائة ألف .
12 : ( ذكر فتح قزوين وزنجان:... ثم غزا قزوين، فلما بلغ أهلها الخبر أرسلوا إلى الديلم يطلبون النصرة فوعدوهم، ووصل المسلمون إليهم فخرجوا لقتالهم والديلم وقوفٌ على الجبل لا يمدون يداً، فلما رأى أهل قزوين ذلك طلبوا الصلح على صلح أبهر؛ وقال بعض المسلمين:

قد علم الديلم إذ تحارب ** حين أتى في جيشه ابن عازب

بأن ظن المشركين كاذب    فكم قطعنا في دجى الغياهب ).

قبائل الديلم واهل قزوين لم يكن لهم علم بالعرب أصلا ، ولكنهم مشركون ،بينما المعتدون الذين هاجموهم وقطعوا آلاف الأميال هم مسلمون !!

13 : نفس الحال :

13 / 1 :( ودخل المشركون همذان والمسلمون في آثارهم فنزلوا عليها وأخذوا ما حولها. )

13 / 2 :( ذكر فتح كرمان:ثم قصد سهيل بن عدي كرمان، ولحقه أيضاً عبد الله بن عبد الله بن عتبان، وعلى مقدمة سهيل بن عدي النسير بن عمرو العجلي وحشد لهم أهل كرمان واستعانوا عليهم بالقفص، فاقتتلوا في أداني أرضهم، ففض الله تعالى المشركين وأخذ المسلمون عليهم الطريق...)

13 / 3 : ( وكان أهل إصطخر حيث أخذوا الطريق على المسلمين، فجمعوا أهل فارس عليهم فجاؤوا من كل جهة فالتقوا هم وأبو سبرة بعد طاووس وقد توافت إلى المسلمين أمدادهم، وعلى المشركين شهرك، فاقتتلوا ففتح الله على المسلمين وقتل المشركين وأصاب المسلمون منهم ما شاؤوا.. ).

13/ 4 : ( فاقتتلوا ففتح الله على المسلمين وقتل المشركين وأصاب المسلمون منهم ما شاؤوا.. ).

13 / 5 : ( ودخل المسلمون وألقى المشركون بأيديهم ونادوا: الصلح الصلح. فأجابهم إلى ذلك المسلمون بعدما دخلوها عنوةً، واقتسموا ما أصابوا.)

13 / 6 : (  .. فخرج إليه المغيرة بن شعبة فلقيهم بالمرغاب فاقتتلوا. فقال نساء المسلمين: لو لحقنا بهم فكنا معهم، فاتخذن من خمرهن رايات وسرن إلى المسلمين. فلما رأى المشركون الرايات ظنوا أن مدداً للمسلمين قد أقبل فانهزموا وظفر بهم المسلمون. وكتب إلى عمر بالفتح .. )

13 / 7 :( ذكر يوم أرماث:لما عبر الفرس العتيق جلس رستم على سريره ...   وبقيت القنطرة بين خيلين من خيول المسلمين وخيول المشركين، وكان صف المشركين على شفير العتيق، وكان صف المسلمين مع حائط قديس والخندق، فكان المسلمون والمشركون بين الخندق والعتيق، ومع الفرس ثلاثون ألف مسلسل وثلاثون فيلاً تقاتل..وقيل: إن هلالاً لما قصد رستم رماه رستم بنشابة أثبت قدمه بالركاب، فحمل عليه هلال فضربه فقتله ثم احتز وعلقه ونادى: قتلت رستم! فانهزم قلب المشركين.).

13 / 8 : ( وسار أبو موسى إلى البصرة من السوس وصار مكانه على أهل البصرة بالسوس المقترب بن ربيعة، واجتمع الأعاجم بنهاوند.... فتقطعت السلاسل وتكسرت الأغلاق وتفتحت الأبواب ودخل المسلمون وألقى المشركون بأيديهم ونادوا: الصلح الصلح. فأجابهم إلى ذلك المسلمون بعدما دخلوها عنوةً، واقتسموا ما أصابوا.).

 خامسا : الذين يثورون على الاحتلال العربى كفرة مشركون مرتدون

بعض أصحاب البلاد التى خضعت للعرب ما لبث أن ثارت لتستعيد حريتها ، وهذا حق مشروع فى تشريع الرحمن . ولكن العرب إعتبروه كفرا . وتردد هذا فى روايات كثيرة ، نقتطف منها :

  1 :  (ذكر فتح همذان ثانيا .. قد تقدم مسير نعيم بن مقرن إلى همذان وفتحها على يده ويد القعقاع بن عمرو، فلما رجعا عنها كفر أهلها مع خسروشنوم .) . كفر أهلها بمعنى ثورتهم على الاحتلال العربى.

  2 : بعد هروب كسرى يزدجر ، تقول الرواية : ( وأقام يزدجرد ببلد الترك، فلم يزل مقيماً زمن عمر كله إلى أن كفر أهل خراسان زمن عثمان وكان يكاتبهم ويكاتبونه. ) . كفر أهل خراسان يعنى ثاروا على إحتلال العرب.

  3 :  ( فلما وقعت الفتنة بعد معاوية كفر الشاه وغلب على آمل ) . هذا حاكم فارسى أذعن للغزو العربى فلما تقاتل على ومعاوية ثار فأصبح عندهم كافرا . 

 

الفصل الرابع : الصلاة الشيطانية للخلفاء الفاسقين فى سبيل المال ــ إلاههم الأعظم

مقدمة

 1 ـ الصلاة الاسلامية ليست مجرد حركات قيام وركوع وسجود وكلمات تُقال ، فهكذا كانت تفعل قريش فى تأديتها السطحية للصلاة . وهى بهذا الشكل أقرب ما تكون الى اللهو واللعب ، وهذا وصف رب العزة جل وعلا لصلاتهم عند البيت الحرام، قال جل وعلا يهددهم بعذاب الآخرة : (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35) الانفال  ). حافظت قريش هلى تأدية صلاة سطحية تؤدى نفس الصلاة الابراهيمية التى نعرفها الآن ، ولكن بلا خشوع وبلا تقوى . الصلاة الاسلامية هى أن تخشع لربك وانت تصلى له ، ثم أن تنهاك صلاتك عن الفحشاء والمنكر ، قال جل وعلا يأمر ويحذّر :( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴿٤٥﴾ العنكبوت ). بدون ذلك تصبح الصلاة وسيلة للفسوق والعصيان ، أى فطالما تُصلّى فلا عليك مهما فعلت .

2 ـ بدخول قريش ظاهريا فى الاسلام مالبث أن تولت قيادة المسلمين عبر حواسيسها الذين مردوا على النفاق ثم اصبحوا الخلفاء الفاسقين ، وبهم كان غزو وإحتلال إمتد من أواسط آسيا الى شمال إفريقيا ( من خلافة أبى بكر الى خلافة عثمان ) . فى هذا الغزو إحتاج الغزاة  للمبالغة فى ( تأدية ) هذه الصلاة السطحية. أقنعت قريش الأعراب إن الغزو الاحتلال والبغى والسلب والسبى لمن ليس منهم هو فريضة اسلامية ، لذا كان لا بد أن يصاحب جهادهم هذا تأدية لصلاة سطحية تؤكد لهم إقتناعهم بأنهم على الحق .  وهنا يبدو التناقض هائلا بين المؤمن الخاشع الذى يصلى ويخاطب ربه فى الصلاة قائلا ( إهدنا الصراط المستقيم ) 17 مرة يوميا ، ثم إذا عرضت له معصية بين الصلوات تذكر دعاءه لربه جل وعلا وقوله ( إهدنا الصراط المستقيم ) فيخجل من نفسه إذ كيف يعصى ثم كيف له فى الصلاة التالية يقول لربه جل وعلا ( إهدنا الصراط المستقيم ) . فكانوا يؤدون الصلاة لتساعدهم على ارتكاب أفظع الظلم ، وجعلوها وسيلة تقربهم الى الحصول على إلاههم العظم ( المال ). 

3 ـ من الحُمق الاعتقاد بأن حديث رب العزة عن مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون فى المدينة ( التوبة  107 : 110 ) كان مجرد تاريخ انتهى ومضى ولم يتكرر . مسجد الضرار هو الذى يُستخدم فى الاضرار بالناس ، بالتناقض مع دور المسجد الذى يجب أن يكون مكانا آمنا للتقوى والاخلاص فى العبادة لرب العزة وحده لا شريك له . مسجد الضرار يجمع بين الكفر الاعتقادى بتقديس البشر والحجر ( كما كانت تفعل قريش بمساجدها : ( الجن 18 : 23 ) وفى الكفر السلوكى بالاعتداء والظلم ، وهذا أيضا كانت تفعله قريش فى إرهابها المؤمنين ومنعهم من دخول مساجد الله جل وعلا ( البقرة 114 ) . وجمعت قريش بين النوعين فى إستخدامها للبيت الحرام ( التوبة 17 : 18 ) ، ثم أعادت قريش فى خلافة الفاسقين مسيرة مساجد الضرار ، فنشروها فى البلاد إحتلوها ، وما لبث أن اصبحت فيما بعد مراكز للإقتتال الأهلى ، ولا تزال تؤدى نفس الدور. .

4 ـ الصلاة كانت معروفة بمواقيتها وركعاتها ضمن شعائر ملة ابراهيم والتى تشمل الصيام والحج والتسبيح وإخلاص القلب لرب العزة جل وعلا ، بحيث تكون العبادات وسائل للتقوى  ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿٢١﴾ البقرة )،  والتقوى تنعكس فى السلام والعدل والابتعاد عن الظلم فى التعامل مع الناس ، وعدم تقديس المخلوقات . قريش حافظت على شكل الصلاة وارتكبت فظائع فى إستغلال البيت الحرام مركزا لتقديس آلهة العرب ، وإضطهاد النبى والمؤمنين ، وبهذا أضاعوا ثمرة صلاتهم  كما حدث للسلف السىء قبلهم والذين قال عنهم رب العزة جل وعلا : ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴿٥٩﴾ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴿٦٠﴾ مريم )

5 ـ المنافقون فى عصر النبى محمد عليه السلام كانوا يؤدون صلاة سطحية بلا تقوى يراءون فيها الناس ، قال عنهم جل وعلا : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿١٤٢﴾ النساء )( وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴿٥٤﴾ التوبة ). لذا لم تنههم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر ، بل كانوا يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف،قال جل وعلا عنهم : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّـهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٦٧﴾ التوبة ) وقال جل وعلا عن العذاب الذى ينتظرهم : ( وَعَدَ اللَّـهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّـهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴿٦٨﴾ التوبة ). الأسوا منهم هم الذين مردوا على النفاق وأصبحوا الخلفاء الفاسقين بعد موت خاتم النبيين . المنافقون الصُّرحاء لم يرفعوا سلاحا ولم يسلبوا أموال الناس ولم يسبوا الأحرار. الخلفاء الفاسقون إرتكبوا هذا كله وهم يؤدون صلاتهم الشيطانية. لم يعد هناك وحى قرآنى يتنزل يفضحهم كما كان الحال فى حياة النبى محمد عليه السلام فى المدينة ،فإنطلقوا يفعلون ما يشاءون من غزو وأحتلال وسبى وسلب تعززه صلاة مظهرية شيطانية ، حافظوا على تأديتها  حتى وقت المعارك ، سواء كانت غزوا للآخرين أو حربا أهلية .  

6 ــ الانغماس فى الظلم والبغى مع ( تأدية ) الصلاة  تأدية سطحية يعنى أن تتحول الصلاة الى صلاة شيطانية أى وسيلة تبرر الظلم وتؤكده وتساعد عليه، أى بدلا من أن تكون وسيلة للتقوى تصبح وسيلة للإثم والعدوان .   

7 ـ  ونعرض لتأديتهم الصلاة فى غزوهم .  

أولا :  التحريض على القتال الباغى بالصلاة الشيطانية

1 ـ  : (ذكر غزوة فارس من البحرين:... فخرجوا في إصطخر وبإزائهم أهل فارس وعلى أهل فارس الهربذ اجتمعوا عليه فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم فقام خليد في الناس فقال أما بعد فإن الله إذا قضى أمرا جرت به المقادير حتى تصيبه وإن هؤلاء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم وإنما جئتم لمحاربتهم والسفن والأرض لمن غلب فاستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالا شديدا في موضع من الأرض يدعى طاوس ). لاحظ : (والأرض لمن غلب ) هذا تشريع كافر ظالم . ويستعينون على تنفيذه بالصلاة وبالصبر : ( فاستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) لذا إستجابوا له : ( فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالا شديدا )

2 ـ ( وخطب الناس يومئذٍ، وهو يوم الاثنين من المحرم سنة أربع عشرة، وحثهم على الجهاد وذكرهم ما وعدهم الله من فتح البلاد وما نال من كان قبلهم من المسلمين من الفرس، وكذلك فعل أمير كل قوم، ... وأمر سعد الناس بقراءة سورة الجهاد، وهي الأنفال، فلما قرئت هشت قلوب الناس وعيونهم وعرفوا السكينة مع قراءتها. فلما فرغ القراء منها قال سعد: الزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر، فإذا صليتم فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا، فإذا سمعتم الثانية فكبروا والبسوا عدتكم. ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا ولينشط فرسانكم الناس، فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعاً حتى تخالطوا عدوكم وقولوا لا حول ولا قوة إلا بالله. فلما كبر سعد الثالثة برز أهل النجدات فأنشبوا القتال.. ... ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضاً وخالطوا القوم واستقبلوا الليل استقبالاً بعد ما صلوا العشاء، وكان صليل الحديد فيها كصوت القيون ليلتهم إلى الصباح، وأفرغ الله الصبر عليهم إفراغاً، وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها، ورأى العرب والعجم أمراً لم يروا مثله قط، وانقطعت الأخبار والأصوات عن سعد ورستم، وأقبل سعد على الدعاء، فلما كان عند الصبح انتمى الناس فاستدل بذلك على أنهم الأعلون، ) لاحظ : (  الزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر، فإذا صليتم فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا، فإذا سمعتم الثانية فكبروا والبسوا عدتكم. ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا ولينشط فرسانكم الناس ..) ( .. ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضاً وخالطوا القوم واستقبلوا الليل استقبالاً بعد ما صلوا العشاء، وكان صليل الحديد فيها كصوت القيون ليلتهم إلى الصباح،)

ثانيا : تأدية الصلاة الشيطانية حتى وقت إشتداد القتال :

1 ـ ( فى معركة جلولاء :  .... فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقاتلوا المسلمين مثله في موطن من المواطن حتى أنفدوا النبل وحتى أنفدوا النشاب وقصفوا الرماح حتى صاروا إلى السيوف والطبرزينات فكانوا بذلك صدر نهارهم إلى الظهر ولما حضرت الصلاة صلى الناس إيماء حتى إذا كان بين الصلاتين خنست كتيبة وجاءت أخرى فوقفت مكانها ). لاحظ: (ولما حضرت الصلاة صلى الناس إيماء حتى إذا كان بين الصلاتين خنست كتيبة وجاءت أخرى فوقفت مكانها )

2 ـ  ( وعطف عليهم النعمان فضرب عسكره ثم عبى كتائبه وخطب الناس فقال إن اصبت فعليكم حذيفة بن اليمان وإن أصيب فعليكم جرير بن عبدالله وإن أصيب جرير بن عبدالله فعليكم قيس بن مكشوح ..   فقال النعمان نصلي إن شاء الله ثم نلقى عدونا دبر الصلاة فلما تصافوا قال النعمان للناس إني مكبر ثلاثا فإذا كبرت الأولى فشد رجل شسعه وأصلح من شأنه فإذا كبرت الثانية فشد رجل إزاره وتهيأ لوجه حملته فإذا كبرت الثالثة فاحملوا عليهم فإني حامل .. ) . لاحظ : (نصلي إن شاء الله ثم نلقى عدونا دبر الصلاة )

3 ـ  ( وخرج عبدالله بن عامر من البصرة يريد خراسان فسبق سعيدا ونزل أبرشهر وبلغ نزوله أبرشهر سعيدا فنزل سعيد قومس وهي صلح صالحهم حذيفة بعد نهاوند فأتى جرجان فصالحوه على مائتي ألف ثم أتى طميسة وهي كلها من طبرستان جرجان وهي مدينة على ساحل البحر وهي في تخوم جرجان فقاتله أهلها حتى صلى صلاة الخوف فقال لحذيفة كيف صلى رسول الله فأخبره فصلى بها سعيد صلاة الخوف وهم يقتتلون . )  . لاحظ (فقاتله أهلها حتى صلى صلاة الخوف فقال لحذيفة كيف صلى رسول الله فأخبره فصلى بها سعيد صلاة الخوف وهم يقتتلون .  ). عبد الله عامر عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمسـ ابن عم الأمويين ، ومولود فى مكة بعد ثلاث سنوات من هجرة النبى محمد الى المدينة . ثم دخل فى الاسلام بعد فتح مكة ، ومالبث أن صار من قادة البغى المسمى بالفتوحات ولصيقا بالأمويين حتى لقد زوجه معاوية ابنته. كان لا يعرف صلاة الخوف لأنها من التشريعات الجديدة فى الصلاة والتى نزلت فى المدينة .

ثالثا :  الصلاة الشيطانية إحتفالا بعد إنتصار البغى :

1 ـ ( فتح المدائن عام 16 : .... واتخذ سعد إيوان كسرى مصلى ولم يغير ما فيه من التماثيل.  ..ولما دخل سعد الإيوان قرأ( كم تركوا من جناتٍ وعيونٍ وزروعٍ)  إلى قوله(قوماً آخرين)؛ وصلى فيه صلاة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينهن ولا يصلي جماعة، وأتم الصلاة لأنه نوى الإقامة، وكانت أول جمعة بالعراق، وجمعت بالمدائن في صفر سنة ست عشرة.) . هنا إبتداع فى صلاتهم الشيطانية هى صلاة الفتح (وصلى فيه صلاة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينهن ولا يصلي جماعة، وأتم الصلاة لأنه نوى الإقامة، وكانت أول جمعة بالعراق، وجمعت بالمدائن في صفر سنة ست عشرة  )

2 ـ ( وكان فتح المدائن في صفر سنة ست عشرة قالوا ولما دخل سعد المدائن أتم الصلاة وصام وأمر الناس بإيوان كسرى فجعل مسجدا للأعياد ونصب فيه منبرا فكان يصلي فيه وفيه التماثيل ويجمع فيه فلما كان الفطر قيل ابرزوا فإن السنة في العيدين البراز فقال سعد صلوا فيه قال فصلي فيه .  ). تحول ايوان كسرى الى مسجد ، وتركوا ما فيه من ( تماثيل ) أى ( أصنام ). فكان سعد بن أبى وقاص يصلى فيه ويجمع فيه الناس فى الصلاة وصلاة العيد . ضمن طقوس الاحتفالات بإنتصارهم الباغى.

أخيرا :إغتيال عمر وهو يصلى صلاته الشيطانية :

1 ـ إغتاله أحد ضحاياه ، وهو أبو لؤلؤة المجوسى . وقد كان طفلا من أطفال السبى عاش معاناتهم ، وجىء به للمدينة فرأى معسكرات لأطفال السبى وهم فيها يبكون ، فكان يبكى لبكائهم . وصصم على إغتيال عمر ، فقتله وهو يصلى صلاته الشيطانية ، ثم إنتحر أبو لؤلؤة المجوسى . تقول الرواية (  فلما أصبح خرج عمر إلى الصلاة وكان يوكل بالصفوف رجالاً فإذا استوت كبر، ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته، وقتل معه كليب بن أبي البكير الليثي وكان خلفه، وقتل جماعة غيره...)  ( ولما احتضر ورأسه في حجر ولده عبد الله قال:
ظلومٌ لنفسي غير أني مسلمٌ ** أصلي الصلاة كلها وأصوم ).

2 ـ عليه وعليهم لعنة الله جلا وعلا والملائكة والناس أجمعين.

3 ـ لا أقصد أبا لؤلؤة المجوسى بالطبع ..

 

 

 

الفصل الخامس : فى دينهم الشيطانى : الخلفاء الفاسقون إستخدموا رب العزة جل وعلا للقتال فى سبيل المال إلاههم الأعظم 

مقدمة :

1 ـ نضطر الى القول بأن الخلفاء الفاسقين ( أبو بكر وعمر وعثمان) إستخدموا رب العزة جل وعلا فى إستحلال الدماء والأموال والأعراض ، أى جعلوا رب العزة جل وعلا وسيلة للحصول على المال إلاههم الأعظم . هناك أكابر المجرمين من الغزاة والمحتلين الذين رفعوا شعارات دنيوية شتى ، ولكن هؤلاء الخلفاء الفاسقين جعلوا رب العزة جل وعلا وسيلة للحصول على المال إلاههم الأعظم  .

2 ـ فارق هائل بينهم وبين المؤمنين الموصوفين فى قوله جل وعلا : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ  ) ٢﴾الأنفال ) (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴿٣٤﴾ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) 35 ) الحج). هؤلاء الكفرة الفجرة كانوا يذكرون إسم الله جل وعلا فى أفظع عصيان لله جل وعلا ، بل يعتبرون هذا دينا وعبادة . هو فعلا دين ولكنه دين شيطانى ، وهى فعلا عبادة ولكنها عبادة شيطانية ، ولكن يزينونها زورا وبهتانا بإسم الله العظيم .

3 ـ تلاعب الشيطان بالعرب والقرشيين وقت نزول القرآن الكريم ، فجعلهم :

3 / 1 : ينسبون وقوعهم فى الفاحشة الى أوامر رب العزة جل وعلا. ذكر هذا رب العزة وردّ عليه. قال جل وعلا : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٢٧﴾ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّـهُ أَمَرَنَا بِهَا  قُلْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٢٨﴾ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ﴿٢٩﴾ الاعراف )

3 / 2 : ينسبون عبادتهم للملائكة الى مشيئة الرحمن جل وعلا ، قال جل وعلا عنهم : ( وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُم ۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴿٢٠﴾ الزخرف )

3 / 3 : ينسبون وقوعهم فى الشرك وتحريم الحلال الى مشيئة الرحمن ، قال جل وعلا : ( وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) ﴿٣٥﴾ النحل ). أى هى عادة سيئة فعلها الذين كفروا من قبلها ، وسيفعلها الذين كفروا من بعدهم سيقولون نفس الإفك ، لذا قال جل وعلا بصيغة المستقبل : ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴿١٤٨﴾ الانعام ). قالتها قريش وقالها من سبقهم وسيقولها من سيأتى بعدهم لأنهم أولياء الشيطان ، يشاءون الوقوع فى الشرك والكفر ثم ينسبون هذا الى مشيئة الرحمن جل وعلا . هذا مع إنه تكرر فى القرآن الكريم أن الانسان هو الذى يختار الهدى أو يختار الضلال (الاسراء 107) ( الكهف 29 )  ، والله جل وعلا يزيد الضال ضلالا ويزيد المهتدى هدى، ( مريم  75 : 76) ( محمد 17)( البقرة 10)( العنكبوت 68 : 69 ) وهذا بمجرد أن يشاء فتأتى مشيئة الله تؤكد ما شاءه الانسان لنفسه : ( الانسان 29 : 30 ) ( التكوير 26 ـ ).

4 ـ الشيطان جعل الخلفاء الفاسقين الغُزاة البُغاة ينسبون هذا البغى الى رب العزة جل وعلا الذى حرّم الظلم والعدوان والبغى وأمر بالعدل والقسط . قال جل وعلا : (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ النحل ). وعظهم رب العزة لعلهم يتذكرون ، فلم يتذكروا بل فى تطرف فى الكفر إستخدموا إسم الله جل وعلا فى بغيهم وعدوانهم وظلمهم. أى جعلوا رب العزة جل وعلا وسيلة لتحقيق مطامعهم فى المال : إلاههم الأكبر. عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

5 ـ ونستشهد ببعض ما جاء فى الروايات التاريخية عن إستخدامهم رب العزة جل وعلا فى بغيهم وعدوانهم : 

أولا : البغى بإسم الله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا )

1 ـ ( كان عمر إذا اجتمع إليه جيش من المسلمين أمر عليهم أميراً من أهل العلم والفقه، فاجتمع إليه جيش من المسلمين، فبعث عليهم سلمة بن قيس الأشجعي. فقال: سر باسم الله، قاتل في سبيل الله من كفر بالله، ). ( لاحظ : سر باسم الله، قاتل في سبيل الله من كفر بالله. ).!

2 ـ  القسم بإسم الله على قتل الجميع : فى وقعة أليس.. على الفرات  : (.. واقتتلوا قتالاً شديداً والمشركون يزيدهم ثبوتاً توقعهم قدوم بهمن جاذويه، فصابروا المسلمين، فقال خالد: اللهم إن هزمتهم فعلي أن لا أستبقي منهم من أقدر عليه حتى أجري من دمائهم نهرهم. ) نذر لله إن إنتصر على المدافعين عن وطنهم أن يقتلهم جميعأ .

ثانيا : النصر الباغى على ضحاياهم ينسبونه الى الله جل وعلا

1 ـ ( فجمع عمر الناس واستشارهم، وقال لهم: هذا يوم له ما بعده، وقد هممت أن أسير فيمن قبلي ومن قدرت عليه فأنزل منزلاً وسطاً بين هذين المصرين ثم أستنفرهم وأكون لهم ردءاً حتى يفتح الله عليهم ويقضي ما أحب، فإن فتح الله عليهم صبيتهم في بلدانهم.) ( لاحظ: حتى يفتح الله عليهم ويقضي ما أحب، فإن فتح الله عليهم صبيتهم في بلدانهم ).!
2 ـ فى مصر :  ( فلما التقى المسلمون والمقوقس بعين الشمس واقتتلوا ... فنادى عمرو بأصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، فأجابوه، فقال: تقدموا فبكم ينصر الله المسلمين، ) لاحظ (فبكم ينصر الله المسلمين )

3 ـ ( ثم مضى حتى قدم جلولاء فحاصرهم في خنادقهم وأحاط بهم.. وأمد سعد المسلمين، وخرجت الفرس .. فاقتتلوا، فأرسل الله عليهم الريح حتى أظلمت عليهم البلاد فتحاجزوا فسقط فرسانهم في الخندق.. ) لاحظ : (فأرسل الله عليهم الريح )

4 ـ ( وكان أهل إصطخر حيث أخذوا الطريق على المسلمين...وقد توافت إلى المسلمين أمدادهم، وعلى المشركين شهرك، فاقتتلوا ففتح الله على المسلمين وقتل المشركين وأصاب المسلمون منهم ما شاؤوا.. ) لاحظ : (  ففتح الله على المسلمين  )

5 ـ ( فخرج عمر من الغد يتوقع الأخبار. قال: فأتيته فقال: ما وراءك؟ فقلت: خيراً يا أمير المؤمنين. فتح الله عليك وأعظم الفتح،) (فتح الله عليك وأعظم الفتح)

6 ـ  سعد بن أبى وقاص كان مريضا فلم يشارك فى قتال القادسية بنفسه فقال شاعر يهجوه :  ( نقاتل حتى أنزل الله نصره ** وسعدٌ بباب القادسية معصم ) لاحظ : (أنزل الله نصره )

7 ـ بزعمهم : الله جل وعلا هو الذى يهزم الضحايا المُعتدى عليهم :

7 / 1 : ( فتقدموا وفيهم أبو بردة وأبو برزة وتبعهم الناس، وفتح الله على المسلمين وظفروا وهزموا المشركين..)

7 / 2 : ( وكان عمر يسأل الركبان من حين يصبح إلى انتصاف النهار عن أهل القادسية ثم يرجع إلى أهله ومنزله، قال: فلما لقي البشير سأله من أين؟ فأخبره، قال: يا عبد الله حدثني. قال: هزم الله المشركين.)

7 / 3 : ( ذكر فتح كرمان:  ..فاقتتلوا في أداني أرضهم، ففض الله تعالى المشركين وأخذ المسلمون عليهم الطريق. )

7 / 4 :( ذكر خبر بيروذ من الأهواز:  .. وعزم أبو موسى على الناس فأفطروا، وتقدم المهاجر فقاتل قتالاً شديداً حتى قتل. ووهن الله المشركين حتى تحصنوا في قلة وذلة )

7 / 5 :( فتح  البصرة  .. وألقى الله الرعب في قلوب الفرس فخرجوا عن المدينة وحملوا ما خف وعبروا الماء وأخلوا المدينة ودخلها المسلمون فأصابوا متاعاً وسلاحاً وسبياً فاقتسموه وأخرج الخمس منه،)

7 / 6 : (  ثم قاتلوهم، فهزمهم الله وأصاب المسلمون مغانمهم، وأصابوا في الغنائم سفطاً فيه جوهر،)

7 / 7 : احدهم يقسم على الله أن يهزم المُعتدى عليهم : ( ... فحاصروهم أشهراً وأكثروا فيهم القتل،  ... واشتد القتال قال المسلمون: يا براء أقسم على ربك ليهزمنهم لنا. قال: اللهم اهزمهم لنا ... وكان مجاب الدعوة، فهزموهم حتى أدخلوهم خنادقهم ثم اقتحموها عليهم ثم دخلوا مدينتهم وأحاط بها المسلمون.)
7/ 8 :(..فالتقى النعمان والهرمزان بأربك فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم إن الله، عز وجل، هزم الهرمزان )

7 / 9 : قال أحدهم عن قتل النعمان بن مقرن أحد قادة البغى : ( فلما انهزم المشركون أتيته، ومعي إداوة فيها ماء، فغسلت عن وجهه التراب فقال: ما فعل الناس؟ فقلت: فتح الله عليهم. قال: الحمد لله! ومات.)
ثالثا :  القاتل المجرم ( النعمان بن مقرن ) جعلوه شهيدا

 ( وقال لهم: إني مكبر ثلاثاً فإذا كبرت الثالثة فإني حامل فاحملوا، وإن قتلت فالأمير بعدي حذيفة، فإن قتل ففلان، حتى عد سبعة آخرهم المغيرة. ثم قال: اللهم أعزز دينك، وانصر عبادك، واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك.وقيل: بل قال: اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام واقبضني شهيداً. فبكى الناس. .. فلما أقر الله عين النعمان بالفتح استجاب له فقتل شهيداً، زلق به فرسه فصرع. وقيل: بل رمي بسهم في خاصرته فقتله...) ( ودخل المشركون همذان والمسلمون في آثارهم فنزلوا عليها وأخذوا ما حولها. فلما رأى ذلك خسروشنوم استأمنهم، ولما تم الظفر للمسلمين جعلوا يسألون عن أميرهم النعمان بن مقرن، فقال لهم أخوه معقل: هذا أميركم قد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة فاتبعوا حذيفة.)

رابعا : يسلبون وينهبون باسم الرحمن

إسلاميا : الفىء هو ما يفىء الى بيت المال بغير قتال . ( الحشر 6 ) . أما عند الخلفاء الفاسقين فالفىء هو ما يسلبون وما ينهبون وما يسبون من النساء والذرية . وينسبون هذا لرب العزة جل وعلا. ونستشهد ببعض الأمثلة :
1 ـ ( .ذكر فتح الري :.. فانهزموا فقتلوا مقتلة عدوا بالقصب فيها، وأفاء الله على المسلمين بالري نحواً مما في المدائن ) 

2 ـ  ( فأوثقوه واقتسموا ما أفاء الله عليهم، فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف، وسهم الراجل ألفاً. )
 خامسا : الحث على البغى والعدوان باسم الرحمن جل وعلا

1 ـ بالدعاء :(  وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها، ورأى العرب والعجم أمراً لم يروا مثله قط، وانقطعت الأخبار والأصوات عن سعد ورستم، وأقبل سعد على الدعاء، )

2 ـ بالوعظ : ( وأعلم الناس أنه قد استخلف خالداً وإنما يأمرهم خالد، فسمعوا وأطاعوا، وخطب الناس يومئذٍ، وهو يوم الاثنين من المحرم سنة أربع عشرة، وحثهم على الجهاد وذكرهم ما وعدهم الله من فتح البلاد وما نال من كان قبلهم من المسلمين من الفرس، وكذلك فعل أمير كل قوم، )

3 ـ بقراءة القرآن : ( .. وأمر سعد الناس بقراءة سورة الجهاد، وهي الأنفال، فلما قرئت هشت قلوب الناس وعيونهم وعرفوا السكينة مع قراءتها. )

سادسا : الحث على البغى والعدوان بالتكبير ( الله أكبر )

( الله أكبر ) يقولها المؤمن فى صلاته خشوعا، بينما قالها ويقولها الكافرون البغاة وهم يرتكبون مجازرهم . بدأ هذا بالخلفاء الفاسقين ولا يزال مستمرا .

1 ـ ( .ذكر يوم عماس : ... فحين رآهم كبر وكبر المسلمون وتقدموا وتكتبت الكتائب واختلفوا الضرب والطعن والمدد متتابع، فما جاء آخر أصحاب القعقاع حتى انتهى إليهم هاشم فأخبر بما صنع القعقاع، فعبى أصحابه سبعين سبعين، وكان فيهم قيس بن هبيرة ابن عبد يغوث المعروف بقيس بن المكشوح المرادي، ولم يكن من أهل الأيام إنما كان باليرموك، .....فانتدب مع هاشم حتى إذا خالط القلب كبر وكبر المسلمون )  ( وجعل القعقاع كلما طلعت قطعة من أصحابه كبر وكبر المسلمون ويحمل ويحملون، )

2 ـ ( فدخلوا في السرب والناس من خارج. فلما دخلوا المدينة كبروا فيها وكبر المسلمون من خارج وفتحت الأبواب فاجتلدوا فيها .. )

3 ـ فى موقعة القادسية :

3 / 1 (فلما فرغ القراء منها قال سعد: الزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر، فإذا صليتم فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا، فإذا سمعتم الثانية فكبروا والبسوا عدتكم. ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا ولينشط فرسانكم الناس، فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعاً حتى تخالطوا عدوكم وقولوا لا حول ولا قوة إلا بالله. فلما كبر سعد الثالثة برز أهل النجدات فأنشبوا القتال،... والمسلمون ينتظرون التكبيرة الرابعة من سعد، فاجتمعت حلبة فارس على أسد ومعهم تلك الفيلة فثبتوا لهم، وكبر سعد الرابعة وزحف إليهم المسلمون ).
3 / 2  ـ ( ولما اشتد القتال، وكان أبو محجن قد حبس وقيد فهو في القصر فصعد حين أمسى إلى سعد يستعفيه ويستقيله فزبره ورده فنزل، فأتى فقال لسلمى زوج سعد: هل لك أن تخلي عني وتعيريني البلقاء؟ فلله علي إن سلمني الله أن أرجع إليك حتى أضع رجلي في قيدي ..فرقت له سلمى وأطلقته وأعطته البلقاء فرس سعد، فركبها حتى إذا كان بحيال الميمنة كبّر ثم حمل على ميسرة الفرس .. وتعجب الناس منه وهم لا يعرفونه )

4 ـ  فى فتح حمص : ( ...  فناهدهم المسلمون فكبروا تكبيرة فانهدم كثير من دور حمص وزلزلت حيطانهم فتصدعت، فكبروا ثانية فأصابهم أعظم من ذلك، )

5 ـ  ( فأدخلهم الزينبي المدينة ولا يشعر القوم وبيتهم نعيم بياتاً فشغلهم عن مدينتهم، فاقتتلوا وصبروا له حتى سمعوا التكبير من ورائهم فانهزموا فقتلوا مقتلة عدوا بالقصب فيها. )

خامسا : المرتدون عماد جيوش البغى

1 ـ إرتدوا رفضا لجمع ابى بكر المال. ثم أجبرتهم قريش على العودة ، مقابل أن تتوجه قوتهم الحربية للغزو الخارجى فى سبيل إلاههم الأعظم ، وهو المال. وكان قادة المرتدين ضمن قادة الغزو . ونستشهد بهذه الرواية : ( وسار هاشم من المدائن بعد قسمة الغنيمة في اثني عشر ألفاً، منهم وجوه المهاجرين والأنصار وأعلام العرب ممن كان ارتد ومن لم يرتد، ...)

2 ـ طليحة بن عبيد الله كان من زعمار حركة الردة وزعم النبوة ، ثم دخل فى طاعة قريش ،   . وكان عمرو بن معد يكرب فارس المرتدين ، وكذا كان الأشعث بن قيس .  وترددت إسماؤهم فى روايات الغزو ، منها :

2 : 1 : ( . ومضى طليحة وعمرو ابن معد يكرب. فلما كان آخر الليل رجع عمرو، فقالوا: ما رجعك؟ قال: سرنا يوماً وليلةً ولم نر شيئاً وخفت أن يؤخذ علينا الطريق فرجعت. ومضى طليحة ولم يحفل بهما حتى انتهى إلى نهاوند. وبين موضع المسلمين الذي هم به ونهاوند بضعة وعشرون فرسخاً. فقال الناس: ارتد طليحة الثانية. فعلم كلام القوم ورجع. فلما رأوه كبروا. فقال: ما شأنكم؟ فأعلموه بالذي خافوا عليه. )

2 / 2 :( .ذكر ليلة الهرير وقتل رستم:..وأخذ طليحة وراء العسكر وكبر ثلاث تكبيرات ثم ذهب وقد ارتاع أهل فارس ..)

2 / 3 :( ... فأرسل إليهم عبد الله: إذا سمعتم تكبيرنا فاعلموا أنا أخذنا أبواب الخندق فخذوا الأبواب التي تلي دجلة وكبروا واقتلوا من قدرتم عليه.وخرج إلى طليحة عظيم منهم، فقتله طليحة،)

2 / 4 :(  ..ثم زحف الرؤساء ورحا الحرب تدور على القعقاع، وتقدم حنظلة بن الربيع وأمراء الأعشار وطليحة وغالب وحمال وأهل النجدات، ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضاً وخالطوا القوم )

2 / 5 :(..وخرج فارسي فطلب البراز، فبرز إليه عمرو بن معدي كرب، فأخذه وجلد به الأرض، فذبحه وأخذ سواريه ومنطقته. )

2 / 6 ( وحملت الفيلة عليهم ففرقت بين الكتائب، فنفرت الخيل، وكانت الفرس قد قصدت بجيلة بسبعة عشر فيلاً، فنفرت خيل بجيلة، فكادت بجيلة تهلك لنفار خيلها عنها وعمن معها، وأرسل سعد إلى بني أسد أن دافعوا عن بجيلة وعمن معها من الناس. فخرج طليحة بن خويلد وحمال بن مالك في كتائبهما فباشروا الفيلة حتى عدلها ركبانها. وخرج إلى طليحة عظيم منهم، فقتله طليحة، )

2 / 7 :( وقام الأشعث بن قيس في كندة حين استصرخهم سعد فقال: يا معشر كندة لله در بني أسد أي فري يفرون واي هذٍّ يهذون عن موقفهم، أغنى كل قوم ما يليهم، وأنتم تنتظرون من يكفيكم، أشهد ما أحسنتم أسوة قومكم من العرب. )

2 / 8 : ( ..  وتكلم عمرو بن معد يكرب فقال: ناهدهم وكابرهم ولا تخفهم، ..وقال طليحة: أرى أن نبعث خيلاً لينشبوا القتال فإذا اختلطوا بهم رجعوا إلينا استطراداً فإنا لم نستطرد لهم في طول ما قاتلناهم، فإذا رأوا ذلك طمعوا وخرجوا فقاتلناهم حتى يقضي الله فيهم وفينا ما أحب.)

سادسا : كل شىء فى بغيهم ينسبونه لله جل وعلا ، ومنه :

1 ـ الاسراف فى القتل الباغى يجعلونه بمشيئة الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا : (... وفتح المسلمون جور ثم إصطخر وقتلوا ما شاء الله، ..)

2ـ إحتمال النصر أو الهزيمة :

2 / 1 : ( ذكر فتح قزوين وزنجان:لما سير المغيرة جريراً إلى همذان ففتحها سير البراء بن عازب في جيش إلى قزوين وأمره أن يسير إليها فإن فتحها الله على يده غزا الديلم منها )

2 / 2 : كتب عمر الى سعد بن أبى وقاص : ( .. وإن هزم الله الفرس فاجعل القعقاع بين السواد والجبل، وليكن الجند اثني عشر ألفاً.  )

3 ـ استمرار القتال بمشيئة الله : ( وأنشب النعمان القتال بعد حط الأثقال، فاقتتلوا يوم الأربعاء ويوم الخميس والحرب بينهم سجالٌ وإنهم انجحروا في خنادقهم يوم الجمعة، وحصرهم المسلمون وأقاموا عليهم ما شاء الله..)

4 ـ فى الحصار : ( .ذكر فتح فسا ودارابجرد:وقصد سارية بن زنيم الدئلي فسا ودار ابجرد حتى انتهى إلى عسكرهم فنزل عليهم وحاصرهم ما شاء الله..)

5 ـ وحتى صبرهم فى القتال الباغى : ( وأفرغ الله الصبر عليهم إفراغاً .. )

6 ـ وحتى الرأى الحربى يجعلونه وحيا إلاهيا : ( وكان يوم عماس من أوله إلى آخره شديداً، العرب والعجم فيه سواء، ولا تكون بينهم نقطة إلا أبلغوها يزدجر بالأصوات، فيبعث إليهم أهل النجدات ممن عنده، فلولا أن الله ألهم القعقاع ما فعل في اليومين وإلا كسر ذلك المسلمين.).

أخيرا :

تطور هذا فى العصر الأموى ، إذ آمن الأمويون بأن الله جل وعلا هو الذى يقوم بالبغى والعدوان . وبرروا بهذا كل فظائعهم . يرتكبون البغى ويقولون هذه مشيئة الله . وعرضنا لهذا بالتقصيل فى بحث عن فلسفة الجبرية فى الدولة الأموية.

 

 

  

 الفصل السادس : الخلفاء الفاسقون هم الأكثر وحشية فى التاريخ لأنهم جعلوا القتل دينا

 مقدمة :

1 ـ عاشت البشرية كارثتى حربين عالميتين :

1 / 1 : الحرب العالمية الأولى إستمرت أربع سنوات فقط (28 يوليو 1914 : 11 نوفمبر 1918  ) وخلفت ( مليون قتيل وحوالى 21 مليون جريح ).

1 / 2 الحرب العالمية الثانية إستمرت ست سنوات :(  سبتمبر 1939 : سبتمبر 1945  ) شارك فيها أكثر من 100 مليون شخص و 30 دولة . وصل عدد القتلى من المدنيين والعسكرين ما بين 50 الى 85 مليون شخص . هذا بسبب المذابح وقصف المدن واستعمال الأسلحة الدمار الشامل ومنها القنبلة الذرية .

2 ـ نرى أن الحرب التى أشعلها الخلفاء الفاسقون ( أبو بكر وعمر وعثمان ) أفظع من الحربين العالميتين للأسباب التالية :

2 / 1 : هى حرب عالمية ولكن من طرف واحد معتد هاجم الآخرين شرقا وغربا ، اسقط الامبراطورية الفارسية وتعدّاها شرقا ، وهزم الامبراطورية البيزنطية وتوسع على حسابها من الشام الى شمال أفريقيا.

2 / 2 : استمرت الحربان العالميتان عشر سنوات فقط ، بينما إستمرت حرب الخلفاء الفاسقين 22 عاما . بدأها أبوبكر فى شهر محرم عام 12 واستمرت هادرة تقيم حمامات دم بلا توقف حتى قبيل مقتل عثمان بعامين.

2 / 3 : كان ضحايا الحربين العالميتين عشرات الملايين من القتلى والجرحى ، أضعاف أضعاف القتلى فى حرب الخلفاء الفاسقين ، ولكن هذا لا يمنع من كون الخلفاء الفاسقين هم الأكثر وحشية ، لأن:

2 / 3 / 1 : نوعية السلاح المستخدم : كان فرديا فى عصر الخلفاء الفاسقين (سيف يقابله سيف ورمح يقابله رمح ). أما السلاح الحديث فهو يقتل الآلاف فى أقل وقت ممكن.

2 / 3 / 2 : حرب الخلفاء الفاسقين لم تعرف الجرحى ، بل كان يتم ( التزفيف ) عليهم أى قتلهم أو تركهم يموتون، ولم تكن تعرف الأسر ، فالقاعدة عندهم قتل كل ( المقاتلة ) وسبى نسائهم وأولادهم وبناتهم ، مع حقن دماء الفلاحين ومن يجمع منهم الخراج أو الضرائب . لم تصل وحشية الحربين العالميتين الى هذا المستوى فى التعامل مع الجرحى والأسرى والنساء والأطفال.

2 / 3 / 3 : لم تتأسّس الحربان العالميتان على دين أرضى ، بل كانت تنافسا (علمانيا ) على حُطام الدنيا بلا أى خلفية دينية . لذا كان سهلا الشعور بالذنب ومحاولة الاصلاح بعد الحرب العالمية الأولى بتأسيس عُصبة الأمم ، ثم بعد الحرب العالمية تم تأسيس الأمم المتحدة ومؤسساتها لمنع تكرار الحروب العالمية . أما حرب الخلفاء الفاسقين فهى ظاهرة لم تنته بموت طُغاتها . توقفت فقط عندما إختلفوا على الغنائم وتحاربوا ، ثم بعدها تأسس حكم الأمويين فإستأنفوا الغزو حتى وصلوا الى مشارف الصين شرقا وأسوار القسطنطينية شمالا وجنوب فرنسا غربا مع إستمرار الأمويين فى حرب أهلية مع خصومهم الخوارج والشيعة وغيرهم. الأسوأ أن تلك الحروب المسلحة الدينية تأسّس عليها دينا السُّنّة والتشيع ، والطغاة من أولئك الخلفاء الفاسقين أصبحوا آلهة معصومة من الخطأ . لذا إستمرت الحروب الدينية مع الخارج والحروب الأهلية فى الداخل . وتتبعناها فى سلسلة مقالات منشورة عن ( مسلسل الدماء ) وفيما كتبنا عن الوهابية والسعودية وداعش. 

2 / 4 : نتخيل أن الخلفاء الفاسقين كان لديهم اسلحة عصرية ، وهم يعتبرون قتل الآخر عبادة وجهادا فكم سيكون عدد القتلى ؟

3 : هنا نتذكر قوله جل وعلا لخاتم النبيين عليهم السلام : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) الأنبياء 107 ) . أرسل الله جل وعلا رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين. فأرسل الشيطان الخلفاء الفاسقين لقتل من يستطيعون من العالمين . ولا يزال خلفاؤهم على سُنّة الشيطان سائرين .

4 ـ نعطى نماذج من وحشيتهم فى القتال فيما بين سطور تفصيلات الغزو :

أولا : إحصاءات لعدد القتلى من الأبطال المدافعين عن أوطانهم وأهاليهم

1 ـ ( وقعة البويب:عام 13 .لما بلغ عمر خبر وقعة أبي عبيد بالجسر ندب الناس إلى المثنى.. وكتب إلى أهل الردة فلم يأته أحد إلا رمى به المثنى، وبعث المثنى الرسل فيمن يليه من العرب فتوافوا إليه في جمع عظيم .... حتى هزموا الفرس، وسبقهم المثنى إلى الجسر وأخذ طريق الأعاجم، فافترقوا مصعدين ومنحدرين، وأخذتهم خيول المسلمين حتى قتلوهم وجعلوهم جثاً .فما كانت بين المسلمين والفرس وقعة أبقى رمة منها، بقيت عظام القتلى دهراً طويلاً، وكانوا يحرزون القتلى مائة ألف، وسمي ذلك اليوم الأعشار، أحصي مائة رجل قتل كل رجل منهم عشرة... وقتل المشركون فيما بين السكون اليوم وضفة الفرات وتبعهم المسلمون إلى الليل ومن الغد إلى الليل.  وكان قد أصاب المسلمون غنماً ودقيقاً وبقراً فبعثوا به إلى عيال من قدم من المدينة وهم بالقوادس. .. فأغاروا حتى بلغوا ساباط، وتحصن أهله منهم واستباحوا القرى ). شارك فيها المرتدون السابقون ، أرسلهم عمر بن الخطاب مددا للمثنى فجاءوا اليه فى ( جمع عظيم ) . بلغ عدد القتلى 100 ألف ، وجثث القتلى من الفرس ملأت المكان ، وبعدها طارد البُغاة من أفلت من القتل ، وإستباحوا القرى قتلا وسلبا ونهبا وسبيا وإسترقاقا. عليهم اللعنة.

2 ـ ( ذكر وقعة جلولاء وفتح حلوان:

2 / 1 (... وخرجت الفرس وقد احتفلوا، فاقتتلوا، فأرسل الله عليهم الريح حتى أظلمت عليهم البلاد فتحاجزوا فسقط فرسانهم في الخندق، ... فانهزم المشركون عن المجال يمنة ويسرة فهلكوا فيما أعدوا من الحسك، فعقرت دوابهم وعادوا رجالة واتبعهم المسلمون فلم يفلت منهم إلا من لا يعد، وقتل يومئذٍ منهم مائة ألف، فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه فسميت جلولاء بما جللها من قتلاهم، فهي جلولاء الوقيعة. ). 

2 / 2 : وفى رواية أخرى : ( وقد أخذ به وأخذ المشركون في هزيمة يمنة ويسرة عن المجال الذي بحيال خندقهم فهلكوا فيما أعدوا للمسلمين فعقرت دوابهم وعادوا رجالة وأتبعهم المسلمون فلم يفلت منهم إلا من لا يعد . وقتل الله منهم يومئذ مائة ألف فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه فسميت جلولاء بما جللها من قتلاهم فهي جلولاء الوقيعة ) فى الروايتين : القتلى 100 ألف.

3 / نهاوند عام 21 :

3 / 1 : (... فاقتتلوا. فلما أظلم الليل عليهم انهزم المشركون وذهبوا ولزمهم المسلمون وعمي عليهم قصدهم فتركوه وأخذوا نحو اللهب الذي كانوا دونه بأسبيذهان فوقعوا فيه، فكان الواحد منهم يقع فيقع عليه ستة بعضهم على بعضهم في قياد واحد فيقتلون جميعاً، وجعل يعقرهم حسك الحديد، فمات منهم في اللهب مائة ألف أو يزيدون سوى من قتل في المعركة.) 100 الف حرقا بالنار سوى من قُتل فى المعركة.!

3 / 2  :وفى رواية أخرى : ( ورجع إلى موقفه فكبر ثلاثاً والناس سامعون مطيعون مستعدون للقتال، وحمل النعمان والناس معه وانقضت رايته انقضاض العقاب والنعمان معلم ببياض القباء والقلنسوة، فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يسمع السامعون بوقعة كانت أشد منها، وما كان يسمع إلا وقع الحديد، وصبر لهم المسلمون صبراً عظيماً، وانهزم الأعاجم وقتل منهم ما بين الزوال والإعتام ما طبق أرض المعركة دماً يزلق الناس والدواب.وقيل: قتل في اللهب ثمانون ألفاً وفي المعركة ثلاثون ألفاً سوى من قتل في الطلب، ولم يفلت إلا الشريد،  )

4 ـ ( وقعة الثني :... وقتل من الفرس مقتلة عظيمة يبلغون ثلاثين ألفاً سوى من غرق ومنعت المياه المسلمين من طلبهم... ) لولا الماء لإزداد عدد القتلى .!

5 ـ (وقعة أليس.. على الفرات  : ..... وبلغ عدد القتلى سبعين ألفاً... )

6 : (  ذكر فتح قيسارية وحصر غزة:.. فسار معاوية إليها فحصر أهلها، فجعلوا يزاحفونه وهو يهزمهم ويردهم إلى حصنهم. ثم زاحفوه آخر ذلك مستميتين، وبلغت قتلاهم في المعركة ثمانين ألفاً وكملها في هزيمتهم مائة ألف وفتحها، )

ثانيا : تقديرات للقتلى الأبطال بدون حساب

1 ـ أغار المثنى على الأسواق التى يتجمع فيها الباعة والمشترون . نقتطف من الرواية : (وجاء إلى المثنى رجلان أحدهما أنباري فدله على سوق الخنافس، والثاني حيري دله على بغداذ قال المثنى: أيتهما قبل صاحبتها. فقال: بينهما مسيرة أيام. قال: أيهما أعجل؟ قالا: سوق الخنافس يجتمع بها تجار مدائن كسرى والسواد وربيعة وقضاعة يخفرونهم. فركب المثنى وأغار على الخنافس يوم سوقها وبها خيلان من ربيعة وقضاعة، وعلى قضاعة رومانس بن وبرة، وعلى ربيعة السليل بن قيس وهم الخفراء، فانتسف السوق وما فيها وسلب الخفراء. ثم رجع فأتى الأنبار فتحصن أهلها منه، فلما عرفوه نزلوا إليه وأتوا بالأعلاف والزاد، وأخذ منهم الأدلاء على سوق بغداذ وأظهر لدهقان الأنبار أنه يريد المدائن، وسار منها إلى بغداذ ليلاً وعبر إليهم وصبحهم في أسواقهم فوضع السيف فيهم وأخذ ما شاء. وقال المثنى: لا تأخذوا إلا الذهب والفضة والحر من كل شيء ... ثم سار بهم إلى الأنبار، وكان من خلفه من المسلمين يمخرون السواد ويشنون الغارات ما بين أسفل كسكر وأسفل الفرات، .. ولما رجع المثنى من بغداذ إلى الأنبار بعث المضارب العجلي في جمع إلى الكباث وعليه فارس العناب التغلبي، ثم لحقهم المثنى فسار معهم، فوجدوا الكباث قد سار من كان به عنه ومعهم فارس العناب، فسار المسلمون خلفه فلحقوه وقد رحل من الكباث، فقتلوا في أخريات أصحابه وأكثروا القتل . )

2 ـ ( وكان خليد قد أمر أصحابه أن يقاتلوا رجالةً فقتلوا من أهل فارس مقتلة عظيمة،  ... وكان أهل إصطخر حيث أخذوا الطريق على المسلمين، فجمعوا أهل فارس عليهم فجاؤوا من كل جهة فالتقوا هم وأبو سبرة بعد طاووس وقد توافت إلى المسلمين أمدادهم، وعلى المشركين شهرك، فاقتتلوا ففتح الله على المسلمين وقتل المشركين وأصاب المسلمون منهم ما شاؤوا،  )

3 ـ ذكر فتح رامهرمز وتستر وأسر الهرمزان:( وسار النعمان أيضاً وسار حرقوص وسلمى وحرملة وجزء فاجتمعوا على تستر وبها الهرمزان وجنوده من أهل فارس والجبال والأهواز في الخنادق، وأمدهم عمر بأبي موسى وجعله على أهل البصرة، وعلى الجميع أبو سبر، فحاصروهم أشهراً وأكثروا فيهم القتل، )

4 ـ ( ذكر فتح همذان ثانياً:  .. فاجتمعوا وتحصن منهم أمراء المسالح وبعثوا إلى نعيم بالخبر، فاستخلف يزيد بن قيس الهمذاني وخرج إليهم، فاقتتلوا بواج روذ قتالاً شديداً، وكانت وقعة عظيمة تعدل بنهاوند، فانهزم الفرس هزيمة قبيحة وقتل منهم مقتلة كبيرة لا يحصون، )

5 ـ ( وقام الجالينوس على الردم ونادى الفرس إلى العبور، وأما المقترنون فإنهم جشعوا فتهافتوا في العتيق، فوخزهم المسلمون برماحهم فما أفلت منهم مخبر، وهم ثلاثون ألفاً، ... وقتلوا في المعركة عشرة آلاف سوى من قتلوا في الأيام قبله،  )

6 ـ هذه رواية تستحق التأمل : ( .. وأمر القعقاع وشرحبيل باتباعهم حتى بلغا مقدار الخرارة من القادسية، وخرج زهرة بن الحوية التميمي في آثارهم في ثلاثمائة فارس، ثم أدركه الناس فلحق المنهزمين والجالينوس يجمعهم، فقتله زهرة وأخذ سلبه، وقتلوا ما بين الخرارة إلى السيلحين إلى النجف، وعادوا من أثر المنهزمين ومعهم الأسرى، فرؤي شاب من النخع وهو يسوق ثمانين رجلاً أسرى من الفرس... ولما اتبع المسلمون الفرس كان الرجل يشير إلى الفارسي فيأتيه فيقتله، وربما أخذ سلاحه فقتله به، وربما أمر رجلين فيقتل أحدهما صاحبه.).

7 ـ ( ... فعبرت تلك الجنود من البحرين إلى فارس فخرجوا في إصطخر وبإزائهم أهل فارس وعلى أهل فارس الهربذ اجتمعوا عليه .. فاقتتل القوم فقتل أهل فارس مقتلة لم يقتلوا مثلها قبلها )

8 ـ(وقعة الولجة : ... فانهزمت الأعاجم، وأخذ خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم فقتل منهم خلقاً كثيراً..   )

9 ـ ( ذكر فتح شهرزور والصامغان:لما استعمل عمر عزرة بن قيس على حلوان حاول فتح شهرزور، فلم يقدر عليها، فغزاها عتبة بن فرقد ففتحها بعد قتال .. .. وقتل خلقاً كثيراً من الأكراد. وكتب إلى عمر: إن فتوحي قد بلغت أذربيجان. فولاه إياها )

10 ـ ( ثم إن عمراً سار إلى الإسكندرية، وكان من بين الإسكندرية والفسطاط من الروم والقبط قد تجمعوا له وقالوا: نغزوه قبل أن يغزونا ويروم الإسكندرية. فالتقوا واقتتلوا، فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، )

11 ــ ذكر فتح الري.. ( .. فأدخلهم الزينبي المدينة ولا يشعر القوم وبيتهم نعيم بياتاً فشغلهم عن مدينتهم، فاقتتلوا وصبروا له حتى سمعوا التكبير من ورائهم فانهزموا فقتلوا مقتلة عدوا بالقصب فيها، )

 12 ـ ( ذكر الخبر عن فتح توج:... فقصد مجاشع بن مسعود لسابور وأردشير خرة، فالتقى هو والفرس بتوج فاقتتلوا ما شاء الله، ثم انهزم الفرس وقتلهم المسلمون كيف شاؤوا كل قتلة وغنموا ما في عسكرهم وحصروا توج فافتتحوها وقتلوا منهم خلقاً كثيراً وغنموا ما فيها، )

 13 ـ ( ذكر فتح إصطخر وجور وغيرهما:..وقصد عثمان بن أبي العاص الثقفي لإصطخر فالتقى هو وأهل إصطخر بجور فاقتتلوا وانهزم الفرس وفتح المسلمون جور ثم إصطخر وقتلوا ما شاء الله، ثم فر منهم من فر، )

ثالثا : قتلهم الأبطال غدرا  :

( وخرج عبدالله بن عامر من البصرة يريد خراسان .. وضرب يومئذ سعيد رجلا من المشركين على حبل عاتقه فخرج السيف من تحت مرفقه وحاصرهم فسألوا الأمان فأعطاهم على ألا يقتل منهم رجلا واحدا ففتحوا الحصن فقتلهم جميعا إلا رجلا واحدا )

رابعا : قتل جميع الأسرى :

1 ـ هنا رواية تستحق التأمل :  (وقعة أليس.. على الفرات  : .. واقتتلوا قتالاً شديداً والمشركون يزيدهم ثبوتاً توقعهم قدوم بهمن جاذويه، فصابروا المسلمين، فقال خالد: اللهم إن هزمتهم فعلي أن لا أستبقي منهم من أقدر عليه حتى أجري من دمائهم نهرهم. فانهزمت فارس فنادى منادي خالد: الأسراء الأسراء إلا من امتنع فاقتلوه. فأقبل لهم المسلمون أسراء ووكل بهم من يضرب أعناقهم يوماً وليلةً. فقال له القعقاع وغيره: لو قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم، فأرسل عليها الماء تبر يمينك؛ ففعل، وسمي نهر الدم ...)

2 ـ (عين التمر : ... وسار عقة إلى خالد فالتقوا، فحمل خالد بنفسه على عقة وهو يقيم صفوفه، فاحتضنه وأخذه أسيراً ، وانهزم عسكره من غير قتال فأسر أكثرهم..فلما بلغ الخبر مهران هرب في جنده وتركوا الحصن، فلما انتهى المنهزمون إليه تحصنوا به، فنازلهم خالد، فطلبوا منه الأمان، فأبى، فنزلوا على حكمه، فأخذهم أسرى وقتل عقة ، ثم قتلهم أجمعين ..).

3 ـلمجرد التذكرة : قلنا من قبل أنه يحرم قتل الأسير فى الاسلام. الأسير هنا هو فى جيش معتدى.

خامسا : قتل الجميع

1 ـ ( فساروا حتى لقوا عدواً من الأكراد المشركين .. فقاتلوهم فهزموهم ، وقتلوا المقاتلة ، وسبوا الذرية فقسمه بينهم.. )

2 ـ ( ذكر فتح تكريت والموصل:... فلما دخلوا المدينة كبروا فيها وكبر المسلمون من خارج وفتحت الأبواب فاجتلدوا فيها فأناموا كل مقاتل.). أناموا أى قتلوا.!

3 ـ  ( ولحق سلمان بن ربيعة الباهلي وعبد الرحمن بن ربيعة بطائفة منهم قد نصبوا راية وقالوا: لا نبرح حتى نموت، فقتلهم سلمان ومن معه. ). هؤلاء أبطال رفضوا الهرب وصمموا على الصمود فكان مصيرهم القتل.

أخيرا :

1 ـ هتلر نفسه لو قرأ هذا لشعر بالخجل .

2 ـ حتى لا ننسى : صلاتهم "right"> أولا : مقتطفات من روايات الطبرى

عام 98 

1 ـ ( وفي هذه السنة فتح يزيد جرجان الفتح الآخر بعد غدرهم بجنده ونقضهم العهد ..  ثم إن يزيد لما صالح أهل طبرستان قصد لجرجان فأعطى الله عهدا لئن ظفر بهم ألا يقلع عنهم ولايرفع عنهم السيف حتى يطحن بدماءهم ويختبز من ذلك الطحين ويأكل منه . .. وأقبل يزيد حتى نزل عليها وهم متحصنون فيها وحولها غياض ( أى غابات )  يعرف لها إلا طريق واحد ، فأقام بذلك سبعة أشهر لا يقدر منهم على شيء ولا يعرف لهم مأتى إلا من وجه واحد فكانوا يخرجون في الأيام فيقاتلونه ويرجعون إلى حصنهم .. فخرج رجل من عسكره من طيىء يتصيد فأبصر ( وعلا ) ( أى غزال جبلى ) يرقي في الجبل،  فاتبعه،  وقال لمن معه : "قفوا مكانكم ". ووقل في الجبل يقتص الأثر فما شعر بشيء حتى هجم على عسكرهم فرجع يريد أصحابه ..فانطلق به ابنا زحر حتى أدخلاه على يزيد فأعلمه .. فأمر له بأربعة آلاف ، وندب الناس فانتدب ألف وأربعمائة ، فقال : " الطريق لا يحمل هذه الجماعة لالتفاف الغياض ( أى الغابات ) ، فاختار منهم ثلاثمائة ، فوجههم واستعمل عليهم جهم بن زحر . .. وقال يزيد للرجل الذي ندب الناس معه : " متى  تصل إليهم  ؟ " قال : "  عند العصر فيما بين الصلاتين " قال : " امضوا على بركة الله فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صلاة الظهر. " . فساروا فلما قارب انتصاف النهار من غد أمر يزيد الناس أن يشعلوا النار في حطب كان جمعه في حصاره إياهم ، فصيره آكاما فأضرموه نارا ، فلم تزل الشمس حتى صار حول عسكره أمثال الجبال من النيران . ونظر العدو إلى النار فهالهم ما رأوا من كثرتها ، فخرجوا إليهم . وأمر يزيد الناس حين زالت الشمس فصلوا فجمعوا بين الصلاتين ، ثم زحفوا إليهم ، فاقتتلوا ، وسار الآخرون بقية يومهم والغد فهجموا على عسكر الترك قبيل العصر وهم آمنون من ذلك الوجه ، ويزيد يقاتل من هذا الوجه،  فما شعروا إلا بالتكبير من ورائهم ، فانقطعوا جميعا إلى حصنهم، وركبهم المسلمون فأعطوا بأيديهم ، ونزلوا على حكم يزيد ، فسبى ذراريهم ، وقتل مقاتلتهم ، وصلبهم فرسخين عن يمين الطريق ويساره ، وقاد منهم اثني عشر ألفا إلى الأندرهز وادي جرجان وقال من طلبهم بثأر فليقتل فكان الرجل من المسلمين يقتل الأربعة والخمسة في الوادي ، وأجرى الماء في الوادي على الدم،  وعليه أرحاء ( رحى للطحن )  ليطحن بدمائهم ، ولتبر يمينه ، فطحن واختبز . ( أى عمل منه خبزا ) .

 2 ـ رواية أخرى : (دعا يزيد جهم بن زحر فبعث معه أربعمائة رجل حتى أخذوا في المكان الذي دلوا عليه وقد أمرهم يزيد فقال إذا وصلتم إلى المدينة فانتظروا حتى إذا كان في السحر فكبروا ثم انطلقوا نحو باب المدينة فإنكم تجدوني وقد نهضت بجميع الناس إلى بابها فلما دخل ابن زحر المدينة أمهل حتى إذا كانت الساعة التي أمره يزيد أن ينهض فيها مشى بأصحابه فأخذ لا يستقبل من أحراسهم أحدا إلا قتله وكبر ففزع أهل المدينة فزعا لم يدخلهم مثله قط فيما مضى فلم يرعهم إلا والمسلمون معهم في مدينتهم يكبرون فدهشوا فألقى الله في قلوبهم الرعب وأقبلوا لا يدرون أين يتوجهون غير أن عصابة منهم ليسوا بالكثير قد أقبلوا نحو جهم بن زحر فقاتلوا ساعة فدقت يد جهم وصبر لهم هو وأصحابه فلم يلبثوهم أن قتلوهم إلا قليلا وسمع يزيد بن المهلب التكبير فوثب في الناس إلى الباب فوجدوهم قد شغلهم جهم بن زحر عن الباب فلم يجد عليه من يمنعه ولا من يدفع عنه كبير دفع ففتح الباب ودخلها من ساعته فأخرج من كان فيها من المقاتلة فنصب لهم الجذوع فرسخين عن يمين الطريق ويساره فصلبهم أربعة فراسخ وسبى أهلها وأصاب ما كان فيها )

3 ( وكتب يزيد إلى سليمان بن عبد الملك : " أما بعد فإن الله قد فتح لأمير المؤمنين فتحا عظيما ، وصنع للمسلمين أحسن الصنع ، فلربنا الحمد على نعمه وإحسانه ، أظهر في خلافة أمير المؤمنين على جرجان وطبرستان ، وقد أعيا ذلك سابور ذا الأكتاف وكسرى بن قباذ وكمري بن هرمز وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومن بعدهما من خلفاء الله ، حتى فتح الله ذلك لأمير المؤمنين كرامة من الله له وزيادة في نعمه عليه . وقد صار عندي من خمس ما أفاء الله على المسلمين بعد أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة ستة آلاف ألف وأنا حامل ذلك إلى أمير المؤمنين إن شاء الله . ) إنتهى .

ثانيا : فى ( الكامل ) لابن الأثير :

( ذكر فتح جرجان الفتح الثاني:  قد ذكرنا فتح جرجان وقهستان وغدر أهل جرجان، فلما صالح يزيد أصبهبذ طبرستان سار إلى جرجان ، وعاهد الله تعالى لئن ظفر بهم لا يرفع السيف حتى يطحن بدمائهم ويأكل من ذلك الطحين. فأتاها وحصر أهلها بحصن .. فحصرهم يزيد فيها سبعة أشهر وهم يخرجون إليه في الأيام فيقاتلونه ويرجعون.بينا هم على ذلك إذ خرج رجل من عجم خراسان يتصيد، وقيل: رجل من طيء، فأبصر ( وعلاً  ) في الجبل ، ولم يشعر حتى هجم على عسكرهم .. فأتى يزيد فأخبره، فضمن له يزيد دية إن دلهم على الحصن، فانتخب معه ثلاثمائة رجل واستعمل عليهم ابنه خالد بن يزيد وقال له: إن غلبت على الحياة فلا تغلبن على الموت، وإياك أن أراك عندي مهزوماً. وضم إليه جهم بن زحر، وقال للرجل: متى تصلون؟ قال: غداً العصر. قال يزيد سأجهد على مناهضتهم عند الظهر... فساروا فلما كان الغد وقت الظهر أحرق يزيد كل حطب كان عندهم، فصار مثل الجبال من النيران، فنظر العدو إلى النيران فهالهم ذلك فخرجوا إليهم، وتقدم يزيد إليهم فاقتتلوا، وهجم أصحاب يزيد الذين ساروا على عسكر الترك قبل العصر وهم آمنون من ذلك الوجه، ويزيد يقاتلهم من هذا الوجه، فما شعروا إلا بالتكبير من ورائهم، فانقطعوا جميعاً إلى حصنهم، وركبهم المسلمون فأعطوا بأيديهم ونزلوا على حكم يزيد، فسبى ذراريهم وقتل مقاتلهم وصلبهم فرسخين إلى يمين الطريق ويساره وقاد منهم اثني عشر ألفاً إلى وادي جرجان وقال: من طلبهم بثأر فليقتل. فكان الرجل من المسلمين يقتل الأربعة والخمسة، وأجرى الماء على الدم وعليه أرحاء ليطحن بدمائهم ليبر يمينه، فطحن وخبز وأكل، وقيل: قتل منهم أربعين ألفاً.  .... وقيل: بل قال يزيد لأصحابه لما ساروا: إذا وصلتم إلى المدينة انتظروا فإذا كان السحر كبروا واقصدوا الباب فستجدونني قد نهضت بالناس إليه. فلما دخل ابن زحر المدينة أمهل حتى كانت الساعة التي أمره يزيد أن ينهض فيها فكبر، ففزع أهل الحصن، وكان أصحاب يزيد لا يلقون أحداً إلا قتلوه، ودهش الترك فبقوا لا يدرون أين يتوجهون، وسمع يزيد التكبير فسار في الناس إلى الباب فلم يجد عنده أحدأ يمنعه وهم مشغولون بالمسلمين، فدخل الحصن من ساعته وأخرج من فيه وصلبهم فرسخين من يمين الطريق ويساره، فصلبهم أربعة فراسخ، وسبى أهلها وغنم ما فيها، وكتب إلى سليمان بالفتح يعظمه ويخبره أنه قد حصل عنده الخمس ستمائة ألف ألف.. )  

ثالثا : تاريخ ( المنتظم )  لابن الجوزى ) حوادث عام 98 هجرية : 

(وفيها‏:‏ غزا يزيد بن المهلب جرجان وطبرستان فى مائة الف مقاتل سوى الموالى والمتطوعين.‏ وجاء فنزل بدهستان فحاصرها ومنع عنهم المواد فبعث إليه ملكهم‏:‏ إني أريد أن أصالحك على أن تؤمنني على نفسي وأهل بيتي ومالي وأدفع إليك المدينة وما فيها وأهلها‏.‏فصالحه ووفى له ودخل المدينة ، وأخذ ما كان فيها من الأموال والكنوز ومن السبي ما لا يحصى ، وقتل أربع عشر ألف تركي صبرًا، وكتب بذلك إلى سليمان بن عبد الملك .ثم خرج حتى أتى جرجان و قد كانو يصالحون أهل الكوفة على مائة ألف ومائتي ألف وثلاثمائة ألف وقد كانوا صالحوا سعيد بن العاص ثم امتنعوا وكفروا، فلم يأت بعد سعيد إليهم أحد ، ومنعوا ذلك الطريق فلم يسلكه أحد إلا على وجل وخوف منهم‏.‏ فلما أتاهم يزيد استقبلوه بالصلح فاستخلف رجلا .......‏ ثم إنهم غدروا بجنده فقتلوا منهم ، ونقضوا العهد ، فأعطى الله عهدًا لئن ظفر بهم لا يرفع عنهم السيف حتى يطحن بدمائهم ويختبز من ذلك الطحين ويأكل ، فنزل عليها سبعة أشهر لا يقدر منهم على شيء ولا يعرف لها مأتى إلا من وجه واحد ، فكانوا يخرجون فيقاتلونهم ويرجعون إلى حصنهم ، فدله رجل على طريق آخر يشرف عليهم ، فبعث معه جندًا ، ونهض هو لقتالهم ، فركبهم المسلمون فأعطوا بأيديهم ، ونزلوا على حكمه ، فسبى ذراريهم وقتل مقاتليهم وصلبهم على الشجر عن يمين الطريق ويساره . وقاد منهم اثني عشر ألفًا إلى الوادي فقتلوا فيه فأجرى فيه دماءهم وأجرى فيه الماء وعليه أرحاء فحطن واختبز وأكل ..... وكتب يزيد إلى سليمان‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏أما بعد فإن الله تعالى ذكره قد فتح لأمير المؤمنين فتحًا عظيمًاوصنع للمسلمين أحسن الصنع فلربنا الحمد على نعمه وإحسانه واظهر في خلافة أمير المؤمنين على جرجان وطبرستان وقد أعيا ذلك سابور ذا الأكتاف وكسرى بن قباد وكسرى بنهزمز وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب وذا النورين ومن بعدهما حتى فتح الله سبحانه ذلك لأمير المؤمنين كرامة الله عز وجل له وزيادة في نعمه عليه وقد صار عندي من خمس ما أفاء الله عز وجل على المسلمين بعد أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة سبعة آلاف ألف وأنا حامل هذا لأمير المؤمنين إن شاء الله‏.‏ )

رابعا : التعليق 
1 ـ هذه روايات تختلف فى بعض التفاصيل ، ولكن الأساس فيها واحد ، وهو عن إعادة ( فتح ) جرجان فى   خلافة سليمان بن عبد الملك ، وهى الآن جورجيا وما حولها . سكان هذه البلاد لم يعتدوا على المسلمين ـ بل إن الخلفاء الفاسقين هم الذين واصلوا الغزو و الاستيلاء على تلك البلاد والهجوم عليهم فى عقر دارهم بالاثم والعدوان
2 ـ القائد هنا هو يزيد بن المهلب بن أبى صفرة ، وهو الذى حاصر دولة دهستان ومنع عنها الطعام فاضطر الملك الى الاستسلام والنجاة بنفسه فدخل يزيد بن المهلب المدينة واستولى على ما فيها من أموال وكنوز واسترق ما لا يحصى من أهلها ، وقتل منهم 14 الف انسان ( صبرا ) أى يلقيه فى سجن محكم بلا طعام ولا شراب الى ان يموت بعد ما نتخيله من ألم يعجز الصبر عن تحمله ، وهى من الطرق الوحشية فى القتل ، حيث أن أرحم طرق القتل هو أسرعها وليس أبطأها..وكتب القائد ( المظفر ) الى الخليفة يفتخر بما فعل .. 
3 ـ وهاجم يزيد جرجان أو ما يعرف الان بجورجيا ، وقد كانت خاضعة للأمويين من قبل ولكنهم ثاروا على الاحتلال طالبين الحرية ، أو بتعبير الراوى ( إمتنعوا وكفروا ) فذهب يزيد لاخضاعهم بجيشه فاستقبلوه بالصلح ، فلما ولى عنهم بمعظم جيشه عادوا للثورة أو بتعبير الراوى ( غدروا بجنده فقتلوا منهم ونقضوا العهد ) فاقسم يزيد بن بن المهلب بعهد الله تعالى (عهدًا لئن ظفر بهم لا يرفع عنهم السيف حتى يطحن بدمائهم ويختبز من ذلك الطحين ويأكل ) فحاصرهم سبعة اشهر الى أن اقتحم المدينة وفعل باهلها شنائع بربرية ، أو بتعبير الراوى (فسبى ذراريهم وقتل مقاتليهم وصلبهم على الشجر عن يمين الطريق ويساره وقاد منهم اثني عشر ألفًا إلى الوادي فقتلوا فيه فأجرى فيه دماءهم وأجرى فيه الماء وعليه أرحاء فحطن واختبز وأكل) أى شرب دماءهم ..!! 

4 ـ كل هذه الوحشية يغلفها الدين الشيطانى للخلفاء الفاسقين ، والذى يتمسح زورا وبهتانا برب العالمين .  ونستشهد بما جاء فى الروايات :

4 / 1 : إستعمال إسم الله جل وعلا فى إرتكاب هذه الشنائع :

4 / 1 / 1 : (  وفي هذه السنة فتح يزيد جرجان الفتح الآخر بعد غدرهم بجنده ونقضهم العهد ..  ثم إن يزيد لما صالح أهل طبرستان قصد لجرجان فأعطى الله عهدا لئن ظفر بهم ألا يقلع عنهم ولايرفع عنهم السيف حتى يطحن بدماءهم ويختبز من ذلك الطحين ويأكل منه ) (  وعاهد الله تعالى لئن ظفر بهم لا يرفع السيف حتى يطحن بدمائهم ويأكل من ذلك الطحين.  )  . أى يعاهد الله على أن يفعل بهم هذا. هو يعاهد الشيطان . وليس رب العزة أرحم الراحمين والذى من ضمن أسمائه الحسنى ( السلام ).

4 / 1 / 2 : ( قال : " امضوا على بركة الله فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صلاة الظهر)

4 / 1 / 3 : ( فألقى الله في قلوبهم الرعب ) هنا إستخدام حقير لاسم رب العزة جل وعلا .

4 / 1 / 4 : على أن خطاب يزيد بن المهلب الى سليمان بن عبد الملك فى رواية الطبرى يستحق وقفة : (  وكتب يزيد إلى سليمان بن عبد الملك : " أما بعد فإن الله قد فتح لأمير المؤمنين فتحا عظيما ، وصنع للمسلمين أحسن الصنع ، فلربنا الحمد على نعمه وإحسانه ، أظهر في خلافة أمير المؤمنين على جرجان وطبرستان ، وقد أعيا ذلك سابور ذا الأكتاف وكسرى بن قباذ وكمري بن هرمز وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومن بعدهما من خلفاء الله ، حتى فتح الله ذلك لأمير المؤمنين كرامة من الله له وزيادة في نعمه عليه . وقد صار عندي من خمس ما أفاء الله على المسلمين بعد أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة ستة آلاف ألف وأنا حامل ذلك إلى أمير المؤمنين إن شاء الله . ) . نلاحظ هنا أنه :

4 / 1 / 4 / 1 :  ينسب الفتح لرب العزة جل وعلا : ( فإن الله قد فتح لأمير المؤمنين فتحا عظيما ، وصنع للمسلمين أحسن الصنع ، فلربنا الحمد على نعمه وإحسانه ) (  حتى فتح الله ذلك لأمير المؤمنين كرامة من الله له وزيادة في نعمه عليه )

4 / 1 / 4 / 2 : يجعل الخلفاء الفاسقين ( خلفاء الله ) : (وأعيا الفاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومن بعدهما من خلفاء الله ،  ).

4 / 1 / 4 / 3 : يجعل المال السُّحت الحرام من رب العزة جل وعلا : (وقد صار عندي من خمس ما أفاء الله على المسلمين بعد أن صار إلى كل ذي حق حقه من الفيء والغنيمة ستة آلاف ألف وأنا حامل ذلك إلى أمير المؤمنين إن شاء الله  )

4 / 2 : الصلاة الشيطانية : كانت فى تفصيلات البغى الآثم :

4 / 2 / 1 : (  وقال يزيد للرجل الذي ندب الناس معه : " متى  تصل إليهم  ؟ " قال : "  عند العصر فيما بين الصلاتين " قال : " امضوا على بركة الله فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صلاة الظهر. " .

4 / 2 / 2 : (  ... وأمر يزيد الناس حين زالت الشمس فصلوا فجمعوا بين الصلاتين ..)

4 / 3 : التكبير :

4 / 3 / 1 : قال لهم : (فإذا كان السحر كبروا واقصدوا الباب فستجدونني قد نهضت بالناس إليه. فلما دخل ابن زحر المدينة أمهل حتى كانت الساعة التي أمره يزيد أن ينهض فيها فكبر، ففزع أهل الحصن.. )

4 / 3 / 2 : ( وكان أصحاب يزيد لا يلقون أحداً إلا قتلوه، ودهش الترك ، فبقوا لا يدرون أين يتوجهون، وسمع يزيد التكبير فسار في الناس ).

أخيرا :

 قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙالشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ ﴿٢٥﴾ محمد )

1 ـ الشيطان أنساهم أن الجهاد فى الاسلام لرد الاعتداء و الدفاع فقط وليس للهجوم على من لا يعتدى عليك.

2 ـ الشيطان أنساهم أن الله تعالى لا يحب المعتدين . قال جل وعلا : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) ( البقرة 190 )

3 ـ الشيطان زين لهم سوء عملهم  فرأوه حسنا . قال جل وعلا : (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) فاطر 8 ) ُ

4 ـ الشيطان أضلهم أكثر فأقنعهم أن ينسبوا جرائمهم لرب العزة الله جل وعلا .  
5 ـ تخيل :

5 / 1 : هذا يحدث لبلدك فاذا قمت بثورة على الطغيان ــ وهو ما يجب عليك  ــ اعتبر الاخرون ذلك كفرا و غدرا.

5 / 2 : أن يعتبر الاخرون اغتصاب نسائك واسترقاق أهلك وقتلهم وشرب دمائهم جهادا ، وهم يعتبرون دفاعك عن شرفك وكرامتك كفرا و غدرا
6 ـ الى هذا الحد ينقلب الحق باطلا و الباطل حقاوالى هذا الحد ننسب جرائمنا لله تعالى ـ ونظلم رب الناس بعد أن ظلمنا الناس وقتلنا الناس وشربنا دماء الناس
7 ـ واذا كتبنا هنا لانصاف الاسلام من المسلمين فان بعضهم يحتج لأنه لا يطيق أن ينتقد أحد السلف الصالح ( المجاهد ) مع أننا نستشهد بواقع تاريخنا المكتوب الذى يعد إقرارا صريحا
8 ـ ومن عادتنا السيئة أننا نكيل بمكياليننهاجم الاستعمار والامبريالية ونقدس ونؤله الخلفاء الفاسقين المحتلين .
9 ـ بل و نفعل ذلك مع الله سبحانه وتعالى . ندافع عن الذين ظلموا رب العزة و نسبوا له جرائمهم. واذا كتب باحث يحاول إنصاف رب العزة والاسلام مما فعله المسلمون أصبح متهما بالخروج عن الاسلام. ..الى هذا الحد شوّهوا الاسلام .! 
10 ـ بسيطة.. يوم الدين آت .. ولا مفر منه ولا مهرب

 

 

الفصل الثامن : صلاتهم الشيطانية فى حروبهم الأهلية ( الفتنة الكبرى الأولى )

لمحة تاريخية

1ـ نبدأ بالفتنة الكبرى الأولى التى ترتبت على الغزو الآثم ، وفيها نهب العرب كنوز فارس ومصر وما بينهما وما بعدهما شرقا وغربا

2 ـ فى خلافة عثمان اختص أهله الأمويين وقريش بالنصيب الأكبر فى توزيع المال المنهوب والأراضى الزراعية ، على حساب الأعراب وهم جند الفتوحات ، فاحتج زعماء الأعراب ـ الذين كانوا مرتدين من قبل ، وواجه عثمان احتجاجهم بالاضطهاد ( عام 33 هجرية ) فتحول الاحتجاج الى ثورة احتل فيها الثوار المدينة وقتلوا عثمان عام 35 .

3 ـ وعينوا عليا خليفة فى المدينة فأعطوا الفرصة لمعاوية للمطالبة بالثأر ، محملا عليا المسئولية .بينما ثار صحابة آخرون وتزعموا ثورة ضد (على ) وقادهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله  وعائشة ، وهزمهم (على ) فى موقعة الجمل ، وهى أول حرب طاحنة بين الصحابة ( عام 36) .

4 ـ ثم اضطر (على ) لحرب معاوية ، وكاد أن ينتصر عليه فى ( صفين ) (عام 37 ) لولا لجوء عمرو بن العاص الى خدعة التحكيم ، أى الاحتكام الى كتاب الله ، وأرغم الأعراب من شيعة (على )(عليا ) على قبول التحكيم ، رغم تحذيره لهم بأنها خدعة ، فأضاعوا الانتصار فى صفين ، ثم أرغموا (عليا ) على أن يعين مندوبا عنه فى مفاوضات التحكيم ، وهو ( أبوموسى الأشعرى ) ليتفاوض مع مندوب معاوية وهو عمرو بن العاص ، فأعطوا بذلك اعترافا صريحا بشرعية معاوية وكونه ندا ( لعلى). وانتهى التحكيم بمهزلة خداع عمرو لأبى موسى الأشعرى ، فثار نفس الأعراب على (على ) تحت شعار ( لا حكم الا لله ) ، وطلبوا من (على ) أن يعترف بكفره ويتوب لأنه وافق على التحكيم ، كما اعترفوا هم بكفرهم وتوبتهم حين أرغموه على قبول التحكيم . ورفض (على ) فخرجوا عليه وحاربوه فهزمهم فى النهروان ، فقتله أحدهم ( ابن ملجم ) عام 40 .واكتسبوا آخر ألقابهم وهو (الخوارج ) .

5 ـ  الخوارج أهم مظاهر ونتائج الفتنة الكبرى الأولى .هؤلاء الأعراب كانوا فى البداية كفارا فأسلموا بالاسلام السلوكى بمعنى السلام ودخلوا فى دين الله جل وعلا أفواجا ،كيدا لقريش  ، ثم ارتدوا حين عادت السيطرة لقريش بعد موت النبى محمد ، ولما هزمهم أبوبكر عادوا تحت سيطرة قريش ـ وأفهمتهم قريش أن غزو ما حولهم من البلاد هو جهاد ، لهم به الجنة ولهم أيضا المغانم من سبى وسلب ونهب ، فأصبحوا عماد الفتوحات ، ثم أصبحوا الثوار على عثمان ، ثم شيعة على ، وفى النهاية خرجوا عليه فأصبحوا ( الخوارج  ).
ترتب على الفتنة الكبرى الأولى أيضا تأسيس معاوية للدولة الأموية .فبعد قتل (على ) بايع ابنه الحسن معاوية فيما سمى بعام الجماعة (40 هجرية )، وخرج على هذا الاجماع الخوارج فظلوا فى حرب مع معاوية وبقية خلفاء الدولة الأموية الى سقوطها عام 132 هجرية.
6 ـ فى كل هذه الحروب الأهلية حافظ المتحاربون على الصلاة الشيطانية .

7 ـ وبعد هذه اللمحة التاريخية نقتطف من بين آلاف التفصيلات إشارات عن تأديتهم الصلوات الشيطانية التى تبرر لهم حروبهم وصراعهم على المال ( إلاههم الأكبر ) سواء فى الاعتداء على الخارج أو الإقتتال الأهلى فى الداخل.
أولا : إشارات عن الصلاة فى الثورة على عثمان وقتله

 1 جاء الثوار الأعراب الى المدينة محتجين عليه ، ودارت مفاوضات إنتهت بإتفاق فعادوا راجعين ، وفى الطريق قبضوا على رسول من عثمان يأمر واليه بقتل وفد الثوار ، كتبه مروان بن الحكم المسيطر على عثمان ، وهو اساس الفتنة. عاد الثوار أكثر غضبا ، فدخلوا المدينة فى غفلة من أهلها. تقول الرواية (  فلم يشعر أهل المدينة إلا والتكبير في نواحيها، ونزلوها وأحاطوا بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن. وصلى عثمان بالناس أياماً، ولزم الناس بيوتهم ولم يمنعوا الناس من كلامه، وأتاهم أهل المدينة وفيهم "علي"  فقال لهم: ما ردكم بعد ذهابكم؟ فقالوا: أخذنا مع بريد كتاباً بقتلنا. ) . الشاهد هنا ان عثمان (صلى بالناس أياما، أى ظل محتفظا بسلطته أياما ، حيث سمح الثوار للناس أن يكلموا عثمان.

2 ـ إختلف الوضع فى صلاة الجمعة التالية ، إذ خطب عثمان وهاجم الثوار يزعم أنهم ملعونون على لسان النبى محمد كما لو أنه عليه السلام كان يعلم الغيب. تقول الرواية : ( ولما جاءت الجمعة التي على أثر دخولهم المدينة، خرج عثمان فصلى بالناس ثم قام على المنبر فقال: يا هؤلاء، الله الله! فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد، صلى الله عليه وسلم، فامحوا الخطأ بالصواب. ) . غضب الثوار : ( وثار القوم بأجمعهم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشياً عليه، فأدخل داره ) وتأتى إشارة بعدها عن الصلاة ، تقول الرواية : ( .. وصلى عثمان بالناس بعد ما نزلوا به في المسجد ثلاثين يوماً، ثم منعوه الصلاة، وصلى بالناس أميرهم الغافقي ودان له المصريون، والكوفيون والبصريون، وتفرق أهل المدينة في حيطانهم ولزموا بيوتهم لا يجلس أحد ولا يخرج إلا بسيفه ليمتنع به، وكان الحصار أربعين يوماً ومن تعرض لهم وضعوا فيه السلاح.). صلى عثمان بالناس ثلاثين يوما ، ثم منعوه الصلاة ، وأصبح الغافقى زعيمهم هو الحاكم الذين يصلون خلفه ، وأصبح عثمان محاصرا فى داره ، وأصبح أهل المدينة تحت رحمة الثوار. وجاءت أخبار للثوار أن جيشا فى الطريق لإنقاذ عثمان فإقتحموا على عثمان داره وقتلوه.  تقول الرواية : (  بقي عثمان ثلاثة أيام لا يدفن،  ) ثم دفنوه فى (حش كوكب، وهو خارج البقيع، فصلى عليه جبير بن مطعم، وقيل: حكيم بن حزام، وقيل: مروان، وجاء ناس من الأنصار ليمنعوا من الصلاة عليه ثم تركوهم خوفاً من الفتنة.).( الحش) هو موضع قضاء الحاجة .(وقيل لم يغسل وكفن في ثيابه.)

ثانيا : إشارات عن الصلاة فى موقعة الجمل :
 كانت عائشة تطعن فى عثمان فلما علمت بقتله وتولى (على ) تزعمت المطالبة بالثأر له ، وأيدها الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله. خرجوا من الحجاز بجيش واتجهوا الى البصرة وعليها وال الصلاة من قبل (على ) هو عثمان بن حنيف ، ودارت بينهم معارك هزموا فيها ابن حنيف وأسروه وأهانوه. ونقتطف بعض التفصيلات .   

1 ـ ( .. فاقتتلوا بدار الرزق قتالاً شديداً إلى أن زال النهار وكثر القتل في أصحاب عثمان بن حنيف وكثر الجراح في الفريقين....فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة ذات رياح ومطر ثم قصدا المسجد فوافقا صلاة العشاء، وكانوا يؤخرونها، فأبطأ عثمان، فقدما عبد الرحمن بن عتاب، فشهر الزط والسيابجة السلاح ثم وضعوه فيهم، فأقبلوا عليهم فاقتتلوا في المسجد فقتلوا، وهم أربعون رجلاً، فأدخلا الرجال على عثمان فأخرجوه إليهما. فلما وصل إليهما توطؤوه وما بقيت في وجهه شعرة، ...وقيل: لما أخذ عثمان أرسله إلى عائشة يستشيرونها في أمره، فقالت: اقتلوه. فقالت لها امرأة: نشدتك الله في عثمان وصحبته لرسول الله، صلى الله عليه وسلم! فقالت لهم: احبسوه. فقال لهم مجاشع بن مسعود: اضربوه وانتفوا لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه. فضربوه أربعين سوطاً ونتفوا لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه ثم أطلقوه وجعلوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.) . أسروا عثمان بن أبى حنيف وفعلوا به الأفاعيل ، وفازوا ببيت مال البصرة ، وهذا هو بيت القصيد.
2 ـ انهزم جيش عائشة فى موقعة الجمل . وكان مروان ضمن جيش عائشة ، وقد أتته فرصة فإغتال طلحة بن عبيد الله لأن له يدا فى إغتيال عثمان. ، تقول الرواية : ( وكان الذي رمى طلحة مروان بن الحكم، ..) أما الزبير فهرب بعد الهزيمة فلحقه أحد أتباع (على ) وهو  ( عمرو بن جرموز ) ، تقول الرواية : (  .. وحضرت الصلاة، فقال ابن جرموز: الصلاة. فقال الزبير: الصلاة، فلما نزلا استدبره ابن جرموز فطعنه في جربان درعه فقتله وأخذ فرسه وسلاحه وخاتمه. )

ثالثا :  إشارات عن الصلاة فى موقعة ( صفين )

كان (على ) يتأهب لحرب معاوية ، فشجع الأمويون عائشة وطلحة والزبير على الخروج على (على ) وقتاله إستنفادا لجهده ولإتاحة الفرصة لمعاوية حتى يستعد. وكانت المواجهة بينهما فى حرب صفين. ونلتقط منها بعض إشارات عن الصلاة :

1 ـ عن بأس (الأشتر النخعى ) قائد جيش على تقول الرواية : ( وقاتلهم الأشتر قتالاً شديداً، .. فما زال هو ومن رجع إليه يقاتلون حتى كشف أهل الشام وألحقهم بمعاوية والصف الذي معه بين صلاة العصر والمغرب، ) هنا التوقيت للإقتراب من النصر بما بين صلاتى العصر والمغرب .

2 ـ وتستمر الرواية : ( وانتهى إلى عبد الله بن بديل وهو في عصابة من القراء نحو المائتين أو الثلثمائة قد لصقوا بالأرض كأنهم جثاً، فكشف عنهم أهل الشام فأبصروا إخوانهم فقالوا: ما فعل أمير المؤمنين؟ قالوا: حيٌّ صالح في الميسرة يقاتل الناس أمامه. فقالوا: الحمد لله! قد كنا ظننا أنه قد هلك وهلكتم.).. و ( القُرّاء ) هو لقب من أصبحوا الخوارج فيما بعد. ووصفهم بالقراء يعنى الذين يقيمون الليل قراءة للقرآن وصلاة . وقد تطرف الخوارج فى الصلاة وفى إستحلال دماء الأبرياء ، وسنعرض لهم لاحقا.

3 ـ وتقول الرواية : (  .. فتناهض الناس يوم الأربعاء فاقتتلوا قتالاً شديداً نهارهم كله، ثم انصرفوا عند المساء وكلٌّ غير غالب، فلما كان يوم الخميس صلى "علي " بغلس وخرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم وزحفوا معه، وكان على ميمنة علي عبد الله ابن بديل بن ورقاء الخزاعي، وعلى ميسرته عبد الله بن عباس، والقراء مع ثلاثة نفر: عمار، وقيس بن سعد، وعبد الله بن بديل، والناس على راياتهم ومراكزهم. .. ورفع معاوية قبة عظيمة فألقى عليها الثياب وبايعه أكثر أهل الشام على الموت .. ) . هنا إشارة لصلاة (على ) فى الغلس أى فى الفجر عند إختلاط ضوء الفجر بظلام الليل. وهنا أيضا إشارة الى ( القُرّاء ) الذين صاروا خوارج فيما بعد. وكان منهم (اُبىّ ) تقول عنه الرواية : ( وكان يقال لأبي ابي الصلاة لكثرة صلاته. ).

4 ـ حين إقترب الأشتر من فسطاط معاوية إستشار عمرو بن العاص فأشار عليه برفع المصاحف على الرماح وتحكيم القرآن. وفهم (على ) أنها خدعة ، ولكن ( القُرّاء ) أرغموا عليا على قبول التحكيم وأرغموه على أن يستدعى الأشتر ، وهو على وشك الإنتصار. ووقع الخلاف بين الأشتر والقُرّاء ، فصاح فيهم الأشتر : ( خُدعتم فانخدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم، يا أصحاب الجباه السود! كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوقاً إلى لقاء الله، فلا أرى مرادكم إلا الدنيا، ألا قبحاً يا أشباه النيب الجلالة! ما أنتم برائين بعدها عزاً أبداً فابعدوا كما بعد القوم الظالمون! فسبوه وسبهم وضربوا وجه دابته بسياطهم وضرب وجوه دوابهم بسوطه فصاح به وبهم علي فكفوا. وقال الناس: قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا وبينهم حكماً.). هذا وصف الأشتر لهم بالصلاة وعلامة السجود فى جباههم.

5 ـ وانتهى التحكيم بأن نجح معاوية فى تفريق جيش (على ) وإنقاذ نفسه من هزيمة محققة، ورجع بجيشه الى الشام وهم يسلمون عليه بالخلافة ، ورجع (على ) بخيبة كبرى. فصبّ نقمته على معاوية بأن كان يدعو عليه وعلى أصحابه فى الصلاة. تقول الرواية : (.. ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة، ... وكان علي إذا صلى الغداة يقنت فيقول: اللهم العن معاوية وعمراً وأبا الأعور وحبيباً وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد! فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت سب علياً وابن عباس والحسن والحسين والأشتر.) . وبهذا تم إبتداع اللعن فى الصلاة. بدأه (على ) وإستمر فيه معاوية وخلفاؤه.

6 ـ ثم كانت محنة على بالقُرّاء الذين أرغموه على التحكيم ثم بعد أن ظهرت الخدعة إرتدوا بلوم (على ) ، ودار جدل عقيم بينهم . ومن الروايات نرى إشارات الى الصلاة ، تقول الرواية : ( ..فخرج علي في الناس حتى دخل إليهم، فأتى فسطاط يزيد بن قيس فدخله فصلى فيه ركعتين وأمره على أصبهان والري، ثم خرج حتى انتهى إليهم وهم يخاصمون ابن عباس فقال: ألم أنهك عن كلامهم؟ ).

7 ـ بعد التحكيم طمع معاوية فى أن يأخذ ( مصر ) التابعة لخصمه (على ). فاتفق مع عمرو ابن العاص أن يفتحها له عمرو مقابل أن تكون مصر ( طُعمة له ) أى أن يستأثر عمرو بخراجها وجزيتها ، ولا يعطى منه شيئا لمعاوية . تقول الرواية : (.. وذلك أن عمراً كان صالح معاوية على قتال علي على أن له مصر طعمةً ما بقي. ) . وراسل معاوية أعوانه فى مصر وهم مسلمة بن مخلد ومعاوية بن حديج السكوني والمناصرين للثأر لعثمان بن عفان  ، وجهز جيشا من ستة آلاف جندى مع عمرو بن العاص . وكان والى مصر من قبل (على ) هو محمد بن ابى بكر المتهم بالمشاركة فى قتل عثمان .  وانتهى الأمر بأن هزم معاوية بن حديج جيش محمد بن أبى بكر ، وأسروه ، وجىء به الى معاوية بن حديج ، قال له معاوية ابن حديج : ( أتدري ما أصنع بك؟ أدخلك جوف حمار ثم أحرقه عليك بالنار. .. وقتله ثم ألقاه في جيفة حمار ثم أحرقه بالنار.فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعاً شديداً وقنتت في دبر الصلاة تدعو على معاوية وعمرو وأخذت عيال محمد إليها، فكان القاسم بن محمد بن أبي بكر في عيالهم، ولم تأكل من ذلك الوقت شواء حتى توفيت.) الشاهد هنا أن عائشة تصلى ، أى صلاة شيطانية تدعو فيها على قتلة أخيها.

8 ـ كان (على ) يخرج من فشل ليدخل فى فشل آخر. وإنتهى فشله بأن قتله الخارجى عبد الرحمن بن ملجم. وعاونه فى الاغتيال شبيب بن بجرة . تقول الرواية : ( وأتى ابن ملجم رجلاً من أشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وماذا؟ قال: قتل علي. قال شبيب: ثكلتك أمك! لقد جئت شيئاً إداً! كيف تقدر على قتله؟ قال: أكمن له في المسجد فإذا خرج إلى صلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا فقد شفينا أنفسنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. ..  فلما كان ليلة الجمعة، .. أخذ سيفه ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي للصلاة، فلما خرج علي نادى: أيها الناس الصلاة الصلاة. فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب، وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف، وقال: الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك! .. وهرب شبيب في الغلس...).   مثل عمر والزبير كان قُتل على فى الصلاة..... الصلاة الشيطانية .

 

 

 

الفصل التاسع : صلاتهم الشيطانية فى حروبهم الأهلية فى العصر الأموى:

( 1 من 2 )

مقدمة : لا زلنا نبحث عن صلاتهم الشيطانية فى حروبهم الأهلية ، وندخل فى العصرالأموى ، نعطى منه بعض النماذج :

أولا : إشارات عن الصلاة الشيطانية فى عهد معاوية

1 ـ  إنفرد معاوية بالحكم بعد تنازل الحسن بن على ، وكان مشغولا بالعراق مركز المعارضة ، فجعل واليه على الصلاة فيها زياد بن أبيه ، جمع له البصرة والكوفة . تقول الرواية إن معاوية : (  أرسل إلى زياد، وهو بالكوفة، فأمره بالمسير إلى البصرة، فولاه البصرة وخراسان وسجستان، ثم جمع له الهند والبحرين وعمان، فقدم البصرة آخر شهر ربيع الآخر سنة خمس وأربعين والفسق ظاهر فاشٍ، فخطبهم خطبته البتراء.. ) ،وفيها أعلن فى مسجدها تشريعا جديدا ، قال فيه : (وإني لأقسم بالله لأخذن الولي بالولي، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد،  ..إياكم ودلج الليل فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه، وقد أجلتكم في ذلك بقدر ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع إليكم، وإياي ودعوى الجاهلية فإني لا أجد أحداً دعا بها إلا قطعت لسانه.وقد أحدثتم أحداثاً لم تكن، وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة، فمن غرق قوماً غرقناه، ومن حرق على قوم حرقناه، ومن نقب بيتاً نقبت عن قلبه، ومن نبش قبراً دفنته فيه حياً، فكفوا عني أيديكم وألسنتكم أكفف عنكم لساني ويدي، وإياكم لا يظهر من أحد منكم خلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه... وإن لي فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كل امرىء منكم أن يكون من صرعاي.). إعترض بعض الخوارج وهو ابو بلال بن مرداس على سياسة معاقبة البرىء إنتقاما من الظالم . تقول الرواية : (  فقام إليه أبو بلال مرداس بن أدية، وهو من الخوارج، وقال: أنبأ الله بغير ماقلت، قال الله تعالى: ( وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرةٌ وزر أخرى وأن ليس للإنسان ما سعى) فأوعدنا الله خيراً مما أوعدتني يا زياد. فقال زياد: إنا لا نجد إلى ما تريد أنت وأصحابك سبيلاً حتى نخوض إليها الدماء.). أى إعترف زياد بن أبيه بأنه فى تشريعه هذا يخوض فى الباطل خوضا ليثبت سلطان معاوية .

وقام زياد بتطبيق سياسته هذه ، تقول عنه الرواية : ( واستعمل زياد على شرطته عبد الله بن حصن، ... فكان يؤخر العشاء الآخرة ثم يصلي ، فيأمر رجلاً أن يقرأ سورة البقرة أو مثلها يرتل القرآن، فإذا فرغ أمهل بقدر ما يرى أن إنساناً يبلغ أقصى البصرة، ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج، فيخرج فلا يرى إنساناً إلا قتله. فأخذ ذات ليلة أعرابياً فأتى به زياداً فقال: "هل سمعت النداء؟ " فقال: " لا والله! قدمت بحلوبة لي وغشيني الليل فاضطررتها إلى موضع وأقمت لأصبح ولا علم لي بما كان من الأمير." ،  فقال: " أظنك والله صادقاً ، ولكن في قتلك صلاح الأمة " . ثم أمر به فضربت عنقه.). يهمنا هنا أنه جعل صلاة العشاء موعدا لحظر التجول ، يؤخر صلاة العشاء ، ثم تقتل الشرطة من يسير فى الطريق حتى لو لم يكن يعلم بحظر التجول.

2 ـ وتسبب زياد فى قتل حجر بن عدى كبير الشيعة فى العراق . ويتردد فى هذه الرواية عن قتل حجر بن عدى موضوع الصلاة ، تقول الرواية : ( أن زياداً خطب يوم جمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة، فقال له حجر بين عدي: الصلاة. فمضى في خطبته. فقال له: الصلاة. فمضى في خطبته. فلما خشي حجر بن عدي فوت الصلاة ضرب بيده إلى كف من حصى وقام إلى الصلاة وقام الناس معه. فلما رأى زياد ذلك نزل فصلى بالناس ، وكتب إلى معاوية وكثر عليه، فكتب إليه معاوية ليشده في الحديد ويرسله إليه. فلما أراد أخذه قام قومه ليمنعوه، فقال حجر: لا ولكن سمعاً وطاعة. فشد في الحديد وحمل إلى معاوية. فلما دخل عليه قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين! فقال معاوية: أأمير المؤمنين أنا؟ والله لا أقيلك ولا أستقيلك! أخرجوه فاضربوا عنقه! فقال حجر للذين يلون أمره: دعوني حتى أصلي ركعتين. فقالوا: صل، فصلى ركعتين خفف فيهما. ثم قال: لولا أن تظنوا بي غير الذي أردت لأطلتهما ..  ) 

3 ـ وقد عيّن زياد إبن أبيه (الربيع بن زياد الحارثي ) واليا على خراسان  وسخط والى خراسان هذا على قتل حجر بن عدى ، وقال : "  لا تزال العرب تقتل صبراً بعده، ولو نفرت عند قتله لم يقتل رجل منهم صبراً، ولكنها أقرّت فذلّت." وفى خطبة الجمعة قال :  " أيها الناس إني قد مللت الحياة وإني داعٍ بدعوة فأمنوا! ثم رفع يديه بعد الصلاة فقال: اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك عاجلاً! " وفى الرواية أنه مات بعدها ، وإستخلف ابنه عبد الله فمات من يومه ، ومات ابن آخر له بعد شهرين . بعدها عيّن زياد واليا جديدا هو خليد بن يربوع الحنفى.

4 ـ واضح أن زياد بن ابيه هو الذى دبر قتل الربيع الحارثى وإبنيه ، وجعلها مؤامرة محكمة حتى لا تثور قبيلته. وإختلف الوضع مع وال آخر لمعاوية هو سمرة الذى أخلص فى طاعة معاوية فعزله معاوية فقال : " لعن الله معاوية! والله لو أطعت الله كما أطعته ما عذبني أبداً. " . كان سمرة هذا جبارا فى الأرض ، تقول الرواية : ( ..وجاء رجل إلى سمرة فأدى زكاة ماله ثم دخل المسجد فصلى، فأمر سمرة بقتله فقتل.. ) . وبسبب كلمته ضد معاوية مات فجأة .

5 ـ وكانت سياسة معاوية التخلص بالسُّم ممّن يتوجس منهم. فعل هذا مع الأشتر النخعى ومع الحسن بن على ومع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. هذا مع محافظة معاوية على تأديته الصلاة الشيطانية . 

ثانيا : إشارات عن الصلاة الشيطانية فى مذبحة كربلاء

تعرضنا لمذبحة كربلاء بالتفصيل فى كتاب منشور هنا. وأثبتنا إنه كان صراعا على المال والسُّلطة ، وأن الحسين هو الذى يتحمل نتيجة فشله ومقتله وأهله فى هذه المذبحة ، وإنها كانت مغامرة خاسرة صمم عليها برغم تكرار النصيحة له . وهنا نعطى لمحة عن وقوع الفريقين فى الصلاة الشيطانية فى ثنايا الأحداث .

1 ـ أرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبى طالب الى الكوفة ليقوم بتجميع أنصاره ، تقول الرواية : (ثم دعا الحسين مسلم بن عقيل فسيره نحو الكوفة وأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف، فإن رأى الناس مجتمعين له عجل إليه بذلك. فأقبل مسلم إلى المدينة فصلى في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وودع أهله واستأجر دليلين من قيس ). هنا الصلاة فى مسجد نسبوه الى بشر وليس الى الله جل وعلا.

2 ـ وكان عبيد الله بن زياد ( والى الصلاة ) على العراق خلفا لأبيه زياد بن أبيه. فلما قدم مسلم بن عقيل الى الكوفة واجتمع اليه الشيعة فى ( المسجد ) بعث عبيد الله بن زياد جاسوسا وأعطاه ثلاثة آلاف درهم ليتحبب بها الى مسلم بن عقيل وينضم اليه ، تقول الرواية : ( ودعا ابن زياد مولى له وأعطاه ثلاثة آلاف درهم وقال له: " اطلب مسلم ابن عقيل وأصحابه والقهم وأعطهم هذا المال وأعلمههم أنك منهم واعلم أخبارهم ." .. وأتى هذا الجاسوس الى المسجد وأخذ يصلى ، ( فسمع الناس يقولون: هذا يبايع للحسين، وهو يصلي، فلما فرغ من صلاته .. ) قال لأحد الشيعة : ( " يا عبد الله إني امرؤ من أهل الشام أنعم الله علي بحب أهل هذا البيت، وهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد سمعت نفراً يقولون إنك تعلم أمر هذا البيت وإني أتيتك لتقبض المال وتدخلني على صاحبك أبايعه، وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائي إياه.). وبهذه الصلاة فى المسجد زرع ابن زياد جاسوسا مقربا من مسلم بن عقيل.

2 ـ بعدها هدّد ابن زياد رءوس القبائل فى الكوفة بمنع العطاء أو المرتبات ، فبدأت حموع الشيعة تنفض من حول مسلم بن عقيل ، وأصبح تائها يبحث عن ملجأ . وجمع ابن زياد رءوس القبائل وجموع الناس فى المسجد وهدّد من يقوم بإيواء مسلم بن عقيل وأغرى من يقوم بتسليمه بالمكافأة. تقول الرواية : ( .. وأما ابن زياد .. فنزل إلى المسجد قبيل العتمة وأجلس أصحابه حول المنبر وأمر فنودي: ألا برئت الذمة من رجل من الشرط والعرفاء والمناكب والمقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد. فامتلأ المسجد، فصلى بالناس ثم قام فحمد الله ثم قال: أما بعد فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما رأيتم من الخلاف والشقاق فبرئت الذمة من رجل وجدناه في داره، ومن أتانا به فله ديته. وأمرهم بالطاعة ولزومها، وأمر الحصين بن تميم أن يمسك أبواب السكك ثم يفتش الدور، وكان على الشرط، وهو من بني تميم.). هنا المسجد و تجميع الناس للصلاة فيه بغرض سياسى . وانتهى مسلم بن عقيل بالقتل ، وعرف الحسين بمقتله وأن أهل الكوفة أصبحوا خصوما له ، فظل فى طريقه اليهم ، برغم نُصح الناصحين.

3 ــ وأرسل ابن زياد بجيش يقوده الحُرُّ بن يزيد التميمى ليمنع الحسين من التوجه الى الكوفة . ثم أرسل جيشا آخر يقوده عمر بن سعد بن أبى وقاص ، ثم أرسل أيضا شمّر بن ذى الجوشن ليؤكد على قتل الحسين وأهله. وفى مذبحة كربلاء يتردد بين سطورها أن القوم كانوا يصلٌّون وقت الاقتتال ، تقول الروايات :

3 / 1 ( وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ثم اليربوعي، فوقفوا مقابل الحسين وأصحابه في نحر الظهيرة ... فلم يزل مواقفاً الحسين حتى حضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين مؤذنه بالأذان، فأذن ..فسكتوا ، وقالوا للمؤذن: أقم، فأقام، وقال الحسين للحر: أتريد أن تصلي أنت بأصحابك؟ فقال: بل صل أنت ونصلي بصلاتك. فصلى بهم الحسين، ثم دخل واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه، ثم صلى بهم الحسين ... فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيؤوا للرحيل ثم إنه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر واقام فاستقدم الحسين فصلى بالقوم.. )

3 / 2 :   عن جيش الأمويين بقيادة عمر بن سعد : ( ..  فلما صلى عمر بن سعد الغداة يوم السبت وقد بلغنا أيضا أنه كان يوم الجمعة وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء خرج فيمن معه من الناس ) (  ثم إن عمر بن سعد نادى : " يا خيل الله اركبي وأبشري "، فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر وحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه ..)

3 / 3 : عن جيش الحسين : ( وعبى الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً،  ...ولما حضر وقت الصلاة قال أبو ثمامة الصائدي للحسين: نفسي لنفسك الفداءأرى هؤلاء قد اقتربوا منك، والله لا تقتل حتى أقتل دونك، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة! فرفع الحسين رأسه وقال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين ،نعم هذا أول وقتها، ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي. ففعلوا، فقال لهم الحصين: إنها لا تقبل. فقال له حبيب بن مطهر: زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتقبل منك يا حمار! فحمل عليه الحصين، وخرج إليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب فسقط عنه الحصين فاستنقذه أصحابه . ثم صلوا الظهر، صلى بهم الحسين صلاة الخوف، ثم اقتتلوا بعد الظهر، فاشتد قتالهم...  فلما أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون  ..)

4 ـ ووصلت الأنباء الى عبيد الله بن زياد بالنصر ، فعقد مؤتمرا فى  (المسجد ) ، تقول الرواية : (ثم نادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر فخطبهم وقال" الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته." . فوثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الوالبي،وكان ضريراً قد ذهب إحدى عينيه يوم الجمل مع علي والأخرى بصفين معه أيضاً، وكان لايفارق المسجد يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف، فلما سمع مقالة ابن زياد قال: " يا ابن مرجانة! إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه! يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين..؟ " فقتله، وأمر بصلبه في المسجد، فصلب..) .

المسجد هنا مركز للمكائد السياسية .. بل والصلب أيضا.

وقد قال جل وعلا : (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّـهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴿١٧﴾  إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّـهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَـٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴿١٨﴾ التوبة  )

 صلاتهم الشيطانية فى حروبهم الأهلية فى العصر الأموى ( 2 من 2 )

1 ـ خلال حكم يزيد بن معاوية حدثت ثلاث فواجع : مذبحة كربلاء فى شهر حرام هو المحرم عام 61 ، وإقتحام المدينة وإستحلالها قتل رجالها وإغتصاب نسائها فى موقة الحرة فى شهر حرام هو ذو الحجة عام 63 ، وإنتهاك حرمة البيت الحرام فى الهجوم على ابن الزبير عام 64. كل هذا عبادة للإله الأعظم عندهم وهو المال والسلطان. ثم مات يزيد موتة غامضة وهو فى ريعان شبابه وقت حصار الكعبة ، وتولى ابنه معاوية بن يزيد فإعتزل الحكم ، وأعلن إعتزاله فى المسجد ، تقول الرواية : ( ولما كان في آخر إمارته أمر فنودي: " الصلاة جامعة " ، فاجتمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد فإني ضعفت عن أمركم فابتغيت لكم مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم أجده، فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلم أجدهم، فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم. " ثم دخل منزله وتغيب حتى مات .! ) . كان المسجد مركز الاعلام وقتها ، عند الأمور الهامة يؤذّن بنداء ( الصلاة جامعة ) فيأتى الناس لسماع الخبر . ومن الطبيعى أن يكون هذا فى المسجد الأكبر ، ومنه إكتسبت بعض المساجد وصف ( الجامع ) .

2 ـ  إستفحل نفوذ ابن الزبير وأصبح الخليفة الوحيد ، بينما إختلف وتفرق أتباع بنى أمية . كانت معهم قبائل قيس يتزعمهم الضحاك بن قيس الفهرى والمتولى أمر دمشق ، وقبائل قحطان اليمنية يتزعمهم حسان بن بحدل الكلبة زعيم قبيلة كلب فى الشام وهو خال يزيد بن معاوية ، فلما إعتزل معاوية بن يزيد أعلن الضحاك بن قيس ( زعيم قبائل قيس المضرية فى الشام) خروجه على الأمويين .

تقول الرواية : ( وخرج الضحاك إلى مسجد دمشق فجلس فيه فذكر يزيد بن معاوية فوقع فيه فقام إليه شاب من كلب بعصا معه فضربه بها والناس جلوس في الحلق متقلدي السيوف فقام بعضهم إلى بعض في المسجد فاقتتلوا قيس تدعو إلى ابن الزبير ونصرة الضحاك وكلب تدعو إلى بني أمية ثم إلى خالد بن يزيد ويتعصبون ليزيد ودخل الضحاك دار الإمارة وأصبح الناس فلم يخرج إلى صلاة الفجر وكان من الأجناد ناس يهوون هوى بني أمية وناس يهوون هوى ابن الزبير ) يهمنا فى الرواية أن الضحاك   كان معتادا بحكم إمارته على دمشق أن يذهب للمسجد فيها ، فلما بدأ فى تحويل ولائه الى ابن الزبير أعلن سبّ يزيد بن معاوية فى المسجد تمهيدا للخروج من طاعة الأمويين ، وأنه حدث إقتتال فى هذا المسجد وحين عورض إنقطع عن صلاة الفجر فى المسجد . فالمسجد هنا والصلاة فيه هو خلفية الأحداث ، وفى اليوم التالى تخلف الضحاك عن صلاة الفجر فى المسجد دليلا على تدهور الأحوال ووقوع الانقسام . بعض الجنود مع ابن الزبير والبعض الآخر مع بنى أمية ، دون وجود زعيم أموى يلتفون حوله.

2 ـ أصبح موقف الأمويين عسيرا فى الشام ، إذ إختار العرب في مصر الانضمام الى ابن الزبير ، بل إن بعض أنصار الأمويين فى الشام انفضوا عنهم وبايعوا ابن الزبير مثلما فعل النعمان بن البشير فى حمص وزفر بن الحارث الكلابى فى قنسرين وانضموا الى الضحاك وبايعوا ابن الزبير.  هذا الوضع المتردى للأمويين جعل كبيرهم مروان بن الحكم يفكر فى البيعة لابن الزبير ، ولكن أثناه عن ذلك عبيد الله بن زياد والى العراق والحصين بن النمير العائد من حصار الكعبة وقتال ابن الزبير.ووقف الى جانب الأمويين فى محنتهم حسان ابن بحدل الكلبى . وكان ابن الزبير بغبائه قد طرد عائلات الأمويين فى الحجاز فأتاح لهم التجمع فى الشام . وعقدوا مع أنصارهم مؤتمر ( الجابية ) واتفقوا فيه على تولى الخلافة مروان بن الحكم شيخ الأمويين وقتها ، ثم يليه خالد بن يزيد بن معاوية ثم عمرو بن سعيد بن العاص ( الأشدق ) . بهذا توحّد الأمويون ومعهم سيوف قبائل كلب ، وبدأ مروان باستخلاص الشام من أتباع ابن الزبير ، فهزم الضحاك بن قيس الفهرى وقتله فى موقعة مرج راهط ، عام 64 ، وإستخلص الشام . وليحمى ظهره بعدها سار مروان بن الحكم لاسترداد مصر من والى ابن الزبير ، وهو عبد الرحمن بن جحدم القرشى فهزمه وقتله .وتملّك مروان بن الحكم مصر والشام .

3  : نقض مروان بن الحكم إتفاق الجابية ، إذ عزل من ولاية العهد كلا من خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد الأشدق، وعهد لابنيه على التوالى عبد الملك ثم عبد العزيز.ورضى خالد ابن يزيد بن معاوية مرغما ، ذلك أن مروان تزوج أم خالد ليذل ابنها خالد ، وسبّه بأمّه أمام الملأ التابع للأمويين ، فإشتكى خالد لأمّه وجعلها مسئولة عن الإهانة التى حدثت له ، فما كان منها إلا دبرت قتل مروان بن الحكم خنقا عام 65 ، وتولى ابنه عبد الملك فلم يعاقب أم خالد إكتفاء بإعتزال إبنها خالد بن يزيد السياسة.

4 : بقى عمرو بن سعيد بن العاص حانقا على عزله من ولاية العهد .  وجاءته الفرصة عام 69 حين خرج الخليفة عبد الملك بن مروان بن العاص بجيش لمحاربة أتباع ابن الزبير ، وإستخلف عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق على دمشق ، فأسرع الأشدق بالاستيلاء على بيت المال ودمشق وتحصّن بها ، فرجع عبد الملك بجيشه وحاصره . وفى النهاية تم الصلح بينهما وأعطاه عبد الملك العهود والمواثيق ألّا يمسه بسوء . وعاد عمرو بن سعيد بن العاص الى طاعة عبد الملك بن مروان بن العاص . ولكن الخليفة عبد الملك غدر بإبن عمه وذبحه بيده. وفى روايات ذبح عبد الملك لابن عمه يتردد ذكر الصلاة والمسجد.

4 / 1 : فى البداية دعاه عبد الملك الى زيارته ، ومنع حراس عمرو بن سعيد من الدخول معه وأغلق الأبواب ، وإختلى به وجرّده عبد الملك من سيفه ثم قيّده ، ثم جذبه بقيوده ، تقول الرواية : ( ثم اجتبذه اجتباذة أصاب فمه السرير فكسر ثنيته ) أى كسر أسنانه الأمامية . وإسترحم عمرو ابن عمه الخليفة : ( فقال عمرو : " أذكرك الله يا أمير المؤمنين أن يدعوك الى كسر عظم مني أن تركب ما هو أعظم من ذلك " . فقال له عبدالملك : " والله لو أعلم أنك تُبقي علي إن أبقي عليك وتصلح قريش لأطلقتك ، ولكن ما اجتمع رجلان قط في بلدة على مثل مانحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه "). فلما تيقن عمرو أنه مقتول لا محاله شتم الخليفة، قال له:( أغدرا يابن الزرقاء ؟ ) .

4 / 2 : ترك عبد الملك ابن عمه مقيدا وخرج ( يصلى العصر) وأمر أخاه عبد العزيز بن مروان ( والد عمر بن عبد العزيز ) أن يقتل إبن عمهما عمرو بن سعيد . تقول الرواية : ( ..وأذن المؤذن العصر فخرج عبدالملك يصلي بالناس وأمر عبدالعزيز بن مروان أن يقتله فقام إليه عبدالعزيز بالسيف فقال له عمرو : " أذكّرك الله والرحم أن تلي أنت قتلي وليتول ذلك من هو أبعد رحما منك . " فألقى عبدالعزيز السيف وجلس ، وصلى عبدالملك صلاة خفيفة ودخل وغلقت الأبواب ... )

4 / 3 :  رجع عبد الملك من الصلاة فوجد أخاه عبد العزيز لم يقتل ابن العم ، فشتم عبد الملك أخاه عبد العزيز بأُمّه ، تقول الرواية : ( ودخل عبدالملك حين صلى فوجد عمرا حيا فقال لعبد العزيز : " ما منعك من أن تقتله ؟ " قال : " منعني أنه ناشدني الله والرحم فرققت له .! " فقال له عبدالملك : " أخزى الله أمك البوّالة على عقبيها فإنك لم تشبه غيرها ." ) وقام عبد الملك بقتله بنفسه. تقول الرواية : ( ثم إن عبدالملك قال : " يا غلام ائتني بالحربة " ، فأتاه بالحربة فهزها ثم طعنه بها ، فلم تجز ، ثم ثنّى فلم تجز ، ) أى طعنه مرتين بالحربة فلم تفعل شيئا فإكتشف عبد الملك أن عمرا يرتدى درعا تحت ثيابه : ( فضرب بيده إلى عضد عمرو فوجد مس الدرع فضحك ، ثم قال : " ودارع أيضا يا أبا أمية إن كنت لمعدا ، يا غلام ائتني بالصمصامة . " فأتاه بسيفه ،  ثم أمر بعمرو فصُرع وجلس على صدره فذبحه .) ثم ألقى براسه لأتباعه ومعها الأموال. تقول الرواية : ( ..وجاء عبدالرحمن ابن أم الحكم الثقفي فدفع إليه الرأس فألقاه إلى الناس، وقام عبدالعزيز بن مروان فأخذ المال في البدور فجعل يلقيها إلى الناس،  فلما نظر الناس إلى الأموال ورأوا الرأس انتهبوا الأموال وتفرقوا ). هنا الصلاة وسيلة للغدر ، والمال هو المعبود الأكبر للخليفة وللأعوان أيضا.

5 : دخل العراق فى فوضى وقتئذ ، وكان والى (الصلاة ) عبيد الله بن زياد فى موقف حرج ،  وتحت عنوان ( ذكر حال ابن زياد بعد موت يزيد ) تقول الرواية : ( لما مات يزيد وأتى الخبر عبيد الله بن زياد  ..، فأمر فنودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس،وصعد المنبر فنعى يزيد وثلبه.. وقال: يا أهل البصرة إن مهاجرنا إليكم ودارنا فيكم ومولدي فيكم،...) أراد ابن زياد التحبب الى أهل البصرة فعقد هذا المؤتمر الجامع فى المسجد ، وفيه شتم يزيد بن معاوية .

6 ـ  ثم هرب ابن زياد الى الشام ، ووقعت إضطرابات بين القبائل فى العراق . وفى تفصيلات عديدة يأتى ذكر المسجد ساحة للقتال والحكم والسيطرة بالاضافة للصلاة الشيطانية ، ونقتطف من بين السطور :

6 / 1  : (  وصعد مسعود المنبر وسار مالك بن مسمع نحو دور بني تميم حتى دخل سكة بني العدوية فحرق دورهم  ... وجاء بنو تميم إلى الأحنف فقالوا: يا أبا بحر، إن ربيعة والأزد قد تحالفوا وقد ساروا إلى الرحبة فدخلوها. فقال: لستم بأحق بالمسجد منهم. ...)

6 / 2 : (  فسار عبس إلى المسجد، فلما سار عبس جاء عباد فقال: ما صنع الناس؟ فقيل: سار بهم عبس. فقال: لا أسير تحت لواء عبس، وعاد إلى بيته ومعه ستون فارساً. فلما وصل عبس إلى المسجد قاتل الأزد على أبوابه ومسعود على المنبر يحضض الناس.. )

6 / 3 : ( واجتمعت تميم إلى الأحنف فقالوا له: إن الأزد قد دخلوا المسجد. قال: إنما هولهم ولكم. قالوا: قد دخلوا القصر وصعد مسعود المنبر.. )

6 / 4 : (  .. فجاءت عصابة منهم حتى دخلوا المسجد ومسعود على المنبر يبايع من أتاه..)

7 : إنتهز الفرصة مغامر اسمه المختار الثقفى سيطر على معظم العراق ، مرة بزعمه تبعيته لآل البيت ودعوته لمحمد بن على بن أبى طالب ( ابن الحنفية ) أكبر أولاد (على ) والمقيم فى الحجاز تحت سيطرة ابن الزبير ، ومرة بزعمه التبعية لابن الزبير ، ولكن هواه كان أكثر مع الهاشميين . والمختار الثقفى هو الذى تتبع بالقتل كل من شارك فى مذبحة كربلاء بدءا من عبيد الله بن زياد والى العراق للأمويين الى بقية الذين شاركوا فى قتل الحسين وآله ومنهم عمر بن سعد بن أبى وقاص وشمر بن ذى الجوشن . وفى صراع المختار الثقفى مع خصومه فى العراق يظهر دور المساجد .  نقتطف هذه السطور :

7 / 1 ـ عن تجميعه الناس ليبايعوه نرى المختار يستخدم المساجد :

7 / 1 / 1 : (. ثم ركب راحلته نحو الكوفة فوصل إلى نهر الحيرة يوم الجمعة فاغتسل ولبس ثيابه، ثم ركب فمر بمسجد السكون وجبانة كندة لا يمر على مجلس إلا سلم على أهله وقال: أبشروابالنصرة والفتح ..)

  7 / 1 / 2  :  ( ومرّ على حلقة من همدان فقال: قد قدمت عليكم بما تحبون ... ثم أتى المسجد واستشرف له الناس، فقام إلى سارية فصلى عندها حتى أقيمت الصلاة ، وصلى مع الناس ، ثم صلى ما بين الجمعة والعصر ثم انصرف إلى داره، )

7 / 1 / 3 ( واختلف إليه الشيعة، ) أى جاءته الشيعة . وخطب على منبر المسجد (  فحمد الله ثم قال: إن المهدي ابن الوصي بعثني إليكم أميناً ووزيراً ومنتخباً وأميراً وأمرني بقتل الملحدين والطلب بدم أهل بيته والدفع عن الضعفاء، فكونوا أول خلق الله إجابةً.) فبايعوه .

7 / 1 / 4 : وتجمع معه جيش صلى بهم الفجر : (فلحقوا بالمختار، فتوافى إلى المختار ثلاثة آلاف وثمانمائة من اثني عشر ألفاً كانوا بايعوه، فاجتمعوا له قبل الفجر، فأصبح وقد فرغ من تعبيته وصلى بأصحابه بغلس.)

7 / 2 ـ ابن مطيع كان والى ( الصلاة ) لابن الزبير على الكوفة ، اصبح خصم المختار ، وقد استخدم ابن مطيع المسجد أيضا :

7 / 2 / 1 :  إذ أمر أتباعه بالاجتماع بالمسجد الرسمى ، ومن لا يحضر فقد برئت منه الذمة : (  وأرسل ابن مطيع إلى الجبابين فأمر من بها أن يأتوا المسجد، وأمر راشد بن إياس فنادى في الناس: برئت الذمة من رجل لم يأت المسجد الليلة. فاجتمعوا، )

7 / 2 / 2 : وبعث ابن مطيع ( شبث بن ربعي ) في نحو ثلاثة آلاف لحرب المختار، وكان شبث بن ربعى ممن شارك فى جيش الأمويين فى كربلاء .( فسار شبث إلى المختار، فبلغه خبره وقد فرغ من صلاة الصبح .. ) هنا الصلاة أيضا فى وقت الحرب الأهلية . 

7 / 3 :  وانتصر المختار فدخل قصر الامارة والمسجد الرسمى : ( ودخل المختارالقصر فبات فيه، وأصبح أشراف الناس في المسجد وعلى باب القصر، وخرج المختار فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال: " الحمد لله الذي وعد وليه النصر، وعدوه الخسر،وجعله فيه إلى آخر الدهر، وعداً مفعولاً وقضاء مقضياً، وقد خاب من افترى.. ") 

7 / 4 : وعلى يد المختار تحول المسجد الى مركز للإفتراء :

7 /4  / 1 : إذ وصل التلاعب الدينى عند المختار أن زعم أن معه كرسيا ينتصر به ، فصدّقه الناس . عن الكرسى الذى زعم المختار أن ينتصر به تقول الرواية ان المختار عقد مؤتمرا صحفيا ( فى المسجد ) : ( ثم دعا: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فقال المختار: إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلاوهو كائن في هذه الأمة مثله، وإنه كان في بني إسرائيل التابوت، وإن هذا فينا مثل التابوت. فكشفوا عنه، وقامت السبئية فكبروا. ). السبئية هم أول فرقة شيعية ، كانت تؤمن برجعة (على بن أبى طالب ).

 7 / 4 / 2  : وأراد الشاعر سراقة بن مرداس ــ وهو أسير ـ أن ينجو من القتل فزعم للمختار أن الملائكة كانت تقاتل معه ، فأمره المختار أن يعلن ذلك ( فى مؤتمر صحفى ) فى المسجد : ( وقال سراقة بن مرداس للمختار وقال : " أصلح الله الأمير،أحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت الملائكة تقاتل معك على الخيول البلق بين السماء والأرض ". فقال له المختار: " اصعد المنبر فأعلم الناس " . فصعد فأخبرهم بذلك ثم نزل، فخلا به المختار فقال له: إني قد علمت أنك لم تر شيئاً وإنما أردت ما قد عرفت أن لا أقتلك، فاذهب عني حيث شئت لا تفسد علي أصحابي.. ).    

7 / 5 : ونرى الصلاة الشيطانية  ركنا أساسيا  فى هذه الحرب الأهلية. كان ابراهيم بن الأشتر النخعى القائد العسكرى للمختار، تقول عنه الرواية : ( .. ثم سار  ليلته كلها ، ومن الغد فوصل العصر وبات ليلته في المسجد ومعه من أصحابه أهل القوة. ولما اجتمع أهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصلاة، فكره كل رأس من أهل اليمن أن يتقدمه صاحبه،فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف: " هذا أول الاختلاف، قدموا الرضى فيكم سيد القراء رفاعة بن شداد البجلي." ، ففعلوا، فلم يزل يصلي بهم حتى كانت الوقعة . ).

7 / 6 : بعد هزيمة ابن مطيع اصبح الوالى للصلاة بعده مؤقتا الحارث بن أبى ربيع . ثم أرسل عبد الله بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير واليا على الصلاة فى العراق . وجاء مصعب البصرة فدخل الى مسجدها مباشرة : ( فقدمها مصعب ملثماً  ، ودخل المسجد وصعد المنبر، فقال الناس: أمير أمير! وجاء الحارث بن أبي ربيع،وهو الأمير، فسفر مصعب لثامه فعرفوه، وأمر مصعب الحارث بالصعود إليه فأجلسه تحته بدرجة ، ثم قام مصعب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال.. ). حين رأى الناس مصعب يصعد المنبر عرفوا أنه الأمير الجديد. والوالى الجديد ( مصعب ) يجعل الوالى السابق يجلس تحته بدرجة على المنبر .

7 / 7 : وهزم  مصعب بن الزبير المختار ، وجىء له برأس المختار : ( وأمر مصعب بكف المختار بن أبي عبيدة فقطعت ، وسمرت بمسمارإلى جانب المسجد، فبقيت حتى قدم الحجاج فنظر إليها وسأل عنها عقيل: هذه كف المختار،فأمر بنزعها ). المسجد معرض للرءوس المقطوعة الأيدى المقطوعة. هى مساجد ضرار. ولا ننسى أنه فى السعودية حتى الآن يتم القتل وقطع الرءوس فى ساحة المسجد. والقتل هناك بالشريعة السنية الوهابية المناقضة لشرع الله جل وعلا .

8 ـ : من على المنبر أعلن عبد الملك بن مروان هزيمة التوابين الشيعة : ( ولما سمع عبدالملك بن مروان بقتل سليمان وانهزام أصحابه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: " أما بعد فإن الله قد أهلك من رؤوس أهل العراق ملقح فتنةٍ ورأس ضلالةٍ سليمان بن صرد،"..)   

9 ـ فى النهاية هزم الحجاج عبد الله بن الزبير وقتله عام 73 وإخماد حركته ، وكافأ عبد الملك بن مروان الحجاج فولاه الحجاز ثم ولاه العراق وما بعد العراق شرقا. وحكم الحجاج العراق بالحديد والنار وكان يقتل من يشتبه فيه ، بإعتباره ( والى الصلاة ). تقول الرواية عن عدد ضحاياه من المدنيين الذين كان يشُكُّ فيهم  : ( بلغ ما قتل الحجاج صبرا مائة وعشرين أو مائة وثلاثين ألفا ). وفى نفس الوقت واصل الحجاج الفتوحات فى الشرق. وجاءت فرصة لأهل العراق فى الثورة عليه فيما يُعرف بموقة ( دير الجماجم )، بسبب أن جماجم القتلى أصبحت أهرامات هناك. وموجزها أن الحجاج بعث بجيش للغزو يقوده عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس زعيم قبائل اليمن فى الشرق . وضم هذا الجيش كثيرين من (القُرّاء ) أى الخوارج المتعبدين وغيرهم من الناقمين على الحجاج. وكان الناقمون على الحجاج متعاطفين مع من أسلم من الموالى ، وكان الحجاج طبقا للسياسة الأموية يضطهد الموالى ويأخذ منهم الجزية حتى لو أسلموا . تقول الرواية عنهم : ( فجعلوا يبكون وينادون : يا محمداه يا محمداه  ). لم يعرفوا أن المال هو الإله الأعظم للخلفاء الفاسقين. الناقمون على الحجاج ما زالوا بالقائد عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث حتى إستدار بالجيش ليحارب الحجاج.! ، ودارت موقعة ( دير الجماجم ) التى إنتصر فيها الحجاج ، واسرف فى قتل الأسرى بعد أن أعطاهم عهدا بالأمان . تقول الروايات :  ( قتل الحجاج يوم الزاوية أحد عشر ألفا ... ) ( ..وإنما خدعهم بالأمان ،  ..  فلما اجتمعوا أمرهم بوضع أسلحتهم ،  ثم قال : " لآمرن بكم اليوم رجلا ليس بينكم وبينه قرابة. "  فأمر بهم عمارة بن تميم اللخمي فقربهم فقتلهم . .).  وعدهم بالأمان  وبنى من جماجمهم أهرامات. وفى ثنايا المعركة نلمح إشارات لصلاتهم الشيطانية . تقول الرواية عن قائد جيش الحجاج : ( .. فانطلق القائد بعد صلاة العصر والتقى عسكر الحجاج وعسكر ابن الأشعث حين فصل القائد بمن معه وذلك مع صلاة العصر فاقتتلوا إلى الليل.. ) .

بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمديين
بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمديين
دراسة أصولية تاريخية
د أحمد صبحى منصور
هذا الكتاب
كانت الكتابة الأولى لهذا الكتاب فى منتصف الثمانييات عن الصلاة فى القرآن الكريم ، ثم هو الآن يظهر تحت عنوان ( بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمدين ) فى دراسة أصولية تاريخية . تم نشره مقالات هنا ، وننشره الآن كتابا كاملا.
أحمد صبحى منصور
more