رقم ( 6 )
الباب الثالث : التواتر التاريخي في الصلاة

 

الفصل الأول : لمحة عن التواتر  

  مقدمة :- 
1 ـ أشار القرآن الكريم الى التواتر فى آية تلخص معناه فى ايجاز واعجاز، يقول سبحانه وتعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا : المؤمنون 44 ) فالآية تشير الى تواتر الرسالات السماوية وتواتر التكذيب لها فى كل عصر
2 ـ التواتر هو المتوارث الذى تتمسك به الأغلبية من عبادات وثقافات ، وفيه الصحيح والفاسد ، لذا يكون مرجع الحكم فيه لله تعالى فى القرآن الكريم
3 ـ المشكلة هنا أن الاحتكام الى القرآن الكريم مهمة علمية لا يقوم بها إلا الراسخون فى العلم ، فاذا تدخل فيها غيرهم ضلوا وأضلوا ، وضاعوا واضاعوا.

مقالات متعلقة :

  4 ـ وفى نظرة سريعة إلى التدين العملى للمسلمين نجد فيه المتوارث الصحيح مثل وجود القرآن الكريم بيننا محفوظا من لدن الله تعالى بكتابته وقراءته والذى يقف ضد محاولات الالحاد فيما يسمى بعلوم القرآن التراثية ( المتواترة ايضا )، ونجد تواترا فى آداء الصلاة تبلغ صحته فوق التسعين فى المائة ، ونجد ملامح أخرى من التواتر الصحيح فى جوانب أخرى تراثية ، كما نجد أخطاء فادحة وابتداعات فى الدين لا سبيل إلى حصرها
5 ـ ولأن وظيفة المصلح هو تتبع الخطأ لاصلاحه فان معظم عملنا يتركز على إصلاح التواتر الفاسد بالقرآن الكريم ، ولكن بعض المنتسبين للقرآنيين يتطرفون فى نفى كل التواتر فيقعون فى نفس التطرف السنى فى تكذيب القرآن الكريم ولكن باسلوب آخر

لذا نعطى توضيحا سريعا لهذا الموضوع الشائك المعقد
أولا : - التواتر الإلهى والتواتر البشرى
1 ــ هناك تواتر إلهى فى الرسالات السماوية من ( عقائد وتشريعات وعبادات ) وفى اللغة البشرية وفى الزمن . ولا يلبث الحق الإلهى المتواتر فى الدين والزمن أن يلحقه التحريف البشرى ، ولا يلبث التحريف البشرى أن يتحول إلى تواتر بمرور الزمن ، مما يستلزم التصحيح بارسال رسول برسالة سماوية أخرى ، ثم بعدها يعود التحريف ويتحول إلى تواتر ، ويرسل الله تعالى رسولا آخر ،  وهكذا إلى أن نزلت الرسالة القرآنية الخاتمة محفوظة إلى قيام الساعة لتكون مرجعية حاكمة على كل تبديل يطرأ بعدها أو كل تواتر صحيحا كان أم باطلا .. 
2 ــ هنا نتذكر ونتأمل قوله تعالى فى قصة نوح (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ : الشعراء 105 ) ، الواقع أن قوم نوح لم يعرفوا رسولا سوى نوح أقدم الرسل المعروفين ، وقد جاءت البشرية كلها من نسل نوح عليه السلام (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ : الصافات 77 ) ، ولكن الواقع أن نوحا كان يقول لقومه نفس ما قاله الأنبياء بعده (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ : الأنبياء 25 ) . أى أن قوم نوح عندما كذبوا رسالة نوح فقد كذبوا بكل الرسالات السماوية التى تواترت بعده
ونتذكر أيضا قول النبى هود لقومه عاد يذكّرهم بماحدث لقوم نوح من قبلهم (وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) ( الأعراف 69 ) ثم قول النبى صالح لقومه ثمود يذكّرهم بما حدث لقوم عاد من قبلهم (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ ) ( الأعراف 74). 
3 ـ هنا نجد نوعين من التواتر فيما يخص الرسالات السماوية و تكذيب الملأ المتحكم لها
3 / 1 : التواتر الإلهى فى الرسالات السماوية (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ: النساء 163 )،وايضا (الشورى 13)

3 / 2 : التواتر البشرى فى تكذيب القوم للرسل فى كل زمان ومكان
وفى إعجاز وإيجاز يعبر رب العزة عن ذلك فيقول لخاتم الرسل محمد عليه السلام ( مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ: فصلت 43 ) ، أى ما يقال لك من وحى قرآنى وما يقال لك من تكذيب قد قيل لكل الرسل من قبلك، أى هو تواتر الاهى حق ، وتواتر بشرى معاند كافر
وحتى إتهامهم له بأنه كاذب أو ساحر أو مجنون أصبح متواترا ، وقد عبر عنه رب العزة فى صورة ساخرة رائعة ، يقول تعالى (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَوَاصَوْا بِهِ ؟ : الذاريات 52:53 ) .أى كأنما تواصى كفار قريش ومن سبقهم على قول نفس الكلاموفى تعبير آخر للقرآن الكريم كأنما تشابهت قلوبهم مع إختلاف الزمان والمكان : ( وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ: البقرة 118 ).ويوم القيامة يقال عن هذا التواتر المهلك الذى أوردهم الجحيم (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ ُيهْرَعُونَ : الصافات 69 : 70) 
4 ــ والرسالات السماوية لها جوانب ثلاثة : عقيدة وأخلاق وعبادات . والتواتر الإلهى يتركز فى إقامة هذا الهيكل الثلاثى للرسالات السماوية
ومثلا فإن الله تعالى يأمر بكل ما هو خير فى الأخلاق وينهى عن كل ما هو شر ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ : النحل 90 ) ، وهذا كله ما جاءت به كل الرسالات السماوية فى تواترها ، ولكن تذكر ذلك والعمل به لا يتأتى إلا لمن يطلب الهداية ، وبالتالى فإن للتواتر الإلهى جذورا داخل كل نفس بشرية ، بغض النظر على ما يبدو على السطح من عناد واستنكار ومحاولات للتسويغ والإعتذار ، يقول تعالى ( بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ : القيامة 14 : 15 ) بل أن الله تعالى احتكم إلى طاقة الخير هذه – أو الضمير الأنسانى – حين خاطب مشركى مكة المعاندين ، إذا طلب منهم أن يراجعوا أنفسهم فى لحظة صفاء إبتغاء مرضاة الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ . سبأ 46) . وهذا دليل على وجود حقيقى للتواتر الإلهى داخل النفس البشرية مع طغيان التواتر البشرى أو التحريف البشرى
والأمر بالمعروف و النهى عن المنكر تواتر فى كل الرسالات السماوية ، ولكن يلحقه التأويل الفاسد الذى لا يزال موجودا حتى الان فى حديث (من رأى منكم منكرا فليغيره .. ) وفيما يطبقه المطوعة فى السعودية ، وما كانت تفعله جماعات الارهاب فى مصر فى تسعينيات القرن الماضى.
ثانيا :- ملة إبراهيم بين التواتر الإلهى والتواتر البشرى 
1 ـ أم المشاكل لدى المسلمين تتجلى أنهم فى تقديسهم للنبى محمد ورفعه فوق الأنبياء فقد ترسب لديهم إيمان خاطىء بأنه جاء برسالة جديدة ، وأنه – وحده – رسول الإسلام . وتناسوا أن الإسلام – وبكل الألسنة السابقة على العربية – هو دين الله جل وعلا الذى نزلت به كل الرسالات السابقة بمعنى الإستسلام لله تعالى وحده والسلام مع البشر . وتناسوا ما كرره القرآن الكريم من أوامر للنبى محمد عليه السلام ولنا ولأهل الكتاب فى أن نتبع ملة إبراهيم حنيفا .

2 ـ ورث العرب وأهل الكتاب ملة إبراهيم فى أنه لا إله إلا الله ، وإخلاص العباد لله تعالى وحده ،وورثوا العبادات وكيفياتها من صلاة وصدقات وحج وصوم ، ولكنهم أضاعوا الصلاة بالوقوع فى الشرك وفى الإنحلال الخلقى والعصيان ، ونزل القرآن الكريم لإصلاح ملة إبراهيم وفق منهج محدد فى التعامل مع نوعى التواتر ؛ الالهى منه و البشرى
2 / 1 : فى التعامل مع التواتر الالهى فى الكتب السماوية السابقة فقد نزل القرآن مصدقا لها ومهيمنا عليها ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ: المائدة 48 ) ، (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ : آل عمران 3 ) لذا يقول تعالى لأهل الكتاب : ( وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ ِ: البقرة 41 ) . أى كان القرآن الكريم مصدقا لما سبقه وحكما عليه أو مهيمنا عليه
2 / 2 : وفى التواتر البشرى لملة ابراهيم المطلوب اتباعها والتى تعرضت للتحريف فقد أمر الله جل وعلا بعرض تواترها على القرآن لتوضيح الحق فيه من الباطل ، لذا تكرر فى القرآن الكريم دعوتهم إلى الإحتكام إلى القرآن الكريم فيما وجدوا عليه آبائهم، وكان مترفو العرب يرفضون الانصياع للقرآن الكريم تمسكا منهم بذلك التواتر . قال عنهم رب العزة جل وعلا : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا :البقرة 170 ) ، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا :المائدة 104) ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا: لقمان 21 )( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ : الزخرف 22 ). المصالح الإقتصادية هى أساس تمسك قريش بالتواتر ، حيث عبادة الأصنام وإقامة صنم لكل قبيلة فى الحرم المكى لضمان عدم إغارة أى قبيلة على رحلتى الشتاء والصيف لقريش ، وبذلك تمتعت قريش وحدها بالأمن والثراء فى وقت عانت فيه القبائل العربية من الفقر والغارات المستمرة ، ولذلك يقول الله جل وعلا عن السبب الإقتصادى فى التمسك بالتواتر الكاذب ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ: الواقعة 82)
3 ـ وسبق القول بتأدية العرب الصلوات الخمس بالفاتحة فى مساجدهم (كما نفعل الآن)، ولكن مع التمسك بتقديس قبورالأولياء ( كما نفعل الآن) ، لذا قال سبحانه وتعالى لخاتم المرسلين محمد عليه السلام فى عدم الإعتداد هذا التواتر الفاسد : ( فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ: هود 109 ) ، وجاء هذا بعد أن قص الله جل وعلا قصص الأنبياء السابقين الذى يحوى على التواتر الإلهى الصحيح ، وتواترالعناد من المشركين
4 ـ وتكرار الأمر فى مكة للمشركين بأن يقيموا الصلاة ( وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ : الأنعام 72 ) (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ: الروم 31 ) يعنى أنهم كانوا يعرفون الصلاة ، فالله تعالى يأمرهم بإقامة ( الصلاة ) المعروفة لديهم ، وإقامتها ليس مجرد تأديتها ، وهم كانوا يؤدونها بنفس الشكل وفى نفس الأوقات ، ولكن كانوا يقعون فى الشرك والمعاصى والاعتداء والظلم ، وبذلك يضيعون الصلاة ولا يقيمونها ، وقد أوضح رب العزة معنى إقامة الصلاة وأن الهدف منها ومن كل العبادات هو التقوى ، ولم تتوفر لديهم التقوى ، وهو نفس الحال فى حياتنا الدينية الان حيث تجد أكثر الناس صلاة أكثرهم غلظة وتعصبا وتطرفا وتمسكا بثقافة الارهاب. فالعرب المشركون عرفوا الصلاة و الصوم و الحج وايتاء الصدقات ، وكلها من شعائر ملة ابراهيم ، ولكنهم لم يقيموا الصلاة بل أضاعوها بالوقوع فى ظلم الله تعالى و ظلم البشر
أما الخبل العقلى الذى يزعم أن الصلاة قد شرعها الله تعالى فى اسطورة المعراج فان نفس الاسطورة تنفيها ، حيث تزعم أن محمدا صلى إماما بالأنبياء قبل المعراج المزعوم، فكيف يصلى وهو لا يعرف الصلاة و لم تكن قد وجبت عليه بعد؟أما حديث (صلوا كما رأيتمونى أصلى ) فهو يريح كل مسلم من أداء الصلاة لأنه لم ير الرسول يصلى ، وبالتالى فلا يشمله الأمر.!! 
5 ـ إن أساس تلك الخرافات هو الاعتقاد بأن محمدا عليه السلام جاء بدين جديد وشرع جديد وصلاة جديدة . وهذا كله إفك يناقض القرآن. وأصحاب الديانات الأرضية من المسلمين ـ والذين يتفقون معا فى تقديس محمد وتأليهه ـ يشتد بهم الغضب حين تؤكد لهم من القرآن الكريم أن محمدا عليه السلام تابع لملة ابراهيم مأمور باتباعهالذا هم لا يفهمون منهج القرآن الكريم فى التعامل مع تشريع العبادات المتواترة. لو أخلصوا لله سبحانه وتعالى قلوبهم لعرفوا أن منهج القرآن هنا هو التأكيد على إخلاص الدين والعقيدة لله تعالى وحده فقط ، وترك التواتر الصحيح كما هو، مثل معنى الصوم وكيفية الصلاة ومواقيتها ، ولكن عندما يأتى تصحيح للتواتر الفاسد أو حينما يأتى تشريع جديد يأتى بيان القرآن الكريم بالتفصيل
ثالثا : - التواتر الإلهى والبشرى بعد نزول القرآن الكريم
1 ـ يتجلى التواتر الإلهى فى إعجاز الحفظ للقرآن الكريم برغم ما اخترعته أديان المسلمين الأرضية من حرب للقرآن الكريم بالنسخ التراثى واختراع الأحاديث والقراءات والتأويل والتفسير والتغنى بالقرآن مع محاولات لا تنتهى من الإلحاد فى الكتاب العزيز. ويتجلى التواتر الإلهى فى إعجاز الحفظ للقرآن الكريم ولغة القرآن الكريم الفريدة والمختلفة فى كتابتها – بعض الشىء – عن الكتابة العربية ، والمختلفة بعض الشىء عن القواعد النحوية التى توسع فيها علماء النحو فى العصر العباسى بعد نزول القرآن الكريم بقرنين أو أكثر
والمستفاد أن هناك تواتر إلهى فى حفظ القرآن الكريم ، ويسير معه بالتوازى تواتر بشرى بعضه صحيح فى السير على كتابة المصحف بنفس الطريقة التى كتبه بها خاتم الرسل محمد عليه السلام الذى قام بكتابة القرآن بنفسه ( إقرأ بحثنا عن النبى كان يقرأ ويكتب ) . ثم هناك تواتر بشرى خاطىء أقام ما يعرف بعلوم القرآن التى تطعن فى القرآن الكريم بالإضافة إلى ما يعرف بالتأويل والتفسير والحديث .... إلخ
2 ـ وحتى اللسان العربي ، فهناك تواتر حافظ عليه ، وتواتر أخر باعد بينها وبين لسان  القرآن الكريم وهى اللسان العربى الأصيل الذى كان ينطق به النبى محمد وقومه من العرب ، والمطلوب هنا تأمل معنى قوله تعالى (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا : مريم 97 ) ، ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ : الدخان 58 ) ، ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ : الشعراء 195 ) ، فالقرآن الكريم ذكر (اللسان ) ولم يذكر (اللغة ) وهذا موضوع شرحناه فى مقالات منشورة هنا
3 ـ وفى كيفية الصلاة ومواقيتها تجد التواتر صحيحا ماعدا شيئين: قصر الصلاة فى السفر ـ لأن قصرالصلاة هو فى الجهاد والمطاردة عند الهجرة فقط ـ والتأثر بأسطورة المعراج بوضع (التحيات ) بديلا عن التشهد القرآنى :( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ : آل عمران 18)
4 ـ أما فى العقائد فالتواتر المزيف هو الأغلب والأبشع وهو الذى أضاع ثمرة الصلاة وثمرة الحج ، حيث تكاثرت الأضرحة المقدسة المقصودة بالحج والزيارة وحيث تؤدى فيها الصلاة لله سبحانه وتعالى و للولى المدفون بالتوسل وقراءة الفاتحة و الركوع و السجود والوقوف القانت الخاشع أمام الضريح. وأقيمت تلك الأضرحة للأئمة والفقهاء وآل البيت والأولياء الصوفية وللنبى محمد نفسه. كما نسج التواتر الزائف شخصية إلهية للنبى محمد تخالف حقيقته فى القرآن، ولكن أصبح الإعتراض عليها يعنى الأتهام بالكفر ، ونشأت أديان أرضية على أساس الشرك بالله سبحانه وتعالى . وهم يسمونها ( ثوابت ) ، وكان العرب الكافرون يقولون عليها ( ماوجدنا عليه آباءنا ).

5 ــ ومن ألاعيب الشيطان :

5 / 1 أنه فعل بالمسلمين مثلما فعل بالعرب قبل نزول القرآن ، تركهم يتمسكون بالشكل الظاهرى للصلاة فى مواقيتها ، ولكنه جعلهم يضيعونها بتقديسهم البشر والحجر والإنهماك فى العصيان بزعم وجود الشفاعات وأن الصلاة هى الهدف فى حد ذاتها وليست وسيلة للتقوى ، فإذا صليت فلا عليك بعدها مهما عصيت ، أى بعد أن كانت الصلاة وسيلة للتقوى أصبحت وسيلة للعصيان !. 
5 / 2 : إنه تلاعب الشيطان ببعض المساكين أنه جعلهم يقفزون للناحية الأخرى وهى إنكار التواتر نهائيا ، وإعتباره صنما ، وبالتالى يعتمدون على أنفسهم فى إبتكار دين جديد وعبادات جديدة حسب علمهم المتواضع،وينتهى بهم الأمر إلى أن يجعلوا أنفسهم شركاء لله تعالى فى التشريع
رابعا التواتر والزمن :- 
والتواتر ألصق بالزمن . لأنه أفعال البشر المتراكمة عبر الزمن
والحديث عن علاقة التواتر بالزمن يطول ، ونختصره فيما يخص الأسلام على النحو التالى 
1 ــ فالله سبحانه وتعالى أشار إلى الحساب القمرى والشمسى ، أو السنة القمرية والشمسية فى الحديث عن الشمس والقمر (الرحمن 5 )( الأنعام 96 ) واشار الى الفرق بين السنة الشمسية والقمرية فى حساب المدة التى قضاها أهل الكهف ( الكهف 25)
2 ــ ولله جل وعلا حرم مكانى هو الكعبة ،وصلته بالزمن أنه أول بيت وضعه الله تعالى للناس فى هذا الكوكب ( آل عمران 96 ) واسماه البيت العتيق ( الحج 29 ) ، وإلى جانب هذا الحرم المكانى هناك الحرم الزمانى الذى حدده رب العزة يوم خلق السماوات والأرض ، وفى الحج يجتمع الحرم المكانى بالحرم الزمانى حيث يحج الناس الى البيت الحرام فى الأشهر الحرام ـ من ذى الحجة الى ربيع الأول ، وهى الأشهر الأربعة الحرم خلال الأثنى عشر شهرا فى كل عام ( التوبة 36)
3 ــ إلا إن هذا التواتر الإلهى فى الزمن ما لبث أن لحقه التحريف بالنسىء فى الأشهر الحرم ، وتبديل موعد تلك الأشهر واستحلال القتال فى بعضها (التوبة 37 ) ، وهذا التحريف فى النسىء صار متواترا يخالف التواتر الإلهى مما استدعى التصحيح القرآنى . وارتبط هذا التحريف فى النسىء ( الزمن ) بتحريف أيضا صار متواترا فى شعائر الحج إلى الحرم المكانى فى الكعبة ، فقد ابتدعت قريش لنفسها حج (الحمس) نوعا من التدين السطحى الذى يزعم البر والتقوى المظهرية لتتميز عن بقية العرب ، وأصبح ذلك التحريف متواترا قبل نزول القرآن استوجب أن ينفيه القرآن الكريم (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ : البقرة 189،) وجعلت قريش التقوى مظهرا سطحيا عبر تأدية مظهرية للعبادات فى احتفالات موسم الحج ـ كما يحدث الان فى السعودية ـ فنفى الله جل وعلا أن تكون التقوى والبر هى تلك المظاهر السطحية ، وشرح معنى البر و التقوى ( البقرة 177 ) ، وقد جعلت قريش من قيامها على خدمة البيت مظهرا من مظاهر التدين السطحى والسيادة الدينية ـ كما يحدث فى السعودية الآن ـ فجاء الرد عليهم :(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ ؟ التوبة 19)  . أى أن التواتر البشرى القائم على التحريف قبل نزول القرآن الكريم ، والذى صححه القرآن الكريم ـ مالبث أن عاد تحريفا أخذ طريقه للتواتر ، ففى فريضة الحج ـ التى يرتبط بها تواتر الزمان بتواتر المكان فى الحج للكعبة خلال الأشهر الحرم ـ ترى المسلمين وقد نسوا الأشهر الحرم الحقيقية كما نسوا جواز الحج فى خلال الأشهر الأربعة ، لأنه تواتر عندهم حصر الحج خلال إفتتاح موسم الحج فى الأيام العشرة الأولى من شهر ذى الحجة .( راجع مقالنا عن :الحج أشهر معلومات ). 
4 ــ والتاريخ الميلادى المرتبط بميلاد المسيح عليه السلام تعرض للتغيير الجزئى فى عهد الأمبراطور أغسطس ، وعندما قامت الثورة الفرنسية اخترعت توقيتا جديدا وأشهرا جديدة ، ثم ما لبثوا أن ألغوها ، والأخ معمر القذافى إخترع تقويما جديدا وأشهر جديدة مخالفا للتقويم الهجرى واخترع تقويما موازيا للتقويم الميلادى وسمى فيه الأشهر أسماءا جديدة من نوعية النار والسحاب والريح ... الخ ..  أى أن التواتر الزمنى فى الأشهر الأثنى عشر من كل عام ما لبث أن لحقه الزيف الذى قد يصبح متواترا أيضا ، ويقف القرآن الكريم حكما على ذلك التواتر الزمنى البشرى القائم على التحريف
5 ــ ولم يذكر القرآن الكريم أن الأسبوع يتكون من 7 أيام ولم يذكر أيام الأسبوع، وحتى لم يذكر عدد الأشهر فى العام الواحد إلا فى سياق الحديث عن إستحلال الأشهر الحرام بالنسىء، ولم يذكر من أيام الأسبوع سوى يومين فى سياق إستحلال " السبت " عند بنى إسرائيل والتهاون فى صلاة الجمعة لدى الصحابة، ولولا ذلك السياق ما ذكر القرآن الكريم أشياء هى معلومة بالتواترفهل ننكر أيام الأسبوع الأخرى التى لم ترد فى القرآن لأنها لم ترد فى القرآن ؟!!. 
خامسا : التواتر فى منهج القرآن الكريم فى التشريع
1 ـ نزل القرآن فى بيئة تراكمت فيها الموروثات من ملة إبراهيم ومن الثقافة العربية المحلية والوافدة ، وتعامل القرآن مع هذه الثقافة وعالج المتوارث – أو المتواتر – من ملة إبراهيم بالتصحيح ... 
2 ـ لو أنكر القرآن الكريم كل التواتر لكان مطلوبا منه أن يبدأ من الصفر ليوضح كل شيىء من البديهيات والأولويات من المعارف والثقافة إلى أن ينتهى لما فيه إشارات علمية معجزة وبلاغة فى البيان وإعجاز فى القصص والتشريعومعنى أن يبدأ القرآن الكريم من الصفر إلى النهاية أن تتكاثر سور القرآن الكريم لتصبح ملايين السور ومئات الملايين من الآيات ، فهل يتفق ذلك مع كونه ميزانا يحتكم اليه الناس؟ وهل يتفق ذلك مع قيام الدين الالهى على التيسير والتخفيف ، وترك حرية البشر فى الاجتهاد ؟إن القرآن الكريم نزل يبنى على تواتر سابق فى ملة إبراهيم وفى ثقافة البشر وحضارتهم ولذلك تراه مع التكرار والشرح والتفصيل جاء محددا فى عدد السور والآيات ، وأكد على أنه ما فرط فى شىء ( من الدين ) يكون تركه تفريطا ، وأنه نزل تبيانا لكل شىء (فى الدين يحتاج إلى بيان) وأنه فصل كل شىء (فى الدين)، وجاء تفصيله على علم وهدى وليس عن ثرثرة ولغو
3 ـ ومن هنا فإن إنكار التواتر جملة وتفصيلا يعتبر جهلا قد يؤدى بصاحبه إلى الخروج عن ملة الإسلامإن منكر التواتر قد يكون واحدا من إثنين
* أن يكفر بقوله تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ : النحل 89 ) ، ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ: الأنعام 38 ) (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ) ( الاسراء 12) (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( الأعراف 52 ) ، ويرى أنه لابد أن يذكر القرآن كل شيىء معلوما كان أم مجهولا ، من البديهيات أم من خفايا العلم ، وحيث لا يوجد ذلك فى القرآن فلابد أن يكذب بتلك الأيات
* وإما أن يتعسف تأويل أيات القرآن الكريم ليثبت أن فى القرآن كل شىء ، فيتفنن فى التأويل بما يجعله يخرج عن العبادات وعن العقل وعن الإسلام

سادسا : التواتر والهداية والتدبر القرآنى
1ـ هناك هداية ايمانية يجدها كل باحث عن الهداية فى القرآن الكريم ، الذى ترى فيه المستوى الميسّر للذكر . يكفيه أن يأتى ربه يوم القيامة بقلب سليم ،ليس فيه تقديس لبشر أو حجر ، مع عمل صالح وعبادة خالصة لوجه الله جل وعلا. إن أخطأ فلا عليه شىء طالما لم يتعمد الخطأ ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا : الأحزاب 5 ). ليس مطالبا بالبحث فى القرآن والتعمق فى فهم مستوياته الخاصة بالعلماء الراسخين
2 ـ هذه هى وظيفة الراسخين فى العلم الذين أمضوا رحيق العمر فى معايشة القرآن وفهم دقائق اللغة العربية وتاريخ المسلمين وتراثهم الفكرى والتشريعى ومللهم ونحلهم وفرقهم وطوائفهم وتلك الغابة المتشابكة من مصطلحاتهم ، مع فهم لمجريات عصرنا و ثقافاته. من هنا يكون الراسخ فى العلم مؤهلا للحكم على المتواتر البشرى بالرجوع الى القرآن الكريم
3 ـ إن حضارتنا الأنسانية الحالية هى حصيلة تراكم وتواتر معرفى متصل ، بدأ بحضارة مصر والرافدين والهند والصين ، وأسهم الدين الحق وما قام على أشلائه من أديان أرضية وملل ونحل ومذاهب فى إثراء وتطور هذا التراكم أو التواتر الحضارى، وحين نزل وحى القرآن كانت البشرية قد دخلت فى طور التعقل فكانت رسالة الإسلام الأخيرة كتابا عقليا وليس مجرد آيه حسية وقتية محلية كما كان يحدث مع الأنبياء السابقين ، وتعامل القرآن مع التواتر الموجود فى عصره بالإصلاح ، ولا يزال يتعامل مع التواتر الذى يطفوا فى كل عصر بمنهج الإصلاح أيضا ، وسيظل هكذا إلى قيام الساعة ، لأن الذى أنزل الكتاب هو الذى أحاط بكل شىء علما ، يعلم ما سيحدث للبشر إلى قيام الساعة
4ـ والواقع أن عناصر الهداية واحدة ومتواترة فى كل عصر لأن مصدرها دين الله تعالى الحق، كما أن عناصر الغواية متواترة أيضا لأن مصدرها واحد هو إبليس ، أى أن هناك تواترا فى الخير وتواترا فى الشر ، حدث هذا قبل وبعد نزول القرآن ولا يزال يحدث ، وسيظل يحدث الى آخر يوم فى هذه الدنيا. ويوم القيامة سيقول الله سبحانه وتعالى لأغلبية البشر أن الشيطان أضلهم جيلا بعد جيل دون أن يتعقل جيل بما حدث لسابقيه : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ه؟ : يس ـ 63 )، أى سيظل تواتر الخير وتواتر الشر مستمرا إلى قيام الساعة
5 ـ مقابل هذا التواتر البشرى الذى يختلط فيه الحق و الباطل يقف القرآن الكريم حكما ، فهو الميزان الذى أنزله الله تعالى قبيل قيام الساعة ( اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ : الشورى 17 ) وإلى هذا الميزان الإلهى يحتكم الراسخون فى العلم فى معرفة التواتر الصحيح والتواتر الباطل ( أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً : الأنعام 114 ) ونلاحظ أن رقم الأية هنا 114 وهى إشارة إلى عدد سور القرآن الكريم
6ـ إن من إعجاز القرآن الكريم فيما يخص التواتر أن محور الإرتكاز فى دعوة القرآن الكريم هى فى تصحيح العقيدة ، حيث تركز التواتر الإلهى على أنه لا إله إلا الله بينما دار التواتر البشرى على تقديس غير الله مع الله ، ومشكلة البشر قبل وبعد نزول القرآن أنهم دائما يتخذون الهوى إلها مع الله تعالى ، قد يكون ذلك الهوى تقديسا لنبى أو لولى أو إمام او للمال أو للشهوات أو لمجرد حيوان أو حجر ، يقول تعالى ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا : الفرقان 43 : 44).

7 ـ وفى تركيز القرآن الكريم على مشكلة تصحيح العقيدة ـ التى لا تزال مشكلة حتى الأن ـ فإنه لم يذكر كيفية الصلاة ومواقيتها ، لأنها لم تكن مشكلة قبل نزول القرآن ولم تكن مشكلة بعد نزول القرآنالمشكلة فى عبادة الهوى ، وبعض الناس أفلت من عبادة البشر والحجر ولكن أوقعه الشيطان فى عبادة هواه ، فانطلق يؤول آيات القرآن الكريم ليقوم بتشريع صلاة وحج وصيام ما أنزل الله به من سلطان ، فجعل نفسه إلاها من حيث لا يدرى ، وهو بذلك أسوأ ممن يتخذ آلهة مع الله

 

 

الفصل الثانى : التواتر التاريخى للصلاة: محافظة العرب على أوقات الصلوات حتى فى الحروب والفتن

مقدمة

نقتبس بعض سطور من مقالات الصلاة الشيطانية للخلفاء الفاسقين تتجلى فيها محافظتهم على الصلوات الخمس فى مواقيتها حتى فى الحروب والفتن . وننصح بمراجعة هذه المقالات لمعرفة سياقاتها التاريخية .

أولا : فى الحروب الهجومية

1 ـ ( فتح المدائن عام 16 : .... واتخذ سعد إيوان كسرى مصلى ولم يغير ما فيه من التماثيل.  ..ولما دخل سعد الإيوان قرأ( كم تركوا من جناتٍ وعيونٍ وزروعٍ)  إلى قوله(قوماً آخرين)؛ وصلى فيه صلاة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينهن ولا يصلي جماعة، وأتم الصلاة لأنه نوى الإقامة، وكانت أول جمعة بالعراق، وجمعت بالمدائن في صفر سنة ست عشرة.) . هنا صلاة الجمعة . وكانت أول جمعة بالعراق .

2 ـ (ذكر غزوة فارس من البحرين:...   فقام خليد في الناس فقال أما بعد فإن الله إذا قضى أمرا جرت به المقادير حتى تصيبه وإن هؤلاء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم وإنما جئتم لمحاربتهم والسفن والأرض لمن غلب فاستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالا شديدا في موضع من الأرض يدعى طاوس ).  هنا صلاة الظهر.

3 ـ ( .. ولما كبر الثالثة لحق الناس بعضهم بعضاً وخالطوا القوم واستقبلوا الليل استقبالاً بعد ما صلوا العشاء.. ) هنا صلاة العشاء .

4 ـ  ( فى معركة جلولاء :  .... فاقتتلوا قتالا شديدا .. فكانوا بذلك صدر نهارهم إلى الظهر ولما حضرت الصلاة صلى الناس إيماء حتى إذا كان بين الصلاتين خنست كتيبة وجاءت أخرى فوقفت مكانها ). هنا صلاة الخوف صلاة الظهر.

5 ـ   (فلما فرغ القراء منها قال سعد: الزموا مواقفكم حتى تصلوا الظهر، فإذا صليتم فإني مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا، ) هنا صلاة الظهر

6 ـ ( .. .. وقال يزيد للرجل الذي ندب الناس معه : " متى  تصل إليهم  ؟ " قال : "  عند العصر فيما بين الصلاتين " قال : " امضوا على بركة الله فإني سأجهد على مناهضتهم غدا عند صلاة الظهر. .. ) . هنا صلاة الظهر . 

7 ـ  (  ... وأمر يزيد الناس حين زالت الشمس فصلوا فجمعوا بين الصلاتين ..) ، اى صلاتى الظهر والعصر.

 ثانيا : فى الفتن

1 ـ فى إغتيال عمر بن الخطاب فى صلاة الفجر على يد أبى لؤلؤة المجوسى :  (  فلما أصبح خرج عمر إلى الصلاة ( صلاة الفجر ) وكان يوكل بالصفوف رجالاً فإذا استوت كبر، ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته، وقتل معه كليب بن أبي البكير الليثي وكان خلفه، وقتل جماعة غيره...) 
2 ـ فى إغتيال على فى صلاة الفجر (  الغداة ) : ( وأتى ابن ملجم رجلاً من أشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وماذا؟ قال: قتل علي. قال شبيب: ثكلتك أمك! لقد جئت شيئاً إداً! كيف تقدر على قتله؟ قال: أكمن له في المسجد فإذا خرج إلى صلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا فقد شفينا أنفسنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. ..  فلما كان ليلة الجمعة، .. أخذ سيفه ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي للصلاة، فلما خرج علي نادى: أيها الناس الصلاة الصلاة. فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب، وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف، وقال: الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك! .. )

3 ـ فى روايات محاصرة عثمان تقول الرواية : ( ولما جاءت الجمعة التي على أثر دخولهم المدينة، خرج عثمان فصلى بالناس ثم قام على المنبر فقال: يا هؤلاء، الله الله! فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد، صلى الله عليه وسلم، فامحوا الخطأ بالصواب. ). هنا صلاة الجمعة.

4 ـ قبيل معركة الجمل وصل جيش عائشة والزبير وطلحة الى البصرة فقاتلوا واليها عثمان ابن حنيف واليها من قبل (على ) ، تقول الرواية : ( .. فاقتتلوا بدار الرزق قتالاً شديداً إلى أن زال النهار وكثر القتل في أصحاب عثمان بن حنيف وكثر الجراح في الفريقين....فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة ذات رياح ومطر ثم قصدا المسجد فوافقا صلاة العشاء، وكانوا يؤخرونها، فأبطأ عثمان، فقدما عبد الرحمن بن عتاب، فشهر الزط والسيابجة السلاح ثم وضعوه فيهم، فأقبلوا عليهم فاقتتلوا في المسجد فقتلوا، وهم أربعون رجلاً، فأدخلا الرجال على عثمان فأخرجوه إليهما. فلما وصل إليهما توطؤوه وما بقيت في وجهه شعرة، ...) هنا صلاة العشاء .

5 ـ فى معركة صفين بين (على ) ومعاوية ):

5 / 1 (  .. فتناهض الناس يوم الأربعاء فاقتتلوا قتالاً شديداً نهارهم كله، ثم انصرفوا عند المساء وكلٌّ غير غالب، فلما كان يوم الخميس صلى "علي " بغلس وخرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم وزحفوا معه.. ) . هنا إشارة لصلاة (على ) فى الغلس أى فى الفجر عند إختلاط ضوء الفجر بظلام الليل.

5 / 2 : عن بأس (الأشتر النخعى ) قائد جيش على تقول الرواية : ( وقاتلهم الأشتر قتالاً شديداً، .. فما زال هو ومن رجع إليه يقاتلون حتى كشف أهل الشام وألحقهم بمعاوية والصف الذي معه بين صلاة العصر والمغرب، ) هنا ذكر لصلاتى العصر والمغرب .

5 / 3 : بعد فشل التحكيم : تقول الرواية : (.. ثم انصرف عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة، ... وكان علي إذا صلى الغداة يقنت فيقول: اللهم العن معاوية وعمراً وأبا الأعور وحبيباً وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد! فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت سب علياً وابن عباس والحسن والحسين والأشتر.) .  هنا صلاة الغداة أى الفجر.

6 ـ فى خلافة معاوية جعل زياد بن أبيه واليا على العراق

6 / 1 : كان العراق مركز المعارضة للأمويين ، ويتركز فيه الشيعة فإبتدع سياسة الأحكام العرفية وأعلنها فى خطبته ( البتراء ) . وقام زياد بتطبيق سياسته هذه ، تقول عنه الرواية : ( واستعمل زياد على شرطته عبد الله بن حصن، ... فكان يؤخر العشاء الآخرة ثم يصلي ، فيأمر رجلاً أن يقرأ سورة البقرة أو مثلها يرتل القرآن، فإذا فرغ أمهل بقدر ما يرى أن إنساناً يبلغ أقصى البصرة، ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج، فيخرج فلا يرى إنساناً إلا قتله...). هنا صلاة العشاء .

6 / 2 : وتقول الرواية فى سبب قتل حجر بن عدى الكندى :  ( أن زياداً خطب يوم جمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة، فقال له حجر بين عدي: الصلاة. فمضى في خطبته. فقال له: الصلاة. فمضى في خطبته. فلما خشي حجر بن عدي فوت الصلاة ضرب بيده إلى كف من حصى وقام إلى الصلاة وقام الناس معه. فلما رأى زياد ذلك نزل فصلى بالناس..). هنا صلاة الجمعة . 

7 ـ فى مذبحة كربلاء فى خلافة يزيد بن معاوية:

7 / 1ـ بعث الحسين بإبن عمه مسلم بن عقيل للكوفة لتجميع الشيعة ، فتحرك والى الكوفة عبيد الله بن زياد ، تقول الرواية : ( .. وأما ابن زياد .. فنزل إلى المسجد قبيل العتمة وأجلس أصحابه حول المنبر وأمر فنودي: ألا برئت الذمة من رجل من الشرط والعرفاء والمناكب والمقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد. فامتلأ المسجد، فصلى بالناس. ). هنا المسجد و تجميع الناس لصلاة العتمة ( العشاء ).

7 / 2 : وأرسل ابن زياد جيشا يقودة الحُرُّ التميمى ليمنع الحسين من الاتجاه نحو الكوفة وتلاقى جيش الحُرُّ مع جماعة الحسين. تقول الرواية : ( وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ثم اليربوعي، فوقفوا مقابل الحسين وأصحابه في نحر الظهيرة ... فلم يزل مواقفاً الحسين حتى حضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين مؤذنه بالأذان، فأذن ..فسكتوا ، وقالوا للمؤذن: أقم، فأقام، وقال الحسين للحر: أتريد أن تصلي أنت بأصحابك؟ فقال: بل صل أنت ونصلي بصلاتك. فصلى بهم الحسين، ثم دخل واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه، ثم صلى بهم الحسين ... فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيؤوا للرحيل ثم إنه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر واقام فاستقدم الحسين فصلى بالقوم..). هنا ذكر صلاتى الظهر والعصر.

7 / 3 : عن جيش الأمويين بقيادة عمر بن سعد : ( ..  فلما صلى عمر بن سعد الغداة يوم السبت وقد بلغنا أيضا أنه كان يوم الجمعة وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء خرج فيمن معه من الناس ) هنا صلاة الغداة اى الفجر

7 / 4(  ثم إن عمر بن سعد نادى : " يا خيل الله اركبي وأبشري "، فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر وحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه ..) هنا صلاة العصر.

7 / 5 :  ( وعبى الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً،  ...) هنا صلاة الغداة : الفجر . ونكمل الراوية : (  ولما حضر وقت الصلاة قال أبو ثمامة الصائدي للحسين: نفسي لنفسك الفداءأرى هؤلاء قد اقتربوا منك، والله لا تقتل حتى أقتل دونك، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة! فرفع الحسين رأسه وقال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين ،نعم هذا أول وقتها، ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي. ففعلوا، فقال لهم الحصين: إنها لا تقبل. فقال له حبيب بن مطهر: زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتقبل منك يا حمار! فحمل عليه الحصين، وخرج إليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب فسقط عنه الحصين فاستنقذه أصحابه .)

7 / 6 : ( ثم صلوا الظهر، صلى بهم الحسين صلاة الخوف، ثم اقتتلوا بعد الظهر، فاشتد قتالهم... ) هنا صلاة الظهر وقت الإلتحام الحربى. صلوها صلاة خوف.

 7 / 7 : ( فلما أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون  ..). هنا قيام الليل فى الصلاة والدعاء.

8 ـ بعد موت يزيد بن معاوية وتنازل معاوية بن يزيد عن الخلافة بدأ إنشقاق الضحاك بن قيش الفهرى بإمتناعه عن عادته صلاة الفجر فى مسجد دمشق ، تقول الرواية : ( وخرج الضحاك إلى مسجد دمشق فجلس فيه فذكر يزيد بن معاوية فوقع فيه فقام إليه شاب من كلب بعصا معه فضربه بها والناس جلوس في الحلق متقلدي السيوف فقام بعضهم إلى بعض في المسجد فاقتتلوا قيس تدعو إلى ابن الزبير ونصرة الضحاك وكلب تدعو إلى بني أمية ثم إلى خالد بن يزيد ويتعصبون ليزيد ودخل الضحاك دار الإمارة وأصبح الناس فلم يخرج إلى صلاة الفجر وكان من الأجناد ناس يهوون هوى بني أمية وناس يهوون هوى ابن الزبير ). هنا ذكر صلاة الفجر.

9 ـ ظهر المختار الثقفى فسيطر على العراق وانتقم من قتلة الحسين. وفى فترة الاضطراب هذه فى العراق جاء ذكر الصلوات :

9 / 1 : عن المختار وهو يقوم بتجميع الناس مسنعملا الصلاة معهم فى المساجد : ( ومرّ على حلقة من همدان فقال: قد قدمت عليكم بما تحبون ... ثم أتى المسجد واستشرف له الناس، فقام إلى سارية فصلى عندها حتى أقيمت الصلاة ، وصلى مع الناس ، ثم صلى ما بين الجمعة والعصر ثم انصرف إلى داره، ). هنا صلاة الجمعة ثم العصر.

9 / 2 : تجمع معه جيش صلى بهم الفجر : (فلحقوا بالمختار، فتوافى إلى المختار ثلاثة آلاف وثمانمائة من اثني عشر ألفاً كانوا بايعوه، فاجتمعوا له قبل الفجر، فأصبح وقد فرغ من تعبيته وصلى بأصحابه بغلس.)

9 / 3 : وبعث ابن مطيع ( شبث بن ربعي ) في نحو ثلاثة آلاف لحرب المختار، وكان شبث بن ربعى ممن شارك فى جيش الأمويين فى كربلاء .( فسار شبث إلى المختار، فبلغه خبره وقد فرغ من صلاة الصبح .. ) هنا صلاة الصبح ( الفجر ) أو يسمونها صلاة الغداة أو الغلس .

9 / 4  :  وانتصر المختار فدخل قصر الامارة والمسجد الرسمى : ( ودخل المختارالقصر فبات فيه، وأصبح أشراف الناس في المسجد وعلى باب القصر، وخرج المختار فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال: " الحمد لله الذي وعد وليه النصر، وعدوه الخسر،وجعله فيه إلى آخر الدهر، وعداً مفعولاً وقضاء مقضياً، وقد خاب من افترى.. ") هنا صلاة الصبح .

 10 : أعطى عبد الملك الأمان لابن عمه عمرو بن سعيد ، ثم نكث عهده وقتله. فى روايات القتل يتكرر ذكر الصلاة ، ومنها أنه ترك ابن عمه مقيدا وخرج ( يصلى العصر) وأمر أخاه عبد العزيز بن مروان ( والد عمر بن عبد العزيز ) أن يقتل إبن عمهما عمرو بن سعيد . تقول الرواية : ( ..وأذن المؤذن العصر فخرج عبدالملك يصلي بالناس وأمر عبدالعزيز بن مروان أن يقتله فقام إليه عبدالعزيز بالسيف فقال له عمرو : " أذكّرك الله والرحم أن تلي أنت قتلي وليتول ذلك من هو أبعد رحما منك . " فألقى عبدالعزيز السيف وجلس ، وصلى عبدالملك صلاة خفيفة ودخل وغلقت الأبواب ... ). هنا صلاة العصر.

11 ـ ودارت موقعة ( دير الجماجم ) التى إنتصر فيها الحجاج  . وفى ثنايا المعركة نلمح إشارات لصلاتهم الشيطانية . تقول الرواية عن قائد جيش الحجاج : ( .. فانطلق القائد بعد صلاة العصر والتقى عسكر الحجاج وعسكر ابن الأشعث حين فصل القائد بمن معه وذلك مع صلاة العصر فاقتتلوا إلى الليل.. ) . هنا صلاة العصر.

ملاحظات :

1 ـ لم يقصد المؤرخون تسجيل الصلاة بفروضها الخمس ، ولكن أتى ذكر الصلوات ضمن تفصيلات المعارك والمواقف . أى كانت تأدية الصلوات الخمس إلتزاما لم يتخلوا عنه فى المعارك ، حتى كانوا يصلون صلاة الخوف دون ترك الصلاة. هذا فى أوقات الشدة ، وبالتالى فأوقات السلام كانوا يحافظون على مواقيتها.

2 ـ حين نضع هذا الأحداث فى سياقها الزمنى لا نتصور أنهم تعلموا الصلاة لأول مرة من النبى محمد عليه السلام . بل مارسوها طبقا لتواتر سابق لنزول القرآن الكريم ، ثم أضاف القرآن الكريم صلاة الخوف فقاموا بها. هذا جيل دخل فى الاسلام بمعنى السلام ، وكانوا قبلها يتحاربون فى غارات ولا يتركون فيها الصلاة فى تواترها عبر القرون. ثم بعد دخولهم الاسلام بالمعنى السلوكى حافظوا على تأدية الصلاة حتى مع معتقداتهم الجاهلية فى تقديس البشر والحجر. ثم بتولى الخلفاء الفاسقين ( أبى بكر وعمر وعثمان وعلى ) إستمروا فى تأدية صلاتهم بالتواتر حتى فى قتالهم الباغى وفى حروبهم الأهلية .

3 ـ هذا عن العرب الذين توارثوا ملة ابراهيم ومنها تواتر الصلاة. أما الأمم المفتوحة الى خضعت لأمبراطوريتى الفرس والروم فقد كان للتواتر فى الصلاة شأن آخر ..

 

الفصل الثالث : التواتر التاريخى : أجدادنا تعلموا الصلاة من ( والى الصلاة )

 

أولا :

1 ـ سبق أن الوالى صاحب النفوذ الأكبر كان يحمل لقب ( والى الصلاة ) وأن إقامة المسجد فى البلاد المفتوحة كان من الأولويات . وبالتالى فإن من كان يدخل فى دين العرب المحتلين  من مواطنى البلاد المفتوحة كان يذهب الى المسجد يعلن ( إسلامه ) ويتعلم الصلاة. ومنه يتعلم أولاده وأحفاده بالتواتر. هذا هو تواتر الصلاة فى الأمم التى حكمها وإحتلها العرب . ومن الطبيعى أنهم تعلموا مع الصلاة اللغة العربية والقرآن الكريم . وسبق قول المقريزى أنه  لما افتتح عمر البلدان كتب ابى موسى وهو على البصرة ان يتخذ مسجدا للجماعة ويتخذ للقبائل مساجد فإذا كان يوم الجمعة انضموا الى مسجد الجماعة. وكتب عمر الى سعد بن ابى وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك ، وكتب الى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك ، وكتب إلى أمراء الاجناد بالشام( ان يتخذوا فى كل مدينة مسجدا )، ويذكر المقريزى أن عمرو أنشأ بمصر جامع الفسطاط أوالجامع العتيق سنة 12 هجرية  أى بعد فتح مصر بعام واحد ، أى قبل ان يولد البخارى وغيره بأكثر من مائتى عام .

2 ـ وحسبما يذكر مؤرخو الحياة الدستورية والأحكام السلطانية مثل الماوردى وابن خلدون فإن إقامة الصلاة كانت من أهم شعائر الخليفة يقول ابن خلدون عن المقصورة التى اتخذها الخليفة للصلاة وعن الدعاء فى خطبة الجمعة للخليفة " هما من الأمور الخلافيه - اى المرتبطة برسوم الخلافة - ومن شارات الملك الإسلامى ولم يعرف فى غير دول الاسلام " وكان الخليفة يتولى الإمامة فى الصلاة بنفسه ؛ ويذكر أن عمرو بن العاص أول من اتخذ منبرا فى مسجد الفسطاط وأن الخليفة عمر وبخة على ذلك وامره بكسر المنبر ... ويقرر ابن خلدون أن الامور الدينية الشرعية من الصلاة والفتيا والقضاء والجهاد والحسبة كلها مندرجة تحت الإمامة الكبرى أى الخلافة ؛ وأن أمامة الصلاة هى أرفع هذه الأمور بل أرفع من السلطة السياسية للخليفة ، ويستدل على ذلك بأن الصحابه عرفوا قدر أبو بكر حين استخلفه الرسول للصلاة حين مرض النبى مرض الموت ففهموا استحقاقه للخلافة بعد النبى وقالوا ارتضاة رسول الله لديننا افلا نرتضيه لدنيانا"  (الخطط المقريزية 3؛107؛104 ط دار الشعب ). ولأن الصلاة هى الوظيفة الأسمى للخليفة فإن الخليفة هو الذى يعين بنفسه الائمة الذين يؤمون الناس فى المساجد العظيمة فى الأمصار " وذلك ما نقله ابن خلدون عن الماوردى صاحب كتاب " الاحكام السلطانية " الذى يذكر فيه أن السلطان له وحده حق تعيين إمام الصلاة فى المساجد العظيمة وإذا قلد السلطان إماما كان أحق بامامة من غيره ؛وذكراختلاف الفقهاء فى الأحق بالإمامة فى المساجد فيرى بعضهم أنه الامير الوالى وقال اخرون انه القاضى .

3 ـ وفى بداية الفتوحات كان الوالى على أحد الأمصار يقوم بإمامة الناس فى الصلاة ويفصل فى النزاع ويقود الجيش ويجمع الجزية ؛ أى كانت إمارة عامة . ثم بعد استقرار الأحوال  قيد الخليفة عمر سلطة الوالى ، فعمرو بن العاص كان اميرا للصلاة والجيش والقضاء والجزية فما لبث عمر بن الخطاب أن عين عبد الله بن أبى السرح للخراج ثم عين قاضيا لمصر ، ولم يعد لعمرو الوالى الاصلى إلا الصلاة وقيادة الجيش .

وقتها لم يكن كتاب مدون إلا القرآن ولم يكن يتلى إلا القرآن الكريم ؛ ومعروف تدوين الأحاديث بدأ فى العصر العباسى مع موطأ مالك ، بالتالى فمن الخبل أن يقال أن الناس تعلموا الصلاة من كتب الأحاديث . والمهم ان تأدية الصلاة توارثناها فى مصر عبر اسلافنا المصريين الذين أسلموا وتعلموا دين العرب واللغة العربية على أيدى الفاتحين العرب سنة 20 هجرية وقبل أن يولد البخارى وغيره ، أكثر من ذلك لا يوجد حديث واحد فى البخارى وغيره يفصل كل شىء عن كيفيةالصلاة ومواقيتها وكل ما يتعلق بها من بدايتها الى نهايتها من الصبح  الى العشاء . بل أكاد اقطع بالقول بأن أحدا من المصلين لم يفتح كتاب البخارى ليتعلم منه الصلاة ؛ ولو فعل لخرج قراءته بالشك فى الصلاة ؛ وذلك هوالدور الحقيقى االذى تقوم به كتب الاحاديث المشهورة.

ثانيا : تواتر الصلاة بدأ بدخول غير العرب دين العرب

وهذا يحتاج الى بحث مستقل عن دخول ابناء الأمم المفتوحة الى دين العرب

.   ونكتفى هنا بلمحة عن دخول المصريين الى دين العرب .  ونضع بعض الملاحظات :

1 ـ الكتابات التاريخية الأولى تصف المصريين بالقبط أو الأقباط . ظل هذا سائدا حتى العصر العباسى الثانى. وربما الى عهد احمد بن طولون كما يبدو من سيرة أحمد بن طولون للمؤرخ البلوى الذى عاصر ابن طولون. هذا مع ان أولئك المؤرخين كانوا يطلقون على الأعراب الذين وفدوا وعاشوا فى مصر ( المصريين ) ، ويبدو هذا خصوصا فى التأريخ للثورة على الخليفة عثمان ، جاء وصف الثوار القادمين من مصر بالمصريين ـ بينما كان أصحاب البلد مصر ( أقباطا ). ومن هذا الخلط أصبح إسم مصر فى الغرب ( إيجيبت) من (جبت ) أو قبط .

2 ـ المرحلة الأولى من دخول المصريين ( الأقباط ) دين العرب وتركهم المسيحية الإرثوذكسية بدأت مع الاضطهاد الأموى والعباسي . وقد عرضنا لهذا من قبل .

3 ـ  وقد كان انتشار دين العرب محدودا خلال الدولة الأموية. إلا أن الضغط القاسي الذي  مارسه الأمويون على الأقباط جعل الكثيرين يحاولون النجاة منه بدخولهم دين الأمويين هربا من الجزية وأملا في وضع أفضل وقد فطن الأمويون إلى هدفهم هذا فألزموهم بدفع الجزية  . وقد أنكر عمر بن عبد العزيز على والى مصر ذلك الصنيع وكتب إليه (أن الله بعث محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا) وتم رفع الجزية مؤقتا إلا أن الأمور عادت إلى ما كانت عليه وفرضت عليهم الجزية بعد عهد ( عمر بن عبد العزيز) القصير الذي لم يتجاوز ثلاث سنوات.

4 ـ ارتبطت حوادث الاضطهاد في العصر الأموي باعتناق الكثيرين من الأقباط لدين المحتلين العرب ، خصوصا من الفقراء الذين طمعوا في وضع أفضل . بينما تمسكت أغلبية الأقباط بدينهم المتوارث ، وكان الأساقفة والرهبان يفرون عند الاضطهاد إلى الأديرة في الصحاري تمسكا منهم بعقيدتهم. وحرص كبار المسيحية على الثبات إلى درجة شراء الأسرى الرومان حتى لا يرغموا على دخول دين الغزاة المحتلين . ومع ذلك فإن اضطهاد الأمويين للأقباط جعل بعضهم يدخلون في دين الأمويين . وأخمد الأمويون والعباسيون ثورات الأقباط بكل قسوة ، وأدرك الأقباط عجزهم عن المقاومة المسلحة فاضطر لدخول دين المحتل ، وطوي القلب على حقد دفين عبر المقريزي عنه بقوله( فرجعوا من المحاربة للمكايدة واستعمال المكر والحيلة ومكايدة المسلمين) .

وفى العصر المملوكى وصل بعضهم باعتناق دين الحاكم الى أرفع المناصب فاستخدموا نفوذهم في الانتقام من ( المسلمين ) . يقول عنهم المقريزي (فصار الذليل منهم بإظهار الإسلام عزيزا يبدي من اذلال المسلمين التسلط عليهم بالظلم ما كان يمنعه نصرانيته من إظهاره , وما هو إلا ما كتب به بعضهم إلى الأمير بيدرا النائب :     

اسلم الكافرون بالسيف قهرا              وإذا ما خلوا فهم مجرمونا 

سلموا من رواح مال وروح               فهم ساللون لا مسلمونا

5 ـ كما أن الدولة العميقة فى مصر إضطرت الى أن تتعلم العربية عندما فرض الوليد بن عبد الملك تعريب الدواوين فى كل الولايات ومنها مصر والتى كان الأقباط يكتبون حساباتهم وتقاريهم بالقبطية . الدولة العميقة فى مصر هى التى كانت تمسك بالإدارة الداخلية ، وأهمها حسابات الضرائب وتوزيعات الأراضى وعدد المواليد . ولقد تعاقب على مصر إحتلالات شتى بعد زوال حكمها الفرعونى ، وأولئك المحتلون الأجانب تركوا موظفى الدولة العميقة يديرون مصر وركزوا على إستنزافها من خلالهم . أحتل مصر الفرس والبطالمة والروم. جاء العرب ، وهم لا سابقة لهم بإدارة الدول الزراعية فكان منتظرا أن يستبقوا الموظفين المصريين يمارسون عملهم. فلما أمر الوليد بن عبد الملك بتعريب الدواوين حاولوا التملص فلم يستطيعوا فتعلموا العربية حفاظا على وظائفهم ونفوذهم . بهذا بدأ إنحسار اللسان المصرى ( اللغة المصرية القبطية ) ، وقد ظلت مستعملة حتى عصر احمد بن طولون كما يظهر فى سيرته المشار اليها. ثم واصلت إنحسارها حتى إذا جاء عصر المقريزى وصل تراجعها الى الصعيد والأديرة المسيحية والنوبة والقرى المنقطعة . وبطغيان ( اللغة العربية ) إضطر الأساقفة المصريون الأقباط الى تعلمها وترجمة نصوصهم الدينية اليها .  

6 ـ اعتنق أغلب المصريين ما كان معروفا بالاسلام فى الدولة الفاطمية على الطريقة الشيعية . ولهذا أسباب :

6 / 1 : الدولة الفاطمية حولت الحياة الدينية الى طقوس وإحتفالات ( دينية إجتماعية ) ، وكان هذا يشمل الصلاة ، خصوصا صلاة الجمعة . وإشتهر تسامح الفاطميين مع الأقباط الى درجة إحتفالاتهم بالأعياد المسيحية والقبطية ( ذات الأصل الفرعونى ) جنبا الى جنب مع الأعياد الشيعية والأعياد المتوارثة كالعيدين.

6 / 2 : تشابه الحياة الدينية للاقباط مع الدين الشيعى فى العقيدة و الطقوس ، ومن التشابه بين العقائد منذ العصر الفاطمي كان من السهل أن يغير الناس عقائدهم فالتغيير منصب على الإشكال والأسماء أما المضمون فهو واحد في كل حاله ، فالاسماعيلية عقيدة الدولة الفاطمية تأخذ من كل النحل والأهواء في سبيل أن تنتشر دعوتها وأن يتمتع أئمتها بتقديس الناس..

6 / 3 :  وهناك عامل سياسى ، إذ تقرب الفاطميون الى الأقباط المصريين لأن الفاطميين الشيعة كانوا أقلية فى مواجهة أكثرية من السنيين فى مصر ، وبسبب طول بقائهم فى مصر أصبحت لهم فيها جذور ونفوذ وتداخل فى الدول العميقة فى مصر ، أى كانوا خطرا على الفاطميين ، لذا كان تشجيع الأقباط للدخول فى ( التشيع ) على أنه الاسلام . وبهذا التحق الأقباط المتحولون بالمساجد وانغمسوا فى الاحتفالات الدينية المتنوعة ، بل لا تزال العادات الدينية للمصريين المسلمين متأثرة بالطقوس الفاطمية  فى شهر رمضان والعيدين والأصناف الخاصة بالأطعمة . ولم يخل العصر الفاطمى من إضطهاد للأقباط ، وأشهره ما حدث فى خلافة الحاكم بأمر الله ، ولكن عانى الجميع من حمق هذا الخليفة حتى أقرب الناس اليه.

7 ـ وأسس صلاح الدين الأيوبى دولته الأيوبية على أنقاض الدولة الفاطمية ودينها الشيعى وبادر بحرب التشيع بتشجيع التصوف السنى فأنشأ خانقاة سعيد السعداء ، وكانت لها رسومها فى تأدية صلاة الجمعة فأثارت إعجاب المصريين ، وبدا التحول الى التصوف السنى الذى ما لبث أن تسيد فى العصر المملوكى. ومع إضطهاد الأقباط فى العصر المملوكى فقد كان جملة إعتراضية فى تاريخ إستمر قرونا ، وتغلب عليه أساطين الأقباط بإعتناق الدين المملوكى ، وهذا الدين المملوكى ( التصوف السنى ) فى أغلبه تسامح ، وفى أغلبه تشابه مع دين الأقباط ، من حيث تقديس البشر والحجر والايمان بكرامات الأولياء ومعجزات القديسين . بل كانت بعض حالات الإضطهاد مبعثها التنافس بين بعض الأولياء وبعض القساوسة. وفى العصر المملوكى صار الأغلبية الساحقة من المصريين على الدين المملوكى السائد ( التصوف السنى ) وتركوا دينهم القبطى وصاروا يقيمون الصلاة ( الشيطانية ) التى كانت وسيلة للفساد الأخلاقى وقتها. والتفاصيل فى موسوعة التصوف فى مصر المملوكية.

أخيرا :

1 ـ ومن خلال هذه العصور إستمر التواتر فى الصلاة الشيطانية وفى الصيام السطحى وفى الحج للبيت الحرام والقبر الرجسى المنسوب للنبى محمد وقبور الأولياء وآل البيت .. إستمر التواتر فى العبادات مختلطا بتزوير وفساد وتقديس للبشر والحجر .

2 ـ والقرآن الكريم هو الحكم على هذا الزيف.

 

الفصل الرابع : التواتر التاريخى فى الصلاة فى العصر العباسى  ( 1 من 2 )

مقدمة

1 ـ مع بداية التأريخ للمسلمين برز نوعان : الحوليات التى تؤرخ للأحداث بالحول أو العام، واشهرها تاريخ الطبرى. ثم التأريخ للشخصيات ، واشهرها ورائدها هو الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ( كاتب الواقدى) . وقد عرضنا لتواتر الصلاة فى الحروب والفتن من خلال ما كتبه الطبرى وما نقله عنه ملخصا ابن الأثير فى تاريخه ( الكامل ) . الآن نتعرف على التواتر التاريخى للصلاة من خلال ما كتبه ابن سعد فى طبقاته ، ونناقش رواياته .

2 ـ  وفى تفصيلات الصلاة إرتدى ابن سعد ثوب الفقهاء وأصحاب الحديث ولم يتورع عن نسبة أحاديث مختلفة ومتناقضة للنبى محمد عليه السلام ، والى كبار الصحابة ، وابن سعد من أعمدة مدرسة الحديث فى العراق .

3 ـ ومع  إختلافات الروايات وكذبها فهى تعبر عن خلافات الفقهاء وقتها ، وكل منهم كان يعزز رأيه بحديث ينسبه للنبى أو لكبار أصحابه ، هذا بينما يصلى الناس الصلاة بالتواتر بعيدا عن مشاحنات أولئك الفقهاء النظريين.  على أية حال فهذه الثرثرة من الروايات تؤكد على التواتر التاريخى للصلاة فى العصر العباسى ، أى إنهم فى خلافاتهم فى التفصيلات فهذا يعنى حضورا للصلاة فى حياتهم اليومية .

أولا : قبل الصلاة : الطهارة

1 ـ يلفت النظر أن القرآن الكريم تحدث عن الطهارة الواجبة قبل الصلاة فى سورة النساء والمائدة .

أى أن ما يعرف بالوضوء وما يسبقه من  " إستنجاء " أو طهارة موضعية أو يتم التيمم عند تعذر استعمال الماء ... كل ذلك لم يكن معروفا فى الفترة المكية . أى أن تشريع الطهارة ( الوضوء والغسل والتيمم ) جاء فى أواخر العهد المدنى ونزول القرآن بالتفصيل فى آيتين . ونزل فى العهد المكى قوله تعالى فى أوائل ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى " وثيابك فطهر " ، والمقصود أن الصلاة كانت تؤدى وفق ملة إبراهيم بال وضوء أو غسل أو تيمم – مجرد الطهارة العادية – من البول والغائط – ثم نزل تشريع الطهارة فى سورتى النساء والمائدة .

2 ـ إن طهر المرأة من الحيض والمنصوص عليه فى الأية الكريمة رقم 222 من سورة البقرة ليس مقصودا فيه طهرها للصلاة بل هو طهرها هو للقاء الجنسى فحسب .. فالحيض لا يمنع الصلاة والصوم أو الحج وعلى الحائض أن تطهر موضوعيا وتمنع تدفق دم الحيض ، ثم تتوضأ وتصلى لكل صلاة .

3 ـ وفى الفقه السنى يكون البدء بباب الطهارة ، وهو باب ضخم جدا ووفقا لمنهج هذا الفقه يتم فيه التركيز على التفصيلات السطحية وإهمال المقصود الأصلى من العبادات والصلاة وهو التقوى . تضخم باب الطهارة وصل إلى إفراد فصول كاملة لأنواع المياه وكيفية الطهارة من البول والغائط والوضوء والغسل والمسح على الخفين والجبيرة وغيرها من فصول ، وتحتها من تفصيلات هامشية ومضحكة ، وقد ازدادت تلك التفصيلات سماجة فى عصور التقليد والجمود منذ القرن السادس إلى نهاية العصر العثمانى وكل هذه الفصول والتفصيلات تثير تساؤلا هاما ، هل لم يكن المسلمون قبل – تدوين الفقه – يعرفون كيفية الإستنجاء والطهارة ؟ فالله تعالى اكتفى فى كل هذا الموضوع بآيتين فحسب تكرر فيها معظم تفصيلات الطهارة . والمقصود أنه لو كان هناك حاجة ضرورية فى موضوع الطهارة لذكرها القرآن وبالتالى فإن أطنان المؤلفات المكتوبة فى فكر الطهارة كلها ثرثرة وإضاعة وقت ولا حاجة لها إلا فى خيال الفقهاء فقط .

أطنان المؤلفات الفقهية فى الطهارة كانت أيضا مجرد تنظير لا صلة له بالواقع الذى عاشه المسلمون قبل وأثناء ذلك التنظير الفقهى والدليل أنها مجرد روايات قليلة فى تاريخ المسلمين تلك التى تعرضت لموضوع الطهارة . ونعرض لها من خلال ما جاء فى الطبقات الكبرى لإبن سعد مع التذكير بأن معظمها قد تمت صياغته فى العصر العباسى بسبب الخلافات الفقهية .

الإستنجاء

1 ـ هو المصطلح الفقهى للطهارة الموضعية من البول والغائط .

2 ـ يقول أبو الغريف : كنت أصلى مع " على " فى الرحبة فبال ثم دع بماء فغسل يده ، ثم قرأ سورا من القرآن " (ابن سعد 6 ، 167 ) أى لم يغسل عضوه الذكرى بالماء ، مجرد أن غسل يديه ثم قرأ القرأن بغير وضوء . وهناك رواية طريفة يقول صاحبها " أول من رأينا من البصرة يتوضأ هذا الوضوء هو عبدالله بن أبى بكر ، قلنا : أنظروا إلى هذا الحبشى يلوط إسته بالماء " ( ابن سعد 7 ، 138 ) هذه الرواية مليئه بالمصطلحات فهى تصف الإستنجاء بالوضوء ونفهم منها أن العرب اعتادت أن تقوم بالطهارة الموضعية بالحجارة دون الماء . فلما رأو ابن أبى بكر يتطهر من الغائط باستعمال الماء قالوا : انظروا إلى هذا الحبشى يلوط إسته "والإست هو الشرج أو المؤخرة أو الدبر فى مصطلح الفقه .

المسح على النعلين

1 ـ وبعض الروايات تجمع بين الإستنجاء والمسح على النعلين .

يقول ابن جندب " رأيت عليا يبول فى الرحبة حتى أرغى بوله ، ثم يمسح على نعليه ويصلى " أى أنه استنجى ومس على نعليه فقط – دون وضوء ثم صلى . والمعنى المرأد هنا أن التبول لا ينقض الوضوء ولا يحتاج إلى إستنجاء ويكفى المسح على النعلين .

2 ـ وتأتى رواية أخرى فى نفس الصفحة كأنها تصحح الموضوع أو لترد عليه ، يقول مالك بن الجون " رأيت عليا جلس فبال ثم دعا بماء فتوضأ ، ومسح على الجوربين والنعلين " ( ابن سعد 6 ، 168 ) والرواية هنا أنه تبول – ولم يستنج بغسل ذكره – بل توضأ ومسح على الجوربين والنعلين دون غسل الرجلين .

3 ـ والواضح إعتناء الفقه السنى بالمسح على الخفين أوالنعلين ، أو المسح على الحذاء والجوارب دون غسل القدمين ولهذا وضعت هذه الروايات تسند لعلي المسح على النعلين والجوربين ، فقال كعب بن عبدالله " رأيت عليا قام فبال ثم توضأ ، ومسح على جوربيه ونعليه ثم قام فصلى لنا الظهر " ( ابن سعد 6 ، 162 ) وقال أخر " بال على فى الرحبة ثم توضأ ومسح على نعليه " ( ابن سعد 6 ، 166 ) .التركيز هنا على المسح على الخفين وإهمال غسل القدمين المذكور فى القرآن الكريم ، وبسبب تركيزهم على النعلين نسوا الإستنجاء من البول قبل الوضوء .

4 ـ والتركيز هنا على " على بن أبى طالب " فى هذه النقطة يعطى إنطباعا كاذبا بأن عليا كان فى خلافته متفرغا للتبول والمسح على النعلين وهو الذى قضى فترة خلافته فى حروب أهلية ومحن ومصائب وانقسامات وهزائم لا تتيح له وقتا لإستعراض بوله أما الناس ....

هذا الإستغلال السمج لعلى فى قضية الطهارة والمسح على الخفين قوبل برواية أخرى تجعل محمد بن الحنفية – إبن على بن أبى طالب – يرفض ما قيل أن أباه كان يفعل ، يروى ابن سعد أن ابن الحنفيه أراد أن يتوضأ وعليه خفان ونزعهما ومسع على قدميه ( ابن سعد 5 ، 85 ).

5 ـ  ورد المناصرون للمسح على الخفين برواية أكثر إيقاعا نسبوها لعمر بن الخطاب وهى رواية مضحكة قال بعضهم : أتينا عمر نريد أن نسأله عن المسح على الخفين فقام فبال ثم توضأ ومسح على خفيه فقلنا إنما أتيناك لنسألك على المسح على الخفين فقال : إنما صنعت هذا من أجلكم ( ابن سعد 6 ، 83 ) .

أى أن عمر بن الخطاب عرف بالإلهام – أو بالوحى – أنهم جاءوا خصيصا ليسألوه على المسح على الخفين أى أنها قضية خلافيه كانت موجودة فى عهد عمر بن الخطاب ولذلك جاءوا يسألوه عن رأيه فيها . ولأن عمر كان  عندهم ملهما فقد بادر وتوضأ من أجلهم وتوضأ من أجلهم ومسح على خفيه أيضا من أجلهم ، فلما سألوه عن القضية الهامة التى جاءوا من أجلها قال إنما صنعت  هذا من أجلكم . هى رواية مضحكة مبكية تذكرنا بما ذكره البخارى عن السيدة عائشة فى تعليم الناس كيفية الغسل ....

6 ـ كثيرة هى التفصيلات الفقهية عن الإستنجاء بالحجر وبالماء وعن كيفية إستنجاء المرأة وكثيرة هى الخلافات الفقهية حول الطهارة بالأنواع المختلفة للماء ، وهل يجب التطهر من الريح بدون صوت أو بصوت . ! تفصيلات مخجلة تعبر عن تدهور خطير ومؤلم فى عقلية الفقه السنى .

الوضوء

1 ـ لم يرد هذا المصطلح فى القرآن ، وإنما هو ابتداع فى دين الفقه السنى. ولم يكتف الفقه السنى بتفصيلات القرآن المحكمة فى غسل الأعضاء فأطنبوا وبلغوا فى الثرثرة والإختلاف إلى درجة الملل .

2 ـ والروايات التاريخية لا شأن لها بذلك التطويل الفقهى . يقول عمرو ذو مر " رأيت عليا توضأ ثم أخذ كفا من الماء فصبه على رأسه ، ثم دلكه " ( ابن سعد 6 ، 169 ) أى أن عليا توضأ كالمعتاد ثم صب ماءا على رأسه ودلك رأسه ، ورواية أخرى لأبى حية أن عليا قام فبال بالرحبة ، ثم قال إن توضأت فانثر " ( ابن سعد 6 ، 165 ) أى أن عليا بلغ الوضوء عضلة ساقية  ( ابن عباس 7 ، 147 ) أى هو تطوع أخر بغسل المزيد من الرجل والساق .

3 ـ ويذكر ابن سعد أيضا أن شريح القاضى كان يصلى الصلوات كلها بوضوء واحد ( ابن سعد 6 ، 98 ) .

التيمم

وينسب ابن سعد إلى من يسمى أسلع خادم النبى أن النبى قال له : با أسلع قم فأرحل لى  فقلت يا نبى الله أإصابتنى جنابة فسكت ساعة وأتاه جبريل عليه السلام بأية الصعيد ، فدعانى النبى فأرانى كيف أمسح ، فمسحت ورحلت له وصليت ، فلما انتهى إلى الماء قال لى قم يا أسلع فاغتسل " ( ابن سعد 7 ، 45 ) .

وأقول إذا كان لهذا الأسلع وجود حقيقى وأنه عاش فعلا بعد موت النبى محمد فإنه كان كذابا كذبا لا يبارى إذا كان قد حكى فعلا تلك الرواية .

ثانيا : الصلاة

 صورة عامة للصلاة :

1 ـ عموما كان عمر بن عبدالعزيز نموذجا للمسلم الملتزم سواء فى خلافته القصيرة أو حين تولى إمارة المدينة سنة 87 وهو ابن 22 عاما فى خلافة عمه الوليد بن عبدالملك . جذب الأمير الشاب إهتمام أهل المدينة بحرصه على الصلاة فى الوقت الذى اشتهر فيه أهله الأمويين بإماتتها وتأخيرها وإهمالها واستغلالها سياسيا . عندما جاء الشاب عمر بن عبدالعزيز واليا على المدينة كان لا يزال فيها بقية من مخضرمى الصحابة منهم أنس بن مالك الذى انبهر بالوالى الجديد ، فصلى خلفة وقال بعدها " ما صليت وراء أحد أشبه برسول الله من هذا الفتى " يعنى عمر بن عبدالعزيز . وقال عنه أحد التابعين وهو الضحاك " كنت أصلى وراءه فيطيل الأولين من الظهر ويخفف الأخرين ، ويخفف العصر ، ويقرأ فى المغرب بقضاء المفصل ، ويقرأ فى العشاء بوسط المفصل ، ويقرأ فى الصبح بطوال المفصل " ابن سعد 5، 244 . المفصل يعنى السور القرآنية المدنية الطويلة نوعا . أى أن هذه الكيفية للصلاة أشبة ما يكون بصلاة النبى محمد عليه السلام . ولا نستطيع بالطبع التحق من تطابق هذا مع صلاة محمد عليه السلام فى نوعية ما يقرأ من القرآن فى الصلاة بعد الفاتحة أو فى تخفيف الركعات فى بعض الفرآئض .

القراءة فى الصلاة . على أن هناك تفصيلات أخرى فيما كان يقال فى الصلاة .

2 ـ  ومن القضايا المثارة وكانت مدار خلاف بين المدرستين ، هو قراءة الفاتحة : هل يجب على المأموم قرائتها إذا قرأها الأمام أو أن يكتفى بالسماع للإمام والتأمين بعده ؟ حيث رأت المدرسة العقلية أنه لا يجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة إكتفاءا بالتأميم مع الإمام أو بعده بينما صممت مدرسة الحديث على وجوب قراءة المأموم للفاتحة ، وروت فى ذلك حديثا يقول فيه عمر بن الخطاب " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وشىء معها ، فقال له رجلا : فإن كنت خلف إمام ؟ فقال عمر : فاقرأ بنفسك " ( الطبقات الكبرى 6 ، 101 )

وهو خلاف فقهى نظرى ، ولكن جاء ابن سعد بتلك الرواية ليعزز حجة المدرسة الحديثية التى ينتمى إليها .

وعموما فهذه الرواية لعمر تتناقض مع رواية أخرى . يقول بعضهم " صلى بنا عمر بن الخطاب المغرب فلم يقرأ بنا فيها شيئا " ( الطبقات الكبرى 6 ، 104 ) .

 3 ـ وعن قراءة القرآن فى الصلاة :

3 / 1 : يروى ابن سعد ان عثمان بن أبى العاص الثقفى قال له النبى أن يقرأ بقومه فى الصلاة باسم ربك الذى خلق وأشباهها من القرأن ( 5 ، 372 : 273 ) وهى رواية تدل على أن الصلاة لم تكن معروفة من قبل ، واستلزم أن يعلمها النبى محمد للعرب، وهذا يخالف النسق القرآنى الذى فصلنا القول فيه سابقا ، وربما أورد ابن سعد هذه الرواية تعبيرا عن جدل فقهى احتدم فى عصره أو قبله ، ولقد ثار جدل بين مدرسة الرأى فى العراق التى يتزعمها ابن حنيفة فى أواخر العصر الأموى وأوائل العصر العباسى ومدرسة الحديث التى كان يتزعمها مالك بن أنس فى المدينة ، ثم انتقلت للعراق وكان من أتباعها المؤرخ محمد بن سعد ، وكانت هذه المدرسة ترد على المدرسة العقلية بإختراع روايات ينسبها للنبى محمد عليه السلام ، وقد سجل ابن سعد معظمها فى الطبقات الكبرى . وهذه الرواية تتداخل مع رواية أخرى يرفعها ابن سعد للنبى محمد عليه السلام . انها روايه مسعود بن يزيد الأسدى القائل : شهدت رسول الله يقرأ فى الصلاة فترك شيئا لم يقرأه فقال رجل : يا رسول الله تركت آية كذا وكذا فقال : مهلا ألا ذكرتينها إذا ( ابن سعد 6 ، 33 ) والواضح أنه عن قراءة شىء مع الفاتحة .

3 / 2 : وكان مشهورا عن عمر بن الخطاب ،فى خلافته أنه كان يقرأ سورة يوسف فى الفاتحة ، ويقول أحدهم " صلى بنا عمر الفجر فقرأ فى الركعة الأولى سورة يوسف " ( ابن سعد 6 ، 102 ) أما شماس مولى العباس ابن المطلب فقد حفظ سورة يوسف من فم عمر بن الخطاب وهو يتلوها فى الصلاة ( ابن سعد 5 ، 63 ) أى أن عمر كان يتلوها كل صلاة حتى حفظها شماس وهو مولى أعجمى !!! ، ولم يتقيد بهذا أخرون مثل سعيد بن المسيب فقيه التابعين فى المدينة ، الذى كان يقرأ فى الصلاة بعد الفاتحة سورة الشمس وضحاها ( ابن سعد 5 ، 104 ) أما سعيد بن جبير فقيه العراق والبصرة فكان يقرأ فى صلاته " إذ الأغلال فى أعناقهم والسلاسل يسحبون " ( ابن سعد 6 ، 181 ) وهذا مفهموم من أكبر معارض للأمويين فى عصره ، ومات قتيلا على يد الحجاج سفاح بنى أمية .

3 / 3 : الطريف أن القاضى الأموى زرارة بن أوفى الحرشى كان يؤم الناس فى مسجد بنى قشير فى صلاة الفجر حتى بلغ " فإذا نقر فى الناقور فذلك يوم عسير " فسقط ميتا يقول الراوى فكنت فيمن حمله " ( ابن سعد 7 ، 109 ) .

4 ـ وفى الجهر فى القراءة هناك إختلاف ؛ فسعيد بن المسيب كان يجهر بالبسملة بينما كان عمربن  عبدالعزيز لا يجهر بالصلاة حين كان يؤم الناس ( ابن سعد 5، 98 ، 246) .  

القنوت :-

وهناك خلاف أيضا فى " القنوت " أو الدعاء فى صلاة الصبح ، مما نفهم منه أنه إختيارى وليس فرضا فى الصلاة ؛ يقول بعضهم " صليت خلف (علي  )فقتنت فى الركعتين كليهما " ( ابن سعد ^ ، 125 )  " وقبله كان أبو رافع يصلى مع عمر بن الخطاب سنتين ، وكان عمر يقنت بهم فى الركعة " ( ابن سعد 7 ، 88: 89 ) . أما سعيد بن جبير فكان يصلى ولا يقنت فى الصبح  ( ابن سعد 6 ، 182)

حركات الصلاة :

وجاءت روايات فى تفصيلات حركات الصلاة .

1 ـ يروى سعد عن مالك بن عبدالله الخزاعى قوله " غزوت مع رسول الله فما صليت خلف إمام يؤم الناس أخف من رسول الله " ( ابن سعد 6 ، 41 ) ، وهذا خلاف ما يعتقده المتشددون فى الصلاة ، وحركاتها من سجود وقيام دون فهم للخشوع والتقوى ، ويروى ابن سعد عن أحدهم يقول " رأيت أبا إسحاق وهو يصلى بنا فيأخذ قلنسوته من الأرض فيلبسها أو يأخذها عن رأسهه فيضعها " ( ابن سعد 6 ، 219 ) .

2 ـ فى هيئة الذراع واليد فى الصلاة يروى عطية الكندى أن النبى محمد " كان يصلى ويده اليمنى على اليسرى فى الصلاة " ( ابن سعد 7 ، 2 ، 144 ) ويقول سمير الخزاعى عن أبيه " رأيت رسول الله واضعا يده اليمنى على فخذة اليمنى يشير إلى الصلاة بأصابعه " ( ابن سعد 6 ، 33 ) وفى رواية أخرى لنفس الراوى أنه رأى النبى محمد " يصلى واضعا ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعا أصبعه السبابة وهو يدعو ، قد أحناها شيئا " ( ابن سعد 7 ، 43 ) . وروايات أخر تمت نسبتها ليس للرسول محمد وإنما للتابعين ، فيقول أحدهم ( رأيت الحسن البصرى يصلى ويده فى طليسانه " ( ابن سعد 7 ، 117 ) .

3 ـ ومن الطريف فى هذا الشأن ما جاء فى تاريخ الأندلس ، فقد كان أبو جعفر القيصى كاتبا للأمير فرج بن الأحمر ملك الأندلس وقد خرج من الأندلس لأنه كان يرفع يده فى الصلاة على ما صح فى الحديث ، فبلغ ذلك السلطان فتوعده بقطع يده ، فضج من ذلك وقال : أن إقليما يمات فيه سنة رسول الله حتى يتوعد بقطع اليد من يقيمها " فخرج من الأندلس لهذا السبب ووفد  إلى مصر ( الوافى بالوقيات 6 ، 418 )

4 ـ  وهناك تفصيلات شتى فى الركوع والسجود والقيام منها ...

4 / 1 :يروى أن فقيه المدينة فى العصر الأموى سعيد بن المسيب كان يصلى محتبيا فكان إذا أراد ان يسجد أحل حبوته فسجد ثم عاد فاحتبى ، وكان ربما حل أزاره فى الصلاة وربطها ، وفى مرض موته كان يصلى مضطجعا  مستلقيا فيومأ برأسه إلى صدره.... ولا يرفع رأسه شيئا فشيئا ( ابن سعد 5 ، 105 ، 103 ، 104 ) .

4 / 2 : أما سالم مولى عمر فكان يصلى جالسا ، وكان يجعل قيامه متربعا فإذا أراد الجلوس جثا ( ابن سعد 5 ، 147 )، وقال أحدهم كان الربيع بن الهيثم يومىء وهو متكىء إلى سارية ، وهو يشتكى " أى من مرض ( ابن سعد 6 ، 131 ) .

4 / 3 : ومراعاة لحال الإمام إذا كان شيخا وضعوا حديثا يقول فيه النبى " أنى قد بدنت فلا تبادرونى بالركوع ولا تبادرونى بالسجود ، فمن فاته ركوعى أدركه فى بطء قيامى" ( ابن سعد 6 ، 138 ) وهذا أسلوب فقهى نستبعد أن يقوله ابن مسعود فى عصره .

4 / 4 : ويقول الهيثم بن شهاب " لأن أقعد رضفتين أحب من أن اقعد متربعا فى الصلاة " ( ابن سعد 6 ، 138 ) ، وهى بالطبع وجهة نظر مثل كل ما قيل من قبل .. وقد زعم وابصة بن معبد الأسدى أنه صلى خلف الصفوف وحده فأمره النبى أن يعيد صلاته ( ابن سعد 7، 2، 176 ) فهل يصح هذا ؟!

التسليم فى نهاية الصلاة

وفى التسليم أخر الصلاة جاءت روايات مختلفة .

1 ـ هناك من يجعل تسليمتين بعد الصلاة ، يقول مسروق بن الأجدع . صليت خلف أبا بكر الصديق فسلم على يمينه وعن شماله ( ابن سعد 6 ، 50 ، 51 ) وذكر بعضهم أنه صلى خلف ( على ) فسلم تسليمتين : السلام عليكم ... السلام عليكم ( ابن سعد 6 ، 123 )

2 ـ بينما ذكر أن سعد بن عمر بن عبدالعزيز كان يسلم واحدة تجاه القبلة ( ابن سعد 5 ، 246 ) .

3 ـ وبعد التسليم والإنتهاء من الصلاة كان عمر بن الخطاب يكبر الله أكبر ولله الحمد ثلاثا بعد كل صلاة ( ابن سعد 5 ، 267 ) .

 

 

 

 

التواتر التاريخى فى الصلاة فى العصر العباسى ( 2 من 2 )

الصلاة والثياب

1 ـ وهناك روايات تتحدث عن الصلاة فى الثياب .

2 ـ ولم تكن تلك مشكلة فى عهد النبى حيث البساطة فى الثياب والفقر لذا قيل " كان الرجل من أصحاب النبى ليصلى أو ليؤم فى جبة واحده ليس عليه غيرها ( ابن سعد 6 ، 231 ) وقد سئلت أم سلمة فيم تصلى المرأة من الثياب ؟ فقالت: فى الخمار والدرع الذى يوارى ظهور القدمين ( ابن سعد ، 8 ، 350 ) .

3 ـ واختلف الحال فى العصر الأموى حيث عرفوا الثياب الفارسية ومنه الطيلسان مع أنواع مختلفة من الزى ، وكان لها تسميات مختلفة ، فكانت لكل واحد طريقته فى الزى وكانت لكل واحد طريقته فى الصلاة  فى هذا الزى ، فكان الأسود بن يزيد يسجد فى برنس طيالسه ، ويداه فيه أو فى ثيابه ، وقد توفى فى الكوفة سنة 75 هــ ( ابن سعد 5 ، 94 ) وكان مسروق يصلى فى برانسه ومسائقة لا يخرج يده منها ( ابن سعد 6 ، 50 ، 51 ) وكان مكحول إذا صلى يسدل عليه الطيلسان كثيرا ( 7 /  2 ، 161 ).  وقد أهديت لعلى زين العابدين بن الحسين معتقه فكان يلبسها فإذا أراد أن يصلى نزعها ( ابن سعد 5 ، 161 ) . أما الحسن البصرى فكان لا يخرج من البهرجة فى ثيابه ، إذ كان يصلى  كما يقول أحدهم "رأيت الحسن البصرى يصلى وعليه قبيصة كثيرة الأعلام ، فلا يخرج يده منها إذا سجد "( ابن سعد 7 ، 126 ).

4 ـ  وضمن معالم الترف التى عرفها العرب فى العصر الأموى إستخدام السجادة فى الصلاة ، وقد سئل سعيد بن المسيب عن الصلاة فى الطنفسة ( السجادة ) فقال محدث أى ابتداع ( ابن سعد 5 / 99 ) .

صلاة الجماعة والأمام :

1 ـ وكانت الصلاة تلتئم وتكتمل صفوفا خلف الأمام .

2 ـ  وهذه حكاية طريفة عن الربيع بن خيثم أحد مشاهير العابدين والمثقفين " كان فى المسجد رجل خلفه ، فلما بدأ الصلاة جعل الرجل يقول له : " تقدم " ، ولا يجد الربيع مساغا بين يديه ، فرفع يده فوجأ بها فى عنق الربيع ولا يعرف  الربيع ، فالتفت إليه الربيع وقال له : رحمك الله .. فبكى الرجل حين عرف ربيعا " ( ابن سعد 6 ، 130 )

3 ـ وتحدثت بعض الروايات عن الإمام فى الصلاة ، ووجدوا الجرأة فى نسبتها للنبى بزعمهم . " يروى أن سعد بن مسلمة الرمى قال : أتينا رسول الله فقلنا يا رسول الله من يصلى بنا ؟ فقال يصلى بكم أكثركم أخذا أو جمعا بالقرآن ، فكان مسلمة الجرمى يصلى بهم فى مسجدهم وعلى جنائزهم لا ينازعه أحد حتى مات " (ابن سعد 7 ، 63 ) . أما عن عثمان بن أبى العاص الثقفى فيزعمون أنه كان مع وفد ثقيف الذى وفد على النبى يعلن أسلامه وكان عثمان أصغرهم ، وقد جعله النبى أميرا اى إماما عليهم فى الصلاة ،وقال له ، أن يتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا ، وإذا أمّ  قومه فأقدرهم بأضعفهم ( أى يصلى بهم قدر ما يتحمل الضعيف ) وإذا صليت لنفسك فأنت وما ذاك " وقال له : خفف عن الناس الصلاة ( ابن سعد 5 ، 372 ، 373 ) .

4 ـ وهنا تأثر ضمنى بثقافة عصرها حيث يكون الوالى الأول هو والى الصلاة أة الإمام فى الصلاة ، ضمن المدلول السياسى للصلاة .  وحين تولى الأمويون الحكم كانت إمامة الصلاة ضمن مهامهم الدينية السياسة مع عدم الإهتمام بها . لذا كان المعارضون لهم من الفقهاء متمسكين بالصلاة والخشوع فيها كنوع من المزايدة الدينية بعد ان احتكر الأمويين الدنيا لهم ولذلك راج فى الأحاديث روايات تجعل إمامة الصلاة حقا للفقيه أوالقارىء. والقراء ( بالجمع ) كان المدلول الذى يطلق على الفقهاء المتعبدين فى هذا الوقت المبكر فى القرن الأول الهجرى وكانوا يرون أنفسهم الأحق بإمامة الصلاة طالما احتكر الأمويون السياسة وجعلوا أنفسهم أيضا أئمة الصلاة .. فى هذه البيئة نبتت هذه الأحاديث . والحسن البصرى أشهر معارض مسالم للأمويين كان أشهر أئمة عصره فى الصلاة يقول شعبة " رأيت الحسن البصرى قام إلى الصلاة فتكالبوا عليه " ( ابن سعد 7 ، 116 ) ، أى بمجرد أن قام يصلى تكالبوا ليصلوا وراءه مأمومين . واشتهر معروف بن واصل أنه ظل إماما فى الصلاة لقومه ستين سنة لم يسه ( من السهو ) فى صلاة قط ، لأنها كانت تهمة ( ابن سعد 6 / 248 ) .

5 ـ وفى العصر العباسى :

5 / 1 : اختلف الحال ، فالواقدى المؤرخ ( استاذ محمد بن سعد : " كاتب الواقدين ) كان مقربا من الخلفاء العباسيين ولم يكن متدينا ، وحدث أن صلى بعضهم خلفه فى صلاة الجمعة ، فقرأ الواقدى الأية الكريمة خطأ إذ قال " أن هذا لفى الصحف الأولى صحف عيسى وموسى " هذا ما رواه المؤرخ الصفدى فى : ( الوافى بالوفيات 4 ، 240 )

5 / 2 :  وفى الدولة العباسية كانت إمامة الصلاة ضمن الوظائف الرسمية وكان القاض يوسف بن يعقوب يصلى بالناس الجمعة بأمر هارون الرشيد فى مدينة أبى جعفر المنصور ، أى بغداد ( ابن سعد 7 / 2 ، 79 ).

5 / 3 :  وكان الخليفة العباسى يصلى إماما بالناس . واشتهر الخليفة المهدى بإمامة الصلاة ، وحين قدم للبصرة ( صلى بالناس الصلوات الخمس فى مسجدها الجامع ، وعندما أقيمت الصلاة قال أعرابى للخليفة : " لست على طهر وقد رغبت فى الصلاة خلفك فأمر هؤلاء بانتظارى" ،  فقال الخليفة : انتظروه ، ووقف الخليفة فى المحراب إلى أن قيل : قد جاء الرجل فكبّر ، فيعجب الناس من سماحة أخلاقه )( السيوطى تاريخ الخلفاء 442 ) .

5 / 4 : ويحكى الجوزى هذه الطرفة فى كتابه أخبار الأذكياء (صــ 142 ) : حكى يموت ابن المزرع : كان أبى والجماز يمشيان وأنا خلفهما بالعشى ، فمررنا بإمام وهو ينتظر من يمر عليه فيصلى معه ، فلما رآنا قام للصلاة مبادرا . فقال له الجماز : " دع عنك هذا فإن رسول الله قد نهى أن يتلقى الجلب ".

أوقات الصلاة

1 ـ وردت إشارات عن مواقيت الصلاة والإجتهاد فى تحديدها ضمن سطور الطبقات الكبرى لابن سعد .

2 ـ منها ما ورده حميد بن عبدالرحمن بن عوف . قال " رأيت عمر و عثمان يصليان المغرب فى رمضان إذا نظرا إلى الليل الأسود ثم يفطران بعد" ( ابن سعد 5 ، 114 ) والواضح فى الرواية أنها أكثر دلالة على وقت الإفطار فى رمضان ، فالله تعالى يقول ": (   ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) 187 :البقرة) والخلاف فى موعد بدء الليل ، هل هو مجرد غروب الشمس أخذا من السياق القرآنى : (والليل إذا سجى " " والليل إذا عسعس "  " والليل إذا يغشى " وعليه فإن الغروب هو بداية الليل ، وهو وقت الإفطار فى الصيام . والفقهاء لم يلتفتوا للسياق القرآنى الأنف ، بل كان أسهل عليهم وضع رأيهم فى حديث منسوب للنبى محمد عليه السلام ، وهكذا فعلوا فى حديث التعجيل بالإفطار ، وفى المقابل جاء أخرون يؤخرون الإفطار فى رمضان إذا حل الليل وبعد أن يصليا المغرب ...أى الإنتظار قبل العشاء . المستفاد من الرواية السابقة أن هدفها الأساسى ليس تحديد وقت صلاة المغرب فالمغرب لا يحتاج إلى ذلك فإسمه مشتق من الغروب .

3 ـ وهناك روايه أخرى يقول صاحبها " وكنا قعودا عند ( على ) فجاء ابن النباح يؤذنه بصلاة العصر فقال : الصلاة الصلاة ، ثم قام بعد ذلك فصلى بنا العصر فجثونا للركب لنبصر الشمس وقد ولت .. ) ( ابن سعد 6 ، 166 ) .هذه الرواية تؤخر صلاة العصر إلى ما قبيل المغرب بدون عذر .

4 ـ وتقترب منها روايه أخرى تقول الجديد الذى ابتدعه الفكر التراثى هو الأوقات التى حظروا فيها الصلاة ، أو جعلوها مكروها وكالعادة اختلفوا فيها ولا شأن لنا بإختلافهم إلا أنهم وضعوا فى ذلك حديثا رواه ابن سعيد يزعم فيه أن النبى محمد قال : ان الشمس تطلع من قرن الشيطان فإذا طلعت قارنها فإذا ارتفعت فارقها ، وقارنها حتى تستوى ، فإذا نزلت للغروب قارنها ، وإذا غربت فارقها , فلا تصلوا هذه الساعات " (ةابن سعد 7 ، 2 ، 142 ) ولتأكيد بعض فقرات هذا الحديث المفترى رووا أن خالد بن الوليد كان يضرب الناس على الصلاة بعد العصر ( ابن سعد 6 ، 148 ) وهذه الأساطير الفقهية كانت ولا تزال بعيده عن جمهور المسلمين ، وإن كان بعض الفقهاء قد التزم بها ، يدلنا على ذلك أن محتالا قام بتقليد الفقهاء المتنطعين فى المسجد للعبادة وقد حكى ابن الجوزى قصته فى أخبار الأذكياء وكيف سافر إلى حمص ، وانقطع بالمسجد متظاهرا بالعبادة والصلاة " فصلى نهاره أجمع وليلته لا يستريح إلا الأوقات المحظور الصلاة فيها " أخبار الأذكياء 107 تحقيق مرسى الخولى )

الصلاة فى النعلين ( الحذاء )

1 ـ مشهور الآن عدم الصلاة لمن يلبس النعلين ، كان المعروف فى العصر الأموى الصلاة فى النعلين ، واشتهر بذلك بعضهم الذى " كان يصلى فى نعليه " ( ابن  سعد  6 / 49 ) وقال عباد بن راشد " رأيت الحسن البصرى يصلى فى نعليه " ( ابن سعد 7 / 116 ) وقال سالم بن يسار " أنى لأصلى فى نعلى وخلعهما أهون على وما أبتغى بذلك إلا السنة " ( ابن سعد 7 ، 136 )أى أن السنة هى أن تصلى لابسا نعليك شأن بقية اللباس والزى . ولا بأس من ذلك ، ولكن هل يجرؤ أحد شيوخ الفقه السنى فى عصرنا على أن يؤم الناس فى المسجد وهو لابس حذائه ؟

2 ـ وبالمناسبة هل يجرؤ أحدهم على أن يؤدى الصلاة فى كنيسة ؟

مكان الصلاة

1 ـ يروى  سعد أن عمر بن عبدالعزيز صلى إماما بأصحابه فى كنيسة ( 5 ، 284 ) وقبيل وفاته اشترى عمر بن عبدالعزيز موضعا فى دير سمعان ، اشتراه من الراهب المسئول عن الدير بدينارين ، وقد عرض الراهب أن يعطى الأرض إلى عمر مجانا ولكنه رفض ، قال له الراهب : يا أمير المؤمنين والله إنه لخير أن يكون قبرك فى أرضى " فأبى عمر وابتاعه منه ( ابن سعد 5 ، 299 ) . 

2 ـ وبعضهم كان لا يرى بديلا عن المسجد مكانا للصلاة ، ومنهم الربيع بن خيثم ، الذى اعتاد حضور صلاة الجمعة فى المسجد طيلة عمره ، وقد أصيب فى أخر عمره بالفالج فكانوا يقودونه إلى المسجد ويقولون له يا أبا زيد قد رخص لك فيقول : اى أسمع حى على الصلاة .......  حى على الفلاح  ، فإن استطعتم فأتوها ولو حبوا " . وقال بعضهم " ما رأيت حيّا أكثر جلوسا فى المساجد من الثوريين والعرينين ، وإلى الثوريين ينتمى الربيع بن خيثم من آل ثور ، وكان فى بنى ثور ثلاثون رجلا ما منهم رجل دون ربيع بن الخيثم فى العبادة ، وقد مات ابن الخيثم بالكوفة .

3 ـ وضمن الترف الذى طرا على الحياة الأموية فى العصر الأموى إقامة مقاصير فى المسجد لأولى الأمر . وكان معاوية أول من اتخذ المقصورة فى المسجد بعد محاولة إغتيالة . وكان الأحنف بن قيس يكره أن يصلى فى المقصورة ( ابن سعد 7 ، 67 ) .

4 ـ وكان أنس بن مالك أخر من توفى من الصحابة فى البصرة ، إذ توفى سنة 92  هـ فى خلافة الوليد بن عبدالملك وقال عنه أبو هريرة : ما رأيت أحدا أشبه بصلاة رسول الله من ابن أم سليم يعنى أنس بن مالك . وهذا العجب العجاب ، فليس من حق أبى هريرة إذا صحت هذه الرواية أن يشهد أبو هريرة لأنس بن مالك لأن أنس بن مالك خدم النبى محمدا وعائشة أما أبو هريرة فلم يمكث مع الرسول إلاإقٌل من سنتين وقد كان أنس بخدمته للرسول محمد والسيدة عائشة وهو صبى وحياته الطويلة بعده أهم مصدر للأخبار ، وقد ذكروا عنه أنه كان إذا دخل المسجد الحرام ليصلى ركز شيئا أمامه ، أو هيأ  شيئا ليصلى عليه ( ابن سعد 7 /  11 ) وهذا مفهوم من كثرة الإزدحام أمام المصلى فى الحرم المكى .

5 ـ وخارج المسجد كان مسرور إذا خرج وأبحر يأتى معه بلبنة ( طوبة ) ليسجد عليها فى السفينة ( ابن سعد 6 ، 53 ) .

6 ـ وبعضهم كان يصلى فى أى مكان دون تقييد بالمسجد ، فالأسود بن يزيد كان إذا حضره الصلاة نزل إلى أى حال كان ، وإن كان مكان خشن نزل وصلى ، وإن كانت ناقته فى صعود وهبوط أناخ ولم ينتظر ، وقالوا عنه أنه ذا كان أناخ بعيره صلى ولو على حجر ) ( ابن سعد 6 ، 47 ) وقد مات بالكوفة سنة 75 .

7 ـ وبعضهم كان يتجنب أماكن لا يصلى فيها ، ورددوا أن عليا بن أبى طالب ( مر على خشف بإبل " موضع مناخ الإبل " فلم يصلّ فيه حتى جاوزه ) ( ابن سعد 6 ، 169 ) .

 صلاة النساء

1 ـ حين يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٩﴾ ) " الجمعة   " فالأمر للرجال والنساء مثلما يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٨٣﴾ )" البقرة  " ، فالنساء ضمن الذين آمنوا طالما لم تأت أية قرآنية تفيد حصر " الذين آمنوا" فى الرجال فقط .

وفى ضوء هذا النسق القرآنى نفهم صدقية هذه الرواية التى تفيد بمشاركة النساء فى الصلاة فىالمسجد فى عهد النبى محمد عليه السلام ، تقول أم هاشم " ما أخذت قاف والقرآن المجيد إلا على لسان النبى يقرؤها على الناس فى كل جمعة إذا خطبهم " (ابن سعد 8 ، 324 )، وفى رواية أخرى عن خولة بنت قيس الجهينة " كنت أسمع خطبة رسول الله وأنا فى مؤخرة النساء ، وأسمع قراءة ق والقرآن المجيد على المنبر ، وأنا فى مؤخرة المسجد " ( ابن سعد 8 ، 217) ، وبالتالى فلم تكن خطبة النبى لصلاة الجمعة سوى قراءة القرآن . وقد استمرت خولة بنت قيس فى المواظبة على حضور الصلاة فى المسجد مع النسوة الأخرين إلى خلافة عمر . قالت : كنا نكون فى عهد النبى وأبا بكر وصدر خلافة عمر نسوة قد تخاللن ( أى أصبحن خليلات وصديقات ) وربما غزلن ، وربما عالج بعضنا الخوص ، فقال عمر : لأردكن حرائر ، فأخرجنا منه . ألا كنا نشهد الصلاة فى الوقت " ( ابن سعد 8، 217 ) . هنا تحول حضورهم إلى المسجد إلى عادة لتمضية وقت الفراغ ، ولهذا أخرجهن عمر من المسجد وقصر حضورهن على صلاة الجماعة .

2 ـ على أن حضورهن صلاة الجماعة امتد إلى صلاة العشاء، وما يعنى ذلك من خروجهن ليلا من المسجد ، وربما كان بعضهن يقيم جزءا من الليل فى المسجد فى صلاة الليل أو قيام الليل أو فى الإعتكاف ، هذا مستفاد من قوله سبحانه وتعالى فى تشريع الصوم والإعتكاف " ( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) ﴿١٨٧﴾ البقرة ) أن الأزواج والزوجات كانوا يعتكفون فى المساجد فى ليالى رمضان . وقد منع الله تعالى المعاشرة الجنسية بين الزوجين فى المسجد وقت الإعتكاف ، فى هذا الضؤ القرآنى نفهم رواية بنت سعد بن أبى وقاص وقد رؤيت خارجة من مسجد المدينة ليلا ومعها أصحابها ومعهن ضوء شمعة ( ابن سعد 8 ، 343 ).

3 ـ وبإيجاز كانت النسوة فى المسجد صفوفا خلف صفوفالرجال . وهناك رواية تقول " كان ابن مسعود يمر فى المسجد يتخطى الرجال والنساء " ( ابن سعد 8 ،358 ).

4 ـ واستمر هذا التقليد معمولا به فى حضور النساء للمسجد للصلاة والإعتكاف ، وقد كان من مشاهير الفقهاء فى العصر الأموى سعد بن كدام ، وهو أحد أعيان المرجئة، وهى فرقة معتدلة فى الصراع الفكرى والسياسى فى العصر الأموى ، كانت أم مسعد بنت كدام شمهورة بالتعبد وكان يرافقها ابنها سعد بن كدام كل يوم إلى المسجد :  "فكان يحمل معها لبدا ويمشى حتى يدخل المسجد فيبسط لها اللبد ، فتقوم فتصلى ، ويتقدم هو إلى المسجد فيصلى ، ثم يقعد فيجتمع إليه من يريد ثم فيحدثهم ، ثم ينصرف  إلى أمه فيحمل لبدها وينصرف معها ، ولم يكن له مأوى إلا منزله  والمسجد " ( ابن سعد 6 / 253 : 245 ) .

5 ـ وقصة عاتكة بنت زيد من طريف ما يحكى فى هذا المقام . وهى من أشهر الشخصسات النسائية فى تاريخ النساء الصحابيات ، وقد تحدث عنها أبن مسعود ، ثم توالى ذكرها فى المصادر التاريخية اللاحقة مثل " المحبر 437 ، نسب قريش 365 ، جمهرة أنساب العرب 152 ، الإستيعاب 1876 ، أسد الغابة 5 ، 497 ، الإصابة 4 ، 356 رقم 795 ، خزانة الأدب4 ، 351 ، المقاصد النحوية 2 ، 278 ، الوافى بالوفيات 16 ، 558 : 560 ، والطبقات الكبرى لإبن سعد 8 ، 195 ) . يقول عنها ابن سعد " عاتكة بنت زيد تزوجها عبدالله بن أبى بكر الصديق ، وبعد مقتل زوجها تزوجها عمر بن الخطاب ، وبعد مقتله تزوجت الزبير بن العوام ، وبعد مقتله أراد على بن أبى طالب أن يتزوجها فرفضت وقالت : يا أمير المؤمنين بالمسلمين إليك حاجة " ويقال : ثم تزوجها الحسن بن على ومات وهى فى عصمته . ما يهمنا فى سيرتها أن زوجها الزبير بن العوام رضى بشرطها ألا يمنعها من الصلاة فى المسجد حتى صلاة الفجر . تقول الرواية : " وكانت امرأة  خليقة ، وكانت إذا تهيأت إلى الخروج إلى الصلاة قال لها الزبير : والله إنك لتخرجين وإنى لكاره ، فتقول فتمنعنى فأجلس ؟، فيقول : كيف وقد شرطت لك ألا أفعل . فاحتال الزبير فجلس لها فى الطريق فى الغلس ( وقت الفجر ) ، فلما مرت وضع يده على كفلها ، فاسترجعت ثم انصرفت إلى منزلها ، فلما جاء الوقت الذى تخرج فيه للصلاة إلى المسجد لم تخرج ، فقال الزبير : مالك ؟ هذه الصلاة ؟ فقالت : فسد الناس والله لا أخرج من منزلى .."

إمامة المرأة فى الصلاة

1 ـ ليس فى القرآن ما يمنع أن تؤم المرآة الرجال فى الصلاة .ومنهج القرآن فى التشريع أنه يذكر المحظورات والمحرمات بينما المباح لا يتعرض له . وفى المجتمع الصحراوى البدوى الأبوى فى القرون الوسطى لم يكن منتظرا أن تؤم المرأة الرجال ، لذا كان معتادا أن تؤم المرأة غيرها من النساء أو أن يؤم الرجل النساء وهذا ما أيدته الروايات التى ساقها ابن سعد فى طبقاته ، ، قالت ريطة الحنفية " أمّتنا عائشة فى الصلاة ، فقامت وسطنا " وقالت نائلة بنت الرافصة زوجة عثمان وقالت حجيرة " أمّتنا أم سلمة فى صلاة العصر فقامت وسطنا " ( ابن سعد 8 ، 355 ، 356 ) .

2 ـ ومن ناحية أخرى كان هناك رجل يؤم النساء ، فقد كان سليمان بن أبى حتمة إماما للنساء بأمر عمر بن الخطاب ، ويقول ابن سعد أن أبى بن كعب وتميم الدارى كانا يصليان بالرجال بينما كان سليمان بن أبى حتمة يؤم النساء فى رحبة المسجد، فلما جاء عصر عثمان جمع النساء والرجال على قارىء واحد هو سليمان بن أبى حتمة ، وكان يأمر بالنساء فيحبسن حتى يمضى الرجال ثم يرسلن ( ابن سعد 5 ، 16، 17 ) أى بعد الصلاة كانت النساء ينتظرن فى المسجد إلى أن يخرج الرجال أولا .

 

 

الفصل الخامس : تحريف التواتر فى العصر الأموى وتطوره

 

مقدمة :

قريش حرّفت تواتر ملة ابراهيم بالتجارة بالدين والصّدّ عن المسجد الحرام وعبادة الأولياء والقبور المقدسة وإلحاقها بالمساجد . نزل القرآن بالتصحيح ، ولكن ما لبث أن عاد التحريف أشدّ بموت النبى وتحكم الخلفاء الفاسقين القرشيين . الخلفاء الفاسقون الأوائل ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ) كان تحريفهم العملى فى الصلاة بأن جعلوها صلاة شيطانية تحض على الغزو الاحتلال والسلب والسبى والاسترقاق . ثم جاء الأمويون فحكموا حكما إستبداديا وراثيا فأضافوا نوعيات أخرى من التحريف فى الصلاة وفى دور المساجد ، إستهدفت الاستغلال السياسى لدعم الحكم الأموى الاستبدادى الوراثى والذى إبتدعه الأمويون مختلفين عمّن سبقهم من الخلفاء السابقين . هذا الابتداع والتحريف ـ الذى إنصبّ على الصلاة وملحقاتها ودور المسجد ـ أدّى الى ردّ فعل لدى المعارضة السياسية للأمويين كما أنه تطور بعد العصر الأموى فى عصور الخلفاء اللاحقين والسلاطين .

هذا موضوع نزعم أنه لأول مرة يتم بحثه ، ولذا سيكون كالعادة مجرد تمهيد نرجو أن يبنى عليه الباحثون الجادُّون . ونعطى بعض التفصيلات .

 

بداية الاستغلال السياسي للصلاة فى العصر الاموي  

اللعن :

1 ـ أدخل معاوية لعن على ابن ابى طالب ضمن شعائر الصلاة فى الجمعة وغيرها. واصبح ذلك من لوازم صلاة الجمعة الرسمية  ، ولم يكن ذلك سهلا فى البداية ، وكان من أسباب مقتل حجر ابن عدى الكندي هو احتجاجه على الوالى المغيرة ابن شعبة ، ثم زياد ابن ابيه لتنفيذهما لعن على على المنبر فى خطبة الجمعة.

2 ـ وقد تفنن جبابرة الغلاة الأمويين فى تنفيذ لعن على فى الصلاة . واتخذوا منها وسيلة لاذلال شيعة على. ويذكر المسعودي ان زياد ابن ابيه والى الكوفى لمعاوية جمع الناس وأمرهم بلعن على ، فمن أبي منهم عرضه على السيف ، أى قتله ( مروج الذهب ج 2 ، 20 )

3 ـ وتحايل بعضهم على الافلات و النجاة من القتل، فيروى ابن سعد ان الحجاج ضرب الفقيه عبد الرحمن ابن ابي ليلة واهانه وقال له : العن الكاذبين على ابن ابي طالب و عبد الله ابن الزبير و المختار ابن عبيده ، فقال عبد الرحمن : لعن الله الكذابين ، وسكت. ثم ابتدأ و قال : على ابن طالب ، وعبد الله ابن الزبير و المختار ابن عبيدة. فقال الأعمش ، وهو الرواى لهذا الخبر، فعلمت حين ابتدأ فرفعهم ، لم يعنهم ، اى لم يقصدهم باللعن : الطبقات الكبري لابن سعد ج6 ، 76)

4 ـ الوحيد من خلفاء بنى أمية الذى منع لعن على هو عمرو بن عبد العزيز. يقول ابن سعد : ( كان بنو أمية يشتمون عليا ، فلما ولى عمرو ابن عبد العزيز أمسك عن ذلك ، فمدحه كثير عزة قائلا :

وليت فلم تشتم عليا ولم تخف                                     بريا ولم تتبع مقالة مجرم

( الطبقات الكبري ج 5 ، 267) . والشاعر كثير عزة كان شيعيا .

وقال عنه المسعودي : ( ترك عمرو ابن عبد العزيز لعن على على المنابر وجعل مكانه : ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا ) ، وقيل بل جعل مكانها ( ان الله يأمر بالعدل و الاحسان ) ( وقيل بل جعلهما جميعا ، فاستعمل الناس ذلك فى الخطبة الى هذه الغاية ): مروج الذهب 2 ، 144) . أى ظلت الى عصر المسعودي تقال الآيتان الكريمتان مكان لعن على .

وقال السيوطي : ( كان بنو أمية يسبون على ابن ابى طالب فى الخطبة، فلما ولى عمرو ابن عبد العزيز ابطله وكتب الى نوابه بابطاله ، وقرأ مكانه : ان الله يأمر بالعدل و الاحسان فاستمتر قراءتها فى الخطبة الى الآن) ( تاريخ الخلفاء 387 ) أى استمرت الى عصر السيوطي ت 910).

5 ـ وكان وقع اللعن شديدا على ذرية على ابن طالب فى العصر الاموي . يروى ابن سعد انه قيل لعلى زين العابدين ابن الحسين ابن على ابن ابى طالب : كبف أصبحتم ؟، فقال : اصبحنا فى قومنا بمنزلة بنى اسرائيل فى آل فرعون . اذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، وأصبح شيخنا و سيدنا يتقرب الى عدونا بشتمه او سبه على المنابر )(الطبقات الكبرى ج 5 162 – 162 ) .

6 ـ وكان هشام ابن اسماعيل واليا على المدينة لبنى أمية ، فكان يؤذى على زين العابدين و اهل بيته ، ويخطب على المنبر و ينال من على. فلما تولى الخلافة الوليد بن عبد الملك عزله وأمر به ان يوقف للناس ، اى يوضع فى مكان عام ، ليضربه الناس كيفما شاءوا . فكان هشام ابن اسماعيل فى محنته يخشى ان ينتقم منه على زين العابدين وآله من ذرية على ابن ابى طالب او ان يأمر الناس بالانتقام منه وهو مسموع الكلمة. ولكن على زين العابدين جمع ولده واهله ونهاهم عن التعرض لهشام وغدا على زين العابدين مارا لحاجة ، فمر على هشام وهو موقوف فلم يتعرض له بسوء . فناداه هشام ابن اسماعيل قائلا : " الله يعلم حيث يجعل رسالته.".!! وتوفى على زين العابدين سنة 94 : ( الطبقات الكبرى ج5 163)

7 ـ استمر لعن على ابن ابي طالب على المنابر طيلة العصر الأموى عدا السنتين اللتين حكم فيها عمر ابن عبد العزيز . ولأن الناس تعلموا الصلاة على أيدي الولاة الأمويين فى هذا العصر فقد اعتقدوا ان لعن على من أساسيات الصلاة وكان صعبا ارجاع بعضهم عن هذا اللعن فى العصر العباسي. يقول المسعودي أن أهل مدينة ( حرّان ) رفضوا الصلاة بدون لعن على ، وقالوا : لا صلاة بدون لعن ابو تراب ، وابو تراب هو لقب على وظلوا على ذلك عاما كاملا فى بداية العصر العباسي ( مروج الذهب :  ج2 : 193) .

8 ـ وإذا كانت الدولة العباسية قد أبطلت لعن على إلا أنها إضطهدت ذريته سياسيا وحربيا ، بل إن اللعن أعيد مرتين فى الخلافة العباسية ففى سنة 212 أمر الخليفة المأمون بلعن معاوية ( مروج الذهب ج2 ، 356 : 157 ) وبعده بنحو قرنين تقريبا أمر السلطان السلجوكى طغرلبك بلعن جميع المذاهب على المنبر يوم الجمعة ، وكان معتزليا . واستمر اللعن طيلة حكمة قال القزوينى ( فشق ذلك على المسلمين ، وفارق إمام نيسابور وذهب إلى مكة وكذلك الأستاذ أبو القاسم القشيرى ودخل على الناس من ذلك أمر عظيم ثم انقطع ذلك بعد موت طغرلبك ) ( أثار البلاد وأخبار العباد صــــــــ 447 ) .

الأمويين وإضاعة الصلاة :-

1 ـ غلب على الأمويين إستغلال الصلاة سياسيا لمصلحتهم فى لعن على ، أو فى إستخدام القصاص بعد الصلاة لأستمالة العوام .

2 ـ وبعض الخلفاء الأمويين كان متهما بالفواحش وترك الصلاة ، ومنهم يزيد بن معاوية وحين ثارت المدينة على يزيد وخلعت طاعته ، وكان زعيم الثوار عبدالله بن حنظلة الإنصارى ، وقد خطب فى قومه قبيل موقعة الحرة قائلا عن يزيد ( إن رجلا ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة والله لو لم يكن معى أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسنا )  """ الطبقات الكبرى لأبن سعد ج5 ، 47 – تاريخ المنتظم ج6، 19 ) .

وقد وقعت موقعة الحرة سنة 63 هــ وفيها انتهكت حرمة المدينة وكان من القتلى زعيم الأنصار يومئذ ابن حنظلة .

3 ـ وتكرر نفس الإتهام لبنى أمية ، قاله سعيد بن جبير فى موقعة دير الجماجم ، قال : قاتلوهم على جورهم فى الحكم وخروجهم من الدين وإماتتهم الصلاة  "" طبقات ابن سعد ج6، 185 "" وكان على  مثال يزيد بن معاوية خليفة أموى اخر اشتهر بالفسق والفجور وترك الصلاة وانتهاك حرمة المصحف الشريف ، إنه الخليفة الوليد بن يزيد بن عبدالملك وقد ثار عليه ابن عمه يزيد ين الوليد بن عبد الملك وخلعه من الحكم وقتله .  

4 ـ إلا أن إهتمام الأمويين تركز على صلاة الجمعة لإستغلال خطبة الجمعة فى الدعاية السياسية والهجوم على خصومهم ، وهم أول من ابتدع التوظيف السياسى لخطبة الجمعة والذى ما زال ساريا ، ومعلوم أن النبى محمدا عليه السلام كان يخطب الجمعة بقراءة بعض سور القرآن الكريم وخصوصا سورة ( ق). ولم يتم تدوين خطب الجمع ضمن ما سجلوه من أحاديث النبى لأنها كانت من سور القرآن  .

5 ـ وتركيز الأمويين على استغلال الخطبة فى الجمعة سياسيا كان على حساب صلاة الجمعة نفسها إذا كانوا يطيلون الخطبة حتى يمل الناس ويضيع وقت الصلاة ويحل موعد صلاة العصر . ومن يحتج كان مصيره سيئا فى أغلب الأحوال .

5 / 1 : وفى حدود سنة 90 هجريا قتل الأمويون زياد بن جاريه وكان من أفاضل التابعين فى دمشق. وسبب قتله أنه دخل مسجد دمشق وقت صلاة الجمعة وقد تأخرت بهم الصلاة والخطبة لا تزال قائمة ، فقال للخليفة الوليد بن عبدالملك : " والله ما بعث الله نبيا بعد محمد عليه السلام أمركم بهذه الصلاة .. فأدخلوه حجرة وقطعوا رأسه) ( تاريخ الوافى بالوفيات للصفدى 15-14 ).

5 / 2 : واشتهر الحجاج بن يوسف بالفصاحة والتطرف فى سفك الدماء ، وقد تولى إمارة الحجاز ثم العراق لعبدالملك بن مروان وبنيه . وفى ولايته على الحجاز كان عبدالله بن عمر ابن الخطاب يصلى خلفه فى الحرم المكى ، فلما رآه يؤخر الصلاة امتنع عن الصلاة خلفه . ويروى  ابن سعد فى الطبقات الكبرى أن الحجاج كان يخطب الجمعة فظل فى خطبته حتى أمسى ، فناداه ابن عمر : " أيها الرجل الصلاة ". فأقعدوه ، ثم ناداه الثانية فأقعدوه ، ثم ناداه الثالثة فأقعدوه ، فقال ابن عمر  للناس وقد ملوا " أرأيتم إن نهضت أتنهضون ؟ فقالوا نعم . فنهض ابن عمر  فنادى فى الناس وفى الحجاج : " الصلاة الصلاة ..فإنى لا أرى لك فيها حاجة. "  فنزل الحجاج من على المنبر وصلى بالناس ، ثم دعى بابن عمر فقال له " ما حملك على ما صنعت؟ فقال ابن عمرو " إنما نجىء للصلاة فإذا حضرت الصلاة فصلّ الصلاة لوقتها ثم بقبق بعد ذلك ما شئت من بقبقة " ( 4-110 ، 117 ) .وجدير بالذكر أن الحجاج بعدها دس إلى ابن عمرو من طعنه خلسة فى الحرم برمح مسموم فمات منه .

6 ـ وفى غير صلاة الجمعة وإطالة خطابها كان الحجاج مثل سائر الخلفاء الأمويين لا يأمر بإقامة الصلاة وإتمام ركوعها وسجودها . وةقد سئل فقيه المدينه وكبير التابعين فيها سعيد ابن المسيب : " ما شأن الحجاج لا يبعث إليك ولا يحركك ولا يؤذيك ؟؟ " فقال سعيد " أنه دخل مع أبيه المسجد فصلى صلاة لا يتم ركوعها ولا سجودها فأخذت كفا من حصى فحصبته به " الطبقات الكبرى لابن سعد 5-95 " .

7 ـ وتفرّد عمر بن عبدالعزيز بإهتمامه بالصلاة والحث عليها فى إتمام ركوعها وسجودها ، بل أنه بفضل عمر بن عبدالعزيز فإن ابن عمه الخليفة سليمان بن عبدالملك اشتهر بالأمر بالصلاة وقد كان عمر بن عبدالعزيز هو المستشار الأول لسليمان فى خلافته وقد وثق فيه سليمان حتى أنه عهد إليه بالخلافة .

قيل عن سليمان بن عبدالملك " كان عمر بن عبدالعزيز هو المستشار الأول لسليمان فى خلافته حتى أنه عهد إليه بالخلافة . " وقيل عن سليمان بن عبدالملك " كان عمر ابن عبدالعزيز هو المستشار الأول له ، أحيا الصلاة لأول مواقيتها ، وكان بنو أميه قد أماتوها بالتأخير ( السيوطى تاريخ الخلفاء 359 ) .

وقد عاش سليمان فيما بين ( 60-99 هــــ ) ودامت خلافته ثلاثة سنين لم تكن له فيها من مآثر إلا إهتمامه بالصلاة . وقد كتب سليمان للولاة " أن الصلاة كانت قد أميتت فأحيوها وردوها إلى وقتها " وقال عنه التابعى ابن سيرين : " سليمان بن عبدالملك افتتح خلافته بخير وختمها بخير . افتتح خلافته بإحياء الصلاة وختمها  بأن استخلف عمر بن عبدالعزيز . " ( الصفدى الوافى بالوفيات 15، 403 ) .

أما عمر بن عبدالعزيز فقد كان اهتمامه بالصلاة لا يبارى بلغ من ذلك حرصه على صلاة المساجين ، فكتب لولاته أن لا يقيد أحد بقيد يمنعه من إتمام الصلاة . ( طبقات اب سعد 5، 271 ) . وكانت العادة قبل عمر بن عبدالعزيز وبعده إهمال المساجين حتى الموت غالبا ، وقد قتل الحجاج الوالى الأموى الشهير مائة ألف سجين صبرا . أى تركهم يموتون فى السجن فأتى عمر بن عبدالعزيز يرعى المساجين حتى فى الصلاة .

8 ـ وأحس الأمويون أن موقفهم من الصلاة يسىء إليهم ويستغله المعارضون لهم فى التشنيع عليهم وفى حشد الخصوم والثوار ضدهم . فأذاعوا حديثا منسوبا للنبى محمد عليه السلام ينسبون روايته إلى صحابى مجهول اسمه قبيصة بن وقاص يقول "" يكون عليكم أمراء من بعدى يؤخرون الصلاة فهى لكم وهى عليهم ، فصلوا معهم ما صلوا بكم إلى القبلة "" وقد ظل هذا الحديث ساريا إلى أن دونه ابن سعد فى الطبقات الكبرى بعد حوالى قرن من الزمان خلال الدولة العباسية ( الطبقات الكبرى 7 ، 38 ) .

9 ـ ولقد كان أبوبكرعياش من المخضرمين الذين أدركوا الدولتين الأموية والعباسية إذ عاش حوالى مائة عام ( 97-193 ) وأدرك حكم هارون الرشيد وقد قال له الرشيد : " إنك أدركت أمر بنى أمية وأمرنا ، فاسألك بالله أيهما كان أقرب للحق ؟ " فقال : " يا أمير المؤمنين أما بنو أمية فكانوا أنفع للناس منكم وأنتم أقوم بالصلاة منهم" . ( الصفدى ، الوافى بالوفيات 10 ، 243 )

المعارضة والاستغلال السياسى لتهاون الأمويين فى تأدية الصلاة

1 ـ ومع عمل الأمويين على استغلال الصلاة سياسيا مع باقى الشعائر الإسلامية الأخرى فقد إشتهر بعضهم بالتهاون فى تأدية الصلاة أو فى إمامتها بالتعبير التراثى .

2 ـ وفى مقابل تهاون الأمويين بالصلاة لجأت المعارضة إلى المزايدة على الأمويين فى الصلاة بأن إشتهروا بالخشوع فيها وإحيائها . ومع أن الخشوع فى الصلاة علاقة خاصة بين المصلى والخالق جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور إلا أن المعارضة قاموا بتوظيف التظاهر بهذا الخشوع إتهاما للأمويين بطريق غير مباشر بالخروج على الإسلام .

3 ـ ولجأت المعارضة الى وضع أحاديث ضد الأمويين تستغل تهاونهم فى الصلاة :

3 / 1 : منها حديث نسبوه لعمر بن الخطاب ، يقول : " لا إسلام لمن لم يصل " ( الطبقات الكبرى 6/ 109 ).

3 / 2 : ووضعوا حديثا يطعن فى معاوية وأبيه أبى سفيان . يقول الحديث فى رواية عاصم عن النبى ــ بزعمهم ــ ( إن الصحابة فى المسجد غضبوا وقالوا : " نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسول الله".!  فسأل الراوى : " لماذا ؟"   فقالوا : " معاوية مرّ  قبيل فأخذ بيد أبيه ورسول الله على المنبر ، يخرجان من المسجد ، فقال رسول الله فيهم قولا ".) هذا ما رواه ابن سعد فى : ( الطبقات الكبرى: 7 /  55 ) . وهذا توظيف لتأليف الأحاديث فى الصراع السياسى . ومعروف أن معاوية أسلم مع أبيه وأمه بعد فتح مكة ، ومات النبى بعدها بقليل فى المدينة ، ولكن هذا الحديث المصنوع يجعل النبى محمدا يغتابهما فى غيابهما و بعد خروجهما ، وأنه غضب عليهما وغضب الله عليهما وغضب المسلمون .وهذا التزيد والمبالغة فى الغضب لم  يحدث حين سمع المسلمون نبأ قافلة أو تجارة فغادروا صلاة الجمعة وتركوا الرسول قائما وفق ما جاء فى سورة الجمعة. لم ينزل فيها هذا الغضب الحاد.! .

4 ــ وبينما تهاون الحكام الأمويون فى إمامة الصلاة فقد تفنن المحكومون فى إحيائها بالكم وبالكيف .

4 / 1 : اشتهر بعضهم بكثرة الصلاة ومنهم أبو بكرالغسانى الذى كانت أمرأته لا تُفلّى ثيابه لإنشغاله بالصلاة ، على حد قول ابن سعد ( 7/ 107 ) ولو أنصف أبو بكر الغسانى لتذكر قول الله تعالى ( وثيابك فطهر ) بدلا من أن يترك ثيابه معسكرا للقمل والبراغيث والبقّ .

4 / 2 : وبعضهم تفنن فى الخشوع فى الصلاة بإطالة السجود وإطالة القيام وبعض الروايات هنا حافلة بالمبالغة .

4 / 2 / 1 : تقول فى بعضهم " ما رأيت عمرو بن مرة فى صلاة إلا ظننت أنه لا ينصرف حتى يستجاب له ( الطبقات الكبرى لإبن سعد 6/ 220 ) .

4 / 2 / 2 : وقيل عن مسلم بن يسار أنه : " كان قائما يصلى فى بيته فوقع إلى جانبه حريق فما شعر به حتى طفئت النار. "  وقد توفى عام 100 فى خلافة عمر بن عبدالعزيز( ابن سعد 7/ 135 ) ،

4 / 2 / 3 : وقيل عن مسلمة الإبراشى بإختصار أنه ( من أخشع الناس فى الصلاة ). ذكر هذا  إبن سعد فى الطبقات :  ( 7 / 2 / 110  )

4 / 2 / 4 : أما يحيى بن ثابت الذى كان قليل الحديث وصاحب قرآن وتوفى سنة 103 فقد قال عنه ابن سعد أنه كان يبلغ فى صلاته " كأنه يخاطب رجلا " ( الطبقات الكبرى :  6/ 206 ) أى يحرص على التركيز على النطق بالكلمات وتوضيحها فى الصلاة كنوع من التدبر والخشوع .

5 ـ وجعلوا البكاء المسموع فى الصلاة من أبرز الدلائل على الخشوع فيها نكاية فى الأمويين .

5 / 1 : وقد قال بعضهم أن كان يسمع صوت بكاء عمر بن الخطاب وهو يؤم الناس صفوفا، والراوى كان فى أخر الصفوف ويسمع بكاء عمر وهو يقرأ من سورة يوسف قوله تعالى (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٨٦﴾) ( ابن سعد  6 /    86 ) فكيف كان يسمع صوت بكاء عمر بن الخطاب ( بدون ميكروفون ) إلا إذا كان بكاء عمر بن الخطاب صراخا .!

5 / 2 : وهناك رواية لابن سعد تقول أن " ثابت اللبنانى " كان يقرأ فى صلاته (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴿٣٧﴾ الكهف ) وكان ينتحب ويرددها وهو فى صلاة الليل ؟ ( ابن سعد 7،2،4) . المفهوم أنه يصلى ليلا منفردا فى جوف الليل .. فأين كان الراوى لهذه الرواية ؟ . وإذا كان ثابت البنائى هو الذى يحكى هذا عن نفسه فهو من الذين يراءون ويزكون أنفسهم ..

علامات السجود على الوجوه

1 ـ ولقد ذكر رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم صفات الصحابة فى عهد النبى محمد عليه السلام : (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖتَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿٢٩﴾ الفتح ). أى كان من وصفه جل وعلا لهم (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ  ) ومن حيث الظاهر المرئى قال جل وعلا عنهم : (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا  ) أما من حيث الباطن فليسوا جميعا من أهل الجنة فالله تعالى قد وعد الصالحين منهم فقط بمغفرة وأجر عظيم : (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) .

2 ـ وفى العصر الأموى إنتشرت علامات السجود مزايدة سياسية على الأمويين المتهاونين فى الصلاة ، وأصبح من شيماء بعض الكارهين للأمويين ان يكون سيماهم على وجوههم من أثر السجود . وتناسوا أن لله جل وعلا وحده مرجع الحكم على الخشوع بغض النظر عن المظاهر . وتكاثرت الروايات :

2 / 1 : يقول ابن سعد عن أبان بن عثمان " كان بين عينيه أثر السجود قليلا " ( الطبقات الكبرى :   5 / 113 )

2 / 2 : وقال أحدهم عن عبد الله بن يسر المازنى : " رأيت فى وجه عبدالله بن يسر أثر السجود ( ابن سعد  7 / 2 /  133 ) .

2 / 3 : وقيل عن عطاء بن رباح ( كان بين عينيه أثار السجود ) ( 5/  246) .

2 / 4 : وقال بعضهم عن حكيم عمير : " رأيت فى جبهة حكيم بن عمير أثر السجود  " ( 7 / 2 /  160 )

2 / 5 : كل ذلك معقول ويمكن تصديقه . أما هذا الخبر فيحتاج إلى جهد جهيد لتصديقه ، يقول ابن سعد " كان العفيش بن عقبة ليسجد حتى أن العصافير ليقعن على ظهره وينزلن ما يحسبنه إلا جزم حائط ) ( 6، 144 ) .. هل يجوز ( إنسانيا ) خداع العصافير بهذا الشكل ؟

3 ـ آثرنا أن نأتى بأمثلة عن الخشوع من تاريخ الشخصيات المغمورة اما المكتوب عن الشخصيات المشهورة فهو أكثر عددا وأكثر فىالمبالغة ، ولا يتسع المقال لتفصيلها ، فنكتفى بالقليل :.

3 / 1 : عن أئمة العلويين نذكر بعض الروايات من المعارضة الهاشمية لبنى أمية فيما يخص الصلاة :

3 / 1 / 1 : روى الحسين بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب ان أباه على زين العابدين قال لإبن عمه محمد بن على : " كم مرّ على جعفر؟. "  ( ابن محمد بن على ) فقال : " سبع سنين ". قال : " مروه بالصلاة "( الطبقات الكبرى :  5 / 162 ) أى يتعلم الصلاة من السابعة من عمره . وقد اخترعوا حديثا بهذا المعنى فيما بعد .

3 / 1 / 2 : واشتهر ( على زين العابدين بن الحسين بن على ) بالورع . ولهذا حمل لقب ( زين العابدين ) . وقالوا عنه : " كان إذا قام للصلاة أخذته رعدة.  فقيل له: " مالك " ؟ قال : " ما تدرون بين يدى من اقوم ومن أناجى .." (5،160 ) .. وهى رواية تستلزم الضحك بل القهقهة إذا تدبرناها وعقلناها ، فالمعنى أنه كان كلما قام للصلاة ارتعد وسئل نفس السؤال وأجاب نفس الإجابة،  أى كان يفعل ذلك خمس مرات كل يوم ، ويرتعد خمس مرات ، ويسألونه خمس مرات ، ويجيبهم نفس الإجابة خمس مرات ، وهو لا يملّ وهم لا يملُّون .. وسبحان الله الذى يعلم السر وما أخفى ...!!

4 ـ ويبدو لى أن هذه الرواية الساذجة صيغت فى العصر العباسى ، ووضعها الشيعة لمقابلة الروايات الأخرى التى وضعها العباسيون فى مناقب ( عبدالله بن عباس) جد الخلفاء العباسيين والذى أسبغوا عليه علما وأحاديث ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان ، كل ذلك تقربا لأحفاده الخلفاء العباسيين ، هذا مع أن ابن عباس كان صبيا فى مكة وقت أن مات النبى محمد عليه السلام فى المدينة. وإختصت بعض الروايات أيضا العباس عم النبى . وهذه

الروايات التى حيكت فى العباس بن عبدالمطلب وأولاده خصوصا عبدالله بن عباس تستحق الدراسة . والخلفاء العباسيون ينتمون إلى محمد بن على بن عبدالله بن عباس ، وقد كان يسكن فى قرية الحميمية بالأردن اليوم . ونكتفى بالقليل :

4 / 1 : ومن تنويعات المدح التى قيلت فى ( على بن عبدالله بن عباس ) جد الخلفاء العباسيين : " أنه كان أجمل قرشى على وجه الأرض ، وأكثرهم صلاة ، وكان يقال له السجاد لكثرة عبادته وفضله ، وقيل أنه كان ليصلى فى اليوم والليلة ألف ركعة " أى أنه جمع بين الكم ( ألف ركعة ) والكيف ( السجاد ) . مفروض على مسيلمة الكذاب أن يرفع عليهم دعوة قضائية لأنهم يستحقون لقب الكذاب أكثر منه .!

4 / 2 : ثم تتسع الرواية لتشمل كل بنى العباس فى العصر الأموى قبل قيام دولتهم . يقول ابن سعد : " سمعت الأشياخ يقولون : والله لقد أفضت الخلافة إليهم وما فى الأرض أحد أكثر قارئا للقرآن ولا أفضل عابدا وناسكا منهم بالحميمية "" ( الطبقات الكبرى 5، 230 ) .

وهذه كذبة عريضة تبدأ بالقسم بالله جل وعلا . وقد قال جل وعلا عن المنافقين الذين كانوا يحلفون بإسمه جل وعلا كذبا : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿٤٢﴾ التوبة  ) . ثم إن هذه الكذبة أكثر إتساعا من الصحراء الكبرى ولكن قالها أولئك الأشياخ ببساطة وسهوله . وابن سعد لم يذكر أولئك الشيوخ الذين سمع منهم فى العصر العباسى والذين زعموا لأنفسهم علم الغيب وما تخفيه الصدور، وأعطوا حكما عاما شاملا لكل من يعيش على وجه الأرض فى عصر الأجداد العباسيين فى العصر الأموى ...

وهكذا أفرط الأمويون فى إماتتة الصلاة فأفرط بعض خصومهم فى إحياء الكذب والإفتراء والمراءاة .!!.

 

 

الفصل السادس : لمحة عن إستمرار وتطور التهاون فى الصلاة بعد العصر الأموى

 

1 ـ سبقت الاشارة الى بعض خلفاء بنى أمية الذين أهملوا الصلاة . والواضح ان التهاون فى الصلاة كان يتزايد بمرور الزمن خلال العصر العباسي حيث تحول الخليفة الى رمز كهنوتي . وكانت الصلاة ضمن هذا الكهنوت . ومن عادة الكتابات التاريخية التركيز على المشاهير من الحكام والقادة و العلماء، دون العوام والجماهير. ومن النادر ان تشير فى تاريخها للمشاهير مدى اهتمامهم بالصلاة المفروضة إلا اذا كان الشخص المشهور "مشهورا" باهماله الصلاة. فمثلا يقول المسعودي فى (مروج الذهب) فى قصة طويلة عن الشعر العباسي المشهور "ابى تمام" انه كان لا يصلي . (مروج الذهب 2/377).

2 ـ ولقد جمع المؤرخ صلاح الدين بن ايبك الصفدى تراجم لكل المشاهير من بداية الصحابة الى عصره فى القرن الثامن الهجرى ، وذلك فى موسوعته "الوافى بالوفيات" التى تربو على 23 جزءا. وقد راجعناها كلها، وجئنا بهذه النماذج التى اشتهرت باهمال الصلاة المفروضة".

2 / 1 : يقول عن نجم الدين بن على الشافعي ت 699 (كان يُخلُّ بالصلوات ويتكلم فى الصحابة )( الوافي 7/305) .

2 / 2 : ويقول عن الافريقي المتيم ـ وكان معاصرا للصفدى المؤرخ ــ انه قال فى شعره :

تلوم على ترك الصلاة حليلتى            فقلت اغربي عن ناظرى انت طالق

(الوافي 8/157)

2 / 3 وكان علاء الدين الدواعي (640 – 716) صديقا لابن ايبك الصفدي وقد وصفه أيضا بأنه كان "يخل بالصلوات" (2/199 : 200).

2 / 4 : أما الشاغورى النحوي ت 773 وكان من تلامذه ابن مالك ومعاصرا ايضا لابن الصفدي فقد كان يدع الناس يصلون بالجامع الأموي بدمشق ، ويتمشى ليرى الناس انه غير مكترث بالصلاة (الوافي 10/267).

2 / 5 : ومن غير الطريف ان احدهم (كان قبيح الوجه وقد نظر يوما فى المرآة ، فقال : يارب لقد صورتني فشوهت بي ، وخلقتني فقبحت صورتي وما أعلم شيئا أكافئك به إلا ترك الصلاة ، وأنا أدعها ولا أصليها ) ( الوافى 17 / 647)

ونستغفر الله العظيم لاضطرارنا الى كتابة هذا الكلام ، وناقل الكفر ليس بكافر..

2 / 6 : ومن غير اللطيف ايضا ان بعض القضاة كان يهمل الصلاة ، ومنهم فى القرن الرابع الهجرى الحافظ الحجارى قاضى الموصل المتوفى 350 هـ قال صاحب له (أنه كان نائما فكتب على رجله ، فكنت أراه ثلاثة أيام لم يمسه الماء) (الوافى 4/240).

3 ـ  هذا بالاضافة الى خلط الصلاة بالانحلال الخلقى ، وفى العصر العباسي ألمح اليها الجاحظ فى سخرية رائعة فى كتابه "المحاسن والأضداد" حين حكي ان خمسة من الفتيان أتوا قرية (فنزلوا على باب خان ، فقام أحدهم يصلى والباقون جلوس. فمرت بهم أمرأة نبطية ، فقالوا : دلينا على قحبة ، فقالت : نعم كم انتم ؟ قالوا : نحن أربعة. فأومأ الذى يصلى بيديه : سبحان الله : أنا الخامس) (المحاسن والأضداد . ط 1 1332 ص 92 )

وكان معروفا فى العصر العباسي انتشار البغاء علنا فى الخانات وغيرها من بيوت الأثرياء ، وكان يصاحبه الشذوذ العادى وبأجر .. ومشهور فى هذا المجال الشاذ ابو نواس والخليفة محمد الأمين بن هارون الرشيد.

وفى الجزء (16) ص 47 من موسوعة (المنتظم) فى التاريخ يروي ابن الجوزي فى أحداث سنة 454 انه "عطلت المواخير وغلقت ابوابها ونودي بازالتها وكان السبب انه كثر فساد وشرب الخمر ، وشرب رجل يهودي وتغنى بالقرآن"

5 ـ وعن اجتماع الظلم مع الصلاة نقرأ فى موسوعة تاريخ الصفدي ان السلطان الايوبي شيريكوه بن محمد بن شيريكوه صاحب حمص المتوفى سنة 638 هـ (كان مشهورا بالظلم والتعذيب والاعتقال الا انه لا يشرب الخمر ابدا ويلازم الصلاة فى أوقاتها ، وكانت بلاده طاهرة من الخمر و المكوس ، ومنع أهل حمص من تهريب الخمر بسبب عسفه وجوره ) (الوافى بالوفيات 16 / 216).وشهرته بعدم شرب الخمر ومنعها فى بلاده يفيد أن الخمر كانت شائعة خارج مملكته . ويقول الصفدي عن الشاعر ابن عينين الذى تولى الوزارة للسلطان المعظم الأيوبي انه اشتهر آخر عمره بالعسف والظلم وترك الصلاة وسب الأنبياء وادمان الخمر وقد عاش ابن عينين فيما بين (549 -630). 

 التصوف السنى جعل التهاون فى الصلاة دينا فى العصر المملوكى

1 ـ  تسيد دين التصوف السنى العصر المملوكى بما أسموه ( الحقيقة والشريعة ) ، فالحقيقة هى عقائد التصوف وتقديس الأولياء الصوفية ، أما الشريعة فهى هامش أداء العبادات ومنها الصلاة والتقاضى بالشريعة السنية وقضاتها الأربعة .

2 ـ وأئمة التصوف أسقطوا التكاليف (العبادات) الإسلامية ، فالصوفية إدّعوا الأُلوهية فلا تتفق بأى حال عبادة الله وهم يزعمون الاتحاد به وحلوله فيهم حسبما يزعمون. والتفاصيل فى كتابنا عن العبادات فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف . وننقل منه تأثر الناس بهذا فى تهاونهم فى الصلاة .

3 ـ  فقد أثار ترك الصوفية للصلاة المكتوبة إعجاب المعتقدين فيهم من العوام والعلماء المعبرين عن فكرالعامة. وقد عاش الفقيه المغربى ابن الحاج العبدرى فى مصر فى القرن الثامن ، وكتب فى الفقه الوعظى كتاب ( المدخل ) يذكر فيه أحوال المجتمع المصرى الذى أرهقه التصوف السنى بإنحلاله وخرافاته، وهو يعظ على طريقة الفقهاء . يقول عن الذين يؤمنون بالمجاذيب ــ وقد إنتشروا فى العصر المملوكى ــ  وكان يحج اليهم متوسلا العلماء الفقهاء، استنكر ابن الحاج ذلك المسلك من: ( بعض من ينسب إلى العلم،يقعد بين يدى بعض من يدعى الفقر (أى التصوف) والولاية وهو مكشوف العورة،وقد تذهب عليه أوقات الصلاة وهو لم يصل ،ويعتذرون عنه ).[1]

بل شارك فى ذلك الإعجاب بعض من عرف بالصلاح – أى الصلاح بالمفهوم الصوفى وهو الايمان بالأولياء الصوفية ، وقد رأى ابن الحاج بعضهم يرحل إلى زيارة شخص (من هذا الجنس وبقى نحو ثلاثة أيام أو أربعة حتى اجتمع به وهو عريان ليس عليه شىْ يستره، وبين يديه بعض قضاة البلد ورؤسائها،وهذا أمر شنيع فى الدين وقلة حياء من عمل الذنوب وارتكاب مخالفة السنة وترك الفرائض)[2].

4 ـ والعامة مغرمة بالتقليد ،لاسيما إذا تعلق التقليد بأمور تريح من آداء التكاليف وتجلب الكسل والدعة ، فالعامة تجسيد للأكثرية فى كل مجتمع ، وقد وصف القرآن الكريم الأكثرية بأنها لا تعلم ولا تعقل ولاتفقه ولاتؤمن. وهكذا فإن دين الصوفية فى التهاون فى الصلاة وافق هوى العامة . وقد بدأ ذلك منذ عصر الغزالى فى القرن الخامس فيما يخص ترك الصلاة بالذات، يقول الغزالى يصف العامة فى عصره : ( أكثر الناس جاهلون بالشرع فى شروط الصلاة فى البلاد، فكيف فى القرى والبوادى ومنهم الأعراب والأكراد والتركمانية وسائر أصناف الخلق)[3].أى أن أهل المدن أقرب إلى التحضر والإلتزام، ويتلاشى ذلك الإلتزام كلما بعدنا عن العمران والحضارة وتوغلنا فى الريف . وقد تحولت شعيرة الصلاة ــ خصوصا الجمعة ـ الى وظيفة رسمية يتم بها التعبير عن الولاء للسلطان ، ولم يكن هذا مرعيا فى الريف والأحياء الشعبية الفقيرة ، وزادهم التصوف جهلا على جهل . ومن أسف فإن إهمال تاريخ العامة وشئونها يكاد يكون قاسماً مشتركاً فى الكتابات التاريخية لمؤرخى العصر المملوكى وما سبقه، إذ استحوذ على المؤرخين تتبع حركات الحكام وسكناتهم ومن خلالها نظروا للعامة فى شذرات متفرقة لا تسمن ولا تغنى من جوع.. ومن هذه الشذرات القليلة نستخلص موقف العامة من الصلاة..

5 ـ يقول المؤرخ ابن الفرات فى حوادث  790( رتب القاضى نجم الدين الطبندى محتسب القاهرة جماعة من الفقهاء، فى كل سوق من أسواق القاهرة وظواهرها فقيه يعلم التجار واصحاب الصنايع والمتعيشين سورة الفاتحة وغيرها من السور ليقرأوا بذلك، وجعل لكل فقيه على كل من يعلمه فليس جرد، وهذا ترتيب حسن لا بأس به) [4].أى أن العامة نسيت الفاتحة واستلزم الأمرإيفاد بعض الفقهاء لتعليم التجار والصناع سورة الفاتحة.. وهذا فى المدينة العاصمة. فكيف بالحال فى القرى والنجوع ؟! وكان ذلك فى القرن الثامن، فكيف الحال فى القرون التالية وقد اشتدت سيطرة التصوف ؟؟..

6 ـ لقد وصل الأمر فى القرن التاسع إلى درجة أن الجهل بالفاتحه والصلاة وصل إلى الأمراء والسلاطين ،فكان الأمير أحمد بن نوروز 852( يُرمى بترك الصلاة ) [5]

بل كان السلطان الأشرف اينال: (لا يُحسن قراءة الفاحة ولا غيرها من القرآن، وكانت صلاته للمكتوبات صلاة عجيبه،نقرات ينقر بها لا يعبأ بها الله، وكان لا يحب إطالة الدعاء بعد الصلاة، بل ربما نهى الداعى عن تطويل الدعاء) [6]. فالأشرف اينال طولب بالصلاة طبقا للبروتوكول فكان يصلى صلاته المضحكة وهو جاهل بالفاتحة، وكان يؤدى تلك النقرات بضيق حتى إذا ما انتهت أضرب عن الدعاء بعدها ..

7 ـ وفى القرن العاشر الهجرى تكاثر الأولياء وانتشروا فى ربوع مصر ومدنها وقراها. . وأغلبهم من العامة الأميين فكانوا يسترون تركهم الصلاة بمزاعم الكرامات والانتقال من مكان الى آخر بخطوة واحد ( من أهل الخطوة ) ، فكانوا يزعمون الصلاة فى اماكن بعيدة مثل الرملة واللد فى فلسطين ، وبعضها وهمى وخرافى مثل جبل قاف وسد اسكندر.. وهم ما تعودوا الصلاة قبل المشيخة فلابد أن يفكروا فى حل صوفى يبرر عدم صلاتهم..

8 ـ وقد ترسب فى الضمير الشعبى ما يعبر عن اهمال الصلاة أو السخرية منها حسب الرؤية الذاتية للشعب المصرى الذى يغلف نظرته للأموربالسخرية والتندروالفكاهة ..

8 / 1 : فعن الجهل بالفاتحة يقول المثل (سورتك إيه سورتك إياك) والمراد(بإياك) سورةالفاتحة (ويضرب المثل لبقاءالشخص على نمط واحد كأنه يقرأ الفاتحة كل يوم لا يتعداها)[7]. والفاتحة أصبحت فى عرفهم مجرد (إياك)، ويوصف المصلى بأنه يبقى على نمط واحد يردد كل يوم دون وعى أو فقه بما يقول. ويشبهون بالمصلى كل من توقف على أسلوب واحد لا يسأم من ترديده.

8 / 2 : وعن الجهل بالفاتحة أيضاً يقول المثل الشعبى(إذا نسيت الحمد تصلى بأيه) [8].8   

8 / 3 : وقد يقصد الشخص الجامع متكاسلاً متأففاً فيجد أبوابه موصدة وحينئذ يشعر بسرور يعبر عنه المثل الشعبى (بركة ياجامع اللى جت منك ما جت منى)[9].  

8 / 4 : وكانت المآذن تردد بعد آذان الفجر قولهم : أن الصلاة خير من النوم .. وهذه مقولة لا توافق عليها العامة التى تؤثر الكسل ، فلم تترك هذا القول دون تندر فيقول المثل الشعبي (الصلاة خير من النوم ،قال جربنا ده وجربنا ده) أى أنهم من واقع السخرية عرفوا أن النوم خير من الاستيقظ لصلاه الفجر .. فهذا المثل( يضرب فى تفضيل شىء على شىء  دلت التجربه على خلافه)[10]

أخيرا

ما سبق يدل على تواتر الصلاة فى توقيتاتها وحركاتها الشكلية . لو لم تكن موجودة ما قرأنا هذا الكلام.

 

الفصل السابع : من إمامة الصلاة الى العزلة فى العصر الأموى 

 

 إمامة الصلاة فى مجال الإستغلال السياسى :

1 ـ جعلوا أكبر مسوغات الإمامة السياسية لأبى بكر خليفة بعد النبى محمد عليه السلام أنه كان إمام المسلمين فى الصلاة ، ومن ذلك الوقت إرتبطت إمامة الصلاة بالقوامة السياسية ، وأصبح من مهام الأمير والوالى أن يؤم الناس فى الصلاة ، بحيث أن جبارا مثل الحجاج كان يؤم بقية الصحابة فى المدينة ومكة .

2 ـ وكانت إمامة الصلاة وجاهة إجتماعية . نفهم هذا مما جاء عن رجل مجهول من ذرية عبد مناف " جد النبى محمد وجد الأمويين " ، إسمه نافع بن جبير ــ كان مشهورا بالإستكبار والغرور ــ جلس خلف العلاء بن عبدالرحمن العلقمى وهو يقرىء الناس فى المسجد ، وقال للناس : " أتدرون لم جلست إليكم ؟ " قالوا : " جلست لتسمع ". قال : " لا ولكنى جلست إليكم لأتواضع  إلى الله بالجلوس إليكم . " . وقدم نافع رجلا ليصلى إماما وقال له : " أتدرى لم قدمتك ؟ " قال : " قدمتنى لأصلى بكم " ، قال : " لا ولكنى قدمتك لأتواضع إلى الله بالصلاة خلفك " ( الطبقات الكبرى 5، 153 ) ومات نافع هذا فى العصر الأموى عاه 99 هـــ . هذايعطى لمحة عامة عن موقع الصلاة وإمامة الصلاة فى الحياة الإجتماعية والسياسية .

3 ومن الطريف أنه قبيل موقعة الجمل وفد طلحة والزبير مع عائشة إلى البصرة مغاضبين لعلى بن أبى طالب فى خلافته ، فاستولوا على بيت المال فى البصرة . وحضر وقت الصلاة فتدافع كل من طلحة والزبير ليصلى كلا منها إماما بالناس فإذا صلى إماما بالناس كان هو القائد وكان رفيقه تابعا له ، واستمر تدافع  طلحةوالزبير حتى كاد وقت الصلاة أن ينتهى ، ثم اصطلحا على إقتراح عائشة أن يصلى عبد الله بن الزبير صلاة ومحمد بن طلحة صلاة الأخرى،  وفى أول صلاة اختلفا فيمن يبدأ بالإمامة فذهب ابن الزبير ليؤم الناس فأخّره ابن طلحة ، وذهب ابن طلحة يتقدم للصلاة فأخره ابن الزبير ، وأخيرا اقترعا فخرجت القرعة لمحمد بن طلحة فتقدم وأمّ الناس فى الصلاة وقرأ فيها " سأل سائل بعذاب واقع " . هذا ما يرويه ابن سعد فى :( الطبقات الكبرى 5، 39 ) . وانهزم طلحة والزبير فى موقعة الجمل ومات فى الموقعة كلاهما وعشرة آلاف من المسلمين والصحابة وكان من بين القتلى الشاب محمد بن طلحة وكان شابا ورعا اشتهر بلقب السجاد وبأنه من أطول الناس فى الصلاة ، إلا أن أباه طلحة أرغمه على الخروج معه إلى الجمل ( الطبقات الكبرى 5/ 39 ).  وبعد موقعة الجمل جاءت موقعة صفين بين ( على ومعاوية ) وكانت تمهيدا لزوال خلافة على وقيام الدولة الأموية .

الصلاة والعزلة :

1 ـ ولأن الدولة الأموية استخدمت الصلاة و المساجد ميدانا للأعلام والحرب الفكرية ، ولأن خصومها واجهوها بنفس السلاح مستخدمين الصلاة و المساجد والقصص والخطب و الأحاديث والروايات فإن ارتياد المعارضين للمساجد و الانخراط فى انشطتها كان بمثابة الدخول فى معترك حربي. فجواسيس الدولة الأموية يخترقون حلقات القصص وينتشرون فى المساجد يستمعون الى الخطب و الأحاديث، والولاه الجبابرة مثل زياد ابن ابيه والحجاج ابن يوسف وخالد القسري يقتلون من يشكون فى امرهم ، واشهرهم الحجاج الذى كان يقتل بمجرد الشك او الظن. ومن هنا عرف بعضهم العزلة واجتناب المساجد . وبعضهم توسط واعتدل . ويحتاج الأمر توضيحا. ونحن هنا نتحدث – ليس عن العوام- ولكن عن الفقهاء او القرّاء بمصطلح العصر . وكانوا القادة الفكريين للمعارضة السياسية و الحربية للدولة الأموية.

2 ـ المعضلة فى الموضوع ان الدولة الأموية كانت ترتاب ايضا فيمن ينقطع عن ارتياد المساجد ولا تثق الا فيمن يصلى خلف ولاتها. وهذه معضلة واجهت حتى اولئك الذين عملوا قضاة فى خدمة الدولة مع عدم رضاهم عن تعسفها و ظلمها. فالقاضى زرارة بن اوفى الحرشي كان يصلي فى منزله الظهر و العصر – وقت عمله الرسمي- ثم يأتي الحجاج ليصلي خلفه الجمعة (تاريخ ابن سعد 7/109) وهو بذلك يتبع حديثا اخترعه بعضهم ونسبه الى النبي محمد عليه السلام ، الحديث يضع حلا لتلك المشكلة، فيقول "انه ستجئ امراء تشغلهم اشياء يؤخرون الصلاة حتى لا يصلوا الصلاة الى وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها ، فقالوا : يارسول الله ، ثم نصلى معه ؟ قال نعم" ( تاريخ ابن سعد 7/ 2/ 125) ومعلوم ان النبي محمد عليه السلام لا يعلم الغيب و ليس له أمر يتكلم فيه ، ولكن تكاثرت أحاديث الغيبيات وراج نسبتها للنبي محمد لتعلق عما حدث فى العصور التالية بعد وفاة النبي محمد عليه السلام.

3 ـ ومن الناحية السياسية كانت الدولة الاموية محتاجة الى مراقبة المعارضة الفكرية . فثورات الخوارج كانت تشب فى كل حين ، وهناك ثورات أخرى يقوم بها العلويون و الشيعة ، و الموالى فى العراق وفارس و البربر فى شمال أفريقيا و الاقباط فى مصر . ولكن كان العدد الأكبر هم من العرب الخوارج المستميتين فى حربهم ضد الدولة الأموية . وكانت قسوة الأمويين فى مجابهة الثورات تضيف اليها الكثير من الأعداء ، خصوصا بعد قتل الحسين وآله فى كربلاء ، وانتهاك حرمة المدينة وحصار مكة وحرق الكعبة. وكان واضحا ان قسما كبيرا من العاملين فى الدولة لا يتورعون عن الخروج عليها اذا وجدوا لذلك سبيلا ، والدليل على ذلك ما يسمى بفتنة ابن الأشعث ، القائد الأموى الذى كان يغزو فى الشرق الأسيوي باسم الأمويون مرسلا من الحجاج ، وكان عامة جيشه من العراقيين الناقمين على الأمويين . واختلف ابن الأشعث مع الحجاج فى موضوع بسيط ، ورد عليه الحجاج بغلظة كعادته فإنتهزها القادة العراقيون العاملون مع ابن الأشعث ومازالوا بابن الأشعث حتى أقنعوه بأن يستدير بالجيش ويعود الى العراق ليقاتل الحجاج ، وكانت موقعة دير الجماجم التى انتصر فيها الأمويون بصعوبة ، والتى أسرف فيها الحجاج فى قتل الأسرى من الجيش المهزوم حتى بنى منها اهرامات من الجماجم . وكان سعيد بن جبير من حرّض ابن الأشعث على الخروج على الحجاج ، وقد فر و اختفى ، ومازال الحجاج يبحث عنه حتى عثر عليه وقتله.

وسعيد بن جبير احد قادة الفقهاء فى البصرة و العراق ، وكان ندا للحسن البصري أكبر فقيه فى وقته . ويذكر ابن سعد انه لما كانت فتنة ابن الأشعث وحربه مع الحجاج بن يوسف ، انطلق عقبة بن عبد الغافر وابو الجوزاء وعبد الله بن غالب فى نفر من نظرائهم فدخلوا على الحسن البصري ، فقالوا : يا ابا سعيد ما تقول فى قتال هذا الطاغية الذى سفك الدم الحرام واخذ المال الحرام وترك الصلاة وفعل وفعل ؟ وذكروا من فعل الحجاج الكثير ، فقال الحسن البصري : أرى ان لا تقاتلوه فإنها ان تكون عقوبة من الله فما انتم برادي عقوبة الله بأسيافكم ، وان يكون بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. فخرجوا من عنده وهم يقولون : نطيع هذا العلج ( اى المولى الأعجمي) وهم قوم عرب ، وخرجوا الى ابن الأشعث يقاتلون معه فقتلوا جميعا (تاريخ ابن سعد 7/119).

لقد كانت سياسة الحسن البصري هي الاحتجاج القولى دون ان يتحرك ايجابيا بالثورة على الأمويون . .وكان اكبر المعارضين شهرة ونفوذا ، ومع ذلك فقد كان من خلال تحليل تاريخه – مسكونا بالخوف من الحجاج بن يوسف . وكان اذا قيل له : ألا تخرج ؟ يعني ألا تخرج مع الخوارج تاثرا ، يقول : ان الله انما يغير بالتوبة ولا يغير بالسبف " ( ابن سعد 7/119).

4 ـ على انه يمكن تقسيم العزلة الى أنواع ..

4 / 1 : عزلة تامة ، مثلما كان يفعل مطرف بن عبد الله ، وهو القائل "لبثت فى فتنة ابن الزبير تسع او سبع سنين ما أخبرت فيها بخبر ولا استخبرت فيها عن خبر" وقالوا عنه انه كان يلزم قعر بيته ولا يقرب لهم جمعة  ولا جماعة حتى تنجلى لهم عما انجلت . ( ابن سعد 7/103).

4 / 2 : وبعضهم كان يحضر الى المساجد ويصلى ، ولكن يبتعد عن المشاكل ويجتنب ما يدور فيها من اجاديث سياسية او لغط قد يؤدي الى مشاكل مع الأمويين ، وتلك هى سياسية الحسن البصري الذى كان لا يفارق مسجد البصرة ، يقوم الناس ويحضر حلقة علمه الكثيرون مع محافظته على عدم التورط فيما يدينه امام الحجاج. وقد قال الحسن البصري " احترسوا من الناس بسوء الظن " ( تاريخ ابن سعد 7/125) وهى نصيحة ثمينة مريرة لأتباعه ، حيث كانوا جواسيس الأمويون ينتشرون حوله فلابد من سوء الظن بالجميع . وهى الحالة العقلية التى تأسست عليها العلاقات الاجتماعية فى الدول الاستبدادية البوليسية والتى لا يزال فيها المحمديون اليوم . وكان على منهج الحسن البصري كثيرون من اتباعه ، منهم من قال ( جالست الحسن البصري اثني عشر سنة اصلى معه الصبح ثلاث سنين) ( تاريخ ابن سعد 7/2/1).

4 / 3 :وتفنن بعضهم فى الجمع بين العزلة والصلاة ، ومنهم ثابت البناني وكان عابدا مشهورا ، من أقاويله ( لا يكون العابد عابدا وان كان فيه خصلة من كل خير حتى يكون فيه هاتان الخصلتان : الصلاة و الصوم) . ونحن نشكر له انه لم يحول هذه المقالة الى حديث منسوب للنبي كما كان يفعل غيره . وثابت البناني الذى مات فى ولاية خالد القسري على العراق : ( كان كلما مر بمسجد دخل فصلى فيه ) ( ابن سعد 7/2/3) حتى يتجنب ارتباطه وبعضهم مثل ( صفوان ) سجن نفسه فى سرداب فى بيته معتكفا الناس ولكنه كان يخرج من هذا السرداب فى اوقات الصلاة فقط ( طبقات ابن سعد 7/107) ويعود الى سردابه. وقد دخل صفوان المسجد مرة فرأى قوما يتخاصمون فيه ، فقام عنهم وقال ( انما انتم حرب) ( طبقات ابن سعد 7/107 : 108).

4 / 4 : وحاول بعضهم ان يبرر موقفه هذا دينيا عن طريق الوحي .. وهو ان لم ينسبه حديثا للنبي محمد عليه السلام ، فقد جعله مناما صاغه بطريقة مؤثرة مقنعة ، قال ميمون ابن شياه "تذاكروا عندي رجلا من هؤلاء السلاطين فوقعوا فيه ، ولم اذكر منه خيرا ولا شرا . فانقلبت الى بيتي فرقدت فرأيت فيما يرى النائم كأن بين يدي جيفة زنجي ميت منتفخ منتن ، وكأن قائما على رأسي يقول : كُل ، قلت : يا عبد الله ، ولماذا آكل ؟ قال : بما اغتبت عندك فلان . قلت : ما ذكرت منه خيرا ولا شرا . فقال لى ولكنك استمعت ورضيت " (تاريخ ابن سعد 7/111). وبالطبع فهذا المنام متأثر بقوله جل وعلا ( وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴿١٢﴾ ) الحجرات ). وقد أجاد الصياغة فى استخدامه التنفير من حضور الاجتماعات السياسية فى المساجد والتى كانت تتخذ ضد الأمويين. ولكن نرى فيه تعصبا مقيتا ضد الأفارقة ، وهذا لا يليق بالمسلم لأنه تجاهل الآية التالية : (ي َا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿١٣﴾ الحجرات ) وقوله جل وعلا : (  وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ﴿٢٢﴾ الروم ).

4 / 5 : وقد كانت مشكلة ابى العالية الرياحي مع الحجاج ، هل يصلى معه او يترك الصلاة خلفه ؟  وهل يقبل الله تعالى صلاته تلك او تلك ،  يقول الرياحي انه صلى آخر جمعة خلف الحجاج ، ومات الحجاج بعدها . يقول عن تلك الصلاة الأخيرة " فعماه الله عني" ويقول " وقد صليت خلفه حتى خفت الله ، ولقد تركت الصلاة خلفه حتى لقد خفت الله" ( ابن سعد 7/83). وهي مشكلة حقيقية ان يكون الحاكم الظالم حاضرا فى قلب المؤمن الذى يصلى الى هذه الدرجة . لذلك لا نتعجب من مقالة عبد الله بن سعد من متأخرى الصحابة ، وقد عاش فى مصر وكان بيته قريبا من مسجد الفسطاط الا انه كان لا يصلي فيه الا الصلوات الخمس المكتوبة فقط ، ويقول "لأن اصلى فى بيتي أحب الى من أن أصلى فى المسجد الا ان تكون صلاة مكتوبة" ( ابن سعد 7/2/193).

5 ـ وكان ابن عون المتوفى سنة 151 هـ قد ادرك الدولتين الأموية والعباسية ، اى شهد سقوط دولة وقيام اخرى معادية لها، وهي اصعب الفترات السياسية فى النظم الاستبدادية ، الا انه عاش فى امن وسلام لأنه تصالح مع الدولة الأموية. يقول عنه ابن سعد ( كان لا يبكر الى الجمعة ذلك التبكير الذى يعرف ولا يؤخرها ، وكان أحب الأمور اليه اوسطها والاختلاط بالجماعة. وكان يغتسل الجمعة والعيدين ويتطيب للجمعة والعيدين ، ويرى ذلك سُنّة. وكان يلبس فى الجمعة والعيدين انظف ثيابه ، وكان يأتي يوم الجمعة ماشيا او راكبا . ولا يقيم بعد صلاة الجمعة . وكان فى شهر رمضان لا يزيد على المكتوبة فى الجماعة ، ثم يخلو فى بيته . وكان ربما امّنا ابن عون ، وربما قدم بعض بنيه ، وكان يصلى بأصحابه المغرب و العشاء ، وكان له مسجد فى داره يصلى فيها الصلوات كلها ومن حضر من اخوانه وولده . وكان له مؤذن مولى يقال له زيد . ويقيم مؤذنه مثنى ، ويقيم وترا وترا " (ابن سعد 7/2/26).

 أخيرا

تطور الأمر فى العصر العباسى فتحولت العزلة الى طقس دينى عند الزهاد ، ثم عند الصوفية تأثرا بالرهبان فى أديرتهم ، والتفاصيل فى كتاباتنا فى موسوعة التصوف المملوكى.

 

 

الفصل الثامن : تحريف التواتر فى الأذان للصلاة

 

 مقدمة : بين التواتر الالهى والتواتر الشيطانى فى الأذان

1 ـ   التواتر الالهى فى الأذان للصلاة أن يبدأ بتكبير الله تعالى (الله أكبر) الذى يؤكد أنه لا اله الا الله .وبعد ( الله أكبر ) تأتى تؤكدها شهادة الإسلام الواحدة ( لا اله إلا الله) ،ثم الدعوة للصلاة (حىّ على الصلاة ) التى يجب أن تقام لذكر الله وحده وتقديسه وحده وتعظيمه وحده والتسبيح بحمده وحده ، فذلك هو محتوى ومضمون الصلاة لله جل وعلا رب العالمين هو قوله جل وعلا :(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) ( طه 14)  . والذى يقيم هذه الصلاة فى قلبه خشوعا وهو يصلى ، ثم يقيمها فى سلوكه سموا فى الخلق يستحق الفلاح ، لذا يقال فى الأذان ( حىّ على الفلاح ) أى دعوة للفلاح ليكون المؤمن ضمن المؤمنين المفلحين الذين وردت صفاتهم فى مطلع سورة ( المؤمنون )،ويختتم الأذان باعادة التكبير(الله أكبر ) للتأكيد على نفس المعنى ، وأنه لا إله إلا الله.  تلك هى صيغة الأذان الشرعية التى تتناسب مع النداء الاسلامى ( الله أكبر) التى تعنى أن الله تعالى (أكبر) لأنه الخالق وحده ،وأنه أكبر من أن يوضع الى جانب اسمه الكريم أى إسم لأى مخلوق من مخلوقاته ، لأن  ماعداه من مخلوقات هى بالنسبة إليه (أصغر) ويحرم أن يذكر (الأصغر ) إلى جانب (الأكبر ) سبحانه وتعالى . هذا ما كان عليه النداء للصلاة فى ملة ابراهيم طبقا لوحدة الدين الالهى شرعا ووحيا وإقامة للدين . وفى حياة النبى عليه السلام . لم يكن فيه ذكر لغير الله جل وعلا ، ولم يكن إسمه عليه السلام يرتفع فى الأذان وفى الدعاء للصلاة .هنا تجديد التواتر الالهى فى الأذان . هذا هو التواتر الالهى فى الأذان .

2 ـ التواتر الشيطانى جاء مخالفا فى الأذان للصلاة لتواتر ملة ابراهيم فى الأذان ، لذا إعترض عليهم خاتم النبيين فكادوا يفتكون به ، قال جل وعلا : (  وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّـهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّـهِ أَحَدًا ﴿١٨﴾ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّـهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴿١٩﴾ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ﴿٢٠﴾ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴿٢١﴾ الجن ).

 ونعطى بعض تفصيلات للتواتر الشيطانى فى تحريف الأذان    

ثانيا : تغيير فى صيغة الأذان فى العصر العباسى

1 ـ ضمن لاستغلال السياسى للمسجد وصلاة الجمعة وخطبتها تحولت المساجد الى مساجد شيطانية ، وتأثر الأذان بهذا التحول فأصبح ضمن عباراته ذكر الخليفة ، وساد هذا فى العصر العباسى الذى شهد تدوين التاريخ وشعائر الأديان الأرضية والثقافة السائدة ، منها تدوين التأريخ للعصر الأموى وما سبقه بأثر رجعى . ولأن الدولة العباسية كانت كهنوتا دينيا صريحا فقد جرى تشريع هذا كله بأحاديث مصنوعة وسيرة مصنوعة للنبى تتناقض مع القرآن الكريم .

2 ـ وشهد العصر العباسى أيضا صراعا سياسيا وحربيا ودينيا بين الشيعة والعباسيين السنيين ، وإنعكس هذا على نواح كثيرة منها الأذان ، بل إن الشيعة أقاموا الدولة الفاطمية وطبقوا فيها شعائرهم ومنها يخص الأذان ، وحتى فى خلال الدولة الفاطمية تعرض الأذان لتقلبات فى خلافة الخليفة الفاطمى الحاكم ، وبعد سقوطها عادت شعائر الدين السنى فى مصر وما كان تابعا للدولة الفاطمية من قبل. ثم ساد التصوف السنى بديلا عن السُّنّة الحنبلية المتشددة والتصوف المتطرف ومعاديا شديد العداء للتشيع والتصوف الشيعى ، وتأثر الأذان بهذا التحول ، خصوصا مع غرام الصوفية بالرقص والغناء ، فأصبح الأذان انشودة سمجة ..وربما لا يزال .

 3 ـ استحدث العباسيون السلام على الخليفة العباسى فى الأذان للصلاة ، ثم تابعهم الفاطميون فيما بعد . وحتى يتم تبرير هذا فقد أضاف العباسيون السلام على النبى محمد والخلفاء بعده ، وتولت مصانع الأحاديث وصناعة الروايات التاريخية افتراء أحاديث وروايات تسوغ هذا التلاعب بالأذان للصلاة .وقام بذلك الواقدى ( 130 : 207 ) ثم كاتبه ( محمد بن سعد : ( 168 : 230 ) ( كاتب الواقدى )

4 ـ الواقدي شيخ المؤرخين كان متصلا بالبرامكة وتولى القضاء للخليفة الرشيد ومن عملاء العباسيين  شأن كاتب السيرة محمد بن إسحاق ( 85 : 152 ) من قبل ، وهو من أوائل المؤرخين فى التاريخ العام . وقد زعم الواقدى أن بلال كان يقف على باب النبى يؤذن : ( فيقول‏:‏ السلام عليك يا رسول الله وربما قال‏:‏ السلام عليك بأبي أنتوأمي يا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة السلام عليك يا رسول الله‏.‏) . وينقل المقريزى عن مؤرخى العصر العباسى فى ( الخطط ) أن بلال ( كان يقول السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا رسول الله ، فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه الخلافة كان سعد القرظ يقول السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا خليفة رسول الله‏.‏ فلما استخلف عمر رضي الله عنه كان سعد يقف على بابه فيقول السلام عليك يا خليفة خليفة رسول الله ورحمة الله حي على الصلاة حي على الصلاة يا خليفة خليفة رسول الله .. .‏ ثم إن عمر رضي الله عنه أمر المؤذن فزاد فيها رحمك الله‏.‏ ويقال أن عثمان رضي الله عنه زادها . ) ترتب على هذا كما يقول المقريزى تشريع إضافة إسم الخليفة بل والأمراء فى الأذان ، قال : ( وما زال المؤذنون إذا أذنوا سلموا على الخلفاء وأمراء الأعمال ثم يقيمون الصلاة بعد السلام ، فيخرج الخليفة أو الأمير فيصلى بالناس .هكذا كان العمل مدة أيام بني أمية ثم مدة بني العباس أيام كانت الخلفاء وأمراء الأعمال تصلي بالناس‏.‏ ) .أى اصبح الأذان حفل تكريم للخليفة والأمراء .

 

5 ـ وإحتل عمر بن عبدالعزيز مكانة هامة فنسب محمد بن إسحاق هذا الخبر عمّن اسماه ( محمد بن عمارة ) روى إنه قال : ( كنا نؤذن عمر بن عبدالعزيز فى داره للصلاة ، فنقول السلام عليك يا أيها الأمير ورحمة الله وبركاته ، حى على الصلاة ، حى على الفلاح ، الصلاة رحمك الله " وفى الناس الفقهاء لا ينكرون ذلك " ( ابن سعد 5 ، 246 ) . المهم قوله أن الفقهاء لا ينكرون ذلك . وهذا للرد على أى معترض فى العصر العباسى . وفى رواية أخرى يقول ابن سعد أن مؤذن الخليفة عمر بن عبدالعزيز يسلم على بابه : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله ، حى على الصلاة يرحمك الله . ) ( ابن سعد 5 ، 264 )

6 ـ على أن المقريزى ينقل خبرا يناقض هذا وهو أن الأذان فى مصر فى ولاية عمرو بن العاص كان ( لا إله إلا الله ) فقط . ينقل الآتى : (قال أبو الخير‏:‏ حدثني أبو مسلم وكان مؤذنًا لعمرو بن العاص أنالأذان كان أوله لاإله إلا الله وآخره لاإله إلا الله، وكان أبو مسلم يوصي بذلك حتى مات ). إنتهى هذا فى الدولة العباسية ، واصبحت شهادة الاسلام شهادتين وتأسس تقديس النبى محمد وجعلوه إلاها وشريكا لرب العزة جل وعلا فى الشهادة وفى الصلاة ( التحيات ) وصلاة السُّنّة وفى الأذان وفى الحج الى الى المسجد الرجسى المنسوب له ظلما وعدوانا.

ثالثا : الفاطميون والصراع الشيعى السنى 

1 ـ  ثم حدث أول تغيير مشهور فى الأذان فى الدولة الفاطمية الشيعية التى أنشأت القاهرة و الجامع الأزهر، يقول المقريزى عن الابتداع الشيعى الفاطمى : (إلى أن قدم القائد جوهر بجيوش المعز لدين الله وبني القاهرة ، فلما كان في يوم الجمعة الثامن من جمادي الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة صلى القائد جوهر الجمعة في جامع أحمد بن طولون ..وأذن المؤذن : " حي على خير العمل " ،  وهو أول ما أذن به بمصر ... فلم يزل الأمر على ذلك طول مدةالخلفاء الفاطميين) .

2 ـ  ولكن الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله المشهور بتقلبه و حماقاته وإدّعائه الالوهية تلاعب أيضا بالأذان ، ينقل المقريزى (.. إلا أن الحاكم بأمر الله سنة أربعمائة أمر بجمع مؤذني القصروسائر الجوامع وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي وقرأ أبو العباسي سجلًا فيهالأمر بترك حي على خير العمل في الأذان ، وأن يقال في صلاة الصبح "الصلاة خير من النوم"،وأن يكون ذلك من مؤذني القصر عند قولهم : السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله ، فامتثل لذلك‏.‏) أى أن قولهم ( الصلاة خير من النوم فى أذان الفجر من اختراعات الحاكم بأمر الله الفاطمى .!. ثم عاد الحاكم الأذان الشيعى لما كان عليه سنة 401 ، ينقل المقريزى : ( ثم عاد المؤذنون إلى قول "حي على خير العمل " في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعمائة.) .  ثم استحدث الحاكم تغييرات وزيادات أخرى عام  405 ، يقول المقريزى :( ومنع في سنة خمس وأربعمائة مؤذني جامع القاهرة ومؤذني القصر من قولهم بعد الأذان : "السلام على أمير المؤمنين "،  وأمرهم أن يقولوا بعد الأذان " الصلاة رحمك الله. ".!) . والمفهوم من هذا أن السلطان هو صاحب التشريع ، لا فارق بين خليفة سنى أو شيعى.

3 ـ وإمتد الصراع الشيعى السنى خارج مصر فوصل بغداد ، ونال الأذان منه نصيب ، ففى  سنة 448 انتصر السنة على الشيعة فى بغداد وتحكموا فى أحياء الشيعة فيها وفى مقابر قريش ومشهد العتيقة ومساجد الكرخ ،فأقيم الأذان بشعار السنة " الصلاة خير من النوم " وأزيل ما كان الشيعة يقولونه فى الأذان من " حى على خير العمل " وقلعوا جميع ما كان على أبواب الدور من " محمد وعلى خير البشر " . هذا ما ذكره ابن الجوزى فى تاريخ ( المنتظم 16 /  7 :8 ).

 4ـ  وجاء فى الدولة الحمدانية فى حلب  ابتداع جديد فى الأذان ، يقول المقريزى (وأول من قال في الأذان بالليل : " محمد وعلي خير البشر" ....ابن شكنبة ويقال أشكنبة وهو اسم أعجمي معناه الكرش ، وهو علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وكان أول تأذينة بذلك في أيام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة‏.‏قاله الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة ، ولم يزل الأذان بحلب يزاد فيه : "حي على خير العمل" ، و" محمد وعلي خير البشر" إلى أيام نور الدين محمود‏.‏ فلما فتح  ( أى السلطان نورالدين زنكى ) المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن عليبن الحسن بن محمد البلخي الحنفي إليها ،  فجاء ، ومعه جماعة من الفقهاء ، وألقي بها الدروس، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم مروهم يؤذنون الأذان المشروع ومن امتنع كبوه على رأسه ، فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به، واستمر الأمرعلى ذلك‏.‏ ). أى استطاع الشيعة تغيير الأذان فى الدولة الحمدانية ، وهى دولة عربية قبلية ( نسبة للقبيلة ) وكان هواها مع الشيعة ، فلما تغلب محمود نور الدين زنكى على حلب  تحت شعار مواجهة الصليبيين وارساء المذهب السّنى وحربه للتشيع أقام مدرسة الحلاوية السّنية واستقدم لها الفقهاء السنيين الذين أبطلوا الأذان الشيعى . أى أصبح الأذان للصلاة ميدانا للصراع السياسى بين الشيعة والسّنة

5 ـ  واسقط صلاح الدين الأيوبى الدولة الفاطمية وعاد بمصر الى معسكر السنة أو ( التصوف السنى ) . يقول المقريزى : ( وأما مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم ( الفاطميين ) إلى أن استبد السلطانصلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستين وخمسمائة ، وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله ، فأبطل من الأذان قول حي على خير العمل ، وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكة ، وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين ). اى جعل الشهادة شهادتين .!

رابعا : فى العصر المملوكى :

1ـ واستمر هذا طيلة الدولة الأيوبية ، ثم الى الدولة المملوكية التى عاش فيها المقريزى القائل : ( فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك (أى المماليك من سلاطين وأمراء ) المدارس بديار مصر ، وانتشر مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في مصر ، فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل الكوفة وتقام الصلاة أيضًاعلى رأيهم ، وما عدا ذلك فعلى ما قلنا . ) أى حدث اختلاف فى الأذان السّنى بين أذان مكة وأذان الكوفة .

2 ـ ثم جدّ ابتداع جديد فى الأذان فى العصر المملوكى بعدعام 760 ، أخترعه المحتسب صلاح الدين البرلسى، يقول عنه المقريزى : ( إلا أنه في ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون من التأذين سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو شىء أحدثه محتسب القاهرة صلاح الدين عبد الله بن عبد الله البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة .‏) أى أضاف هذا المحتسب الصلاة على النبى بعد الفراغ من الأذان ، وجعل ذلك فى ليالى الجمعة فقط .

3 ـ ثم تم تعميم هذا ليشمل كل أذان وليكون فى صلب الأذان وليس خاتمة له . وتم هذا عبر اكذوبة المنامات التى برع فيها شيوخ التصوف، وكان للتصوف سطوته فى العصر المملوكى ، وكان أولياؤه يتمتعون باعتقاد الناس فى خوارقهم وكراماتهم وعلمهم اللدنى ومناماتهم ، وكل الأكاذيب التى ينسبونها لأنفسهم ولأوليائهم. نستكمل ما قاله المقريزى : (. وهو شىء أحدثه محتسب القاهرة صلاح الدين عبد الله بن عبد الله البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة .....فسمع بعض الفقراء ( أى الصوفية ) الخلاطين ( مهاجرون لمصر من بلدة خلاط ) سلام المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة جمعة ، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه ، فقال لهم : أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان ؟ قالوا:  نعم . فبات تلك الليلة وأصبح متواجدًا ( أى أخذه الوجد والحال والجذب بزعمهم ) يزعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه ، وأنه ( أى النبى ) أمره أن يذهب إلى المحتسب فيبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان . فمضى ( ذلك الولى الصوفى أو الفقير الصوفى ) إلى محتسب القاهرة وهو يومئذ ( نجم الدين محمد الطنبدي ). ويصف المقريزى هذا المحتسب نجم الدين الطنبدى بأسوأ الصفات ، يقول عنه: ( وكان شيخًا جهولًا ، وبلهانًا مهولًا ، سيءالسيرة في الحسبة والقضاء ، متهافتًا على الدرهم ولو قاده إلى البلاء ، لايحتشم من أخذ البراطيل والرشوة ، ولا يراعي في مؤمن إلّا ولا ذمة ، قد ضرى على الآثام ، وتجسد  ( أى تضخم جسده ) من أكل الحرام ، يرى أن العلم إرخاء العذبة ، ولبس الجبة ، ويحسب أن رضي الله سبحانه في ضرب العباد بالدرة وولاية الحسبة ،  لم تحمد الناس قط أياديه ، ولا شكرت أبدًا مساعيه ، بل جهالاته شائعة ، وقبائح أفعاله ذائعة ، أشخص غير مرة إلى مجلس المظالم ( أى حوكم كثيرا أمام مجلس المظالم ) وأوقف مع من أوقف للمحكمة بين يدي السلطان من أجل عيوب فوادح ، حقق فيها شكاته عليه القوادح ، وما زال في السيرة مذمومًا ، ومن العامة ملومًا.! ). وبعد هذا الهجاء المسجوع يذكر المقريزى أن ذلك الشيخ الصوفى ذهب للمحتسب وحكى له المنام قائلا ان النبى ( يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم : "الصلاة والسلام عليك يا رسول الله "، كما يفعل في ليالي الجمع، ) . ويقول المقريزى معلقا بعقيدته السنية : (فأعجب الجاهل ( أى المحتسب ) هذا القول ، وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلابما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته .) . واستمر هذا بعدئذ ، يقول المقريزى : ( فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة وتمت هذه البدعة واستمرت إلى يومنا هذا فيجميع ديار مصر وبلاد الشام ، وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذي لايحل تركه )

4 ـ ثم زادوا فى الأذان التسليم على الأولياء الصوفية الذين يؤمن بهم الناس ، قال المقريزى : ( وأدى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلامبعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا . فلا حول ولا قوة إلا بالله . وإنا لله وأن إليه راجعون‏.‏ ). وإنتشر هذا فى الريف المصرى وغيره منذ العصر المملوكى وحتى الآن.

 

 

الفصل التاسع : تحريف التواتر الالهى فى التسبيح

 

اولا : فى التواتر الالهى الاسلامى

1 ـ التسبيح فى التواتر الاسلامى الالهى هو ذكر الله جل وعلا ، وهو فرض له مواقيته ويجب ان يكون بخفوت الصوت وتضرعا ، قال جل وعلا : (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ ﴿٢٠٥﴾ الاعراف  )، وهذا يشمل الدعاء الذى يجب أن يكون بتضرع وبخفوت صوت ، وإلا كان من يدعو ربه معتديا ، قال جل وعلا : (  ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿٥٥﴾ ( وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّـهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٦﴾ الاعراف ) . وهذا هو التواتر الاسلامى والذى إتبعه النبى زكريا عليه إذ دعا ربه خاشعا بصوت خفى ، قال جل وعلا : (  ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴿٢﴾ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ﴿٣﴾ مريم  ) ، وقد إستجاب له ربه جل وعلا ، قال جل وعلا : (  وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴿٨٩﴾فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) ووصفهم رب العزة جل وعلا بالمسارعة فى الخيرات والدعاء رغبا ورهبا والخشوع : ( ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴿٩٠﴾) الأنبياء ).

2 ـ والخشوع فى العبادة ـ ومنه الذكر والتسبيح ـ تمسك به المؤمنون من أهل الكتاب ، قال جل وعلا عنهم : (  وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّـهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿١٩٩﴾آل عمران).والتعبير عنهم بتأكيد الجملة الاسمية يفيد الثبوت والاستمرارية .

3 ـ ومن علامات الخشوع أن يرتجف قلب المؤمن عند ذكر إسم الله وإذا سمع تلاوة آيات الله ، فهذا مقياس الايمان الحق فى كل زمان ومكان ، قال جل وعلا : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٢﴾ ) الأنفال ) . وهؤلاء هو ( المخبتون ) قال عنهم جل وعلا : ( فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴿٣٤﴾ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣٥﴾ الحج ). وفى كل زمان ومكان يصف رب العزة جل وعلا أصحاب الجنة ، قال جل وعلا عنهم : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿٣٥﴾ الاحزاب ).

ثانيا : إعلان التحريف للتسبيح فوق المآذن

1 ـ أصبحت المساجد مساجد ضرار تتبع البشر ، ليس فقط فى إطلاق إسماء البشر عليها بل أيضا فى إستخدامها لأغراض سياسية ، ثم فيما بعد لأغراض دينية بتسيد التصوف وإنتشار مؤسساته الدينية فى العصر المملكى ثم العثمانى.

2 ـ من المفترض أن التسبيح أن يكون لرب العزة جل وعلا ( سبحانه وتعالى وحده ) ، ولكنهم جعلوا التسبيح علنيا فوق المآذن ولخدمة أغراضهم السياسية . قال المقريزى عن التسبيح العلنى فوق المآذن : ( وأما التسبيح في الليل على المآذن فإنه لم يكن من فعل سلف الأمة ..) ويرى أن صلاح الدين الأيوبى هو أول من إبتدعه وجعل له غرضا سياسيا فى حرب التشيع ونشر دين التصوف السنى مكانه ، قال : ( ... فلما ولي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب سلطنة مصر وولى القضاءصدر الدين عبد الملك بن درباس الهدباني الماراني الشافعي ، كان من رأيه ورأي السلطان اعتقاد مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري في الأصول ، فحمل الناس إلى اليوم على اعتقاده حتى يكفر من خالفه ، وتقدم الأمر إلى المؤذنين أن يعلنوا في وقت التسبيح على المآذن بالليل بذكر العقيدة التي تعرف بالرشدة فواظب المؤذنون على ذكرها في كل ليلة بسائر جوامع مصر والقاهرة إلى وقتنا هذا‏.‏ ) أى استمرت الى عصر المقريزى فى القرن التاسع الهجرى .

3 ـ وتأسست صورة إلاهية للنبى محمد ، وبجعله إلاها كان التسبيح بذكر مناقبه الالهية ومنها الشفاعة ، وخصصوا ما يسمى بالتذكير ،وبدأ هذا بالتدريج ، ننتبعه كالآتى :

3 / 1 :  يقول المقريزى : ( ومما أحدث أيضًا التذكير في يوم الجمعة من أثناء النهار بأنواع منالذكر على المآذن ليتهيأ الناس لصلاة الجمعة وكان ذلك بعد السبعمائة من سني الهجرة‏.‏ قال ابن كثير رحمه الله في يوم الجمعة سادس ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وسبعمائة رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مآذن الجامع الأموي ففعل ذلك‏.‏ ).

3 / 2 : ثم كان تصريحا مباشرا في سنة 782، يذكر ابن حجر وابن إياس : (أحدث السلام علي النبي عقب آذان العشاء ليلة الآذان الإثنين)  . (إنباء الغمر لابن حجر : جـ1/218، تاريخ ابن اياس جـ1/2/265.) .

3 / 3 : ثم تحول التسليم على النبى الى توسل بجاهه المزعوم صريحا بعد صلاة الصبح ، وأمر القاضي الشافعي بذلك ، وكان سببه اعتراض بعض تلامذة ابن تيمية على قصيدة صوفية تتوسل بالرسول. وكان ذلك سنة 874. ] انباء الغمر جـ1/290. ). ومعنى التوسل بغير الله في الآذان أن يجهر بعقيدة تخالف الإسلام، ثم يقولون  (الله أكبر) وهو تناقض لا يستسيغه إلا التصوف

 3 / 4 : ثم أضحى الآذان في أواخر القرن التاسع مجالاً خصباً للزيادة لكل من هب ودب.. يقول البقاعي في حوادث 880 (أحدث بعض أتباع الشيطان العاشقون في البدع أن يقال عقب آذان الصبح بصوت كصوت الآذان مع الاتصال به : يا دايم المعروف يا كثير الخير يا من لا ينقطع معروفه أبداً) وقد أبطل البقاعي ذلك في كل مئذنة له فيها تعلق كما يقول ((تاريخ البقاعى مخطوط ..حوادث سنة 880).

3 / 5  ثم إنتشر وصف النبي بعبارات إلهية ، (لطائف المنن للشعرانى 272 :273 الطبعة القديمة ) تمهيداً لأن يوصف الصوفية بتلك الصفات على المآذن، لذا بعدها كانوا يقولون فى الأذان تقديسا للسيد البدوى (السلام عليك يا سيدي أحمد يا بدوي ) وانتشرت المنامات وإشاعات الكرامات تحذر من ينكر على ذلك بانتقام أحمد  البدوي : (الحلبى النصيحة العلوية 37.مخطوط.  ).

ثالثا : تحويل الأذان ثم التسبيح الى أغنية

1 ـ ذكر ابن سعد فى طبقاته أن عمر بن عبد العزيز نهى عن التغنى بالأذان ، فكان يقول للمؤذن : ( أذّن آذانا سمحا ولا تغنه وإلا فاجلس فى بيتك ( ابن سعد 5 ، 282 ) ، والمفهوم من هذا أن المؤذن الذى تعرض لتأنيب عمر بن عبدالعزيز كان يجعل من الأذان أغنية فهدده بالطرد من العمل إن لم يؤذن بدون غناء .. وقد قال عمر بن عبدالعزيز لمؤذنه : ( أحدد الأقامة حدا ولا ترجع فيها ( ابن سعد 5 ، 264 ) أى قل الأذان بصيغة دعاء الناس للصلاة والقيام لها دون ترجيع مثل ترجيع الأغانى. أى وقف عمر بن عبد العزيز مبكرا ضد من يحوّل الأذان الى أغنية . وجدير بالذكر أن بعضهم كان يتندر على الأذان الاسلامى بأن يجعله أغنية ساخرا ، وكان هذا فى المدينة فى عصر النبى محمد عليه السلام فقال جل وعلا : (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ﴿٥٨﴾ المائدة  ) كان هؤلاء من كفرة أهل الكتاب ، وقريب منه ما قاله جل وعلا عن المنافقين فى إستهزائهم بالله جل وعلا وكتابه : (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّـهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿٦٥﴾لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴿٦٦﴾ التوبة )

2 ـ تطور الأمر سياسيا فى العصر العباسى بأن أمر أبو كاليجار المسيطر على الخلافة العباسية عام 436 ( ضرب الطبل فى الصلوات الخمس ، ولم يكن الملوك يضرب لها الطبل ببغداد فبدأ عضد الدولة بأن ضربوا له في الأذان  ثلاث نوبات ، وجعلها كاليجار خمسا . ) هذا ما ذكره المؤرخ الحنبلى ابن الجوزى : ( المنتظم 15 ، 293 ) . أى تحول الأذان إلى حفلة تكريم للسلطان.

2 ـ وفى مصر الطولونية التابعة إسما للخلافة العباسية جاء تطور جديد قال عنه المقريزى : ( ثم إن الأمير أبا العباس أحمد بن طولون كان قد جعل في حجرة تقرب منه رجالًاتعرف بالمكبرين ، عدتهم اثنا عشر رجلًا يبيت في هذه الحجرة كل ليلة أربعة يجعلون الليل بينهم عقبا ، فكانوا يكبرون ويسبحون ويحمدون الله سبحانه في كل وقت ويقرأون القرآن بألحان ويتوسلون ويقولون قصائد زهية ويؤذنون في أوقات الأذان وجعل لهم أرزاقًا واسعة تجري عليهم‏.‏ ) يهمنا هنا أنهم كانوا يقرآون القرآن بالألحان الموسيقية ، وبالتالى يكون تكبيرهم وتسبيحهم وتحميدهم. وإستمر الأمر بعد ابن طولون ، قال المقريزى : ( فلما مات أحمد بن طولون وقام من بعده ابنه أبو الجيش خماروية أقرهم بحالهم وأجراهم على رسمهم مع أبيه ، ومن حينئذ اتخذ الناس قيام المؤذنين في الليل على المآذن وصار يعرف ذلك بالتسبيح‏.‏ ). هذه هى بداية ما يسمى بالتسبيح فى مآذن مصر ، وواضح إرتباطها بالموسيقى والألحان .

 3ـ قام الدين الصوفى على أساس الغناء والرقص تحت شعار ( الذكر ) و( الوجد ).وبهذا تحول دين التصوف الى دين حقيقى للهو واللعب . وبتسيد التصوف للعصر المملوكى انتشر التغنى بالقرآن بالألحان و(الجوقات ) و الآلات الموسيقية ، وزحف الغناء الى الأذان للصلاة مصطحبا معه ما شاع فى العصر المملوكى من شيوع للشذوذ الجنسى متأثرا أيضا (أى الشذوذ الجنسى ) برعاية التصوف . ونعطى بعض لمحات :

 3 / 1 ـ تطرف الصوفية فى تأدية شعائر التصوف أثارت حنق بعض الفقهاء فاحتجوا على ما يحدث ، ومنهم الفقيه المغربى الصوفى ابن الحاج العبدرى فى كتابه ( المدخل ) الذى خصّصه لنقد ما يحدث فى التدين المصرى فى عصره  فى القرن الثامن الهجرى . يقول ابن الحاج"وكان الغالب فى صفة الإمام في قيام رمضان أن يكون حسن الصوت"[1].. وعن طريق الصوت الحسن تتحول الصلاة في رمضان إلى لهو .

3 / 2 : وعكست وثائق الوقف ذلك فكانت تشترط في قراء القرآن في المؤسسات الصوفية أن يكونوا حسنى الصوت :

3 / 2 / 1 : في وثيقة وقف برسباي "ويصرف الأربعة نفر حسنى الصوات يجلسون مع الصوفية ويقرءون ما شرط على كل من الصوفية "و"يصرف لخمس جوق كل جوقة ثلاث نفرمن حفاظ القرآن العظيم تقرأ كل جوقة بعد كل صلاة جزبين من القرآن العظيم على العادة ألف درهم "[2].أى جعل قارئى القرآن " جوقاً "والجوقة هم مجموعة مطربين .

3 / 2 / 2   ـ وفي وثيقة وقف قراقجا الحسني " يصرف لخمسة عشر نفراً من حملة  كتاب  الله العزيزعن ظهر قلب بالسوية بينهم ..على أن يكونوا خمسة جوق لكل جوقة منهم  مائتا درهم ،على أن تقرأ جوقه منهم بعد صلاة الصبح بالجامع المذكور حزباً واحداً من تجزئة ستين حزباً من القرآن العظيم .. ويجتمعون قراءتهم بالصلاة على النبى (ص) ويدعون أحسنهم صوتاً"[3].

3 / 2/ 3 ـ  وفي وثيقة وقف الغورى "تصرف لرجل من أهل العلم الشريف حافظاً لكتاب الله.. مشهور بالخير والدين حسن الصوت"واشترطت ذلك للخطيب والمؤذن " وعند القراءة والدعاء للواقف يتولى ذلك "من يكون أحسنهم صوتاً وأطربهم نغمة"[4].

4 ـ  ولاحظ ابن بطوطة في رحلته أن المصريين في القرافة "يرتبون القرآن ،يقرءون القرآن ليلاً ونهاراً بالأصوات الحسان"[5].

5 ـ ونفس الشرط اشترطته حجج الوقوف للمؤذن والإمام في الصلاة :

5 / 1 : في وثيقة قراقجا الحسنى "يصرف لتسعة نفر من المؤذنين حسان الأصوات على أن يكونوا ثلاث جوق"[6].

5 / 2 : وفي حجة قايتباى "ويصرف لتسعة نفر رجالاً مؤذنين.. يكون كل منهم حسن الصوت وفي ليلة الجمعة ينشد أحسنهم صوتاً ما تيسر له من مدح النبى عند آذان الفجر "[7].

5 / 3 : وفي حجة برسباى"..فيصرف لستة مؤذنين حسنى الأصوات مبلغ ألف درهم.."[8].وفي حجة مغلطاى الجمالى"ويرتب معه قارئ ميعاد حسن الصوت من حملة الفقرا العشرة المذكورين .. ويرتب بها أيضاً مؤذنين حسنى الصوت عارفين بالمواقيت"[9].

5 / 4 : وكان المؤذنون ينشدون القصائد والمواعظ والسحريات والفجريات. وتكاد تجمع وثائق الوقف على اشتراط كون المؤذن حسن الصوت ( 10 )

6 ـ. وبعضهم كان أمرد مخنثا في عصر انتشر فيه الشذوذ الجنسى.وقد احتج على هذا الوضع الفقيه ابن الحاج يقول"ما أحدثوه من صعود الشبان على المنابر للآذان  ولهم أصوات حسنة  ونغمات تشبه الغناء "فيرفعون عقيرتهم بذلك ،فكل من له غرض خسيس يصدر منه في وقت سماعه مالا ينبغى ،وقد يكون ذلك سبباً إلى تعلق قلب من لا خير فيه بالشاب الذى يسمعونه ، ويترتب على ذلك من الفتن أشياء لا تنحصر"[11]. أى صار النداء الإسلامى للصلاة " الله أكبر" نداء للفتنة والشذوذ الجنسى.

7 ـ  واشتهر بعض المؤذنين في مجال الغناء والطرب .منهم نجم الدين الصوفي ت731 ، وكان رئيس المؤذنين بجامع الحاكم "وكان بارعاً في فنه له أوضاع عجيبة وآلات غريبة"[12]. وكان المازونى ت 862  "أحد الأفراد في إنشاد القصيد وعمل السماع،وكان من عجائب الدنيا في فنونه، كان صوته كاملاً.. مع شجاوة ونداوة وحلاوة،وكان رأساً في إنشاء القصيد على الضروب والممدود.. وكان له تسبيح هائل على المآذن.. وكان يشارك فى الموسيقى ويعظ في عقود الأنكحة"[13].    وكان البدر الفيشى ت879 "أمام المؤيدية " قد "أتقن القراءات،وازدحم العامة علي سماعه ،حصوصاً في ليالى رمضان"[14].وكان المحلاوى مؤذن السلطان الغورى"وكان حسن الصوت مطبوعاً في فنه"[15]..  ويقول ابن خلدون فى مقدمته (والظاهر تنزيه القرآن عن هذا كله..لأن القرآن محل الخشوع بذكر الموت وما بعده وليس مقام التذاذ بإدراك الحسن من الأصوات[16].. وفى العصر الحديث كتب توفيق الحكيم معترضا على التسابيح الملحقة بالأذان والتى تتغزل فى النبى محمد عليه السلام وتصفه بصفات انثوية ، كقولهم يا كحيل العينين يا أحمر الخدين .!!  

(1 )  المدخل جـ / 86 .

[2]حجة وقف برسباى نشر أحمد دراج ص3

[3]وثيقة قراقجا الحسنى . ص 210 . نشر عبداللطيف ابراهيم ، سطر 126 ، 131 . دوريات جامعة القاهرة

[4]وثيقة وقف الغورى : 43 ، 44 نشر عبداللطيف ابراهيم .

[5] رحلة ابن بطوطه جـ 1 / 21 .

[6]وثيقة قراقجا الحسنى . ص 208 سطر 114 .نشر عبداللطيف ابراهيم .  دوريات جامعة القاهرة .

[7] حجة قايتباى ص65 .

[8] حجة برسباى 2 .

[9]حجة مغلطاى الجمالى .

[10]محمد أمين : الأوقاف 234 ، عبداللطيف ابراهيم دوريات القاهرة 241 .

[11] المدخل جـ 2 / 67 .

[12]تاريخ ابن الوردى جـ 2 / 295 .

[13]النجوم الزاهرة جـ 16 / 192 : 193 .

[14]الضوء اللامع جـ 3 / 117 .

[15] تاريخ ابن اياس جـ 4 / 218 .

[16]مقدمة ابن خلدون 425 ، 426 .

 

 

 

الفصل العاشر : التواتر الشيطانى فى صلاة الجمعة فى لمحة تاريخية

 

مقدمة

يوم الجمعة أهم أيام الأسبوع عند العرب قبل نزول القرآن وبعد نزولة وبه ارتبطت صلاة الجمعة وعندما انفض بعض المؤمنين من حول الرسول وهو يخطب خطبة الجمعة ، نزل القرآن ليعاتبهم وليس ليشرع صلاة جديدة . ونبدأ بتتبع المكتوب فى الطبقات الكبرى لابن سعد عما كانوا يفعلونه فى صلاة الجمعة .

أولا : لمحات من الطبقات الكبرى لابن سعد

عن القدوم لصلاة الجمعة

يذكر ابن سعد أن " عسيب " مولى النبى محمد – أى خادمه – كان يقول : من كان منكم صحيحا يقدر على المشى إلى الجمعة فلا يدعها ، فإنها فريضة كفريضة الحج " ( ابن سعد 7 ، 42 ) ، وكان كبار الصحابة يحرصون على حضور صلاة الجمعة مبكرا وفى أخر جمعة شهدها الخليفة الأموى سليمان بن عبدالملك لبس ثيابا خضرا من حرير ونظر فى المرآة ، فقال : أنا والله الملك الشاب ، فخرج الى الصلاة ليصلى بالناس الجمعة ، فلم يرجع حتى أصابه المرض ومات (ابن سعد 5/247).

وقت صلاة الجمعة:

عبد الله السلمي صلى خلف النبي محمد الجمعة ، فكانت خطبة النبي وصلاة قبل نصف النهار وصلى خلف عمر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار وصلى خلف عثمان ، فكانت خطبته وصلاته قبل الزوال (ابن سعد 7/2/150) أى أن عثمان بن عفان – طبقا لهذه الرواية- بدأ بتأخير صلاة الجمعة ، وهو ما سار عليه أقاربه الأمويون فى دولتهم .

على اى حال فقد كان اهل الورع – او القرّاء فى مصطلح العصر الأول- يبكرون الى الصلاة الجمعة اذا طلعت الشمس (ابن سعد 5/135) وكان منهم ابن نوفل الهاشمى مغيره من قراء قريش.

هيئة صلاة الجمعة :

قيل عن الأخنف بن قيس زعيم بنى تميم انه كان يكره ان يتخطى رقاب الناس قبل خروج الامام يوم الجمعة (ابن سعد 7/67) ومعناه ان صفوف المصلين فى المسجد كانت تتكاثر فى وقت مبكر بحيث ان زعيم قبائل بني تميم لا يستطيع الوصول الى الصف الأول الذى يليق بمقامه الا اذا تخطى الصفوف ، وهو ما يكره ان يفعله.

والخليفة الورع عمرو بن عبد العزيز اشتهر باصطحاب عصا معه فى صلاة الجمعة ، حيث كان يخطب ويقوم الناس  "وكان اذا قعد للتشهد فى صلاة الجمعة وعرض تلك العصا على فخذه حتى يسلم" (ابن سعد 5/266) وكان اذا صلى الجمعة أمر بعض الحرس أن يقوموا على ابوب المسجد ، ولا يمر عليهم رجل قد صفف شعره الا جزوه له (ابن سعد 5/282) اى كان يعتبر تصفيف شهر الرجال مكروها.

 عن خطبة الجمعة :

1 ـ التزم عمار ابن ياسر بقراءة القرآن فى خطبة الجمعة ، قال ابن سعد أنه كان اذا خطب الجمعة قرأ سورة (ياسين) على المنبر . وقد كان عمار واليا على الكوفة فى خلافة عمر بن الخطاب (ابن سعد 3/1/182). ولأن الخطبة بمجرد قراءة لاحدى السور فقد كان وقت صلاة الجمعة قليلا ، وقد قال عمار بن ياسر "نهانا رسول الله ان نطيل الخطب فى الجمعة" (ابن سعد 6/149).

2 ـ وهناك رواية متكاملة عن عمر بن عبد العزيز فى خطبته للجمعة ، يقول ابن المهاجر : "رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب يوم الجمعة خطبتين ويجلس ويسكت فيها ثلاثة ، يخطب الأولى جالسا وبيده عصا وقد عرضها على فخذيه ، يزعمون انها عصا رسول الله ، فإذا فرغ من خطبته الأولى وسكت سكتة قام فخطب الثانية، يتوكأ عليها .. فإذا دخل فى الصلاة وضعها الى جانبه " (ابن سعد 5/266) وواضح هنا التركيز على العصا ، ولكن نفهم انه كان يخطب خطبتين قبل الصلاة.

الانصات للخطيب

1 ـ ومن الواجب شرعا الانصات للخطبة طالما انها مجرد قراءة لأحدى سور القرآن . فالله تعالى يقول "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿٢٠٤﴾  الاعراف )، ولكن عندما تحولت الخطبة الى دعاية سياسية او منشور سياسي لخدمة الحاكم الأموي وغيره كان لابد من تشاغل بعض الناس عن سماع ما يكرهون ، وهكذا كانت همسات التبرم وعبارات الاحتجاج تنتشر. لذا روى ابن سعد ان عبد الرحمن بن ابي ليلى قال لبعضهم : اسكت فى الجمعة ،  يعني والامام يخطب (تاريخ ابن سعد 6/75) . وفيما بعد صنعوا حديثا يقول "اذا قلت لصاحبك والامام يخطب يوم الجمعة انصت فقد لغوت " وقالوا : " ومن لغا فلا جمعة له " يعني لابد من الانتباه والانصات للمنشور السياسي الذى يقوله خطيب الحكومة، والا فلا جمعة له . وهذا إلزام بالاستماع والانصات الى المنشور السياسى فيما يسمى بخطبة الجمعة . 

ثانيا : تمام السيطرة على صلاة الجمعة من العصر العباسى

1 ـ لم يقتصر هذا على الشأن السياسى فقط بل خضعت صلاة الجمعة لمزاج الخليفة وأهوائه حتى إرادة التلاعب والمجون. الخليفة المأمون العباسى المشهور بعقليته المتفتّحة وثقافته وزعمه أنه حليم أراد ان يتسلى بصديقه المؤرخ الواقدي ، وكان محمد بن سعد يعمل كاتبا للواقدى .. صمم المأمون على ان يؤم الواقدي الناس فى الجمعة وأن يخطب فيهم ، وصمم الواقدي على الرفض لأنه لا يحفظ سورة الجمعة ، وكان من العادة قراءتها فى الصلاة .. فحاولوا معه ان يحفظ سورة الجمعة فما استطاع حفظها (المنتظم 10/171).

2 ـ وفى العصر العباسي المتأخر اشتهر احمد بن محمد حفيد الخليفة العباسي المهتدي بالله بأنه خطيب فى أكبر جامع فى بغداد وهو جامع المنصور . وقد ظل يخطب فيه خطبة واحدة لا يغيرها من سنة 386 الى ان مات سنة 418 . الظريف انها خطبة واحدة لا تتغير ، ولكن كان الناس اذا سمعوها يضجون بالبكاء ويخشعون لصوته (المنتظم 15 /185).

3 ـ ولخضوعها للسياسة فقد صارت خطبة الجمعة وظيفة ، وصارت كتابة خطب الجمعة من أبواب الارتزاق، وبعضهم كان يكتب خطبة الجمعة لنفسه او لغيره ، ومنهم المسند الصايغ المقري (636- 725) وبعد الانتهاء من صلاة الجمعة كان بعضهم يستمر فى الصلاة الى ان يحل وقت العصر وكان منهم ابو بكر بن عباس (6 /269) الذى كان يصلي يوم الجمعة من حين يسلم الامام الى العصر وكان كذلك اربعين عاما.

4 ـ وفى العصر العباسى الثانى تحولت المساجد فى العراق الى مراكز ايدلوجية من السنة الى التشيع ، وكان لها دور فى الاقتتال الطائفى بينهما. وحاليا عادت المساجد الى نفس الدور ، بل أصبحت مراكز حربية ومستهدفة من الخصم ، يتم تفجيرها . أى ليس فقط تمجيد وتقديس السلطان فى خطبة الجمعة ، وليس فقط رواية أكاذيب ( أحاديث ) مفتراة تنشر الإفك على أنه إسلام تُضل الناس ، بل أيضا مشاركة قائدة ورائدة فى الاقتتال وسفك الدماء ، ينتج عنها تفجيرات يقع ضحايا أبرياء .

ثالثا : الاستخدام السياسى لصلاة الجمعة

    1  :  أصبحت وظيفة المسجد خدمة السلطان القائم ، فالوليد بن عبد الملك أسّس ( المسجد الأموى ) وعمرو بن العاص أسّس فى الفسطاط مسجده ، وحين دخلت مصر فى حكم بنى العباس اسسوا مدينة العسكر ومسجدها ، وحين تولى احمد بن طولون مصر وخطّط للإستقلال بها اسس مدينة القطائع ومسجدها ( مسجد أحمد بن طولون ) ، وأسس الفاطميون جامع الأزهر ثم جامع الحاكم وجامع راشدة ، والظاهر بيبرس الذى قام بتوطيد حكم المماليك أسس جامع ( الظاهر بيبرس ) وكان السلاطين والأمراء المماليك مغرمين بإنشاء المساجد والمؤسسات الدينية الصوفية لأغراض سياسية وغيرها ، وحتى عندما إنفرد ( محمد على ) بحكم مصر أسس جامع ( محمد على ).

2 ـ أهمية المسجد هنا بسبب صلاة الجمعة التى أصبحت خطبة الجمعة فيها مناسبة اسبوعية لتجديد الولاء للخليفة أو السلطان القائم. واصبح من المتواتر أن يقال عن الخليفة أو السلطان انه (خُطب له فى بلاد كذا وكذا ) أى خطبوا الجمعة له وبإسمه أى خضعوا له ودخلوا تحت حكمه . وأصبح من المعالم السياسية فى العصور الوسطى مدح وتبجيل خطبة الجمعة للسلطان القائم كنوع من البيعة الاسبوعية له. وهذا خبر طريف يرويه المقريزى فى ( الخطط ) أن ابن طولون أنشأ مسجده المشهور مع إنشائه عاصمته (القطائع ) بجوار الفسطاط والعسكر . وحدث فى خطبة الجمعة أن الخطيب أبا يعقوب البلخى دعا فى خطبته للخليفة العباسى المعتمد وابنه ونسى أن يدعو لابن طولون ، ونزل من على المنبر ، فأشار ابن طولون الى قائده نسيم أن يضرب الخطيب خمسمائة سوط ، ولكن تذكر الخطيب سهوه فعاد الى المنبر وقال ( الحمد لله وصلى الله على محمد : " ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما "، اللهم وأصلح الأمير أبا العباس أحمد بن طولون ..وزاد فى الشكر والدعاء له بقدر الخطبة ..فنظر ابن طولون الى نسيم وقال : اجهلها له دنانير ". وأصبح قطع الدعاء لحكم ما دليلا على الثورة عليه والتمرد على سلطته ، فطالما يبجلونه فى خطبة الجمعة فهم له خاضعون . وبتوالى القرون على هذا التقليد ساد فى العصر المملوكى التشاؤم من مجىء عيد الفطر أو عيد الأضحى يوم جمعة ، لأن هذا يعنى وجود خطبتين فى يوم واحد ، إحداهما فى صلاة العيد والأخرى فى صلاة الجمعة مما تكون نذير شؤم على السلطان تشير الى قرب عزله ومجىء سلطان آخر. لذا كان يحدث كثيرا عدم اعتراف فقهاء السلطان بهلال شوال أو هلال ذى الحجة لو أدى ذلك الى مجىء العيد فى يوم جمعة .

2 ـ وتألق الاستخدام السياسى لصلاة الجمعة فى العصر الفاطمى . ربما تختلف الدولة الفاطمية عن غيرها من الدول في ارتباط ضعفها وقوتها بالعقيدة الشيعية التي قامت على أساسها الدولة , فالعقيدة الشيعية الإسماعيلية تبتعد بالإمام أوالخليفة الفاطمي عن صفات البشر بقدر ما تقترب من صفات الإله. والخليفة الفاطمي يطالب رعاياه بأكثر مما يطالبهم به الحاكم العادي، فالمستبد العادي لا يطلب من رعاياه أكثر من السمع والطاعة أما الخليفة الفاطمي فيطالب مع الولاء أن يعتبره الناس إماما معصوما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وذلك مجرد مظهر من مظاهر الإمام الشيعي في العقيدة الإسماعيلية ومطلوب من الرعية أن تؤمن بهذا, ولتحقيق هذا الهدف كانت للدولة الفاطمية مؤسساتها العلنية في نشر الدعوة الشيعية كالأزهر وجهاز للدعاية الشيعية يقوم على رأسه (داعي الدعاة) يعاونه جيش من الدعاة العلنيين والسريين موزعين توزيعا دقيقا في داخل الدولة الفاطمية وخارجها وسبل الاتصال بينهم مستمرة ومستقرة . وقد تحدث (المقريزى) عن وظيفة (داعي الدعاة ) في الدولة الفاطمية في كتابه الخطط فذكر أسلوب الداعية في التأثير على الناس من خلال تدرج يصل بهم إلى اعتناق الدعوة وتأليه الخليفة الفاطمى . إلا إن الدولة الفاطمية حين ضعفت وانفض عنها الكثير من المصريين بسبب الكوارث الاقتصادية وضعف الخلفاء أمام الوزراء – لجأت الدولة إلى التلاعب بأهواء المصريين فجددت مقبرة السيدة نفيسة ، بل وأقامت ضريحا للإمام الشافعي وهو يخالفهم في المذهب والعقيدة – ولكن تقربا منهم للمصريين وهم محبون للشافعي متبعون لمذهبه،و قد سبق أنهم اشترطوا على جوهر الصقلي ضرورة احترامه للمذهب السني الشافعي . وقد وقع على عبء (الأفضل) ـ الوزير الفاطمي القوى المسيطر على الخلافة الفاطمية ـ مهمة بعث الحياة في الدولة الفاطمية الضعيفة أمام الخطر الصليبي القادم من الشرق مع خطر الأتراك السلاجقة السنيين المتحكمين فى الدولة العباسية ، وكان السلاجقة معروفين بتعصبهم للسنة وكراهيتهم للتشيع ، هذا مع اهتزاز ثقة المصريين في الخلافة الفاطمية بعد المجاعة أو الشدة العظمي التي واجهتها مصر في عهد المستنصر. كان الوزير الأفضل يواجه كل هذه التحديات فى الداخل و الخارج ، وبعضها عسكرى ، والآخر دعوي واقتصادى. وكان لا بد من حل ينقذ به الدولة والخلافة الفاطمية الآيلة للسقوط.وإثناء خروج الأفضل من الشام عثر على قبر منسوب للحسين في عسقلان تنتشر إشاعات تقول أن فيه رأس الحسين ، مع إنه لا علاقة مطلقا بين رأس الحسين وعسقلان ، ولكنها أوحت للوزير الفاطمى الأفضل بفكرة إقامة ضريح للحسين أو(رأس الحسين ) فى مصر تكون ( أفضل) فرصة لاستمالة المصريين. وإذا كان أبوه (بدر الجمالي) قد أقام مقبرة السيدة نفيسة فليكن الأفضل منشئ قبر الحسين في القاهرة .وهكذا عاد الأفضل من عسقلان تسبقه الدعاية الفاطمية بالعثور على رأس الحسين ، وتتواتر الدعاية بالكرامات التي أحاطت بالرأس ، ثم حولوا مشهد الحسين إلى نصب مقدس تنحر عليه الذبائح بمثل ما كان الجاهليون يفعلون ،  يقول المقريزي عن طقوسهم عنده ( فكان كل من يدخل الخدمة يقبل الأرض أمام القبر , وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم ويكثرون النوح والبكاء ويسبون من قتل الحسين , ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم).  وزالت الدولة الفاطمية وبقي ضريح الحسين حتى اليوم دليلا على عمق التأثر بالبدع التي أدخلتها تلك الدولة في عقائد المصريين ، واستخدمت فيها المساجد الضرار ، وهى كثيرة ، ولكن أهمها االجامع الأزهر ومسجد الحسين، وهما معا محور الحياة الدينية للمصريين . فالجامع الأزهرهذا الجامع أول مسجد أسس بالقاهرة ، انشأه جوهر الصقلي خادم المعز لدين الله لما اختط القاهرة وشرع في بناء هذا الجامع في يوم السبت لست بقين من جمادى الأولى سنة 359 وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان سنة 361 ،وأول جمعة جمعت فيه في شهر رمضان فى نفس العام . وعينت الدولة الفاطمية فيه 35 من الفقهاء وأجرت عليهم المرتبات وأوقفت عليهم الأوقاف . كل ذلك لنشر الدعوة الشيعية بين المصريين .

3 ـ وقضى صلاح الدين الأيوبى على الدولة الفاطمية ، وحاول ما أمكنه مطاردة الدين الشيعى ، وبنفس الطريقة ، فقطع الخطبة من الجامع الأزهر، وظل الأزهر معطلًا من إقامة الجمعة فيه مائة عام الى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهربيبرس فى العصر المملوكى. وبديلا عن الأزهر جعل صلاح الدين الأيوبى من الخانكاه الصلاحية دار سعيد السعداء مركزا للدعوة السنية ، واستقدم لها صوفية وجعل لهم أوقافا ومرتبات عام 569 ، ورتب للصوفية في كلّ يوم طعامًا ولحمًا وخبزًا وبنى لهم حمّامًا بجوارهم فكانت أوّل خانكاه عُملت بديار مصر‏.‏وجعل لهم موكبا لاجتذاب المصريين ، يقول ابن على القصّار‏:‏ ( أنه أدرك الناس فييوم الجمعة يأتون من مصر إلى القاهرة ليشاهدوا صوفية خانقاه سعيد السعداء عندما يتوجهون منها إلى صلاة الجمعة بالجامع الحاكميّ ، كي تحصل لهم البركة والخير بمشاهدتهم ، وكان لهم في يوم الجمعة هيئة فاضلة ؛ وذلك أنه يخرج شيخ الخانقاه منها وبين يديه خدّام الربعة الشريفة ( المصاحف ) قد حملت على رأس أكبرهم ، والصوفية مُشاة بسكون وخفر( أى حياء ) ..ويستطرد فى شرح طقوسهم بما يدل على ترتيب سياسى دعائى لاحلال التصوف السّنى مكان الدعوة الشيعية فى مصر. ونجح هذا الترتيب ، خصوصا مع سيطرة التصوف على مصر وغيرها مع العصرين المملوكى والعثمانى..

4 ـ وورث الايوبيون ملكية صلاة الجمعة للسلطان الأيوبى . يروى المقريزى فى الخطط : ( وكانت العادة أن لا يحضر كتاب الإنشاء الديوان يوم الجمعة فعُرض للملك الصالح في بعض أيام الجمع شغل مهم فطلب بعض الموقعين فلم يجد أحدًا منهم فقيل له أنهم لا يحضرون يوم الجمعة فقال‏:‏ استخدموا في الديوان كاتبًا نصرانيًا يقعد يوم الجمعة لمهم يطرأ فاستخدم الأمجد بن العسال كاتب الدرج لهذا المعنى‏. ). والمعنى أن حضورهم صلاة الجمعة يعنى خضوعهم للسلطان ، أى وظيفة رسمية . 

5 ـ وورث المماليك عن الأيوبيين رعاية التصوف السّنى بديلا للتشيع بل ومطاردة التشيع أو مذهب الرافضة كما كان يقال ـ ولا يزال.  وأدخل دين التصوف شعائر جديدة ومصطلحات دينية جديدة وأسماء جديدة لبيوت العبادة مثل الخوانق والرباط والزاوية والضريح والتربة والمدرسة . وتكاثرت تلك المؤسسات منها ما يقيمه السلاطين والأمراء والعيان ، ومنها ماينشئه الصوفية أنفسهم وخصوصا القادمين منهم الى مصر ، واشتركت جميعها فى كونها دورا يقيم فيها الصوفية وطلاب العلم وتوقف عليها الأوقاف وتصرف على العاملين والمقيمين فيها المرتبات ، وينشغلون فيها ظاهريا بالصلاة والعبادة والدعاء للسلطان أو الأمير او غيره صاحب المؤسسة والذى ينفق عليها ويعطىهم المرتبات والجراية من خبز ولحم وكسوة .. وفى الحقيقة كانت تلك المؤسسات مساجد ضرار من نوعية فريدة ، لا يكتفى القائمون فيها بأكل السّحت من الظالمين الذين ينشئون تلك البيوت الدينية من المال الحرام بل اشتهر العاكفون فى تلك المؤسسات بادمان اللواط. والتفاصيل فى موسوعة التصوف المنشورة هنا . ولكن نكتفى بذكر مثلين ذكرهما المقريزى فى الخطط . الأول عن إقامة تلك المؤسسات بالظلم والمال الحرام ، والآخر عن الانحلال الخلقى فى تلك المؤسسات الدينية . يقول المقريزى عن مسجد  الذخيرة تحت قلعة الجبل بأوّل الرميلة تجاه شبابيك مدرسة السلطان حسن ، أنشأه ابن الصيرفى عام 516 ، يقول المقريزى (واستخدم فى إنشائه العسف والسخرة حتى أطلق الناس على هذا المسجد ( مسجد لا بالله ) لأنه كان يقبض الناس من الطريق ويعسفهم فيحلفونه ويقولون له لا باللِّه ، فيقيدهم ويستعملهم فيه بغير أجرة ، ولم يعمل فيه منذ أنشأه إلاّ صانع مكره أو فاعل مقيد وكُتبت عليه هذه الأبيات المشهورة‏:‏

بنى مسجدًاللّه من غيرِحلِهِ          وكانَ بحمدِ اللَّهِ غيرَموفقِ‏.‏

كَمُطعِمَةِ الأيتام مِن كدِّ فرجِها لكِ الويلُ لا تزني ولاتتصدّقي‏.‏ )

أما عن الانحلال الخلقى داخل هذه المؤسسات فنقرأ شهادة المقريزى فى الخطط عن صوفية عصره، وننقلها بالنّص والحرف مع الاعتذار للقارىء الكريم. يقول المقريزى  :( ذهب والله ما هنالك ، وصارت الصوفية‏ كما قال الشيخ فتح الدين محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري‏:‏

ماشروطُ الصوفي في عصرنا اليو مَ سوى ستة بغيرِ زيادَهْ‏.‏

وهي نيكُ العلوقُ والسُكرِ والسطلةِ والرقصِ والغنا والقيادهْ‏.‏

وإذا ما هذى وأبدى اتحادًا        وحلولًا من جهلِهِ أو إعادهْ‏.‏

وأتى المنكراتِ عقلًا وشرعًا فهو شيخُ الشيوخُ ذو السجَّادَهْ‏.‏

ثم تلاشى الآن حال الصوفية ومشايخها حتى صاروا من سقط المتاع لاينسبون إلى علم ولا ديانة وإلى الله المشتكى‏.).

 

 

الفصل الحادى عشر : صلاة الجمعة فى مصر العصور الوسطى   ( 1)  

 

مقدمة :

فى كتابه ( الخطط ) عقد المقريزى فصلا عن المساجد فى القاهرة ومصر، أو ما يعنى الآن ( القاهرة الكبرى )  إعتمد فيه على تاريخ ( المسبحى ت 420 ) وابن الطوير ت 617 ، والقضاعى ت 454 ، تتبع فيها اشهر المساجد والأنشطة الدعوية والدينية والتعليمية فيها والأوقاف أو ( الأحباس ) التى يأتى منها الدخل للإنفاق على هذه المساجد ، ومنها مرتب خطيب الجمعة . ونبدأ بلمحة عن أهم المساجد الجامعة أو الجوامع التى كانت تُقام فيها صلاة الجمعة وخطبتها ، ثم لمحة عن طقوس صلاة الجمعة والتى تم توظيفها لتقديس السلطان الدولة الفاطمية ذات الشهرة بالمواكب والاحتفالات ، والتى أصبحت فيها صلاة الجمعة حفل تكريم وتقديس للخليفة الفاطمي . وهذا التواتر الشيطانى لا يزال دينا نراه فى صلاة الجمعة بمصر وغيرها بدرجات مختلفة.

أولا : لمحة عن أشهر الجوامع التى تقام فيها صلاة الجمعة :

1 ـ يقول المقريزى عن جامع عمرو بن العاص (الجامع العتيق ) فى الفسطاط : ( فأما المسجد الجامع العتيق بمصر فكان يلي إمامته في الصلوات الخمس والخطابة فيه يوم الجمعة والصلاة بالناس صلاة الجمعة أمير البلد فتارة يُجمع للأمير بين الصلاة والخراج وتارة يُفرد الخراج عن الأمير فيكون الأمير إليه أمر الصلاة بالناس والحرب والآخر أمر الخراج وهو دون مرتبة أمير الصلاة والحرب . ) أى يتولى الإمامة والخطبة فى صلاة الجمعة والى الصلاة كما سبق بيانه. فإذا غاب حل محله قائد الشرطة : ( وكان الأمير يستخلف عنه في الصلاة صاحب الشرطة إذا شغله أمر ) . بعدها مع خفوت هيبة جامع عمرو بن العاص صار كما يقول المقريزى : ( يصلى بالناس رجل يرزق من بيت المال وكذلك المؤذنون ونحوهم ) . أما فى مساجد الأرياف فقد سيطر عليها فقهاء الأرياف بما يتمتعون به من جهل، قال المقريزى: ( وأكثرها بأيدي أناس من فقهاء الأرياف لا يدرون الفقه يسمون أنفسهم الخطباء ولا يعرفون كيف يخطبون ولا يقرؤن القرآن).

‏ ‏2 ـ إنتقلت الشهرة الى مساجد أخرى ، مسجد العسكر العباسى ثم مسجد أحمد بن طولون ومساجد أخرى منها (جامع محمود بالقرافة ، هذا المسجد قديم والخطبة فيه متجدّدة. وينسب لمحمود بن سالم بن مالك الطويل من أجناد السريّ بن الحكم أمير مصر بعد سنة مائتين من الهجرة‏.) إشتهر هذا المسجد بسبب ما قيل عن مؤسسه محمود: ( ‏ المسجد المعروف بمحمود ، يُقال أن محمودًا هذا كان رجلًا جنديًا من جند السريّ بن الحكم أمير مصر وأنه هو الذي بنى هذا المسجد. وذلك أنّ السريّ بن الحكم ركب يومًا فعارضه رجل في طريقه فكلمه ووعظه بما غاظه، فالتفت عن يمينه، فرأى محمودًا فأمره بضرب عنق الرجل ففعل‏. فلما رجع محمود إلى منزله تفكر وندم وقال‏:‏ رجل يتكلم بموعظة بحق فيقتل بيدي وأنا طائع غير مكره على ذلك فهلا امتنعت.!  وكثر أسفه وبكاؤه وآلى على نفسه أن يخرج من الجندية ولا يعود فيها ، ولم ينم ليلته من الغمّ والندم. فلما أصبح غدا إلى السريّ فقال له‏:‏ " إني لم أنم في هذه الليلة على قتل الرجل وأنا أشهد الله عز وجلّ وأشهدك أني لا أعود في الجندية فأسقط اسمي منهم وإن أردت نعمتي فهي بين يديك. "ـ  وخرج من بين يديه وحسنت توبته وأقبل على العبادة واتخذ المسجد المعروف بمسجد محمود وأقام فيه‏.)

3 ـ وأقام صلاح الدين الأيوبى جامعا بجوار تربة الشافعيّ بالقرافة . ثم أصبحت فيه مدرسة وتمت توسعته فى عهد الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، ( ونصب به منبرًا وخطب فيه وصليت الجمعة به في سنة سبع وستمائة‏.)‏

‏4 ـ وهناك : (‏ المسجد الجامع المشهور بسفح المقطم . هذا الجامع من مساجد الخطبة ) أى تقام فيه خطبة الجمعة . ( وهو بسفح الجبل المقطم بالقرافة الصغرى . وأوّل من خطب فيه السيد الشريف شهاب الدين الحسين بن محمد قاضي العسكر والمدرّس بالمدرسة الناصرية الصلاحية بجوار جامع عمرو . وتوفي في شوّال سنة خمس وخمسين وستمائة وكان أيضًا نقيب الأشراف‏.)

5 ـ الجامع الأزهر : قال عنه المقريزى : ( هذا الجامع أول مسجد أسس بالقاهرة ، والذي أنشأه القائد جوهر الكاتب الصقلي مولى الإمام أبي تميم معد الخليفة أمير المؤمنين المعز لدين الله لما اختط القاهرة . وشرع في بناء هذا الجامع في يوم السبت لست بقين من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة،  وكمل بناؤه لتسع خلون من شهر رمضان سنة إحدى وستين وثلاثمائة.. وأول جمعة جمعت فيه في شهر رمضان لسبع خلون منه سنة إحدى وستين وثلاثمائة‏.) وعيّن الخليفة الفاطمى العزيز بالله لهذا الجامع جماعة من الفقهاء وأجرى عليهم الأرزاق ، وبنى لهم بيوتا بجوار الجامع الأزهر : ( فإذا كان يوم الجمعة حضروا إلى الجامع ، وتحلقوا فيه بعد الصلاة إلى أن تصلى العصر ... وكانت عدتهم خمسة وثلاثين رجلًا .... وانقطعت الخطبة من الأزهر لما استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بالسلطنة ...فلم يزل الجامع الأزهر معطلًا من إقامة الجمعة فيه مائة عام من حين استولى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى أن أعيدت الخطبة في أيام الملك الظاهر بيبرس .) قام السلطان الملوكى الظاهر بيبرس بتجديد الجامع الأزهر : ( ..  ثم أنه جدد في أيام الملك الظاهر بيبرس..  لما كانت يوم الجمعة الثامن عشر من ربيع الأول سنة خمس وستين وستمائة أقيمت الجمعة بالجامع الأزهر بالقاهرة... ولما تكمل تجديده تحدث في إقامة جمعة فيه فنودي في المدينة بذلك واستخدم له الفقيه زين الدين خطيبًا وأقيمت الجمعة فيه في اليوم المذكور،  وحضر الأتابك فارس الدين والصاحب بها الدين علي بن حنا وولده الصاحب فخر الدين محمد وجماعة من الأمراء والكبراء وأصناف العالم على اختلافهم وكان يوم جمعة مشهودًا. ولما فرغ من الجمعة جلس الأمير عز الدين الحلي والأتابك والصاحب وقرئ القرآن ودعى للسلطان . .. وأقيمت صلاة الجمعة به واستمرت،  ووجد الناس به رفقًا وراحة لقربه من الحارات البعيدة من الجامع الحاكمي‏. )

 ‏6 ـ جامع الحاكم : قال عنه :( هذا الجامع بني خارج باب الفتوح أحد أبواب القاهرة ، وأول من أسسه أمير المؤمنين العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد ، وخطب فيه وصلى بالناس الجمعة . ثم أكمله ابنه الحاكم بأمر الله ..ويقال له الجامع الأنور‏. وقال في حوادث سنة ثلاث وتسعين و ثلاثمائة : وأمر الحاكم بأمر الله أن يتم بناء الجامع الذي كان الوزير يعقوب بن كلس بدأ في بنيانه عند باب الفتوح ، وعلق على سائر أبوابه ستور ديبقية عملت له وعلق فيه تنانير فضة عدتها أرببع و كثير من قناديل فضة وفرش جميعة بالحصر التي عملت له ونصب فيه المنبر وتكامل فرشه وتعليقه وأذن في ليلة الجمعة سادس شهر رمضان سنة ثلاث وأربعمائة لمن بات في الجامع الأزهر أن يمضوا إليه فمضوا وصار الناس ليلتهم يمشون من كل واحد من الجامعين إلى الآخر بغير مانع لهم ولا اعتراض من أحد من عسس القصر ولا أصحاب الطوف إلى الصبح وصلى فيه الحاكم بأمر الله بالناس صلاة الجمعة وهي أول صلاة أقيمت فيه بعد فراغه‏.)‏

7 ـ جامع راشدة : بدأ بناؤه عام 393 فى خلافة الحاكم بأمر الله الفاطمى : ( وابتدئ بناء جامع راشدة في سابع عشر ربيع الآخر ، وكان مكانه كنيسة حولها مقابر لليهود والنصارى ، فبني بالطوب ثم هدم وزيد فيه وبنى بالحجر . وأقيمت به الجمعة .. و في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة وفيه يعني شهر رمضان فرش جامع راشدة وتكامل فرشه وتعليق قناديله وما يحتاج إليه،  وركب الحاكم بأمر الله عشية يوم الجمعة الخامس عشر منه وأشرف عليه‏. وفى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة وفيه يعني شهر رمضان صلى الحاكم بجامعه الذي أنشأه براشدة صلاة الجمعة وخطب‏. ) (وفي شهر رمضان سنة ثلاث وأربعمائة صلى الحاكم في جامع راشدة صلاة الجمعة وعليه عمامة بغير جوهر وسيف محلى بفضة بيضاء دقيقة ، والناس يمشون بركابه من غير أن يمنع أحد منه ، وكان يأخذ قصصهم ( شكاويهم )  ويقف وقوفًا طويلًا لكل منهم . ) 

8 ـ جامع عين بالروضة. (غين ) احد قادة الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله ، وأشهر ضحاياه ، قاسى منه بلاء لا يوصف . يقول عنه المقريزى : (غين أحد خدّام الخليفة الحاكم بأمر اللّه، خلع عليه في تاسع ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة، وقلده سيفًا وأعطاه سجلًا قرىء فإذا فيه أنه لقب بقائد القوّاد ، وأمر أن يُكتب بذلك ويُكاتب به ، وركب وبين يديه عشرة أفراس بسروجها ولجمها . وفي ذي القعدة من السنة المذكورة أنفذ إليه الحاكم خمسة آلف دينار وخمسة وعشرين فرسًا بسروجها ولجمها ، وقلده الشرطتين والحسبة بالقاهرة ومصر والجيزة والنظر في أمور الجميع وأموالهم وأحوالهم كلها، وكتب له سجلًا بذلك قرىء بالجامع العتيق ، فنزل إلى الجامع ومعه سائر العسكر والخلع عليه ، وحُمل على فرسين ، وكان في سجله مراعاة أمر النبيذ وغيره من المسكرات وتتبُع ذلك والتشديد فيه وفي المنع من عمل الفقاع وبيعه ومن كل الملوخيا والسمك الذي لا قشر له والمنع من الملاهي كلها والتقدّم بمنع النساء من حضور الجنائز والمنع من بيع العسل وأن لا يتجاوز في بيعه أكثر من ثلاثة أرطال لمن لا يسبق إليه ظنه أن يتخذ منه مسكرًا فاستمرّ ذلك إلى غرّة صفر سنة أربع وأربعمائة فصُرف عن الشرطتين والحسبة بمظفر الصقليّ‏. فلما كان يوم الإثنين ثامن عشر ربيع الآخر منها أمر بقطع يدي كاتبه أبي القاسم عليّ بن أحمد الجرجانيّ فقطعتا جميعًا، وذلك أنه كان يكتب عند السيدة الشريفة أخت الحاكم فانتقل من خدمتها إلى خدمة غين خوفًا على نفسه من خدمتها ، فسخطت لذلك فبعث إليها يستعطفها ويذكر في رقعته شيئًا وقفت عليه فارتابت منه ، فظنت أن ذلك حيلة عليها ، وأنفذت الرقعة في طيّ رقعتها إلى الحاكم ، فلما وقف عليها اشتدّ غضبه وأمر بقطع يديه جميعًا ، فقطعتا... ثم بعد قطع يديه بخمسة عشر يومًا في ثالث جمادى الأولى قطعت يد غين الأخرى،  وكان قد أمر بقطع يده قبل ذلك بثلاث سنين وشهر ، فصار مقطوع اليدين معًا . ولما قطعت يده حملت في طبق إلى الحاكم فبعث إليه بالأطباء ووصله بألوف من الذهب وعدّة من أسفاط ثياب وعاده جميع أهل الدولة. فلما كان ثالث عشره أمر بقطع لسانه فقطع وحمل إلى الحاكم فسيّر إليه الأطباء ومات بعد ذلك‏.  ) . نعيد التذكير بهذه المآسى لنعرف طبيعة الحكم الذى يؤسس المساجد الشيطانية وبصلاة شيطانية. ونعود الى مسجد المسكين (غين ) . فى مسجد غين كانت فيه الخطبة الى ان اقام الحاكم جامع المقياس : ( ولم تزل الخطبة قائمة فيه إلى أن عمر جامع المقياس فبطلت الخطبة منه ولم تزل الخطبة بطالة منه إلى الدولة الظاهرية. ) أى تم تجديده فى عصر الظاهر بيبرس ، ,اصبحت فيه خطبة الجمعة بالاضافة الى مثيلتها فى جامع القلعة : (   ورسم بإقامة الخطبة فيه مع بقاء الخطبة بجامع القلعة..فأقيمت الخطبة به في سنة ستين وستمائة ، وولي خطابته أقضى القضاة جمال الدين بن الغفاريّ..)   

9 ـ جامع المقس: (  هذا الجامع أنشأه الحاكم بأمر الله على شاطئ النيل بالمقس ) أى مقياس النيل . وكان الى جانبه ( منظرة ) أى حديقة لاستمتاع الخليفة ويشاهد منها الاسطول فى النيل . ثم أنشأ صلاح الدين الأيوبى برجا حربيا ( قلعة المقس ) ضمن سور القاهرة ، مكان منظرة الخلفاء الفاطميين . يقول المقريزى :   ( فلما أمر السلطان صلاح الدين بإدارة السور على مصر والقاهرة تولى ذلك بهاء الدين قراقوش وجعل نهايته التي تلي القاهرة عند المقس وبنى فيه برجًا يشرف على النيل وبنى مسجده جامعًا واتصلت العمارة منه إلى البلد وصار تقام فيه الجمع والجماعات‏. ) وتم تجديد جامع المقس عام 770 فى العصر المملوكى : يقول المقريزى : ( جدد بناء هذا الجامع الوزير الصاحب شمس الدين عبد الله المقسي ،... وجعل عليه أوقافًا لمدرس وخطيب وقومة ومؤذنين وغير ذلك‏.  ) 

10 ـ ونختم بهذا الخبر الطريف : ( وقال جامع السيرة الصلاحية‏:‏ وهذا المقسم على شاطئ النيل يزار وهناك مسجد يتبرك به الأبرار وهو المكان الذي قسمت فيه الغنيمة عند استيلاء الصحابة رضي الله عنهم على مصر ). أى فى المكان الذى كان فيه الصحابة يوزعون المسروقات والمال السُّح والسلب والنهب أقيم عليه مسجد وصار مسجدا مباركا. هذا فى الدين الشيطانى وتواتره وصلاته.

ثانيا :  طقوس صلاة الجمعة الفاطمية (2 )

تحت عنوان : (هيئة صلاة الجمعة في أيام الخلفاء الفاطميين‏) أورد المقريزى معلومات ننقل منها :

1 ـ أسّس الخليفة العزيز بالله جامع الحاكم ، وفى أول خطبة فيه جلب اليه الفقهاء المعينين فى الجامع الأزهر، وسار للجامع الجديد فى موكب : ( وركب لصلاة الجمعة في رمضان سنة ثمانين وثلاثمائة إلى جامعه ، ومعه ابنه منصور ، فجعلت المظلة على منصور ، وسار العزيز بغير مظلة‏.). وكان فى موكبه خمسة آلاف شخص : ( وفي يوم الجمعة غرة رمضان سنة ثمانين وثلاثمائة ركب العزيز بالله إلى جامع القاهرة بالمظلة المذهبة ، وبين يديه نحو خمسة آلاف ماش ، وبيده القضيب وعليه الطيلسان والسيف‏. فخطب وصلى صلاة الجمعة وانصرف ، فأخذ رقاع المتظلمين بيده وقرأ منها عدة في الطريق. وكان يومًا عظيمًا ذكرته الشعراء‏.)  وفى العام التالى كانت حول موكبه مظاهرة من ثلاثة آلاف : ( وخطب فيه  سنة إحدى وثمانين و ثلاثمائة لأربع خلون من شهر رمضان ..وكان في مسيرة بين يديه أكثر من ثلاثة آلاف وعليه طيسان وبيده القضب وفي رجله الحذاء.. )  .

هل كان النبى محمد عليه السلام يسير الى صلاة الجمعة فى موكب ؟ وهل كانوا يلتزمون بالبقاء معه حتى إنتهاء الصلاة ؟ وهل يجرؤون على ترك الخليفة وهو يخطب كما فعلوا مع النبى محمد عليه السلام ؟ . هنا ملمح من الفوارق بين صلاة الجمعة الاسلامية وصلاة الجمعة الشيطانية .

2 ـ المؤرخ إبن الطوير ( عبد السلام القيسرانى ) عاش فى العصر الفاطمي وأدرك العصر الأيوبى ومات عام 617 وقد جاوز 92 عاما ، وله فى تاريخ الدولتين كتاب (نزهة المقلتين فى اخبار الدولتين ) ، وقد ذكر طقوس صلاة الجمعة الفاطمية من واقع المشاهدة والمعاينة والمعاصرة . وقد نقل عنه المؤرخ المسبحى الذى كان من قواد الخليفة الحاكم الفاطمى ، وكتب عدة مؤلفات منها التاريخ الكبير الذى قام المقريزى بتلخيصه فى كتاب (إتّعاظ الحنفاء ) . ، ونقل المقريزى عنهما فيما أسماه (هيئة صلاة الجمعة في أيام الخلفاء الفاطميين ‏).

3 ـ قال المقريزى :

3 / 1 :  (  قال المسبحي‏:‏ قال ابن الطوير‏:‏ إذا انقضى ركوب أول شهر رمضان استراح في أول جمعة فإذا كانت الثانية ركب الخليفة إلى الجامع الأنور الكبير في هيئة المواسم بالمظلة وما تقدم ذكره من الآلات ولباسه فيه ثياب الحرير البيض توقيرًا للصلاة من الذهب والمنديل والطيلسان المقور الشعري . ). الخليفة يستريح فى الجمعة الأولى فى رمضان لأنه يكون قد أقام موكبا بمناسبة أول رمضان . و هذا الموكب يتحلى بالذهب ( توقيرا للصلاة ) التى ليست لرب العزة لأن رب العزة يتوعد الذين يكنزون الذهب والفضة بالعذاب الأليم ( التوبة 34 : 35 )

3 / 2 : ( فيدخل من باب الخطابة والوزير معه بعد أن يتقدمه في أوائل النهار صاحب بيت المال وهو المقدم ذكره في الأستذين وبين يديه الفرش المختصة بالخليفة إذا صار إليه في هذا اليوم وهو محمول بأيديي الفراشين المميزين وهو ملفوف في العراضي الديبيقية فيفرش في المحراب ثلاث طراحات أما سامان أو ديبيقي أبيض أحسن ما يكون من صنفها كل منهما منقوش بالحمرة‏. فتجعل الطراحات متطابقات ويعلق ستران يمنة ويسرة وفي الستر الأيمن كتابة مرقومة بالحرير الأحمر واضحة منقوطة أولها البسملة والفاتحة وسورة الجمعة وفي الستر الأيسر مثل ذلك وسورة ‏"‏ إذا جاءك المنافقون ‏"‏ قد أسبلا وفرشا في التعليق بجانبي المحراب لاصقين بجسمه.  ثم يصعد قاضي القضاة المنبر وفي يده مدخنة لطيفة خيزران يحضرها إليه صاحب بيت المال فيها جمرات ويجعل فيها ند مثلث لا يشم مثله إلا هناك ، فيجز الذروة التي عليها الغشاء كالقبة لجلوس الخليفة للخطابة ، ويكرر ذلك ثلاث دفعات. ) . قبل دخول الخليفة والوزير معه الى مسجد الحاكم ( الأنور ) من الباب الخاص بالخطابة يكون قد سبقهما ـــ ومن أول النهار ــ صاحب بيت المال ومعه الفراشون يحملون الفراش المختص بالخليفة فيفرشونه فى المحراب ، أى يقومون بعمل ديكورات من الأقمشة والستائر الحريرية والذهبية والمزخرفة بالبسملة والفاتحة وسورة ( المنافقون ) . بعد إستكمال الديكورات يصعد قاضى القضاة الى المنبر ومعه مدخنة ( مبخرة ) بعطر أخّاذ مخصوص لهذا الموقف ، ويقوم قاضى القضاة بتبخير المنبر ثلاث مرات لتجهيزه بالرائحة الطيبة ( فى سبيل الخليفة ).!

3 / 3 :( فيأتي الخليفة في هيئة موقرة من الطبل والبوق وحوالي ركابه خارج أصحاب الركاب القراء وهم قراء الحضرة من الجانبين يطربون بالقراءة نوبة بعد نوبة يستفتحون بذلك من ركوبه من الكرسي على ما تقدم طول طريقة إلى قاعة الخطابة من الجامع ثم تحفظ المقصورة من خارجها بترتيب أصحاب الباب واسفهسلار العساكر ومن داخلها إلى آخرها صبيان الخاص وغيرهم ممن يجري مجراهم ومن داخلها من باب خروجه إلى المنبر واحد فواحد فيجلس في القاعة وإن احتاج إلى تجديد وضوء فعل والوزير في مكان آخر. ) . فى طريقه الى الجامع يكون حول الخليفة فى موكبه من الجانبين ( القّرّاء ) اى الذين ينشدون ويتغنٌّون بالقرآن الكريم نوبة بعد نوبة ، يجعلونه لهوا ولعبا فى (سبيل الخليفة وإبتغاء مرضاته ) ، وحول القُرّاء العساكر الراكبون ( أصحاب الركاب ). ويصل الموكب الى الجامع ، حيث يكون الحراس والعسكر يحفظون المقصورة بالمنبر . ويجرى تنظيمهم داخل المسجد . يدخل الخليفة ويجلس فى القاعة بينما يجلس الوزير فى مكان آخر.

3 / 4 : ( فإذا أذن بالجمعة دخل إليه قاضي القضاة فقال له‏:‏ السلام على أمير المؤمنين الشريف القاضي ورحمة الله وبركاته الصلاة يرحمك الله‏. فيخرج ماشيًا وحواليه الأستذون المحنكون والوزير وراءه ومن يليهم من الخواص وبأيديهم الأسلحة من صبيان الخاص وهم أمراء وعليهم هذا الإسم فيصعد المنبر إلى أن يصل إلى الذروة تحت تلك القبة المبخرة فإذا استوى جالسًا والوزير على باب المنبر ووجهه إليه فيشير إليه بالصعود إلى أن يصل إليه فيقبل يديه ورجليه بحيث يراه الناس ثم يزر عليه تلك القبة لأنها كالهودج ثم ينزل مستقبلًا فيقف ضابطًا لباب المنبر فإن لم يكن ثم وزير صاحب سيف زر عليه قاضي القضاة كذلك ووقف صاحب الباب ضابطًا للمنبر‏.). يقدم الوزير طقوس التقديس للخليفة وهو يدعوه لصعود المنبر ليخطب ، فيسير الخليفة ماشيا الى المنبر ومعه قواد عسكره  ، ويقدم الوزير طقوسا أخرى فى تقديس الخليفة وهو على المنبر يراها الناس .

3 / 5 ( فيخطب خطبة قصيرة من مسطورة يحضر إليه من ديوان الإنشاء يقرأ فيها آية من القرآن الكريم ولقد سمعته مرة في خطابته بالجامع الأزهر وقد قرأ في خطبته ‏"‏ رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي علي وعلى والدي ‏"‏ الآية ، ثم يصلي على أبيه وجده يعني بهما محمدًا صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ويعظ الناس وعظًا بليغًا قليل اللفظ . وتشتمل الخطبة على ألفاظ جزلة ، ويذكر من سلف من آبائه حتى يصل إلى نفسه فقال‏ـ  ــ  وأنا أسمعه : " اللهم وأنا عبدك وابن عبدك لاأملك لنفسي ضرًا ولا نفعًا . " ويتوسل بدعوات فخمة تليق بمثله ، ويدعو للوزير إن كان وللجيوش بالنصر والتأليف وللعساكر بالظفر وعلى الكافرين والمخالفين بالهلاك والقهر ثم يختم بقوله " إذكروا الله يذكركم‏.") يخطب الخليفة من ورقة يصلى على أبيه وجده ( النبى محمد بزعمهم ) ويقوم بتقديس أسلافه ونفسه ويدعو لنفسه وجنده بالنصر ، ويدعو على أعدائه بالهزيمة . وابن الطوير الراوى لهذه الطقوس كان حاضرا ، وهو يقول : (  فقال‏ وأنا أسمعه : " اللهم وأنا عبدك وابن عبدك لاأملك لنفسي ضرًا ولا نفعًا . " ويتوسل بدعوات فخمة تليق بمثله.. )

3 / 6 : ( فيطلع إليه من زرّ عليه ويفك ذلك التزرير وينزل القهقرى . وسبب التزرير عليهم قراءتهم من مسطور لا كعادة الخطباء ، فينزل الخليفة ويصير على تلك الطراحات الثلاث في المحراب وحده إمامًا ويقف الوزير وقاضي القضاة صفًا ومن ورائهما الأستاذون المحنكون والأمراء المطوقون وأرباب الرتب من أصحاب السيوف والأقلام والمؤذنون وقوف ، وظهورهم إلى المقصورة لحفظه. فإذا سمع الوزير الخليفة أسمع القاضي فأسمع القاضي المؤذنين وأسمع المؤذنون الناس ، هذا والجامع مشحون بالعالم للصلاة وراء .) أى هناك طقوس أخرى تقوم بها الحاشية عندما ينتهى الخليفة من الخطبة وينزل من المنبر للصلاة ، وهذا لإبهار الناس .

 3 / 7 : ( فيقرأ ما هو مكتوب في الستر الأيمن في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية ما هو مكتوب في الستر الأيسر ، وذلك على طريق التذكار خيفة الإرتجاج) فى الصلاة يؤم الخليفة الناس فيقرأ الآيات المكتوبة عن يمينه فى الركعة الأولى والمكتوبة عن يساره فى الركعة الثانية.

3 / 8 : ( فإذا فرغ خرج الناس وركبوا أولًا فأولًا وعاد طالبًا القصر والوزير وراءه وضربت البوقات والطبول في العود. ) . ثم هناك طقوس وتنظيم فى خروج الناس من الجامع بعد صلاة الجمعة. ويعود الخليفة الى قصره  فى موكب تدق فيه الطبول والأبواق.

3 / 9 : ( فإذا أتت الجمعة الثانية ركب إلى الجامع الأزهر من القشاشين على المنوال الذي ذكرناه والقالب الذي وصفناه. ) أى يتكرر هذا فى الجمعة الثانية من رمضان .

3 / 10 :( فإذا كانت الجمعة الثالثة أعلم بركوبه إلى مصر في جامعها ، فيزين له من باب القصر أهل القاهرة إلى جامع ابن طولون، ويزين له أهل مصر من جامع ابن طولون إلى الجامع بمصر ، يرتب ذلك والي مصر كل أهل معيشة في مكان ، فيظهر المختار من الآلات والستور المثمنات ويهتمون بذلك ثلاثة أيام ولياليهن والوالي مار وعائد بينهم وقد ندب من يحفظ الناس ومتاعهم. ). فى الجمعة الثالثة تُقام الزينة فى ( مصر ) أى الفسطاط والعسكر والقطائع ، من مسجد عمرو بن العاص الى مسجد ابن طولون ، ويشرف الوالى على الزينة وحشد الناس ويستغرق هذا الاستعداد ثلاثة أيام تحت مراعاة الوالى .

3 / 11 :  ( فيركب يوم الجمعة المذكور شاقًا لذلك كله على الشارع الأعظم إلى مسجد عبد الله الخراب اليوم إلى دار الأنماط إلى الجامع بمصر، فيدخل إليه من المعونة ، ومنها باب متصل بقاعة الخطيب بالزي الذي تقدم ذكره في خطبة الجامعين بالقاهرة وعلى ترتيبهما‏. فإذا قضى الصلاة عاد من طريقه بعينها شاقًا بالزينة إلى أن يصل إلى القصر ، ويعطى أرباب المساجد التي يمر عليها كل واحد دينارًا‏. ) . هنا طريق محدد لسير موكب الخليفة وأبواب محددة لدخوله ، وبنفس الزى ونفس الموكب . ويعطى أرباب المساجد التى يمر عليها بموكبه دينارا ـ للتبرك .

أخيرا : هل يجرؤ أحد أن يقول إن صلاة الجمعة هنا هى لوجه الله جل وعلا؟ وهل يجرؤ أحد أن يقول إنه ينطبق عليها قوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) ﴿٩﴾ الجمعة )

 

 

 

 

 

الفصل الثانى عشر : أخيرا : تحريم صلاة الجمعة فى مساجد الضرار

 مقدمة :

1 ـ مسجد الضرار هو الذى يتم إستغلاله سياسيا لتمجيد سلطان قائم أو للثورة عليه ، والذى تُقال فيه أحاديث شيطانية يحرم على المؤمن الإستماع اليها وحضور مجالسها .

2 ـ كان هناك مسجد ضرار أقامه منافقو المدينة ، وامر الله جل وعلا النبى محمدا ألا يحضر فيه .

3 ـ مساجد الضرار التى تاسّست بعد الفتوحات الشيطانية هى الأشد ضرارا من مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون فى المدينة فى حياة النبى محمد عليه السلام. لذا فالتحريم أشد فى حضور صلاة الجمعة فى هذه المساجد الشيطانية . يمكن للمؤمن المسلم أن يصلى فيها منفردا الصلوات الخمس معتزلا القائمين على هذا المسجد حين يخشى أن يفوته وقت الصلاة، أما الذهاب الى هذه المساجد والاستماع الى الإفك والبهتان الأحاديث الشيطانية التى صنعها المجرمون فهذا عداء مُعلن لرب العزة ، وقد قال جل وعلا فى أظلم البشر : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴿١٧﴾ يونس ) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴿٢١﴾ الانعام ) (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿١٤٤﴾ الانعام ) (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ) 37 ) الاعراف ) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ﴿٦٨﴾ العنكبوت ) (  وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚوَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿٧﴾ الصف ) ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّـهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ۚأَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ﴿٣٢﴾ الزمر ). ونعطى بعض التفصيل :

   أولا :

خطبة الجمعة الاسلامية

1 ـ الذى يدخل المسجد لصلاة الجمعة مفترض أن يسمع ذكر الله جل وعلا وعلا وحده ، هذا أذا نودى للصلاة من يوم الجمعة وسمع هذا النداء . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) الجمعة ). لكنه يسمع خطبة للجمعة تتناقض مع ذكر الله جل وعلا وحده وتعظيمه جل وعلا وحده .

2 ـ خطبة الجمعة فى عهد النبى محمد عليه السلام كانت ذكرا للرحمن جل وعلا بتلاوة النبى للقرآن وهو يخطب . لهذا فلم تكن له خطبة بالمعنى المألوف ، ولهذا أيضا لا توجد خطبة للجمعة منسوبة له عليه السلام ، مع أنه صلى الجمعة أكثر من خمسمائة مرة .             

3 ـ الملفت للنظر انه مع كثرة الأحاديث المنسوبة للنبي محمد فى العصر العباسي والمملوكي فإن النادر نسبة خطيب جمعة له ، ومشهور انه عليه السلام خطب فى مناسبات مختلفة جاءت فى السيرة ، إلا أنه خطب الجمعة أكثر من عشر سنوات اى اكثر من خمسمائة خطبة دون ان تسجل له المصادر التاريخية القديمة ايا من هذه الخطب. والسبب انه عليه السلام كان يخطب فى صلاة الجمعة بقراء القرآن . أى يقرأ فى الخطبة سورة من سور القرآن . وطالما أن القرآن موجود فلا داعى لتسجيل تلك الخطب .

 ثانيا :

خطبة الجمعة الشيطانية فى المساجد الشيطانية

1 ـ :  تحولت خطبة الجمعة الى منشور سياسى فى العصر الأموى ، إستخدمها الأمويون مناسبة اسبوعية فى لعن ( أبى تراب ) ( على بن ابى طالب ). وإستمر إستغلال خطبة الجمعة فى الدعاية العباسية ،ثم فى الدعاية الفاطمية ، وتوارث ( المسلمون ) خطبة للجمعة فيها تقديس السلطان والدعاء على الكافرين وأن ينصر الله عساكر السلطان وأن يهزم الكفار وأن يسبى المسلمون نساءهم ويغنموا أموالهم .!

2 ـ وفى العصر العباسى الثانى تحولت المساجد فى العراق الى مراكز ايدلوجية من السنة الى التشيع ، وكان لها دور فى الاقتتال الطائفى بينهما . وحاليا أصبحت مراكز حربية ومستهدفة من الخصم ، يتم تفجيرها . يُضاف الى هذا رواية أكاذيب ( أحاديث ) مفتراة تنشر الإفك على أنه إسلام تُضل الناس على أن ذلك هو الاسلام .! .

3 ـ هذه المساجد فى عصرنا أكثر ضررا .  لأن الضرر هنا لا يلحق فقط بتشويه الاسلام ونشر الإفك على أنه الاسلام ، ولا يلحق فقط  بتقديس البشر حربا للإسلام وتقديسا للمستبد ( ولى الأمر ) بل يتعداه الى سفك الدماء .

ثالثا:

الفارق بين مسجد الضرار الذى أقامه الصحابة المنافقون فى عصر النبى ومساجد الضرار فى عصرنا :

قال جل وعلا عن مسجد الضرار الذى أقامه الصحابة المنافقون فى المدينة : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)التوبة). هنا نلاحظ :

1 : مسجد الضرار فى المدينة إقتصر على التآمر خفية ، وظل فى الظاهر محافظا على توجهه الاسلامى الى درجة أن النبى كان يذهب اليه يصلى فيه ويقوم فيه . أما مساجد الضرار فى عصرنا فهى ترفع الصوت بالفتنة والإثم والعدوان ، وتجمع الأموال السُّحت .

 2 : لم ينتج عن مسجد الضرار فى المدينة إسالة دماء ، أما مساجد الضرار فى عصرنا فهى مسئولة عن حمامات دم . وحتى من تظاهر منها بالاعتدال فهو ينشر إفك الأحاديث التى تدعو للإرهاب وقتل غير المسلم وقتل ما يجعلونه مرتدا وزنديقا .

 3 : المنافقون ( الصحابة ) كانوا يقسمون كذبا على أنهم ما فعلوا ، والله جل وعلا شهد بأنهم كاذبون . أى هم يعرفون أن ما يفعلون هو خطأ ومخالف للإسلام . أما ائمة مساجد الضرار فى عصرنا فكل منهم يعتقد أن ما يفعله هو صحيح الاسلام .

4 : الله جل وعلا نهى النبى محمدا عليه السلام وقال له : (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً  ). هذا عن مسجد هو أقل ضررا من مساجد الفتنة والضرار فى عصرنا . فماذا عنّا ؟ هل نذهب الى تلك المساجد وخطب الجمعة فيها وندواتها ؟

رابعا :

لا يجوز إسلاميا أن ( نسمع ) خطبا دينية تحوى منكرا من القول وزورا 

الذى لا يعرفه معظم الناس أننا يوم القيامة سنكون مسئولين عما نسمع ، وليس فقط عما ننطق وعما نفعل . قال جل وعلا : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) الاسراء )  والتطبيق العملى للآية الكريمة جاء تشريعا مسكوتا عنه فى عصرنا . نعطى أمثلة له :

1 ـ كان مشركو قريش يعقدون مجالس للخوض فى آيات الله وكتابه الكريم فتكرر النهى  مرتين للنبى محمد ألا يحضر مجالسهم . قال له ربه جل وعلا :  ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) الزخرف ) (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) المعارج ).

ونسى عليه السلام فتكرر النهى مصحوبا بلمحة تأنيب ، قال له جل وعلا : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) الانعام ) وجاء الأمر له فى الآية التالية بالاعراض عنهم :( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) الانعام ). أى هو نهى وأمر بألا يحضر مجالس اللغو والخوض فى القرآن الكريم لأن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا .

وإمتثل النبى محمد عليه السلام وأطاع . ولكن فريقا من المؤمنين إعتاد أن يحضر مجالس المنافقين التى تخوض فى آيات الله جل وعلا وكتابه الكريم ، فنزل التأنيب لهم مغلظا مصحوبا بالتهديد ويذكّرهم بما نزل قبل ذلك ، قال جل وعلا لهم فى خطاب مباشر :( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) النساء ) . هذا لأن الله جل وعلا قال : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) الاسراء )

2 ـ  لا شأن لعائشة بحادث الإفك  كما شرحنا فى كتاب : ( القرآن وكفى ) المنشور هنا . هو يخص مجتمع المدينة فى أول عهده حيث إزدحمت المدينة بالمهاجرين والمهاجرات ، ووقع على الأنصار رجالا ونساءا عبء مساعدة المهاجرين الفقراء والمهاجرات الفقيرات ، فأشاع المنافقون مزاعم تتهم المؤمنات بالزنا . فنرل قوله جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) النور ) . نلاحظ فيما يخص موضوعنا عن مسئولية السمع :

2 / 1 : الاستماع الى مثل هذا الحديث يوجب مسئولية على السامع ، يجب عليه أن ينكر ما سمعه ، قال جل وعلا يلومهم : (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) النور) (وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) النور )

2 / 2 : بدون ذلك وبتداول هذا المسموع من الشائعات يكون السامع مشاركا فى الإثم ، وهو إثم عظيم.قال جل وعلا:(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) النور ). مأروع قوله جل وعلا : (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ).!

2 / 3 : ثم يأتى التحذير فى قوله جل وعلا : ( يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) النور ). هذا فى الافتراء على بعض المؤمنات ، فكيف بالإفتراء على الواحد القهار جل وعلا ؟!

2 / 4  ـ الذين يسمعون خطبة الجمعة وما فيها من أفتراء على الله جل وعلا ورسوله ، هل يستطيع أحدهم أن يقف محتجّا على ما يسمع ؟ لقد تحسبوا لذلك مقدما بتأليف حديث يقول : ( إذا قلت لصاحبك والامام يخطب يوم الجمعة : أنصت فقد لغوت . ومن لغا فلا صلاة له ) . خطبة الجمعة فى هذه المساجد لغو غليظ ، ولكنهم أوجبوا سماع هذا اللغو ، وأوجبوا على المستمعين عدم النطق .

3 ـ أتذكر أنه بعد الإفراج عنا من الإعتقال فى مصر عام 1987 عاد بعض أهل القرآن الى الخطبة فى المساجد ، وإلتزم ألا يهاجم الأحاديث حتى لا يعود للسجن ، وإقتصر فى خطبة الجمعة على الهدى القرآنى ، فرفضوه ، وفرضوا عليه أن يخطب بالأحاديث .

3 / 1 : الأحاديث الشيطانية هى دينهم ، وهى البضاعة التى يتقيؤها الخطيب فى صلاة الجمعة وغيرها . وقد قال جل وعلا عنهم يجعلهم أعداء النبى : (  وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113 ) الانعام ).

3 / 2 : فى موضوعنا عن السمع نُنبّه على قوله جل وعلا : (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113 ) الانعام ). اى يسمعون لهذه الأحاديث بكل إصغاء ، تصغى اليها ليس فقط أسماعهم بل أفئدتهم ، ثم على أساسها يقترفون الكبائر . من القتل والتفجيرات ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وأن الحور العين تنتظرهم . والعاصى العادى المسالم يجد التشجيع على المعصية بأحاديث الشفاعة والخروج من النار ، أى أن النتيجة أنهم يتشجعون على إقتراف الكبائر بتلك الأحاديث التى يلقيها خطيب الجمعة .

3 / 3 : ولهذا تجد مجتمعات المحمدين متخمة بالفساد وسفك الدماء ، مع حضور هائل ومكثف للمساجد وخطب الجمعة ، بل أصبح الدعاة والخطباء ينافسون الراقصات ونجوم الفنّ فى الشهرة . يتألقون شهرة وتتضخم أرصدتهم بالأموال السُّحت ، وبنفس القدر يهوى المحمديون من الحضيض الى اسفل سافلين .

4 ـ ويتكرر فى القرآن المجيد وصف الضالين الفاسقين بأنهم ( سمًاعون للكذب )، قال جل وعلا عن بعضهم فى عهد النبى محمد عليه السلام : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ) ( 41 ) المائدة ) ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ  ) (42) المائدة ). ( سمّاع ) صيغة مبالغة من إسم الفاعل ( سامع ) . فالكافر مُدمن لسماع الكذب .

5 ـ  منافقو المدينة فى عهد النبى كان لهم ( سمّاعين ) من المؤمنين ، قال جل وعلا  ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) التوبة  ). يهمنا هنا أن قوله جل وعلا : ( وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) يشمل القائل والسامع .

6 ـ وتوالت الأوامر بالإعراض عن أصحاب الخوض .

6 / 1 :  قال جل وعلا للنبى محمد عن الخائضين من أهل الكتاب : ( قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) الانعام )

6 / 2 : وقال له جل وعلا  فى الإعراض عن المشركين : ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (106) الانعام ) ( خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ (199) الاعراف )( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (94) الحجر ) ( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ (30) السجدة ) (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) النجم ). الإعراض عنهم يوجب عدم الاستماع اليهم وعدم حضور مجالسهم ، ومساجدهم وخطبهم وندواتهم .

6 / 3 : وما جاء فى هذا أمرا ونهيا للنبى هو لنا أيضا. ومع هذا فقد جاء للمؤمنين ايضا :

6 / 3 / 1 : جعل رب العزة جل وعلا من أولى صفات المؤمنين المفلحين أنهم : ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) المؤمنون ).

6 / 3 / 2 : ، ومن صفات عباد الرحمن : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً (72)  الفرقان ).  ( لا يشهدون الزور ) أى لا يحضرون مجالس يقال فيها زور وبهتان . وافظع البهتان هو الأحاديث الشيطانية .  وحضور خطب الجمعة فى مساجد الضرار هو حضور وشهود للزور .

6 / 3 / 3 : وقال جل وعلا : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) القصص ) . أى هى قطيعة مرتبطة بقول السلام وتبتعد عن الجهل والجهلاء .

7 ـ فهل بعد هذا نحضر خطب الجمعة لنسمع منكرا من القول وزورا وإفتراءا على الله جل وعلا ورسوله ؟  هى حرية الايمان والكفر . لك أن تقاطع هذه المساجد ، ولك أن تحضرها . ولكن يجب أن تعرف أنك إذا حضرت فستكون مشاركا فيما يقال من إثم ولغو وأفتراء وزور يمتلىء ظلما لرب العالمين جل وعلا . .

 

 

الفصل الثالث عشر : إبتداع وظيفة القصص فى المسجد بعد الصلاة

 

مقدمة

بإستغلال المسجد والصلاة فيه سياسيا تأسست وظيفة (القصص ) فى الدعاية للسلطان القائم ، أو ضده ، نوعا من الحرب الفكرية ، بالاضافة الى تحول المسجد أحيانا الى مركز للقتال أو التخطيط للقتال . وهذا تواتر جديد شيطانى حافظ عليه الأمويون ثم العباسيون . وانتهى فى العصر المملوكى وحلّ محلّه (ميعاد البخارى ) . وظيفة القصص كانت تعدل فى أهميتها وظيفة القضاء ، اى وظيفة دينية ولكن تتبع المسجد . ونعطى تفصيلا :

أولا : قبل العصر الأموى

1 ـ بدأت فى عصر عمر بن الخطاب ، فيقال أن أبا عاصم ( عبدالله بن عمير ) كان أول قاص فى عصر عمر بن الخطاب . " ( ابن سعد 5، 341: 342)  .

2 ـ والسمة الرئيسة التى تجمع كل القصاص هو صناعتهم للأحاديث ، ومثلا يقال عن سلمان بن الأغر ( مولى جهينة ) كان قاصا ، وروى عن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة ( ابن سعد 5/ 210) ويقال عن بى الأحوص (كان يحدث فى المسجد ، وكان ثقة وله أحاديث) (ابن سعد 6/126).

3 ـ وهناك خلاف فى بداية القصص . قال المؤرخ القضاعي‏ أنه  لم يقص في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ، وإنما كان القصص في زمن معاوية ‏. وذكر بعضهم أن القصص جاء  في خلافة عثمان بن عفان‏. وهناك خلاف فى أول من قام بالقصص ، قيل هو ‏ تميم الداري‏. وقيل إن عليًا رضي الله عنه قنت فى صلاته فدعا على قوم من أهل حربه فبلغ ذلك معاوية فأمر رجلًا يقص بعد الصبح وبعد المغرب يدعو له ولأهل الشام ، وكان ذلك أول القصص‏. ‏ 

ثانيا : فى العصر الأموى

1 ــ جعل الليث بن سعد نوعين من القصص ‏:‏  قصص العامة وقصص الخاصة ، " فأما قصص العامة فهو الذي يجتمع إليه النفر من الناس يعظهم ويذكرهم .. وأما قصص الخاصة فهو الذي جعله معاوية ولى رجلًا على القصص ، فإذا سلم من صلاة الصبح جلس وذكر الله عز وجل وحمده ومجده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا للخليفة ولأهل ولايته ولحشمه وجنوده ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافة‏. ". والمستفاد من هذا أن معاوية هو الذى جعل القصص وظيفة رسمية .

2 ـ إستغل الأمويون خطبة الجمعة فى الدعاية لهم ، ولم يكتفوا بذلك بل أنشأوا إلى جانب وظيفة الوالى والقاضى وصاحب الخراج وقائد العسكر وظيفة أخرى فى كل الولايات هى القصص. وكان أحيانا يتولى القصص والقضاء شخص واحد مما يدل على أهمية وظيفة القصص فى ذلك الوقت . وكان القاصّ يجلس فى المسجد بعد الصلاة يقصّ على الناس أخبار السابقين ويعظهم ويخلط كلامه بأحاديث مخترعة وروايات مختلفة ومن خلال السيطرة على السامعين يدعو للسلطة الأموية ، ولا ينسى أن يختم حديثه بلعن أبى تراب ( على بن أبى طالب ) . وكانت الروايات فى معظمها يخترعها الراوى نفسه . ولكى يجذب القاص  إهتمام العامة كان يكثر من الخرافات وينسب قصصه للنبى محمد عليه السلام والأنبياء السابقين.  ولأن العصر الأموى هو عصر الروايات الشفهية فقد تم تداول هذ القصص عبر الأجيال ونما وتكاثر إلى أن أتيح له التدوين فى العصر العباسى على أنه أحاديث نبوية أو قصص الأنبياء وعليه قام ما يسمى علوم الحديث والتفسير . ودعاة تنقية التراث فى عصرنا يطلقون على بعض هذه القصص إسم إسرائيليات نظرا لأنهم اكتشفوا أخيرا تشابها بين تلك الروايات وما جاء فى المصادر التراثية السابقة لأهل الكتاب . 

 3 ـ ومن مشاهير القصاصين فى العصر الأموى أبوهريرة وهو أيضا أشهر من إخترع الأحاديث ، وقد إنضم الى الأمويين وكان واليا لهم على المدينة . ومن تلامذته عبد الرحمن ابن حجيزة (ت 83) وقد اجتمعت له فى مصر فى الدولة الأموية ثلاث وظائف هى القضاء و القصص و بيت المال ، وكان يأخذ رزقه من القضاء  مائتي دينار ، وعطاؤه مائتا دينار ، وجائزته مائتا دينار .. الخ ( تاريخ المنتظم لابن الجوزي 6/253 : 254) .

4 ـ وقد قابل المعارضون للدولة الأموية قصصها الرسمي بقصص أخر ، وبذلك تحول القصص الى حرب فكرية اسلحتها الروايات و الحكايات والأحاديث. وأشهر معارضى الدولة الأموية سعيد بن جبير ـ والذى قتله الحجاج سنة 94 ــ كان من أشهر القصاص وأشهر الفقهاء أيضا . كان يقصّ كل يوم لأصحابه فى المسجد مرتين. بعد صلاة الفجر ، وبعد صلاة العصر (ابن سعد 6/ 180) ورفيقه ابراهيم التيمي كان أيضا من ضحايا الحجاج ، وكان من القصاص أيضا. قيل فيه :" إنى أحسبه يطلب بقصصه وجه الله" ، وحين بدأ ابراهيم التيمي بالقصص أخرجه ابوه من المنزل خوفا من الحجاج (ابن سعد 6/200).

واشتهر المرجئة كطائفة سياسية وفكرية فى العصر الأموي ، توسطوا بين الشيعة والأمويين  ، وكان منهم من احترف القصص ، مثل ذر بن عبد الله ، قيل عنه "من أبلغ الناس فى القصص ، وكان مرجئا ، وخرج مع القراء ( الفقهاء) مع ابن الأشعث فى الثورة على الحجاج . وشارك فى هذه الثورة سعيد بن جبير ، وهناك ايضا عمرو بن ذر وكان قاصا مرجئا أيضا ( ابن سعد 6/205 ، 252).

5 ـ وبسبب الاختلافات المذهبية والسياسية فقد تنوعت المواقف من القصص و القصاص . فيقال فى مدح صالح المرى أنه (كان اذا قص فى المسجد ازدحم الناس للصلاة والجلوس اليه)( ابن سعد 7/2/39). بينما كان سالم مولى عمر بن الخطاب (لايشهد قاصّ جماعة ولا غيره ..) ( ابن سعد 5/148) هذا فى الوقت الذى استمع فيه عبد الله بن عمر الى أحد القصاص وهو عبيد بن عمير فدمعت عيناه ( ابن سعد 4/119، 124). وبعضهم كان ينصح بمجالسة القصاص غير ابي الأحوص ، ولا تجلسوا شقيقا ، وليس بأبي وائل ولا سعد بن عبيدة) وقد مات السلمى فى خلافة عبد الملك بن مروان (ابن سعد 6/120).

ثالثا: قصاصون عاشوا العصرين الأموى والعباسى

1 ـ وبعض القصاصين أدرك الدولتين الأموية و العباسية مثل الجعفى الذى كان امام مسجد جعفى مدة ستين عاما . واحترف القصص فيه ، ومات فى خلافة ابي جعفر المنصور ( ابن سعد 6/254). على أن اشهرهم الأوزاعى والأعمش .

2 ـ الأوزاعى ( 88 : 157 ) كان مقربا من الأمويين ونجح بدهائه فى أن يحظى فى عهد العباسيين حين إخترع لهم حديث الردة ليبرر قتلهم الأمويين ، والتفاصيل فى كتابنا عن ( حد الردة ).

2 / 1 : إشتهر الأوزاعى فقيها وقصّاصا بسبب جرأته الفائقة فى الكذب ، والعوام تصغى الى زخرف القول أو المزخرف بالمبالغات ( ألأنعام ـ 113 )،

2 / 2 وإشتهر من قصص الأوزاعى ما رواه ابن الجوزى فى المنتظم عن قول الأوزاعى

2 / 2 / 1 :(  رأيت رب العزة في المنام فقال لي‏:‏ يا عبد الرحمن أنت الذي تأمر بالمعروف تنهى عن المنكر ؟ قلت‏:‏ بفضلك يا رب. فقلت‏:‏ يا رب أمتني على الإسلام فقال‏:‏ وعلى السنة ‏.‏)

2 / 2 / 2 :( .. الأوزاعي قال‏:‏ أردت بيت المقدس فرافقت يهوديًا فلما صرنا إلى طبرية نزل فاستخرج ضفدعًا فشد في عنقه خيطًا فصار خنزيرًا فقال‏:‏ حتى أذهب فأبيعه من هؤلاء النصارى فذهب فباعه وجاء بطعام ثم ركبنا فما سرنا غير بعيد حتى جاء القوم في الطلب فقال لي‏:‏ أحسبه صار في أيديهم ضفدعًا ‏.‏قال‏:‏ فحانت مني التفاتة فإذا بدنه بناحية ورأسه بناحية فوقفت وجاء القوم فلما نظروا إليه فزعوا ورجعوا عنه ‏.‏قال‏:‏ فقال لي الرأس‏:‏ رجعوا ؟ قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ فالتأم الرأس إلى البدن وركب وركبنا فقلت‏:‏ لا أرافقك أبدًا ..)

3 ـ الأعمش ( سليمان بن مهران : 61 : 148 ) كان أخطر الدعاة للعباسيين يؤلف لهم الأحاديث وينشرها فى مجالس قصصه ضمن خرافات شيّقة عن السابقين ، صارت أساسا فى كتب الحديث والتفسير والتاريخ للأنبياء والسيرة ، وهى أحاديث كاذبة تنسب علم الغيب للنبى محمد عليه السلام بالتناقض مع القرآن الكريم . ونعطى نماذج منها نقلا عن تاريخ المنتظم لابن الجوزى :

3 / 1 : فى الدعاية للعباسيين :

3 / 1 / 1 : ( ...عنالأعمش عن عطية عن ابي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ يخرج منا رجل انقطاع من الزمن وظهور من الفتن يسمى السفاح يكون عطاؤه للمال حثيًا‏.‏ ) هذا عن السفاح اول الخلفاء العباسيين .

3 / 1 / 2 : ( .. عنالأعمش عن الضحاك بن مزاحم عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال‏:‏‏"‏منا السفاح والمنصور والمهدي‏"‏‏.‏ )

3 / 2 : خرافات الأعمش عن خلق الشمس والقمر والنجوم : (حدثناالأعمش.. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لما ابرم اللّه عز وجل خلقه فلم يبق غيرادم خلق شمسين من نور عرشه فاما ما كان في سابق علمه ان يطمسها ويحولها قمرًا فانه خلقها دون الشمس في الضوء ولوتركها شمسين لم يعرف الليل من النهار ولكان الصائم لا يدري الى متى يصوم فارسل جبريل فامر جناحه على وجه القمر ثلاث مرات فمحا عنه الضوء وبقي فيه النور وخلق للشمس عجلة لها ثلثمائة وستون عروة ووكل بها ثلاثمائة وستين ملكًا قد يعلق كل ملك بعروة واذا اراد ان يري العباد اية خرت الشمس عن عجلتها فوقعت في بحر وتسجد الشمس تحت العرش بمقدار الليل ثم تؤمر بالطلوع فاذا ما دنت القيامة جعلت الشمس ثم يتبعها القمر ثم يطلعان من المغرب ثم يعود الى ما خلق اللّه ‏"‏‏.‏ )

4 : خرافات الأعمش عن قصص السابقين :

4 / 1 : عن إبنى آدم ( حدثناالأعمش .. ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تقتل نفس ظلمًا الا كان على ابن ادم الأول كفل من دمها ‏"‏ لانه كان اول من سن القتل‏.‏ ) قال ابن الجوزى عن هذا الحديث الكاذب : (اخرجاه في الصحيحين‏.‏ ) فماذا عن قاعدة ( ألّا تزر وازرة وزر أخرى ) ؟!

4 / 2 : عن يونس والحوت : (   .. حدثنا الأعمش .. لما التقم الحوت يونس نبذة الى قرار الأرضين فسمع تسبيح الحصى في الحماة فذلك الذي نابه‏.‏ )

4 / 3 : عن قارون وكنوزه : (   وروى الأعمش .. قال‏:‏ كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود كل مفتاح مثل الإصبع كل مفتاح على خزانة على حدة فاذا ركب حملت المفاتيح على ستين بغلًا‏.‏)

4 / 4 : عن الكفل : ( اخبرناالأعمش ... قال‏:‏ لقد سمعت عن رسول الله صلى الله علية وسلم ..‏ كان الكفل من بني اسرائيل لا يتورع من ذنب فاتته امراة فاعطاها ستين دينارا على ان يطاها فلما قعد منها مقعد الرجل من امراته ارعدت وبكت فمال‏:‏ ما يبكيك اكرهتك‏.‏ قالت‏:‏ لا ولكن هذا عمل لم اعمله قط وانما حملني على ذلك الحاجة قال‏:‏ فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ثم نزل فقال‏:‏ اذهبي والدنانير لك ثم قال‏:‏ واللة لا يعصي اللة الكفل ابدًا فمات من ليلته فاصبح مكتوبًا على بابه قد غفر اللّه للكفل ‏"‏)

5 :  حظيت خرافات الأعمش بالتقدير والتقديس ، وملأ الطبرى بها مقدمة تاريخه ، وكذلك فعل ابن الجوزى ، وتأسست بها أساطير الدين السُّنّى . يروى ابن الجوزى فى تاريخ  المنتظم 8 /عام 170 أن الخليفة الرشيد ( وكان الرشيد معظمًا للسنة شديد النفور من البدع ‏.‏) ويؤكد هذا بقصة أن أحدهم كان يقرأ حديث الأعمش فى مجلس للرشيد : ( ..‏ قال محمدبن حازم‏:‏ كنت اقرا حديث الأعمش ..  على امير المؤمنين هارون فكلما قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ صلى الله على سيدي ومولاي، حتى ذكرت التقاء ادم وموسى ، فقال عمه‏:‏ يا محمد اين التقيا؟  فغضب هارون الرشيد وقال‏:‏ من طرح اليك هذا ، وأمر به فحبس ، ) أى لأنه تساءل : أين التقى موسى بآدم حبسه الرشيد .  هذا لأن القصص كان وظيفة دينية مرتبطة بالصلاة وبالمسجد .

الفصل الرابع عشر : من القصاص الى ميعاد البخارى

 مقدمة

1 ـ من مجالس القصص تأسست معالم الدين السُّنّى بالذات ، الأقاصيص كانت تٌنسب أحاديث للنبى محمد بعد موته ، وتم تدوينها على أنها دين ووحى إلاهى ، وتفرعت الى تفسير وحديث وعلوم قرآن وتشريعات وقصص عن الأنبياء السابقين والأمم السابقة ، وما جاء فى القرآن الكريم عن خلق السماوات والأرض وقصص السابقين علقوا عليه بخرافات القصاصين . كان هذا فى العصر العباسى . فى العصر المملوكى إنتهى دور القصاصين وتوقف دور القصاصين الدعائى والسياسى . وتوقف الابتكار فى تأسيس الأديان الأرضية بعد أن إستقرت دعائمها فى العصر العباسى ، لم يعد أمام فقهاء العصر المملوكى سوى الرقص على ما قاله السابقون . لذا تحول الفقهاء العباسيون الى إئمة مقدسين فى العصر المملوكى من ائمة الحديث والفقه ( ابو حنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل والبخارى ومسلم ..الخ ) وترسخت المذاهب الفقهية الأربعة وتأسس القضاء بين الناس على المذاهب الأربعة ، والويل لمن ينتقد أو يعترض على الأئمة . وحظى البخارى بالذات بتقديس أعظم . وتحولت مجالس القصص فى المسجد الى ما يعرف بميعاد البخارى.

2 ـ ونعطى تفصيلا : 

أولا :  قيمة البخارى في العصر المملوكى :

1 ـ ( صحيح البخارى ) كان ــ ولا يزال ــــ الكتاب المقدس للشريعة السنية للعصر المملوكى ،  ( صحيح البخارى ) هو مجرّد( صنم فكرى ) فى علاقته بتطبيق الشريعة السّنية فى العصر المملوكى الذى كان يتم بقضاة القضاة الأربعة، والذين لم يتقيّدوا بنصوص البخارى ، بل حتى لم يتقيّدوا بنصوص مذاهبهم فالحكم كان بالهوى وبالرشوة وبالفساد وبرضا السلطان وأهوائه . والقاضى يقوم بدورين : التشريع ، أى يصيغ الحكم ، والقضاء أى يقضى به . وليس للبخارى شأن فيما يحكم به . وحتى لو أرادوا التقيد بما فى البخارى فهو فى نهاية الأمر يعبّر عن ظروف عصره فى الدولة العباسية فى القرن الثالث الهجرى ، وهى ليست نفس ظروف العصر المملوكى وسلاطينه وثقافته ومفاهيمه . و( صحيح البخارى ) هو أيضا مجرّد صنم فكرى بالنسبة للدراسات التى أقيمت حوله فى العصر المملوكى أو عصرنا البائس . فالذين يهيمون فى البخارى تقديسا من العوام وفقهاء العوام لا يفقهون شيئا فى كتاب البخارى، هو مجرد تقديس دون علم أو عقل شأن المعتاد لدى المشركين .

2 ــ لم تكن لكتاب البخارى كل هذه القدسية فى العصر العباسى فقد تعرّض البخارى للنقد والاستدراك عليه ، وتابع أئمة الحديث التأليف بعده مخالفين له فى إثبات حديث أو نفيه. ولو كان البخارى هو القول الفصل فى الدين السّنى لما جرؤ أحد على التأليف بعده، ولكن تكاثرت مؤلفات العصر العباسى فى الحديث منفصلة عن البخارى مستقلة عنه .

3 ــ إختلف الوضع فى العصرين المملوكى والعثمانى، حيث تكاثر( المريدون ) حول صنم البخارى يطوفون حوله تقديسا وتمجيدا وشرحا وتفسيرا وترتيلا ، و تمت إضافة صنم البخارى الى أصنام صوفية أخرى حجرية من القبور المقدسة ، أو بتعبير آخر كان هناك ( صحيح البخارى أو ضريح البخارى ) جنبا الى جنب مع آلاف الأضرحة والقبور المقدسة ، وحول ضريح البخارى والأضرحة الأخرى يطوف المجاذيب والمريدون تقديسا وتبركا بطرق مختلفة ، ولكن تتفق كلها فى غياب العقل وعداء الله جلّ وعلا ورسوله عليه السلام.

4 ـ تضاءل فى العصر المملوكى الفارق بين ( العالم المحقّق ) مثل إبن حجر العسقلانى والعينى و السخاوى وبين أوباش ومجاذيب الصوفية فيما يخص تقديس البشر؛ هذا يقدّس كتابا ( صحيح البخارى ) وذاك يقدّس وليا صوفيا حيّا أو مقبورا ، والفريقان معا فقدا العقل والايمان بالاسلام وحتى بكرامة الانسان التى تجعله أفضل من الحيوان . السبب أنّ سيطرة التصوف بدءا من القرن السابع الهجرى الثالث عشر الميلادى هبطت بمستوى الفقهاء السنيين الى مرتبة التقليد ، وجعلت السّنة تابعة للتصوف ، وفق هذا المزيج المشوّة المسمى بالتصوف السنى ، والذى يحصر السّنّة فى العبادات والتطبيق المظهرى الأحوال الشخصية للقضاة المذاهب الأربعة وتقديس أئمة الحديث ( خصوصا البخارى ) وأئمة المذاهب ، مقابل التسليم للتصوف وكراماته وأوليائه وخرافاته . هذا التسليم أوالتقليد قام بتحويل (تقدير) أئمة الحديث والفقه الى (تقديس)، برعاية التصوف ، الذى خصّ البخارى بالذات لأن كتابه تضمن بعض الأحاديث التى تعلى وتقدّس الأولياء الصوفية مثل حديث ( من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب ) وهو الحديث الذى يسوّغ عقيدة الاتحاد الصوفية ( كنت يده التى يبطش بها ..الخ ). وإذا كان مألوفا فى هذا العصر تقديس البشر والحجر وتأليه المجانين ( المجاذيب ) فمن الأسهل تقديس الأئمة السابقين ، حيث غاب العقل فى أجازة مفتوحة مفسحا الطريق لأن تتحول الخرافات الى كرامات .

5 ــ ومن الطبيعى بعدئذ أن يقام إحتفال يستمر شهر رمضان ـ ليس لتلاوة القرآن الذى نزل فى رمضان ، ولكن لترتيل البخارى والتبارى فى حفظ واستظهار ما فيه من أحاديث بمتونها وسندها . ومثل تعاملهم مع القرآن بالتفسير فقد وضعوا فى العصر المملوكى شروحا وتفاسير للبخارى إزدادت بمرور الزمن، حيث دارت الحركة ( العلمية ) حول صحيح أو ضريح البخارى،. ويطول بنا إستعراض المؤلفات فى هذا المضمار ، ولكن نعطى أمثلة سريعة :

5 / 1 : فالمؤرخ المحدّث الفقيه الحافظ قاضى القضاة شهاب الدين إبن حجر ( 773 : 852 ) كتب ( فتح البارى فى شرح صحيح البخارى) فى 15 جزءا ، وقد ظلّ يؤلفه 20 عاما، وله أيضا ( تغليق التعليق فى وصل معلقات البخارى.) .

5 / 2 :  ومثله القاضى بدر الدين العينى (  762: 855 ): كتب ( عمدة القارى فى شرح صحيح البخارى ) وأيضا استغرق العيني في تأليفه عشرين سنة.

  .5 / 3 : شهاب الدين القسطلانى الذى شهد عصر قايتباى ومات بعد عامين من سقوط الدولة المملوكية ( 851 : 923  ) له كتاب :( إرشاد السارى فى شرح صحيح البخارى ).

5 / 4 : والمؤرخ المحدّث الحافظ  شمس الدين السّخاوى ( ت902 هـ) ، وله فى ميعاد البخارى كتاب:( تحفة السامع والقاري بختم صحيح الجامع ).

5 / 5 :وكتاب السخاوي هذا يعتبر من أهمّ المصنفات المعروفة بكتب الختم فى موضوعنا عن :( ميعاد البخارى) ، ومنها العناوين الآتية :( مجالس في ختم صحيح البخاري)( كتاب تحفة القارئ عند ختم صحيح البخاري)( بداية القارئ في ختم صحيح البخاري ) و( شرح ختم صحيح البخاري).

5 / 6 :أمّا بقية الكتب التى عكفت على صحيح البخارى نفسه فى العصر المملوكى  فهى كارثة مؤلمة يطول حصر عددها .

5 / 7 : ولكنّ الذى ننبّه له هنا أن كل هذا التأليف لا يعدو أن يكون تهريجا وتهجيصا، فقد تغافل الجميع فى رقصهم المحموم حول صنم البخارى عمّا جاء فيه من طعن فى رب العزة والرسول عليه السلام والقرآن ودين الاسلام. وبعض(المحققين) كانت سقطته أكبر من بقية (المغفلين)،   فأولئك ( المحققون) بذلوا جهدهم فى التأويل والتلفيق والتعليل واللّف والدوران سترا لعورات البخارى وتعصبا له ضد رب العزة والرسول عليه السلام .

6 ـ والطريف أننا حين بدأنا فضح البخارى فى ندواتنا ومؤلفاتنا بعد قراءة متعمقة له فوجئنا بأن أكثر الناس تعصبا للبخارى فى ( الأزهر ) وخارجه لا يعرفون عنه شيئا ، بل المضحك أنهم أيضا فوجئوا بما نستشهد به من أحاديث البخارى التى تطعن فى الاسلام ورب العزّة جل وعلا ورسول الاسلام عليه السلام،وكان تعبيرهم عن هذه المفاجأة إضطهادا وسبّا وشتما لا يزال ينهال علينا. ومن يشاهد برنامجنا ( فضح السلفية ) الذى يستعرض فضائح وآثام البخارى يتأكّد من هذا ، ويستغرب كيف لم يلتفت الى هذه الفضائح البخارية أولئك الذين أنفقوا أعمارهم فى العصرين المملوكى عاكفين حول البخارى تقديسا وترتيلا وتأليفا. وهذا يؤكّد أن تقديس البشر والحجر يضع حجابا على العقل فيجعل الانسان يفقد التمييز ، بل يجعله فى مرتبة أقلّ من الحيوان . وصدق الله جل وعلا : (أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) ( الفرقان )

7 ــ هذه مقدمة لملمح هام من ملامح عصر قايتباى ، وهو ( ميعاد البخارى ). 

ميعاد البخارى فى عصر قايتباى كما جاء فى ( إنباء الهصر ) لابن الصيرفى

1 ــ كان ميعاد البخارى أحد المناسبات الدينية في أيام قايتباى وفي المقابل لم يكن هناك ميعاد لقراءة القرآن الكريم أو احتفال بأى كيفية بختمة كما كانوا يفعلون عند ختم البخارى. ولم يكن الاهتمام بتلاوة البخارى وختمه مقصوراً على السلطة المملوكية بل تعداه إلى العلماء، وأولئك العلماء كان منهم أصحاب سلطة ونفوذ مثل الشيخ كمال الدين النويرى ت873 الذى كان يعقد ختماً للبخاري على حسابه الخاص، يقول عنه ابن الصيرفي : ( قرئ عليه صحيح البخارى في الأشهر الحرم، وكان يختم البخارى بالأزهر، ويصنع يوم الختم أموراً كثيرة من الخلع والإحسان للطلبة خارجاً عن المأكل والمشرب ، وكذلك كان يفعل بمكة.) .

2 ــ والآخرون من العلماء كان لهم ارتباط آخر بالبخارى، وكان إرتباطا نفعيا ماديا يمثل لهم مورداً اقتصادياً ثابتاً يتمثل في (صُرّة البخارى) أو المنحة التى يأخذونها كل عام بسبب حضورهم ميعاد البخارى وختم البخاري، فالشيخ برهان الدين الحلبي ت875 ( رتّبوا له ( أى جعلوا له راتبا ) في الميعاد البخارى صُرّة بألف درهم في كل سنة، وكان السلطان يحسن إليه بالذهب وبإهدائه الكتب مثل كتاب البخارى). وحين مات ابن التنسي في شوال 875 توارث العلماء مناصبه وكان منها (صُرّته في البخارى )،يقول مؤرخنا:( فأخذ صُرّته في البخارى عمر بن موسى اللقانى ، وقيل أن ابن اللقاني أخذ الجوالى أى المرتبات والشيخ عباس المغربي المالكي أخذ صُرّة البخارى.). لذلك كان يقول ابن الصيرفي يعبر عن حزن العلماء في شعبان 875 :( كان القصر بطالاً من الخدمة ولم يُقرأ البخارى )، أى تعطل ميعاد البخارى وقتها فأصبح القصر السلطانى بطالاً.

3 ــ وبعض مشاهير القرن التاسع كان له ( منصب ورزق وصرة في البخارى.). فابن الحفار الواعظ ت 876 أشهر القراء والمنشدين في عصره ( كان مرصداً لإنشاد المديح في ختم البخاري عند شيخ الإسلام ابن حجر) العسقلانى . والبقاعي أحد علماء الحديث وخصم الصوفية اللدود قال عنه مؤرخنا أن القاضى ابن حجر العسقلانى رقّاه حتى جعله قارئ البخارى في القصر بقلعة الجبل بحضور السلطان في دولة الظاهر جقمق وكان يثني على قراءته وفصاحته.

بداية الاحتفال بميعاد البخارى:

1 ــ وقد بدأ الاحتفال بميعاد البخاري لأول مرة في سلطنة الأشرف شعبان، وذلك يوم الاثنين أول رمضان 775 ، ويقول المقريزي في تاريخ ذلك اليوم : ( وفيه استجد السلطان عنده بالقصر من قلعة الجبل قراءة كتاب صحيح البخارى في كل يوم من أيام شهر رمضان بحضرة جماعة القضاة ومشايخ العلم تبركاً بقراءته لما نزل بالناس من الغلاء، فاستمر ذلك وتناول قراءته شهاب الدين أحمد إبن العرياني وزين الدين عبد الرحيم العراقي لمعرفتهما علم الحديث، فكان كل واحد يقرأ يوماً.).

2 ـ ثم حدث تطور في طقوس ميعاد البخارى، شرحها المقريزي في أحداث شهر شعبان 827هـ يقول : ( وفيه ابتدئ بقراءة صحيح البخارى بين يدى السلطان، وحضر القضاة ومشايخ العلم .) إلى أن يقول: ( وكانت العادة من أيام الأشرف شعبان أن يبدأ بقراءة البخارى أول يوم شهر رمضان.. ويختم في سابع عشرينه ويخلع على قاضى القضاة ويركب بغلة رائعة تخرج له من الاسطبل السلطانى،)

خناقات في ميعاد البخاري:

1 ـ نستكمل ما قاله المقريزى : ( ... ولم يزل الأمر على هذا حتى تسلطن المؤيد شيخ فابتدأ القراءة من أول شهر شعبان إلى سابع عشرين من شهر رمضان، وطلب قضاة القضاة الأربع ومشايخ العلم وتحرر عدة من الطلبة يحضرون أيضاَ فكانت تحدث بينهم بحوث يسيء بعضهم فيها إساءات منكرة، فجرى السلطان الأشرف برسباى على هذا واستجد حضور المباشرين وكثر الجمع وصار المجلس جميعه صياحاً ومخاصمات يسخر منها الأمراء وأتباعهم.) . أى تحوّل الحفل الى تهريج وتهجيص يعبّر عن مضمون البخارى ، ثم ما لبث التهريج والتهجيص فى عصر الأشرف برسباى أن تحول فى عصر قايتباى الى خصام وخناقات بين ( الشيوخ والفقهاء و العلماء ).  

2 ـ  وإنتقد شيخ المؤرخين المصريين المقريزي فى تاريخ (السلوك) ما كان يحدث في ختم البخارى فيقول عن أحداث الأربعاء 23 رمضان 841 :( ختمت قراءة صحيح البخارى بين يدى السلطان بقلعة الجبل، وقد حضر قضاة القضاة الأربع وعدة من مشايخ العلم وجماعة من الطلبة كما جرت العادة من أيام المؤيد شيخ،) ويقول المقريزي منتقدا ما كان يحدث:( وهو منكر في صورة معروف ، ومعصية في زى طاعة ، وذلك أنه يتصدى للقراءة من لا عهد له بممارسة العلم ، لكنه يصحّح ما يقرأه ، فيكثر لحنه وتصحيفه وخطؤه وتحريفه، هذا ومن حضر لا ينصتون لسماعه، بل دأبهم دائماً أن يأخذوا في البحث عن مسألة يطول صياحهم فيها حتى يفضى بهم الحال إلى الإساءات التى تؤول إلى أشد العداوات وربما كفّر بعضهم بعضاً ، وصاروا ضحكة لمن عساه يحضرهم من الأمراء والمماليك.).

3 ــ إزداد الأمر سوءا فى عصر قايتباى ولكنّ مؤرخنا ابن الصيرفي لم يكن على مستوى المقريزي في ثقافته ولا في نقده وجرأته، لذا كان يشير إلى بعض المساوئ من طرف خفي، فإذا كان المقريزي قد وصف ما كان يحدث من خصومات بين المشايخ أثناء قراءة البخاري فإن مؤرخنا يشير إلى أحداث مماثلة ولكن بصورة عرضية كأن يقول عن قاضى قضاة الحنفية إبراهيم الديري ت876  ، أنّه بعد عزله كان يحضر مجلس البخارى بالقلعة بصفته شيخ الخانقاه المؤيديه ويجلس تحت قاضى الحنابلة، وأنّه بحث مرة في مجلس البخاري بالقلعة بحضور السلطان الظاهر خشقدم مسألة مع شيخ الإسلام الكافيجي فقطعه الكافيجي أى غلبه ( وقهره بحضور الجمع الغفير.). فهنا إشارة الى مشاجرة بين شيخين كبيرين ( الديرى والكافيجى )، ولكن تم التعمية علي تفصيلاتها وما دار فيها من شجار وتنابز بالألقاب حرصا من إبن الصيرفى على مكانة شيخه الكافيجى. 

مراسيم ميعاد البخاري في عصر قايتباى:

1 ــ كانت العادة أن يجتمع بالقلعة طائفة من القرّاء والفقهاء لقراءة وترتيل البخارى كل ليلة الى أن يتم ختم البخارى ، فيقام له حفل الختم في رمضان. ويبدأ برجب أو شعبان، وفي حفل الختام يخلع السلطان على القضاة والمشايخ والفقهاء والقراء، وكانت العادة أن تبدأ القراءة بالقلعة ثم يكون حفل الختم بالقصر الكبير.

2 ــ ونورد بعض ما جاء بتاريخ الهصر : في يوم الأربعاء 3 رجب 875 يقول مؤرخنا: ( كان ابتداء قراءة البخاري بقلعة الجبل عند السلطان بالقصر، وصعد قضاة القضاة والمشايخ على العادة.) . وفي يوم الأربعاء 4 شعبان 876 يقول : ( كانت الخدمة بالقصر السلطانى بقلعة الجبل وابتدئ بقراءة البخاري به.).وفي يوم الأربعاء 28 رمضان 876 قال : ( ختم البخاري بقلعة الجبل بالقصر الكبير على العادة وحضره القضاة.). وقبل ذلك بعام بالضبط: الأربعاء 28 رمضان 875 يقول : ( ختم البخارى بقلعة الجبل بحضور السلطان وكان مجلساً حافلاً بالقضاة الأربعة، خلا الحنفي لضعفه، والعلماء والفضلاء والطلبة والأمراء والرؤوس والنواب والخاصكية وأصحاب والوظائف.)

3 ــ ونعود إلى حفل ختم البخاري يوم الأربعاء 28 رمضان 876، حيث أورد ابن الصيرفي بعض التفصيلات الهامة في ذلك المجلس، ذلك أن ختم البخارى 876 شهد تعيين الشيخ سعدى قاضياَ، وأعلن ذلك إبن مزهر كاتب السر بعد أن شاور السلطان في ذلك الحفل، يقول ابن الصيرفي في أنه تشاور ابن مزهر مع السلطان في عاشر شعبان على الشيخ بدر الدين السعدي أن يكون حاكماً إلى أن يحضر ابن مفلح قاضى دمشق، ثم جاء أول ختم البخارى في 28 رمضان فأعلن السلطان ذلك التعيين في حضور الجميع.يقول مؤرخنا:( ولما حضروا الختم ، وفرقت أجزاء البخاري ، وحضر السلطان ، وقرأ القارئ الذى هو الإمام البرهان الكركي وحضره والده فجلس فوق الشيخ قاسم الحنفي تحت الشيخ تقي الدين الحصنى، والحصنى تحت الحنفي،) وهذا يعنى الترتيب الرسمى للجلوس حسب منازل القوم،(وحضر السعدي فلم يجد له مكاناً يجلس فيه من الزحمة فجلس خلف الحلقة.).وانتهى الختم بإعلان تولى السعدى لهذه الوظيفة،وكانت مفاجأة للسعدى نفسه.

4 ــ والمهم أن ختم البخارى كان مناسبة لقضاة الشرع في اجتماعهم بالسلطان، وفيه أحيانا كانت تصدر قرارات التعيين لأن البخاري هو ( قُدس الأقداس ) لذلك العهد الفاسد البائس .

الهوامش

الهصر: 102، 195، 277، 243، 464، 508.

 السلوك المقريزي: 3/1/223، 4/2/667، 4/2/1031: 1032.

الهصر: 448، 240، 400، 413، 263: 264، 414: 415.

 

 

الفصل الخامس عشر : ( مساجد الله جل وعلا ) : ماهية المسجد الاسلامى

 

مقدمة : سال ابنى الحبيب د عثمان محمد على المشرف على موقع أهل القرآن أن أكتب مقالا عن ماهية المسجد الاسلامى . واستجيب لطلبه بهذا المقال ، وأجعله فى صيغة سؤال وجواب .

 س 1 ـ هل هناك فى الاسلام ( جامع ) بمعنى  مسجد ؟

مصطلح ( جامع ) جاء وصفا لرب العزة جل وعلا الذى سيجمع الناس يوم القيامة أو يوم الجمع ، قال جل وعلا : (إِنَّ اللَّـهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴿١٤٠﴾النساء ) ويقول المؤمنون : ( رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴿٩﴾ آل عمران ).

س 2 ـ ولكن كلمة ( جامع) جاءت أيضا فى سورة النور .!

نعم. قال جل وعلا فى موشوع الشورى أو الديمقراطية المباشرة (  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ ) (٦٤﴾ النور)، أى لم يرد وصف الجامع للمسجد ، هو وصف لإجتماع جامع .

س 3 : ما السبب فى تسمية المسجد بالجامع ؟

تكاثر إنشاء المساجد لأغراض سياسية ومذهبية ودينية. المسجد الكبير الذى يصلون فيه صلاة الجمعة والذى يجتمع فيه كثرة كاثرة من الناس أطلقوا عليه اسم ( الجامع ) .

س 4 ـ ولكن مذكور فى القرآن الكريم اسماء لبيوت العبادة من صوامع وبيع فى الآية 40 من سورة الحج .!

قال جل وعلا : ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٤٠﴾ الحج ). هذه الآية الكريمة عن حصانة بيوت العبادة للناس بغض النظر عن دينهم إن كان إسلاما صحيحا أو كفرا . فى تشريع الاسلام التأكيد على حرية الدين وعدم الإكراه فى الدين لأن للدين يوما هو يوم الدين أو الحساب. والمقصد التشريعى للقتال فى الاسلام هو أن يكون الدين كله لله جل وعلا أى مؤجلا الحكم فيه الى يوم الدين ، قال جل وعلا : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّـهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿١٩٣﴾البقرة ) (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّـهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّـهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴿٣٩﴾) الانفال ).

س 5 ـ هناك ايضا بيوت الله جل وعلا . ما هو الفارق بين بيوت العبادة لله جل وعلا والمساجد ؟

تأتى البيوت بمعنى المساجد الاسلامية فى قوله جل وعلا : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ) ﴿٨٧﴾  يونس ). هذه البيوت التى أُقيمت فيها الصلاة خوف فرعون كانت مساجد . والله جل وعلا وصف المساجد الاسلامية فى أى زمان ومكان فى قوله جل وعلا : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴿٣٦﴾  رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴿٣٧﴾لِيَجْزِيَهُمُ اللَّـهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّـهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿٣٨﴾ النور ).

س 6 :المفهوم هنا أن روّاد هذه المساجد هم رجال . فأين النساء فى التعبد فى المساجد ؟

كلمة ( رجال ) هنا تعنى مترجلين ، مثل قوله جل وعلا عن من يقصد الحج من الذكور والإناث :  ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴿٢٧﴾ الحج ).

س 7 : هذا عن المساجد العادية بيوت العبادة. فماذا عن المسجد الحرام ؟

يطلق عليه وحده المسجد الحرام، قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٢٥﴾ الحج )، وأيضا (البيت الحرام ) ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴿١٥٨﴾ البقرة ) ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴿٩٦﴾ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗوَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴿٩٧﴾ آل عمران) (  جَعَلَ اللَّـهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ  ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴿٩٧﴾ المائدة )( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴿١٢٥﴾ البقرة).

س 8 : ( المسجد ) بالمفرد يكون عن البيت الحرام أو المسجد الحرام و ( مساجد ) بالجمع عن المساجد الأخرى . هل هناك فوارق أخرى ؟

( مسجد ) بالمفرد تُطلق أيضا على غير المسجد الحرام ، يعنى إن كان مسجدا للضلال مسجد ضرار أو مسجدا للإسلام مؤسسا على التقوى ، قال جل وعلا : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿١٠٧﴾ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚلَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ ) ﴿١٠٨﴾ التوبة ) . ولكن المسجد الحرم تأتى أوصافه المتفردة من الحج اليه ، قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٢٥﴾ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴿٢٦﴾ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴿٢٧﴾ الحج )، والاتجاه اليه فى الصلاة  ، قال جل وعلا : ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) ﴿١٥٠﴾ البقرة).

س 8 : مفهوم أن الكفر والشرك فى العبادة وفى القلب يعنى الايمان بالله جل وعلا والايمان بأولياء وآلهة معه ، وعبادة الله جل وعلا وتقديس وعبادة أولياء وآلهة معه. وهذا يتجسّد فى المساجد . فيها مساجد يعبد فيها الناس الله جل وعلا ويعبدون غيره ، يذكرون فيها الله جل وعلا ويذكرون غيره ، يدعون الله فيها جل وعلا ويتوسلون بغيره.هذه المساجد (المختلطة ) كيف تكلم عنها رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم ؟

فى قصة أهل الكهف وعند العثور عليهم قرر الملأ أن يقيموا فوقهم مسجدا للتبرك بهم ، قال جل وعلا : ( وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖرَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ﴿٢١﴾ الكهف ). وفى هذه المساجد يذكرون الله جل وعلا ويذكرون غيره ، ويرفضون ذكر الله جل وعلا وحده ، وحين بدأ النبى محمد عليه السلام يدعوهم الى أن تكون المساجد فى مكة لله جل وعلا وحده ثاروا عليه وكادوا يفتكون به ، جاء هذا فى قوله جل وعلا : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّـهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّـهِ أَحَدًا ﴿١٨﴾ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّـهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴿١٩﴾ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا  ﴿٢٠﴾ الجن )

س 9 : هل هناك فوارق أخرى بين مساجد الاسلام ومساجد الشرك والكفر ؟

نعم ، قال جل وعلا : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّـهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴿١٧﴾ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّـهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَـٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴿١٨﴾التوبة ). المشركون يتصورون عمارة المسجد بالزخرفة وبالبناء الفخم يتقربون بهذا الله والى آلهتهم ويتصورون أن الله جل وعلا يرضى هذا . هذا التعمير المادى أو العمارة المادية لا أهمية لها عند رب العزة جل وعلا. الذى يرضيه جل وعلا تعمير القلوب بالتقوى .

س 10 : هذا عن الكفر فى العبادة وفى القلب . فماذا عن المسجد لدى الكافرين بالسلوك ، بالاعتداء والإكراه فى الدين وإتّخاذ المسجد للتآمر ، وهذا هو حال المساجد فى عصرنا ؟

ذكرها رب العزة جل وعلا ، وهى نوعان :

1 ـ نوع يعبر عن الكفر المتعدى الصريح ،ومنه إرهاب المؤمنين ومنعهم من دخول المساجد إلا إذا ذكروا فيها غير الله جل وعلا ، أى يمنعون أن تكون المساجد لذكر الله جل وعلا وحده ، وهذا ما جاء فى قوله جل وعلا : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّـهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿١١٤﴾ البقرة ). وقد عانيت مع أهل القرآن من هذا فى مصر . ومنه أيضا ما فعلته قريش حين أخرجت المؤمنين من ديارهم ، وهذا ما جاءت الاشارة اليه فى قوله جل وعلا فى تشريع القتال الدفاعى : ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٤٠﴾ الحج ).

2 ـ النوع الثانى: هو الذى يقوم به المنافقون حين يستخدمون المساجد فى التآمر ،قال جل وعلا : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿١٠٧﴾ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚلَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴿١٠٨﴾ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿١٠٩﴾ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿١١٠﴾ التوبة ).

س 11 : ولكن هذا النوع إنتهى واصبح تاريخا ماضيا ، لأنه حدث فى عهد النبى محمد عليه السلام ، ونهاه الله جل وعلا أن يعود اليه ويقوم فيه .

فى نفس السياق إشارة بإستعمال الفعل المضارع عن تكرار نفس العمل ، قى قوله جل وعلا : ( لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿١١٠﴾ التوبة ). وقبلها مقارنة بين المسجد الاسلامى ومسجد الضرار فى قوله جل وعلا : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿١٠٩﴾ التوبة ). هذه قاعدة سارية فى الفارق بين مسجد الاسلام ومسجد الضرار . وأعتبره آية ( إعجازا ) تاريخيا لأن الأغلبية الساحقة من مساجد اليوم هى مساجد ضرار ، يدعون فيها غير الله جل وعلا ، ويقدسون فيها غير الله جل وعلا وينشرون فيها أحاديث شيطانية تنشر الكفر والتفريق والفتن . 

س 12 : نصل الى الأهم : مواصفات المسجد الاسلامى .!

هى واضحة من الآيات السابقة . أن يكون المسجد لذكر الله جل وعلا وحده ، الأذان بالصلاة يكون بإسمه جل وعلا وحده دون ذكر النبى محمد أو أى بشر ، وفيه شهادة الاسلام الواحدة ( لا إله إلا الله ) ثم تكون فيه الصلاة لله جل وعلا وحده بذكره فيها وحده تطبيقا لقوله جل وعلا : (  إِنَّنِي أَنَا اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴿١٤﴾ طه )، وان يكون فيها التوسل بالله جل وعلا وحده والدعاء اليه وحده ، قال جل وعلا : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّـهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّـهِ أَحَدًا ﴿١٨﴾ الجن ). بإختصار أن يكون المسجد خالصا لرب العزة جل وعلا يكون فيه إخلاص الدين لله جل وعلا وحده ، قال جل وعلا :( وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )( ٢٩﴾  الاعراف ).

س 12 : ماذا عن النساء ؟

صلاة الجمعة فرض على الرجال والنساء ، لو كانت مقصورة على الرجال ما خاطب الله جل وعلا بها عموم المؤمنين ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٩﴾ الجمعة ) الصلاة اليومية فرض على عموم المؤمنين . والاعتكاف فى المساجد ليلا ونهارا هو للمؤمنين والمؤمنات ، ولكن يحرم على الزوجين المباشرة الجنسية وقت الاعتكاف فى المسجد ، قال جل وعلا : ( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿١٨٧﴾ البقرة ). ويجب على الرجال والنساء التزين عند الذهاب الى المسجد ، قال جل وعلا : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) ﴿٣١﴾ الاعراف )

س 13 : هل يجوز تسمية المسجد فى الاسلام بأسماء أشخاص أو بأسماء مدن ؟

. المسجد فى الاسلام لا يجوز تسميته بإسم مخلوق من البشر ، لا تقول مسجد فلان . لك أن تقول مدرسة فلان أو شارع فلان أو مستشفى فلان .. لكن بيت الله جل وعلا يكون منسوبا اليه جل وعلا أو لإسم من أسمائه الحسنى ( مسجد الرحمن ، مسجد الرحيم  ، مسجد الصمد مسجد الفاطر ) أو لكتابه الكريم ( مسجد الفرقان ، مسجد القرآن )..

س 14 : هل يجوز أن تكون للمسجد مهام أخرى مثل التعليم والتداوى ، لأن المساجد اليوم أصبحت مؤسسات فيها دروس خصوصية وفيها مستشفيات ودور للرعاية الاجتماعية ؟

المساجد هى لعبادة الله جل وعلا دون أى عمل إقتصادى أو نفعى . لنتذكر قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٩﴾ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿١٠﴾ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّـهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّـهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّـهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴿١١﴾ الجمعة ). هذا فصل تام بين دور المسجد التعبدى وما فى الدنيا من تجارة أو لهو. ولنتذكر أن مساجد الضلال والضرار يتخذونها لممارسة اللغو واللهو واللعب والتغنى بالقرآن الكريم .

س 15 : ماذا عن إقامة عمل خيرى داخل المسجد ؟

هذا يشغل الناس عن التعبد فى المسجد بذكر الله جل وعلا. يمكن أن تكون لهذه الأنشطة الخيرية مؤسساتها المنفصلة والمستقلة .                                

س 16 : ماذا عن تحفيظ القرآن الكريم فى المسجد ودراسته وتدبره ؟

تدخل ضمن أنواع الذكر فى المسجد. لا تنس أن من أسماء القرآن : ( الذكر ) وأن التدبر ودراسة القرآن عبادة .

س 17 : ولكن التجارة وتبادل المنافع جائزة فى الحج عند المسجد الحرام

البيت الحرام فى واد ليس فيه زرع ، قال جل وعلا : (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴿٣٧﴾ ابراهيم )  ويُجبى اليه ثمرات كل شىء ، وهذا مما إمتنّ الله به جل وعلا على قريش ، قال جل وعلا : (أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا ) ﴿٥٧﴾ القصص ) . أى يأتى الناس بالأنعام وغيرها لتباع فى مكة ، ومن ضمنها حيوانات الهدى التى يتقرب الحجاج بذبحها . الله جل وعلا قال عن الأنعام : ( وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٥﴾ النحل ). ومن منافعها فى الحج الى البيت الحرام قوله جل وعلا : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴿٢٧﴾ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴿٢٨﴾ ) ،  ( لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴿٣٣﴾ الحج ). هذا خاص بالحج للبيت الحرام .

 

الفصل السادس عشر : من التواتر الشيطانى : إبتداع وإستمرار صلاة العيدين

 

 

مقدمة :

مصطلح ( عيد ) لم يأت عن الصلاة مطلقا . حين طلب الحواريون من عيسى عليه السلام مائدة من السماء دعا ربه جل وعلا فقال : (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّـهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴿١١٤﴾ المائدة ). ومع انها آية ( معجزة ) هائلة فلم تتحول الى مناسبة دينية ، أى لم تصبح عيدا يحتفل الحواريون بذكراه شكرا لرب العزة جل وعلا ، بل تم تناسيه .

ليس فى دين الله جل وعلا أعياد . الأعياد توجد فى حياة البشر الاجتماعية ، ولا بأس فى هذا . ولكن أن تصبح الأعياد دينا فهذا ملمح من ملامح الأديان الأرضية القائمة على اللهو واللعب ، وتتكاثر فيها أعياد للآلهة وغيرها . العبادات الاسلامية تقوم على الخشوع والتضرع والإخبات . ولكن تحكم الخلفاء والسلاطين فى الحياة الدينية والمساجد والصلاة ، أعطاهم الفرصة لتحويل الدين الى لهو ولعب وإحتفالات بمثل ما كان سائدا فى البيئات النهرية من قبل. لذا أضافوا الى صلاتهم الشيطانية صلوات فى مناسبات ، أهمها صلاة العيدين وما تبعها من من ( المولد النبوى ) تقليدا لعيد الميلاد المجيد وموالد الأولياء متابعة لأعياد القديسين ..الخ.. . ونعطى عن صلاة العيد لمحة تاريخية .  

 البداية

1 ـ إخترعوا حديثا رواه ابن سعد فى الطبقات الكبرى يزعم  : ( أن بلال كان "يحمل العنزة بين يدي رسول الله يوم العيد والاستسقاء.." (ابن سعد 7/2/112). ومع هذا فلم ترد فى الطبقات الكبرى لابن سعد تفصيلات عن كيفية صلاة العيد فى عهد النبوة ، وان تكاثرت الأخبار عنها فى الكتب الفقهية تحمل الكثير من التنظير.

2 ـ الذى جاء فى المصادر التاريخية يفيد بأن الأمويين هم الذين احتفلوا بصلاة العيد وجعلوا لها آذانا وخطبة مثل صلاة الجمعة ، وكان الغرض سياسيا ، بالطبع ، خاصة وهم الذين كانوا يتهاونون فى الصلاة المفروضة الواجبة، ولا يهتمون فى صلاة الجمعة الا بالتطويل فى الخطبة التى حولوها الى منشور سياسي دعائي. تقول الروايات ان زياد بن ابيه حاكم العراق فى عهد معاوية هو أول من جلس على المنبر فى العيدين وجعل لهما آذانا (الوافي بالوفيات 15 /13) ، وهناك رواية أخرى تقول ان بشر بن مروان – أخ عبد الملك بن مروان – حاكم العراق هو أول من أحدث الآذان للعيد فى الكوفة : "فأكبر الناس ذلك وأعظموه " أى احتجوا عليه ، وقد توفى بشر بن مروان سنة 75  هـ ( الوافى بالوفيات 10/153) ، يعزز ذلك رأى ابن ابي شيبة الذى يقول : أول من أحدث الآذان في عيدي الفطر والأضحى بنو مروان ، عبد الملك أو أحد من أولاده (السيوطي تاريخ الخلفاء 248).

وهناك آراء أخرى تقول انه معاوية اول من أحدث الآذان فى العيد وينسب هذا الرأى لسعيد بن المسيب ، ورأى آخر منسوب للزهري يقول : أول من أحدث الخطبة فى صلاة العيد هو معاوية " (السيوطي ك نفس المرجع 317) . فى كل الأحوال فإنهم إخترعوا العيد وصلاة العيد وجعلوها صلاة عامة فى المسجد وجعلوها كصلاة الجمعة فى الآذان وفى الخطبة .

3 ـ واشتهر عمر بن عبد العزيز بطقوس خاصة فى صلاة العيد . فكان فى عيد الفطر يدعو أصحابه صباحا ليفطر معهم بتمر من "صدقة رسول الله" أو "كان يأكل شيئا قبل ان يغدوا الى صلاة العيد" وكان يمشى الى المصلى ثم يصعد الى المنبر فيكبر سبع تكبيرات تترى ، ثم يخطب خطبة خفيفة ، ثم يكبر فى الثانية خمسا ، ثم يخطب خطبة أخف من الأخرى ، يقول الرواي : رأيته أتي بكبش فى المصلاة . فذبحه بيده ، ثم أمر بقسمته و لم يحمل الى منزله منه شيئ " ويقول آخر " سمعت عمر بن عبد العزيز يجهر بالتكبير حتي يسمع آخر الناس ، مع الأولى سبعا ثم يقرأ ، وفى الآخرة خمسا ثم يقرأ فى الأولى ( ق و القرآن المجيد) ، وفى الثانية "اقتربت الساعة وانشق القمر )، وكان يدعو من كل تكبيرتين بحمد الله ويكبر وصلي على النبي (ابن سعد 5/267) .

4 ـ وبمجيء الدولة العباسية قامت بتغيير جزئي فيما ابتدعته الأمويون فى صلاة العيد.

فى موسوعة "نهاية الأرب" فى الجزء الثاني والعشرين وفى الحديث عن ظهور الدعوة العباسية فى خراسان سنة 129 يذكر النويري انه بعد تجمع أنصار الدعوة العباسية وحلول عبد الفطر أمر أبو مسم الخراساني (قائد الجيش الذى دمر فيما بعد الدولة الأموية)  سليمان إبن كثير رئيس الدعاة السريين ان يصلي به وبالشيعة (ومصطلح الشيعة فى ذلك الوقت كان يعني اتباع الدعوة للرضى من آل محمد ، وكان مفهوما انه من ذرية على ابن ابي طالب ، ولم يكن يعرف احد من الشيعة ان الأمر قد تحول لذرية ابن عباس)، وأمره أن يبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير آذان ولا إقامة . وأمره ايضا ان يكبر ست تكبيرات تباعا. ثم يقرأ ويركع بالسابعة . ويكبر فى الركعة الثانية خمس تكبيرات تباعا ، ثم يقرأ ويركع بالسادسة ، ويفتتح الخطبة بالتكبير ويختمها بالقرآن / وكان بنوا أمية يكبرون وفى الأولى أربع تكبيرات وفى الثانية ثلاثا. (نهاية الأرب 22/20). المفهوم من هذه الرواية ان كبير الدعاة : سليمان ابن كثير تلقى أوامر من القائد العسكري والسياسي للحركة العباسية بكيفية صلاة العيد وعدد التكبيرات وموقع الخطبة ، بما يخالف "السنة الأموية". و "السنة الأموية" نفسها اختلفت مع نفسها ، اذ كان عمر بن عبد العزيز يكبر ( اي يقول الله اكبر) سبع مرات فى الركعة الأولى ، وخمس تكبيرات فى الثانية ، ثم نزل التخفيض بعده فأصبحت أربع تكبيرات فى الأولى وثلاثا فى الثانية .

5 ـ وحين تولى الخليفة المعتضد العباسي سنة 240 صلي بالناس صلاة عيد الأضحى فكبر فى الأولى ستا وفى الثانية واحدة . ولم تسمع منه الخطبة (تاريخ الخلفاء للسيوطي 590)

ونرجع للسيوطي فى تاريخه ( تاريخ الخلفاء) لنراه يسجل ان صلاة العيد أقيمت لأول مرة فى جامع مصر (الفسطاط) سنة 302 ولم يكن يصلي فيها العيد قبلها، وحدث ان خطب العيد الشيخ على بن شيخه ، وفى هذه الخطبة الأولى للعيد فى مصر حدث خطأ هائل لأن الخطيب قرأ قوله تعالى "اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون" فقال " ولا تموتن الا وانتم مشركون" (تاريخ الخلفاء 607). اى ان مصر بعد الفتح لم تعرف صلاة العيد فى عصر الخلفاء الراشدين او الامويين او العصر العباسي الأول.

 

 إزدهار صلاة العيدين فى العصر الفاطمى

1 ـ تحولت الحياة الاجتماعية والدينية الى إحتفالات ومواكب لتقديس الخليفة الفاطمى ، كانت هناك ما يعرف بالأعياد الاسلامية ( عيد الفطر وعيد الأضحى ) وأعياد شيعية مثل عاشوراء ، وقبطية وفرعونية ، وبهذا إجتذب الفاطميون المصريين الٌباط فدخلوا فى الدين الشيعى أفواجا ، إذ كانت تلك الأعياد مواسم لاظهار كرم الخليفة مع رعاياه .

يقول المقريزى فى الخطط عن موسم عيد الفطر‏:‏ ( وكان لهم في موسم عيد الفطر عدة وجوه من الخيرات منها‏:‏ تفرقة الفطرة وتفرقة الكسوة وعمل السماط وركوب الخليفة لصلاة العيد وقد تقدم ذكر ذلك كله فيما سبق‏.) ( عيد النحر‏:‏ فيه تفرقة الرسوم من الذهب والفضة وتفرقة الكسوة لأرباب الخدم من أهل السيف والقلم وفيه ركوب الخليفة لصلاة العيد وفيه تفرقة الأضاحي كما مر ذلك مبينًا في موضعه من هذا الكتاب‏.).

2 ـ ومما سجله المقريزى نعطى لمحة عن احتفالات بعيد الفطر :
شوال 361هـ: كانت أول خطبة عيد للمعز الفاطمي في القاهرة عاصمته الجديدة .

شوال 364هـ : ركب المعز الفاطمي لصلاة عيد الفطر علي العادة ، وورد عليه الخبر بأن جنوده قد انتصروا علي الروم في الشام فسر المعز بذلك ، وتصدق على الفقراء...

 شوال 381هـ: صلي الخليفة الفاطمي العزيز بالله بن المعز صلاة عيد الفطر وخطب علي العادة .وأهدت إليه امرأة أسدا كانت قد ربته وأرضعته فكان حجمه كالكبش الكبير .

 شوال386هـ : فرشوا سرير الذهب للخليفة ( الطفل ) الحاكم بأمر الله الفاطمي بن العزيز بالله وكان قد تقلد الخلافة في 28 رمضان ، وخرج الخليفة الجديد في عيد الفطر راكبا فرسا أدهم وقد تعمم بالجواهر وتقلد السيف ، وفي ركابه حسين بن عبد الرحمن الرابض وبرجوان ، وقام له الناس وقبلوا الأرض أمامه ، وتكلم ابن عمار عن الخليفة ( الطفل ) فقال للقاضي ابن النعمان : مولانا يأمرك بالخروج إلي المصلي لتصلي العيد بالناس وإقامة الدعوة لأمير المؤمنين، فنهض القاضي قائما وقلده برجوان سيفا محلي بالذهب، ومضي القاضى فصلي الناس وأقام الدعوة للخليفة الحاكم . ثم نصب السرير المذهب في صفة الإيوان ونصب السماط للطعام وكان من فضة ، وجلس الخليفة ( الطفل ) علي السماط وحضر المدعوون فأكلوا .

 شوال 387هـ: صلي الحاكم عيد الفطر وخطب العيد ، وأحضروا له امرأة من الأقزام من الشام في علبة ، طولها ذراع واحد ، وهى من غير ذراع ، ومعها أخ لها في قد الرجال من حيث الطول ، فأنزلت بالقصر وصرفوا لها ولمن معها الرواتب ، وقطع لها في وقت واحد مائة ثوب من الحرير ، وكانت مليحة الكلام نظيفة . ولبثت بضعة وثلاثين يوما وماتت .. فكانت لها جنازة عظيمة .

شوال 395هـ: كانت أوامر الحاكم المتناقضة قد كثرت في ذلك العام وأحدثت أثرا سيئا . وفي عيد الفطر ركب الحاكم للصلاة وعليه ثوب أصفر وعلي رأسه منديل وقد غطي نصف وجهه الأسفل والجوهر بين عينيه ، وكان بين يديه ستة أفراس بسروج مرصعة بالجواهر وستة فيلة وخمس زرافات ، فصلي بالناس العيد ، وخطب فيهم فلعن في خطبته خصومه والمرجفين به .

شوال 402 هـ: شدد الحاكم أوامره في منع بيع الملوخية والسمك الذي لا قشر له ( القراميط ) ومنع الناس من الاجتماع في المآتم والسير فى الجنائز ، وأحرق الزبيب والشطرنج وجمع الصيادين وحلّفهم ألا يصطادوا سمكا بغير قشر ومن فعل ذلك ضربت عنقه، وتوالي إحراق الزبيب عدة أيام،وأحرقوا منه 2840 قطعة وبلغت تكاليف حرقها خمسة آلاف دينار . 

شوال 403 هـ: قبله جاءت أوامر جديدة للحاكم تمنع تقبيل الأرض بين يديه والانتهاء عن أخلاق أهل الشرك من السجود لغير الله ، وألا يصلوا عليه في المكاتبة و المخاطبة .ثم صلي الجمعة في رمضان في جامع عمرو بالفسطاط ، وهو مركز لأهل السنة، والحاكم كان أول من صلي فيه من الخلفاء الفاطميين وكثرت إعطاياته للناس. وحين جاء عيد الفطر ركب ليصلي بغير ما تعود من الزينة والمواكب .

شوال 404هـ : استمر الحاكم في سياسته الجديدة فركب لصلاة الجمعة قبل عيد الفطر فازدحم عليه الناس فوقف لهم وحادثهم وضاحكهم وأعطاهم الكثير. وفي عيد الفطر ركب للصلاة بغير زى الخلافة ، ولم يعمل سماط في القصر لكبار الناس ، ومنع النساء من الخروج ..

شوال 415 هـ: ركب الخليفة الجديد الظاهر  لصلاة العيد في عساكره وبين يديه فيل وزرافات وأعلام مذهبة بقصب وفضة والطبول تضرب والخيول  أمامه ، وجميع القواد أمامه في السلاح ، وعليه ثوب خز وفي يده القضيب ، وعليه السيف ومعه الرمح ، وعلي رأسه المظلة المذهبة يحملها خادمه مظفر وبين يديه الخدم السودان وعليهم أصناف المذهبات .ووصل بهذه الزينة و المواكب إلي الجامع الأزهر فصلي العيد ورقي المنبر ، وخطب ثم نزل ، وعاد إلي قصره وأقيم السماط فأكل أهل الدولة ..

 

 

الفصل السابع عشر : لمحة عن الاحتفال بالعيدين فى العصر المملوكى

 

 1 ــ ويصف ابن الصيرفى بعض مظاهر الاحتفال الرسمي بعيد الفطر 876، يقول عنه: ( أهلّ بيوم الأربعاء ، ويوافقه من أيام الشهور القبطية خمس عشر برمهات، وهذا أول يوم من الربيع. فيه صعد قضاة القضاة إلى السلطان فصلوا صلاة العيد بالإيوان الذى جدّده بالقرب من باب القصر . وكنت في خدمة قاضى القضاة الحنفي . ودخلت القصر، فحضر السلطان، وكان له موكب عظيم، الجاويشية تزعق والأوزان تضرب، والنشابه السلطانية والصنوج وأمثال ذلك، والعسكر والأمراء الأكابر خلفه ، وهم الأمير جانبك قلقسيز أمير سلاح والأمير لاجين أمير مجلس والأمير جانبك بن ططخ الفقيه أمير أخور والأمير تمر حاجب الحجاب، والأمراء أزدمر الطويل والأمير قراجا الطويل والأمير قانصوه المحمودى والأمير سودون، وبقية العسكر . والأمراء يقبلون يد السلطان ، وأمير جندار وأمير داودار ثانى يمسكانهم حتى يقبلوا يد السلطان. ودخل قضاة القضاة بعد لبس خلعهم وهنّوه فقام لهم، ولم يقم لأحد من الترك (المماليك) في هذا المجلس سوى للأمير جانبك الإينالى الشرفي الشهير بقلقسيز نصف قومة. ودخل المباشرون وبقية العسكر فهنّوه وقبّلوا الأرض وباسوا يده ، وانصرفوا على ذلك . والله مالك الممالك.).

وواضح مما سبق أن السلطان جعل لعيد الفطر احتفالاً موسيقياً عسكرياً، وإن لم يخل من تقديس فرضته الطقوس المملوكية وباركته الشريعة السّنية في تقبيل الأرض بين يدى السلطان، أى كانوا يسجدون سجوداَ كاملاً أمام السلطان، وقد كان ذلك يحدث دائماً وفي أثناء المناسبات الدينية وبعد أن سجدوا لله تعالى في صلاة العيد، جاءوا ليسجدوا للسلطان ويقبلوا الأرض بين يديه، وأحيط ذلك بطقوس مملوكية حربية من دق الصاجات والطبول وصراخ الجاويشية لترتجف القلوب وهى تدخل ذلك الإيوان الجديد الذى بناه السلطان.

2 ـــ وكان ذلك يحدث بالطبع في صلاة عيد الأضحى، إلا أن عيد الأضحى تميز بأنه عيد الأضحية ، حيث يقوم السلطان بذبح الأضاحي وتوزيعها على أرباب المناصب وبعض فقراء القاهرة، وكان الرؤساء والأمراء يقلدون السلطان في ذلك. وفي عيد الأضحى 873 كان السلطان في فارسكور، فلم يتم توزيع الأضاحي في القاهرة بسبب غياب السلطان ، وكان ذلك من أسباب الهم والغم في القاهرة، يقول مؤرخنا يعبر عن حزنه وحزن الآخرين: ( هذا والناس بالقاهرة في أمر مريج وقلق عظيم لعظم الغلاء ومخافة السبل والطرقات ، والمصيبة العظمي حزنهم على من مات لهم بالطاعون قبل تاريخه، والزيادة على ذلك قطع ( أى منع ) أضاحى الناس لسفر السلطان لأن المباشرون قطعوا ( منعوا ) غالب الأضحية، ولم يفرق أحد في هذه السنة من الرؤساء والأمراء شيئاً من الأضاحي اقتداءاً بغيبة لسلطان نصره الله، وكان هذا العيد أشبه شيء بالمأتم لما طرق الخلق من الحزن والكآبة وقبض الخاطر، وافتقر بسبب هذا الغلاء خلائق من الأعيان وغيرهم لطول مكثه. ). أى لأنّ السلطان بالديار المصرية أى بالأقاليم فلم يجد ابن الصيرفي في العيد إلا مأتماً لأن السلطان غائب وأضحياته ضاعت فضاعت بهجة العيد.

3 ـ وفي عيد الأضحى 875 فرّق السلطان الأضحية على المستحقين من أرباب الوظائف، وخلع السلطان على ناظر الخاص الذى قام بتفرقة الأضحية، ( وشكر الناس ودعوا للسلطان بسبب ذلك.). وفي عيد الأضحى 875 سافر الأمير قانصوه الخسيف من القاهرة، ويعلق مؤرخنا على ذلك فيقول: ( كأنه هرب من تفرقة الأضحية، وفرق السلطان نصره الله، الأضحية على المماليك السلطانية وغيرهم ، فجزاه الله خيراً.).  وفي عيد الأضحى 885 فرّق السلطان الأضاحي، يقول مؤرخنا : ( وذبح فيه السلطان. ونحر ذبائح عظيمة وفرّق فيه من قبله أضاحي من أول هذا الشهر بجمل من الأموال ، ولم يعط المباشرون فيه لأحد عادته كما رسم لهم. )، أى أن السلطان كان يوكل للمباشرين تفرقة الأضاحى، ويقوم المباشرون باختلاس الأضحية وحرمان المستحقين . وهى عادة مصرية سيئة.

الدعم لا يصل إلى مستحقيه: ويقول مؤرخنا يعطي تفصيلات أكثر:( وفُرّقت أضحية السلطان ــ نصره الله ـــ في هذه السنة بحضوره في الحوش السلطانى على الخاص والعام ، من أمير المؤمنين ( الخليفة العباسى الذى كان يقيم فى القاهرة ) دام شرفه ، وقضاة القضاة ، حتى إلى اليتيم والأرملة والضعيف والفقير والفقية والعاجز والمسكين . وذلك بوصية السلطان في ذلك. ).  وهذا كلام جميل يطمئننا على أن الفقراء أكلوا لحماً فى ذلك العيد، ولكن لا يلبث مؤرخنا أن يناقض نفسه فيقول : ( غير أن الفقهاء والفقراء يقاسون من ديوان الخاص من الشدائد والتعب أمراً عظيماً، وذاك أن المتكلم في هذه السنة في وظيفة الخاص وكيل السلطان علاء الدين إبن الصابوني رسم له السلطان أن لا يعوّق أحداً، فصاروا يأخذون الوصول،ثم يأخذون خط ابن الصابوني ثم يتوجهون إلى الصيرفي فلا يعطيهم إلا فلوساً. وأما أصحاب الجاه الأقوياء فيأخذون ذهباً وفضة وغنماَ، بل ويرسلون إلى بيتهم من غير مطالبة . ). كانوا يصرفون الدعم في وصل أو بطاقة يتسلمها أحدهم وعليها توقيع وكيل السلطان ابن الصابوني، ويذهب بالوصل إلى الموظف المختص بالصرف، فإذا كان صاحب الوصل فقيراً صرف له قليلاً من الفلوس، أما إذا كان من أصحاب الجاه وذوى النفوذ أخذ بذلك الوصل الذهب والفضة والغنم، بل أرسلوه إلى بيته بدون أن يحضر إلى الصرّاف.إنّها (الدولة العميقة) فى مصر!.العميقة العريقة فى فسادها وتسلّطها وتحكم كبار موظفيها فى الشعب المسكين. ومن سنّتها أن يذهب الدعم إلى غير مستحقيه.

أخيرا

ومع ذلك فإن هذه البدعة ( صلاة العيد ) لا تزال فريضة مرعية الجانب لصلتها بالاستغلال السياسي .. ويحرص الفرعون المصري على حضور صلاة العيدين ، وفى المقابل فإن أتباع التيار الديني الوهابي السياسي ( الاخوان المسلمين) يحرصون من جانبهم على تأدية صلاة العيد ، ولأنهم خارج السلطة فإنهم يحرصون على تأدية صلاة العيد فى الخلاء ، لاستعراض القوة ولجذب الانتباه ، ونشر النفوذ وكسب المزيد من الاتباع..

 

 

 

الفصل الثامن عشر : التواتر الشيطانى فى صلاة الجنازة : لمحة تاريخية

 

أولا :

1 ـ من العادات البشرية ما يعرف بتأبين الميت قبل دفنه .

2 : وإسلاميا فالصلاة على الميت هى مجرد الوقوف على قبرة والدعاء له .الصلاة ( على ) الميت هى دعاء له بعد الدفن قبره، وليست لها كيفية معينة . مجرد الوقوف بخشوع ثم الدعاء للميت أن يرحمه الله جل وعلا.هذا الدعاء لا يفيد الميت لأن منزلته قد تحددت فعلا وتم تبشيره بالجنة أو النار حسب عمله وإيمانه .هذه الصلاة يكتسب ثوابها من يصليها فى دعائه لله جل وعلا.

3 ـ وكان النبى محمد عليه السلام يدعو لكل من مات فى عهده من أهل المدينة ، ونهاه الله تعالى عن أن يقوم داعيا مصليا على بعض المنافقين المعروفين لديه والذين قال الله تعالى أنه لن يغفر لهم ، لأنهم سيظلون على كفرهم إلى الموت . ونتتبع موضوعهم قرآنيا .

3 / 1 : قال جل وعلا عن أولئك المنافقين بالذات : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّـهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴿٧٩﴾ التوبة ) أى لم يقتصروا فقط على الامتناع عن الانفاق التطوعى فى سبيل الجهاد بل كانوا يسخرون من المتبرعين المؤمنين سواء كانوا فقراء أو أغنياء .

3 / 2 : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٨٠﴾ التوبة ) . أى لا فائدة من أن يستغفر لهم النبى محمد عليه السلام لأنهم كفروا وسيظلون على كفرهم حتى موتهم ، هكذا اخبر عالم الغيب جل وعلا.

3 / 3 : ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴿٨١﴾ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿٨٢﴾ فَإِن رَّجَعَكَ اللَّـهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ۖإِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴿٨٣﴾ التوبة ). هم فرحوا بتخلفهم عن القتال الدفاعى فكان جزاؤهم منعهم من الاشتراك مستقبلا فى العمل الدفاعى ، ثم الجزاء الآخر هو منع النبى من أن يقوم على قبر أحدهم داعيا مستغفرا له ، قال جل وعلا :( وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴿٨٤﴾ التوبة )

ثانيا :

1 ـ الطقوس فيما يعرف بصلاة الجنازة وطقوس الجنازة نفسها هى عادات اجتماعية متوارثة متواترة فى الأديان الأرضية بما فيها كلمات التلقين ، وهم يفترضون ان الميت حىُّ فى قبره يسمعهم ويتعلم منهم ، وهم يلقنونه أو ( يغششونه ) فى الامتحان عندما يأتى لامتحانه الاستاذ (منكر) والأخ ( نكير ) ، وبعدها يكون القبر بزعمهم حفرة من حفر النار او روضة من رياض الجنة. ولا عزاء لمن يسقط فى البحر غريقا ..( طُظّ ) فيه . طقوس الجنازة تختلف فى طرافتها وخرافاتها  لدى كل الشعوب والثقافات والأديان الأرضية ، ولكنها أكثر إضحاكا عند المحمديين والأقباط المصريين ، لأنها متوارثة لديهم من عصر الاعتقاد فى ايزيس واوزوريس . وانتشرت من مصر الفرعونية الى ما حولها .

2 ـ فى تاريخ المسلمين صنعوا حديثا نسبوه للنبى محمد عليه السلام أنه قال فى جنازة حبيب بن معلمه النهرى " صلوا على أخيكم واجتهدوا فى الدعاء له ، وليكن من دعائكم له : اللهم اغفرلهذه النفس الحنيفية المسلمة واجعلها من الذين تابوا واتبعوا سبيلك وقها عذاب الجحيم " ( ابن سعد 7 ، 2 ، 155 ) . وقالوا أن سورة ( يـــس ) إذا قرئت عند المريض ى احتضاره خفف الله بها عنه ( ابن سعد 7 ، 2 ، 154 ). هذا كله تشريع يتبع دينا ارضيا يحول الموروثات الاجتماعية الى دين . وينضح بالكذب والافتراء .

3 ـ ولهذا تحتضن الكنائس ومساجد المحمديين صلاة الجنازة ، ويكون عقاب المغضوب عليه فى الكنيسة حرمانه عند موته من خدمات الجنازة فى الكنيسة ، ,اذكر إن القس ابراهيم عبد السيد كان أكبر معارض للبابا شنودة ، وحين مات حرمه البابا شنودة من خدمات الكنيسة ، وحضرت هذه الماساة بنفسى متعجبا كيف يسمحون لشخص أن يتحكم فى أتباعه فى حياته وفى موته .!! . وهو نفس الشىء تقريبا فى كهنوت المحمديين فى حرمان من يخرج عن دينهم من الدفن فى ( مقابر المسلمين ). كل هذا هجص فى هجص فى هجص . فالنفس عند الموت تعود الى برزخها الذى أتت منه ، ويبقى الجسد الميت جيفة نتنة يجب دفنها وتغيبها فى جوف الأرض لتحلل بعيدا عن الناس إكراما لمن كان صاحب هذه الجثة.

ثالثا : لمحة عن طقوس الجنازة فى مصر العصر المملوكى :

 المؤرخ ابن الصيرفى سجل أحداث عصره فىة سلطنة قايتباى فى كتابه (إنباء الهصر بأبناء العصر ) ونقتطف منه ما سجله عن مشاهداته فى بعض الجنازات نضعه تحت عناوين :

الجنازة الحافلة والجنازة ب ( الفقيرى )

1 ـ إذا كان من الأعيان كانت جنازته حافلة يحضرها قضاة القضاة وأعيان الموظفين والأمراء وربما السلطان نفسه:

1 / 1 : يقول مؤرخنا يصف جنازة القاضى برهان الدين (في 9 محرم 876) ( كانت له جنازة حافلة حضرها قضاة القضاة ومشايخ الإسلام وأعيان الرؤساء والمباشرون، ومشى غالبهم في الجنازة من المؤيدية (أى الخانقاة المؤيدية وكان شيخاً لها) إلى سبيل المؤمني، وركب السطان ونزل إليه حتى صلى عليه، وتقدم للصلاة عليه قاضى القضاة ولى الدين أحمد الأسيوطى الشافعي. ).

1 / 2 : وفي جنازة الأمير سيف الدين يشبك 876 : ( حضر السلطان إلى سبيل المؤمني وصلى عليه هو والأمراء الموجودون والأكابر والأعيان والقضاة ومشايخ الإسلام.).

1 / 3 : وحدث نفس الشيء في وفاة خوند مغل وخوند فاطمة بنت الظاهر ططر، بل حتى في وفاة ابن الأتابكي أزبك ، وهو طفل عمره سنتان، فقد كان من الحاضرين القضاة والمشايخ والأمراء والأعيان، يقول مؤرخنا:( وكانت له جنازة حافلة)، وكيف لا؟ وأبوه الأتابك قائد الجيش المملوكى وجده لأمه الظاهر جقمق. أى ( إبن أكابر)، أو بتعبير العصر المملوكى وعصرنا :( إبن ناس ).

2 : وقد يكون المتوفى سيء الحظ مغضوباً عليه قبل وفاته مثل ابن الكويز الذى كان له جنازة بالفقيرى على حد قول ابن الصيرفي.أى مغموسة بالفقر ..والفقير مُهان فى حياته وفى جنازته .

خطبة نفاق وأكاذيب فى تأبين الميت

1 ـ وبعد الصلاة على المتوفي يتطوع أحدهم ويرتجل خطبة يثني فيها على المتوفي ويشيد بمحاسنه حتى لو كان من أفجر الناس، وغالباً ما يكون أرباب المناصب كذلك، ولكنهم في العادة يريدون الاستحواذ على الآخرة كما استحوذوا على الدنيا.

2 ـ في جنازة القاضى  (الفاسد ) برهان الدين، وقف كاتب السر بعد الصلاة عليه وأثني عليه خيراً، يقول مؤرخناً يصف ما حدث: ( وشكر رئيس الدنيا ابن مزهر الأنصاري كاتب السر حفظه الله على المسلمين بين يدى السلطان ، وأثنى عليه بحضور السلطان وقضاة القضاة ومشايخ الإسلام ووصفه بالعفة والديانة والنظر السديد في الأمور.). مع أن هذا القاضى المتوفى كان نموذجاً فريداً للغدر والنذالة، فقد غدر بأخيه قاضى القضاة سعد الديرى الحنفي حين كان كاتب السر للسلطان خشقدم، ولكن صاحبنا نسى أفضال أخيه عليه وصعد للسلطان يخبره بأن أخاه ذهل وعجز عن القضاء، ووعد بدفع رشوة قدرها ثمانية آلاف دينار عجّل منها بخمسة ليعزل السلطان أخاه ويوليه مكانه، وتم له ما أراد، يقول مؤرخنا ابن الصيرفى :( فحصل لأخيه منه حصر زائد.). وبعد أن مات ذلك القاضى النذل تناسوا أفعاله الذميمة ووصفوه في جنازته بالعفة والديانة والنظر السديد. والمضحك أن كاتب السر كان يعرف نذالته وفساده وكان يتحدث عنه بهذه الشهادة الزور أمام أولئك الذين يعرفونه، ومنهم مؤرخنا ابن الصيرفي الذى نستقي منه تلك المعلومات. فتلك سنتهم القائمة على الكذب والتزوير مع معرفتهم بأنه كذب وتزوير . يتطوعون بالشهادات الزور أمام رب العزة عند موت أحدهم فيكذبون فى وصفه طبقا للسّنة الكاذبة التى تزعم أحاديثها أن الثناء على الميت من أسباب دخول الجنة مهما فعل. والمثل الشعبي في العصر المملوكي يعكس هذه الثقافة حين كان يقول ساخرا : ( بعد ما راح المقبرة بقي في حنكه سكرة ). ولعل ذلك المثل البليغ قد صيغ ليعبر عن ذلك النفاق الدينى الاجتماعى.

 3 ــ وأصبحت عبارة : ( وأثنوا عليه خيرا ) تأتى مرادفة لتفصيلات وقائع الجنازة:

3 / 1 : ففي وصف جنازة الأمير سيف الدين يشبك، يقول مؤرخنا: ( فحضر السلطان إلى سبيل المؤمني وصلّى عليه هو والأمراء الموجودون والأكابر والأعيان والخاصكية وقضاة القضاة ومشايخ الإسلام ، وأثنوا عليه خيراً. ).

3 / 2 :ويقول عن جنازة الشيخ أحمد بن مظفر 876 ( وممن حضر جنازته ودفنه شيخنا الشيخ أمين الدين الأقصرائي وأثنوا عليه خيراً.).

3 / 3 : ويقول عن ابن إمام الكاملية ت876 : ( كانت له جنازة حافلة وأثنوا عليه خيراً ) ، وعن ابن الميقاتي: (كان له مشهد عظيم وأثنوا عليه ثناءاً حسناً.).

3 / 4، وعن ابن قمر: ( وكانت له جنازة شهدها الفضلاء والطلبة وأثنوا عليه خيراً .).

3 / 5 : وعن شمس الدين الأمشاطي: ( وكانت جنازة حافلة مشهودة حضرها الفضلاء والعلماء والمشايخ والأعيان وكثر الثناء عليه ).

3 / 6 : وعن الشيخ سراج الدين العبادي شيخ الشافعية: ("كان له جنازة عظيمة حضرها قضاة القضاة ومشايخ العلماء والطلبة والفقهاء والمباشرون والأعيان وبعض الأمراء، وكثر الثناء عليه والترحم والذكر الجميل.).

4 ـ  ولو صدّقنا أنّ كل أولئك كانوا يستحقّون الثناء الجميل لكان علينا أن نرفض معظم ما قاله ابن الصيرفى فى أحداث عصره وأفعال أهل عصره التى جمعت كل الجرائم والموبقات والفساد. ومن الواضح أن المتخصّصين فى التزوير من علماء الدين والقضاة كانوا هم الذين يقومون بمهمة قول الثناء  الحسن وذكر محاسن الموتي، أى يبدأ أحدهم حياته بالنفاق والزور، ثم تشيعه فى دفنه عبارات النفاق والزور.

أماكن الصلاة على الميت فى القاهرة المملوكية :

 وكان يتم الصلاة على الميت في سبيل المؤمني أو في مصلى باب النصر، ويتم دفن الميت في تربة أسلافه. ولكن فى ظروف الوباء وتزايد الموتى تتكاثر أماكن الصلاة على الموتى . حتى تصل الى 17 مصلى . وننقل من ابن الصيرفى :

1 ـ فى شهر رجب انتشر الطاعون بالقاهرة. وكان مؤرخنا ابن الصيرفي يتبع الإحصاءات الرسمية بأعداد الموتى من الطاعون. في يوم الأربعاء 18 رجب وصل عدد من يموت بالقاهرة المحروسة إلى واحد وستين نفراً.. ثم وصل يوم الجمعة 20 رجب إلى مائة نفر، ويقول مؤرخنا ( فإن المائة التى ذكروها عن القاهرة كلها جاءه عدة من يموت وصلى عليه ) ويذكر أنّ من تمت صلاة الجنازة عليه بباب النصر أكثر من خمسين نفراً.

2 ـ  وبمرور أيام شهر رجب انتشر الطاعون بالقاهرة. وكان مؤرخنا ابن الصيرفي يتبع الإحصاءات الرسمية بأعداد الموتى من الطاعون. في يوم الأربعاء 18 رجب وصل عدد من يموت بالقاهرة المحروسة إلى واحد وستين نفراً.. ثم وصل يوم الجمعة 20 رجب إلى مائة نفر، ويقول مؤرخنا ( فإن المائة التى ذكروها عن القاهرة كلها جاءه عدة من يموت وصلى عليه ) ويذكر أنّ من تمت صلاة الجنازة عليه بباب النصر أكثر من خمسين نفراً ، ( فما بالك ببقية المصلات التى بالقاهرة فإن عدتها سبع عشرة مصلاة وبهذا المقتضى لا نعتمد على ضبطهم . ). وهذه لفتة تضاف إلى رصيد الدقة والتحرى من جانب ابن الصيرفي. وكان ابن الصيرفي يأخذ إحصاءاته الرسمية من ديوان المواريث الحشرية،ويرى أنه لا ينبئ عن العدد الحقيقي للأموات.

3 ـ ثم هلّ شهر شعبان وقد فشا الطاعون بالقاهرة ومصر وبولاق.. وقد ذكر مؤرخنا بعض الإحصاءات:

3 / 1 : ففي أحداث الجمعة 5 شعبان : ( وصل عدد الأموات بمصلي باب النصر والبياطرة إلى مائتى نفر بباب النصر مائة وثلاثون، والبياطرة سبعون، وقس على هذا ما بقي من المصلات بالقاهرة وهى خمس عشرة مصلاة.).

3 / 2 : وفي يوم الثلاثاء 19 شعبان مات جماعة من العسكر المملوكي المسافر لحرب شاه سوار، ماتوا بالطاعون قبل السفر، ووصل عدد الأموات بمصلى باب النصر أكثر من 230، وبمصلى البياطرة أكثر من 130، يقول مؤرخنا : ( وقس على ذلك باقى المصلات.).

3 / 3 : وفي يوم الأحد 21 شعبان بلغ عدد الموتى الذين صلوا عليهم بمصلى باب النصر 441، يقول مؤرخنا: ( وقس على هذا بقية المصلات التى بالقاهرة وظواهرها، والناس يقطعون ويجزمون بأن من يصلى عليه بمصلى باب النصر من الأموات يكون أكثر عشر من يموت بالقاهرة ، فعلى هذا يكون عدد من يموت بالقاهرة وظواهرها في كل يوم أربعة آلاف إنسان وأربعمائة إنسان، ومعظم الطاعون الأن بأسفل مصر من جهة الحسينية وغيرها إلى بين القصرين، ومن جامع باب زويلة الطاعون أخف مما تتقدم.) .

3 / 4 :  وفي يوم السبت 27 شعبان أول فصل الربيع بلغ عدد الموتى الذين صلى عليهم بمصلى باب النصر 407، وفي مصلى البياطرة 215، ومصلى المؤمني185.

3 / 5 : وفي يوم الاثنين 29 شعبان توفي بالطاعون طفل للسلطان السابق خشقدم وكان في السادسة من عمره.، ذكروه لأنه ابن السلطان ..أما الباقون فهم مجرد أعداد بلا أوصاف وأسماء .

 

 

 الفصل التاسع عشر : التواتر الشيطانى فى : إبتداع صلاة السنن بديلا عن النوافل

أولا : صلاة النوافل الاسلامية :-

1 ـ النافلة تعنى الزيادة . وقد وهب الله جل وعلا لابراهيم ابنه البكرى إسماعيل ثم وهب له زيادة أو نافلة ابنه الآخر اسحاق ثم عاش ابراهيم حتى رأى حفيده يعقوب . قال جل وعلا : (  وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖوَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴿٧٢﴾ ) الأنبياء ) .

الزيادة فى العبادة أى فى العبادة المفروضة تأتى بمعنى النافلة ، وجاء فى سياق قيام الليل فى سورة الإسراء (  أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴿٧٨﴾ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴿٧٩﴾).

أنواع عبادة النوافل

1 ـ تلاوة القرآن وتأويله فى بداية ما نزل من القرآن الكريم : (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿١﴾ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٢﴾ نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿٣﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴿٤﴾ المزمل )

2 ـ  : الاستغفار : (  كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴿١٧﴾ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴿١٨﴾ الذاريات   )

3: التسبيح : (  وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴿٣٩﴾ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴿٤٠﴾  ق ) (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴿٤٨﴾ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴿٤٩﴾ الطور ) (فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﴿١٣٠﴾ طه )

4 : الدعاء : (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ) (١٦﴾السجدة )

5 : الصلاة : (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ )ِ ﴿٩﴾ الزمر )

6 : التفكر فى عظمة الخالق جل وعلا والتوسل اليه بالدعاء : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿١٩٠﴾ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿١٩١﴾ آل عمران ) .

توقيت عبادة النوافل

هى تختلف عن الصلوات الخمس المفروضة المحددة بالتوقيت . عبادة النوافل فيها الاختيار للمتعبد حسب ظروفه . يتضح هذا فى قوله جل وعلا : (  فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴿٣٩﴾ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴿٤٠﴾  ق ) (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴿٤٨﴾ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴿٤٩﴾ الطور ) (فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﴿١٣٠﴾ طه ) ( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴿٧٨﴾ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴿٧٩﴾ الاسراء).

من حيث الشكل والكيفية :

فى أى وضع ، قال جل وعلا :( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ﴿١٩١﴾ آل عمران )

من حيث المدة والاستطاعة :

1 :الأكثر : (  كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴿١٧﴾ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴿١٨﴾ الذاريات   ) (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ) ﴿٩﴾ الزمر )(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿١﴾ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٢﴾ نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿٣﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴿٤﴾ المزمل )

2 ـ التوسط والتيسير : (  إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّـهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّـهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ )﴿٢٠﴾ المزمل ) ( تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ) ﴿١٦﴾السجدة )  .

ثانيا : قيام الليل وصلاة النوافل بين التواتر الاسلامى والتواتر الشيطانى

1 ـ ذكر الله جل وعلا السابقين إيمانا وعملا من الصحابة ، ونعتقد أنهم كانوا يقومون الليل عبادة وخشوعا لرب العزة جل وعلا وبالتالى فلم يكن لديهم وقت للإنغماس فى الحروب والفتن والصراع السياسى . لانعزالهم عن المجال العام الذى شغله الخلفاء الفاسقون وأتباعهم وخصومهم فقد أهمل التاريخ ذكر أولئك الصحابة السابقين الأبرار .

2 ـ وفى تاريخ الصحابة والتابعين منهم من كان يقضى ليله يقرأ القرآن ويصلى ثم يتفانى فى قتل الأبرياء ، وقد تخصص الخوارج فى هذا. كانوا معروفين بلقب ( القّرّاء ) وبسمات السجود فى وجوهمم كما كانوا معروفين أيضا بتطرفهم ووحشيتهم فى قتل الأبرياء . جعلوا من تطرفهم فى العبادة وسيلة لتطرفهم فى القتال. أى إستمر التواتر وقتها من حيث الشكل مع إختلاف الثمرة والنتيجة .

3 ـ وفيما بعد تحول الكفر السلوكى الذى وقع فيه الصحابة والتابعون ( من الغزو والحروب الأهلية ) الى كفر قلبى تمثل فى تقديس وعبادة النبى محمد ومن اسموهم بالخلفاء الراشدين ثم الأئمة والأولياء . وبهذا تحولت عبادة قيام الليل الى ما أسمون بصلاة السُنّة ، ثم جاء دين التصوف بالانحلال الخلقى فجعل من قيام الليل مناسبة للفجور ، كما جعل مواسم دينية وأماكن دينية للفجور فى الموالد . ونعطى لمحة تاريخية :

ثالثا :صلاة السنن فى الدين السُّنّى فى لمحة تاريخية

1 ـ تعبيرا عن عبادتهم للنبى محمد أقحموا إسمه فيما يسمى بالتحيات فى الصلاة ، وفى الأذان ، ثم إخترعوا صلاة زائدة له سمُّها صلاة ( السُّنّة ) أو ( صلاة السُّنن ). وتوارث المحمديون حتى اليوم تلك الصلاة الزائدة ، فأنت تصلى الظهر وتصلى قبله ركعتين " سنة " وتصلى بعده ركعتين " سنة " ، وهناك صلاة لتحية المسجد كما لو كان المسجد فى حدّ ذاته إلاها تجب تحيته والصلاة له. ويعتبر المحمديون أن صلاة الفرض هى لله جل وعلا أما صلاة السنة فهى للنبى وفق عبادتهم للنبى محمد .

2 ـ على أنهم فى البداية أطلقوا على الصلاة الزائدة مصطلح النافلة ، وصنعوا فى ذلك حديثا ذكره ابن سعد فى الطبقات الكبرى ، نسبوها لصحابى اسموه ( يزيد بن الأسود ) يزعم أنه " صلينا مع النبى الفجر فى مسجد منى فى حجة الوداع ، فلما قضى الصلاة التفت فإذا هو برجلين لم يصليا ، فسألهما : ما منعكما أن تصليا معنا ؟ قالا : يا رسول الله صلينا فى رحالنا ، قال : إذا جئتم والأمام يصلى فصلّوا معه فإنها لكم نافلة " ( ابن سعد 5 / 378 ) .

3 ـ ثم جاءت روايات أخرى عن الصلاة الزائدة بدون تحديد مسمى لها ، روى ابن سعد عن  عبدالرحمن بن زيد " لقد خرجنا مع على وهو يريد مسكن فصلى ركعتين بين الجسر والقنطرة " ( ابن سعد 6 ، 159 ) .ورواية تقول : ( وكان أبو المليح يداوم على الصلاة بين المغرب والعشاء بجانب المنبر وقد توفى سنة 181 ( ابن سعد 7 ، 2 ، 182 ) .

 4 ـ وبدأت مبكرا روايات مصنوعة فى مناقب المشاهير من الصحابة والتابعين تضخّم من صلاتهم وعباداتهم ، وبالتالى تكون زائدة على الصلوات الخمس المفروضة ، وعهدنا بأولئك الصحابة والتابعين المشهورين الذين إحتفى بهم التاريخ أنهم إنشغلوا بالفتوحات والفتن والانغماس فى السياسة ، لكن العصر العباسى كافأهم بهذه الروايات التى تشيد بمناقبهم ، هذا فى الوقت الذى لا نعرف شيئا عن السابقين من الصحابة الذين لم يلتفت اليهم التاريخ بينما اشاد بهم رب العزة جل وعلا فى سور الحشر والأحزاب والتوبة . ونعطى أمثلة :

4 / 1 : يروى ابن سعد  أن الأحنف بن قيس زعيم بنى تميم وأحد رءوس الفتنة فى بداية العصر الأموى : ( كان يقضى الليل فى الصلاة أو " كانت عامة صلاة الأحنف فى الليل " ( ابن سعد 7 ، 67 )

4 / 2 :  أما عن ابن عون فقد( كان له سبع من القرآن يقرأه كل ليلة فإذالم يقرأ بالليل أتمه بالنهار ) ( ابن سعد 7 ، 2 ، 28 ).

4 / 3 : وأن أبا صخر الأيلى كان يجمع بين الصلاة والبكاء ليلا : ( كان يصلى الليل أجمع ويبكى ).  ( ابن سعد 7 ، 2 ، 206 ) .

4 / 4 : وأن عمار بن ياسر ( كان يوتر من أول الليل ثم ينام فإذا استيقظ صلى ركعتين إلى ما شاء الله ( ابن سعد 7 ، 108 : 109 ) وقالوا مبالغات أخرى عن عبد الله بن الزبير وهو من الشخصيات الوضيعة فى عصره .

4 / 5 : وبعضهم كان يحلو له المبيت فى المسجد ، وفى مسجد الكوفة المليئة بالنفاق والمؤامرات إمتلأ مسجدها بمن سموأ انفسهم متهجدين بالليل ، وقد دخل شبيب الخارجى إلى مسجد الكوفة حين أغار على الكوفة ليلا فقتل المتهدجين ، فترك الناس التهدج فى المسجد من ليلتئذ . ( ابن سعد 6 ، 243 ). ماذا عليهم لو تهجدوا فى بيوتهم ؟

4 / 6 : ثم ظهر فى العصر العباسى متعبدون متطرفون هم ( البكاءون ) قيلت فيهم أعاجيب كاذبة مختلطة بأساطير المنامات والمعجزات ( الكرامات ) ، وملأ ابن الجوزى تاريخه ( المنتظم ) بهؤلاء المرائين ، وقد عرضنا لهم فى بحث منشور فى موقعنا فى قسم الدراسات التاريخية .

رابعا : أشهر صلاة السُّنن :

صلاة الضحى :

1 ـ فى مقابل إماتة الأمويين الصلاة وتأخيرها زايد عليهم المعارضون بالصلاة فى مواقيتها بل والتزم بعضهم بتأدية صلاة جديدة ابتدعوها وهى صلاة الضحى . ولم يرحب الأمويون بهذه الصلاة الجديدة ، فقد روى أن سويد بن غفلة كان يؤذن بالهاجرة فسمعه الحجاج وهو بالدير فقال أتونى بهذا المؤذن . فجىء به فقال له : ما حملك على الصلاة بالهاجرة ؟ فقال صليتها مع أبى بكر وعمر ، فقال : لا تؤذن لقومك ولا تؤمهم .( ابن سعد ، 45 : 46 )

والواضح أنه نسب صلاة الضحى لأبى بكر وعمر ليتخلص من بطش الحجاج .

وقد صيغت روايات عن صلاة الضحى فى عهد عمر للرد على إحتجاج الأمويون . روى ابن سعد أن عمر قال : عباد الله أضحوا لصلاة الضحى " ( ابن سعد 6 ، 108 ). ورفعوا حديثا مصنوعا للنبى محمد عليه السلام ، زعموا أن أبا عسيب مولى النبى محمد كان يصلى الضحى قائما فحجز مكان يصلى فيه قاعدا ( ابن سعد 7 ، 42 ) . والواضح أنها محاولة لنسبة صلاة الضحى إلى شخص قريب جدا من النبى ولكن الرواية تثير تساؤلا إذا كان هذا الرجل يصلى الضحى قاعدا بعد عجزه فكيف بالصلوات الأخرى ؟ هل كان يصليها أيضا قاعدا بعد عجزه ؟ وعلى كل حال فإن هذاه الرواية لم تفلح فى خلق إجماع على تأدية هذه الصلاة فقد كان علقمة بن قيس ( لا يغتسل فى السفر يوم الجمعة ولا يصلى الضحى ) " ابن سعد 6 ،  58

صلاة التراويح :

1 ـ زعموا أها بدأت فى خلافة عمر ، يقول ابن إياس الهذلى : كنا نقوم فى عهد عمر بن الخطاب فرقا فى المسجد فى رمضان من هنا وهناك فكان الناس يميلون إلى أحسنهم صوتا ، فقال عمر : أراهم قد اتخذوا القرآن أغانى ، أما والله لئن إستطعتم لأغيرن هذا فلم يمكث إلا ثلاث ليا حتى أمر أبى كعب فصلى بهم ثم قام فى أخر الصفوف فقال : لئن كانت هذه بدعة فنعم البدعة هى ( ابن سعد 5 ، 42 ) . وزعموا أنه فى خلافة على بن أبى طالب ، أمر شريحا أن يصلى بالناس فى رمضان ، يعنى قيام الليل  ( ابن سعد 6 ، 95 ) .

2 ـ وأطلقوا عليها صلاة التراويح . ومصطلح التراويح يفيد الراحة بين كل صلاة وصلاة . فيروى عن عبدالرحمن بن الأسود الذى شهد حياة السيدة عائشة أنه كان يصلى بقومه فى رمضان أثنتى عشرة ترويحة ، ويصلى لنفسه بين كل ترويحتين إثنى عشر ركعة ، ويقرأ بهم ثلث القرآن ، وكان يقوم بهم ليلة الفطر ، ويقول أنها ليلة عبد ( ابن سعد 6 ، 203 ) .

3 ـ  واستمرت صلاة التراويح فى المساجد حتى الآن . ولا يزال يتم فى الريف قيام الليل بإستئجار قارىء للقرآن يقوم بختم القرآن طيلة ليالى رمضان يهب الثواب لمن مات من أهل المنزل الذى يستأجره ... بزعمهم .

صلاة ليلة النصف من شعبان

1 ـ نشر التصوف الانحلال الخلقى فى العصر المملوكى ، وعززه بأحاديث ، ومنها ما أضفاه المتصوفة من أفضال كثيرة على ليلة النصف من شعبان :. ( ابن أجا : تاريخ يشبك 235 )  وقد جعلوا لها صلاة خاصة يقرأ فيها (قل هو الله أحد) ألف مرة لأنها مائة ركعة في كل ركعة عشر مرات ، يقول أبو شامة فى كتابه ( الباعث فى الانكار على الحوادث : (وهى صلاة طويلة مستثقلة لم يأت فيها خبر ولا أثر إلا ضعيف موضوع). وذكر الأحاديث الموضوعة في ليلة النصف من شعبان وقال عن الوضاعين من الصوفية (وكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعة فوق طاقتهم). وفي الوقت الذى تقاعس فيه العوام عن الصلاة المفروضة هرعوا إلى صلاة النصف من شعبان استجابة للأشياخ الصوفية ودعايتهم وعبادة منهم للتشريع الصوفي الذى يكلفهم فوق ما يطيقون.  

2 ـ يقول أبو شامة عن تلك الصلاة ( وللعوام بها افتنان عظيم والتزم بسببها كثرة الوقيد (الإضاءة) في جميع مساجد البلاد التى تصلي فيها ، ويستمر ذلك كله ويجري فيه الفسوق والعصيان واختلاط الرجال بالنساء). ( الباعث فى الإنكار على الحوادث :  9، 24 ، 29 )

3 ـ أى هو قيام الليل لممارسة الفسوق فى المساجد . وإذا عرف السبب بطل العجب فالعامة تسمع وتطيع لمن ييسر لها سبل الإنحراف ..

 

 

 



[1]
المدخل جـ2 /11.

[2] المدخل جـ2/11.

[3] إحياء جـ2/299.

[4] تاريخ ابن الفراتجـ9/1/25.

[5] النجوم الزاهرة جـ15/530.

[6] النجوم الزاهرة جـ6/159.- تا ريخ ابن إياس جـ2/368 تحقيق أحمد مصطفى

[7] تيمور .الأمثال الشعبية 294.

[8] شعلان الشعب المصرى في أمثاله 170.

[9] تيمور الأمثال الشعبية 140.

[10] تيمور. الأمثال الشعبية 315.

بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمديين
بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمديين
دراسة أصولية تاريخية
د أحمد صبحى منصور
هذا الكتاب
كانت الكتابة الأولى لهذا الكتاب فى منتصف الثمانييات عن الصلاة فى القرآن الكريم ، ثم هو الآن يظهر تحت عنوان ( بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمدين ) فى دراسة أصولية تاريخية . تم نشره مقالات هنا ، وننشره الآن كتابا كاملا.
أحمد صبحى منصور
more