مسرحية "فاطمة" .. تصوير جرئء لمعاناة المرأة الجزائرية في مجتمع قمعي ذكوري

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٢٠ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: Aafaq


مسرحية "فاطمة" .. تصوير جرئء لمعاناة المرأة الجزائرية في مجتمع قمعي ذكوري

عادت مسرحية "فاطمة" بعد عشر سنوات من الغياب إلى الخشبة المسرحية الجزائرية على الرغم من كل "الانتقادات" التي وجهت إليها من قبل حين أدتها الفنانة الجزائرية المتألقة صونيا إبان العنف الدموي في البلاد، وكذلك حين أدتها فنانة شابة لا تقل تألقا وهي رزيقة فرحان التي تجسد لأول مرة هذه الشخصية النسائية المتشعبة المسماة "فاطمة".



المسرحية وهي مشاهد حوارية تتحول إلى مونولوج فردي، تحاول أن تحاكي الواقع اليومي بكل جبروته واضطهاده للنساء بكل المسميات والأساليب. ففاطمة امرأة جزائرية، متعلمة، وذكية وجميلة، تبحث عن عمل، فتصطدم بكل أنواع القمع الاجتماعي والفكري (الألفاظ السوقية) والجنسي، لكنها تحاول أن تفرض احترامها ككائن كامل الحقوق، على الرغم من تواجده في مجتمع ذكوري منغلق على نفسه شرس وقاسي وصعب ومتشدد ومتناقض في نفس الوقت.


مجتمع ينظر إلى المرأة كأداة لا أكثر. أرنبة لتفقيس الأطفال، حارما إياها من أبسط حقوقها، كالحق في العيش وفق قناعاتها وأفكارها وثقافتها وتعليمها. فليس هنالك فرق في المجتمع الجزائري بين امرأة متعلمة وأخرى جاهلة، فالمرأة هي المرأة، خلقت من "ضلع أعوج" وخلقت لتكون تابعة للرجل، مطيعة له، ومتعة في فراشه، إذ يحق أن يتزوج عليها أخرى وأخرى وأخرى كما يشاء ووقتما يشاء.. يحق له ان يضربها ويهينها، ويعاملها معاملة "الكلاب" وليس من حقها سوى ان ترضى لأنها امرأة "ناقصة"، بحيث ان المتجمع نفسه يلجأ إلى العبارة الدينية القائلة "ناقصات عقل ودين" لقمعها ضمن مفهوم "ديني" فسروه وفق مصالحهم وليس وفق ما فيه من منطق. إذ يقول الرجال للنساء: "كيف تطالبن بالحقوق وأنتن ناقصات عقل ودين؟". والحال انه من المنظور الاجتماعي فالمرأة هي أيضا "الحرمة" وهو التعبير الذي يتقارب من الناحية اللغوية مع المفهوم الاستعبادي لمصطلح الحريم!


مسرحية فاطمة تجسد أيضا صورة العانس التي ينظر إليها كأرض بور، غير صالحة للزرع. العانس في المجتمع الجزائري هي التي فقدت أيضا كبريائها كامرأة، لأن لا أحد من الرجال قبل أن يتزوجها، ولهذا تتحول العنوسة إلى إهانة أيضا، يمكن أن تخرج المرأة منها "بقبول" بالعلاقة السرية التي يعتبرها الرجل "ممكنة" طالما في السر، بحيث ان الجنس الذي يعد عيبا كبيرا في المجتمع يتحول إلى "حل" إن هو مورس في السر، وإن تم اكتشافه يتحول إلى "دعارة" على المرأة ان تتحمل الرجم لوحدها لأن الدين يعاقب الزانية!


مسرحية فاطمة تفضح سلوك الرجل الأرعن، الذي يفهم الذكورة فقط من الجانب الجنسي وليس العقلاني أو السلوكي أو الإنساني. فالذكر في المجتمع الجزائري يولد حرا، بينما المرأة تولد منقوصة الحقوق، لأنها تظل "قاصرا" إلى الأبد، وتظل في الثقافة الشعبية البائدة "مصيبة" لا يمكن التخلص منها إلا بتزويجها، بمعنى وضعها تحت إمرة رجل آخر غير والدها وغير شقيقها، بحيث تبقى الوصاية عليها مسألة "مبدأ" بالنسبة للرجال، لا يمكن أن تتخلص منها إلا بالموت ! لأن القانون سيقف ضدها كامرأة وسيضع الرجل "قواما عليها" إلى الأبد !


مسرحية فاطمة تتناول بهذه المشاهد المباشرة واقع المرأة بكل عريه، وبوضوح يندر تلمسه في المسرح الجزائري الذي غرق في السنوات الماضية في "الفانتازية" القريبة إلى التهريج على حساب واقع دموي، على الرغم من محاكاته للواقع اليومي الصعب في سنوات التسعينات، وهي المحاكاة التي بدت وكأنها تراجعت في السنوات الأخيرة لأن الممثل المسرحي مقيد بجملة من القوانين التي يخاف تجاوزها على الخشبة، ولأن الخوف من الاغتيال يظل يطارده، بعد أن ذاق المسرح الجزائري مرارة اغتيال أهم الأسماء فيه في شخص المرحوم عز الدين مجوبي الذي اغتيل في التسعينات، ثم اغتيال أهم الأسماء المسرحية أيضا في شخص الراحل عبد القادر علولة الذي يعد أب المسرح الواقعي في الجزائر، هذه الاغتيالات أرعبت الممثلين وجعلتهم يتراجعون، وبعضهم غادر البلاد نحو الخارج مثل الممثلة صونيا التي أدت من قبل مسرحية فاطمة وكأنها لتنقش بها على جدارية الموت اليومي هموم النساء المضطهدات في البلاد..


المسرحية في حلتها الجديدة 2008 تبدو مثيرة لأنها تقول أن لا شيء تغير ما بين الماضي والحاضر، بل على العكس، تراجعت الكثير من المكاسب التي حققتها المرأة، تراجعت لأن ثمة فكر متطرف ومتشدد يريد محاربة النساء من باب "غسل العار" لأن المرأة التي تحقق ذاتها تبقى "عالة" باعتبار أنها متهمة بأنها تابعة للغرب، وليست مسلمة! وهي صورة التشدد الديني في المجتمع، عبر كل المكبوتين الذين ينتقمون من المرأة في السرير لإذلالها بكل الطرق، ولاستغلال جسدها لأنه "ملكهم خاص" خلقه الله ليستمتعوا به.


مسرحية فاطمة التي تصور الواقع الجزائري استطاعت أن تصنع ألوانا مختلفة ليوميات صعبة، لا لشيء سوى لأن فاطمة تجسد في النهاية واقع 90% من النساء الجزائريات..


يذكر أن المسرحية كان من المقرر ان تمثل على مسرح ولاية الوادي في جنوب الجزائر، قبل ان يقرر بعضهم منعها، بحجة أن البرنامج الثقافي في الولاية "مكتظ" لا يتسع للمسرحية، على الرغم من أن العديد من التساؤلات طرحت فعلا في الجزائر حول هذا المنع "الإقصاء" والرسالة التي تحاول المسرحية إثارتها ألا وهي: معاناة المرأة في واقع " ذكوري" يريد إقصائها بشتى الطرق.

اجمالي القراءات 13938
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق