عن التعليم ومؤسسات الصوفية : فى : الأزهر والزوايا والرباط والأضرحة

كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

أثر التصوف فى الحركة التعليمية :

عن التعليم ومؤسسات الصوفية : فى : الأزهر والزوايا والرباط والأضرحة

التعليم للصوفية في الجامع الأزهر :ـــ

1 ــ قام صلاح الدين الأيوبى بتعطيل الجامع الأزهر ( الشيعى ) وأقام  خانقاة سعيد السعداء الصوفية السنية لتنشر التصوف السنى بدلا من التشيع ، واستمر الأزهر معطلا طيلة العصر الأيوبى ، ثم عاد للعمل فى العصر المملوكى لينشر التصوف السنى الدين الواقعى للدولة المملوكية . بلغت عدة الفقراء الصوفية فى الأزهر  سنة 818 سبعمائة وخمسون ، بين عجم وزيالعة ( من الصومال ) ومن اهل ريف مصر ومغاربة ، ولكل طائفة رواق يعرف بهم، يقول المقريزى  ( ولا يزال الجامع عامرا بتلاوة القرآن ودراسته والاشتغال بأنواع العلوم والفقه والحديث والتفسير والنحو ومجالس الوعظ وحلق الذكر. وصار أرباب الأموال يقصدون الفقراء في الأزهر بأنواع البر . وقد امر الأمير سودون القاضي بإخراجهم من الجامع وإخراج ما كان لهم من خزائن وكراسي و مصاحف ) [1]  .

2 ــ ومع ذلك استمر المماليك في اكرام المجاورين بالأزهر ، فكان الغوري ينفق فيهم في شهر رمضان الدنانير والعسل والقمح ) [2] وأوقف بشيك على الفقراء في الأزهر أراضي بالوجه البحري والقبلي . وأوقف اخر مكتبة على الفقراء في الأزهر . ورتب الأمير قرماس صوفية بالجامع (يحضرون كل يوم مع الشيخ ، بالجامع داخل المقصورة بعد صلاة العصر) [3] .

3 ــ ومن الطبيعي ان يتميز المجاورون في الأزهر : بين صوفية فقراء مجردين متفرغين للعبادة وطلبة صوفية ، يقول ابن الصيرفي عن الشيخ المجذوب صالح الأزهرى (المشهور بالأزهري لكثرة إقامته بجامع الأزهر ومخالطة اهله من الفقراء والطلبة ) [4] .

4 ــ وكان بعض الصوفية معلمين في الأزهر، فالدميرى اشتغل بالعلم وانقطع بالجامع الأزهر وكان يقرىء الناس تبرعا ) [5] وكان فخر الدين البلبيسي امام الجامع الازهر ومعلما صوفيا ) [6] ودرّس زروق الفاسى في الأزهر، وكان يحضر درسه زهاء ستة آلاف نفس من القاهرة ومصر وأجوارها ) [7] وقد سمع المقريزي ميعاد الشاب التائب بالجامع الأزهر )[8]

 الزوايا

 وجدت زوايا التعليم في الجوامع القديمة مثل الخشابية والمجدية والصاجية والكمالية والتاجية والعلانية في الجامع العتيق ) [9] وقد درس ابن المرحل بزاوية بجامع عمرو ) [10] وكان للخاذندار وقف بالجامع الازهر  وزاوية لمن يشتغل بمذهب الشافعي ) [11] ..

وفي الزوايا الصوفية وجد القراء ومؤدبو الأطفال وخزائن كتب لأن الزوايا كانت معاهد للعلم النافع في هذا العصر ) [12] ويقول السبكي : ( على شيخ الزاوية ان يسمع ما يقرأونه عليه ) ) [13] واتخذ إبراهيم الأبناسي الصوفى له زاوية في المقس، وجمع فيها الطلبة على التفقه وسعى لهم في الرزق ) [14] ونفس الحال في زاوية ابي عبد الله الكتاني ) [15] وافتخر الشعراني بمواصلة الذكر وقراءة القرآن والحديث والفقه والتصوف في زاويته ) [16]..

الرباط :ــ

قرر السلطان الأشرف شعبان في رباط الأثار درسا للفقهاء الشافعية بمدرس وعدة من الطلبة ،  وأوقف عليها . وكان الفقهاء يحضرون في الرباط العلائي يوما في الأسبوع ) [17] وقد تولى مشيخة الناصري ابن الشربيني وهو احد المشتغلين بالعلم ) [18] وفي رباط ابن نصر  الفقيه درس ابن عيسى القوصى ) [19]..

التعليم في المشاهد والترب والقباب ( الأضرحة / القبور المقدسة  ):ــ

1 ـ وكان هناك درس علم في مشهد الحسين تولاه بعض المشهورين من العلماء مثل ابن حمويه ) [20] والعلامة شمس الدين الأصبهاني الذي تخرج به خلق كثير  ) [21] وشرف الدين الأرموي ) [22] .

2 ــ وقد أثار التعليم في القرافة اهتمام ابن بطوطة الرحالة ، فقال :( ومنهم من بنى الزاوية والمدرسة في جانب التربة ) ( رحلة ابن بطوطة : 1 / 21 ) . وقرر برسباي مدرسا وخطيباً بتربته التي انشاها بالصحراء ) [23] وفي وثيقة برسباي عن الترب (يصرف لأربعة نفر من الحنفية المشتغلين بالعلم المشهورين بالخير ...على أن يحضروا صحبة الدرس المذكورين كل يوم بالمدرسة ، ليلقي عليهم المدرس المذكور من العلوم الشريفة من السنن او الحديث الشريف او الفقه او النحو او مجموع ذلك . على أن يسكن المدرس بالمسكن المقرر له وتسكن الطلبة بالتربة ...بحيث لا ينقطع أحد منهم إلا لمرض يعرض له أو ضرورة شرعية ) [24]

3 ــ وسارت الحركة التعليمية في القباب أو الأضرحة . ففي القبة الركنية بيبرس درس الحديث بمدرس وعدة من المحدثين  ) [25] وتخرج فيها الشهاب الحجازي على الكمال الدميرى ) [26] وأقام الناصر محمد (القبة الناصرية) وجلس بها شيخ الحديث عند افتتاحها سنة 703 ) [27] وتابع مشايخ القبة بعده.  ولقد رتب الناصر القرّاء وشيخ الحديث للاشتغال به ولإسماعه ) [28]

 وأعد المنصور قلاوون القبة المنصورية ورتب فيها درس حديث بمدرس وعددا من الطلبة وقارئا يقرأ الحديث ، ويأتي المدرس في أوقات الدروس، ويقرأ ميعادا للعوام بين يديه في صبيحة كل يوم أربعاء، ورتب درسا بمدرس وطلبة [29] . وممن تولى درس التفسير في القبة المنصورية النمراوي وابن لاجين الرشيدي وابن المنفلوطى ) [30] والعلم العراقى الفقيه ) [31]  وسراج الدين القرمي )[32]ومن مدرسى الحديث ابن الكتاني والعسجدي) [33] ....

أخيرا ولمجرد التذكرة :

عن العكوف عند الأضرحة والمشاهد والقبور المقدسة :

إسلاميا : يجب إجتنابها ويحرم الاقتراب منها فهى رجس . قال جل وعلا :

1 ـ ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)  الحج ) . وفى المؤسّسات الصوفية كانت العادة هى قول الزور تحت مسميات التفسير والحديث والتصوف . وتُقال فى مؤسّسات منسوبة زورا الى الاسلام وبزعم التقرب للرحمن جل وعلا .

2 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ) . لا تزال القبور المقدسة مقدسة حتى الآن ، ولا يزال الأزهر وغيره فى ممارسة الصّدّ عن سبيل الله جل وعلا . قال جل وعلا : ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ). ولذلك فهم لا يفلحون .!