عن الألم والموت

الإثنين ١٦ - سبتمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
أهلا د صبحى منصور . كنت أقرأ لك بانتظام فى جريدة الاحرار والعالم اليوم والاهالى ، ومن عشر سنوات تقريبا أتابع كتاباتك فى موقعك وموقع الحوار المتمدن . وأنا تقريبا فى مثل سنّك ، واستاذ جامعى على المعاش . أكتب لك لأنى بقى لى شهور فى هذه الحياة ، فأعانى من مرض السرطان الذى انتشر وتوغل فى جسدى . أنا تعبت من الألم والمسكنات . ولكن أقول إن هذه المحنة زادت من إيمانى واعتبرها نعمة . النعمة فى الحقيقة هى القدرة على معايشة الألم ، والراحة منه بالغياب عن الوعى . فى هذه المحنة أعدت قراءة كتابك ( حقائق الموت فى القرآن الكريم ) وهو عندى فى مكتبتى . وله الآن تأثير فى حياتى ، أقصد ما بقى لى من حياتى . بالمناسبة انا التقيتك مرة فى مقر ( النداء الجديد ) فى ندوة لك عن ( التأويل ) ، وكان معى كتابك عن حد الردة وناقشتك فيه . دكتور صبحى موعد موتى يقترب ، وأنا مرعوب من الموت . اتذكر انك نشرت مقال عن تجربتك فى حادثة سيارة ونجاتك من الموت . لم أجد هذه المقالة فى موقعك أهل القرآن ، ولا فى موقع الحوار المتمدن . هل أطمع فى إعادة نشره لو كان عندك ، أو حتى أن تقصّ هذه التجربة . وشكرا جزيلا وأرجو أن تدعو لى .
آحمد صبحي منصور :

الاجابة :

شكرا جزيلا على رسالتك ، وآسف على تأخرى فى الرّد ، وقد بحثت فى أوراقى القديمة المنسية ووجدت هذا المقال . وقبل أن أنشره أقول لك أنى وأنت فى العُمر المناسب للموت ، ونعيش بآلام هى المعتاد لمن هم فى عُمرنا . وفعلا فإن معايشة الألم نعمة لمن يتحمل الألم . كانت لدى مقدرة على تحمل الألم ، وقد تلاشت تقريبا . أدعو الله جل وعلا أن يعيننا على أوزار أرذل العمر ، وأن نموت بلا ألم ولا وجع ، موتا فجائيا ، وتبشرنا ملائكة الموت بأنه لا خوف علينا ولا حزن .

اليك المقال الذى نشرته الأحرار بتاريخ ( 6 / 6 / 1994 ) وكان عنوانه ( دروس!! )

المقال :

(  تعرضت لحادث سيارة على الطريق يوم الاثنين 11 رمضان الماضي كانت الأحرار قد نشرت لي في هذا اليوم مقال " نعمة الموت " والذي أعبر فيه عن اهتمامي باستجلاء حقيقة الموت ، وقد كان المقال تلخيصا لمبحث لم ينشر في كتابي " حقائق الموت في القرآن الكريم " الذي صدر ونفذ منذ سنوات . في ذلك الحادث اقتربت من الموت في ثانية أو ثانيتين وازددت فهما لقوله تعالى " وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ . آل عمران : 143 " . وعرفت أن التفكر النظري في الموت شيء والاقتراب منه في لحظات الخطر شيء آخر . والأمر يحتاج إلى كاتب منشغل بالموضوع لكي يكتب تجربته وأحاسيسه .. ولقد خرجت من هذا الحادث بعدة دروس اعتبرها نعمة من الله العلي الوهاب .

1 ـ الدرس الأول هو ما تأكد لدي من عظمة الإنسان المصري .. وذلك ما كنت دائما أراهن عليه ، وكثيرا ما قلت أن في النفس المصرية حضارة عمقها سبعون قرنا من الزمان ، وهذه الحضارة تُفصح عن نفسها وقت المحنة فتنفض عنها خبائث الفساد ويندفع المصري في شهامة ورجولة يفعل ما ينبغي . كنت اركب بجانب السائق الذي حاول أن يتخطى السيارة التي أمامه فاصطدم بأتوبيس في الاتجاه العكسي ، ورأيت نفسي وقد اصطدمت جبهتي في كابينة السيارة الداخلية ، وهي ثوان قليلة التي أبعدتنا عن الموت ، فلو كان الاصطدام بمقدمة السيارة لتحولت إلى حطام تحت الأتوبيس ، ولكن السائق في ثانية واحدة افلت ولم يعط الأتوبيس إلا فرصة الاصطدام الجانبي فقط فإنحفرت الإصابة الدموية في شخصي الضعيف فقط . نزلت من السيارة وجرح غائر في جبهتي لا يبعد عن العين إلا بضع سنتيمترات ، ولكن النزيف الدموي المتدفق جعل منظري مفزعا ، ولم اشعر إلا بالأيدي الرحيمة تتلقفني وتنقلني إلى سيارة جرت مسرعة إلى مستشفى أبو زعبل . وهناك قام طبيب شاب اسمه مجدي بخياطة الجرح تعاونه آنسة.  لم يسألني احد عن اسمي ، الجميع تطوع بالإسعاف دون أن ينتظر حتى كلمة شكر ، حتى الطبيب الشاب حين عرضت عليه مالا رفض بإباء وشمم .. تأكدت لي عظمة الإنسان المصري ، وشعرت أنه يستحق ما أقوله فيه وما آمله منه ، هو فقط يريد مشروعا حضاريا يفرغ فيه شحنته الحضارية الأصيلة .. وهذا المشروع الحضاري شرحه يطول ..

2 ـ الدرس الثاني في موضوع الألم . في نقاشي مع صاحبي الملحد كان يسرف في وصف معاناة الأطفال الأبرياء المرضى ويعتبر الله تعالى مسئولا عن ذلك وكنت أقول له " إن من رحمة الله تعالى بنا انه جعل حدا أقصى لتحمل الألم فإذا وصل الألم إلى منتهاه دخل الإنسان في إغماء ، والأطفال يقل إحساسهم بالألم ، وهم يبكون بلا سبب ، ونحن لا نتذكر شيئا من ذكريات الطفولة ،ونحن نضخم في الإحساس بألم الأطفال ، لأن الله تعالى جعل حب الأطفال غريزة فينا لأنهم أحوج إلينا وإلى رحمتنا وعطفنا ، والله تعالى ارحم الراحمين بنا وبهم ، ولذلك فإن ما تصفه من ألام الأطفال إنما هو أمر مبالغ فيه . وكان صاحبي الملحد لا يقتنع .  وما كنت أقوله نظريا عرفته عمليا ، كان منظر الدماء على وجهي وملابسي تثير الجميع ،  حتى كنت أحس بالشفقة عليهم ، وكان إحساسي بالألم متوسطا لأنني فقدت الإحساس بمنطقة الجرح ، واعتقدت أنني لو رأيت شخصا آخر في نفس حالتي لكنت أكثر الناس إشفاقا عليه . وفعلا فإن ما نراه على المريض أو الذي يحتضر به شيء ، وما يحس المريض شيء آخر ، هو بالتأكيد اقل مما نتوقع أو ما نتخيل .. وتأكدت من قوة حجتي مع صاحبي الملحد ..

3 ـ الدرس الثالث كان في غرفة العمليات ، فالمستشفى المذكور لم يكن به مخدر واضطر الطبيب الشاب إلى خياطة الجرح بدون بنج .. واستجمعت كل قوتي وعزمت على ألا أصرخ مهما بلغ الألم . وتحملت عشر غرز دون أن يعلو صوتي ، وتأكد لي مجددا ما كنت اردده  من قبل من أهمية أن يقهر الإنسان نفسه إذا أراد أن يقهر العالم .  والحل إنك تستطيع إذا قهرت نفسك أن تتحدى العالم كله بل حتى تتحدى ألام الجراحة بدون بنج , المهم أن تبيع نفسك لله تعالى طاعة لكتابه وهو الحق الذي نزل على خاتم النبيين ، أما إذ غلبتك نفسك فقد صرت عبدا لسيجارة مجرد سيجارة .)

انتهى المقال . 



مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 1208
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   سعيد علي     في   الأربعاء ١٨ - سبتمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً
[95503]

يقهر الإنسان نفسه إذا أراد أن يقهر العالم ..


ربي الشافي المعافي يشفي السائل الكريم و يحفظكم أبي العزيز و آلعزيز جدا جدا .. هذا ملمح من ملامح شخصية الدكتور أحمد رغم مرور السنين .. التمسك بالقران الكريم وحده و عطفا على موضوع الألم ففعلا ما يحسه المريض أحيانا من ألم قد يكون مبالغا جدا عند من يرافقه و شخصيا عايشت الما لزوجتي رحمها الله أكثر من ١٨ شهرا بين علاجا كيماويا و آخر بالأشعة .. رحمها الله جل و علا .. للسائل العزيز أقول : الموت حقيقة و هو غفوة أو سنة ( بكسر السين ) أو نوم و كلنا نموت يوميا بالنوم و نحيا بعودة النفس لهذا الجسد و منا من لا يفيق من نومه و قد توفاه الله في منامه .. كل منا كم سيعيش ؟ و في النهاية الموت حتمي المهم هو عدم الشرك بالله و الإيمان به وحده لا شريك له و ليس مع قوله قول و لا مع كتابه كتاب كمصدر للتشريع .. حفظكم الله و عافاكم و شفاكم.



2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأربعاء ١٨ - سبتمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً
[95505]

شكرا ابنى الحبيب استاذ سعيد على ، واقول :


إضافتك رائعة وضرورية . أعرف أن معاناة المريض قد تفوقها معاناة أحبته الأقرب اليه من الزوج والأبناء. هذا أراه وأُحسُّه بنفسى . ولكنها حتميات لا مهرب منها .

ندعو الله جل وعلا أن يلهمنا الصبر وأن يرزقنا الأجر . 

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5097
اجمالي القراءات : 56,331,590
تعليقات له : 5,428
تعليقات عليه : 14,786
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


اختلافات اهل القرآن: الملا حظة الأول ى على موقعك م يا أهل...

تبع الفتوى السابقة : اشكرك على افادت ى وفتوا كم بخصوص ابنتى التى...

تعليقا على عائشة: هل يمكن أو محتمل ان تكون عائشة بريئة مما نسب في...

خصومة الانسان لربه: جاء فى سورة النحل وفى سورة يس أن الانس ان خصيم...

الاحتكار والأحكار : قرآت كتابك عن تطبيق الشري عة فى عصر السلط ان ...

عمّار والفئة الباغية: ما رأك فى حديث ( عمار تقتله الفئة الباغ ية ) ؟...

( أوكازيون) الصلاة !: استاذ أحمد . أنا بدأت أقتنع بمذهب القرآ نيين ...

أهلا بك معنا : Subject: القرآ ن والوا قع الاجت ماعي:( مَا...

إختلافا كثيرا: ماذا يعنى قول الله سبحان ه وتعال ى :...

ذوق الموت : فى القرآ ن ان كل نفس ذائقة الموت ، فماذا النهى...

زوجتى تضربنى .!!: زوجتى تضربن ى وسيئة الخلق وعصبي ة وأخاف...

مظاهرات المثليين : مرحبا دكتور أحمد صبحي منصور ، من هنا أقدم...

حبيبى مسيحى !!: لقد شاهدت بعض مقاطع الفيد يو لحضرت كم ثم...

زينة الفراعنة: حينما دعا موسى على فرعون وملإه وقال: بنا ...

والمدثر 6 : ما معنى : ( وَلَا تَمْن ُن تَسْت َكْثِ رُ ...

more