رمضان:
في رمضان كن شمعة في الظلام

زهير قوطرش Ýí 2010-08-18


 

 

في رمضان .. كن شمعة في الظلام

 

 

وأنت تُعدّ فطورك .. فكّر بغيرك .. لا تنسَ قوت الحمام

 

 

كم كنت أتمنى من كل قلبي ,لو أن نصف مليار مسلم فقط من عدد المسلمين ,على مساحة الدول الإسلامية ,لو أنهم فكروا قبل بدء شهر الصيام ,بأن يتبرع كل بيت بمبلغ يساوي طعام الفطور عن كل يوم, ليتم توزيع هذه المبالغ على فقراء العالم الثالث بدون تفريق في المعتقد  .كيف سينظر العالم بعد ذلك إلى المسلمين الذين جعلوا من رمضان شهر العبادة ,ثورة  عملية وحقيقة لمكافحة الفقر......

كم كنت أتمنى لو يجعل المسلمون في الدول الإسلامية شهررمضان ,شهر الادخار ,والانصراف بدل الإسراف في الأكل والمشرب ,إلى التسامي الروحي ,على حساب المادي في الجسد ,والعمل على جعل هذا الشهر ,مدرسة تعبدية ,يتخرج منها المسلم ,بعد انتهاء شهر رمضان ,إنساناً أخر تزينه التقوى والقرب من الله.

 

أخواتي وأخواني على هذا الموقع الكريم ,أنقل إليكم مقالة للإستاذة رابحة الزير تحت عنوان في رمضان كن شمعة في الظلام ,والتي عالجت فيها محاور عدة ,لما يعانيه مجتمعنا المسلم,وقد نشر المقال على موقع التجديد والثقافة.

 

                               المقالة

 

ثمّة استياء عام على الطريقة التي يُستقبل بها شهر رمضان المبارك إعلامياً وشعبياً يُعبَّر عنه في كتابات وانتقادات بعض المفكرين والمثقّفين والصحافيين والاقتصاديين وفي اللقاءات الرمضانية الجادّة؛ العائلية والمجتمعية، ما يعطي انطباعاً (آنيّاً) مريحاً بأنّ في الأمّة من يتحسّس موضع دائها ويشخّصه بحكمة ويسعى لتنويرها وتطويرها وتحريرها منه، ولكن نظرة سريعة إلى الأرقام الحسابية المعتمدة من المصادر الرسمية عن ارتفاع نسبة استهلاك الطعام بنسبة تزيد على خمسين بالمائة في مصر - وحدها - التي يعاني أربعةٌ وخمسون بالمائة من شبابها من البطالة (!)، ويغطّي الفقر ثمانين في المائة من عدد سكّانها، تُحيل الارتياح انزعاجاً ودهشة .. بل حتى زيارة اضطرارية إلى أحد أسواق الغذاء في شهر رمضان في ساعات ذروة الشراء تؤكّد على أنّ المثقفين والمصلحين يهيمون في وادٍ وعموم الناس في وادٍ آخر لا يمتّ إلى الأوّل بصلة.

وفي فقرة من مقال للدكتور محمد حبش يصف فيها حال إعلامنا (الرّدي) في شهر رمضان حيث يقول: "رمضان إحياء لرسالة الروح في عالم تسحقه رغائب الجسد، ويعيد الإعلام الصاخب إنتاجه على هيئة جنس ثالث لا هو رجل ولا امرأة، ومن يراقب الطوفان الإعلامي اليوم يحقّ له أن يتساءل عن الإنسان الجديد الذي تريد الفضائيات العربية تسويقه وترويجه، تماماً كما نتحدث في البيولوجيا عن إنسان نياندرتال وعن إنسان العصر الباليوزي فإن إنسان (روتانا) و(إل.بي.سي) يتم تقديمه إلى الحياة على أنه مجرد قدٍّ مياس يتشخلع أمام سعار هائج سائل اللعاب فيه كل شيء إلا الإنسان وروحه، بحيث يقحمك في عالم صاخب مجنون لا مكان فيه لغير نزوات الجسد، إنها محاولة لإنتاج جيل تنتهي آماله عند حدود غرائزه، يمجّد النزوة ويهزأ بالمقاومة ويمضي في المساومة"!

صورتان مؤلمتان لثقافة الاستهلاك واستهلاك الثقافة تصف حال الأمة في شهر (الله)، يقال أنها حيّرت علماء الاجتماع والاقتصاد في تحليل هذه الظاهرة وتفسيرها وخاصة بعد أن تضاف إليها عجائب وغرائب أخرى أصبحت ظواهر ملازمة لشهر (الله) كتمضية أكثر أيام شهر رمضان في النوم، والتعلّل عن الذهاب إلى العمل بكذبة شرعية أو خدعة لا شرعية، والكسل، وترهّل الإرادة، لكي لا يبقى للصائم من صومه لا جوع ولا عطش، والغريب أن أكثر الناس يشكون من تفشّي هذه المظاهر التي تفسد أجمل ما في هذا الشهر من روحانية ومعنوية، فما تكاد توجّه أصبع الاتّهام لأيّ منها لتنهال عليك القصص والحكايات الموافقة لرأيك والداعمة له فتتساءل محتاراً: إذن، أين تقع المشكلة، وبيد مَنْ الحلّ؟

نحن أسرى برمجة مجتمعية لا يمكن فكّ شفرتها بصورة جماعية ولاإرادية بل بحاجة إلى قرار ذاتي أرادي شجاع؛ أن ينجو كلّ منّا بنفسه من قيد الغرائز ومن التقليد الأعمى الذي يعتبر أكبر حجر عثرة أمام التحرّر من ثقافة المجتمع بممارسة التفكير الواعي (بقصد) لنتمكّن من فهم خداع الحواس على حقيقتها، ونكتشف (مشروع) الإنسان القابع بداخلنا، ونسقي بذرته، بعد أن تحوّل إنساننا الحقيقي الروحاني إلى آلة تعمل ميكانيكياً لتستمر في لعبة الحياة بلا نزاع ولا صراع مع المجتمع وتقاليده البالية وإن كانت على حطام مبادئه وقيمه وتعاليم دينه، فجميع المسرفين يحفظون الآية الكريمة "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"، ويؤمنون بقوله تعالى: "إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشياطين"، ولكن بات دخولهم ضمن منظومة الشيطان بإسرافهم وتبذيرهم أهون عليهم من الانفصال عن عادات المجتمع أو التصرّف بشيء من الغرابة والاستقلالية تجاه تقاليده، وبما أنه لم يعد للمنابر أثر على الإصلاح الجماعي بل أصبحت أداة من أدوات البرمجة المجتمعية الفاسدة، فلا مناص إذا من أن نبدأ التغيير من أنفسنا فرداً فرداً، عملاً بقوله تعالى "عليكم أنفسكم، لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم".

 

تستحضرني هنا مقولة كتبها أحد المصلحين على قبره: "عندما كنت شاباً يافعاً ذا خيال خصب وطموح، كان حلمي أن أصلح وأغيّر العالم، لكن حينما نضجت وأصبحت أكثر فطنة ودراية اكتشفت أن العالم لن يتغير حسب مزاجي، وقرّرت أن أحدّ من أخطائي وأكتفي بإصلاح وتغيير بلدي وحسب، إلا أنه سرعان ما تبيّن لي أن هذا أيضاً بحكم المستحيل، ولمّا تقدّم بي السنّ قمت بمحاولة أخيرة لإصلاح أقرب الناس إليّ؛ عائلتي وأصدقائي المخلصين إلا أنني فوجئت برفضهم أي تغيير كذلك! والآن، وأنا أرقد على فراش الموت اتضح لي أنه لو ركّزت في البدء على إصلاح نفسي، لكنت مهدّت الطريق على الأغلب لتغيير عائلتي التي كانت ستتخذني مثالاً، وبدعم من عائلتي كنت سأقدر على تحسين مدينتي، ومن يدري لعله كان باستطاعتي عندها أن أغيّر العالم".

 

 

 

كما تتداعى لي أبيات شعر لمحمود درويش حيث يقول في إحدى قصائده الرائعة..
وأنت تُعدّ فطورك .. فكّر بغيرك .. لا تنسَ قوت الحمام
وأنت تخوض حروبك .. فكّر بغيرك .. لا تنسَ مَنْ يطلبون السلام
وأنت تسدّد فاتورة الماء .. فكّر بغيرك .. مَنْ يرضعون الغمام
وأنت تعود إلى البيت .. بيتك .. فكّر بغيرك .. لا تنسَ شعب الخيام
وأنت تنام وتحصى الكواكب .. فكّر بغيرك .. ثمّة من لم يجد حيّزاً للمنام
وأنت تحرّر نفسك بالاستعارات .. فكّر بغيرك .. مَنْ فقدوا حقّهم في الكلام
وأنت تفكّر بالآخرين البعيدين .. فكّر بنفسك ..
قل: ليتني شمعة في الظلام ..

 

اجمالي القراءات 10576

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-02-25
مقالات منشورة : 275
اجمالي القراءات : 5,711,115
تعليقات له : 1,199
تعليقات عليه : 1,466
بلد الميلاد : syria
بلد الاقامة : slovakia