سياسة الترهيب.. كيف استغل النظام في الجزائر «العشرية السوداء» ليحافظ على حكمه؟

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠٦ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


سياسة الترهيب.. كيف استغل النظام في الجزائر «العشرية السوداء» ليحافظ على حكمه؟

في إطار إحياء الذكرى السنوية للمصالحة الوطنية في الجزائر المصادفة لـ 29 سبتمبر (أيلول) من كلّ سنة، بثّ التلفزيون الرسمي الجزائري بهذه المناسبة برامج وثائقية ومشاهد حصرية مروّعة تلخص جزءً هامًا من تاريخ الجزائر الحديث، تلك المشاهد التي بثّها التلفزيون الرسمي أعادت لأذهان الجزائريين سنوات الدم والعنف التي عرفتها البلاد، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 200 ألف جزائري، كما جعلهم يتساءلون عن الأسباب الحقيقية وراء بث تلك المناظر القاسية، وفي هذا الوقت بالتحديد،

مقالات متعلقة :

خصوصًا أنّ الوضع الذي تمرّ به الجزائر اليوم من استشراءٍ للفساد تتحدث عنه الحكومة قبل المعارضة، إلى مستقبل ضبابي للبلاد وسط غياب الحاكم الفعلي للجزائر، وفي نظر المراقبين اعتمد النظام الحالي في الجزائر على آليات كثيرة لتخويف الجزائريين من الثورة عليه، وإن كان ما بثّه التلفزيون الرسمي أحدث تلك الآليات في نظر البعض، ففي هذا التقرير نستعرض أبرز الآليات التي يستعملها النظام في الجزائر لترهيب الجزائريين من الثورة على حكمه.

اقرأ أيضًا: الجزائر.. هل الرئيس بوتفليقة موجود فعلًا؟

أرشيف المجازر في خدمة النظام الجزائري

ربما لم يعشّ الجزائريون منذ يوم الإعلان عن المصالحة الوطنية من الخوف، مثل ما عاشوه ليلة 30 من سبتمبر (أيلول) الماضي، فبينما كان الجزائريون يحيون ذكرى الاتفاق المبرم بين المسلحين والجيش الجزائري في سبتمبر من سنة 2005، والمسمى بميثاق  السلم والمصالحة الوطنية، حتى صدموا بمشاهد قاسيةٍ بثها التلفزيون الجزائري من أرشيف المجازر والمرحلة الدامية التي شهدتها الجزائر في تسعينات القرن الماضي، وبث التلفزيون الجزائري بعد نشرة الثامنة الرئيسة من سهرة الجمعة الماضي، تقريرًا مطولًا بعنوان «حتى لا ننسى»، يُلخص المأساة الدامية لسنوات العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، وذلك في إطار تغطيته للذكرى 12 لإقرار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.

الكثير من الجزائريين أجمعوا على أنّ تلك الصور المرعبة التي نبش بها التلفزيون الجزائري جراح «العشرية السوداء» تأتي في إطار سعي السلطات الجزائرية إلى استخدام أرشيف سنوات الدم والدمار لتحقيق أهداف عدة، بينها ترهيب وإخافة الجزائريين من مغبّة الانسياق وراء دعوات الغضب والثورة ضد النظام التي تصاعدت في المدّة الأخيرة، إضافةً إلى ردع الاحتقان الشعبي بسبب الفساد والإفلاس المالي الذي أقرّت به حكومة أويحيى أخيرًا، والتي وصلت إلى مرحلة العجز عن إيجاد حلٍ للأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، فضلًا عن العجز عن استغلال أموال النفط والغاز في تحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية، في ظلّ تصاعد الاتهامات حول المبالغ التي صرفت خلال حكم بوتفليقة، والتي تعدّت ألف مليار دولار، ويضاف إلى ذلك الغموض السياسي الكبير في رأس هرم السلطة نتيجةً للغياب اللافت للرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن المشهد السياسي.

الدماء كانت المشهد اليومي للجزائريين في التسعينات

وفي  تعليقه على خطوة التلفزيون الرسمي الجزائري قال الإعلامي الجزائري «قادة بن عمّار » أنّ الغرض من بثّ تلك الصور  ليست محاربة نسيان الإرهاب ودمويته، وإنما محاربة نسيان «انجازات النظام» وما قدمه الرئيس بوتفليقة للشعب على امتداد حكمه، من جهته علّق الدكتور «بو عبد الله بن عجمية» المكلف بالإعلام في حزب حركة مجتمع السلم الجزائرية أنّ الصور الصادمة التي بثّها التلفزيون الرسمي تطرح العديد من الاستفسارات عن توقيت بثها من قبل القناة العامة، التي لا تنشر من تلقاء نفسها أو باجتهاد من مسؤوليها، ومن جانبه اعتبر المعلق الرياضي «حفيظ دراجي» تلك المشاهد بأنها «مساومتنا بالأمن مقابل السكوت عن الفساد»، معتبرًا أنها «إرهاب نفسي»، وأضاف دراجي الذي تقلد مسؤوليات في التلفزيون الرسمي أثناء العشرية السوداء «نعم نحن لم ننس العشرية السوداء؛ (لأننا عشناها)».

 

وفي ردّ رسمي من الحكومة الجزائرية على بثّ التلفزيون الحكومي لمشاهد مروّعة تعود إلى فترة العشرية السوداء شكرّ الوزير الأول الجزائري «أحمد أويحيى» التلفزيون الرسمي على بثّه لتلك الصور التي قال عنها إنّها فرصة لإحياء الذاكرة الجزائرية، قبل أن يأتي عبد العزيز بوتفليقة بميثاق السلم والمصالحة الوطنية.

اللاجئون الأفارقة.. هذا ما سيحدث لكم أيّها الجزائريون إن تمردتم

ينتشر اللاجئون الأفارقة خلال السنوات الأخيرة في كل مكان بالجزائر، فلا يكاد شارعٌ يخلو منهم، في الساحات العمومية وعلى قارعة الطريق يتسوّلون أو يبيعون سلعًا بسيطة، في مظاهر يندى لها الجبين وسط تجاهل من السلطات الجزائرية، ونشرت منظمة العفو الدولية إحصاءات غير رسمية تفيد بأن عدد اللاجئين الأفارقة في الجزائر يتراوح ما بين 30 ألفا و100 ألف لاجئ إفريقي، مشيرةً في تقريرها إلى ما وصفته بـ«المعاملات اللاإنسانية» في حق هؤلاء اللاجئين أو النازحين من عمق الأزمات الأمنية والحروب والتناحر القبلي في تلك الدول، من جهتها وجهت الرابطة الجزائرية لحقوق  الإنسان مطالبتها للحكومة الجزائرية بمد يد المساعدة للمهاجرين غير النظاميين من الأفارقة، فيما يرى المواطنون الجزائريون في تعامل حكومة بلادهم ملف اللاجئين الأفارقة؛ في أنّ النظام يرسل من خلال معاناة المهاجرين الأفارقة رسالةً غير مباشرة للشعب الجزائري، بأن يحافظ على أمنه واستقراره، كون الدافع الأوّل لنزوح الأفارقة في دول  الجوار  هو البحث  عن الأمن، واستمر إذلال المهاجرين الأفارقة من طرف  الحكومة الجزائرية وذلك غداة تصريح الوزير الأول أحمد أويحيى في  حقهم، حين أتهمهم بالوقوف حول ارتفاع معدّل الجريمة في  الجزائر، يذكر أن معظم اللاجئين الأفارقة في الجزائر والمقدر عددهم ب100 الف مهاجر يستغلون من طرف أصحاب ورشات البناء في العمل بأجور زهيدة.

وشرعت الجزائر منذ سنة 2014 في عمليات ترحيل المهاجرين الأفارقة، كما أقرت في يوليو الماضي قانونًا يسمح بترحيل الأفارقة المتوسلين على الفور، وكانت الجزائر قد بدأت في  مفاوضات مع الدول الإفريقية لترحيل اللاجئين الأفارقة إلى بلدانهم. وفي حديث لـ«ساسة بوست» قال المهاجر غير الشرعي من غينيا الاستوائية إبراهيم كوني «إنّ السلطات الجزائرية قامت بفصله عن عائلته، التي باتت مشردة في العاصمة الجزائر، والتي تعيش الآن على التسوّل، بينما تمّ ترحيله إلى الجنوب للعمل بسعر زهيد»، من جهته قال المهاجر غير الشرعي «ماسيبا ديابي» لـ«ساسة بوست» إنه يعيش في الجحيم في الجزائر؛ حيث إنّ السلطات لم توفر لهم شيئًا، وهم الآن يعيشون فقط على مساعدات الجزائرين، ووجهت منظمة العفو الدولية انتقادات شديدة للحكومة الجزائرية بعد إعلانها عن عزمها ترحيل اللاجئين الأفارقة مطالبة الحكومة بالتحقيق في وقوع انتهاكات ضد مواطنين أفارقة، كما دعتها إلى إنهاء الحصار المفروض على المهاجرين واللاجئين جنوبي البلاد، في وقت أكدت فيه وزارة  الخارجية الجزائرية أن عملية ترحيل المهاجرين الأفارقة تمت باحترام حقوق الإنسان.

الجزائر من قبلة الأحرار إلى دعم الدكتاتورية

كانت الجزائر من أولى الدول الرافضة لما يسمى «الربيع العربي»، وذلك بعد بروز مؤشرات إلى احتمال أن تكون جزءًا من هذا التحوّل الذي تعيشه دول المنطقة. فعمل النظام على محاربة الربيع العربي، وذلك بالوقوف إلى جانب الأنظمة، ففي تونس مهد الربيع العربي كان موقف الدولة الجزائرية رافضًا للحراك التونسي، ففي الوقت الذي كانت فيه المواجهات مندلعة بين الشعب والسلطة في تونس منتصف ديسمبر (كانون الأول) العام 2010، كانت الحكومة الجزائرية تستعد لاحتضان الدورة 18 للجنة المشتركة العليا بين البلدين واستقبل الوزير الأول التونسي محمد الغنوشي بحفاوة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وحمل له «رسالة تضامن» إلى الرئيس زين العابدين بن علي.

بينما في مصر كانت الجزائر رافضةً للثورة بدعوى الحياد والحفاظ على الاستقرار، وفي سوريا كان موقف الجزائر أكثر قربًا من النظام، ورفضت طلب الجامعة العربية سحب سفيرها من دمشق، كما صوتت بالرفض على قرار منح الجامعة العربية مقعد سوريا للمعارضة السورية.

ولم تكتفِ الحكومة الجزائرية بمواقفها الدبلوماسية القريبة من الأنظمة، فشنّت عمليات شيطنة للثورات العربية، خصوصًا في  سوريا، وذلك من خلال إسقاط ما كان يجري في الجزائر أيام العشرية السوداء، وبين ما يجري اليوم في سوريا، واصفة المعارضة السورية المسلحة بالإرهابية، كما تصرّ وسائل الإعلام القريبة من النظام الجزائري على تبني الروايات الرسمية السورية، ووصف المعارضة السورية الإرهابية والمتطرفة، وكان وزير الخارجية «رمطان لعمامرة» وصف في تصريح له أن النظام السوري انتصر في معركة حلب على الإرهابيين، وتوّج الوزير الجزائري للشؤون المغاربية والجامعة العربية «عبد القادر مساهل» موقف الجزائر الرسمي من الأزمة السورية، وذلك بزيارته الرسمية إلى سوريا، والتي التقى فيها مع «بشار الأسد» يوم 28 أبريل (نيسان) الماضي، وأبلغه دعم بوتفليقة للسوريين، ليرد وليد المعلم – وزير خارجية النظام السوري –  بزيارة إلى الجزائر ولقاءٍ مع بوتفليقة وصف فيه الموقف الجزائري من الأزمة في بلاده بالناضج، وأنه وجد لدى المسؤولين الجزائريين الذين التقى بهم «اطلاعًا عميقًا» على ما يجري في بلاده.

بوتفليقة برفقة بشار الأسد

وعن موقف الجزائر من الربيع العربي ومن الثورة السورية يقول الكاتب السوري «غسان ابراهيم»: إنّ النظام  السوري والجزائري  متشابهين في نفس الطبيعة ونفس الممارسات، والنظام الجزائري يدعم سوريا كي تمنع تحريرها من نظام الأسد، ولكي يفشل الربيع الجزائري، من جهته قال المفكر الجزائري «أنور مالك»: إن الجزائر تقف مع نظام الأسد؛ لأنها «تعادي ثورات الربيع العربي منذ بدايتها، ولذلك تخندقت مع أنظمة ضد ثورات شعبية».

السيناريو السوري.. الأسطوانة التي أخافت الجزائريين

يعيش السوريون اليوم في مأساةٍ كبيرة صنفت أنها الأبشع في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد أن خرج السوريون مطالبين حكومتهم بإصلاحات تعالج الفساد المستشري في البلاد، ليردّ الجيش بالنار، ويعمل النظام في الجزائر على التجارة بما يجري في سوريا؛ إذ لا يضيع أي مسؤول الفرصة بحديثه عن الأخطار التي تتربص بالجزائر، وذكر ما يجري في سوريا، حيث صار الجزائريون يتقاسمون الخوف مع السوريين، وفي سياق آخر حذّر رئيس الحكومة الأسبق «مولود حمروش» الجزائريين من سيناريو أشبه لما يجري في سوريا، وقال حمروش إنّ حالة الانسداد التي تعيشها البلاد ستولّد حتًما الانفجار الاجتماعي الذي لن يقل في خطورته عما حدث في ليبيا وسوريا، من جهته اتهم  الوزير الأوّل أحمد أويحيى أطرافًا أجنبية تسعى وبكل الوسائل المتاحة أمامها  إلى محاولة زعزعة أمن واستقرار الجزائر، محذرًا الجزائريين من أنّ السيناريو السوري والعراقي يحاك للجزائر، مؤكدًا أن «الجزائر ستضرب كل من تسول له نفسه ضرب استقرار وأمن

اجمالي القراءات 2623
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق