محمد العدوي : في شارع أمن الدولة

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١٩ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: البديل


محمد العدوي : في شارع أمن الدولة

 

محمد العدوي : في شارع أمن الدولة

بناية أمن الدولة الجديدة في المنصورة، تقع في شارع هادئ جميل. يشبه شوارع الأفلام القديمة؛ طويل، تحفه أشجار كثيفة متشابكة، ولا تسمع فيه إلا صوت زقزقة العصافير عند كل وقت. وصوت خشخشة المخبرين خلف كل شجرة، يقطعون عليك همس نفسك في كل مرة تعبر فيها هذا الطريق.

هذه الأشجار هي ما يمكنك أن تراقبه في الساعات الطويلة التي ترغم على انتظارها حتى يفرغ أحد الضباط للقائك، بعد أن يكونوا قد أرسلوا لك مراسيل كثيرة ترجوك بحق الوطن أن تشرب معهم شيئا باردا.

هذه المرة كانت أطول من سابقاتها الست، خلال شهر واحد. وهذه المرة كانت الحجرة التي أنتظر فيها كبيرة، مؤثثة بعناية، وتطل على فناء البناء لا على الشارع، وخلف الفناء تبدو مبان مدرسة اللغات وصوت الطلبة الغض في الفصول يعلو على فترات بتحية أو هتاف أو فرح طفولي بدا لي مزعجا وأنا أنتظر. حتى دعاني مخبر صغير للتحرك معه.

وبعد دوران في أقبية ودهاليز أصبحت أحفظها، وجدتني أمام مكتب “مدير الجهاز” كما تقول اللافتة على الباب. تركني المخبر دون أن يطرق لي الباب وانصرف، فسمعت صوتا من داخل الحجرة يدعوني للدخول.

كانت الحجرة واسعة ، مهيبة.يتصدرها مكتب مرتفع عن الأرض بدرجة، وكرسي كبير يشرف هو من فوقه. وعند الباب كرسي صغير أشار إليّ بالجلوس عليه.

- مرحبا .

- أهلا .

- ازيك

- كويس

مرت لحظة صمت قبل أن يقول: متفتكرش انك حد مهم قوي علشان كدة دخلوك عندي!! ، انا معنديش وقت للحاجات دي. الموضوع ببساطة ان السادة الزملا مش عارفين يصنفوك، كلهم مش عارفين يصنفوك، وحتى ملفك أنا مش عارف أصنفك منه، فكان لازم أثبت لهم إنهم شوية بقر .

لم أجب .. ولم يمهلني هو فأكمل :

- هو من ملفك، ممكن أقول إنك ماشي مع الإخوان بمبدأ : أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة !!

لم أكن قد سمعت هذا البيت من قبل لكنه أعجبني، وأعجبني المبدأ فقلت: مظبوط يا باشا .

قاطعني :

- لا مش مظبوط طبعا .. لأنك عارف إنهم مش صالحين.

- حضرتك اللي بتقول !

- وأي حد يقول لك حاجة تصدقها ؟!

- صح يا فندم ، هم مش صالحين، هم مش بيخدموا إلا نفسهم … دا حت..

-
وممكن تتصنف على إنك يساري، من تاريخك في الجامعة ، وشوية العيال اللي بتقعد معاهم على القهوة .. بس دول ولاد كلب ملهمش لازمة .

بقي ساعة يعدد اتجاهات وطوائف لم أسمع بها، وهو يقلب في أوراق أمامه ، ويذكر السبب الذي يجمع بيني وبينهم. حتى انتهى. ثم رفع عينه إلي وهو يقول : ” بس اوعى تفرح إنك رايح جاي على أمن الدولة، احنا زي محكمة طويلة، ممكن الحكم فيها يقعد متأجل سنين، بس لما يطلع ..

وتغيرت نبرته، وانقلب وجهه :

لما يطلع ممكن يبقى إعدام .. ومفيهوش استئناف .. تقدر تتفضل .

قلت بوجل :

- طب يا فندم أنا ليا سؤال !

- احنا هنا في أمن الدولة بنسأل بس ..

- …………………………

- اسأل !!

- هي دي حاجة وحشة ولا حلوة .. انكو متصنفونيش

- اسأل جلال بيه برة لما تخرج .

ولما خرجت كان المخبر الذي صحبني إلى المكتب في انتظاري، قادني إلى مكتب جلال بيه فسألته نفس السؤال فضحك وهو يقول:

“دي حاجة بنت وسخة طبعا .. لأنهم لما يجو يشدوا الإخوان هيشدوك ، ولما يجو يشدوا اليساريين هيشدوك . ولما يجوا يشدوا الشراميط هيشدوك .. ها ها ها .. يللا روّح، لحد ما يشدوك

اجمالي القراءات 1160
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق