جمال مبارك والاخوان 2

  في الثلاثاء ٢٥ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


حظى مقال الاسبوع الماضي بتعليقات في " المصريون " وعلى بريدي الخاص تجاوزت بشكل ما - ما انتظرته بشان ما كتبت، وخاصة وان ما طرحته في المقال المشار اليه نُقل للنظام المصري بصور متعددة، احداها كانت - حسب معلوماتي – لجمال مبارك مباشرة من وزير الخارجية الالماني السابق يوشكا فيشر، في اول زيارة " سرية " لجمال الى برلين نهاية 2002 او بداية 2003 حسبما اتذكر

مقالات متعلقة :

ومفاد الأمر ان اوروبا وامريكا سيرحبان وينظران بكثير من التفهم والتعاطف لتغيير دستوري حقيقي في مصر، يضمن حق العمل السياسي للجميع – بما فيهم الحزب المدني للاخوان المسلمين - ، تغيير يحوّل مصر الى جمهورية برلمانية – كشرط للموافقة على احدى اشكال التوريث المطروحة. وهي المتعلقة بتشكيل الوزارة المصرية برئاسة جمال مبارك ، مع التوافق بين كل الاطراف ضمن اطار جمعية وطنية " على من " سيُسند " اليه منصب رئيس الجمهورية، باعتبارها الصيغة الوحيدة التي تتوافق مع نفي الرئيس مبارك سعيه للاتيان بنجله في منصب رئيس الجمهورية، وتتوافق ايضاً مع تصريحات جمال مبارك بهذا الخصوص – وقد اشرت في المقال الأول الى ان العديد من المؤشرات ترجح موافقة كل التيارات الوطنية في مصر – بما فيها الاخوان - على مثل تلك " الصفقة" باعتبارها تنقل مصر بالفعل الى بداية طريق الديموقراطية الحقيقي وتقيّد من سلطة الفرد في مقابل توسيع صلاحيات البرلمان والمؤسسات الأخرى وترفع من قدر السلطة القضائية باعتبارها الحكم في كل ما سيلي ذلك، مع التطبيق الفعلي لمعايير حقوق الانسان وحق منظمات المجتمع المدني في ممارسة دورها في المجتمع

اعتبر البعض مثل ذلك الطرح " تخاريف صيام" فيما اشاد البعض بوجاهة الفكرة من زاوية ايجابية التغيير الذي ستشهده مصر حينها على كل المستويات، واتهمني البعض الآخر انني بت من المؤيدين للتوريث واحاول التسويق له بصورة أو باخرى ؟

ضمن التعليقات التي سمعتها حول ذلك ما ذكره استاذ للعلوم السياسية بجامعة برلين الحرة – يُستشار على اكثر من مستوى في مصر – أكّد فيه ان السيناريو المطروح في المقال - سبق وان نوقش على مستويات متبانية مع النظام المصري من خلال عدة قنوات – وان للفكرة صداها الايجابي لديه – النظام - ، الا ان هناك قوى ومراكز اقتصادية حقيقية داخل مصر ما زالت تعتقد ان شعب مصر لم ينضج بعد لفكرة الديموقراطية و الجمهورية البرلمانية؟!، وان حدوث مثل ذلك دون ضمانات دستورية حقيقية و" عقد سياسي " مع الاخوان – وليس اتفاق نوايا - قد يعني وصول التيارات الدينية الى السلطة خلال سنوات من خلال صناديق الانتخابات الحرة ، وفرض حجر من نوع جديد حينها على حرية العمل السياسي في مصر – وكأن تلك الحرية قائمة الآن - ما سيزيد من الرغبة " المكبوتة " حتى الآن للجيش في لعب دور توازني على غرار ما يقوم به الجيش التركي، لتبدأ حينها معركة الدكتاتورية من جديد

اشار ايضاً استاذ العلوم السياسية الالماني الى ان اي سيناريو آخر للتوريث لا يأتي ضمن تغيير دستوري مقبول في الداخل والخارج سيمثل كارثة حقيقية على جمال مبارك نفسه ، بغض النظر عن حجم القوى والمراكز الاقتصادية التي ستدعم توليه الحكم في مصر، وذلك لان العالم الغربي كله – دون استثناء - سيتعامل معه حينها – وبغض النظر عن الشكل الذي اتى من خلاله لمنصب رئيس الجمهورية – على انه نسخة اخرى من كيم يونج ايل أو بشار الاسد، فكلاهما ورث والده بغض النظر عن الدستور والقانون وحرية الشعب في اختيار حاكمه – هذا علاوة على ان جمال مبارك سيبدأ حينها حكماً يفتقد الى المصداقية بالمطلق – بعد ان سبق ونفى – على غرار ابيه – سيناريو التوريث تماماً

الأمر الأخير الذي اشار اليه استاذ العلوم السياسية هو ان ما سيحدث في مصر سيشكل سابقة لديها فرص كبيرة للتكرار في بلدين عربيين على الأقل هما ليبيا واليمن، وان اقدام مبارك على " تقليد " سوريا سيضعف من قيمة مصر ومركزها السياسي بشكل كبير، وسيحسم الدور الاقليمي الذي تتنازعه – عربياً - مصر والسعودية حتى الآن لصالح الأخيرة، مع ما سيعنيه هذا من انعكاسات على دور التيارات الدينية نفسها، وردود افعال ذلك ، وبالتالي على دور ايران الاقليمي في المنطقة

ما طُرح يعني صراحة ان ملف التوريث بشكله التقليدي محكوم عليه بالفشل حال فرضه بالقوة دون توافق وطني عام على الاطار الدستوري الذي يضمه، فالمرجعية الاقتصادية وحدها لن تكفي لتثبيت حكم جمال مبارك لفترة طويلة وستشهد البلاد ما يشبه الفوضى - التي سيضطر الجيش عاجلاً أو آجلاً للمشاركة فيها وحسمها لصالحه ، بغض النظر عن رؤية الغرب الحالية لمثل تلك الخطوة في مصر ، والتي تحققت بالفعل في الجزائر عقب الانتخابات الديموقراطية الوحيدة هناك قبل سنوات والمنتهية بفوز التيار الديني . وهذا تصور يتناقض تماماً مع ما أورده تقرير امريكي بمشاركة الزميل والصديق عمرو حمزاوي يشير الى ان صدمة الاختفاء المفاجئ لحسني مبارك قد تكون لها تبعات سياسية تضع المجتمع المصري على بداية طريق الديموقراطية .

اخيراً اتصور ان اعادة التدقيق في تفاصيل الصورة العامة التي حكمت وتحكم العلاقة بين الاخوان المسلمين والسلطة في مصر ، بما فيها الضربات التي تعرضت لها الحركة في الآونة الأخيرة مسالة ضرورية لفهم ما يريده النظام حقيقة من حركة الاخوان المسلمين، فما يريده منها ليس له علاقة على الاطلاق بما نقرأه على صفحات الصحف القومية، من مقالات للاستهلاك المحلي وذر الرماد في العيون تستهدف التكتيك وليس اكثر – وان كان من يدبج تلك المقالات يتصور عكس ذلك
فلا الحكومة تستطيع – حتى لو رغبت – في انهاء حركة الاخوان المسلمين سياسياً ولا اجتماعياً ، ولا الغرب ولا حتى الولايات المتحدة يريدان أو سيوافقان على ذلك، باعتبار ان كل الاطراف هنا وهناك باتت تعي جيداً ان غياب الاخوان المسلمين من مصر والمنطقة سيقوي من شوكة تيارات اخرى يصفها الغرب بالمتطرفة ويصعب بالفعل التعامل معها ، وسيزيد من التعاطف الشعبي هنا وهناك مع تلك التيارات، مع ما سيعنيه ذلك من تداعيات في المنطقة على المدى المتوسط والبعيد، وهو ما قد يدفع فيه الجميع ثمنا باهظاً في النهاية

الشعب يريد الديموقراطية، وجمال مبارك يريد الحكم، ويصر عليه، لحماية ما يجب حمايته من ناحيه ، واستمراراً لسياسات بدأها والده من ناحية أخرى، فاما ان يأخذ جمال مبارك هذا الحكم – ان استطاع - عنوة ويحكمنا على طريقة كيم يونج ايل، واما ان يساهم في تغيير دستوري حقيقي في مصر يؤهله باعتباره مرشح حزب الاغلبية لتشكيل الوزارة ضمن نظام برلماني " دستوري " حقيقي – يضمن العمل السياسي لكل الاطراف وتحالفات حقيقية بينها لمصلحة مصر وحينها قد يدخل التاريخ بالفعل – اما هذا أو ذلك

اما الحل الثالث فيكمن خصخصة الحكم بشكل قانوني ، على ان يشتريه جمال مبارك، ودفع وانفاق ثروته في حل كل المشاكل التي يعاني منها الناس، فيوفر لهم على نفقته المساكن والمدارس الكريمة ونظام صحي محترم، ويبني عدة مدن لساكني المقابر، ويقيم المصانع والمزارع والسدود والقنوات والشوارع، حينها سيكون قد اقنع بالفعل شعب مصر بأهليته للحكم وسيطالب به الناس رئيساً للجمهورية
ورمضان كريم

قال الشاعر: دعوت على عَمْرِ فمات فسرّني
فعاشرت اقواماً بكيت على عمْرِ

اجمالي القراءات 7761
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق