أبو ولید يسلك نهجَ أبي هریرة!:
بين خالد مشعل وأبى هريرة

الدکتور رضا جلالي، الباحث الإیراني   في الثلاثاء ٠٨ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً


أبو ولید يسلك نهجَ أبي هریرة!

الدکتور رضا جلالي، الباحث الإیراني

Rezajalali43@gmail.com

من المعروف أنّ أبا هریرة كان في الواقع مع الإمام علي بن أبي طالب(ع) في معركة صفین، حتّى إنّه حضر من تلقاء نفسه كمصلح في معسكر معاویة، ولامَه على دخوله في الحرب ضدّ الإمام (ع)، وفي الوقت نفسه،كان يبحث عن قتلة عثمان متخفِّيًّا في معسكر الإمام كي يسلّمهم عند انتهاء الفتنة لمعاوية. بعد معركة صفین كان أبو هریرة من الذین انصرفوا عن الإمام وتبعوا معاویة. فما الذي حدثَ، حتّی تبدّلت صداقته إلی عداوة؟

مقالات متعلقة :

من دون شكّ علینا في البداية الالتفات إلى أسس صداقة أبي هریرة للإمام، فهي أسسٌ مهتزّة وسطحيّة سعى أبو هریرة جاهدًا كي تبدو حقیقیّة، لأنّ أبا هريرة بنظر الإمام (ع)، كان من أكثر الرجال كذبًا في نسبِ الأحاديثِ للرسول الأكرم (ص)، وأبدًا لم يكن يُعدُّ أبا هریرة من تابعیه ولا یقبل ملازمته. ما هي الضرورات التي استدعت حضور أبي هریرة وملازمته معسكر الإمام علي بن أبي طالب (ع) في معركة صفین؟ أهمّ هذه الضرورات: تظاهرُ أبي هریرة باتّباع سنّة إجماع المسلمین علی الخلافة الراشدة، وأنّه لا یمكنه مخالفتها. لكنّ وضوحَ اهتزز جبهة داعمي الإمام (ع) لا سيّما مع واقعة التحكيم التي هزّت إجماع المسلمين على شرعيّة الخلافة الراشدة، مهّد الأرضيّة كي يحوِّل أبو هريرة وُجهةَ صداقته من الإمام (ع) إلى معاوية. في ظلِّ هذه الأوضاع، زادت شهرةُ أشخاص كأبي هریرة في سوق نقل أحادیث النبيّ (ص)، وسرعان ما رجحت كفّة الأحاديث الموضوعة والإسرائيليّات. وفي سوق العرض هذه، فقط معاوية يمكنه أن یعرف قدرَ أبي هریرة وقيمته!

2- من المعروف إنّ أبا هریرة بعد أوّل مشاركةٍ له ضمن جهاز معاویة في معركة صفین، تردَّدَ على معاوية عدّة مرّات سرًّا وعلنًا. فأسّس خلال هذه الحقبة منهجيّة سلوكيّة ثلاثيّة مشهورة سُجّلت في التاريخ بعنوان تأمين المصالح الثلاثيّة الإستراتیجیّة، البارادوكسیكال أو التریلوجیاالمتناقضة. حول هذا الأمر هنالك العديد من الروايات التاريخيّة، منها:

الأوّل– قال بن عماد في كتاب "شذرات الذهب"، ج1، ص64 : "وكان یصلي خلفَ علي ویأكل علی سماط معاویة ویعتزل القتال ویقول الصلاة خلف عليّ اتمّ وسماط معاویة أدسم وترك القتال أسلم" !

الثاني- القول المشهور في تریلوجیا أبي هریرة للأستاذ الشیخ محمود أبو ریّة في كتابه "أبو هریرة شیخ المـَضیرة"، ص61، عندما سألوا [أبا هريرة] عن هذه التصرفات، فقال: "مَضیرة معاویة أدسم وأطیب والصلوة خلف علي أفضل وترك القتال أسلم".

بناءً على ذلك، یقول محمود بن عمر الزمخشريّ في كتاب "ربیع الأبرار"، ج3 ص210: "بسبب حبِّ أبي هریرة للدنیا ونهمه إلی لقمة خبزٍ بادر إلى اعتناق الإسلام وتناول الخبز مع النبي، كان یدعو: "اللهمّ أعطني ضرسًا طحونًا ومعدة هضومًا ودُبرًا نثورًا".

3- من المعقولٌ أن تكون "المَضیرة" سرًّا تاریخیًّا، سرًّا كان موجودًا قبل أبي هریرة وانكشفَ معه. انكشف عن طريق قلب واغتصاب إمامة وخلافة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) أكان ذلك علی أساس عقیدة "الوصایة" عند الشیعة أو عقیدة "الخلافة الراشدة" عند السنّة. فتفتح المَضیرةُ عن طریق الحرب، والمفاوضة والحرب، مجالَ ظهور "السلطنة" بدلًا من "الخلافة"، المجال الذي ضُرب من خلال ظهور  الخلافة بدلًا من الأمامة!

كم كانت عظيمة المعجزات التي حدثت مع أبي هریرة، في هذا المسار، بفضل مَضیرة معاویة! لدرجة أنّ بدیع الزمان الهمدانيّ أفردَ في كتابه "المقامات" مقامةخاصًا للـ "مَضیرة" (ص89)، وطعن فیها بأبي هریرة وعابَه بشدّة قائلًا: "كنت بالبصرة ومعي أبو الفتح الإسكندريّ؛ رجل الفصاحة یدعوها فتُجیبه، والبلاغة یأمرها فتطیعه، وحضرنا معه دعوةَ بعض التجّار فقُدّمَت إلینا مَضیرة تُثنی علی الحضارة وتَتَرجْرح في الغضارة وتؤذن بالسلامة وتشهد لمعاویة بالإمامة...".

وكذلك یقول الإمام محمّد عبده في شرح مقام المَضیرة في "المقامات" لبدیع الزمان الهمدانيّ: "ومعاويةُ ادّعى الخلافةَ بعد بيعة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فلم يكن من يشهد له بها في حياة علي، إلّا طلاب اللذائذ، وبغاة الشهوات، فلو كانت هذه المضيرة من طعام معاوية لحملت آكليها على الشهادة له بالخلافة...".

4- معقولٌ أنّ المضیرة تكون سرًّا أدّى إلى ظهور البارادوكس المسلكي لدى غالبیة الناس، من الماضي حتی الآن وفي المستقبل. بالنسبة إلى أبي هریرة هو مطيّة وفرصة لإظهار استراتیجیّة بارادوكسیكال كدلیل للجماعة الساذجة والجاهلة؛ فعلی هذا الأساس؛ كان عملُ النبي الأكرم (ص) والإمام عليّ بن ابي طالب(ع) دعوة الناس للاهتمام بالآخرة وترك الدنيا وإدارة المجتمع الإسلاميّ. وكان عمل معاویة الاهتمام بأمور دنیا الناس وإدارة المجتمع بأسلوب الرفاهیّة المَضیریّة. معتلك الرؤیة، يكون تركُ الحرب، بمعنى الفصل بین دنیا الناس وآخرتهم، ضروريًّا للحفاظ  على السلامة! كانت تلك الإستراتيجيّة مؤثّرةً، ففرّقت شملَ المسلمين وبدّدت وحدتَهم؛ وساقتهم من الحرب إلی المفاوضة، ثم إلى الحرب مرّة اخرى. نتیجة البارادوكس هذه، أوجدتْها في ذهنِ الجماعة الساذجة والجاهلة في صفّين، استراتيجيّةُ تلمیذِ كعب الأحبار الیهودي [أبي هريرة].لقد استغلّ مشروعیّة النبي (ص) وأهل بیته لمنح المشروعیّة لتيّار نقل الأحادیث، وكان یصلّي خلف علي ويعدُّها الأفضل. ثم استغلّ سلطة معاوية وثروته لتثبيت موقعه بصفته شيخ محدّثی البلاط وصاحب القدرة الشرعیة بلا منازع، وعدَّ مَضيرة معاوية الأدسم والألذّ. في الوقت عينه، يطرح قضیّة الحرب والقتال كي یثبت بأنّ صلاة عليّ أفضل، وعند الضرورة فإنّ لمعاویة الید العلیا، والحرب بالنسبة لسلامة الجماعة، ضارة وقاتلة لكلّ من یطلب الصلوة والمَضیرة علی السواء!

لا ریب في أنّ صلاة الإمام علي (ع) والقتال مع عدوّ الدین هما من منبت واحد، لكن لا توجد أي نقطة مشتركة في ما بین مضیرة معاویة وبین صلاة علي ولا القتال مع عدو علي(ع). فعلی هذا الأساس یجب أن یُختار واحد، إمّا الجوع وملازمة الإمام (ع) إمّا المَضیرة وملازمة معاویة، فاختیار كلا الاثنین معًا منافقة. ویقول جار الله الزمخشريّ في كتابه "أساس البلاغة"، ص76: "عَلِيٌّ مَعَ الْحَالِ الْمُضِيرَةِ خَيْرٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ مَعَ الْمَضِيرَةِ."

ب- طریق أبي ولید

5- من المعروف أنّ أبا ولید (خالد مشعل) كان یتنعّم دائمًا خلال الحرب مع الصهاینة بدعم إیران وحمایتها وبدعم محور المقاومة، وعلی الرغم من ذلك تخلّى أبو ولید عن إیران ومحور المقاومة بعد الثورات العربيّة، وخاصّة بعد الحرب الإقلیميّة والدوليّة ضدّ سوریا وتحوّلها إلى حرب الإرهاب العالميّ ضدها، فاصطفّ أبو وليد إلی جانب أعداء المقاومة. فما الذي حدث في الواقع حتّى انتهت كلّ تلك الصداقة والمودّة والحمایة إلی العداوة أو علی الحد الأدنی إلی السجال وعدم المودّة؟

يجب علینا أن نعود إلى جذور تكوُّنِ حماس وعقائدها، وبشكل خاص إلى أفكار الشیخ أحمد یاسین. لقد كان للتوّجُّه الإسلاميّ السلفيّ لحماس إسلام جذوره المتزعزعة وغير الثابتة في التعاون وتوحید الرؤية الإسلامیة بعیدًا عن الاستفزازات الطائفیّة. في حین إنّ خطاب المقاومة الإسلامیّة هو خطاب مرتكز علی الوحدة ومبنيّ علی رفض الطائفیّة. إذًا فالألویّة الغالبة لدى حماس لیست القتال مع إسرائیل ولا التوحّد مع محور المقاومة، بل هي تعزيز الاتجاه السلفیّ في فلسطین، وهو نفسه ما ينطوي عليه كلام الإخوان المسلمین. وهكذا، مع بداية الثورات العربيّة وسيطرة الحكومات الإخوانیّة في مصر وتركیا فصَلَت حماسَ فجأة عن محور المقاومة، وألحقتْها بالمحور الإخوانيّ السلفيّ. والآن وبهدف الحصول على المساعدات السعوديّة،تنخرط حماس في إطار الخطاب الوهابيّ السلفيّ الفلسطینيّ!

من المسلَّم به أنّ تحالف أبي ولید مع إیران ومحور المقاومة لم يكن إلّا لأسبقيّتها في النضال الإسلاميّ الفلسطینيّ في وجه الاحتلال الإسرائیليّ. وذلك كي تُثبت عن طريق شرعيّتها الضروريّة اسمها كأوّل فریق إسلاميّ فلسطینيّ مجاهد. وهكذا تمتّعت حماس بمزايا هذا الاسم السیاسیّة والاقتصادیّة والاجتماعیّة، بین الشعوب العربيّة والإسلاميّة. واحتكر أبو ولید احترام القلوب والرصيد الاجتماعيّ للمسلمین و العرب نسبةً للمجاهدين ضد الاحتلال الإسرائيليّ، فكانت النتیجة تأسیس الدولة الفلسطینیة في قطاع غزة.

6- من المعروف أنّ حماس تسلّمت المال الكثیر من المملكة السعوديّة في السنوات الأخیرة من التسعینیات. في الواقع في نهایة القرن العشرین موّل السعودیّون أكثر من نصف میزانیّة العمليّات لحماس، واستمرّت هذه المساعدات حتی سنة 2007، سنة تأسیس الحكومة الائتلافیة فتح – حماس بوساطة من المملكة (المعان نیوز، 17/6/ 2012).

هناك سؤال يطرح نفسه، كیف كان أبو ولید یتنعّم بمساعدات المملكة، في خضمّ القتال والعملیات العسكریة وشجاعة الشباب الفلسطینيّ في غزة المدعوم بشدة وبقوة من جانب إیران ومحور المقاومة الإسلامیة؟! وكیف تستمر هذه المساعدات بشكلٍ أكثر أو أقل حتی الآن؟ یقول أحد المسؤولين الإسرائیليين: "من المؤسف أن تتدفّق مساعدات السعودیین إلی حماس في حين ترتجف أیاديهم السعودیین عند تقديم هذه المساعدات المالیة إلی الشعب الفلسطینیّ. هذا النشاط خطير ويستوجب السؤال" (نداء القدس 10/8/2015).

7- مفهومٌ أنّ أبا وليد حاليًّا، ونحن على عتبة تحولات غیر مسبوقة في المنطقة، وبعد أن جرّب حُماة متعدّدين طوال السنوات الثلاثة الأخیرة وفقدَهم، ها هو يحوّل نفسه إلی بطاقة مساومة في أيدي القوّات الإقلیمیّة. فیسعی حینًا بصفته ورقة في يد أردوغان في سبيل الحصول على مبلغ  250 ملیون دولار سنویًّا لمساعدة حماس، وهو وعدٌ غير عمليّ (ورلد تریبیون 15/7/2013)، وأحیانًا ینتظر منحَهُ مساعدة 1 ملیار دولار سنویًّا من جانب دولة قطر (اسلام تایمز 20/11/2012)، والیوم مثلًا، یسلّم نفسه إلی المملكة، كما یقول في زیارته إلی الریاض: "تعهّد مسؤولو الریاض بمنح المزيد من المساعدات إلی غزة"، (ستینل ریبابلیك 17/7/2015). ویقول أحد قیادیّي حماس: "تحسّن العلاقات مع المملكة یعني منح مزيد من الحریّة للمنظّمات غیر الحكومیّة في السعودیّة لتقدیم المساعدات الإنسانیّة إلی الفلسطینیین في قطاع غزة".

يولِّدُ هذا الموقف الجدید لدى أبي ولید إحساسًا  بالرضى والخوف  في آنٍ واحد، لدرجة أنّه باتَ الآن یبیع نفسه لمَن يدفع أكثر، ومن دون أي تحفّظ.

من المفاوظات إلى الهدنة الظاهريّة مع إسرائیل، إلی إرسال آلاف المقاتلین برفقة السعودیین للحرب ضدّ الشعب الیمنيّ، وإلی إرسال خبراء من حماس إلى السعودية للقيام بحفر نفق على الحدود مع اليمن لاختراق القوّات اليمنيّة من الخلف، ولإرسال قوّة إلى سوريا لقتال الجیش السوري وقوى المقاومة، وإلی إرسال آلاف المقالین والتجهيزات للدواعش في الحرب علی قوّات الحشد الشعبيّ الشیعيّ، وإلی التغاضي عن الاجتماعات اللیلیّة التي ينظّمها سلفیّو حماس التكفیریّين في غزّة لتجنيد وتسجيل أسماء المقاتلين وإرسالهم للجهاد ضد الشیعة في العراق و...، كل هذا هو الثمن الذي یدفعه أبو ولید كي يجلس إلى مأدبة أعداء المقاومة والفلسطینیین، الدسمة والطیّبة.

8- مفهومٌ هو البيان الذي أصدرته حماس بالنيابة عن أبي الوليد، ردًّا على مَن ينتقدون تصرّفات حماس لتقرّبها من المملكة السعوديّة وابتعادها عن إیران: "إستراتیجيّة حماس واضحة، نحن نهدف إلی تحصین العلاقات مع جمیع الأطراف تماشيًا مع ما يخدم القضیّة فلسطین، ولا ننوي أبدًا الدخول في محاور ولا التدخل في الشؤون الداخلیّة للبلدان الأخری" (مركز الإعلام الفلسطیني، 11/7/2015).

هذا یعنيأنّ أبا وليد لم يعد يريد الارتباط  بمحور المقاومة بعد فحسب، بل یرید أن یُرضي كلَّ الأطراف المتناقضة في قضیّة فلسطین مع تریلوجیة المتناقضة، وهكذا يستمرُّ مشروعه أي التخلّي عن قتال العدو الصهیونيّ. هذا هو الموقف الذي اتخذه أبو ولید منذ مدّة ولكنْ يتدبّره بطريقة سرّية. لا ننسی أنّ في سنة 2009 أي في أثناء عملیة غزّة تحت "الرصاص الإسرائیلیّ"، قامت منظمة الجهاد الإسلامي وحدها بمواجهة العدو الصهیونيّ، في حين سعت حماس بامرٍ من أبي وليد  للدخول في مفاوضات السلام مع إسرائیل. حتّى أنّ حماس، بعد آخر وقفٍ لإطلاق النار مع إسرائيل، سعت بقيادة أبي وليد، للحفاظ على حدودها كي لا يُطلَق من هذه الحدود أيّ صاروخ على إسرائيل. كان أبو وليد يريد منذ مدة أن یحوّل حماس من حركة جهادیّة عسكریّة ضد الاحتلال إلی حزب سیاسيّ (المونیتور 5/2/2013).

دوَّن عبد الباري عطوان في یولیو 2015 على حسابه على الفیس بوك: "توصّلت حماس إلی مسودة اتفاق هدنة لعشر سنوات مع إسرائیل. علی أساس هذا المخطّط، يُقضى تمامًا على خیار المقاومة تمامًا، وسيتمّ قمع كلّ فريقٍ فلسطينيّ  يعارض هذا الأمر. بالمقابل ترفع إسرائیل الحصارَ عن غزة وتمنحها ممرًا بحريًا إلى الخارج... علی حماس أن تعرف أنّ التخلّي عن المقاومة ونزع السلاح يعني إسقاط المشروعیّة. لاشك أنّ لقاء أبي ولید مع توني بلير لمرّتین في الدوحة في سنة 2015 كان لتمرير مشروع الهدنة مع إسرائیل، أو بلغة أخری لمحادثات السلام، وكل هذه تكون لأجل إعتراف بوجود حماس!

ج- منهج أبي ولید هو نفسه منهج أبي هریرة

9- ربّما كان أبو ولید یدرك منذ مدة أنّ مضیرةَ المحور العربي–التركي أدسم وأطیب؛ فهو یشعر بدسامتها وطيبها بكلِّ حواسّه. لطالما كان أبو وليد یلجأ إلی إیران ومحور المقاومة ويستفيد منها اجتماعيًّا وسیاسيًّا واقتصاديًّا، ولطالما كان أبو وليد بتخلّيه عن قتال إسرائيل بحجّة سلامة الشعب وإعمار غزّة، لكنّه كان يفكّر بفُرص الحوار مع العدوّ وبالمكافئات الغربیّة – العربیّة. المضیرة التي قدّموها لأبي ولید كانت بإطار الوعود الوهّابيّة - الإخوانيّة، كانت لذیذة وشهيّة لدرجةٍ جعلته لا ينطق إلا بالمدح على ملوك العرب والترك، والثناء على الإسلام العصريّ والمعتدلّ، وبالشهادة لأردوغان بقيادة العالم الإسلاميّ أو للملك سلمان كإمامٍ للمسلمین.

10- ألا يسير أبو ولید حقًّا على خطى أبي هریرة؟ ألا یشبِهُ أبو ولید أبا هریرة الذي أظهر نفسه الصحابيّ والمحدّث الممیّز في بلاط معاویة؟ ألا یرید أبو ولید أن یتقرّب من بلاط الأتراك الإخوانية أو من بلاط السعودیّین الوهابیّین والتفرّد بالفلسطینیین لكسب قلوب محور المقاومة وأعدائه علی السواء؟! ألا یرید أبو ولید التمتّع بمضیرة التركيّ العربيّ أو الإخوانيّ الوهابيّ وبالوقت نفسه یستغلّ الصلاة الإیرانيّة الإسلاميّة حتی يبقى في نظر الفلسطینيين المعذَبین والمحبّین للمقاومة مقبولًا وذا شرعیّة؟ ألم يتقرّب أبو وليد في أثناء النزاعات الدامیة وقتال الأخوة أكثر في حين كان أبعد في أثناء معركة الجهاد ضد الاحتلال؟ ألم يكن في دوحة قطر مع  التخلّي عن القتال ضدّ العدو الصهیونيّ؟! ألیس القتال في وجه محتلّي القدس ضارًا بسلامة أبي ولید؟! ألا يعتبر أبو ولید المشاركة في الحروب لقتل الأخوة في سوریا والیمن والعراق واجبًا دینيًّا؟!

لا شكّ أنّ طريقَ أبي ولید وطريق أبي هریرة واحد. كان أبو هریرة في بدایة هذا الطریق وأبو وليد يسير في مساره وقد بلغ خطَّ نهايته وليس في تلك النهاية من بصيص نور. لم يعُد بإمكانه أن یصلّي خلف محور المقاومة ویكون في الوقت نفسه ضیفًا على مضیرة الإخوانيّ- الوهابيّ، ويتذرّع بالذرائع المتعددة للفرار من معارك الحرب مع المحتل. لا حاجة إلی أي إثبات، فبمجرّد حضور أبي ولید علی المأدبة الوهابیّةّ السعوديّة والقطريّة، ينفضُ یدیه من معركة القتال مع العدو الصهیونيّ، كما حضر أبو هریرة علی مأدبة معاویة وتخفّى في معركة صفین!

یعرف أبو ولید حتمًا الإستراتیجیّة الثلاثیة والبارادوكسیكال التي أسّسها أبو هریرة وحوّلها إلی سنّةٍ للخداع والفرار. لكنّ هذه الإستراتیجیّة أصبحت أوّلًا رمزًا للتفكّك، والآن قد انكشفت المكیدة أمام الملأ، وثانیًا إنّ إستراتیجیة أبي ولید في الطريق الذي رسمه أبو هريرة، لا تنتهي إلّا إلی الغفلة عن الآخرة والتوجّه إلی الدنیا والدنیا والدنیا. ولا فرق بین أبي هریرة وأبي ولید، لكليهما المصير نفسه،  والمضيرة نفسها.

كما یقول الشاعر والحكیم الایراني الدكتور السیّد أحمد فردید:

    اهل دنیا از کهین و از مهین              لعنة الله علیهم اجمعین

 [أهل الدنیا من السابقین واللاحقین       لعنة الله علیهم أجمعین]  

اجمالي القراءات 5423
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق