وول ستريت" تحت ضغط هادئ وأجور الأميركيين في مأزق
في مشهدٍ يعكس التناقضات العميقة في الاقتصاد الأميركي، تراجعت مؤشرات تقلبات الأسواق إلى أدنى مستوياتها منذ أشهر، ما يشير إلى حالة من الهدوء الظاهري والثقة المتزايدة لدى المستثمرين في بورصة وول ستريت. لكن هذا الهدوء المالي لا يعكس بالضرورة واقع ملايين العمال الأميركيين، حيث أظهر تقرير جديد أن أكثر من 40% منهم يعانون من تراجع في الأجور الحقيقية بسبب التضخم، وسط تباطؤ في نمو الرواتب لدى الشرائح ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
في الوقت الذي يشهد فيه سوق الأسهم أداءً قياسيًّا مدعومًا ببيانات قوية عن الوظائف، يتسع التفاوت في العوائد بين كبار المستثمرين والعمال، ما يطرح أسئلة جوهرية حول استدامة هذا الازدهار المالي في ظل فجوة دخل متزايدة.
تراجع مؤشر تقلبات "وول ستريت"
سجّل مقياس توقعات "وول ستريت" للتقلبات في الأسواق خلال الشهر المقبل أدنى مستوى له منذ 14 فبراير، وذلك يوم الخميس، مع تداول الأسهم بالقرب من أعلى مستوياتها التاريخية، مدعومة ببيانات توظيف قوية. وقد تراجع مؤشر التقلبات "فيكس" (VIX) التابع لبورصة خيارات شيكاغو بنحو نصف نقطة من مستوى إغلاق يوم الأربعاء، ليصل إلى 14.95 نقطة خلال الجلسة، قبل أن يرتفع قليلًا إلى نحو 15 نقطة.ويُعتبر هذا التراجع إشارة إلى أن بعض المستثمرين الذين راهنوا على انخفاض مؤشر S&P 500 بدأوا بتقليص خسائرهم، وخصوصًا أولئك المعروفين بـ"مشتريي التقلب"، الذين يستفيدون من ارتفاع معدل التذبذب أو من انخفاض أسعار الأسهم، إذ بدأوا بالتخلي عن مراكزهم.
وقال كريس سيديال، المدير المشارك للاستثمار في صندوق التحوط The Ambrus Group: "نلاحظ أن بعض المتعاملين في سوق التقلبات يرفعون الراية البيضاء حرفيًّا". في الوقت ذاته، تراجع مقياس "التقلبات المحققة" الذي يعكس التذبذب الفعلي للأسواق بوتيرة أسرع من تراجع VIX. فعلى سبيل المثال، انخفضت تقلبات مؤشر S&P 500 خلال شهر واحد إلى 6.9% فقط، بحسب بيانات Cboe Global Markets.
وقالت ماندي شو، رئيسة استخبارات الأسواق المشتقة في Cboe: "ليس من المستغرب أن ينخفض مؤشر VIX مع بلوغ السوق مستويات قياسية جديدة، لكن ما يُثير الاستغراب هو أنه لم ينخفض أكثر، بالنظر إلى مدى هدوء التقلبات المحققة". لكن هذا الاستقرار قد لا يدوم طويلًا. إذ تتوقع آيمي وو سيلفرمان، رئيسة استراتيجية المشتقات في RBC Capital Markets، أن يرتفع المؤشر مجددًا خلال الشهر المقبل.
وأضافت: "رغم أن انخفاض مؤشر VIX يعكس حالة من الهدوء الصيفي، فإن التاريخ يُظهر أنه عادة ما يشهد ارتفاعًا في أغسطس، تزامنًا مع تراجع الأسهم". فعلى سبيل المثال، في 5 أغسطس من العام الماضي، أدى القلق حول فكّ ما يُعرف بـ"صفقات الين التمويلي" إلى قفزة في المؤشر ليصل إلى 66 نقطة، وهو مستوى لم يُسجّل منذ بداية جائحة كورونا، مقارنة بمتوسطه البالغ 20 نقطة خلال السنوات الخمس الماضية.وأشارت شو إلى أن غياب المتداولين المخضرمين بسبب عطلة الصيف يُساهم في تقليص السيولة، ما يؤدي إلى تضخيم تحركات السوق. وقالت: "الأشهر التي تكثر فيها العطلات تؤدي عادةً إلى فراغ في السيولة".
تراجع في الأجور الحقيقية بأميركا
على صعيد آخر، أظهرت بيانات جديدة من شركة "إنديد" للبحث عن الوظائف أن أكثر من 40% من العاملين الأميركيين يشهدون انخفاضًا فعليًّا في رواتبهم، بعد أخذ التضخم بعين الاعتبار، في وقت تُسجّل فيه الرواتب الأعلى نموًا يفوق معدلات التضخم. ورغم أن نمو الأجور الإجمالي في الولايات المتحدة، بحسب مؤشر "إنديد" للأجور، لا يزال يفوق معدلات التضخم، فإن الفجوة بينهما تقلصت إلى أدنى مستوى لها منذ عام، وفقًا لتقرير نُشر يوم الخميس. وبحسب البيانات، فإن نحو 60% من العاملين شهدوا نموًا في رواتبهم يفوق تكلفة المعيشة، لكن البقية ما زالوا متأخرين عن مجاراة التضخم.ولا يوضح التقرير بدقة من هي الفئات التي تتأثر أكثر، لكنه يشير إلى أن الأرجح أن العمال ذوي الأجور المنخفضة والمتوسطة هم الأكثر تضررًا. كما يُظهر التقرير أن أسرع معدلات نمو سنوية في الأجور سُجّلت في مجالات عالية الأجر مثل الهندسة الكهربائية والقانون والتسويق. وتتوافق هذه النتائج مع بيانات "الاحتياط الفيدرالي" في أتلانتا، التي تُظهر أن أجور الربع الأعلى دخلًا من العمال الأميركيين تنمو حاليًّا بنسبة تزيد بنقطة مئوية كاملة عن تلك المسجلة في الربع الأدنى دخلًا.
ويمثّل ذلك تحولًا مقارنة بالفترة التي تلت الجائحة مباشرة، حيث كانت الوظائف ذات الأجور المنخفضة تسجل أسرع زيادات في الرواتب. وكان بعض المحللين قد توقّعوا أن تؤدي سياسات الإدارة الأميركية في الحد من الهجرة غير النظامية التي يعمل كثير من أفرادها في وظائف متدنية الأجر إلى رفع الرواتب في القاع الاقتصادي. إلا أن بيانات "الاحتياط الفيدرالي" تشير إلى أن هذه الفئة تشهد حاليًّا أضعف نمو في الأجور منذ عام 2017.
اجمالي القراءات
59