آحمد صبحي منصور Ýí 2012-05-28
القرآن الكريم لغة الحياة ، وما يقوله القرآن عن البشر يتجسد واقعا في حياة الناس ولا تملك إلا أن تقول ، صدق الله العظيم ".
أوّلا : جاء فى تاريخ المنتظم للمؤرخ ابن الجوزى ( جزء 14 ) فى أحداث عام 362 :
( ثم دخلت سنة اثنتين وستين وثلثمائة: فمن الحوادث فيها دخول جموع الروم إلى بلاد الإسلام ؛ فإنهم دخلوانصيبين واستباحوا وقتلوا كثيرًا من رجالها وسبوا من نسائها وصبيانها ، وأقاموا بهانيفًا وعشرين يومًا ، وغلبوا على ديار ربيعة بأسرها . وورد إلى بغداد خلق كثير من أهلتلك البلاد فاستقروا في الجوامع وكسروا المنابر ومنعوا الخطبة ، وحاولوا الهجوم علىدار المطيع لله واقتلعوا بعض شبابيكها حتى غلقت أبوابها ، ورماهم الغلمان بالنشاب منرواشنها وحيطانها ، وخاطبوه بما نسبوه فيه إلى العجز عن ما أوجبه الله على الأئمة، وأفحشوا القول ، ووافق ذلك شخوص عز الدولة من واسط للزيارة فخرج إليه أهل الستروالصيانة من أهل بغداد منهم: أبو بكر الرازي الفقيه وأبو الحسن علي بن عيسىالنحوي وأبو القاسم الداركي وابن الدقاق الفقيهان ، وشكوا إليه ما طرق المسلمين من هذهالحادثة فوعدهم بالغزو واستنفر الناس ، فخرج العوام عدد الرمل ، ثم أنفذ جشًا فهزمالروم ، وقتل منهم خلق كثير وأسر أميرهم وجماعة من بطارقته ، وأنفذت رؤس القتلى إلىبغداد ، وكتب معهم كتابا إلى المطيع يبشربالفتح.).
ثانيا :
1 ـ نحن ننقل قطعة تاريخية من عصر انقسم فيه العالم الى معسكرى الاسلام والحرب ، أو دار الاسلام ودار الحرب ، وفيه تبادلت الدولة العباسية والدولة البيزنطية الرومية المعارك فى آسيا الصغرى ، أو ما يعرف الآن بتركيا . وكانت الغلبة للدولة العباسية فى أوج عظمتها فى العصر العباسى الأول ، وكررت انتصارات الدولة الأموية على البيزنطيين ، ولكن لحق الضعف بالدولة العباسية فبدأ البيزنطيون فى استعادة بعض أجزاء من آسيا الصغرى لتكون عمقا لعاصمتهم القسطنطينية ، ثم بدءوا فى غارات على المناطق التابعة للدولة العباسية فى آسيا الصغرى ، والتى كانت قبل الفتوحات العربية تتبع الامبراطورية البيزنطية مع الشام ومصر . وفى الفترة الزمنية التى حدثت فيها هذه الواقعة عام 362 كان بنو بويه يسيطرون على الخلافة العباسية وليس للخليفة العباسى ( الطائع ) سوى النفوذ الاسمى . وفى هذه السنة أغار الروم البيزنطيون على المناطق التابعة للدولة العباسية ، أو بتعبير ابن الجوزى (دخول جموع الروم إلى بلاد الإسلام ) حيث يعتبر العالم منقسما الى معسكر الاسلام ومعسكر الكفر . وكالعادة فهم حين إحتلّوا مدينة حدودية وهى ( نصيبين )على التخوم فقد ( استباحوا وقتلوا كثيرًا من رجالها وسبوا من نسائها وصبيانها ، وأقاموا بهانيفًا وعشرين يومًا ) ثم جاوزوها الى منطقة ديار ربيعة بأسرها . وكان ردّ الفعل هائلا :.
2 ـ على مستوى العوام ، أو ( ما يعرف عندنا بالأغلبية الصامتة ) ، جاءوا الى بغداد ، أى قطعوا المسافة من آسيا الصغرى الى بغداد ، فى مظاهرات غاضبة على تخاذل الخليفة العباسى ( الطائع ) فاحتلوا الجوامع وكسروا المنابر ومنعوا الخطبة ، ولم يتعرض لهم ( البوليس وأمن الدولة وميليشيات الحزب الحاكم و بلطجيته ) . بل هجموا على قصر الخليفة المطيع وحطّموا بعض شبابيكه فأغلق أصحاب القصر أبوابه ، وتدخل أفراد الحرس فقاوموا المهاجمين بالنبل من وراء ستار .وارتفعت صيحات المتظاهرين بالسّب والشتم للخليفة الطائع،أو بتعبير إبن الجوزى:(وخاطبوه بما نسبوه فيه إلى العجز عن ما أوجبه الله على الأئمة، وأفحشوا القول ).
3 ـ وكان رد الفعل حكيما على مستوى القادة من العلماء والأئمة ،هم يعرفون عجز الخليفة الطائع ، وأن مقاليد السلطة والجيش بيد السلطان البويهى عزّ الدولة . فذهبوا اليه فى مقرّه فى واسط ، وقابلوه،يقول ابن الجوزى:(ووافق ذلك شخوص عز الدولة من واسط للزيارة فخرج إليه أهل الستروالصيانة من أهل بغداد منهم: أبو بكر الرازي الفقيه وأبو الحسن علي بن عيسىالنحوي وأبو القاسم الداركي وابن الدقاق الفقيهان ، وشكوا إليه ما طرق المسلمين من هذهالحادثة، فوعدهم بالغزو واستنفر الناس ) أى إستجاب اليهم فى إرسال جيش للثأر ، وكان عزّ الدولة حصيفا فرآها فرصة ليستغل حماس الناس الناقمين ، فاستنفرهم للغزو فاستجابوا له بأعداد مهولة ، أو بتعبير إبن الجوزى :( فخرج العوام عدد الرمل )، وعندما رأى صدق عزيمتهم خاف التباطؤ فأرسل جيشه المدرّب ، الذى هزمالروم ، وقتل منهم خلقا كثيرا ( وأسر أميرهم وجماعة من بطارقته ، وأنفذت رؤس القتلى إلىبغداد ) لتهدئة الناقمين ( وكتب معهم كتابا إلى المطيع يبشربالفتح.).
ثالثا :
1 ـ العالم الثالث فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجمهوريات الموز يتقدم للأمام نحو الديمقراطية وحقوق الانسان ونحن نتقدم الى الخلف . فى عام 362 فى العصور الوسطى كان الاستبداد السياسى شريعة متفقا عليها ، وكان منتهى الوعى وقتها وجود عقد غير مكتوب بين الحاكم المستبد ( الراعى ) والرعية بتسليم الأمور لولى الأمر مقابل قيامه بواجب الدفاع عن (الملّة والدين ) ، وكان الفقهاء وعلماء الدين ممثلين ( للرعية ). أصبح العالم الآن يعيش ثقافة الديمقراطية ويطوى صفحة الطغيان السياسى بعد أن قامت ثورات التحرير ضد الاحتلال والاستعمار الأجنبى ثم ضد الاستبداد المحلّى . وبها تحرر الوطن من المستعمرالغريب ثم تحرّر المواطن من المستبد . بدأت مصر بالتحرر من الاستعمار الأجنبى وقادت دول العالم ( الثالث ) ضد الاستعمار مع وجود مستبد محلى هو عبد الناصر . كان المفروض أن تأتى المرحلة التالية وهى التحرر من الاستبداد المحلى العسكرى ، ولكن جاءت الرّدة بثقافة الوهابية التى تسعى لاستعادة الاستبداد الذى كان فى العصور الوسطى لتحكم به العرب والمسلمين فى عصرنا اليوم . وبدلا من قيام ثورات ضد الطغيان لتأسيس ديمقراطية حديثة ظهرت أشباح السلفية لتعيد إنتاج القرون الوسطى باسم الاسلام ، ولترث الاستبداد العسكرى ، وهى أسوأ منه . وحين قامت ثورات الشباب فى الربيع العربى إختطفت الوهابية هذه الثورات وأحالت الحلم الى كابوس . وبالتالى ضاع منا الحاضر ، بل حتى لم نصل الى عظمة الماضى الذى يعبّر عنه هذا الخبر فى أحداث عام 362 .
2 ـ فى تحليل الخبر السابق نرى الأغلبية من العوام ليست صامتة بل متفاعلة ، ولديها من الوعى ما تدرك به مسئولية الخليفة والحاكم عن حماية الناس حتى فى أقصى البلاد ، ولديها من الشجاعة بحيث تسير فى مظاهرات تقطع فيها مئات الأميال ، ثم تهاجم قصر الخليفة والمساجد الرسمية لا لتسبّح بحمده وتدعو له بالنصر كالعادة ، بل لتكسر منابرها . ونرى وعيا آخر على مستوى حرّاس الخليفة. إذ إكتفوا بالمقاومة اليسيرة من الشرفات ، وكان بإمكانهم هزيمة المتظاهرين . ثم نأتى للعلماء الذين قاموا بواجب القيادة فأوصلوا الصوت الغاضب للسلطان صاحب النفوذ والسلطان ، وأفهموه واجبه فكان لا بد أن يستجيب وإلاّ فقد زالت مشروعيته فى الحكم . ولأنه يضنّ بجنده فقد استنفر الجماهير للخروج للحرب ، وربما كان يأمل أن يتقاعسوا ويتثاقلوا عن الحرب ففوجىء بهم يتسابقون للخروج للحرب بعدد الرمل ، عندها تحتم عليه أن يحارب وإلّا ضاع سلطانه . فبعث جيشه المدرب ومعه المتطوعون من العوام .. فكان النصر ورد الاعتبار ، ولا حرج فى هذا طبقا لما نفهمه من قوله جلّ وعلا :( وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ )( الشورى 39 )
رابعا :
هيا بنا نقارن واقعنا التعس بما حدث عام 362 هجرية . المقارنة تثبت أن أحطّ الكائنات واحقرها هو المستبد العربى الواطى وأعوانه من رجال الدين والاعلام والأمن والعسكر والأغلبية الصامتة التى إذا نطقت فتنطق كفرا بالهتاف للمستبد الذى يقهرها ويظلمها . ونلاحظ الآتى :
1 ـ : شريعة تقسيم العالم الى معسكرى الايمان والكفر بعثها من مرقدها الوهابيون بزعامة السعوديين ، وبها يؤلبون العوام ضد الغرب واسرائيل ، ليوجّهوا السخط والاحباط بعيدا عنهم ليتجه ضد اسرائيل والغرب الكافر ( وأمريكا بالذات التى تعيش ليل نهار فى التآمر على الاسلام والمسلمين ..ياعينى .!!). هذا بينما يحرص المستبد السعودى وغيره على الركوع للغرب ، أو الجانب الشّرير من الغرب ، يستورد منه الأسلحة وآلات التعذيب لقهر الشعب . فى نفس الوقت الذى يقوم فيه الجانب الطيب من الغرب بالدفاع عن حقوق الانسان العربى المقهور ونشر ثقافة الديمقراطية . وعندما إزداد طغيان وظلم المستبد العربى وثار شباب العرب سلميا وعانوا من وحشية المستبد العربى تحالف معا الجانبان الطيب والشرير فى الغرب فى حماية الثورات العربية . ثم إذا اختطف الوهابيون العرب تلك الثورات فى مصر وليبيا وتونس أصبح الغرب الطيب والشرير مترددا فى المساعدة خوفا من مجىء حكم أشد وحشية وأكثر طغيانا .
2 ـ : الأغلبية الصامتة التى لا تنطق إلا (بالروح .. بالدم نفديك يا عباس ) من السهل إثارتها ضد أمريكا والغرب واسرائيل ، وهى لاهية عن المستبد الذى هو عدوها الحقيقى ، ومن السهل إثارتها ضد المصلحين واتهامهم بالخيانة والتعاون مع الغرب . ولكن يبدو أنّه من المستحيل أن يقفوا فى شهامة للدفاع عن حقوقهم المسلوبة التى سلبها منهم المستبد . هذه الأغلبية الصامتة عن الحق الزاعقة بالكفر هى الدابة الذلول التى يراهن عليها الاخوان والسلفيون للوصول الى الحكم . وسيسعدون بركوبها بينما ستعرف الشقاء بهم ، وربما تترحّم على المستبد السابق بعد أن تعانى من قهر وجهل وحمق وخلافات الحكام السلفيين القادمين من أسوأ صفحات تاريخ العصور الوسطى ومن قاع المجتمع .
3 ـ النخبة التابعة للمستبد ، وهم أحطّ البشر ، سواء من العسكر والأمن ، أو من وعّاظ الدين ومهرّجى الاعلام والثقافة والفنّ . وهم الذين يتحكمون فى عقلية العوام ويسيطرون عليهم ليركبهم الحكام . صناعتهم الكذب والتلفيق والافتراء وقلب الحقائق وتحويل المنكر الى معروف والمعروف الى منكر والرقص فى مواكب القرد فى سلطانه . هم يؤيدون السلطان القائم فى سلطانه فإذا سقط ولّوا الأدبار للرقص للقرد الجديد .
العاهرة التى تزنى بلا تمييز مع كل البشر أشرف من هذه النخبة . هى على الأقل تعرف أنها عاهرة مخطئة،وقد تكون لذلك مضطرة كى تكسب قوتها وقد تكون ضحية للمجتمع تستحق الشفقة ، وفى كل الأحوال فلن تظل عاهرة الى الأبد فسيأتى وقت الشيب وتتوب بحكم السّن. ولكن هذا ( العهر ) السياسى والدينى والفكرى لا يعرف التوبة ولا الخروج على المعاش . وبينما لا تؤذى العاهرة الآخرين أو لا تتعمد إيذاءهم بل تعطيهم لذّة وقتية فإن العاهرين من الشيوخ والمثقفين والفنانين والراقصين يتخصصون فى الايذاء ومساعدة المؤذى الأكبر ـ المستبد ـ و لذا يعلو ضجيجهم بالغناء له ليغطّى على صرخات المعذبين المساجين وأنين الجوعى والمقهورين.!
أخيرا : بالمستبد وأزلامه وغلمانه وأغلبيته الصامتة من العوام والدهماء يتهيأ المجتمع للهلاك ..
لا تعتذر عن الأعمال الفنية لأنها حلال مباح وليست حراما .
وأنت مشكور لاهتمامك بالدراما المصرية وقت أن كانت رائدة وغنية . نرجو أن تعود أفضل واعمق .
خالص المنى
قراءة جيدة لصفحات التاريخ الاسلامي ولكن هل من متدبر و شكرا
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5125 |
اجمالي القراءات | : | 57,107,777 |
تعليقات له | : | 5,453 |
تعليقات عليه | : | 14,830 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الغزالى حُجّة الشيطان : الغزالى فى الإحياء يقرر الحلول فى الله والاتحاد به تبعا لوحدة الوجود ( 3 )
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يقرر أفظع الكفر ( وحدة الوجود ) ( 2 )
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يرفع التصوف فوق الاسلام ( 1 )
دعوة للتبرع
إن ينتهوا ..: حضرتك قلت أن ربنا وعد وعد الكاف رين ...
السّر فى القرآن : مامعن ى ( السّر ) الذى فى القرآ ن الكري م فى...
الصلوات الخمس : هل يوجد في القرا ن الكري م عدد الصلو ات ...
من هم المعتدون ؟: من هم المعت دون طبقا للقرآ ن الكري م ؟ ...
أهلا بك وسهلا : دكت ور احمد تحية طيبه وتمني اتي برضاء...
more
شكرا دكتورنا العزيز
لا أجد كلمات معبرة تعليقا على مقالكم هذا الا هذه الكلمات مع أشد الاعتذار لمن لايروق لهم هذا الأمر
http://www.youtube.com/watch?v=a4k5ZS_X_qk
شكرا