نبيل هلال Ýí 2012-05-26
لو لم يصور السلاطين الفتح على أنه غزو في سبيل الله , لما استطاعوا مطالبة الناس بالقيام بواجب الانخراط في الجيش , فالناس مقهورون فقراء . والجهاد فرضه الله في الأساس لحراسة حقوق الناس والدفاع عنها , ومناهضة الإقطاع والطبقية . ولكن الكهنة - خِدمة للفرعون والملأ- نجحوا في تحويله إلى اقتتال "مقدس" بين الناس لحيازة الأموال والثروات والأراضي . والجهاد في جوهره إنما شرعه الله للتصدي للشقاء الإنساني , فبدون وضع الدين في مواجهة شقاء الإنسان يكون مجرد شعائر لا معنى لها ولا فعالية .
وكان لابد لفقهاء السلطان من ابتداع فقه يجعل من فتح البلاد جهادا في سبيل الله , وتصوير استعمار البلاد على أنه نشر للإسلام وتبليغ لدين الله , في حين كان المطلوب هو الحفاظ على أنهار الغنائم والأسلاب تتدفق غزيرا إلى خزائن السلاطين , وإقصاء قوى المعارضة خارج البلاد اتقاء لشرها , لذا انحرفوا بمعاني الآيات التي طالب الله فيها المسلمين الأوائل بقتال المشركين الذين أخرجوهم من ديارهم في عهد الإسلام الأول قبل الهجرة , على أنها أوامر مستديمة وتكليف ديني أبدي على المسلمين تنفيذه في كل زمان ومكان , وابتدعوا قاعدة فقهية بررت لهم ما أرادوا وأسموها مبدأ " الأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" , كما قالوا بالناسخ والمنسوخ , وغير ذلك من أدوات وحِيَل ابتدعوها لتعِينهم على الاحتيال ولَيِّ المعاني .
فالفرعون والسلطان , والكاهن والفقيه وراء شن الحروب التوسعية لجلب الغنائم والأسلاب منذ فجر التاريخ وللأبد بدوافع تبدو في ظاهرها نبيلة كتحرير الناس أو فرض الديموقراطية أو مناهضة التخلف . وليس للنبي , ولا بمقدوره , أن يقهر الناس قهرا على اعتناق دين الله , وليس عليه حسابهم . ويقتصر دور النبي- أي نبي- على تبليغ كلمة الله , وآيات القرآن في هذا المعنى كثيرة وواضحة : - " لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء " البقرة 272 , - " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ " آل عمران 128 , - " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ٌ " البقرة 256 , وفي مخالفة مباشرة لكلام الله وضع فقيهُ السلطان حديثا نسبه إلى النبي , وفيه أنه يقول": أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله , فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها , وحسابهم على الله تعالى , مع أن الله يقول : " وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ " يونس 99 , ويقول : { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} الغاشية22 . والحديث المذكور ينص على الأمر بقتال " الناس " وليس مجرد مشركي العرب , وهو أمر - كما أسلفنا - لا طاقة للمسلمين به في (كل) أو (أي) مكان أو زمان . وهل هو أمر خاص بالنبي أم بعموم المسلمين ؟ ولو كان الأمر كذلك فليفسر لنا أحد سبب عفو النبي عن كفار مكة بعد أن دانت له ومنَّ اللهُ عليه بفتحها , وقال لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء , وأمَّنهم , ولم يرغم منهم أحدا على اعتناق الإسلام - بل أَمَر جنود جيشه فاتح مكة ألا يبادروا أحدا بقتال , ولم يشترط للعفو عنهم اعتناق الإسلام , وكان الظرف مناسبا لقهرهم عليه لو صح الكلام عن أن الله أمَره بقتال الناس حتى يؤمنوا . ولو كان الأمر للنبي بقتال الناس - لاحظ كل الناس - لكان عفوه كما أسلفنا عصيانا لأمر الله بعدم تنفيذه . - وفي يثرب عندما نشأت دولة الإسلام الوليدة , لم ينشب فيها قتال لإرغام غيرالمسلمين على اعتناق الإسلام وكان فيها يهود ومشركون , وخلت وثيقة المواطنة في المدينة من ذكر أي شيء عن الجزية بل تساوَى في دولة المدينة كل "المواطنين" بصرف النظر عن الدين أو العرق أو الجنس . وحقوق المواطنة التي سنتها الحكومة النبوية بيثرب تنفي الأمر " أُمرت أن أقاتل الناس .. , وإن كان النبي مأمورا بقتال الناس حتى يؤمنوا , أفَتَراه أغفل إجبار عمه أبي طالب على الإسلام حتى مات على شركه ؟
وأيام الحكومة النبوية في المدينة حيث تقررت حقوق المواطنة , اشترك المسلم وغير المسلم في النهوض بأعباء الدولة والمشاركة في الدفاع عنها والوفاء بسائر التزاماتها , ثم فُرضت جزية كغرامة على ناقضي العهد من يهود بني النضير في عام 4 هجرية . ودفْع الجزية مع صَغار دافعها كان خاصا ببني النضير إذ نكثوا العهد وخانوا , وليس ضروريا في كل حالات جباية الجزية أن تكون مع صغار دافعها . ولما فُرضت الزكاة في سنة 9هجرية كانت الجزية على غير المسلم موازية لزكاة المسلم - من منظور المواطنة - فلا يكون دفع الجزية بهذا المعنى صغارا ولم تتقرر الجزية في بداية دولة المدينة قبل أن تفرض الزكاة كما أسلفنا . وكانت الجزية تُجبى من القبائل التي تخضع للدولة الوليدة كدليل على قبولها السلطان السياسي للمسلمين ولا محل للصَغار عند أدائها . وعندما اعتمد فقيه السلطان على الحديث : أُمرت أن أقاتل الناس ...... , لم يأبه للآيةالكريمة :"{ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً }النساء90 . والآية الكريمة :{ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنفال61 , كما أن هذا الفقيه مطالَب بتفسير الآية :" لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ " . والتاريخ والسيرة النبوية ينفيان ذلك , فالنبي لم يقاتل المشركين لإرغامهم على اعتناق الإسلام , بل كانت حروبه كلها إما لاستعادة حق مغصوب - بدر- أو دفاعية لحماية الدين الوليد والدولة الجديدة - أُحد والخندق- ولم يثبت أنه أرغم أحدا بالسيف على الإيمان , فالإيمان لا يكون قهرا وإرغاما , ولدينا التاريخ فلنقرأه .والقرآن يحدد في وضوح الدورَ المنوط بالنبي , أي نبي : " إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " الأعراف 188 , { مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ } المائدة99 - والله نفسه - جل شأنه - لا يشاء أن يكون الناس أمة واحدة , بل أراد لهم الاختلاف والتباين , فيقول تبارك وتعالى : " وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً " , وهذه الآية نزلت بنفس النص مرتين , أولاهما في مكة في سورة النحل , وثانيهما في سورة المائدة في المدينة . وكان قد ورد نفس المعنى قبل ذلك في مكة في سورة الشورى : " وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ". فمشيئة الله تقضي باختلاف الناس دينا واعتقادا فليس لأحد أن يرغم الناس عل خلاف ذلك .
والآية التي تتعارض في وضوح مع هذا الحديث ( أُمرت أن أقاتل الناس ) , هي : "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ " يونس 99 . فالفكرة الأساسية في الدعوة إلى الإسلام هي حث الناس أنفسهم على التوجه إليه طواعية لا إرغامهم عليه قسرا , ويكون ذلك بما يرونه من تحقيق مصالح العباد والبلاد في دولة يتحقق لهم فيه العدالة والحرية والمساواة , دولة ينال فيها أدناهم حقه كاملا , لا يَظلم ولا يُظلم , ولا يملك الأمير حقا فوق ما يملكه السوقة , وفيها الشريف والمشروف سواء أمام القانون , وهو أمر لا يتسنى إلا بمعايشة غير المسلمين للإسلام في معية المسلمين كمواطنين غير مجبَرين على اعتناق الإسلام وفي ظل دولة يدفعون الجزية لها لمساواتهم بالمسلم الذي يدفع الزكاة ويشارك في الدفاع عن الوطن في حين لا يُطلب من غير المسلم المشاركة في الدفاع عن عقيدة لا يؤمن بها , والجزية كانت زهيدة ولا يدفعها من لا يجوز عليه المشاركة في القتال كالمرأة والطفل والعبد والشيخ الكبير, أو قل هي ضريبة كسائر الضرائب التي يدفعها المواطنون الآن في الدول المعاصرة بقصد تمويل خزانة الدولة للإنفاق على مصالح الناس .
والإسلام غير متهم فيما أحدثه خلفاء السوء ممن غالوا في الجزية وتعسفوا في كيفية جبايتها فيما بعد , وهو خروج على طريقة الإسلام المثلى , خروج نال من المسلمين قبل أهل الذمة في كثير من المخالفات والتجاوزات التي تشين السلاطين , والإسلام منها براء . والفقيه السلطاني وراء اتهام الغرب لنا بالإرهاب , فهو من يفسر آيات القرآن على أنها دعوة مقدسة إلى قتل المخالفين لنا في العقيدة وقهر الناس على الإسلام وقتلهم حيث وجدناهم , وهو من ابتدع ضرب عنق المرتد , وكلها مفتريات ما أنزل الله بها من سلطان وإنما هي من وضع فقيه السلطان وخادمه . وهي مفتريات لا يجد عدو الإسلام خيرا منها لتشويه ديننا وتنفير العقلاء منه . وكما كفل الله حق الاعتقاد , كفل أيضا حق الحماية من الاضطهاد الديني , وهو حق مكفول حتى لمن يكفر بالله , فالله يقول : "وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ " الأنعام 108 , فمنع الاضطهاد ولو بالقول . انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني بإذن الله .
بارك الله فيك اخي الكريم
مهما كان مصدر اي قول سواء من صحابه او من مسلم او من بخاري او من سلطان او قائد او شيخ او مجتهد يخـــــــــــــــــالف كـــــــــــلام الله اي القران فهو باطل ويجب القاءه في سلة المهملات. وهناك الكثير الكثير ما يجب رميه ودفنه بشكل دائم من الكتب والاحاديث والقصص الخرافية التي اصابت المسلمين بمرض الظلالة.
اذا النبي/الرسول عليه ان يتبع مع انزل اليه اوحي اليه. والمسلمون عليهم ان يتبعوا ما انزل اليهم عن طريق النبي/الرسول فلماذا علينا الذهاب الى تفسير واختراع اشياء ليس لها ساس من الصحة في الاسلام؟؟!
على اية حال احب دائما ان ذكر هذه الاية التي تدل على مدى سماخ الاسلام واهمية النفس بالاسلام وكيف الله لا يقبل باي شكل من الاشكال قتل النفس بدون حق:
مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴿٣٢﴾ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
الحمد لله رب العالمين
الأستاذ نبيل هلال مقال مركز يضغط على جروح عميقة لدا الأمة الإسلامية، فكثير من الناس يتصورون أن كل ما يقال في الشريعة البشرية لا يخالف القرآن ، وبالتالي فهو يدافع عنها بشراسة، على أنها دين الله الذي أنزله لعباده !! لكن عندما ينتشر مثل هذا الكلام الموزون تكون الإفادة كبيرة ، وقد يأخذ هذا العلاج وقتا ، لكن لابد من الصبر والعزم وعدم الملل من التكرار فبه يتعلم الشطار .
شكرا لك والسلام عليكم .
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - الأنوناكي- ج14
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - عربة حزقيال - ج13
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - سلالة الآلهة- ج12
كتاب ( القرآن بين المعقول واللامعقول ) - هذا ما تقوله الأساطير - ج11
دعوة للتبرع
اللقطة: ما معنى اللقط ة مع شكري الجزي ل ...
أفّاك أثيم حقير: ماذا أفعل مع هذا الأثي م الأفا ك الحقي ر ....
تأبين الميت : قوله جل وعلا ولاتص ل على احد منهم مات ابدا...
التقية : إعتنق ت أن القرآ ن وحده يكفى ، ولكن عندما...
ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول : قال تعالى : ( الَّذ ِينَ ...
more
المحترم الأستاذ / نبيل هلال السلام عليكم ورحمة الله كما أوضحت في المقال أن فقهاء السلطان الذين سوغوا للسلطان فتح البلاد على أنه جهادا في سبيل الله , وتصوير استعمار البلاد على أنه نشر للإسلام وتبليغ لدين الله .
فمنذ القدم لا يهمهم سوى رضى الحاكم وجلب المنافع .فهم ينتسبون للإسلام إسما وشكلا لا موضوعاً ، هم من شوهوا صورة الإسلام السمحة التي تدعو لقبول الآخر ومسالمته والتعايش معه طالما لم يبادئ بالعداء .
فما أروع هذه الآية الكريمة التي يمكن أن نضمها إلى الآيات التي تدعوا للمسالمة والقول اللين الذي يبرز سماحة الإسلام {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً }الفرقان63.