آحمد صبحي منصور Ýí 2010-11-30
موعد التوبة وشروطها:
1 ـ تخيل أن لديك وعاءاً للطعام ، وضعت فيه طعاما طازجاً شهياً، ثم ألقيت فوقه بالقاذورات .. لابد أن تفسد القاذورات ذلك الطعام الجيد ، ولابد لكي تصلح ذلك الطعام أن تقوم بعملين معاً : تنقية الطعام الجيد من القاذورات التي وقعت عليه ، ثم إضافة المزيد من الطعام الجيد المعقم لمنع سقوط قاذورات فى الجزء المتبقى من الإناء.
وهذا يعني الأستمرارية فكلما وقعت قاذورات بادر صاحب الإناء بالتنقية وإضافة المزيد من الطعام الجيد حتى لا يترك فراغا &Yac; في الاناء يتيح الفرصة لوقوع المزيد من القاذورات . وحين تنتهي المدة المقررة للوعاء يكون قد أمتلأ بالطازج المعقم النقي من الطعام ..
هذا هو معنى التوبة ..
الوعاء هنا هو الجسد الأزلي ، أو صندوق الأرشيف الذي يحفظ عملك أولا بأول ، والطعام الجيد هو عملك الصالح ، والقاذورات هي عملك السيئ ، والتوبة هي تنقية وتطهير ونزع السيئات بالإستغفار والندم وتصحيح الإيمان ، مع شغل الوقت بالمزيد من العمل الصالح حتى لا يكون هناك فراغ للعمل السيئ ..
بدون التوبة يتغير المثل .. فإناء الطعام يتحلل ويفسد فيه الطعام الجيد بالقاذورات والجراثيم ، وكلما مرّ الوقت تكاثرت الجراثيم وأستشرى الفساد بحيث يفسد كل ما قد يضاف من طعام جيد ، وفي النهاية يصبح مستحيلا اصلاح الطعام ، فقد انتهى الزمن المقرر واستعصى الأمر على العلاج .أي ان الجسد الأزلى يشتد سواده بالسيئات دون توبة ، وعند اقتراب الأجل يستحيل الاصلاح والعلاج .
هنا ترى تفاعل الارادة مع الزمن ؛ فالذي يريد التوبة يتحسّب لقدوم الموت فى أى وقت ، ويريد أن يستعد له بالتوبة ،أى لابد أن يسارع بها ويسابق الزمن لتطهير نفسه أو جسده الأزلي أولا بأول ، حتى إذا جاءه الموت مبكرا أو وصل إلى الشيخوخة ونهاية العمر أمكن له تحقيق أمله في أن يموت مسلما تقيا نقيا يقابل الله جل وعلا بقلب سليم .
2 ـ هنا نتذكر الآيات الكريمة التي تدعو للتسابق الزمني في سبيل الخير ..
يقول جلا وعلا (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ، الَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ُ، أوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) (ال عمران133 : 136).
المسارعة هنا مرتبطة بالزمن،فكلما أسرعت إلى التوبة وطلب المغفرة كان أفضل ، وكلما بدأت التوبة والاستغفار مبكراً كان أحسن ، وذلك شأن المتقين.
وصفات المتقين هنا تسير في اتجاهين متوازيين : الأول هو : عمل الصالحات من العبادات كالانفاق في سبيل الله جل وعلا فى كل حال ، أى فى السراء والضراء والغنى والفقر. وعمل الصالحات من الأخلاق الحميدة كالحلم وكظم الغيظ ، والتسامح والعفو عن الناس والاحسان إليهم . والأتجاه الآخر هو المبادرة بالتوبة إذا وقعوا في السيئة ، وألا يصروا على عمل السيئات لأنهم يعلمون أنها سيئات ، اى يعترفون بالخطأ دون تيرير أو تأويل أو تأجيل ، بل يعلمون أنه خطأ يستوجب التوبة فيسارعون بالتوبة أملا فى المغفرة يوم الدين.
هؤلاء ينتظرهم يوم القيامة مغفرة من الله جل وعلا وجنات تجري من تحتها الأنهار جزاء عملهم ونعم أجر العالمين ...
3 ـ بالاضافة إلى المسارعة الزمنية بالتوبة وعمل الصالحات هناك أيضا التسابق في الخير بين المؤمنين الذين يعملون الصالحات والخيرات ، يقول جلا وعلا (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )( الحديد 21). هنا دعوة للتنافس في الخير للحصول على المغفرة بالتوبة والعمل الصالح.. ودخول الجنة في الآخرة ..
4 ـ وبالتالي لدينا مسارعة زمنية فى التوبة (أفقية ) وتسابق موضوعي ( رأسى ) في الخير ، وهما معا شرطان للتوبة الصحيحة .
والمحصلة النهائية يوم القيامة هي الفوز بأن ترتدي نفس المؤمن عملها الصالح الذي تصلح به لدخول الجنة ، بعد أن تقوم التوبة المبكرة في الدنيا بتطهير الجسد الأزلي ، ويقوم العمل الصالح المتراكم بملئه بالنور ، فيأتي الجسد الأزلي يوم القيامة يشع نوراً، بينما تأتي أجساد اخرى يشتد سوادها (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون)( آل عمران 106 ، 107 ) .
5 ـ وبهذا فالتوبة المقبولة عند الله جل وعلا هى التوبة المبكرة لكي يتسع الوقت أمام الإنسان للعمل الصالح . يقول جل وعلا (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) ( النساء 17 ). فالتوبة المضمونة القبول عند الله هي التوبة المبكرة زمناً .
والتعبير القرآني غاية في الاحكام ، ونتوقف معه ببعض التدبر :
ـ (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) يعني ان التوبة المضمونة عند الله ، أي وعد إلهي بالمغفرة هنا لمن يتوب مبكراً . والتعبير هنا باسلوب القصر ( إنما ) أى إن التوبة الوحيدة المضمونة القبول عند الله هى التوبة المبكرة زمنا ، فى خلال الجزء الأول من العمر .
ـ (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) الجهالة هنا تفيد طيش المراهقة أو غلبة الغريزة ، او الغفلة أو عدم إدراك المخاطر وعدم التعمد والاصرار على تكرار السيئة ..
ـ (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) أي يسارع في التوبة بعد الوقوع في الذنب مباشرة ، او يسارع في التوبة في مقتبل العمر ويبدأ مبكراً في سلوك العمل الصالح .
ومفهوم هنا أن الذي يسارع في التوبة أولاً بأول وفي مقتبل العمر ويحافظ على التقوى إلى نهاية العمر هو في الدرجة الأولى من أصحاب الجنة ، أي السابقون المقربون . (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ( التوبة 100 ). هنا تكون التوبة والجنة مضمونة لمن يتوب مبكرا.
وهناك أصحاب اليمين في الدرجة الثانية من أهل الجنة ، وهو الصنف الذي يتوب بعد (حين) ، وبعد أن يكون خلال هذا ( الحين ) قد ملأ جسده الأزلى بسيئات يستوجب عليه علاجها والتكفير عنها بالصدقات وعمل الصالحات لانقاذ ما يمكن إنقاذه ، وهنا يكون قبول توبته ليس حتما وإنما (عسى ) أن يقبل الله توبته حسب اخلاصه وصدقه فى التوبة ورغبته فى تنقية قلبه أو جسده الأزلى من السواد والقاذورات أو السيئات . يقول ربنا جل وعلا :( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ( التوبة 102 : 103 )
على العكس من السابقين في التوبة الذين يتوبون من قريب وأولئك الذين يتوبون بعد فترة معقولة و يجتهدون فى عمل الصالحات وفى الاستغفار عما فات ، تجد الذين ينسون التوبة ولا يتذكرونها إلا عند الاحتضار.هذا العاصي الذي أدمن المعصية بلا توبة إلى نهاية العمر شأنه شأن الكافر العريق في الكفر ، لا يقبل الله توبة أحدهما، يقول جل وعلا (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) ( النساء 18 ).
6 ـ وننقل هنا ما قلناه فى كتابنا ( المسلم العاصى : هل يخرج من النار ليدخل الجنة ؟ ) الصادر عام 1987 ، وكان من أسباب دخولنا السجن فى مصر مبارك ) :
" توقيت التوبة مهم جدا بنفس أهمية الصدق فى التوبة . فأحسن التائبين حالا هو من يبادر بالتوبة وهو فى سن الشباب، يقول تعالى:(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا )(النساء : 17 ) .
وهذه التوبة القريبة التى يقبلها الله يحددها القرآن سقبفها الأعلى بسن الأربعين ، يقول تعالى : (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)(الأحقاف 15 : 16). ففى سن الأربعين ينبغى على الإنسان أن يتوقف مع نفسه يحاسبها على ما مضى ويبدأ مع ربه صفحة جديدة ناصعة يستعد بها للشطر الآخر من حياته .
وقد يستيقظ الإنسان بعد سن الأربعين فيتوب بعد المشيب وقد نظر حاله فوجد ما مضى من عمره أكثر مما بقى له ، فيعترف بذنبه ويبكى على حاله صادقا فى توبته ، وأولئك عسى أن يتوب الله عليهم : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )( التوبة : 102 ـ 103 ) . فالصدقة من مظاهر التوبة الصادقة هنا .
وقد يضطر أحدهم للتوبة بعد أن ضعف جسده فأذعن واستكان ، فأمره بين يدى ربه، إما أن يتوب عليه فيدخله الجنة وأما من يعذبه فيخلد فى النار، وليست هناك منزلة وسطى بين الجنة والنار ، يقول تعالى : ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة : 106 ).
ثم نصل للصنف الأخير الذى يدمن المعصية فلا يستيقظ منها إلا عند الاحتضار، فيصرخ عند الموت بالتوبة حيث لا تجدى ولا تنفع ، وشأنه شأن الكافر تماما يقول تعالى فيه: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) ( النساء 18 ).والآية صريحة فى وضع العاصى الذى لم تقبل توبته مع الكافر الذى أحبط الله أعماله ، كلاهما فى النار خالدا فيها ..) أنتهى الاقتباس ..
7 ـ ونعود إلى شروط التوبة . فالتوبة لا تعني فقط التطهر من السيئات والتخلص منها ، ولكن تعني أيضا ملء القلب ـ أو وعاء النفس أو الجسد الأزلى ـ بالعمل الصالح وشغل النفس بالصالحات حتى لا تجد وقتا للعمل السيئ ، أي استغلال الزمن ـ المقدر لها أن تعيشه في هذه الدنيا ـ في عمل الصالحات ، فلا يبقى فيه متسع من الوقت للتفكير في عمل سيئة .
وهنا نتوقف مع آيات القرآن الكريم بشىء من التفصيل فى شروط التوبة :
7 / 1 : هناك آيات تقرن التوبة بعمل المزيد من العمل الصالح :
ـ يقول جل وعلا : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( النحل 119 ). التوبة هنا مبكرة لمن عمل السوء بجهالة ، والتوبة هنا مرتبطة بالاصلاح ،أى إصلاح الخطأ ، واصلاح المسيرة بالمزيد من الانشغال بالعمل الصالح .
ـ (إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (النمل 11). أى ظلم ثم تاب ، وقرن التوبة بتبديل مسلكه ليكون حسنا بعد أن كان سوءا ، عندها تنتظره رحمة الله جل وعلا وغفرانه .
ـ (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )(الأنعام 54). الخطاب هنا للنبى محمد عليه السلام وفى أصحابه المؤمنين ، ولا يخلو إنسان من خطأ . والتشريع هنا عام لكل المؤمنين فى أى زمان ومكان لأنه قاعدة أصولية قرآنية سارية المفعول الى يوم القيامة ، فقد كتب رب العزة على نفسه الرحمة ، ولكنها مستحقة لمن يقوم بحقها ، أى فمن ارتكب سوءا بجهالة ثم تاب وقرن التوبة باصلاح نفسه فستنتظره يوم القيامة رحمة الله جل وعلا ومغفرته .
7 / 2 : وهناك آيات تؤكد نفس المعنى ولكن تضيف تصحيح الايمان ،أى إن تصحيح الايمان للتائب يعنى الاصلاح الحقيقى للعمل والعقيدة .
ـ يقول جل وعلا : (وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (الأعراف 153). التوبة هنا مقترنة بتصحيح الايمان مع تصحيح العمل لكى ينال المغفرة والرحمة .
ـ ويشرحها قوله جل وعلا :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) ( طه 82 ) فالايمان يأتى تاليا للتوبة وبعده العمل الصالح ، ويتكرر ويتأكد ذلك بقوله جل وعلا:( إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا)( مريم 60 )(فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ) ( القصص 67 )
8 ـ وهذا يعنى أن التوبة تمحو السيئة ، أى بالتوبة الصحيحة المقبولة تتحول السيئات السابقة إلى حسنات ، ومن هنا جاء وصف المفلحين بأنهم : (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )(القصص 54).
8 / 1 : أى بالانفاق فى سبيل الله والصبر تتحول السيئات الى حسنات ،والآية بأكملها تقول :( أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )(القصص 54 ).
ويؤكد دور الصبر مع الانفاق فى سبيل الله فى تبديل السيئات بالحسنات قوله جل وعلا : ( وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ )(الرعد 22 ).
وهذا يذكرنا بقوله جل وعلا عمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا:( .. خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(التوبة: 103 )
والصبر على مداومة الطاعات وتأدية العبادات مع الانفاق فى سبيل الله جل وعلا يعنى كلمة واحدة هى إقامة الصلاة طيلة وقت اليقظة ،وإقامة الصلاة ليس مجرد تأديتها ، ولكنه أيضا المحافظة عليها بعدم الوقوع فى الفواحش والمنكر بين الصلوات ، وبالخشوع أثناء تأدية الصلوات : ( العنكبوت 45 ) ( المؤمنون 1 : 9 ) . وبهذه الحسنات المتراكمة تنمحى السيئات، وهذه هى الوصية الذهبية من رب العزة للنبى محمد عليه السلام ولنا أيضا : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) (هود 114) .
9 ـ ويأتى ملخص ما سبق فى قوله جل وعلا : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) ( الفرقان 68 : 71 ). فأكبر الكبائر هى الكفر والشرك وقتل النفس البريئة والزنا ، وعقوبتها الخلود فى عذاب متضاعف وإهانة فى الجحيم إلا أذا تاب مرتكب تلك الكبائر توبة نصوحا . وجاء وصف تلك التوبة الصادقة بارتباطها بالايمان والعمل الصالح الذى به يتمكن التائب من تكثيف الصالحات ليغسل وينقى بها جسده الأزلى من تلك الكبائر فتتحول بالتراكم الى عمل صالح ، فلا يقال فيه كافر أو مشرك أو قاتل أو زان بل مؤمن عمل الصالحات ، ويصلح بايمانه وعمله الصالح لدخول الجنة .
وحتى يتحقق له هذا فلا بد له من إستيفاء شروط التوبة ، توبة مبكرة ليتوفر له زمن كاف على المستوى الأفقى ، وتكثيف للطاعات على المستوى الرأسى . وبدون ذلك يلقى أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا .
أخيرا
التوبة ليست لعبا ، وليست مجرد كلمة تقال ، وليست خداعا لرب العزة ، وإنما هى عملية إصلاح شامل للسلوك من عبادة وأخلاق ،واصلاح للعقيدة ، أى تأخذ وقتا . لذا ينبغى البدء بها مبكرا كلما أمكن ، حتى يتحقق بها فعلا غسيل النفس / القلب / الفؤاد / الجسد الأزلى وتنقيته ليصلح للجنة ، وإلا فمصيره للنار .
ومن هنا يأتى ارتباط التوبة بالجسد الأزلى وجودا أو عدما .
أفهم من هذا أن صاحب سن الأربعين ،والذي خلط عملا صالحا بعمل غير صالح فهو مرجو لحكم ربه إما ان يغفر له أو لا ، واعتبار الزمن نسبي فمن الممكن أن يتوب الإنسان في سن الأربعين و يصرعلى التوبة، وقد يطول به العمر ليغسل نفسه وخطاياه وقد يموت في ريعان الشباب في العشرينات مثلا ، وهو مازال في حيرة من أمره وهو لم يحسم رأيه بعد، فالعبرة بصدق التوبة والتخلي عن كل ما كان عليه ، وإعلان موقفه بوضوح ،حتى يكون ى الاختبار محققا.. والسؤال هل للسن المبكرة فقط الفرصة كاملة في التوبة بدون اعتبارات أخرى ؟
لفت نظري تلك الاشارة بأن دكتور منصور دخل السجن عام 1987 بسبب كتابه المسلم العصي الذي يدعو فيه للتوبة .. ولا أعرف أهي جريمة تستحق السجن ؟؟
ولفت نظري أيضا أن الدكتور أحمد سجن في عصر مبارك .. وأن نظام حسني مبارك مازال يضطهد أهل القرآن من وقتها وحتى الآن ..
ولهذا أفهم لماذا كتب الدكتور منصور مقالين في سلسلته عن موضوع التوبة عن حسني مبارك وأتخذه مثالا لمن يسير في طريق العصيان إلى النهاية بحيث يستحيل عليه أن يتوب ..
التوبة لابد لها أولا من أعتراف بالذنب وبعدها طلب المغفرة من الله ورد المظالم .. فهل يستطيع مبارك رد المظالم لمن ظلمهم .. ؟؟
فعلا التوبة تغيير جذري.. ولكن
توقفت مع السطور الأخيرة في المقال بأن التوبة ليست كلمة ولكنها عملية أصلاح شامل في الأخلاق والعقيدة وهذا الأصلاح الشامل يستلزم عزيمة ويأخذ وقتا للتطهير .
وهذا يختلف مع الشائع عند غالبية المسلمين التي تعتبرها كلمة وليست فعلاً وموقفاً ..!!
.فالشائع عند الغالبية ان تفعل ما تشاء من مظالم وتنطق الشهادتين وتموت فهذا يكفيك للدخول في الجنة ..
ولكن أسأل الدكتور منصور عن صلة التوبة بوصف التوابيين والأوابيين والمنيبين .. فالواضح أنها تفيد كثرة التوبة وكثرة الرجوع إلى الله .. فهل لهذا صلة بكثرة الوقوع في الذنوب ؟؟..
وهل يتفق هذا مع الإصلاح الشامل ؟؟
للسن الأربعين خصوصية ،فمن المتوقع أن يكون من أمل سن الأربعين قد وصل إلى سن النضوج وبلغ أشده في التفكير السليم والرؤيا المنطقية ، ووصل لما يصبو إليه من آمال وحقق ما يحلم به من الدراسة والعمل ويفترض به أن يتجه كاملا إلى ربه نادما وتائبا لذلك يقول رب العزة : " وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)(الأحقاف 15 : 16). أما صاحب الأربعين الآن ربما يكون غير ذلك فهو لم يبدأ حياته بعد أوربما كان في البدايات الأولى عمل عملا مؤقتا أو لم يعمل على الإطلاق ، وفي انتظار فرصة يثبت فيها كفاءته النظرية وربما بقيت نظرية إلى الأبد .. وانتهت قبل أن تبدأ وخاصة في مجتمعات البطالة وتاخر سن الزواج .
الدكتور الفاضل / أحمد صبحي منصور السلام عليكم ورحمة الله هذه السلسلة من الأبحاث عن النفس البشرية وأن لها جسدان وما يتعلق بهما من عمل أبحاث في غاية الأهمية لنا ولكل من يحاول النجاة بنفسه من النار وقانا الله شرها والفوز بالجنة فلابد لنا إذن من المسارعة بالتوبة والاستغفار لأن العمر مهما طال فهو قصير ولا يملك أحدنا ولا يعلم متى نهايته لكي ينتظر وكلما بدأت التوبة والاستغفار مبكراً كان أفضل للإنسان .
ولابد لنا من ضرورة الاقتداء بالمتقين وبصفاتهم التي سوف أقتبسها وأذكرها في التعليق لكي يتم الاستفادة بها والعمل بمقتضاها ، فمن يريد النجاة بنفسه لابد أن يجاهد نفسه وحبها للمال والتحلي بالأخلاق الحميدة والبعد عن طريق الشيطان الغرور
"وصفات المتقين هنا تسير في اتجاهين متوازيين : الأول هو : عمل الصالحات من العبادات كالانفاق في سبيل الله جل وعلا فى كل حال ، أى فى السراء والضراء والغنى والفقر. وعمل الصالحات من الأخلاق الحميدة كالحلم وكظم الغيظ ، والتسامح والعفو عن الناس والاحسان إليهم . والأتجاه الآخر هو المبادرة بالتوبة إذا وقعوا في السيئة ، وألا يصروا على عمل السيئات لأنهم يعلمون أنها سيئات ، اى يعترفون بالخطأ دون تيرير أو تأويل أو تأجيل ، بل يعلمون أنه خطأ يستوجب التوبة فيسارعون بالتوبة أملا فى المغفرة يوم الدين."
شكرا لك أستاذنا الكبير على ما تقدمه لنا من خير وعلم نافع .
لو سمح وقتكم يا دكتور أحمد صبحي لي سؤال في سورة التوبة الآية السادسة :" وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون "
كيف يكون مشرك ويسمع كلام الله ؟ وهل هذا شرط لإعطائه حق الجيرة ؟ باختصار ما معنى يسمع كلام الله ؟ أهي توبة بعد الشرك ؟ أم هل يدخل الإسلام ؟ وهل هذا يتعارض مع قوله تعالى : فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "
الوعاء هنا هو الجسد الأزلي ، أو صندوق الأرشيف الذي يحفظ عملك أولا بأول ، والطعام الجيد هو عملك الصالح ، والقاذورات هي عملك السيئ ، والتوبة هي تنقية وتطهير ونزع السيئات بالإستغفار والندم وتصحيح الإيمان ، مع شغل الوقت بالمزيد من العمل الصالح حتى لا يكون هناك فراغ للعمل السيئ ..بدون التوبة يتغير المثل .. فإناء الطعام يتحلل ويفسد فيه الطعام الجيد بالقاذورات والجراثيم ، وكلما مرّ الوقت تكاثرت الجراثيم وأستشرى الفساد بحيث يفسد كل ما قد يضاف من طعام جيد ، وفي النهاية يصبح مستحيلا اصلاح الطعام ، فقد انتهى الزمن المقرر واستعصى الأمر على العلاج .أي ان الجسد الأزلى يشتد سواده بالسيئات دون توبة ، وعند اقتراب الأجل يستحيل الاصلاح والعلاج .هنا ترى تفاعل الارادة مع الزمن ؛ فالذي يريد التوبة يتحسّب لقدوم الموت فى أى وقت ، ويريد أن يستعد له بالتوبة ،أى لابد أن يسارع بها ويسابق الزمن لتطهير نفسه أو جسده الأزلي أولا بأول ، حتى إذا جاءه الموت مبكرا أو وصل إلى الشيخوخة ونهاية العمر أمكن له تحقيق أمله في أن يموت مسلما تقيا نقيا يقابل الله جل وعلا بقلب سليم .هنا نتذكر الآيات الكريمة التي تدعو للتسابق الزمني في سبيل الخير ..يقول جلا وعلا (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ، الَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ُ، أوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) (ال عمران133 : 136).المسارعة هنا مرتبطة بالزمن،فكلما أسرعت إلى التوبة وطلب المغفرة كان أفضل ، وكلما بدأت التوبة والاستغفار مبكراً كان أحسن ، وذلك شأن المتقين.وصفات المتقين هنا تسير في اتجاهين متوازيين : الأول هو : عمل الصالحات من العبادات كالانفاق في سبيل الله جل وعلا فى كل حال ، أى فى السراء والضراء والغنى والفقر. وعمل الصالحات من الأخلاق الحميدة كالحلم وكظم الغيظ ، والتسامح والعفو عن الناس والاحسان إليهم . والأتجاه الآخر هو المبادرة بالتوبة إذا وقعوا في السيئة ، وألا يصروا على عمل السيئات لأنهم يعلمون أنها سيئات ، اى يعترفون بالخطأ دون تيرير أو تأويل أو تأجيل ، بل يعلمون أنه خطأ يستوجب التوبة فيسارعون بالتوبة أملا فى المغفرة يوم الدين.ؤلاء ينتظرهم يوم القيامة مغفرة من الله جل وعلا وجنات تجري من تحتها الأنهار جزاء عملهم ونعم أجر العالمين ... بالاضافة إلى المسارعة الزمنية بالتوبة وعمل الصالحات هناك أيضا التسابق في الخير بين المؤمنين الذين يعملون الصالحات والخيرات ، يقول جلا وعلا (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )( الحديد 21). هنا دعوة للتنافس في الخير للحصول على المغفرة بالتوبة والعمل الصالح.. ودخول الجنة في الآخرة ..
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5126 |
اجمالي القراءات | : | 57,138,741 |
تعليقات له | : | 5,453 |
تعليقات عليه | : | 14,830 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الغزالى حُجّة الشيطان : الغزالى فى الإحياء يقرر الحلول فى الله والاتحاد به تبعا لوحدة الوجود ( 3 )
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يقرر أفظع الكفر ( وحدة الوجود ) ( 2 )
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يرفع التصوف فوق الاسلام ( 1 )
دعوة للتبرع
ارذل العمر : ما هو تحدبد ارذل العمر ؟ هل السبع ين ام...
السيارة والطيور: اعمل في منطقة زراعي ة ، يوميا اعبر طريق زراعي...
من تالت امية النبى: بارك الله بك وشكرا على التوض يح , وان كان...
رسائل مضحكة: تأتى رسائل بالسب والشت م مع أخطاء إملائ ية ...
متاعب مع خطيبتى : بعد استشا رة الأهل والأح باب اخترت خطيبت ى ...
more
بالرغم من وجود هذه الآيات العظيمة الواضحة المعنى والدلالة في مفهوم التوبة وتوقيتها ومتطلباتها إلا أن التدين السطحي الزائف الذي انتشر بفضل أئمة السنة والوهابية أوقعوا الناس في شر أعمالهم وخدعوهم بالزور من القول ، وانتشرت بين معظم المسلمين ثقافة السهولة والبساطة واليسر بأن الدين يسر وليس عسر ، حتى أسفرت هذه الثقافة السطحية السنية فى التعامل مع دين الله جل وعلا إلى مصائب وجرائم كبرى ترتكب في حق الله وفي حق المسلمين الغلابة والمساكين المضحوك عليهم ..
أصبح سائدا بين معظم المسلمين أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق رغم أنف أبي ذر ، وهذه مصيبة ولا يزال يدافع عنها دعاة وزارة الأوقاف في خطبهم منذ يومين ونحن في إحدى الجنائز حين ألقى الإمام خطبة على القبر وقال فيها أن الإنسان لو قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق ، وضرب بآيات القرآن الكريم التي تتحدث عن التوبة والعمل الصالح والجهاد فيهما والمباردة والإسراع في التوبة ومحاولة إصلاح النفس بأقصى ما يمكن من الأعمال الصالحة والإنفاق في سبيل الله لنيل العفو والمغفرة فى الآخرة تجاهل الإمام كل هذا وضحك على الناس وصدقوه وهم جميعا يظنون انهم سيخدعون الله جل وعلا تعالى الله علوا كبيرا عن ذلك ..
بالإضافة إلى أن معظم المسلمين يظنون أنه يجوز للإنسان أن يحج بدلا من والده أو أمه أو أخيه أو أخته أو زوجه حيا كان أو ميتا ، ويحدث هذا كثيرا جدا يذهب س أو ص من الناس للحج وينوى أنه سيحج لفلان من أقاربه ظنا منه أن ما يقوم به من عمل سيضاف لفلان الذي مات وتحللت خلاياه وطويت صحيفة أعماله وانتهى امره وانتهت علاقته بالدينا ، وهنا يكون التناقض الواضح بين التدين الأرضي السنى وبين حقائق القرآن ويتجلى هذا التناقض في مسألة التوبة وحكمة الله جل وعلا ورحمته بنا فقد جعل لنا أكثر من فرصة لنتوب في حياتنا الدنيا وهي التوبة المبكرة والتوبة في آخر العمر ، وهنا نسأل ما هي الحكمة من التوبة التى منحها الله جل وعلا للبشر ، فهى فرصة للرجوع واصلاح النفس والعقيدة بعد الاعتراف بالخطأ والندم عليه والجهاد في الانفاق وعمل الصالحات والحفاظ على العبادادت ومقاومة النفس ضد الفاحشة التي حذرنا منها ربنا جل وعلا أكبر دليل على أن التوبة هي آخر مراحل قبول العمل أن هناك توبة من الإنسان وهو على قيد الحياة وهي التوبة المتأخرة التي مرجعها إلى الله قد يقبلها او لا يقبلها كما ان هناك توبة لا تقبل وهي أيضا تحدث لحظة الاحتضار قبل الموت ، إذن ن ينشرون أوهام أن هناك صلاة أو حج أو صيام يضاف لعمل الميت فهم غافلون لأن الإنسان الكافر المشرك الخاسر لا تقبل توبته وهو على قيد الحياة فهل تقبل له أعمال بعد موته..