كيف إستخدموا حُمق ترامب فى الانقلاب على ترامب
كيف إستخدموا حُمق ترامب فى الانقلاب على ترامب
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 6781 - 2021 / 1 / 7 - 22:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كيف استخدموا حُمق ترامب في الانقلاب على ترامب .
1 / 1 ـ صديق لنا دار بسيارته مرتين حول البيت الأبيض فاستوقفته دورية بوليسية وحققت معه ، وتأكّدت من نواياه الطيبة . حدث نفس الشىء مع صديق آخر إقترب من مبنى الكابيتول ( الكونجرس ) .
1 / 2 عندما كنا نقوم بمظاهرات ضد مبارك والمجلس العسكرى كان الأمر يستلزم إذنا مسبقا من البوليس وتحديدا لزمان ومكان ومسار المظاهرات ، وتصاحبنا سيارات الشرطة .
1 / 3 : قوات الأمن المرئية والسرية شديدة اليقظة في العاصمة واشنطون . هذا يفسّر سكوت القائمين على أمن العاصمة ، وتركهم الغوغاء الترامبية ( نسبة الى ترامب ) تقتحم الكونجرس وتنتهك حُرمته لأول مرة في التاريخ الأمريكي .
1 / 4 : الغوغاء الترامبيون ليسوا كما يقال عنهم قاموا بمحاولة إنقلاب على الدستور والديمقراطية الأمريكية ، بل إن أعداء المخبول ترامب هم الذين أوقعوا به في إنقلاب غاية في الروعة والدهاء . تركوا الغوغاء يأتون ويتجمعون ويقتحمون مبنى الكابيتول ، طاعة لأوامر ترامب ، ثم في الوقت المناسب تدخلوا بعد فضح ترامب .
2 ـ ترامب أسوأ رئيس أمريكا في تاريخها ، ولكنه إستمد قوته من كونه :
2 / 1 ـ مختلفا عن الطبقة السياسية الأمريكية التي تتداول السلطة وتتنافس في خداع الناس بمعسول القول ، أو كما يقال عنهم ( ندفع لهم ليكذبوا علينا ) ، ولكنه كذب مزخرف يستولى عليك ولا تملك إلا أن تصدقه . هم أمهر من يتعامل بوجهين وأكثر . ولكن ترامب كان له وجه واحد ، لا يتحرّج من الكذب ولا يأبه من أن يتناقض مع نفسه ، ولا يهمه أن أكاذيبه وتناقضاته مسجله . هو مخلوق يتكلم قبل أن يفكر ، بل هو يتكلم ولا يفكّر . وهو صادق مع نفسه وفى تعبيره عن نفسه ، ولا يبالى بما يقول . باراك أوباما إنحنى وهو يسلّم على الملك عبد الله بن عبد العزيز السعودى ، نافقهم وكاد لهم في سياساته البترولية والإيرانية . ترامب كان صريحا في علاقته بالسعوديين ، إبتزّهم علنا ، وخافوا منه وإنصاعوا له . نفس الحال مع زعماء وقادة الحزب الجمهورى، خافوا ليس فقط من بذاءة ترامب وقدرته على التشهير بهم ، وخافوا أكثر من كونه :
2 / 2 : مُجسّدا حقيقيا لأسوأ ما في الأمريكان البيض . هم المتعصبون ضيقو الأُفق ، أجداهم هم الذين أفنوا السكان الأصليين واعتبروا أنفسهم السكان الأصليين ، والذين إستقدموا أجيالا من أفريقيا ، إستعبدوهم ، واستلزم الأمر حربا أهلية لتحريرهم ، وحتى بعد تحريرهم عاملوهم بدونية واحتقار ، وحتى بعد قوانين الحقوق المدنية فلا تزال الكراهية البيضاء للأمريكان من أصل افريقى ظاهرة في تعامل البوليس الأبيض معهم ، بما يصل الى القتل على الهوية . والهوية هنا هي اللون . هذا الصنف السىء من الأمريكان البيض يفتخرون بثقافتهم ومن خلالها ينظرون بكراهية واستعلاء لبقية الأقليات العرقية في أمريكا . وقد إختاروا الابتعاد في السكن عن أصحاب الألوان الأخرى خصوصا السود . ولهذا تركزوا في الغرب الأوسط ، في مزارع وسهول وإمكانات صناعية هائلة . هؤلاء أرعبهم وأزعجهم وصول أوباما الى الرئاسة في سابقة لم تحدث . وجدوا بُغيتهم في شخص ترامب ، فهو يعبّر عنهم بوضوح .
2 / 3 : مخيفا لأعمدة الحزب الجمهورى المُحافظ ، والذى إعتادت هذه الأغلبية البيضاء التصويت لها . بظهور ترامب إلتفّت حوله ، ومن يمدحه ترامب يجد حظّه عندها . ولأن الطبقة السياسية تحترف النفاق واللعب على الحبال فقد خشيت من لسان ترامب ، لأنه إذا غضب على أحدهم ضاع مستقبله السياسى . إضطروا الى مسايرته مع علمهم أنه لا يصلح إلا أن يكون مهرّجا . بكل ما لديهم من مكر إستفادوا منه ، ثم إذا وجدوا أنهم سيسقطون معه بادروا الى الهرب من سفينته الغارقة .
3 ـ هذا يصل بنا الى كيفية التخلص منه .
3 / 1 : لم يكن ترامب يصدق أنه سينجح في إنتخابات الرئاسة الأمريكية ، دخلها لأنه شغوف بجمع المال وبالشهرة ، ورآها فرصة ليتكلم كما يحلو له ، وكان كلامه رائعا في أعين البيض المتعصبين ، فوجد نفسه رئيسا ، فاستمر في نفس الطريقة ، فازداد أتباعه والخائفون من سطوته ، ومارس عادته في إقالة من لا يستريح له من العاملين معه ، وكان يقيلهم باحتقار وبكتابة تدوينة على التويتر . ليست الصراحة في البذاءة هي المزية الوحيدة في ترامب ، هو أيضا مغرور ونرجسى وأنانى ومتعصب ، وبكل هذه الصفات الحميدة توقع أن يظل في الرئاسة ليس فقط مدتين ، بل أكثر. فكّر في هذا ، وبكل صراحة أعلنها . جاءت كارثة كورونا فأفتى فيها بغير علم ( شأن شيوخنا الأبرار) ، والتهمت كورونا ـ ولا تزال ـ مئات الألوف من الأمريكيين ، وهو لا يغيّر موقفه ، وأتباعه المتعصبون له مثله ، بل قلّما يرتدون الكمامة . بهم ظنّ ترامب ــ آثما ـ ان نجاحه مضمون في الانتخابات .!. ففوجى بخسارة محققة في الانتخابات .! . لم يكن أمامه إلا أن ينكر الواقع ، أنكره بقلبه وأنكره بلسانه ، وظل مخلصا لهذا الانكار حتى الآن ، وهو أنهم سرقوا منه النصر المبين .
3 / 2 : مناصرو ترامب الجمهوريون في القضاء وفى الولايات لم يستطيعوا إنكار النتائج الانتخابية في بلد عريق في إدارة الانتخابات ، وليس في تزوير الانتخابات . أصبح ترديد ترامب أنهم سرقوا منه الفوز عبئا على كبار أنصاره ، ووجدوا فيه خطرا ليس فقط على الديمقراطية الأمريكية بل على الأمن الأمريكي ( خصوصا مع علاقته المشبوهة بأكبر خصم لأمريكا ( بوتين ) ، وخافوا من تهوره في إصدار قرارات بحكم صلاحياته الكثيرة في مقعد الرئاسة ، وخافوا أيضا من أتباعه المتعصبين له .
3 / 3 : أجاد خصوم ترامب إستخدام حُمق ترامب . كان قويا بأتباعه ، وبكل صراحة ــ تُحمدُ له ـ دعاهم للمجىء الى واشنطن والتظاهر أمام الكونجرس وقت جلسته الروتينية باعتماد نتيجة الانتخابات . وأتوا من كل فجّ عميق لمناصرته ، ومنع ترامب من التعرّض لهم ، واستجابت له حاكمة العاصمة واشنطن ، وهى من خصومه ، وإستجاب له حاكما فيرجينيا وميرلندا ، وتقع العاصمة بينهما . وبقى مبنى الكونجرس كما هو كأن شيئا لن يكون . فاقتحم غوغاء ترامب المبنى ، ودنّسوه ، وحققوا أمل من استخدم حمق ترامب في الانقلاب على ترامب .
3 / 4 : اصبح ترامب الآن أسيرا بين يدى أصدقائه القدامى ( نائب الرئيس بينيس في البيت الأبيض ، وميتش ماكونيل في مجلس الشيوخ ) وأعدائه من الديمقراطيين في المجلسين ، وأجهزة الاعلام .
3 / 5 : حققوا الحد الأدنى من الانتصار وهو تحييده تماما وإكتفاء شرّه . وهناك الحد الأقصى وهو عزله طبقا للتعديل رقم 25 في الدستور الذى يبيح عزل الرئيس في ظروف معينة ينطبق بعضها على حالة ترامب . ولكن تفعيل العزل يستلزم وقتا ، وقد قاربت رئاسة ترامب على الانتهاء . في عزل ترامب فرصة لنائبه بينيس أن يتولى الرئاسة عدة أيام ، وفرصة ل ( ميتيش ماكونيل ) للتكفير عن خطاياه حين كان تابعا مطيعا لترامب . والسؤال الآن : هل هو العزل أم الإبقاء عليه مُهانا ذليلا ؟!.
4 ـ أمام ترامب أيام حالكة السواد . بخروجه مُجلّلا بالعار سيكون شخصا عاديا يأكل الطعام ويمشى في الأسواق ، لكنه لن يكون في أمن من الملاحقات القضائية . هناك ملفات سجلوها عليه ، وهناك قضايا فساد تنتظره .. وهناك خصوم له ينتظرونه على قارعة الطريق يترقبون الانتقام منه .
اجمالي القراءات
2727