محمد عبد المجيد Ýí 2018-05-27
دعاء الكروان .. رؤية جديدة!
كيف تمكّن الدكتور طه حسين، الكاتب والفيلسوف والمصلح والمصري الإفرنجي أنْ يدخل القرية، فيبصرها وهو لا يراها، يصفها بعيون معتمة وقلبٍ مفتوح على مصراعيه؟
في قنديل أم هاشم يتحرك يحيي حقي بين الفقر والمولد والتخلف فيرسمه بريشة مغترب، وفي موسم الهجرة إلى الشمال يعيد الطيب الصالح غزوَ وطنه الأم بالتمدن، فيسقط في عبقرية التخلف المصاحب للعادات والتقاليد.
نجيب محفوظ كان عبقرية سقطت بين القصرين فجاء قصر الشوق كسكرية تُحلّي التاريخ وتجعله يسير مع ألف مئذنة، فجائزة نوبل للأدب المغرقة في المحلية مثلما كانت نادين جورديمر البيضاء التي تكتب صفحات سوداء عن عالم الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، أما جونتر جراس صاحب ( الطبل الصفيح ) فقد كانت محليته تزخر بالصور النازية والعنصرية.
عندما يخوض الأديب لمرة يتيمة في رواية، مثل سارة للعقاد، ودعاء الكروان والحب الضائع لعاشق الضاد طه حسين يخرج العمل الفني المدهش في صورة جديدة ودقيقة وكل مشهد فيه يتحرك فوق حروف اللغة كأنه مصنوع في الذهن قبل الطبيعة.
لم يصطدم طه حسين مع الغرب في شرقه وهو يجعل تغريد الكروان دعاءً، وجعل الرواية فلسفة الصراع بين القوي والضعيف وليس بين المتمدن والمتخلف فـ ( العصفور دائما هو الغلطان) ومن يُعْتَدىَ عليه وهو ضعيف تقف الدنيا كلها في وجهه، فالسلطة والمال بين إصبعين من أصابع الحق المزيف.
دعاء الكروان رواية تشهد أن طه حسين كان يبصر أكثر مما لو كان بصيرًا، وأوصاف ومشاهد وصور القرية لا تقل إبداعا عن كبار الروائيين الذين وصفوها بعيونهم قبل أقلامهم، وأخص بالذكر ( بداية ونهاية ) لنجيب محفوظ والصراع الطبقي المذهل فيها.
طه حسين لم يفرنس دعاء الكروان كما فعل أكثر العائدين من بعثات النهضة الباريسية واللندنية، وتحدث عن أخلاقيات الحب والقرية والانتقام الضعيف كأنه يريد من أصدقائه الفرنسيين أن يشاهدوا بقلمه مسقط رأسه، تماما كما حدث مع عبقري عصر النهضة، قاسم أمين، في كُتــَـيبه الصغير ( المصريون ) وهو يردّ على الدوق داركور فيصف جسد الفلاحة وعذريتها ونهديها ومشيتها وجمالها في إطار التراث والعادات والتقاليد ليحارب بها الفكر الاستعماري البريطاني الذي خلط الأوراق فلم يفهم أهل البلاد المُستَعمرة، وقد هلهلها مالك بن نبي الجزائري المبدع في كتابه ( الصراع الفكري في البلاد المُستَعمرة)!
شاهدت اليوم ( دعاء الكروان) بعيون جديدة، ورأيت أن كل الأزمنة تقوم بتلوين الحكايات والأقاويل والأساطير والحقائق بطرق مختلفة، صعودا وهبوطا، توسعة وتضييقا، فأنت تستطيع أن تقرأ نفس العمل الأدبي عدة مرات وكأنه عدة أعمال بينها عدة عقود.
دعاء الكروان ليس عصفورًا من الشرق، لكنه عصفور في الشرق، وعبقرية طه حسين أنه اختار الأذنيّن بدلا من العينين، فلم يعُد بين صفحات الرواية كفيفـًـا؛ وربما أكثر قدرة على الإبصار الحاد من قارئيه.
لابد أن يكون الكتاب بين يديك طوال عُمرك فهو يتغير، ويتزامن، ويمنحك مرة ويمنع عنك مرات، فتقرأه حينا ويقرؤك أحايين أخرىَ.
تلك هي رؤيتي الجديدة لــ( دعاء الكروان ) فهل شطحت بعيدًا؟
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 27 مايو 2018
شكرًا جزيلا، العزيز سعيد، والحقيقة أن استعادة عمل أدبي مهم جدا أن يشترك فيه أكثر من قاريء لأن الإبداع بعد سنوات يصبح ملكية عامة، ورؤية مشتركة.
تقبل خالص مودتي
رعاك الله
دعوة للتبرع
العقيقة: كنت عاوز اسال حضرتك هاعمل عقيقة لبنت اخويا...
One Ommah !!!: - Is there really [Ommah] or one Islamic nation? ...
يخرصون وخراصون: ما معنى الخرص فى قوله جل وعلا ( قتل الخرا صون ) و...
الشيطان لا يياس : ما رأيك فى قول ابى بكر أن الشيط ان قد يئس أن...
النشر فى الموقع : أعانك م الله على ما تقومو ن به بحق أنتم على...
more
دعاء الكروان أبدع الدكتور طه حسين فيها لعمق الفكرة و نرجسية أفكاره هو شخصيا بين واقعين الأول مصري مكبل بالعادات و التقاليد البائسه و بين فرنسي متحرر يرى في العادات و التقاليد - لا سيما بين أهل الصعيد - رجعية و مصادرة لحرية المرأة .. رائع حديث آمنة مع نفسها و هي تحلل وضعية مآل أختها التي ذهبت ضحية قسوة البشر .
شكرا أستاذ محمد عبد المجيد فقد أثرت موضوع جديد في الموقع .. حفظكم الله جل و علا .