معركة اللـــــغة!:
هل مصرُ ماتزال عربيــة؟

محمد عبد المجيد Ýí 2016-01-16


هل مصرُ ماتزال عربيــة؟

لماذا شنَّ المصريون الحربَ بضراوة ضد اللغة العربية؟
يكره المرءُ الشيء الذي يكشف ضعفه، ويُعري سوءاته، ويُقصــِّــر طوله، ويُضعف قوته أمام الآخرين.
سنوات طويلة وغضُّ الطرف عن الضعف اللغوي لدى المصريين أنتج في النهاية حالة اللادهشة على كلِ المستويات، حتى كاد الخطأ والصواب يتساويان، وتراجعتْ قيمة اللغة السليمة ، وتلطختْ جودتها، ولم تعــُـدْ الأخطاءُ تثير إنتباه أكثر المستمعين لها.


بكل خجل وحياء وأسف واعــتذار أقول بأن اللغة العربية الصحيحة والسليمة في مصر أضحت قريبة من القاع، والمثقفُ العربي في الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا ولبنان وسوريا والخليج واليمن تكاد أذناه لا تتعرفان من لسان المصري على الضاد الجميلة التي عاشت سنوات انتعاشها قبل خمسين عاماً، وعرفتْ لغة أهل الجنة أدباء وإعلاميين وشعراء ورجال دين وسياسيين من مصر تقترب ألسنتهم من البيان حتى في أحاديثهم العادية.

في مصر الآن مناهضة ومعارضة وإزدراء وضعف وتسوّس ومرض لا يقتنع أصحابه أن ألسنتهم في حاجة إلى علاج عاجل، ليس لغلبة العامية، وإنما لهجرة الكتاب، وإهمال قواعد اللغة ، والأمـــَــرّ والأكثر حُزنا هو ميل المصري إلى اعتبار النطق العامي المخالف لجرس اللغة ورنينها وموسيقاها مقبولا في الأمة العربية التي تمزَّقت، فلما قاومت الغزو الثقافي مئات الأعوام جاءت الهزيمة، لغوياً، بيد أهلها.
كانت اللغة العربية في مصر خط الدفاع الأول، وتتوسع مصر عربيا وإقليميا باللغة أولا، عاميتها وفصيحتها، فلما نزل معول الهدم على الأدب والشعر والكتاب والإذاعة والتلفزيون والحوارات بدأ خط الانحدار يسُرع إلى الحضيض، فلا تستطيع أن تفرّق بين استديو وغرزة، ولا بين إعلامي وتاجر مخدرات، ولا بين منطوق حُكم قضائي و .. شجار في مقهى بلدي!

كانت القنبلة اللغوية على لسان المستشار أحمد رفعت وهو يقرأ الحُكم في قضية القرن، فلم يتمكن من قراءة جُملة واحدة سليمة ، ثم اكتشفنا لاحقا أن القضاة والمستشارين والإعلاميين ورؤساء المؤسسات الثقافية والتعليمية ونواب الشعب لم يسمعوا عن اللغة العربية وقواعدها ونحوها وصرفها وتشكيلها وبيانها وتعبيراتها وكنوزها وجمالها وموسيقاها، فعجــَّــموها ودهسوها وحطموها ونثروها في آذان تنفر من الجمال.
أنا لا أخاف على مصر من هزيمة عسكرية أو سياسية أو خسائر مالية أو طوفان أو فيضان أو كل سدود أفريقيا حولها، لكنني أخاف عليها من انفصالها اللغوي والبياني واللساني عن محيطها ، فتصبح الهيروغليفية أقرب إلى أهل مصر من المتنبي وأبي تمام والرافعي وطه حسين والعقاد ويوسف زيدان و ..

إذا أردتَ أن تهزم قوما فعليك بقطع حبل السُرّة اللساني الذي يربط تاريخها بآدابها، وجغرافيتها بالتحام لغتها وصلابتها وسلامتها.
تأخــُـر مصر في أي مجال يغضبني ويحزنني ويؤسفني، في المجال السياسي أو العسكري أو الإعلامي أو النهضوي أو الأمني أو العمراني أو التعليمي، أما الانحطاط اللغوي وتأخر اللسان عن تعليم صحيح البيان فهو الشيء الذي أخجل منه.
البداية تبدأ من هنا .. من الاعتراف بأن المصريين تكاتفوا وتعاونوا وتساندوا في الحرب ضد اللغة العربية، وتفرنج الأبناء، وتلعثم الإعلاميون، وتضعضعت المفردات، وتقطعتْ الســُـبل بالتعبيرات فلا تدري أعربي هذا أم أعجمي.
كأني أرى الكتاب يـبكي بدموع ساخنة حقيقية على هجرة المصريين له، وكأنني أقرأ خبر إلغاء كل مجمعات ومؤسسات وجمعيات وملتقيات الألسنة مصر من عضويتها حتى تأتي لهم بشهادة موثقة أن لغة أهلها ما تزال العربية.
أرني خطابا عربيا خارجا من مؤسسة مصرية يكون خاليا من الأخطاء المتعارف عليها بدءًا من السنة الخامسة الابتدائية!

إما أن تنقذوا اللغة العربية أو تأتوا بمستشرقين يصححونها لكم!
في السنوات الخمس المنصرمة تم بعناية اختيار كل خصوم اللغة وضعافها ومرضاها لاحتلال مناصب الدولة الكبرى، فهل هي مصادفة؟
حدثني عن مستشار أو قاض أو إعلامي أو صحفي كبير يعرف اللغة العربية ولا أقول ملماً بها، إلا قليلا!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 15 يناير 2016          
                             

اجمالي القراءات 9499

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (8)
1   تعليق بواسطة   محمد شعلان     في   السبت ١٦ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[79993]

ربما هو رد فعل عدائي من جانب المصريين


موضوع ومقال يثير الأسى والشجون في النفس وخصوصا نفس المثقف الغيور على مستقبل الثقافة والفكر والإبداع اللغوي والتقدم العلمي في وطنه، وقد كانت مصر في الأربعينيات والخمسينيات وما بعدها قاطرة اللغة العربية الفصحى في الوطن العربي ومن مصر خرج أمير الشعراء أحمد شوقي وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ،في تلك الفترة، فأمير الشعر انجبته مصر وعميد الأدب أنتجته مصر ، ماذا حدث وما الذي صار.



أعتقد أن استنكار العرب لدور المصري في الحفاظ على اللغة العربية وازدهارها على أيدي شعرائها وأدبائها ومفكريها وكتابها قوبل باستنكار شديد من جانب العرب بعد عصر البترو دينار والبترورريال، واستبدال المعلمين المصرين والخبراء المصرين بالآسيويين، والمعاملة السيئة والمهينة للمصري في العقود الماضية من جانب العرب كان هذا هو رد الفعل العدائي من جانب المصري للعرب وللغة العربية،



أرجوا أن اكون مخطئا وكما أرجوا أن يحدث تصحيح العلاقة بين العربي والمصري حتى يعود المصري لحمل راية الدفاع عن العربية وازدهارها وتطوريها.



شكرا لك أستاذنا العزيز  والسلام عليكم ورحمة الله.



2   تعليق بواسطة   محمد عبد المجيد     في   السبت ١٦ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[79995]

الضعف سببه الهجرة


حزنك لا يقل عن حزني، العزيز محمد شعلان، وحيرتك تشغلني أيضا، وأظن أن ضعف المصري في لغته سببه هجرته للكتاب سنوات طويلة، واكتشافه أن ضعفه أو قوته يستويان.



تقبل خالص تحياتي



3   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   السبت ١٦ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[79998]

نشاركك الرأي في خوفك على لغة الضاد


السلام عليكم أستاذ محمد ، نشاركك الرأي في خوفك على لغة الضاد ، وفعلا كما  جاء في ردك على التعليق السابق : السبب هو هجر الكتاب ، والكتاب تحديدا كمصدر للمعرفة ، بجانب أنه يساهم في إكساب الخبرة اللغوية العملية ،  ولكن من وجهة نظري ليس السبب الوحيد للضعف اللغوي ، بل حالة الضعف العام  في كل المجالات ، واللغة مرآة شفافة تنقل هذا الضعف والتدني .  شاهدت  على اليوتيوب  لقاء قديم للتليفزيزن المصري ،وهالني ما وجدت من أسئلة !! كانت المذيعة  أماني ناشد تطرحها على ضيف الحلقة ، وكان الضيف : الأستاذ عباس محمود العقاد (رحمه الله )، كان هذا البرنامج متابع يشاهده المصريون غي تلك الفترة ، ويشاركون الضيف  همومه وآماله !!  ليس هناك معنى لوجود مفكر، بلا جمهور يفهم فكره ،ولا لأديب في مجتمع يستهجن الأدب !! 



دمتم بخير وشكرا لكم 



4   تعليق بواسطة   ليث عواد     في   الأحد ١٧ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[80003]



في السنوات الخمس المنصرمة تم بعناية اختيار كل خصوم اللغة وضعافها ومرضاها لاحتلال مناصب الدولة الكبرى، فهل هي مصادفة؟



سؤال يحتاج حقا لإجابة.



أعتقد أن الجهل و سيطرة رأس المال على الإعلام له نصيب الأسد في الإنحدار اللغوي الذي وصل إليه الأمر في مصر.



قسم غير قليل تتحمله السياسة التي رضيت عن إبتلاع حرف الجيم من خمسينيات الفرن السابق و سكتت عندما إختلطت الزاي بالضاد و الظاء و الذال، و عندما صارت القاف كافا كان الأمر قد وصل مرحلة اللاعودة.



اللغة قضت و وريت التراب و جاءت المدارس الخاصة لتلقي إكليلا علي رمسها.



لدي طلبة حصلوا على 100% في الثانوية العامة و لا يميزون بين الجملة و شبهها و بيت الحال و المفعول و لا يعرفون ما هي كان ناهيك عن أخواتها.



نعود للإعلام و ما أفرزه من تخلف و إنحطاط،  فقد صار من المسلمات أن تستمع لما يسمى بالإعلامي ساعة كاملة لا ينطق أثنائها بجملةواحدة صحيحة و لا يستطيع، ماذا تتوقع بعد هذا كله من العامة؟


5   تعليق بواسطة   محمد عبد المجيد     في   الخميس ٠٤ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[80304]

عائشة حسين ترجع سقم اللغة إلى الضعف العام


العزيزة عائشــة حسين،



فعلا ليس هناك مفكر بدون جمهور يستوعب ويفهم ما يقول.



وتقبلي تحياتي



6   تعليق بواسطة   محمد عبد المجيد     في   الخميس ٠٤ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[80305]

ليث عواد لا يرى قيادة الدولة بألسن ضعافها مصادفة


أخي العزيز ليث عواد 



لم تكن مصادفة أن يتم  اختيار الضعاف والمرضى وذوي الألسن العرجاء لتكملة مسيرة الأمة فقد انحرفوا عن الطريقِ ، فقادوا الجماهير إلى أعجمية الفكر بفضل أعجمية اللغة.



 



تقبل مودتي



7   تعليق بواسطة   محمد عبد المجيد     في   الخميس ٠٤ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[80306]

محمد شعلان يرىَ ضعف اللغة ردّ فعل على سرقة الدور المصري


العزيز محمد شعلان



تحليلك سليم وهو ردّ فعل لا إرادي مصري ضد سرقة الدور السياسي والقيادي .



تقبل تحياتي



8   تعليق بواسطة   ربيعي بوعقال     في   الخميس ٠٤ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[80307]

تحية لك أخي محمد عبد المجيد ، لأجلها أحبكم واقرأ لكم ، نعم المقال ونعم القصد ، جزاكم الله خيرا.


سلام عليكم طبتم ، إليكم سيدي إحدى  المضحكات المبكيات المنرفزات : بعث إلي أحدهم  بكتاب تعزية افتتحه بهذا الترجيع الملحون: '' إن لله وإن إليه راجعون '' فقلت : جددتم أحزاننا، أعربوا ويحكم، عظم الله أجرنا وأجركـم




إن:أداة نصب وتوكيد ، واسمها مفقود،

عظم الله أجرنا

لله:اللام نبأ جر، والبقاء  للرب المعبود، 

غفرانك ربنا

وإن:الواو للعواطف، والإسم دائما مفقود،

عظم الله أجرنا

إليه: الأول نبأ آخر، والهاء ضمير يعود،

وما كل عود محمود

راجعونخبر مؤكد، وشيء مبهم مفقود؟

عظم الله أجرنا.


أفديـك حبيبتي لا تخافي ولا تحزني



كفكفي الدمع، أدميت كفى، لا ، لا ، لا تقتلي المجنون



لو عرفت الدار يا قرة عيني



ما ذرفت دمعا، ولا أدميت عيون



البلدة طيبة للغاية، والحب قانون



الشعر معمد وحر، والنثر معرب،  وأنغام،  وفنون



جمل مصفوفة، وعبر مبثوثة، والرقص حركات وسكون



أفديك لغتي الجميلة، لا تبكي ولا تحزني



أدميت، كفى، لا ، لا تقتلي المجنون



يا أمة العُرب كوني للسان الكريم ، أو لا تكوني



مات إبراهيم مصر وفيا له، ومات الإبراهيمي فارحموني   



 .......................................



.بسم الله الرحمن الرحيم




الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُـوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ()

أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ()


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-07-05
مقالات منشورة : 571
اجمالي القراءات : 5,909,784
تعليقات له : 543
تعليقات عليه : 1,339
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Norway