التصوف ونشر المساوىءالاجتماعية : القــذارة :
القذارة أصل فى دين التصوف

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-05-26


   كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية 

 الفصل السادس : التصوف ونشر المساوىءالاجتماعية . القذارة أصل فى دين التصوف

 القذارة أصل فى دين التصوف:ــ   

مقدمة

1 ــ التصوف هبط بمصر عن الطهارة الاسلامية والنظافة الفرعونية .

إذا كان المثل الأعلى للمسلم أن يكون من الرجال الذين يحبون أن يطهروا والله يحب المطهرين فإن المثل الأعلى للتصوف هو المجذوب بأسماله البالية وعورته الظاهرة ورائحته المزعجة والحشرات التى ترتع على جسده كما كان معهوداً في مصر إلى عهد قريب.    وعلى قدر عناية دين الإسلام بالطهارة اعتنى دين التصوف بالقذارة وجعلها من رسومه الدينية منذ بدأ التصوف في القرن الثالث الهجرى.

2 ـ التصوف هبط بمصر أيضا عما إعتادته فى تاريخها الفرعونى القديم من عناية بالنظافة .

 في كتابه (الحياة اليومية  في مصر في عهد الرعامسة) يقول بيير مونتير ( كان قدماء المصريين يعنون عناية كبيرة بالنظافة، ويهتمون بأبدانهم وملابسهم ومكانسهم....كان المصريون يغتسلون عدة مرات في اليوم، في الصباح عند الاستيقاظ من النوم، وقبل تناول الوجبات الرئيسية، وبعد الفراغ منها.... كانت أدوات الإغتسال تتكون من: طست وابريق ذي صنبور توضع عادة تحت دائرة مستديرة ذات ثلاثة أرجل محملة بألوان الطعام... ويعتقد انه كان يوضع ( ملح ) النطرون في مياه الأبريق... أما مياه مضمضة الفم، فكانت تعقم بنوعٍ أخر من الملح يسمى "بد" . وأطلق اسم "سوابو" المشتقة من كلمة "اواب"، بمعنى نظيف أو نقي على معجون جاف يختوي على مادة للترغية والتنظيف وإزالة الشحم... وبعد أول إغتسال، يتوجه الرجال إلى الحلاقين وإلى مقلمي أظافر الأيدي والأرجل، كذلك يتجه النساء الى محلات التزيين... وتولى الحلاق حلاقة الذقن ويقص الشعر مستعملا موسي منحني السلاح ذا كلابة... ويخرج الرجل من هناك نظيفا منتعشا.. ويأتي بعد ذلك دور الأخصائيين والصيادلة الذين كانوا يحملون الروائح العطرية والطيب في آوان مختومة من البللور أو المرمر أو  الزجاج الطبيعي، كما يحملون مساحيق خضراء وسوداء لتجميل العيون داخل اكياس صغيرة ربطت من أعلى بأشرطة. وكانت العيون الكحيلة المستطيلة تروق المصريين. كما كانت تلك المساحيق وسيلتهم لحماية العيون شديدة الحساسية من أنواع الرمد.. ولم تكن تنقصهم مواد التجميل... ولتفادي الرائحة الكريهة التي تنبعث من الجسم حين تشتد الحرارة، كانوا يدلكون أنفسهم عدة ايام متتالية بعطر اساسه زيت النفط ويسمى "سونتي".. ومن البخور المسمى "انتي" الذي كان يخلط بحبوب غير معروفة وبمادة عطرية أخرى... وكان لديهم منتجات للتجميل ولتجديد البشرة ولتقوية الجسم، وأخرى لإزالة البقع وحبوب الوجه. فكانوا يستعملون مثلا لتقوية البشرة مسحوق المرمر أو مسحوث النترون أو ملح الشمال ممزوجا بالعسل، كما توجد وصفات أخرى اساس تركيبها لبن الأتان. أما جلد الرأس، فقد كانوا يعنون به عناية كبيرة دائما، تتمثل تارة في انتزاع الشعر الأشيب أو تسرب الشيب الى شعر الحواجب، وتارة أخرى في العمل على تلافي الصلع أو إعادة نمو الشعر. وكانوا يعلمون ان زيت الخروع أحسن علاج لذلك. كما كانوا يعرفون كيف يصلون الى إزالة شعر الجسم .. كان أفراد الطبقة الفقيرة يذهبون الى حلاق يجلس تحت ظلال شجرة في العراء، وانظارا لدورهم، كانو يتحدثون أو يبقون جالسون دون ان يتمددوا، فيحنون ظهورهم ويضعون رؤوسهم بين أيديهم.. والعميل الذي يصيبه الدور يجلس على مقعد ذي ثلاثة أرجل ويسلم رأسه للخلاق فيجعله املس كحجر على شاطئ البحر. أما زينة المرأة الغنية كان حدثا هاما مثل زينة زوجها. وأما الزوجة المتوسطة الحال والتي كان زوجها فلاحا ومالكا صغيرا فكانت تقوم بعمل زينتها بنفسها.. وكانت إذا قامت لقضاء امر أفسد زينتها في الطريق، اضطرت إالى إعادة الكرة من جديد)- ( الحياة اليومية 93-97 بيير مونتيه . ترجمة عزيز مرقص منصور . الدار المصرية للتأليف والترجمة . 1965 ).

3 ــ إعتنق المصريون التصوف وسيطر عليهم فى العصر المملوكى فتقدست لديهم القذارة .

الكرامات الصوفية فى الدفاع عن القذارة:

 اشتهر رواد التصوف الأوائل بقذارة المظهر،يحكى القشيرى في رسالته أن زيتونة كانت تخدم أبا الحسن النورى وأبا حمزة والجنيد، وفي يوم بارد حملت للنورى طعامه من خبز ولبن وكان النورى يقلب فحم الموقد بيده فأخذ يأكل واللبن يسيل على يديه مختلطاً بسواد الفحم ، فقالت الخادمة – في نفسها– حسبما تحكى القصة " ما أقذر أولياءك  يا رب ما فيهم أحد نظيف "  وتنهى الحكاية باتهام الخادمة ظلماً بالسرقة وتدخل النورى لإنقاذها ولا ينسى أن ينبها إلى أن ذلك عقوبة لها لأنها اعترضت على قذارته" وقال لها لا تقولين بعدها ما أقذر أولياءك ، فقالت تبت إلى الله " [1].

أى أن الصوفية منذ البداية ألفوا كرامات لتدافع عن اتهامهم بالقذارة .

القذارة دليل التدين الصوفى 

1 ــ ثم انتشر التصوف منذ عصر الغزالى لأنه يعنى اتباع الهوى في كل شئ والراحة من كل شئ ومنها العناية بالنظافة والطهارة . وبه تم قلب الموازين فبعد أن كانت طريقة الإسلام هى طهارة الباطن والظاهر أصبحت سمة التصوف قذارة المظهر والمخبر، بل أصبح في عصر الغزالى من مظاهر الرياء بالصلاح والتقوى أن يتقذر الإنسان في شكله وهيئته ؛ فالغزالى يعد من مظاهر الرياء الديني القذارة فى الهيئة والزى ، يقول :( أما الهيئة فتشعيث شعر الرأس وحلق الشارب.. وغلظ الثياب ولبس الصوف وتشميرها. وترك تنظيف الثوب وتركه مخرقًاً ، كل ذلك يرائى به ليظهر من نفسه أنه يتبع للسنة فيه ومقتد فيه بعباد الله الصالحين. ) ، فأتباع السنة والإقتداء بعباد الله الصالحين معناه عند الغزالى والتصوف تشعيث شعر الرأس وقذارة الثوب وتغليظه وتمزيقه.

 2 ــ ثم يقول الغزالى عن أولئك المرائين بالقذارة الصوفية: (  فمنهم من يطلب المنزلة عند أهل الصلاح بإظهار الزهد ،فيلبس الثياب الممزقة الوسخة القصيرة الغليظة ليرائى بغلظتها ووسخها وقصرها وتخريقها أنه غير مكترث بالدنيا  )" .

2 ــ  وأراد بعض المترفين الدخول في دين التصوف فإعتبرهم الغزالى ( مُرائين ) لأنهم لم يكونوا صادقين فى ( قذارتهم ) أى فى المظهر القذر الذى يجب أن يكون عليه الصوفى الصادق . وهم – على حد قول الغزالى – "(  شق عليهم الإقتداء بهم في بذاءة الثياب والرضا بالدون، فأرادوا أن يتظاهروا بالتصوف ولم يجدوا بداً من التزين بهم ، فتركوا الحرير والأبريسم وطلبوا المرقعات النفيسة والفوط الرقيقة والسجادات المصبغة ولبسوا من الثياب ما هو أرفع قيمة من الحرير والأبريسم ، وظن أحدهم مع ذلك أنه متصوف بمجرد لون الثوب وكونه مرقعا)  [2].   ويروى الغزالى أنه قيل للحسن البصرى : (  لم لا تغسل ثيابك؟ قال: الأمر أعجل من ذلك" وقيل لداوود الطائى " أو سرحت لحيتك؟ قال إنى إذن لفارغ " [3].

تشريع القذارة :

 1 ــ  وحتى ينشر الصوفية قذارتهم لتصبح سلوكاً عاماً بين المسلمين ينسيهم عادة الإسلام في الطهارة والنظافة فإن الصوفية لجأوا للأحاديث الموضوعة أو تحريف معانى القرآن، فالحسن البصرى الذى كان لا يغسل ثيابه تأول قوله تعالى" وثيابك فطهر" بأن معناها "( وخلقك فحسن") حسبما يروى القشيرى [4].

2 ــ أما الغزالى الذى أتخم الإحياء بالأحاديث الباطلة فقد أورد منها في الدعوة للقذارة حديثا يزعم  "( إن الله يحب المتبذل الذى لا يبالى ما لبس )" والعراقى في تخريجه لهذا الحديث قال عنه " (لم أجد له أصلاً")  أى لم يكن مكتوباً إلا في الإحياء أى اخترعه الغزالى . بل أن الغزالى حرّف حديث أنس القائل: "( إن الرسول كان يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته حتى كأن ثوبه ثوب زيات")  فجعله الغزالى يؤدى عكس المعنى تماماً فرواه " ( كان قميص رسول الله كأنه قميص زيات)" وروى حديثاً آخر ينطبق على الصوفية وهو "( يكون في أمتى قوم شعث رؤسهم دنسة ثيابهم لو أقسموا على الله لأبرهم )"[5] .

3 ــ وهناك حديث مزور وضعه الصوفية ، وهو مشهور حتى الآن يحوى نفس المعنى ونفس اللفظ ، وهو ( رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرَه  ) ، فيجعل الصوفي الأشعث الأغبر صاحب دلال وسطوة على الله جل وعلا بحيث لو قال لله افعل كذا لأبر الله قسمه. أى لابد أن يكون أشعث أغبر حتى تكتمل في الحديث القذارة الحسية والقذارة المعنوية. ولو كان يقيم الصلاة ما أصبح أشعث أغبر .

4 ــ  وروج الصوفية لأحاديث كثيرة في القذارة ، منها أن الرسول كان يباشر نساءه في المحيض وأن عائشة كانت تقول أن النبى كان يتكئ في حجرها وهى حائض ويقرأ القرآن ، وأن الناس كانوا يتبركون ببقايا غسل الرسول ونخامته . وأن النبى دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجه منه ومجَ (بصق) فيه ثم قال لأصحابه اشربوا منه ، وأن النبى أمر أناساً من عكل أو عرينة يعيشون في المدينة بأن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، وكل هذه الأحاديث موجودة في البخارى في كتاب الطهارة وغيره، وكل هذه الأحاديث الصوفية لا تزال تحظى حتى الآن بتقديس السنيون من عُبّاد السنة وصحيح البخارى تعبيراً عن التأثر بالصوفية، ودليلاً على تأثر السلفية والحنابلة بالتصوف الذى يهاجمون أولياءه.

القذارة في ولاية العهد الصوفي:

1 ــ وبالتصوف سادت شهرة البخاري وكتابه في العصر المملوكى حتى كانت له تعقد المواعيد فى شهر رمضان  وتختم قراءته في كل عام، بديلا عن قراءة وتلاوة القرآن . ولذلك لم يكن مستغرباً أن تعبر القذارة عن نفسها في طقوس التصوف ترديداً للأحاديث التى ذكرها البخارى.

2 ـ فمن مراسيم ولاية العهد من البدوى لعبد العال أن جعله البدوى يمصُّ دُمّلاً في ذراعه قد ملئ قيحاً وصديداً حتى يمتزج الدم بالدم.  

وتقول أسطورة أن البدوى تقايأ ، وشرب قمر الدولة ما تقايأه البدوى ، فجعل البدوى قمر الدولة ( قمر أصحابه)  وبعثه إلىّ نفياً خوفاً عليه من عبد العال ، ولكن عبد العال علم فحاول أن يدرك قمر الدولة ليغتصب منه ما شربه من قيئ البدوى [6] .

3 ــ  وعهد أحمد الرفاعى للواسطى ، لأن الواسطى وقف يوضئه وحين تنخم الرفاعى تناولها الواسطى وازدردها وابتلعها ، وكافأه الرفاعى ــ بزعمهم ــ بأن كشف له عما بالمشرق والمغرب وصارت كالقصعة بين عينيه [7].

4 ــ  ولما حضرت الوفاة تاج الدين النخال الشاذلى ت 824 استدعى ابنته وقال لها أن أخاه تفل في فمه عندما كان يحتضر، فأخذ من هذه التفلة العهد والبركة ، ونكمل الرواية وهو يقول عن أخيه  : (  لما حضرته الوفاة استدعانى إليه وقال لى افتح فمك يا أخى ففتحت فمى فتفل لى فيه، فأعطانى الله تعالى خير الدنيا والآخرة‘ وأنتِ يا عائشة افتحى فمك ففتحت فمها فتفل لها فيه ، وقال لها هذه التفلة ما هى لكِ ، هى زخيرة عندكِ "[8] .

أى تستطيع أن تنقلها  لغيرها، لأن البركة في (التفلة) .



[1]
- الرسالة 297 .

[2] - الاحياء جـ3 / 257 ، 344 .

[3] - الاحياء ج4 / 194 ، 350 .

[4] - الرسالة القشيرية 189 .

[5] - إحياء ج4 / 200 ،292 .

[6] - الجواهر السنية ، 32 ، 33 ، 34 .

[7] - المناوى . الطبقات الصغرى 89 .

[8] - الكوهن . طبقات الشاذلية 115 : 116 . 

اجمالي القراءات 7495

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,361,792
تعليقات له : 5,324
تعليقات عليه : 14,623
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي