غالب غنيم Ýí 2015-05-13
في البحث عن الإسلام – مفردات – القسط والعدل - ملك اليمين في القرءان الكريم - الجزء العاشر
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36
ولكي لا أنهي البحث هذا بنقص، سأتعرض لما قد يُبهَم على البعض، في مفهوم القسط في بعض الآيات، مما خرجنا به من هذا البحث:
- في قوله تعالى ( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ ٱللَّهِ حَقًّا إِنَّهُۥ يَبْدَؤُا۟ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌۢ بِمَا كَانُوا۟ يَكْفُرُونَ) يونس – 10، فكيف يعملون الصالحات بالقسط؟ بأن لا يخلطوا هذه الأعمال بظلم، وبأن لا يُتبعوا أعمالهم بمنٍّ أو أذى كما فصل الله تعالى في أماكن أخرى.
- في قوله تعالى ( ٱدْعُوهُمْ لِءَابَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوٓا۟ ءَابَآءَهُمْ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُم بِهِۦ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) الأحزاب – 5 ، ينادي الله ويأمر بأن ندعوا من تبنينا باسم أبائهم وليس نسبتهم الينا، لكي لا تختلط الأنساب، فيحدث من بعد ذلك الظلم في العلاقات الإجتماعية سواءا في الإرث أو الزواج لاحقا، فنهاية الآية تحاسبنا على ما في قلوبنا من أمور مخفيّة لم تلعب التقوى فيها الدور السليم، فلم نَقُمْ بالقسط في هذا الأمر إن لم ندعوهم لأبائهم، بل نكون ظلمنا بعض من حولنا، سواءا أبنائنا أم إخوة من تبنيناهم.
- أما فيقوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا۟ فِى ٱلْيَتَٰمَىٰ) فساتركها لبحث النكاح والزواج، ولكن هي أيضا تتحدث عن أن لا نظلمهم بأكل اموالهم أو عدم إعطائهم إياها.
______________
مفردة عدل :
العدل في القرءان الكريم بكل بساطة ووضوح هو قيمة الشيء المماثلة له عينيّا أو معنويّا.
وهذا نستشفه من الآيات التالية التي تفصّل لنا مدلول مفردة العدل عن طريق صور نتصورها بكل وضوح وشفافية :
- فيوم الحساب، لا يُقبل من نفس ما تفتدي به ذاتها ولو كان مساويا تماما بل وأكثر مما عملت من سوء ( وَٱتَّقُوا۟ يَوْمًا لَّا تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْـًٔا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ) البقرة – 48 ، ( وَٱتَّقُوا۟ يَوْمًا لَّا تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْـًٔا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ) البقرة – 123 ، ( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفْتَدَوْا۟ بِهِۦ مِن سُوٓءِ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا۟ يَحْتَسِبُونَ) الزمر – 47 ، وذلك بظلمهم أنفسهم ومن حولهم ( وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِۦٓ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌۢ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِىٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُوا۟ بِمَا كَسَبُوا۟ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌۢ بِمَا كَانُوا۟ يَكْفُرُونَ) الأنعام – 70
- وكذلك من اصطاد ظلما في الأشهر الحرم وهو عند البيت الحرام، يفتدي ما اصطاده بما قيمته مساوية له، يقوم بتقييمها من عنده القدرة على القيام بالتقييم هذا، أي ذو عدلٍ من الرجال، حيث يستطيع أن يقيّم الصيد هذا، إن كان صيده حمامة أو غزال او أرنب، بما يماثله تقريبا من النَّعَم ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقْتُلُوا۟ ٱلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُۥ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِۦ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًۢا بَٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّٰرَةٌ طَعَامُ مَسَٰكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِۦ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ) المائدة – 95 ، حيث وردت ( عَدْلُ ذَٰلِكَ) تفصيلا ل ( مِّثْلُمَا) المادية العينيّة في الآية، بشيء يعدلها معنويا وهو الصيام.
- أما في قوله تعالى ( ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) الأنعام – 1 ، فالكافر عقائديا، هو من يجعل مع الله الها آخر، فهم لا يكفيهم الله، والله غير كاف لهم، الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمت والنور، فيجعلون معه الها آخر لا يخلق ولا يقدر على أن يرزقهم، وكأنهم يأتون بفعلهم هذا ما يظنون أنه مكافيء لله تعالى الواحد القهار، وقد يكون العدل في الله ماديا كالحجارة التي تُعبد، ومعنويا، بالأولياء من دونه بما افتروا عليه الكذب من أساطير وتراث ظنٍّ لا أصل له ولا سلطان ( أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنۢبَتْنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنۢبِتُوا۟ شَجَرَهَآ أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) النمل – 60 .
- ومن قوم موسى من يعدل بالحق، هداية، وليس إتيانا بما يماثله ( وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِۦ يَعْدِلُونَ) الأعراف – 159، حيث هم هنا يهدون بالحق، والذي قيمته كتاب موسى، الذي به يعدلون، أي مِثل الحق هو الكتاب، وكأننا نقول، أن مِثل الحق هو القرءان، فبالقرءان نعدِلُ هدى للناس، ولا نأتي بالظن كأنه مماثل للحق القرءان، فندّعي بأن التراث هو الحق والهدى، مماثلين به القرءان !
ومنه، ومن كل الآيات أعلاه، نرى بكل وضوح، أن العدْل غير القسطِ ابدا، فالعدل يكون في قيمة واحدة مماثلة لشيء واحد نُقيّمه، بينما القسط يعلو فوق العدلِ كثيرا، فالقِسط هو مظلّة العدل، فنحن نُقَيِّم شيئا ما بالقسط، اي بدون ظلم ولا تعدّي، ومنه أتى الحكم بالعدلِ، أي بالمِثلِ أو ما ما هو بقيمة الأمرِ بدون ظلم ولا عدوان، أي بالقسط !
ومن قوله تعالى ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ ٱعْدِلُوا۟ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة – 8 ، وتفصيلها في قوله تعالى ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلْهَوَىٰٓ أَن تَعْدِلُوا۟ وَإِن تَلْوُۥٓا۟ أَوْ تُعْرِضُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء - 135
نرى ان مِظلة العدل هي القسط والتقوى، أي جوهر الإسلام السلوكي والعقائدي معا، لأنه هنا نتعرض لأمور تتعلق بنا وبمن حولنا، أي سلوكا وإيمانا بالله في ذات الوقت، بأن نعدل في الحكم على من حولنا بأن لا نميل لهوى النفس، فنُعرِضُ عن القسط والتقوى، فالله خبير بما نعمل وبما نخفي في أنفسنا ( وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُوا۟ فَأَصْلِحُوا۟ بَيْنَهُمَا فَإِنۢ بَغَتْ إِحْدَىٰهُمَا عَلَى ٱلْأُخْرَىٰ فَقَٰتِلُوا۟ ٱلَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِىٓءَ إِلَىٰٓ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُوا۟ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ) الحجرات – 9 ، فالإصلاح هنا يتم بين طائفتين بالذات، بين طرفين محدّدين ليس أكثر، وكل هذا يتم تحت مبدا القسط العام في الدين كله!
وأخيرا، نفهم هنا الآن لم هنالك كاتب بالعدل، كما نسميه لغة اليوم، كاتب العدل ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌۢ بِٱلْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِى عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥوَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْـًٔافَإِن كَانَ ٱلَّذِى عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُۥ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُوا۟ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَىٰهُمَا ٱلْأُخْرَىٰ وَلَا يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُوا۟ وَلَا تَسْـَٔمُوٓا۟ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰٓ أَجَلِهِۦ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰٓ أَلَّا تَرْتَابُوٓا۟ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوٓا۟ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُوا۟ فَإِنَّهُۥ فُسُوقٌۢ بِكُمْ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ) البقرة – 282 ، حيث الآن نستطيع بكل سهولة، فهم ماهية كاتب بالعدل هنا، ولِمَ تمّ التركيز على أن يكتب أكثر من مرة، "وليملل وليكتب وليتق الله وذلك أقسط عند الله"، لأنه يزيل الريبة والفسق والافتراء والضرر بالآخرين وكل هذا من الظلم. فهو مطالب بالكتابة كما هو الدَّيْن لا يزيد عليه ولا يُنقص منه شيئا، "مِثْله" تماما، وهو العدل!
ومن بعد كل هذا، يصبح من اليسير علينا فهم قوله تعالى ( وَلَن تَسْتَطِيعُوٓا۟ أَن تَعْدِلُوا۟ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا۟ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) النساء – 129، وقوله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا۟ فِى ٱلْيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُوا۟) النساء – 3 ، والتي ايضا سأتركها لنبحث فيها بعمق أكثر في بحث النكاح والزواج، وسأتعرض هنا فقط لبعض أممرها.
______________
العدل في العدد والقسط في الكمّ :
مما طرحنا أعلاه، نخلص الى الفرق بين القسط والعدل، وبأن العدل شيء نقوم به تحت مِظلّة القسط العامّة، التي هي من جوهر الإسلام سلوكا، فالقسط معيار سلوكيّ، بينما التقوى معيار قلبيّ، ليس بماديّ أقصد، وحين نعيد النظر في كل الآيات أعلاه كرّة أخرى، سنرى أن العدل له علاقة بالعدد فقط، أي هو عمليّة تتم لتقييم عدد محدد من الأمور، ينحصر في اثنين لا أكثر، تم النزاع بينهما على أمر، فيتم تقييم هذا الأمر، أو الشيء، المتنازع عليه، أو المختلف فيه، او موضوع العدل عامّة!
فالعدل ليس قانونا عاما لكل الأشياء مثلا، بل هو عملية القيام بالإتيان " بالمِثل" قيمة مادية أو معنوية للشيء موضوع العدل!
بسنما سنلاحظ أن القسط قانون عام شامل لا يتعلق بالعدد بل الكمّ. أي الكمية مُجملا، فالقسط يكون بين الناس عامّة، في كل امورهم، بين بعضهم البعض، فهو دستور مثله مثل التقوى، دستور عام يندرج تحته قوانين كثيرة متعلقة به، ولهذا هو متعلق بالكميّات وليس بالأعداد!
فالأعداد هي عدد مكونات مجموعات يمكننا أن نحصيها بسهولة بارقام تصفها، فنقوم بعدّ ما تحويه، واحد، اثنان، ثلاثه .. الخ، بينما الكميّات هي محصلة الأعداد النهاية للمجموعات، فهي إحصاء وحساب للشيء معا ، ولهذا الله تعالى نسب دقة القسط فقط لميزانه بكونه " الميزان الحق القسط "، فالله تعالى قائم بالقسط، ويوم الحساب يضع الميزان القسط، الذي يستطيع احصاء النتيجة النهائية لأمور متعددة كثيرة لن نستطيع نحن البشر حسابها عددا، ( وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ)، لأنه سبحانه ( لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا۟ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَدًۢا) الجن – 28 ، فهو يعلم المحصلة النهائية لكل شيء بقيمتها النهائية، وهو علم أن لن نُحصي الليل، كما يوم الحساب كتابه الإمام المبين أحصى كل صغيرة وكبيرة ولم يغادر منها شيئا، فالكتاب ذاك، سنجد فيه ما عملنا حاضرا! وكأنه أمامنا، أي المحصلة النهائية لما قمنا بعمله.
تماما مثلما قولنا لغة، أملك ثلاث أكياس تفاح، ولا اعلم بعد كم تفاحة في كل كيس منها، ولا ماهية كل تفاحة ولا حالتها ولا وزنها ! فالكمّ هو ثلاث أكياس لها معايير متعددة، بينما العدد هو ما لا نعلمه، ولنعمله، نقوم بعدّ محتوى كلّ كيس، وقد يختلف العدد في كل منها!
فالقسط متعلق بالكمّ النهائي، وهو ثلاث أكياس، والعدل متعلق بعدد كل تفاحة في كل كيس، هو أمر متفرّق، محدد بوحدة واحدة، هي التفاحة، بنما القسط ينظر لكل معايير الكيس وما يحويه وطريقة التوزيع والاوزان والتساوي الخ !
ومنه، وبناءا عليه، سنجد أن القسط متعلق بالكمّ وليس العدد الذي هو من اختصاص العدل! وهذا نجده من بداية البحث هذا في الميزان والكيل، لأنهما أمران يتعلقان بالكمّ، ومنه، بالتالي القسط، فالإخسار يكون " بكمية" ما نزنه، أو بكمية ما نضعه في الكيل الذي نكيل به، ومنه اتى أن نَفي الكيل،أوفوا، وليس عددا، بل وزنا، أي ببساطه، حساب كميّات وليس تعدادا، فليس للعدد علاقة هنا بالأمر!
وهذا ظاهر وبيّن في ايات النساء – 129 و 3 أعلاه في العدل بين النساء وأن لا نعدل!
______________
فهل في القرءان اختلاف في هاتين الآيتين؟
حين نتلو الآيات أعلاه، النساء 129 و النساء 3، سنجد أن واحدة تتحدث عن أننا لن نستطيع العدل بين النساء وإن حرصنا، وهذا إقرار وقرار وحكم من الله تعالى، علينا بقبوله، كما هو، فالله تعالى فيه يحكم وُيُقرّ بأننا ( وَلَن تَسْتَطِيعُوٓا۟ أَن تَعْدِلُوا۟ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ )، حيث نرى هنا بكل وضوح، القرار الإلهي النهائي القول الفصل، بأننا لن نستطيع ما حرصناأ أن نعدل بين النساء، ثم فيالآخرى يتحدث أنه، إن خفنا أن لا نعدل فواحده ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ فَوَٰحِدَةً)، وهنا حسب الفهم التراثي، سنقع في اختلاف!
فلو كانت الاية التي تنادي بأنه لن نستطيع العدل، تتحدث عن أننا لن نستطيع العدل بين زوجاتي، اي أنني متزوج لأكثر من واحده، فوالله سيكون في القرءان اختلاف، فكيف يقول الله تعالى أنني لن استطيع العدل بين زوجاتي، مسلّما بهذا الأمر تارة، وفي مكان آخر يأمرني أنني إن خفت أن لا أعدل بينهن فأتزوج واحدة فقط ؟!
التناقض هنا واضح جدا، في حال الحديث، كما يقول التراث، عن زوجات الفرد الواحد، لكنه يزول مباشرة، ولا يبقى له أثر، إن فقهنا أن آية تتحدث عن النكاح وليس الزواج، والأخرى تتحدث عن العدل بين النساء جمعا، بحكم أنها تخاطب مجموعة من المسلمين، بأنهم لن يستطيعوا العدل بين النساء وبينهم! وبانه لا علاقة بين الآيتين ابدا!!!
فالعدل له طرفين فقط، وهما ليسا نساءا، أي ليس بين امرأتين، بل بين النساء ورجالهن!
ومنه كان مساق الايات يتحدث عن خلاف بين اثنين، بين رجل وامرأته، اي بين الزوج، أي بينهما الاثنين، والعدل مطلوب بينهما، بين المرأة وزوجها، بين الرجال ونسائهم، بين طرفين، وليس بين نساء رجل واحد كما افتروا على الله الكذب بتعميم العدل بكونه القسط!
من هنا نرى كم من المهم جدا أن نتعلم الفرق بين القسط والعدل! فالتراث قام بكل جدارة باللغو فيهما، وغطى على مفردة القسط تماما، حتى لم نعد نستخدمها، وأبقى العدل، مستبدلا القسط بالعدل، تماما كما جوهر الإسلام التقوى، بدله بكلام يقال، وشعائر نقوم بها، على أنها هي الجوهر!
فالعدل في الايات محلّ الخلاف هنا، يتحدث عن عدد محدد، وان خفتم أن لا تعدلوا بين أنفسكم وبينهن، فالتزموا بواحدة تتزوجونها، فالزوجة واحدة، ومن ننكحهنّ كثيرات، وخاصة الأرامل، وهذا موضوع قادم باذن الله تفصيلا أكثر، وهناك سأتعرض لكل كلمة في الايتين هاتين، حتى لا نقع في ظلم انفسنا بالافتراء الكذب على الله تعالى.
وأخيرا، أنوه الى ملحوظة مهمة جدا، أنني بهذه الأمور والأبحاث التي اقوم بها، لا أحلل ولا أحرم، بل أحاول فهم شِرعة القرءان ليس أكثر.
______________
خلاصة البحث:
- الوزن هو الذي نُخسِر منه، من قيمته، والكيل هو ما نستوفيه أو ننقص من كميته.
- القسط عدم الظلم في تقييم الشيء
- مفردة القسط تدلّ على عدم الظلم، وهي أهمّ مِظلّة في دين الله تعالى القيم.
- العدل والصدق والحكم والوزن والكيل ما هي الا عمليات نقوم بها تحت مِظلة القسط مُتّقين الله
- العدل في القرءان الكريم بكل بساطة ووضوح هو قيمة الشيء المماثلة له عينيّا أو معنويّا.
- العدل يكون في قيمة واحدة مماثلة لشيء واحد نُقيّمه، بينما القسط يعلو فوق العدلِ كثيرا، فالقِسط هو مظلّة العدل.
- العدل له علاقة بالعدد فقط، أي هو عمليّة تتم لتقييم عدد محدد من الأمور، ينحصر في اثنين لا أكثر
- العدد عادة له حدود بينما الكميّة لا حدود لها.
إنتهى.
والله المستعان
ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه –فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.
مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم
في البحث عن الإسلام – في البحث عن النبي – قوم النبيّ لم يأتهم نذير من قبل النبيّ – البحث الثالث -3
في البحث عن الإسلام – في البحث عن النبي – اصل قوم النبيّ – البحث الثاني - 2
في البحث عن الإسلام – في البحث عن النبي – اصل قوم النبيّ – البحث الثاني - 2
في البحث عن الإسلام – في البحث عن النبي – مقدمة في فهم واقعنا بين التاريخ والتأريخ – البحث – 1
في البحث عن الإسلام – مفهوم الأرحام بين التراث والقرءان – ما هي صلة الرّحِم – الجزء الرابع
دعوة للتبرع
شركاء متشاكسون : ما معنى ( ضَرَب َ اللَّ هُ مَثَل اً ...
هذا خطأ: أنا بتابع كورسا ت تنمية بشريه للدكت ور أحمد...
ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول : جاء فى موقع سلفى ما يلى : 1 ـ أن...
نعمة الصحة والفراغ: السلا م عليكم ورحمة الله و بركات ه... ا بارك...
النفقة على الاولاد: هل النفق ة على الاول اد البال غين ...
more