قنبلة الديون المصرية: أرقام مفجعة لعبء القروض والفوائد

اضيف الخبر في يوم السبت ١٣ - ديسمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


قنبلة الديون المصرية: أرقام مفجعة لعبء القروض والفوائد

تحولت الديون في مصر إلى أرقام "مفجعة"، إذ تعتمد الحكومة بكثافة على أدوات دين قصيرة الأجل وسندات دولية مكلفة. هذا ما كشفه تقرير الديون الدولية الصادر عن البنك الدولي لعام 2025، والذي أكد تصاعداً قياسياً في أصل الديون وفوائدها بالدول النامية، إلى أعلى مستوياتها خلال 50 عاماً، مشدداً على أن مصر أصبحت في التقرير "نقطة قاتمة" توضّح مدى هشاشة الوضع المالي المصري وحجم الخيارات المحدودة لسياستها الاقتصادية.

جاءت مؤشرات التقرير حول الزيادة الضخمة في الدين الخارجي وتزايد نسبة الدين إلى الصادرات والناتج الوطني، مع الاعتماد المتزايد على أدوات تمويلية قصيرة الأجل، لتشعل غضب شريحة واسعة من الاقتصاديين والسياسيين الذين طالبوا مراراً بوقف الاستدانة من الخارج، ودفع الاستثمارات المتاحة بالدولة إلى مشروعات إنتاجية قادرة على الوفاء بالتزامات الدولة تجاه الدائنين، والبحث عن بدائل تحمي الشعب من بيع ثرواته التاريخية لسداد الديون، وعدم اللجوء إلى بيع أراضي الدولة وتعريض سيادتها للخطر.

يذكر التقرير الأممي أرقاماً مفزعة تتعلق بزيادة الدين الخارجي إلى 155 ملياراً و970 مليون دولار بانتهاء العام المالي 2024-2025 في يوليو/تموز الماضي، والتي ارتفعت عملياً إلى 161 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول 2025، ومرشحة للارتفاع إلى 200 مليار دولار بنهاية 2027، مبيناً أن نسبة الدين الخارجي إلى الصادرات تبلغ 233%، وأن نسبة خدمة الدين إلى الصادرات بلغت 49%، أي إن ما يقرب من نصف عوائد التصدير، التي تشمل سلعاً أساسية ومنتجات صناعية ومشتقات النفط، تذهب لخدمة الديون الخارجية.

وتمثل الديون قصيرة الأجل نحو 30 ملياراً و990 مليون دولار، وصافي تدفقات استثمار في الأسهم والأوراق المالية 46 ملياراً و309 ملايين دولار، تعكس تدفقات "أموال ساخنة" غير إنتاجية.

مرحلة مالية حساسة
تكشف أرقام تقرير البنك الدولي أن مصر تقف عند واحدة من أكثر نقاطها المالية حساسية خلال عقد كامل، إذ يشير بوضوح إلى أن عبء الفوائد أصبح خطيراً بعدما صُنّفت مصر ضمن أعلى 5 دول في العالم في نسبة المدفوعات إلى الصادرات، وهو مستوى يفوق الحدود الآمنة التي يعتمدها البنك الدولي، بسبب تراجع القدرة الذاتية للاقتصاد على توليد عملة صعبة، في ظل تباطؤ الصادرات وتراجع إيرادات قناة السويس واعتماد البلاد على تدفقات مالية قصيرة الأجل لا تخلق إنتاجاً حقيقياً.يصف التقرير الأرقام "المخيفة" بأنها مؤشرات تحذيرية، لأن نسبة الدين إلى الصادرات عند 233% تضع مصر ضمن الفئة "الأكثر مديونية" عالمياً، ويمثل أي انخفاض في إيرادات العملة الصعبة خطراً مباشراً على قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها.

يوضح خبراء البنك الدولي أن خدمة الدين في مصر أصبحت تمثل 49% من الصادرات، وعملياً نصف العائدات الصافية من التصدير تُستخدم لدفع فوائد وأقساط، فتبقى موارد أقل لدى الدولة للاستثمار أو لاستيراد السلع الغذائية الأساسية والمحروقات، منوهين إلى مخاطر ارتفاع الديون قصيرة الأجل، والتي تفرض وجوب تجديدها خلال 12 شهراً، وتدفع البنك المركزي المصري إلى الحاجة المستمرة لجلب سيولة أجنبية، الأمر الذي يجعل الاقتصاد شديد الحساسية لأي هروب لرؤوس الأموال، خاصة الساخنة، أو تعرضه لصدمة خارجية.

يشرح خبراء البنك الدولي "المخاطر المركبة" التي وقعت بها مصر بسبب نسبة الديون المرتفعة، مع عبء الفوائد الكبيرة والاستحقاقات قصيرة الأجل التي تجعل الاقتصاد في مواجهة صدمات مالية عالية، مؤكدين أن سبب ذلك هو اعتماد الحكومة على إصدار سندات "اليوروبوند" و"الباندا الصينية" و"الساموراي اليابانية" وغيرها من أدوات الدين بالأسواق الدولية، بتمويل عالي الحجم، ما عرض مصر لتقلبات أسعار الفائدة العالمية وأسعار قروض مرتفعة في الأسواق الدولية، ورفع من تكلفة خدمة الدين بمعدلات كبيرة، خاصة عندما صعدت الفائدة عالمياً بعد عام 2021، في الوقت الذي تراجعت فيه مصادر مصر الدولارية من الأنشطة التقليدية كالسياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج، بسبب الأوضاع الأمنية والإقليمية، ورافقها اعتماد الحكومة على تدفقات مالية قصيرة الأجل واستثمارات ساخنة لتوفير العجز في العملة الصعبة، ما جعل صافي التدفقات النقدية الأجنبية سالباً.

دائرة جهنمية
يعلق رئيس لجنة الدين العام بالحوار الوطني والقيادي السياسي طلعت خليل بتأكيده أن الديون التي اقترضتها الحكومة على مدار العقد الماضي أدخلت مصر في "دائرة جهنمية" لن تخرج منها خلال السنوات المقبلة، مؤكداً أن مصر أصبحت في أتون تلك الدائرة لأن الحكومة لديها نهم لطلب المزيد من الديون الجديدة كي تتمكن من سداد القديمة منها.

يذكر خليل لـ"العربي الجديد" أن إيرادات الموازنة أصبحت عاجزة عن الإنفاق على البنود الستة الرئيسية في الموازنة العامة، التي تشمل الأجور والمرتبات الحكومية والاستثمارات العامة، بعدما امتصت أقساط الديون وفوائدها أغلب إيرادات الدولة، مذكراً بأن لجنة إدارة الدين العام، التي تشكلت ضمن "الحوار الوطني" الذي أدارته مؤسسة الرئاسة منذ ثلاث سنوات، ألزمت الحكومة بوقف طلب ديون جديدة إلا في حدود الضرورة القصوى التي تحددها مؤسسة الرئاسة. مع ذلك ما زالت تطلب المزيد من القروض، التي ترى أنها ضرورية وفقاً لمعايير تضعها لنفسها، بغض النظر عن مدى وجاهتها أو توجيه مواردها للاستثمار في مشروعات إنتاجية تحسن مستوى النمو وتوفر فرص العمل، بدلاً من إضافتها لمزيد من الأعباء على الموازنة العامة للدولة.

يقول خليل إن الحكومة فتحت باب الضمانات للقروض بقوة لهيئات البترول والكهرباء والنقل والتعمير والإسكان، حتى بلغت قيمتها حدوداً مرعبة، وأدخلت البلاد في دائرة مغلقة يصعب الفكاك منها في الوقت الراهن، إلا بمزيد من الاقتراض لسداد الديون أو بيع أصول عامة وخاصة الأراضي الجديدة، ما جعل أزمة الديون أكثر رعباً للاقتصاديين والأجيال المقبلة.ويشير خليل إلى خطورة عدم تسجيل الحكومة للديون الأجنبية التي يجري اقتراضها بضمان الخزانة العامة، مؤكداً استمرار الاقتراض لحساب الهيئات الاقتصادية والشركات التي تنشئها المؤسسات العامة والجهات السيادية المختلفة، باعتبارها قطاعات ممولة من خارج الموازنة، ولا تظهر ديونها في تقارير الديون التي تقدّم للبرلمان والمؤسسات الدولية، بينما تحصل أغلب تلك الجهات على قروض بضمان الخزانة العامة، بما يعكس وجود ثغرات هائلة لتسرّب الديون التي تلتزم الدولة بسدادها للأجانب، دون أن يكون لها موارد وإيرادات تفي بسداد قيمة الدين والفوائد المترتبة عليها.

يؤكد خبير التمويل والاستثمار أحمد خزيم لـ"العربي الجديد" أن تكلفة الدين تفرض ضغوطاً كبيرة على الإنفاق العام، الذي بدا واضحاً على قطاعي التعليم والصحة، فأصابته بالضعف الشديد. وزاد الطين بلة أن الحكومة اتجهت إلى خصخصة تلك الخدمات التي يجب توفيرها بالمجان لجميع المواطنين باعتبارها حقاً دستورياً، مبيناً أنه رغم محاولة الحكومة الحفاظ على الاستقرار المالي في الآونة الأخيرة، فإن مستوى الديون يرتفع، كما أن خدمة الدين أصبحت تمثل جزءاً كبيراً من الميزانية العامة، لأن الدين لا يرتبط فقط بالمبالغ المستحقة، بل يشمل فوائد كبيرة على الديون الخارجية قصيرة الأجل والطويلة، ويستهلك موارد الدولة المخصصة للإيرادات المحلية والاحتياجات الأساسية. ويشدد على أهمية وجود إدارة ذكية للديون تشمل إعادة هيكلة آجال السداد وتقليل الاعتماد على أدوات التمويل المكلفة وتحسين الموارد المحلية والخارجية وتخفيف المخاطر المستقبلية.

واقع مقلق وحكومة متفائلة

تشكّل أزمة الديون العامة نقطة مركزية في حوارات لجنة المراجعة التابعة لصندوق النقد الدولي، التي أنهت أعمالها للمراجعتين الخامسة والسادسة، والتي انتهت بتوصيات حول ضرورة توقف الحكومة عن المزيد من الاقتراض لتمويل مشروعات عامة، وقصر القروض الجديدة على تمويل سداد قروض قائمة وجب سدادها، مع التفاوض للحصول على شروط أفضل زمنياً وكلفة في سعر الفائدة، مع الإسراع في بيع الأصول العامة واستخدام عوائدها في سداد أقساط القروض ودعم الاحتياطي النقدي، واستبدال الودائع الخليجية في البنك المركزي بودائع حقيقية أو استثمارات تدر عوائد دولارية.في سياق مناقض تبدو الحكومة أكثر تفاؤلاً في مواجهة المخاطر التي يتحدث حولها الاقتصاديون، متجاهلة المخاوف التي يثيرونها حول كون مصر واحدة من أكثر الدول تعرضاً لضغط خدمة الدين العام، مع اندفاعها المتزايد نحو الاستثمار الساخن، مكتفية، على لسان وزير المالية أحمد كوجك التي أطلقها في تصريحات صحافية أخيراً، بأنها تعمل جاهدة على تقليل الاعتماد على الديون قصيرة الأجل والسندات الدولارية، وتوسيع قاعدة الصادرات، وإعادة هيكلة تدريجية لملف آجال الدين بما يقلل المخاطر على قدرة البلاد على سداد التزاماتها المالية وفقاً للجداول المتفق عليها مسبقاً مع الجهات الدائنة.

يحصر التقرير أهم الدائنين بين مؤسسات ثنائية ومتعددة الأطراف، بقيمة 60 ملياراً و319 مليون دولار، منها 12.29 مليار دولار للبنك الدولي، وحملة السندات 46.6 مليار، منها 27.3 مليار سندات دولية، لتعكس استحقاقات دولية متنوعة ومواعيد سداد أقل قابلية لإعادة التفاوض من دون ترتيبات رسمية مع الدائنين، بما يعرض البلاد لآليات تنسيق دولية عند أي عملية لإعادة هيكلة الديون.

يقدّر البنك المركزي مدفوعات أقساط وفوائد الديون لمصر خلال عام 2026 بنحو 33 مليار دولار، تصل إلى نحو 35 مليار دولار عام 2027، بينما يشير خبراء إلى ارتفاعها بنحو 15 مليار دولار إضافية، وهي قيمة ديون مسجلة على الهيئات الاقتصادية والشركات العامة، حصلت عليها من بنوك ومؤسسات دولية بضمانات الخزانة العامة.
اجمالي القراءات 34
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق